شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و ذكرت ان صاحبى هو الذى اغرى الناس بعثمان و دسهم اليه حتى قتلوه، و هذا امر لم اطلع عليه.و ذكرت لى ان عظم عشيرتى لم تسلم من دم عثمان، فلعمرى ان اولى الناس كان فى امره عشيرتى، و اما ما سالتنى من مبايعتك على الطلب بدمه، و ما عرضته على فقد فهمته، و هذا امر لى نظر فيه و فكر، و ليس هذا مما يعجل الى مثله
، و انا كاف عنك، و ليس ياتيك من قبلى شى ء تكرهه، حتى ترى و نرى، ان شاءالله تعالى.و السلام عليك و رحمه الله و بركاته.قال ابراهيم:فلما قرا معاويه كتابه لم يره الا مقاربا مباعدا، و لم يامن ان يكون له فى ذلك مخادعا مكايدا فكتب اليه:اما بعد، فقد قرات كتابك، فلم ارك تدنو فاعدك سلما.و لم ارك تتباعد فاعدك حربا، اراك كحبل الجرور، و ليس مثلى يصانع بالخداع، و لايخدع بالمكايد، و معه عدد الرجال و اعنه الخيل، فان قبلت الذى عرضت عليك فلك ما اعطيتك، و ان انت لم تفعل ملات مصر عليك خيلا و رجلا.والسلام.فلما قرا قيس كتابه، و علم انه لايقبل منه المدافعه و المطاوله، اظهر له ما فى نفسه، فكتب اليه:من قيس بن سعد، الى معاويه بن ابى سفيان:اما بعد، فالعجب من استسقاطك رايى، و الطمع فى ان تسومنى- لا ابا لغيرك- الخروج من طاعه اولى الناس بالامر، و اقولهم بالحق، و اهداهم سبيلا، و اقربهم من رسول الله وسيله.و تامرنى بالدخول فى طاعتك و طاعه ابعد الناس من هذا الامر، و اقولهم بالزور.و اضلهم سبيلا، و ادناهم من رسول الله وسيله، و لديك قوم ضالون مضلون.طواغيت من طواغيت ابليس.و اما قولك انك تملا على مصر خيلا و رجلا، فلئن لم اشغلك عن ذلك ح
تى يكون منك، انك لذو جد.والسلام.فلما اتى معاويه كتاب قيس، ايس و ثقل مكانه عليه، و كان ان يكون مكانه غيره احب اليه، لما يعلم من قوته و تابيه و نجدته، و اشتداد امره على معاويه، فاظهر للناس ان قيسا قد بايعكم، فادعوا الله له.و قرا عليهم كتابه الذى لان فيه و قاربه، و اختلق كتابا نسبه الى قيس فقراه على اهل الشام:للامير معاويه بن ابى سفيان من قيس بن سعد:اما بعد، ان قتل عثمان كان حدثا فى الاسلام عظيما، و قد نظرت لنفسى و دينى، فلم ار يسعنى مظاهره قوم قتلوا امامهم مسلما محرما برا تقيا، فنستغفر الله سبحانه لذنوبنا، و نساله العصمه لديننا.الا و انى قد القيت اليكم بالسلام، و اجبتك الى قتال قتله امام الهدى المظلوم، فاطلب منى ما احببت من الاموال و الرجال اعجله اليك ان شاءالله.و السلام على الامير و رحمه الله و بركاته.قال:فشاع فى الشام كلها ان قيسا صالح معاويه، و اتت عيون على بن ابى طالب اليه، بذلك فاعظمه و اكبره و تعجب له، و دعا ابنيه حسنا و حسينا و ابنه محمدا و عبدالله بن جعفر، فاعلمهم بذلك، و قال:ما رايكم؟ فقال عبدالله بن جعفر:يا اميرالمومنين، دع ما يريبك الى ما لايريبك.اعزل قيسا عن مصر.قال على:و الله انى غير
