الشرح:
القده، بالدال المهمله و بكسر القاف: الطريقه، و يقال لكل فرقه من الناس اذا كانت ذات هوى على حده: قده، و منه قوله تعالى: (كنا طرائق قددا)، و من رواه: (و يركبون قذتهم) بالذال المعجمه و ضم القاف اراد الواحده من قذذ السهم، و هى ريشه، يقال: حذو القذه بالقذه، و يكون معنى: (و تركبون قذتهم)، تقتفون آثارهم و تشابهون بهم فى افعالهم.ثم قال: و تطئون جادتهم، و هذه لفظه فصيحه جدا.ثم ذكر قساوه القلوب و ضلالها عن رشدها، و قال: (كان المعنى سواها)، هذا مثل قول النبى (ص): (كان الموت فيها على غيرنا كتب، و كان الحق فيها على غيرنا وجب).الشرح:
و قال اصحابنا رحمهم الله تعالى: الصراط الوارد ذكره فى الكتاب العزيز، هو الطريق لاهل الجنه الى الجنه، و لاهل النار الى النار بعد المحاسبه، قالوا: لان اهل الجنه ممرهم على باب النار، فمن كان من اهل النار عدل به اليها، و قذف فيها، و من كان من اهل الجنه مر بالنار مرورا نجا منها الى الجنه، و هو معنى قوله تعالى: (و ان منكم الا واردها)، لان ورودها هو القرب منها، و الدنو اليها، و قد دل القرآن على سور مضروب بين مكان النار و بين الموضع الذى يجتازون منه الى الجنه فى قوله: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه و ظاهره من قبله العذاب).قالوا: و لايصح ما روى فى بعض الاخبار ان الصراط ادق من الشعر و احد من السيف، و ان المومن يقطعه كمرور البرق الخاطف، و الكافر يمشى عليه حبوا، و انه ينتفض بالذين عليه حتى تتزايل مفاصلهم.قالوا: لان مثل ذلك لايكون طريقا للماشى، و لايتمكن من المشى عليه، و لو امكن لم يصح التكليف فى الاخره، ليومر العقلاء بالمرور عليه على وجه التعبد.ثم سال اصحابنا انفسهم، فقالوا: اى فائده فى عمل هذا السور؟ و اى فائده فى كون الطريق الذى هو الصراط منتهيا الى باب النار منفرجا منها الى الجنه؟الستم تعللون افعال البارى ء تعالى بالمصالح، و الاخره ليست دار تكليف ليفعل فيها هذه الافعال للمصالح! و اجابوا بان شعور المكلفين فى الدنيا بهذه الاشياء مصالح لهم، و الطاف فى الواجبات العقليه، فاذا اعلم المكلفون بها وجب ايقاعها على حسب ما وعدوا و اخبروا به، لان الله صادق لاخلف فى اخباره.و عندى انه لايمتنع ان يكون الصراط على ما وردت به الاخبار، و لامانع من ذلك قولهم: لايكون طريقا للماشى، و لايتمكن من المشى عليه مسلم، و لكن لم لايجوز ان يكون فى جعله على هذا الوجه و الاخبار عن كيفيته هذه مصلحه للمكلفين فى الدنيا؟ و ليس عدم تمكن الانسان من المشى عليه بمانع من ايقاعه على هذا الوجه، لان المراد من هذا و امثاله هو التخويف و الزجر.و اما قولهم: الاخره ليست دار تكليف، فلقائل ان يقول لهم: لم قلتم: انه تكليف؟ و لم لايجوز ان يكون المكلفون مضطرين الى سلوكه اضطرارا؟ فالمومن يخلق الله فيه الثبات و السكينه، و الحركه السريعه فينجو و يسلم، و الكافر يخلق فيه ضد ذلك فيهوى و يعطب و لا مانع من ذلك.يقال: مكان دحض و دحض، بالتحريك، اى زلق، و ادحضته انا ازلقته فدحض هو.و الاهاويل: الامور المفزعه.و تارات اهواله، كقوله: دفعات اهواله، و
انما جعل اهواله تارات، لان الامور الهائله اذا استمرت لم تكن فى الازعاج و الترويع، كما تكون اذا طرات تاره، و سكنت تاره.و انصب الخوف بدنه: اتعب، و النصب: التعب.و التهجد هنا: صلاه الليل، و اصله: السهر، و قد جاء التهجد بمعنى النوم ايضا، و هو من الاضداد.الغرار: قله النوم، و اصله قله لبن الناقه، و يقال: غارت الناقه تغار غرارا قل لبنها.فان قلت: كيف توصف قله النوم بالسهر، و انما يوصف بالسهر الانسان نفسه؟ قلت: هذا من مجازات كلامهم، كقولهم ليل ساهر، و ليل نائم.و الهواجر: جمع هاجره، و هى نصف النهار عند اشتداد الحر، يقال: قد هجر النهار، و اتينا اهلنا مهجرين، اى سائرين فى الهاجره.و ظلف: منع، و ظلفت نفس فلان، بالكسر عن كذا، اى كفت.و اوجف: اسرع، كانه جعل الذكر لشده تحريكه اللسان موجفا به، كما توجف الناقه براكبها، و الوجيف: ضرب من السير.ثم قال: (و قدم الخوف لامانه)، اللام هاهنا لام التعليل، اى قدم خوفه ليامن.و المخالج: الامور المختلجه، اى الجاذبه، خلجه و اختلجه، اى جذبه.و اقصد المسالك: اقومها.و طريق قاصد، اى مستقيم.و فتله عن كذا، اى رده و صرفه، و هو قلب (لفت).و يروى: (قد عبر معبر العاجله حميدا، و قدم زاد الاجله
سعيدا).و اكمش: اسرع، و مثله انكمش و رجل كمش اى سريع، و قد كمش بالضم كماشه فهو كمش و كميش، و كمشته تكميشا: اعجلته.قوله: (و رغب فى طلب، و ذهب عن هرب)، اى و رغب فيما يطلب مثله، و فر عما يهرب من مثله، فاقام المصدر مقام ذى المصدر.و نظر قدما امامه، اى و نظر ما بين يديه مقدما لم ينثن و لم يعرج، و الدال مضمومه هاهنا.قال الشاعر يذم امراه: تمضى اذا زجرت عن سواه قدما كانها هدم فى الجفر منقاض و من رواه بالتسكين، جاز ان يعنى به هذا و يكون قد خفف، كما قالوا: حلم و حلم.و جاز ان يجعله مصدرا، من قدم الرجل بالفتح، يقدم قدما، اى تقدم، قال الله تعالى: (يقدم قومه يوم القيامه)، اى يتقدمهم الى ورودها، كانه قال: (و نظر بين يديه متقدما لغيره و سابقا اياه الى ذلك).و الباء فى (بالجنه) و (بالنار) و (بالله) و (بالكتاب) زائده، و التقدير: كفى الله، و كفى الكتاب!