الشرح:
(اعذر بما انذر)، ما هاهنا مصدريه، اى اعذر بانذاره.و يجوز ان تكون بمعنى (الذى).و العدو المذكور: الشيطان.و قوله: (نفذ فى الصدور) و (نفث فى الاذان) كلام صحيح بديع.و فى قوله: (نفذ فى الصدور)، مناسبه لقوله (ص): (الشيطان يجرى من بنى آدم مجرى الدم)، و النجى: الذى يساره، و الجمع الانجيه، قال.انى اذا ما القوم كانوا انجيه و قد يكون النجى جماعه مثل الصديق، قال الله تعالى: (خلصوا نجيا)، اى متناجين.القرينه هاهنا: الانسان الذى قارنه الشيطان، و لفظه لفظ التانيث، و هو مذكر، اراد القرين، قال تعالى: (فبئس القرين)، و يجوز ان يكون اراد بالقرينه النفس، و يكون الضمير عائدا الى غير مذكور لفظا لما دل المعنى عليه، لان قوله: (فاضل و اردى و وعد فمنى)، معناه اضل الانسان و اردى، و وعده فمنى، فالمفعول محذوف لفظا، و اليه رجع الضمير على هذا الوجه، و يقال: غلق الرهن اذا لم يفتكه الراهن فى الوقت المشروط، فاستحقه المرتهن.و هذا الكلام ماخوذ من قوله تعالى: (و قال الشيطان لما قضى الامر ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخى...) الايه.
الشرح:
ام هنا اما استفهاميه على حقيقتها، كانه قال: اعظكم و اذكركم بحال الشيطان و اغوائه، ام بحال الانسان منذ ابتدا وجوده الى حين مماته، و اما ان تكون منقطعه بمعنى (بل) كانه قال: عادلا و تاركا لما وعظهم به، بل اتلو عليكم نبا هذا الانسان الذى حاله كذا.الشغف بالغين المعجمه: جمع شغاف، بفتح الشين، و اصله غلاف القلب، يقال: شغفه الحب، اى بلغ شغافه، و قرى ء: (قد شغفها حبا).و الدهاق: المملوءه، و يروى (دفاقا) من دفقت الماء اى صببته.قال: (و علقه محاقا)، المحاق: ثلاث ليال من آخر الشهر، و سميت محاقا لان القمر يمتحق فيهن، اى يخفى و تبطل صورته، و انما جعل العلقه محاقا هاهنا، لانها لم تحصل لها الصوره الانسانيه بعد، فكانت ممحوه ممحوه ممحوقه.و اليافع: الغلام المرتفع، ايفع و هو يافع، و هذا من النوادر.و غلام يفع و يفعه و غلمان ايفاع و يفعه ايضا.قوله: (و خبط سادرا)، خبط البعير اذا ضرب بيديه الى الارض، و مشى لايتوقى شيئا.و السادر: المتحير، و السادر ايضا: الذى لايهتم و لايبالى ما صنع، و الموضع يحتمل كلا التفسيرين.و الماتح: الذى يستقى الماء من البئر و هو على راسها.و المائح: الذى نزل البئر اذا قل ماوها، فيملا الدلاء.و سئل بعض ائمه اللغه عن الفرق بين الماتح و المائح، فقال: اعتبر نقطتى الاعجام، فالاعلى للاعلى، و الادنى للادنى.و الغرب: الدلو العظيمه.و الكدح: شده السعى و الحركه، قال تعالى: (يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا).قوله: (و بدوات)، اى ما يخطر له من آرائه التى تختلف فيها دواعيه، فتقدم و تحجم، و مات غريرا، اى شابا، و يمكن ان يراد به انه غير مجرب للامور.و الهفوه: الزله، هفا يهفو.لم يفد عوضا، اى لم يكتسب.و غبر جماحه: بقاياه، قال ابوكبير الهذلى: و مبرا من كل غبر حيضه و فساد مرضعه و داء مغيل و الجماح الشره و ارتكاب الهوى.و سنن مراحه، السنن: الطريقه، و المراح: شده الفرج و النشاط.قوله: (فظل سادرا)، السادر هاهنا غير السادر الاول، لانه هاهنا المغمى عليه كانه سكران، و اصله من سدر البعير من شده الحر و كثره الطلاء بالقطران، فيكون كالنائم لايحس، و مراده (ع) هاهنا انه بدا به المرض.و لادمه للصدر: ضاربه له، و التدام النساء: ضربهن الصدور عند النياحه.سكره ملهثه: تجعل الانسان لاهثا لشدتها لهث يلهث لهثانا، و لهاثا و يروى (ملهيه) بالياء، اى تلهى الانسان و تشغله.و الكارثه (فاعله) من كرثه الغم يكرثه بالضم، اى
اشتد عليه و بلغ منه غايه المشقه.الجذبه: جذب الملك الروح من الجسد او جذب الانسان اذا احتضر ليسجى.و السوقه: من سياق الروح عند الموت.و المبلس: الذى ييئس من رحمه الله، و منه سمى ابليس.و الابلاس ايضا: الانكسار و الحزن.و السلس: السهل المقاده.و الاعواد خشب الجنازه، و رجيع وصب: الرجيع المعنى الكال: و الوصب الوجع، وصب الرجل يوصب، فهو واصب، و اوصبه الله فهو موصب.و الموصب بالتشديد: الكثير الاوجاع.و النضو: الهزيل.و حشده الاخوان: جمع حاشد، و هو المتاهب المستعد.و دار غربته: قبره.و كذلك منقطع زورته، لان الزياره تنقطع عنده.و مفرد وحشته نحو ذلك، لانفراده بعمله، و استيحاش الناس منه، حتى اذا انصرف المشيع و هو الخارج مع جنازته، اقعد فى حفرته.هذا تصريح بعذاب القبر، و سنذكر ما يصلح ذكره فى هذا الموضع.و النجى: المناجى.و نزول الحميم و تصليه الجحيم، من الالفاظ الشريفه القرآنيه.ثم نفى (ع) ان يكون فى العذاب فتور يجد الانسان معه راحه، او سكون يزيح عنه الالم اى يزيله، او ان الانسان يجد فى نفسه قوه تحجز بينه و بين الالم، اى تمنع و يموت موتا ناجزا معجلا، فيستريح، او ينام فيسلو وقت نومه عما اصابه من الالم فى اليقظه كما فى دا
