فن فاصلحت و احضرت، فما ارتفع النهار حتى فرغ منها، ثم امر الناس بالعبور، و امر عليهم ابنه المغيره، فخرج الناس، فلما قاربوا الشط خاضت اليهم الخوارج، فحاربوهم و حاربهم المغيره، و نضحهم بالسهام حتى تنحوا، و صار هو و اصحابه على الشط، فحاربوا الخوارج، فكشفوهم و شغلوهم حتى عقد المهلب الجسر و عبر، و الخوارج منهزمون، فنهى الناس عن اتباعهم، ففى ذلك يقول شاعر من الازد:ان العراق و اهله لم يخبروا مثل المهلب فى الحروب فسلموا امضى و ايمن فى اللقاء نقيبه و اقل تهليلا اذا ما احجموا و ابلى مع المغيره يومئذ عطيه بن عمرو العنبرى، من فرسان تميم و شجعانهم.و من شعر عطيه:يدعى رجال للعطاء و انما يدعى عطيه للطعان الاجرد و قال فيه شاعر من بنى تميم:و ما فارس الا عطيه فوقه اذا الحرب ابدت عن نواجذها الفما به هزم الله الازارق بعد ما اباحوا من المصرين حلا و محرما فاقام المهلب اربعين ليله يجبى الخراج بكور دجله، و الخوارج بنهر تيرى، و الزبير بن على منفرد بعسكره عن عسكر ابن الماحوز، فقضى المهلب التجار، و اعطى اصحابه، فاسرع الناس اليه رغبه فى مجاهده العدو و طمعا فى الغنائم و التجارات، فكان فيمن اتاه محمد بن واسع الازدى
و عبدالله بن رباح و معاويه بن قره المزنى، و كان يقول:لو جاءت الديلم من هاهنا و الحروريه من هاهنا لحاربت الحروريه، و جاءه ابو عمران الجونى.و كان يروى عن كعب ان قتيل الحروريه يفضل قتيل غيرهم بعشره ابواب.ثم اتى المهلب الى نهر تيرى، فتنحوا عنه الى الاهواز، و اقام المهلب يجبى ما حواليه من الكور، و قد دس الجواسيس الى عسكر الخوارج ياتونه باخبارهم و من فى عسكرهم، و اذا حشوه، ما بين قصاب و حداد و داعر.فخطب المهلب الناس، و ذكر لهم ذلك، و قال:امثل هولاء يغلبونكم على فيئكم! و لم يزل مقيما حتى فهمهم، و احكم امرهم و قوى اصحابه، و كثرت الفرسان فى عسكره، و تتام اصحابه عشرين الفا.ثم مضى يوم كور الاهواز، فاستخلف اخاه المعارك بن ابى صفره على نهر تيرى، و جعل المغيره على مقدمته، فسار حتى قاربهم، فناوشهم و ناوشوه، فانكشف عن المغيره بعض اصحابه، و ثبت المغيره نفسه بقيه يومه و ليلته يوقد النيران، ثم غاداهم فاذا القوم قد اوقدوا النيران فى بقيه متاعهم، و ارتحلوا عن سوق الاهواز، فدخلها المغيره، و قد جاءت اوائل خيل المهلب، فاقام بسوق الاهواز، و كتب بذلك الى الحارث القباع كتابا يقول فيه:اما بعد، فانا مذ خرجنا نوم العدو، فى نعم من ف
ضل الله متصله علينا، و نقم متتابعه عليهم، نقدم و يحجمون، و نحل و يرتحلون، الى ان حللنا سوق الاهواز، و الحمد لله رب العالمين، الذى من عنده النصر، و هو العزيز الحكيم.فكتب اليه الحارث:هنيئا لك اخا الازد الشرف فى الدنيا و الاجر، فى الاخره ان شاءالله.