شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فقطع الفرات و الله ما قطعه معه من قيس الا رجلان: ابن حديد السلمى- و كان اخاه من الرضاعه- و الكوثر بن الاسود الغنوى، و غدر به سائر النزاريه مع تعصبه لهم، فلما اجتاز ببلاد قنسرين و خناصره، اوقعوا بساقته، و وثب به اهل حمص، و صار الى دمشق، فوثب به الحارث بن عبدالرحمن الحرشى ثم العقيلى، ثم اتى الاردن فوثب به هاشم بن عمرو التميمى، ثم مر بفلسطين، فوثب به اهلها، و علم مروان ان اسماعيل بن عبد الله قد غشه فى الراى، و لم يمحضه النصيحه، و انه فرط فى مشورته اياه اذ شاور رجلا من قحطان موتورا ش
انئا له، و ان الراى كان اول الذى هم به من قطع الدرب و النزول ببعض مدن الروم و مكاتبته ملكها.و لله امر هو بالغه! لما نزل مروان بالزاب، جرد من رجاله ممن اختاره من اهل الشام و الجزيره و غيرها مائه الف فارس، على مائه الف قارح، ثم نظر اليهم، و قال: انها لعده و لاتنفع العده، اذا انقضت المده.لما اشرف عبدالله بن على يوم الزاب فى المسوده، و فى اوائلهم البنود السود، تحملها الرجال على الجمال البخت، و قد جعل لها بدلا من القنا خشب الصفصاف و الغرب قال مروان لمن قرب منه: اما ترون رماحهم كانها النخل غلظا! اما ترون اعلامهم فوق هذه الابل كانها قطع الغمام السود! فبينما هو ينظرها و يعجب، اذ طارت قطعه عظيمه من الغربان السود، فنزلت على اول عسكر عبدالله بن على، و اتصل سوادها بسواد تلك الرايات و البنود، و مروان ينظر، فازداد تعجبه، و قال: اما ترون الى السواد قد اتصل بالسواد، حتى صار الكل كالسحب السود المتكاثفه! ثم اقبل على رجل الى جنبه فقال: الا تعرفنى من صاحب جيشهم؟ فقال: عبدالله بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب.قال: ويحك! امن ولد العباس هو؟ قال: نعم، قال: و الله لوددت ان على بن ابى طالب (ع) مكانه فى هذا الصف، قال: يا امي
رالمومنين، اتقول هذا لعلى مع شجاعته التى ملا الدنيا ذكرها! قال: ويحك! ان عليا مع شجاعته صاحب دين، و ان الدين غير الملك، و انا نروى عن قديمنا انه لاشى ء لعلى و لا لولده فى هذا.ثم قال: من هو من ولد العباس، فانى لااثبت شخصه؟ قال: هو الرجل الذى كان يخاصم بين يديك عبدالله بن معاويه بن عبدالله بن جعفر.فقال اذكرنى صورته و حليته، قال: هو الرجل الاقنى الحديد العضل، المعروق الوجه، الخفيف اللحيه، الفصيح اللسان، الذى قلت لما سمعت كلامه يومئذ: يرزق الله البيان من يشاء، فقال: و انه لهو! قال: نعم، فقال: انا لله و انا اليه راجعون! اتعلم لم صيرت الامر بعدى لولدى عبدالله، و ابنى محمد اكبر سنا منه؟ قال: لا، قال: ان آباءنا اخبرونا ان الامر صائر بعدى الى رجل اسمه عبدالله فوليته دونه.ثم بعث مروان بعد ان حدث صاحبه بهذا الحديث الى عبدالله بن على سرا، فقال: يا ابن عم، ان هذا الامر صائر اليك، فاتق الله و احفظنى فى حرمى، فبعث اليه عبدالله: ان الحق لنا فى دمك، و ان الحق علينا فى حرمك.قلت: ان مروان ظن ان الخلافه تكون لعبدالله بن على، لان اسمه عبدالله، و لم يعلم انها تكون لاخر اسمه عبدالله، و هو ابوالعباس السفاح.كان العلاء بن رافع س