ر الدنيا.ثم قال: (بين اطوار الموتات)، و هذا فى ظاهره متناقض، لانه نفى الموت مطلقا، ثم قال: (بين اطوار الموتات)، و الجواب انه اراد بالموتات الالام العظيمه، فسماها موتات، لان العرب تسمى المشقه العظيمه موتا، كما قال: انما الميت ميت الاحياء و يقولون: الفقر الموت الاحمر، و استعمالهم مثل ذلك كثير جدا.ثم قال: (انا بالله عائذون)، عذت بفلان و استعذت به، اى التجات اليه.(فصل فى ذكر القبر و سوال منكر و نكير) و اعلم ان لقاضى القضاه فى كتاب "طبقات المعتزله" فى باب (القبر و سوال منكر)، و نكير كلاما انا اورد هاهنا بعضه، قال رحمه الله تعالى: ان عذاب القبر انما انكره ضرار بن عمرو، و لما كان ضرار من اصحاب واصل بن عطاء، ظن كثير من الناس ان ذلك مما انكرته المعتزله، و ليس الامر كذلك، بل المعتزله رجلان: احدهما يجوز عذاب القبر، و لايقطع به، و هم الاقلون، و الاخر يقطع على ذلك، و هم اكثر اصحابنا لظهور الاخبار الوارده فيه، و انما تنكر المعتزله قول طائفه من الجهله انهم يعذبون و هم موتى، لان العقل يمنع من ذلك، و اذا كان الانسان مع قرب العهد بموته، و لما يدفن يعلمون انه لايسمع و لايبصر و لايدرك، و لايالم و لايلتذ، فكيف يجوز عليه
ذلك و هو ميت فى قبره! و ما روى من ان الموتى يسمعون لايصح الا ان يراد به ان الله تعالى احياهم، و قوى حاسه سمعهم، فسمعوا و هم احياء.قال رحمه الله تعالى: و انكر ايضا مشايخنا ان يكون عذاب القبر دائما فى كل حال، لان الاخبار انما وردت بذلك فى الجمله، فالذى يقال به هو قدر ما تقتضيه الاخبار دون ما زاد عليه مما لا دليل عليه، و لذلك لسنا نوقت فى التعذيب وقتا، و ان كان الاقرب فى الاخبار انها الاوقات المقارنه للدفن، و ان كان لانعنيها باعيانها.هكذا قال قاضى القضاه، و الذى اعرفه انا من مذهب كثير من شيوخنا قبل قاضى القضاه ان الاغلب ان يكون عذاب القبر بين النفختين.ثم ان قاضى القضاه سال نفسه، فقال: اذا كانت الاخره هى وقت المجازاه، فكيف يعذب فى القبر فى ايام الدنيا؟ و اجاب بان القليل من العقاب المستحق قد يجوز ان يجعله الله فى الدنيا لبعض المصالح، كما فعل فى تعجيل اقامه الحدود على من يستحقها، فلا يمنع منه تعالى ان يفعل ذلك بالانسان اذا كان من اهل النار.ثم سال نفسه، فقال: اذا كان بالموت قد زال عنه التكليف، فكيف يقولون يكون ذلك من مصالحه! و اجاب بانا لم نقل: ان ذلك من مصالحه و هو ميت، و انما نقول انه مصلحه ان نعلم فى الدنيا
ذلك من حال الموتى، لانه اذا تصور انه مات عوجل بضرب من العقاب فى القبر، كان اقرب الى ان ينصرف عن كثير من المعاصى.و قد يجوز ان يكون ذلك لطفا للملائكه الذين يتولون هذا التعذيب.فاما القول فى منكر و نكير، فانه سال نفسه رحمه الله تعالى، و قال: كيف يجوز ان يسموا باسماء الذم، و عندكم ان الملائكه افضل من الانبياء؟ و اجاب، فقال: ان التسميه اذا كانت لقبا لم يقع بها ذم، لان الذم انما يقع لفائده الاسم، و الالقاب كالاشارات لا فائده تحتها، و لذا يلقب الرجل المسلم بظالم و كلب و نحو ذلك، فيجوز ان يكون هذان الاسمان من باب الالقاب، و يجوز ان يسميا بذلك من حيث يهجمان على الانسان عند اكمال الله تعالى عقله على وجه ينكره و يرتاع منه، فسميا منكرا و نكيرا.قال: و قد روى فى المساءله فى القبر اخبار كثيره و كل ذلك مما لاقبح فيه، بل يجوز ان يكون من مصالح المكلفين فلا يصح المنع عنه.و جمله الامر ان كل ما ثبت من ذلك بالتواتر و الاجماع، و ليس بمستحيل فى القدره، و لا قبيح فى الحكمه يجب القول به، و ما عداه مما وردت به آثار و اخبار آحاد يجب ان يجوز، و يقال: انه مظنون ليس بمعلوم، اذا لم يمنع منه الدليل.