فقال المهلب لاصحابه، ما اجفى اهل الحجاز اما ترونه عرف اسمى و كنيتى و اسم ابى! قالوا:و كان المهلب يبث الاحراس فى الامن، كما يبثهم فى الخوف، و يذكى العيون فى الامصار كما يذكيها فى الصحارى، و يامر اصحابه بالتحرز، و يخوفهم البيات، و ان بعد منه العدو، و يقول:احذروا ان تكادوا كما تكيدون، و لاتقولوا:هزمناهم و غلبناهم و القوم خائفون وجلون، فان الضروره تفتح باب الحيله.ثم قام فيهم خطيبا، فقال:ايها الناس قد عرفتم مذهب هولاء الخوارج، و انهم ان قدروا عليكم فتنوكم فى دينكم، و سفكوا دماءكم، فقاتلوهم على ما قاتلهم عليه اولكم على بن ابى طالب، لقد لقيهم الصابر المحتسب مسلم بن عبيس، و العجل المفرط عثمان بن عبيدالله، و المعصى المخالف حارثه بن بدر، فقتلوا جميعا و قتلوا فالقوهم بحد و جد فانما هم مهنتكم و عبيدكم، و عار عليكم و نقص فى احسابكم و اديانكم ان يغلبكم هولاء على فيئكم، و ي
طاوا حريمكم.ثم سار يريدهم و هم بمناذر الصغرى، فوجه عبيدالله بن بشير بن الماحوز رئيس الخوارج رجلا يقال له واقد، مولى لال ابى صفره من سبى الجاهليه، فى خمسين رجلا، فيهم صالح بن مخراق الى نهر تيرى، و بها المعارك بن ابى صفره، فقتلوه و صلبوه، فنمى الخبر الى المهلب، فوجه ابنه المغيره، فدخل نهر تيرى، و قد خرج واقد منها، فاستنزل عمه فدفنه، و سكن الناس، و استخلف بها و رجع الى ابيه، و قد نزل بسولاف و الخوارج بها، فواقعهم، و جعل على بنى تميم الحريش بن هلال، فخرج رجل من اصحاب المهلب، يقال له عبدالرحمن الاسكاف، فجعل يحض الناس و يهون امر الخوارج، و يختال بين الصفين، فقال رجل من الخوارج لاصحابه:يا معشر المهاجرين، هل لكم فى قتله فيها الجنه! فحمل جماعه منهم على الاسكاف فقاتلهم وحده فارسا، ثم كبا به فرسه، فقاتلهم راجلا قائما و باركا، ثم كثرت به الجراحات فذبب بسيفه، ثم جعل يحثو فى وجوههم التراب، و المهلب غير حاضر، فقتل، ثم حضر المهلب فاعلم، فقال للحريش و لعطيه العنبرى:اسلمتما سيد اهل العراق، لم تعيناه و لم تستنقذاه حسدا، له لانه رجل من الموالى، و وبخهما.و حمل رجل من الخوارج على رجل من اصحاب المهلب فقلته، فحمل عليه المهلب فط
عنه فقتله، و مال الخوارج باجمعهم على العسكر، فانهزم الناس، و قتل منهم سبعون رجلا، و ثبت المهلب و ابنه المغيره يومئذ، و عرف مكانه.و يقال:حاص المهلب يومئذ حيصه.و يقول الازد:بل كان يرد المنهزمه و يحمى ادبارهم، و بنو تميم تزعم انه فر، و قال شاعرهم:بسولاف اضعت دماء قومى و طرت على مواشكه درور و قال آخر من بنى تميم:تبعنا الاعور الكذاب طوعا يزجى كل اربعه حمارا فيا ندمى على تركى عطائى معاينه و اطلبه ضمارا اذا الرحمن يسر لى قفولا فحرق فى قرى سولاف نارا قوله:(الاعور الكذاب)، يعنى به المهلب، كانت عينه عارت بسهم اصابها، و سموه الكذاب، لانه كان فقيها، و كان يتاول ما ورد فى الاثر من ان كل كذب يكتب كذبا الا ثلاثه:الكذب فى الصلح بين رجلين، و كذب الرجل لامراته بوعد، و كذب الرجل فى الحرب بتوعد و تهدد.قالوا:و جاء عنه (ص):(انما انت رجل فخذل عنا ما استطعت).و قال:(انما الحرب خدعه)، فكان المهلب ربما صنع الحديث ليشد به من امر المسلمين ما ضعف، و يضعف به من امر الخوارج ما اشتد، و كان حى من الازد يقال لهم الندب، اذا راوا المهلب رائحا اليهم قالوا:راح ليكذب، و فيه يقول رجل منهم:انت الفتى كل الفتى لو كنت