بط ذى الكلاع الحميرى مونسا لسليمان بن هشام بن عبدالملك لايكاد يفارقه، و كان امر المسوده بخراسان قد ظهر و دنوا من العراق، و اشتد ارجاف الناس، و نطق العدو بما احب فى بنى اميه اوليائهم.قال العلاء: فانى لمع سليمان و هو يشرب تجاه رصافه ابيه، و ذلك فى آخر ايام يزيد الناقص، و عنده الحكم الوادى، و هو يغنيه بشعر العرجى: ان الحبيب تروحت اجماله اصلا، فدمعك دائم اسباله فاقن الحياء فقد بكيت بعوله لو كان ينفع باكيا اعواله! يا حبذا تلك الحمول و حبذا شخص هناك، و حبذا امثاله! فاجاد ما شاء، و شرب سليمان بن هشام بالرطل، و شربنا معه حتى توسدنا ايدينا، فلم انتبه الا بتحريك سليمان اياى، فقمت مسرعا، و قلت: ما شان الامير؟ فقال: على رسلك، رايت كانى فى مسجد دمشق، و كان رجلا على يده حجر، و على راسه تاج، ارى بصيص ما فيه من الجوهر، و هو رافع صوته بهذا الشعر: ابنى اميه قد دنا تشتيتكم و ذهاب ملككم و ليس براجع و ينال صفوته عدو ظالم كاسا لكم بسمام موت ناقع فقلت: اعيذ الامير بالله وساوس الشيطان الرجيم! هذا من اضغاث الاحلام، و مما يقتضيه و يجلبه الفكر، و سماع الاراجيف.فقال: الامر كما قلت لك، ثم وجم ساعه، و قال: يا حميرى،
بعيد ما ياتى به الزمان قريب! قال العلاء: فو الله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم.سئل بعض شيوخ بنى اميه عقيب زوال الملك عنهم: ما كان سبب زوال ملككم؟ فقال: جار عمالنا على رعيتنا، فتمنوا الراحه منا، و تحومل على اهل خراجنا فجلوا عنا، و خربت ضياعنا فخلت بيوت اموالنا، و وثقنا بوزرائنا، فاثروا مرافقهم على منافعنا، و امضوا امورا دوننا، اخفوا علمها عنا، و تاخر عطاء جندنا، فزالت طاعتهم لنا، و استدعاهم عدونا، فظافروه على حربنا، و طلبنا اعداءنا فعجزنا عنهم لقله انصارنا، و كان استتار الاخبار عنا من اوكد اسباب زوال ملكنا.كان سعيد بن عمر بن جعده بن هبيره المخزومى، احد وزراء مروان و سماره، فلما ظهر امر ابى العباس السفاح، انحاز الى بنى هاشم، و مت اليهم بام هانى ء بنت ابى طالب، و كانت تحت هبيره بن ابى وهب، فاتت منه بجعده، فصار من خواص السفاح و بطانته، فجلس السفاح يوما، و امر باحضار راس مروان و هو بالحيره يومئذ، ثم قال للحاضرين: ايكم يعرف هذا؟ فقال سعيد: انا اعرفه، هذا راس ابى عبدالملك مروان بن محمد بن مروان خليفتنا بالامس، رحمه الله تعالى! قال سعيد: فحدقت الى الشيعه، و رمتنى بابصارها، فقال لى ابوالعباس: فى اى سنه كان مولد
ه؟ قلت: سنه ست و سبعين، فقام و قد تغير لونه غضبا على، و تفرق الناس من المجلس، و تحدثوا به، فقلت: زله و الله لاتستقال و لاينساها القوم ابدا! فاتيت منزلى، فلم ازل باقى يومى اعهد و اوصى، فلما كان الليل اغتسلت و تهيات للصلاه- و كان ابوالعباس اذا هم بامر بعث فيه ليلا- فلم ازل ساهرا حتى اصبحت و ركبت بغلتى، و افكرت فيمن اقصد فى امرى، فلم اجد احدا اولى من سليمان بن مجالد مولى بنى زهره، و كانت له من ابى العباس منزله عظيمه، و كان من شيعه القوم، فاتيته، فقلت له: اذكرنى اميرالمومنين البارحه؟ قال: نعم، جرى ذكرك، فقال: هو ابن اختنا، و فى لصاحبه، و نحن لو اوليناه خيرا لكان لنا اشكر.فشكرت لسليمان بن مجالد ما اخبرنى به، و جزيته خيرا، و انصرفت.فلم ازل من ابى العباس على ما كنت عليه، لاارى منه الا خيرا.و انما ذلك المجلس الى عبدالله بن على و الى ابى جعفر المنصور، فاما عبدالله بن على فكتب الى ابى العباس يغريه بى، و يعاتبه على الامساك عنى، و يقول له: انه ليس مثل هذا مما يحتمل، و كتب اليه ابوجعفر يعذر لى، و ضرب الدهر ضربه، فاتى ذات يوم عند ابى العباس، فنهض و نهضت، فقال لى: على رسلك يابن هبيره! فجلست، فرفع الستر، و دخل و ثبت فى مج
لسه قليلا، ثم خرج فى ثوبى وشى و رداء و جبه، فما رايت و الله احسن منه و لا مما عليه قط، فقال لى: يابن هبيره، انى ذاكر لك امرا، فلا يخرجن من راسك الى احد من الناس.قلت: نعم، قال: قد علمت ما جعلنا من هذا الامر و ولايه العهد لمن قتل مروان، و انما قتله عمى عبدالله بجيشه و اصحابه و نفسه و تدبيره، و انا شديد الفكر فى امر اخى ابى جعفر، فى فضله و علمه و سنه و ايثاره لهذا الامر، كيف اخرجه عنه! فقلت: اصلح الله اميرالمومنين! انى احدثك حديثا تعتبر به، و تستغنى بسماعه عن مشاورتى، قال: هاته، فقلت: كنا مع مسلمه بن عبدالملك عام الخليج بالقسطنطينيه، اذ ورد علينا كتاب عمر بن عبدالعزيز ينعى سليمان، و مصير الامر اليه، فدخلت اليه، فرمى الكتاب الى فقراته، و استرجعت، و اندفع يبكى و اطال، فقلت: اصلح الله الامير و اطال بقاءه! ان البكاء على الامر الفائت عجز، و الموت منهل لابد من ورده، فقال: ويحك! انى لست ابكى على اخى، لكنى ابكى لخروج الامر عن ولد ابى الى ولد عمى! فقال ابوالعباس: حسبك، فقد فهمت عنك، ثم قال: اذا شئت فانهض، فلما نهضت لم امض بعيدا حتى قال لى: يابن هبيره! فالتفت اليه، فقال: اما انك قد كافات احدهما، و اخذت بثارك من الاخر، ق
ال سعيد: فو الله ما ادرى من اى الامرين اعجب! من فطنته ام من ذكره.لما ساير عبدالله بن على فى آخر ايام بنى اميه عبدالله بن حسن بن حسن، و معهما داود بن على، فقال داود لعبدالله بن الحسن: لم لاتامر ابنيك بالظهور؟ فقال عبدالله بن حسن: لم يان لهما بعد، فالتفت اليه عبدالله بن على، فقال: اظنك ترى ان ابنيك قاتلا مروان! فقال عبدالله بن حسن: انه ذلك، قال: هيهات! ثم تمثل: سيكفيك الجعاله مستميت خفيف الحاذ من فتيان جرم انا و الله اقتل مروان، و اسلبه ملكه، لا انت و لا ولداك! و قد روى ابوالفرج الاصفهانى فى كتاب الاغانى روايه اخرى فى سبب قتل السفاح لمن كان امنه من بنى اميه، قال حدث الزبير بن بكار، عن عمه، ان السفاح انشد يوما قصيده مدح بها، و عنده قوم من بنى اميه كان آمنهم على انفسهم، فاقبل على بعضهم، فقال: اين هذا مما مدحتم به! فقال: هيهات! لايقول و الله احد فيكم مثل قول ابن قيس الرقيات فينا: ما نقموا من بنى اميه الا انهم يحلمون ان غضبوا و انهم معدن الملوك فما تصلح الا عليهم العرب فقال له: يا ماص كذا من امه! و ان الخلافه لفى نفسك بعد! خذوهم.