مصدق بهذا على قيس.فقال عبدالله:اعزله يا اميرالمومنين، فان كان ما قد قيل حقا فلا يعتزل لك ان عزلته، قال:و انهم لكذلك اذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد، فيه:اما بعد، فانى اخبر يا اميرالمومنين- اكرمك الله و اعزك- ان قبلى رجالا معتزلين سالونى ان اكف عنهم و ادعهم على حالهم حتى يستقيم امر الناس فنرى و يرون، و قد رايت ان اكف عنهم و لااعجل بحربهم، و ان اتالفهم فيما بين ذلك، لعل الله ان يقبل بقلوبهم، و يفرقهم عن ضلالتهم ان شاءالله.والسلام.فقال عبدالله بن جعفر:يا اميرالمومنين، انك ان اطعته فى تركهم و اعتزالهم استشرى الامر و تفاقمت الفتنه، و قعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها، و لكن مره بقتالهم.فكتب اليه:اما بعد، فسر الى القوم الذين ذكرت، فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و الا فناجزهم، والسلام.قال:فلما اتى هذا الكتاب قيسا فقراه لم يتمالك ان كتب الى على:اما بعد يا اميرالمومنين، تامرنى بقتال قوم كافين عنك، و لم يمدوا يدا للفتنه، و لاارصدوا لها، فاطعنى يا اميرالمومنين، و كف عنهم، فان الراى تركهم، والسلام.فلما اتاه هذا الكتاب، قال عبدالله بن جعفر:يا اميرالمومنين، ابعث محمد بن ابى بكر الى مصر يكفك امرها، و ا
عزل قيسا، فو الله لبلغنى ان قيسا يقول:ان سلطانا لايتم الا بقتل مسلمه بن مخلد لسلطان سوء، و الله ما احب ان لى سلطان الشام مع سلطان مصر، و اننى قتلت ابن مخلد.و كان عبدالله بن جعفر اخا محمد بن ابى بكر لامه، و كان يحب ان يكون له امره و سلطان، فاستعمل على (ع) محمد بن ابى بكر على مصر، لمحبه له و لهوى عبدالله بن جعفر اخيه فيه، و كتب معه كتابا الى اهل مصر، فسار حتى قدمها، فقال له قيس:ما بال اميرالمومنين! ما غيره! ادخل احد بينى و بينه! قال:لا و هذا السلطان سلطانك.- و كان بينهما نسب، كان تحت قيس قريبه بنت ابى قحافه اخت ابى بكر الصديق، فكان قيس زوج عمته- فقال قيس:لا و الله لااقيم معك ساعه واحده، و غضب حين عزله على عنها، و خرج منها مقبلا الى المدينه و لم يمض الى على بالكوفه.قال ابراهيم:و كان قيس مع شجاعته و نجدته جوادا مفضالا، فحدثنى على بن محمد بن ابى سيف، عن هاشم، عن عروه، عن ابيه، قال:لما خرج قيس بن سعد من مصر، فمر باهل بيت من بلقين، فنزل بمائهم، فنحر له صاحب المنزل جزورا و اتاه بها، فلما كان الغد نحر له اخرى، ثم حبستهم السماء اليوم الثالث، فنحر لهم ثالثه، ثم ان السماء اقلعت فلما اراد قيس ان يرتحل، وضع عشرين
ثوبا من ثياب مصر، و اربعه آلاف درهم عند امراه الرجل، و قال لها:اذا جاء صاحبك، فادفعى هذه اليه، ثم رحل، فما اتت عليه الا ساعه حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس، و معه رمح، و الثياب و الدراهم بين يديه، فقال:يا هولاء خذوا ثيابكم و دراهمكم فقال قيس:انصرف ايها الرجل، فانا لم نكن لناخذها، قال:و الله لتاخذنها، فقال قيس:لله ابوك! الم تكرمنا و تحسن ضيافتنا فكافاناك! فليس بهذا باس، فقال الرجل:انا لاناخذ لقرى الاضياف ثمنا، و الله لاآخذها ابدا.