تصدق ما تقول فبات المهلب فى الفين، فلما اصبح رجع بعض المنهزمه، فصاروا فى اربعه آلاف، فخطب اصحابه، فقال:و الله ما بكم من قله، و ما ذهب عنكم الا اهل الجبن و الضعف و الطبع و الطمع، فان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، فسيروا الى عدوكم على بركه الله.فقام اليه الحريش بن هلال، فقال:انشدك الله ايها الامير ان تقاتلهم، الا ان يقاتلوك، فان فى اصحابك جراحا، و قد اثخنتهم هذه الجوله.فقبل منه، و مضى المهلب فى عشره فاشرب على عسكر الخوارج، فلم ير منهم احدا يتحرك، فقال له الحريش:ارتحل عن هذا المنزل، فارتحل، فعبر دجيلا و صار الى عاقول لايوتى الا من جهه واحده، فاقام به، و اقام الناس ثلاثا مستريحين.و فى يقوم سولاف يقول ابن قيس الرقيات:الا طرقت من آل ميه طارقه على انها معشوقه الدل عاشقه تراءت و ارض السوس بينى و بينها و رستاق سولاف حمته الازارقه اذا نحن شئنا صادفتنا عصابه حروريه فيها من الموت بارقه اجازت عيلنا العسكرين كليهما فباتت لنا دون اللحاف معانقه فاقام المهلب فى ذلك العاقول ثلاثه ايام ثم ارتحل، و الخوارج بسلى و سلبرى فنزل قريبا منهم، فقال ابن الماحوز لاصحابه، ما تنتظرون بعدوكم و قد هزمتموهم بالامس،
و كسرتم حدهم! فقال له واقد مولى ابى صفره:يا اميرالمومنين، انما تفرق عنهم اهل الضعف و الجبن، و بقى اهل النجده و القوه، فان اصبتهم لم يكن ظفرا هينا، لانى اراهم لايصابون حتى يصيبوا، و ان غلبوا ذهب الدين.فقال اصحابه:نافق واقد، فقال ابن الماحوز:لاتعجلوا على اخيكم، فانه انما قال هذا نظرا لكم.ثم وجه الزبير بن على الى عسكر المهلب، لينظر ما حالهم، فاتاهم فى مائتين فحزرهم و رجع.و امر المهلب اصحابه بالتحارس، حتى اذا اصبح ركب اليهم فى تعبئه، فالتقوا بسلى و سلبرى، فتصافوا، فخرج من الخوارج مائه فارس، فركزوا رماحهم بين الصفين، و اتكاوا عليها، و اخرج اليهم المهلب اعدادهم، ففعلوا مثل ما ففعلوا، لايرعون الا الصلاه، حتى اذا امسوا رجع كل قوم الى معسكرهم، ففعلوا هكذا ثلاثه ايام.ثم ان الخوارج تطاردوا لهم فى اليوم الثالث، فحمل عليهم هولاء الفرسان، فجالوا ساعه، ثم ان رجلا من الخوارج حمل على رجل فطعنه، فحمل عليه المهلب فطعنه، فحمل الخوارج باجمعهم، كما صنعوا يوم سولاف فضعضعوا الناس، و فقد المهلب و ثبت المغيره فى جمع اكثرهم اهل عمان.ثم نجم المهلب فى مائه، و قد انغمس كماه فى الدم، و على راسه قلنسوه مربعه فوق المغفر محشوه قزا و
