الشرح:
قبسا، منصوب بالمفعوليه، اى اورى رسول الله (ص) قبسا، و القبس: شعله من النار، و القابس: طالب الاستصباح منها.و الكلام مجاز، و المراد الهدايه فى الدين.و علما، منصوب ايضا بالمفعوليه، اى و انا رسول الله (ص) علما.لحابس، اى نصب لمن قد حبس ناقته- ضلالا، فهو يخبط لايدرى كيف يهتدى الى المنهج- علما يهتدى به.فان قلت: فهل يجوز ان ينصب (قبسا) و (علما) على ان يكون كل واحد منهما حالا، اى حتى اورى رسول الله فى حال كونه قبسا و انار فى حال كونه علما؟ قلت: لم اسمع (اورى الزند) و انما المسموع (ورى) و (ورى) و لم يجى ء (اورى) الا متعديا، اورى زيد زنده، فان حمل هاهنا على المتعدى احتيج الى حذف المفعول، و يصير تقديره: حتى اورى رسول الله الزند حال كونه قبسا، فيكون فيه نوع تكلف و استهجان.و البعيث: المبعوث.و مقسما: نصيبا، و ان جعلته مصدرا جاز.و النزول: طعام الضيف.و الوسيله: ما يتقرب به، و قد فسر قولهم فى دعاء الاذان: (اللهم آته الوسيله)، بانها درجه رفيعه فى الجنه.و السناء بالمد: الشرف.و زمرته: جماعته.و خزايا: جمع خزيان، و هو الخجل المستحيى، مثل سكران و سكارى، و حيران و حيارى، و غيران و غيارى.و ناكبين، اى عادلين عن الطريق.و ناكثين، اى ناقضين للعهد.قلت: سالت النقيب اباجعفر رحمه الله- و كان منصفا بعيدا عن الهوى و العصبيه عن هذا الموضع- فقلت له: قد وقفت على كلام الصحابه و خطبهم فلم ار فيها من يعظم رسول الله (ص) تعظيم هذا الرجل، و لايدعو كدعائه، فانا قد وقفنا من "نهج البلاغه" و من غيره على فصول كثيره مناسبه لهذا الفصل، تدل على اجلال عظيم، و تبجيل شديد منه لرسول الله (ص).فقال: و من اين لغيره من الصحابه كلام مدون يتعلم منه كيفيه ذكرهم للنبى (ص) ؟ و هل وجد لهم الا كلمات مبتدره، لاطائل تحتها! ثم قال: ان عليا (ع) كان قوى الايمان برسول الله (ص) و التصديق له، ثابت اليقين، قاطعا بالامر، متحققا له، و كان مع ذلك يحب رسول الله (ص) لنسبته منه، و تربيته له، و اختصاصه به من دون اصحابه.و بعد، فشرفه له، لانهما نفس واحده فى جسمين: الاب واحد، و الدار واحده، و الاخلاق متناسبه، فاذا عظمه فقد عظم نفسه، و اذا دعا اليه فقد دعا الى نفسه، و لقد كان يود ان تطبق دعوه الاسلام مشارق الارض و مغاربها، لان جمال ذلك لاحق به، و عائ
د عليه، فكيف لايعظمه و يبجله و يجتهد فى اعلاء كلمته! فقلت له: قد كنت اليوم انا و جعفر بن مكى الشاعر نتجاذب هذا الحديث، فقال جعفر: لم ينصر رسول الله (ص) احد نصره ابى طالب و بنيه له، اما ابوطالب فكفله و رباه، ثم حماه من قريش عند اظهار الدعوه، بعد اصفاقهم و اطباقهم على قتله، و اما ابنه جعفر فهاجر بجماعه من المسلمين الى ارض الحبشه، فنشر دعوته بها، و اما على فانه اقام عماد المله بالمدينه، ثم لم يمن احد من القتل و الهوان و التشريد بما منى به بنو ابى طالب، اما جعفر فقتل يوم موته، و اما على فقتل بالكوفه بعد ان شرب نقيع الحنظل، و تمنى الموت، و لو تاخر قتل ابن ملجم لمات اسفا و كمدا، ثم قتل ابناه بالسم و السيف، و قتل بنوه الباقون مع اخيهم بالطف، و حملت نساوهم على الاقتاب سبايا الى الشام، و لقيت ذريتهم و اخلافهم بعد ذلك من القتل و الصلب و التشريد فى البلاد و الهوان و الحبس و الضرب ما لايحيط الوصف بكنهه، فاى خير اصاب هذا البيت من نصرته، و محبته و تعظيمه بالقول و الفعل! فقال رحمه الله- و اصاب فيما قال-: فهلا قلت: (يمنون عليك ان اسلموا قل لاتمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين).ثم قال: و هلا
قلت له: فقد نصرته الانصار، و بذلت مهجها دونه، و قتلت بين يديه فى مواطن كثيره، و خصوصا يوم احد ثم اهتضموا بعده، و استوثر عليهم، و لقوا من المشاق و الشدائد ما يطول شرحه، و لو لم يكن الا يوم الحره، فانه اليوم الذى لم يكن فى العرب مثله، و لااصيب قوم قط بمثل ما اصيب به الانصار ذلك اليوم! ثم قال: ان الله تعالى زوى الدنيا عن صالحى عباده و اهل الاخلاص له، لانه لم يرها ثمنا لعبادتهم "و لاكفوا لاخلاصهم" و ارجا جزاءهم الى دار اخرى غير هذه الدار، فى مثلها يتنافس المتنافسون!