شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و ذكر ابوعبيده ان انسانا قال لمالك بن اسماء بن خارجه الفزارى:اقض دينى ايها الامير، فان على دينا، قال:ما لك عندى الا ما ضرب به الحمار بطنه، فقال له عبيد بن ابى محجن:بارك الله لكم يا بنى فزاره فى اير الحمار، ان جعتم اكلتموه، و ان اصابكم غرم قضيتموه به.و يحكى ان بنى فزاره و بنى هلال بن عامر بن صعصعه تنافروا الى انس بن مدرك الخثعمى، و تراضوا به، فقالت بنوهلال:اكلتم يا بنى فزاره اير الحمار، فقالت بنوفزاره:و انتم مدرتم الحوض بسلحكم، فقضى انس لبنى فزاره على بنى هلال، فاخذ الفزاريون منهم مائه بعير كانوا تخاطروا عليها، و فى مادر يقول الشاعر:لقد جللت خزيا هلال بن عامر بنى عامر طرا بسلحه مادر فاف لكم لاتذكروا الفخر بعدها بنى عامر، انتم شرار المعاشر و ذكر ابوالعباس محمد بن يزيد المبرد فى كتاب "الكامل" ان قتيبه بن مسلم لما فتح سمرقند، افضى الى اثاث لم ير مثله، و آلات لم يسمع مثلها، فاراد ان يرى الناس عظيم ما فتح الله عليه، و يعرفهم اقدار القوم الذين ظهر عليهم فامر بدار ففر
شت، و فى صحنها قدور يرتقى اليها بالسلاليم، فاذا بالحضين بن المنذر بن الحارث بن وعله الرقاشى قد اقبل، و الناس جلوس على مراتبهم- و الحضين شيخ كبير- فلما رآه عبدالله بن مسلم قال لاخيه قتيبه:ائذن لى فى معاتبته، قال:لاترده، فانه خبيث الجواب، فابى عبدالله الا ان ياذن له- و كان عبدالله يضعف، و كان قد تسور حائطا الى امراه قبل ذلك- فاقبل على الحضين، فقال:امن الباب دخلت يا اباساسان؟ قال:اجل، اسن عمك عن تسور الحيطان، قال:ارايت هذه القدور؟ قال:هى اعظم من الا ترى، قال:ما احسب بكر بن وائل راى مثلها، قال:اجل، و لا عيلان، و لو رآها سمى شبعان، و لم يسم عيلان، فقال عبدالله:اتعرف يا اباساسان الذى يقول:عزلنا و امرنا و بكر بن وائل تجر خصاها تبتغى من تحالف فقال:اعرفه، و اعرف الذى يقول:فادى الغرم من نادى مشيرا و من كانت له اسرى كلاب و خيبه من يخيب على غنى و باهله بن اعصر و الرباب فقال:افتعرف الذى يقول:كان فقاح الازد حول ابن مسمع و قد عرقت افواه بكر بن وائل قال:نعم و اعرف الذى يقول:قوم قتيبه امهم و ابوهم لولا قتيبه اصبحوا فى مجهل قال:اما الشعر فاراك ترويه، فهل تقرا من القرآن شيئا، قال:نعم، اقرا
الاكثر الاطيب:(هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا).فاغضبه، فقال:و الله لقد بلغنى ان امراه الحضين حملت اليه و هى حبلى من غيره، قال:فما تحرك الشيخ عن هيئته الاولى، بل قال على رسله:و ما يكون! تلد غلاما على فراشى، فيقال:فلان ابن الحضين، كما يقال:عبدالله بن مسلم، فاقبل قتيبه على عبدالله، و قال له:لايبعد الله غيرك.و غرضنا من هذه الحكايه الادبيه المستحسنه قول الحضين تعريضا بفاحشه عبدالله:(اجل، اسن عمك عن تسور الحيطان).و يحكى ان اباالعيناء اهدى الى ابى على البصير- و قد ولد له مولود- حجرا، يذهب فى ذلك الى قوله (ع):(الولد للفراش، و للعاهر الحجر)، فاستخرج ابو على ذلك بفطنته و ذكائه، ثم ولد بعد ايام لابى العيناء مولود، فقال له:فى اى وقت ولد لك؟ قال:وقت السحر، فقال:اطرد قياسه، و خرج فى الوقت الذى يخرج فيه امثاله- يعنى السوال- يعرض بان اباالعيناء شحاذ، و ان ولده خرج يشبهه.و من التعريضات و الرموز بالفعل دون القول ما ذكره مورج بن عمرو السدوسى فى كتاب "الامثال" ان الاحوص بن جعفر الكلابى، اتاه آت من قومه، فقال:ان رجلا لانعرفه جاءنا، فلما دنا منا حيث نراه، نزل عن راحلته، فعلق على شجره وطبا من ل
بن، و وضع فى بعض اغصانها حنظله، و وضع صره من تراب، و حزمه من شوك، ثم اثار راحلته، فاستوى عليها و ذهب- و كان ايام حرب تميم و قيس عيلان- فنظر الاحوص فى ذلك، فعى به، فقال:ارسلوا الى قيس بن زهير، فاتوا قيسا، فجاءوا به اليه، فقال له:الم تك اخبرتنى انه لا يرد عليك امر الا عرفت ما فيه ما لم تر نواصى الخيل! قال:ما خبرك؟ فاعلمه، فقال:(قد بين الصبح لذى عينين)، هذا رجل قد اخذت عليه العهود الا يكلمكم، و لايرسل اليكم، و انه قد جاء فانذركم.اما الحنظله، فانه يخبركم انه قد اتاكم بنوحنظله، و اما الصره من التراب، فانه يزعم انهم عدد كثير، و اما الشوك فيخبركم ان لهم شوكه، و اما الوطب فانه يدلكم على قرب القوم و بعدهم، فذوقوه، فان كان حليبا فالقوم قريب، و ان كان قارصا فالقوم بعيد، و ان كان المسيخ لاحلوا و لاحامضا فالقوم لا قريب و لا بعيد.فقاموا الى الوطب فوجدوه حليبا، فبادروا الاستعداد، و غشيتهم الخيل فوجدتهم مستعدين.و من الكنايات، بل الرموز الدقيقه، ما حكى ان قتيبه بن مسلم دخل على الحجاج و بين يديه كتاب قد ورد اليه من عبدالملك، و هو يقروه، و لايعلم معناه، و هو مفكر، فقال:ما الذى احزن الامير؟ قال:كتاب ورد من اميرالمومنين