قد تمزقت، و ان حشوها ليتطاير و هو يلهث، و ذلك فى وقت الظهر، فلم يزل يحاربهم حتى اتى الليل، و كثر القتلى فى الفريقين، فلما كان الغد غاداهم، و قد كان وجه بالامس رجلا من طاحيه بن سود بن مالك بن فهم، من الازد من ثقاته و اصحابه، يرد المنهزمين، فمر به عامر بن مسمع فرده، فقال:ان الامير اذن لى فى الانصراف، فبعث الى المهلب، فاعلمه، فقال:دعه فلا حاجه لى فى مثله من اهل الجبن و الضعف.ثم غاداهم المهلب فى ثلاثه آلاف، و قد تفرق عنه اكثر الناس، و قال لاصحابه:ما بكم من قله! ايعجز احدكم ان يلقى رمحه ثم يتقدم فياخذه! ففعل ذلك رجل من كنده، و اتبعه قوم، ثم قال المهلب لاصحابه:اعدوا مخالى فيها حجاره، و ارموا بها فى وقت الغفله، فانها تصد الفارس، و تصرع الراجل، ففعلوا.ثم امر مناديا ينادى فى اصحابه، يامرهم بالجد و الصبر، و يطمعهم فى العدو، ففعل ذلك حتى مر ببنى العدويه، من بنى مالك بن حنظله، فنادى فيهم فضربوه، فدعا المهلب بسيدهم- و هو معاويه بن عمرو- فجعل يركله برجله، فقال:اصلح الله الامير! اعفنى من ام كيسان- و الازد تسمى الركبه ام كيسان- ثم حمل المهلب و حملوا، و اقتتلوا قتالا شديدا، فجهد الخوارج، و نادى مناد منهم:الا ان المهلب
قد قتل.فركب المهلب برذونا وردا، و اقبل يركض بين الصفين، و ان احدى يديه لفى القباء، و ما يشعر لها، و هو يصيح:انا المهلب! فسكن الناس بعد ان كانوا قد ارتاعوا و ظنوا ان اميرهم قد قتل، و كل الناس مع العصر، فصاح المهلب بابنه المغيره:تقدم، ففعل و صاح بذكوان مولاه:قدم رايتك، ففعل، فقال له رجل من ولده:انك تغرر بنفسك، فزبره و زجره، و صاح:يا بنى سلمه، آمركم فتعصوننى! فتقدم و تقدم الناس فاجتلدوا اشد جلاد، حتى اذا كان مع المساء، قتل ابن الماحوز، و انصرف الخوارج و لم يشعر المهلب بقتله، فقال لاصحابه:ابغوا لى رجلا جلدا يطوف فى القتلى، فاشاروا عليه برجل من جرم، و قالوا:انا لم نر قط رجلا اشد منه، فجعل يطوف و معه النيران، فجعل اذا مر بجريح من الخوارج، قال:كافر و رب الكعبه! فاجهز عليه، و اذا مر بجريح من المسلمين امر بسقيه و حمله، و اقام المهلب يامرهم بالاحتراس، حتى اذا كان فى نصف الليل، وجه رجلا من اليحمد فى عشره، فصاروا الى عسكر الخوارج، فاذا هم قد تحملوا الى ارجان، فرجع الى المهلب فاعلمه، فقال لهم:انا الساعه اشد خوفا، احذروا البيات.و يروى عن شعبه بن الحجاج ان المهلب قال لاصحابه يوما:ان هولاء الخوارج قد يئسوا من نا
حيتكم الا من جهه البيات، فان يكن ذلك فاجعلوا شعاركم:(حم لاينصرون) فان رسول الله (ص) كان يامر بها.و يروى انه كان شعار اصحاب على بن ابى طالب (ع).