فقال قيس:اما اذ ابى الا ياخذها فخذوها، فو الله ما فضلنى رجل من العرب غيره.قال ابراهيم:و قال ابوالمنذر:مر قيس فى طريقه برجل من بلى، يقال له:الاسود بن فلان فاكرمه، فلما اراد قيس ان يرتحل وضع عند امراته ثيابا و دراهم، فلما جاء الرجل دفعته اليه، فلحقه فقال:ما انا بائع ضيافتى، و الله لتاخذن هذا او لانفذن الرمح بين جنبيك! فقال قيس:ويحكم خذوه.قال ابراهيم:ثم اقبل قيس حتى قدم المدينه، فجاءه حسان بن ثابت شامتا - به و كان عثمانيا- فقال له:نزعك على بن ابى طالب، و قد قتلت عثمان، فبقى عليك الاثم، و لم يحسن لك الشكر! فزجره قيس و قال:يا اعمى القلب، يا اعمى البصر، و الله لو لاالق
ى بين رهطى و رهطك حربا لضربت عنقك.ثم اخرجه من عنده.قال ابراهيم:ثم ان قيسا و سهل بن حنيف، خرجا حتى قدما على على الكوفه، فخبره قيس الخبر و ما كان بمصر فصدقه.و شهد مع على صفين هو و سهل بن حنيف قال ابراهيم:و كان قيس طوالا اطول الناس و امدهم قامه، و كان سناطا اصلع شيخا شجاعا مجربا مناصحا لعلى و لولده، و لم يزل على ذلك الى ان مات.قال ابراهيم:حدثنى ابوغسان، قال:اخبرنى على بن ابى سيف، قال:كان قيس بن سعد مع ابى بكر و عمر فى سفر فى حياه رسول الله (ص)، فكان ينفق عليهما و على غيرهما و يفضل.فقال له ابوبكر:ان هذا لايقوم به مال ابيك فامسك يدك.فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عباده لابى بكر:اردت ان تبخل ابنى! انا لقوم لانستطيع البخل.قال:و كان قيس بن سعد يقول فى دعائه:اللهم ارزقنى حمدا و مجدا و شكرا، فانه لا حمد الا بفعال، و لا مجد الا بمال.اللهم وسع على فان القليل لايسعنى و لااسعه.(ولايه محمد بن ابى بكر على مصر و اخبار مقتله) قال ابراهيم:و كان عهد على الى محمد بن ابى بكر الذى قرى ء بمصر:هذا ما عهد عبدالله على اميرالمومنين الى محمد بن ابى بكر حين ولاه مصر، امره بتقوى الله فى السر و العلانيه، و خوف الله
تعالى فى المغيب و المشهد، و امره باللين على المسلم، و الغلظ على الفاجر، و بالعدل على اهل الذمه، و بالانصاف للمظلوم، و بالشده على الظالم، و بالعفو عن الناس و بالاحسان ما استطاع، و الله يجزى المحسنين.و امره ان يدعو من قبله الى الطاعه و الجماعه، فان لهم فى ذلك من العاقبه و عظم المثوبه ما لايقدر قدره و لايعرف كنهه.و امره ان يجبى خراج الارض على ما كانت تجبى عليه من قبل، و لاينتقص و لايبتدع، ثم يقسمه بين اهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل، و ان تكن لهم حاجه يواس بينهم فى مجلسه و وجهه، ليكون القريب و البعيد عنده على سواء.و امره ان يحكم بين الناس بالحق، و ان يقوم بالقسط، و لايتبع الهوى، و لايخاف (فى الله) لومه لائم، فان الله مع من اتقاه و آثر طاعته على من سواه.و كتبه عبدالله بن ابى رافع مولى رسول الله لغره شهر رمضان سنه ست و ثلاثين.