، لااعلم معناه، فقال:ان راى الامير اعلامى به! فناوله اياه، و فيه:(اما بعد، فانك سالم، والسلام).فقال قتيبه:ما لى ان استخرجت لك ما اراد به؟ قال:ولايه خراسان، قال:انه ما يسرك ايها الامير، و يقر عينك، انما اراد قول الشاعر:يديروننى عن سالم و اديرهم و جلده بين العين و الانف سالم اى انت عندى مثل سالم عند هذا الشاعر، فولاه خراسان.حكى الجاحظ فى كتاب "البيان و التبيين" قال:خطب الوليد بن عبدالملك فقال:(اميرالمومنين عبدالملك قال:ان الحجاج جلده ما بين عينى و انفى، الا و انى اقول:ان الحجاج جلده وجهى كله).و على ذكر هذا البيت، حكى ان رجلا كان يسقى جلساءه شرابا صرفا غير ممزوج، و كان يحتاج الى المزج لقوته، فجعل يغنى لهم:يديروننى عن سالم و اديرهم و جلده بين العين و الانف سالم فقال له واحد منهم:يا ابا فلان، لو نقلت (ما) من غنائك الى شرابك، لصلح غناونا و نبيذنا جميعا.و يشبه حكايه قتيبه و الحجاج كتاب عبدالملك الى الحجاج، جوابا عن كتاب كتبه اليه يغلظ فيه امر الخوارج، و يذكر فيه حال قطرى و غيره و شده شوكتهم، فكتب اليه عبدالملك:(اوصيك بما اوصى به البكرى زيدا، والسلام).فلم يفهم الحجاج ما اراد عبدالملك، فاستع
لم ذلك من كثير من العلماء باخبار العرب فلم يعلموه، فقال:من جاءنى بتفسيره فله عشره آلاف درهم، و ورد رجل من اهل الحجاز يتظلم من بعض العمال، فقال له قائل:اتعلم ما اوصى به البكرى زيدا؟ قال:نعم اعلمه، فقيل له:فات الامير، فاخبره و لك عشره آلاف درهم، فدخل عليه فساله، فقال:نعم ايها الامير، انه يعنى قوله:اقول لزيد لاتترتر فانهم يرون المنايا دون قتلك او قتلى فان وضعوا حربا فضعها، و ان ابوا فعرضه نار الحرب مثلك او مثلى و ان رفعوا الحرب العوان التى ترى فشب وقود النار بالحطب الجزل فقال الحجاج:اصاب اميرالمومنين فيما اوصانى، و اصاب البكرى فيما اوصى به زيدا، و اصبت ايها الاعرابى، و دفع اليه الدراهم.و كتب الى المهلب:ان اميرالمومنين اوصانى بما اوصى به البكرى زيدا، و انا اوصيك بذلك، و بما اوصى به الحارث بن كعب بنيه.فنظر المهلب فى وصيه الحارث بن كعب، فاذا فيها:يا بنى كونوا جميعا، و لاتكونوا شيعا فتفرقوا، و بزوا قبل ان تبزوا.الموت فى قوه و عز، خير من الحياه فى ذل و عجز.فقال المهلب:صدق البكرى و اصاب، و صدق الحارث و اصاب.و اعلم ان كثيرا مما ذكرناه داخل فى باب التعريض، و خارج عن باب الكنايه، و انما ذكرناه
لمشابهه الكنايه، و كونهما كالنوعين تحت جنس عام، و سنذكر كلاما كليا فيهما اذا انتهينا الى آخر الفصل ان شاءالله.و من الكنايات قول ابى نواس:و ناظره الى من النقاب تلاحظنى بطرف مستراب كشفت قناعها فاذا عجوز مموهه المفارق بالخضاب فما زالت تجشمنى طويلا و تاخذ فى احاديث التصابى تحاول ان يقوم ابوزياد و دون قيامه شيب الغراب اتت بجرابها تكتال فيه فقامت و هى فارغه الجراب و الكنايه فى البيت الاخير و هى ظاهره.و منها قول ابى تمام:ما لى رايت ترابكم بئس الثرى ما لى ارى اطوادكم تتهدم فكنى ب(بئس الثرى) عن تنكر ذات بينهم، و ب(تهدم الاطواد) عن خفه حلومهم و طيش عقولهم.و منها قول ابى الطيب:و شر ما قنصته راحتى قنص شهب البزاه سواء فيه و الرخم كنى بذلك عن سيف الدوله، و انه يساوى بينه و بين غيره من اراذل الشعراء و خامليهم فى الصله و القرب.و قال الاقيشر لرجل:ما اراد الشاعر بقوله:و لقد غدوت بمشرف يافوخه مثل الهراوه ماوه يتفصد ارن يسيل من المراح لعابه و يكاد جلد اهابه يتقدد قال:انه يصف فرسا، فقال:حملك الله على مثله، و هذان البيتان من لطيف الكنايه و رشيقها، و انما عنى العضو.