فلما اصبح القوم غدوا على القتلى، فاصابوا ابن الماحوز قتيلا، ففى ذلك يقول رجل من الخوارج:بسلى و سلبرى مصارع فتيه كرام و عقرى من كميت و من ورد و قال آخر:بسلى و سلبرى جماجم فتيه كرام و صرعى لم توسد خدودها و قال رجل من موالى المهلب:لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثه، رميت به رجلا فصرعته، ثم رميت به رجلا فاصبت به اصل اذنه فصرعته، ثم اخذت الحجر و صرعت به ثالثا، و فى ذلك يقول رجل من الخوارج:اتانا باحجار ليقتلنا بها و هل يقتل الابطال ويحك بالحجر و قال رجل من اصحاب المهلب فى يوم سلى و سلبرى و قتل ابن الماحوز و يوم سلى و سلبرى احاط بهم منا صواعق لاتبقى و لاتذر حتى تركنا عبيدالله منجدلا كما تجدل جذع مال منقعر و يروى ان رجلا من الخوارج يوم سلى حمل على رجل من اصحاب المهلب، فطعنه، فلما خالطه الرمح صاح:يا امتاه! فصاح به المهلب:لا كثر الله منك فى المسلمين! فضحك الخارجى، و قال:امك خير لك منى صاحبا تسقيك محضا و تعل رائبا و كان المغيره بن المهلب اذا نظر الى
الرماح قد تشاجرت فى وجهه، نكس على قربوس السرج، و حمل من تحتها، فبراها بسيفه، و اثر فى اصحابها، فتحوميت الميمنه من اجله، و كان اشد ما تكون الحرب استعارا اشد ما يكون تبسما.و كان المهلب يقول:ما شهد معى حربا قط الا رايت البشرى فى وجهه! و قال رجل من الخوارج فى هذا اليوم:فان تك قتلى يوم سلى تتابعت فكم غادرت اسيافنا من قماقم غداه نكر المشرقيه فيهم بسولاف يوم المازق المتلاحم فكتب المهلب الى الحارث بن عبدالله بن ابى ربيعه القباع:اما بعد، فانا لقينا الازارقه المارقه بحد و جد، فكانت فى الناس جوله، ثم ثاب اهل الحفاظ و الصبر بنيات صادقه، و ابدان شداد، و سيوف حداد، فاعقب الله خير عاقبه، و جاوز بالنعمه مقدار الامل، فصاروا دريئه رماحنا، و ضرائب سيوفنا، و قتل الله اميرهم ابن الماحوز، و ارجو ان يكون آخر هذه النعمه كاولها، والسلام.فكتب اليه القباع:قد قرات كتابك يا اخا الازد، فرايتك قد وهب لك شرف الدنيا و عزها، و ذخر لك ان شاءالله ثواب الاخره و اجرها، و رايتك اوثق حصون المسلمين، و هاد اركان المشركين، و ذا الرياسه و اخا السياسه، فاستدم الله بشكره، يتمم عليكم نعمه.والسلام.و كتب اليه اهل البصره يهنئونه، و لم يكتب
اليه الاحنف، و لكن قال:اقرءوا عليه السلام و قولوا، انا لك على ما فارقتك عليه.فلم يزل يقرا الكتب و ينظر فى تضاعيفها، و يلتمس كتاب الاحنف فلا يراه، فلما لم يره، قال لاصحابه:اما كتب ابو بحر؟ فقال له الرسول:انه حملنى اليك رساله، فابلغه، فقال:هذا احب الى من هذه الكتب.و اجتمعت الخوارج بارجان، فبايعوا الزبير بن على، و هو من بنى سليط بن يربوع، من رهط ابن الماحوز، فراى فيهم انكسارا شديدا، و ضعفا بينا، فقال لهم:اجتمعوا، فاجتمعوا، فحمد الله و اثنى عليه و صلى على محمد رسوله (ص)، ثم اقبل عليهم فقال:ان البلاء للمومنين تمحيص و اجر، و هو على الكافرين عقوبه و خزى، و ان يصب منكم اميرالمومنين، فما صار اليه خير مما خلف، و قد اصبتم منهم مسلم بن عبيس و ربيعا الاجذم و الحجاج بن رباب و حارثه بن بدر، و اشجيتم المهلب و قتلتم اخاه المعارك، و الله يقول لاخوانكم المومنين:(ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الايام نداولها بين الناس)، فيوم سلى كان لكم بلاء و تمحيصا و يوم سولاف كان لهم عقوبه و نكالا، فلا تغلبن على الشكر فى حينه، و الصبر فى وقته، و ثقوا بانكم المستخلفون فى الارض، و العاقبه للمتقين.ثم تحمل للمحاربه نحو المهلب
