الشرح:
حقاق المفاصل جمع حقه، و جاء فى جمعها حقاق و حقق و حق، و لما قال: (بتباين اعضاء خلقك، و تلاحم حقاق مفاصلهم)، فاوقع التلاحم فى مقابله التباين صناعه و بديعا.و روى (المحتجه)، فمن قال: (المحتجه)، اراد انها بما فيها من لطيف الصنعه كالمحتجه المستدله على التدبير الحكمى من لدنه سبحانه، و من قال: (المحتجبه) اراد المستتره، لان تركيبها الباطن خفى محجوب.و الند: المثل.و العادلون بك: الذين جعلوا لك عديلا و نظيرا.و نحلوك: اعطوك، و هى النحله، و روى: (لم يعقد) على ما لم يسم فاعله.و غيب ضميره، بالرفع.و القرائح: جمع قريحه، و هى القوه التى تستنبط بها المعقولات و اصله من قريحه البئر، و هو اول مائها.و معنى هذا الفصل انه (ع) شهد بان المجسم كافر، و انه لايعرف الله، و ان من شبه الله بالمخلوقين ذوى الاعضاء المتباينه، و المفاصل المتلاحمه، لم يعرفه و لم يباشر قلبه اليقين، فانه لا ند له و لا مثل، ثم اكد ذلك بايات من كتاب الله تعالى، و هى قوله تعالى: (فكبكبوا فيها هم و الغاوون، و جنود ابليس اجمعون، قالوا و هم فيها يختصمون، تالله ان كنا لفى ضلال مبين، اذ نسويكم برب العالمين).حكى سبحانه حكايه قول الكفار فى النار، و هم التابعون للذين اغووهم من الشياطين و هم المتبوعون.لقد كنا ضالين اذ سويناكم بالله تعالى، و جعلناكم مثله، و وجه الحجه انه تعالى حكى ذلك حكايه منكر على من زعم ان شيئا من الاشياء يجوز تسويته بالبارى سبحانه، فلو كان البارى سبحانه جسما مصورا، لكان مشابها لسائر الاجسام المصوره، فلم يكن لانكاره على من سواه بالمخلوقات معنى.ثم زاد (ع) فى تاكيد هذا المعنى، فقال: كذب العادلون بك، المثبتون لك نظيرا و شبيها، يعنى المشبهه و المجسمه، اذ قالوا: انك على صوره آدم، فشبهوك بالاصنام التى كانت الجاهليه تعبدها، و اعطوك حليه المخلوقين لما اقتضت اوهامهم ذلك، من حيث لم يالفوا ان يكون القادر الفاعل العالم الا جسما، و جعلوك مركبا و متجزئا، كما تتجزا الاجسام، و قدروك على هذه الخلقه، يعنى خلقه البشر المختلفه القوى، لانها مركبه من عناصر مختلفه الطبائع.ثم كرر الشهاده فقال: اشهد ان من ساواك بغيرك، و اثبت انك جوهر او جسم فهو عادل بك كافر.و قالت تلك الخارجيه للحجاج: (اشهد انك قاسط عادل)، فلم يفهم اهل الشام حوله ما قالت، حتى فسره لهم، قال (ع) فمن يذهب الى هذا المذهب فهو كافر بالكتاب، و بما دلت عليه حجج العقول.ثم قال: و انك انت الله،
اى و اشهد انك انت الله الذى لم تحط العقول بك، كاحاطتها بالاشياء المتناهيه، فتكون ذا كيفيه.و قوله: (فى مهب فكرها) استعاره حسنه، ثم قال: (و لا فى رويات خواطرها)، اى فى افكارها.محدودا، ذا حد مصرفا، اى قابلا للحركه و التغير.و قد استدل بعض المتكلمين على نفى كون البارى ء- سبحانه- جسما بما هو ماخوذ من هذا الكلام، فقال: لو جاز ان يكون البارى ء جسما، لجاز ان يكون القمر هو اله للعالم، لكن لايجوز ان يكون القمر اله العالم، فلا يجوز ان يكون البارى ء جسما، بيان الملازمه انه لو جاز ان يكون البارى ء سبحانه جسما، لما كان بين الالهيه و بين الجسميه منافاه عقليه، و اذا لم يكن بينهما منافاه عقليه امكن اجتماعهما، و اذا امكن اجتماعهما جاز ان يكون القمر هو اله العالم، لانه لا مانع من كونه اله العالم الا كونه جسما يجوز عليه الحركه، و الافول، و نقصان ضوئه تاره، و امتلاوه اخرى، فاذا لم يكن ذلك منافيا للالهيه، جاز ان يكون القمر اله العالم، و بيان الثانى اجماع المسلمين على كفر من اجاز كون القمر اله العالم، و اذا ثبتت الملازمه و ثبتت المقدمه الثانيه فقد تمت الدلاله.