، فنفحهم المهلب نفحه فرجعوا و اكمنوا للمهلب- فى غمض من غموض الارض يقرب من عسكره- مائه فارس ليغتالوه، فسار المهلب يوما يطيف بعسكره، و يتفقد سواده، فوقف على جبل، فقال:ان من التدبير لهذه المارقه ان تكون قد اكمنت فى سفح هذا الجبل كمينا، فبعث المهلب عشره فوارس، فاطلعوا على المائه، فلما علموا بهم قطعوا القنطره و نجوا و انكشفت الشمس فصاحوا:يا اعداء الله، لو قامت القيامه لجددنا و نحن فى جهادكم.ثم يئس الزبير من ناحيه المهلب، فضرب الى ناحيه اصبهان، ثم كر راجعا الى ارجان، و قد جمع جموعا، و كان المهلب يقول:كانى بالزبير و قد جمع لكم، فلا ترهبوهم، فتنخب قلوبكم، و لاتغفلوا الاحتراس فيطمعوا فيكم.فجاءوه من ارجان، فلقوه مستعدا آخذا بافواه الطرق، فحاربهم فظهر عليهم ظهورا بينا، ففى ذلك يقول رجل من بنى يربوع:سقى الله المهلب كل غيث من الوسمى ينتحر انتحارا فما وهن المهلب يوم جاءت عوابس خيلهم تبغى الغوارا و قال المهلب يومئذ:ما وقفت فى مضيق من الحرب الا رايت امامى رجالا من بنى الهجيم بن عمرو بن تميم يجالدون:و كان لحاهم اذناب العقاعق و (كانوا) صبروا معه فى غير مواطن.و قال رجل من اصحاب المهلب من بنى تميم:الا يا من
لصب مستهام قريح القلب قد مل المزونا لهان على المهلب ما لقينا اذا ما راح مسرورا بطينا يجر السابرى و نحن شعث كان جلودنا كسيت طحينا و حمل يومئذ الحارث بن هلال على قيس الاكاف، و كان من انجد فرسان الخوارج، فطعنه فدق صلبه، و قال:قيس الاكاف غداه الروع يعلمنى ثبت المقام اذا لاقيت اقرانى و قد كان بعض جيش المهلب يوم سلى و سلبرى صاروا الى البصره، فذكروا ان المهلب قد اصيب، فهم اهل البصره بالنقله الى الباديه، حتى ورد كتابه بظفره، فاقام الناس، و تراجع من كان ذهب منهم، فعند ذلك قال الاحنف:البصره بصره المهلب.و قدم رجل من كنده يعرف بابن ارقم، فنعى ابن عم له، و قال:انى رايت رجلا من الخوارج، و قد مكن رمحه من صلبه، فلم ينشب ان قدم المنعى سالما، فقيل له ذلك، فقال:صدق ابن ارقم، لما احسست برمحه بين كتفى صحت به:البقيه، فرفعه، و تلا:(بقيه الله خير لكم ان كنتم مومنين) و وجه المهلب بعقب هذه الوقعه رجلا من الازد، براس عبيدالله بن بشير بن الماحوز الى الحارث بن عبدالله، فلما صار بكربج دينار لقيته اخوه عبيدالله:حبيب و عبدالملك و على بنو بشير بن الماحوز فقالوا:ما الخبر؟ و هو لايعرفهم، فقال:قتل الله ابن الماحوز الما
رق، و هذا راسه معى، فوثبوا عليه فقتلوه و صلبوه، و دفنوا راس اخيهم عبيدالله، فلما ولى الحجاج دخل عليه على بن بشير، و كان وسيما جسيما، فقال:من هذا؟ فخبره، فقتله و وهب ابنه الازهر و ابنته لاهل الازدى المقتول، و كانت زينب بنت بشير لهم مواصله، فوهبوهما لها.قال ابوالعباس محمد بن يزيد المبرد فى كتاب "الكامل":و لم يزل المهلب يقاتل الخوارج فى ولايه الحارث القباع، حتى عزل و ولى مصعب بن الزبير، فكتب الى المهلب ان اقدم على، و استخلف ابنك المغيره.ففعل بعد ان جمع الناس.و قال لهم:انى قد استخلفت المغيره عليكم، و هو ابو صغيركم رقه و رحمه، و ابن كبيركم طاعه و برا و تبجيلا، و اخو مثله مواساه و مناصحه، فلتحسن له طاعتكم، و ليلن له جانبكم، فو الله ما اردت صوابا قط الا سبقنى اليه.ثم مضى الى مصعب، فكتب مصعب الى المغيره بولايته، و كتب اليه:انك ان لم تكن كابيك، فانك كاف لما وليت، فشمر و ائتزر، و جد و اجتهد.ثم شخص المصعب الى المزار، فقتل احمر بن شميط، ثم اتى الكوفه فقتل المختار، و قال للمهلب:اشر على برجل اجعله بينى و بين عبدالملك، فقال له:اذكر واحدا من ثلاثه:محمد بن عمير بن عطارد الدارمى، او زياد بن عمرو بن الاشرف العتكى او
داود ابن قحذم، قال:او تكفينى انت؟ قال:اكفيك ان شاءالله.فشخص فولاه الموصل فخرج اليها و صار مصعب الى البصره لينفر الى اخيه بمكه.فشاور الناس فيمن يستكفيه امر الخوارج، فقال قوم:ول عبدالله بن ابى بكره، و قال قوم:ول عمر بن عبيدالله بن معمر، و قال قوم:ليس لهم الا المهلب فاردده اليهم، و بلغت المشوره الخوارج فاداروا الامر بينهم، فقال قطرى بن الفجاءه المازنى- و لم يكن امروه عليهم بعد-:ان جاءكم عبدالله بن ابى بكره اتاكم سيد سمح كريم جواد مضيع لعسكره، و ان جاءكم عمر بن عبيدالله اتاكم فارس شجاع، بطل جاد، يقاتل لدينه و لملكه، و بطبيعه لم ار مثلها لاحد، فقد شهدته فى وقائع، فما نودى فى القوم لحرب الا كان اول فارس، حتى يشد على قرنه و يضربه، و ان رد المهلب فهو من قد عرفتموه، اذا اخذتم بطرف ثوب اخذ بطرفه الاخر، يمده اذا ارسلتموه، و يرسله اذا مددتموه، لايبدوكم الا ان تبدءوه، الا ان يرى فرصه فينتهزها، فهو الليث المبر، و الثعلب الرواغ، و البلاء المقيم.فولى مصعب عليهم عمر بن عبيدالله بن معمر، ولاه فارس، و الخوارج بارجان يومئذ و عليهم الزبير بن على السليطى، فشخص اليهم فقاتلهم، و الح عليهم حتى اخرجهم منها، فالحقهم باصبهان،
فلما بلغ المهلب ان مصعبا ولى حرب الخوارج عمر بن عبيدالله، قال:رماهم بفارس العرب و فتاها.فجمع الخوارج له، و اعدوا و استعدوا، ثم اتوا سابور.فسار اليهم حتى نزل منهم على اربعه فراسخ، فقال له مالك بن ابى حسان الازدى:ان المهلب كان يذكى العيون، و يخاف البيات، و يرتقب الغفله، و هو على ابعد من هذه المسافه منهم.فقال عمر:اسكت، خلع الله قلبك! اتراك تموت قبل اجلك! و اقام هناك، فلما كان ذات ليله بيته الخوارج، فخرج اليهم فحاربهم حتى اصبح، فلم يظفروا منه بشى ء.فاقبل على مالك بن ابى حسان، فقال:كيف رايت؟ فقال:قد سلم الله، و لم يكونوا يطمعون فى مثلها من المهلب، فقال:اما انكم لو ناصحتمونى مناصحتكم المهلب، لرجوت ان انفى هذا العدو، و لكنكم تقولون:قرشى حجازى، بعيد الدار خيره لغيرنا، فتقاتلون معى تعذيرا.ثم زحف الى الخوارج من غد ذلك اليوم، فقاتلهم قتالا شديدا، حتى الجاهم الى قنطره، فتكاثف الناس عليها حتى سقطت، فاقام حتى اصلحها، ثم عبر، و تقدم ابنه عبيدالله بن عمر- و امه من بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب- فقاتلهم حتى قتل، فقال قطرى للخوارج:لاتقاتلوا عمر اليوم، فانه موتور، قد قتلتم ابنه- و لم يعلم عمر بقتل ابنه حتى افضى ا
لى القوم، و كان مع ابنه النعمان بن عباد- فصاح به عمر:يا نعمان، اين ابنى؟ قال:احتسبه فقد استشهد صابرا مقبلا غير مدبر، فقال:انا لله و انا اليه راجعون! ثم حمل على الخوارج حمله لم ير مثلها، و حمل اصحابه بحملته، فقتلوا فى وجههم ذلك تسعين رجلا من الخوارج، و حمل على قطرى فضربه على جبينه ففلقه، و انهزمت الخوارج و انتهبها، فلما استقروا و راى ما نزل بهم، قال:الم اشر عليكم بالانصراف! فجعلوه حينئذ من وجوههم، حتى خرجوا من فارس، و تلقاهم فى ذلك الوقت الفزر بن مهزم العبدى، فسالوه عن خبره، و ارادوا قتله، فاقبل على قطرى، و قال:انى مومن مهاجر، فساله عن اقاويلهم فاجاب اليها، فخلوا عنه، ففى ذلك يقول فى كلمه له:فشدوا وثاقى ثم الجوا خصومتى الى قطرى ذى الجبين المفلق و حاججتهم فى دينهم فحججتهم و ما دينهم غير الهوى و التخلق ثم رجعوا و تكانفوا، و عادوا الى ناحيه ارجان، فسار اليهم عمر بن عبيدالله، و كتب الى مصعب:اما بعد، فانى لقيت الازارقه، فرزق الله عز و جل عبيدالله بن عمر الشهاده، و وهب له السعاده، و رزقنا بعد عليهم الظفر، فتفرقوا شذر مذر.و بلغنى عنهم عوده فيممتهم، و بالله استعين، و عليه اتوكل.فسار اليهم و معه عطيه
بن عمرو، و مجاعه بن سعر فالتقوا، فالح عليهم عمر حتى اخرجهم، و انفرد من اصحابه، فعمد الى اربعه عشر رجلا من مذكوريهم و شجعانهم، و فى يده عمود، فجعل لايضرب رجلا منهم ضربه الا صرعه، فركض اليه قطرى على فرس طمر و عمر على مهر، فاستعلاه قطرى بقوه فرسه، حتى كاد يصرعه، فبصر به مجاعه، فاسرع اليه، فصاحت الخوارج:يا ابانعامه، ان عدو الله.قد رهقك.فانحط قطرى على قربوسه و طعنه مجاعه، و على قطرى درعان فهتكهما و اسرع السنان فى راس قطرى، فكشط جلده و نجا، و ارتحل القوم الى اصفهان، فاقاموا برهه، ثم رجعوا الى الاهواز، و قد ارتحل عمر بن عبيدالله الى اصطخر، فامر مجاعه فجبى الخراج اسبوعا، فقال له:كم جبيت؟ قال:تسعمائه الف، فقال:هى لك.و قال يزيد بن الحكم لمجاعه:و دعاك دعوه مرهق فاجبته عمر و قد نسى الحياه و ضاعا فرددت عاديه الكتيبه عن فتى قد كاد يترك لحمه اوزاعا قال:ثم عزل مصعب بن الزبير: