شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فوجه صاحب الزنج طلائعه فى سميريات ليعرف الخبر، فرجعت طلائعه اليه بتعظيم امر الجيش و تفخيمه، و لم يقف احد منهم على من يقوده، فزاد ذلك فى جزعه و ارتياعه، فامر بالارسال الى على بن ابان يعلمه خبر الجيش الوارد، و يامره بالمصير اليه فيمن معه، و وافى جيش ابى احمد، فاناخ بازاء صاحب الزنج فلما كان اليوم الذى كانت فيه الواقعه، خرج على بن محمد يطوف فى عسكره ماشيا، و يتامل الحال فيمن هو من حزبه و من هو (مقيم) بازائه على حزبه، و قد كانت السماء مطرت ذلك اليوم مطرا خفيفا و الارض ثريه تزل عنها الاقدام فطوف ساعه من اول النهار و رجع، فدعا بدواه و قرطاس ليكتب كتابا الى على بن ابان، ليعلمه ما قد اظله من الجيش، و يامره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال، فانه لفى ذلك، اذ اتاه ابودلف القائد احد قواد الزن
ج، فقال له: ان القوم قد غشوك و رهقوك، و انهزم الزنج من بين ايديهم، و ليس فى وجوههم من يردهم، فانظر لنفسك، فانهم قد انتهوا اليك.

فصاح به و انتهره و قال: اغرب عنى فانك كاذب فيما حكيت، انما ذلك جزع داخل قلبك لكثره من رايت من الجمع، فانخلع قلبك، فلست تدرى ما تقول! فخرج ابودلف من بين يديه، و اقبل يكتب، و قال لجعفر بن ابراهيم السجان: ناد فى الزنج، و حركهم للخروج الى موضع الحرب، فقال له: انهم قد خرجوا، و قد ظفروا بسميريتين من سفن اصحاب السلطان، فامره بالرجوع لتحريك الرجاله، و كان من القضاء و القدر ان اصيب مفلح- و هو القائد الجليل، المرشح لقياده الجيش بعد ابى احمد- بسهم غرب لا يدرى من رماه، فمات لوقته، و وقعت الهزيمه على اصحاب ابى احمد، و قوى الزنج على حربهم، فقتلوا منهم جمعا كثيرا.

و وافى على بن محمد زنجه بالرووس قابضين عليها باسنانهم حتى القوها بين يديه، فكثرت الرووس يومئذ حتى ملات الفضاء، و جعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى، و يتهادونها بينهم، و اتى باسير من الجيش فساله عن راس العسكر، فذكر ابااحمد و مفلحا، فارتاع لذكر ابى احمد، و كان اذا راعه امر كذب به، و قال: ليس فى الجيش الا مفلح، لانى لست اسمع الذكر الا له و لو ك
ان فى الجيش من ذكر هذا الاسير لكان صوته ابعد، و لما كان مفلح الا تابعا له و مضافا اليه.

قال ابوجعفر: و قد كان قبل ان يصيب السهم مفلحا، انهزم الزنج لما خرج عليهم جيش ابى احمد، و جزعوا جزعا شديدا، و لجئوا الى النهر المعروف بنهر ابى الخصيب، و لاجسر يومئذ عليه، فغرق منهم خلق كثير، و لم يلبث صاحب الزنج الا يسيرا حتى وافاه على بن ابان فى اصحابه، فوافاه و قد استغنى عنه بهزيمه الجيش السلطانى، و تحيز ابواحمد بالجيش الى الابله، ليجمع ما فرقت الهزيمه منه، و يجدد الاستعداد للحرب، ثم صار الى نهر ابى الاسد فاقام به.

قال ابوجعفر: فحدثنى محمد بن الحسن، قال: فكان صاحب الزنج لا يدرى كيف قتل مفلح، فلما لم ير احدا ينتحل رميه ادعى انه كان الرامى له، قال: فسمعته يقول: سقط بين يدى سهم من السماء، فاتانى به واح خادمى، فدفعه الى، فرميت به فاصاب مفلحا فقتله، قال محمد: و كذب فى ذلك، لانى كنت حاضرا معه ذلك المشهد، ما زال عن فرسه حتى اتاه خبر الهزيمه.

قال ابوجعفر: ثم ان الله تعالى اصاب صاحب الزنج بمصيبه تعادل فرحه و سروره بقتل مفلح عقيب قتل مفلح، و ذلك ان قائده الجليل يحيى بن محمد البحرانى اسر و قتل، و صوره ذلك ان صاحب الزنج كان قد كتب ا
لى يحيى بن محمد، يعلمه ورود هذا الجيش عليه، و يامره بالقدوم و التحرر فى منصرفه من ان يلقاه احد منهم و قد كان يحيى غنم سفنا فيها متاع و اموال، لتجار الاهواز جليله، و حامى عنها اصحاب اصغجون التركى فلم يغن، و هزمهم يحيى، و مضى الزنج بالسفن المذكوره يمدونها متوجهين نحو معسكر صاحب الزنج على سمت البطيحه المعروفه ببطيحه الصحناه، و هى طريقه متعسقه وعره، فيها مشاق متعبه، و انما سلكها يحيى و اصحابه، و تركوا الطريق الواضح، للتحاسد الذى كان بين يحيى بن محمد و على بن ابان، فان اصحاب يحيى اشاروا عليه الا يسلك الطريق التى يمر فيها على اصحاب على بن ابان، فاصغى الى مشورتهم فشرعوا له الطريق المودى الى البطيحه المذكوره فسلكها، و هذه البطيحه ينتهى السائر فيها الى نهر ابى الاسد، و قد كان ابواحمد انحاز اليه، لان اهل القرى و السواد كاتبوه يعرفونه خبر يحيى بن محمد البحرانى، و شده باسه، و كثره جمعه، و انه ربما خرج من البطيحه الى نهر ابى الاسد، فعسكر به، و منع ابااحمد الميره، و حال بينه و بين من ياتيه من الاعراب و غيرهم، فسبقه ابواحمد الى نهر ابى الاسد، و سار يحيى حتى اذا قرب من نهر ابى الاسد، وافته طلائعه، فاخبرته بالجيش، و عظمت امر
ه، و خوفته منه، فرجع من الطريق الذى كان سلكه بمشقه شديده نالته، و نالت اصحابه، و اصابهم مرض لترددهم فى تلك البطيحه، و جعل يحيى على مقدمته سليمان بن جامع، و سار حتى وقف على قنطره فورج نهر العباس، فى موضع ضيق تشتد فيه جريه الماء، و هو مشرف ينظر اصحابه الزنج: كيف يجرون تلك السفن التى فيها الغنائم، فمنها ما يغرق و ما يسلم.

قال ابوجعفر: فحدثنى محمد بن سمعان قال: كنت فى تلك الحال واقفا مع يحيى على القنطره، و قد اقبل على متعجبا من شده جريه الماء، و شده ما يلقى اصحابه من تلقيه بالسفن، فقال: ارايت لو هجم علينا عدو فى هذه الحال من كان يكون اسوا حالا منا! فو الله ما انقضى كلامه حتى وافى كاشهم التركى فى جيش، قد انفذه معه ابواحمد عند رجوعه من الابله الى نهر ابى الاسد، يتلقى به يحيى، فوقعت الصيحه، و اضطربت الزنج، فنهضت متشوفا للنظر، فاذا الاعلام الحمر قد اقبلت فى الجانب الغربى من نهر العباس و يحيى به، فلما رآها الزنج القوا انفسهم جمله فى الماء، فعبروا الى الجانب الشرقى و خلا الموضع الذى فيه يحيى، فلم يبق معه الا بضعه عشر رجلا منهم، فنهض عند ذلك فاخذ درقته و سيفه، و احتزم بمنديل، ثم تلقى القوم فى النفر الذين تخلفوا معه، فر
شقهم اصحاب كاشهم التركى بالسهام، حتى كثر فيهم الجراح، و جرح يحيى باسهم ثلاثه فى عضده اليمنى و ساقه اليسرى، فلما رآه اصحابه جريحا، تفرقوا عنه و لم يعرف فيقصد له، فرجع حتى دخل بعض تلك السفن، و عبر به الى الجانب الشرقى من النهر، و ذلك وقت الضحى، و اثقلته الجراحات التى اصابته، فلما رات الزنج شده ما نزل، به اشتد جزعهم، و ضعفت قلوبهم، فتركوا القتال، و كانت همتهم النجاه بانفسهم، و حاز اصحاب السلطان تلك الغنائم التى كانت فى السفن فى الجانب الغربى من النهر، و انفض الزنج بالجانب الشرقى عن يحيى، فجعلوا يتسللون بقيه نهارهم بعد قتل ذريع فيهم، و اسر كثير، فلما امسوا و اسدف الليل، طاروا على وجوههم.

فلما راى يحيى تفرق اصحابه ركب سميريه كانت هناك، و اقعد معه فيها متطببا، يقال له عباد، و طمع فى الخلاص الى عسكر صاحب الزنج، فسار حتى قرب من فوهه النهر، فابصر سميريات و شذايات لاصحاب السلطان فى فوهه النهر، فخاف ان تعترض سميريته، و جزع من المرور بها، فعبر به الملاح الى الجانب الغربى من النهر، فالقاه و طبيبه على الارض فى زرع هناك، فخرج يمشى و هو مثقل حتى القى نفسه فى بعض تلك المواضع، فاقام هناك ليلته تلك.

فلما اصبح نزفه الدم، و نهض ع
باد الطبيب، فجعل يمشى متشوفا ان يرى انسانا، فراى بعض اصحاب السلطان، فاشار لهم الى موضع يحيى، فجاووا، حتى وقفوا عليه، فاخذوه، و انتهى خبره الى (الخبيث) صاحب الزنج فجزع عليه جزعا شديدا، و عظم عليه توجعه.

ثم حمل يحيى الى ابى احمد، فحمله ابواحمد الى المعتمد، فادخل الى سامراء راكب جمل، و الناس مجتمعون ينظرونه، ثم امر المعتمد ببناء دكه عاليه بحضره مجرى الحليه، فبنيت، و رفع للناس عليها حتى ابصره الخلائق كافه، ثم ضرب بين يدى المعتمد و قد جلس له مائتى سوط بثمارها ثم قطعت يداه و رجلاه من خلاف، (ثم خبط بالسيوف) ثم ذبح و احرق.

قال ابوجعفر: فحدثنى محمد بن الحسن، قال: لما قتل يحيى البحرانى، فانتهى خبره الى صاحب الزنج، قال لاصحابه.

لما عظم على قتله، و اشتد اهتمامى به، خوطبت فقيل لى: قتله خير لك! انه كان شرها.

ثم اقبل على جماعه انا فيهم، فقال: من شرهه انا غنمنا غنيمه من بعض ما كنا نغنمه و كان فيها عقدان، فوقعا فى يد يحيى، فاخفى عنى اعظمهما خطرا، و عرض على اخسهما، ثم استوهبه فوهبته له، فرفع الى العقد الذى اخفاه حتى رايته، فدعوته فقلت: احضر لى العقد الذى اخفيته، فاتانى بالعقد الذى وهبته له، و جحد ان يكون اخذ غيره، فرفع الى ال
عقد ثانيه، فجعلت اصفه له و انا اراه و هو لايراه، فبهت و ذهب، فاتانى، ثم استوهبنيه فوهبته له، و امرته بالاستغفار.

قال ابوجعفر: و ذكر محمد بن الحسن، ان محمد بن سمعان حدثه ان صاحب الزنج، قال فى بعض ايامه: لقد عرضت على النبوه فابيتها.

فقيل له: و لم ذاك؟ قال: ان لها اعباء خفت الا اطيق حملها.

قال ابوجعفر: فاما الامير ابواحمد، فانه لما صار الى نهر ابى الاسد و اقام، به كثرت العلل فى من معه من جنده و غيرهم، و فشا فيهم الموت، فلم يزل مقيما هنالك حتى ابل من نجا منهم من علته، ثم انصرف، راجعا الى باذاورد، فعسكر به، و امر بتجديد الالات و اصلاح الشذوات و السميريات و اعطاء الجند ارزاقهم و شحن السفن بقواده و مواليه و غلمانه، و نهض نحو عسكر الناجم، و امر جماعه من قواده بقصد مواضع سماها لهم، من نهر ابى الخصيب و غيره، و امر الباقين بملازمته و المحاربه معه، فى الموضع الذى يكون فيه، و هم الاقلون، و عرف الزنج تفرق اصحاب ابى احمد عنه، فكثروا فى جهته، و استعرت الحرب بينه و بينهم، و كثرت القتلى و الجراح بين الفريقين، و احرق اصحاب ابى احمد قصورا و منازل كان الزنج ابتنوها، و استنقذوا من نساء اهل البصره جمعا كثيرا.

ثم صرف الزنج سورتهم و
شده حملتهم الى الموضع الذى به ابواحمد، فجاءه منهم جمع لا يقاوم، بمثل العده اليسيره التى كان فيها، فراى ان الحزم فى محاجزتهم، فامر اصحابه بالرجوع الى سفنهم على توده و تمهل، ففعلوا، و بقيت طائفه من جنده و لجوا تلك الادغال و المضايق، فخرج عليهم كمين للزنج فاوقعوا بهم، فحاموا عن انفسهم، و قتلوا عددا كثيرا من الزنج الى ان قتلوا باجمعهم، و حملت رووسهم الى الناجم، فزاد ذلك فى قوته و عتوه و عجبه بنفسه، و انصرف ابواحمد بالجيش الى باذاورد، و اقام يعبى اصحابه للرجوع الى الزنج، فوقعت نار فى طرف من اطراف عسكره، و ذلك فى ايام عصوف الرياح، فاحترق العسكر، و رحل ابواحمد منصرفا و ذلك فى شعبان من هذه السنه الى واسط.

فاقام بها الى ربيع الاول، ثم انصرف عنها الى سامراء، و ذلك ان المعتمد كاتبه و استقدمه لحرب يعقوب بن الليث الصفار امير خراسان، فاستخلف على حرب الناجم محمد المولد، و اما الناجم فانه لم يعلم خبر الحريق الذى وقع فى عسكر ابى احمد، حتى ورد عليه رجلان من اهل عبادان، فاخبراه، فاظهر ان ذلك من صنع الله تعالى له و نصره على اعدائه، و انه دعا الله على ابى احمد و جيشه، فنزلت نار من السماء فاحرقتهم.

و عاد الى العبث، و اشتد طغيانه
و عتوه، و انهض على بن ابان المهلبى، و ضم اليه اكثر الجيش، و جعل على مقدمته سليمان بن جامع، و اضاف اليه الجيش الذى كان مع يحيى بن محمد البحرانى و سليمان بن موسى الشعرانى، و امرهم بان يقصدوا الاهواز و بها حينئذ اصغجون التركى، و معه نيزك القائد، فالتقى العسكران بصحراء، تعرف بدشت ميسان، و اقتتلوا، فظهرت الزنج، و قتل نيزك فى كثير من اصحابه، و غرق اصغجون التركى، و اسر كثير من قواد السلطان، منهم الحسن بن هرثمه المعروف بالشارى، و الحسن بن جعفر.

و كتب على بن ابان بالخبر الى الناجم، و حمل اليه اعلاما و رووسا كثيره و اسرى، و دخل على بن ابان الاهواز، و اقام بها بزنوجه يعيث و ينهب القرى و السواد، الى ان ندب المعتمد على الله موسى بن بغا لحربه، فشخص عن سامرا، فى ذى القعده من هذه السنه، و شيعه المعتمد بنفسه الى خلف الحائطين، و خلع عليه هنالك فقدم امامه عبدالرحمن بن مفلح الى الاهواز و اسحاق بن كنداخ الى البصره، و ابراهيم بن سيما الى الباذاورد.

قال ابوجعفر: فلما ورد عبدالرحمن بن مفلح على الاهواز اناخ بقنطره اريق عشره ايام، ثم مضى الى على بن ابان، المهلبى فواقعه فهزمه على بن ابان فانصرف فاستعد ثم عاد لمحاربته، فاوقع به وقعه عظ
يمه، و قتل من الزنج قتلا ذريعا و اسر اسرى كثيره، و انهزم على بن ابان و من معه من الزنج حتى اتوا الموضع المعروف ببيان، فاراد الناجم ردهم فلم يرجعوا، للذعر الذى خالط قلوبهم.

فلما راى ذلك اذن لهم فى دخول عسكره، فدخلوا جميعا، فاقاموا معه بالمدينه التى كان بناها، و وافى عبدالرحمن بن مفلح حصن مهدى ليعسكر به، فوجه اليه الناجم على بن ابان فواقعه فلم يقدر عليه، و مضى على بن ابان الى قريب من الباذاورد، و هناك ابراهيم بن سيما فواقعه ابراهيم، فهزم على بن ابان، فعاوده فهزمه ابراهيم، فمضى فى الليل، و سلك الادغال و الاجام، حتى وافى نهر يحيى، فانتهى خبره الى عبدالرحمن بن مفلح، فوجه اليه طاشتمر التركى فى جمع من الموالى، فلم يصل الى على بن ابان و من معه، لوعوره الموضع الذى كانوا فيه، و امتناعه بالقصب و الحلافى، فاضرمه عليهم نارا، فخرجوا منه هاربين، و اسر منهم اسرى، و انصرف الى عبدالرحمن بن مفلح بالاسرى و الظفر، و مضى على بن ابان، فاقام باصحابه فى الموضع المسمى بنسوخا، و انتهى الخبر بذلك الى عبدالرحمن بن مفلح، فصار الى العمود، فاقام به، و صار على بن ابان الى نهر السدره، و كتب الى الناجم يستمده و يساله التوجيه اليه بالشذا، فوجه
اليه ثلاث عشره شذاه، فيها جمع كثير من اصحابه، فسار على بن ابان و من معه فى الشذا، و وافى عبدالرحمن بمن معه، فلم يكن بينهما قتال، و تواقف الجيشان يومهما ذلك.

فلما كان الليل انتخب على بن ابان من اصحابه جماعه يثق بجلدهم و صبرهم، و مضى و معه سليمان بن موسى المعروف بالشعرانى، و ترك سائر عسكره مكانه ليخفى امره، فصار من وراء عبدالرحمن، ثم بيته و عسكره، فنال منه و من اصحابه نيلا ما، و انحاز عبدالرحمن عنه و ترك اربع شذوات من شذواته، فغنمها على بن ابان، و انصرف و مضى عبدالرحمن لوجهه، حتى وافى دولاب، فاقام بها و اعد رجالا، من رجاله و ولى عليهم طاشتمر التركى، و انفذهم الى على بن ابان، فوافوه و هو فى الموضع المعروف بباب آزر، فاوقعوا به وقعه انهزم منها الى نهر السدره، و كتب طاشتمر الى عبدالرحمن بانهزامه عنه فاقبل عبدالرحمن بجيشه حتى وافى العمود، فاقام به و استعد اصحابه للحرب، و هيا شذواته، و ولى عليها طاشتمر، و سار الى فوهه نهر السدره، فواقع على بن ابان وقعه عظيمه، انهزم منها على بن ابان، و اخذ منه عشر شذوات، و رجع على بن ابان الى الناجم مفلولا مهزوما، و سار عبدالرحمن من فوره، فعسكر ببيان، فكان عبدالرحمن بن مفلح و ابراهيم
بن سيما يتناوبان المصير الى عسكر الناجم، فيوقعان به، و يخيفان من فيه و اسحاق بن كنداجيق يومئذ بالبصره، و قد قطع الميره عن عسكر الناجم، فكان الناجم يجمع اصحابه فى اليوم الذى يخاف فيه موافاه عبدالرحمن بن مفلح و ابراهيم بن سيما، حتى ينقضى الحرب، ثم يصرف فريقا منهم الى ناحيه البصره، فيواقع بهم اسحاق بن كنداجيق، فاقاموا على هذه الحال بضعه عشر شهرا الى ان صرف موسى بن بغا عن حرب الزنج.

قال ابوجعفر: و سبب ذلك ان المعتمد رد امر فارس و الاهواز و البصره و غيرها من النواحى و الاقطار الى اخيه ابى احمد، بعد فراغه من حرب يعقوب بن الليث الصفار و هزيمته له، فاستخلف ابواحمد على حرب صاحب الزنج مسرورا البلخى، و صرف موسى بن بغا عن ذلك، و اتفق ان ابن واصل حارب عبدالرحمن بن مفلح، فاسره و قتله، و قتل طاشتمر التركى ايضا، و ذلك بناحيه رامهرمز، فاستخلف مسرور البلخى على الحرب اباالساج و ولى الاهواز، فكانت بينه و بين على بن ابان المهلبى وقعه بناحيه دولاب، قتل فيها عبدالرحمن صهر ابى الساج، و انحاز ابوالساج الى عسكر مكرم، و دخل الزنج الاهواز، فقتلوا اهلها و سبوا و احرقوا (دورها).

قال ابوجعفر: ثم وجه صاحب الزنج جيوشه بعد هزيمه ابى الساج ال
ى ناحيه البطيحه و الحوانيت و دستميسان، قال: و ذلك لان واسطا خلت من اكثر الجند فى وقعه ابى احمد و يعقوب بن الليث التى كانت عند دير العاقول، فطمع الزنج فيها، فتوجه اليها سليمان بن جامع فى عسكر من الزنج، و اردفه الناجم بجيش آخر مع احمد بن مهدى فى سميريات، فيها رماه من اصحابه، انفذه الى نهر المراه، و انفذ عسكرا آخر فيه سليمان بن موسى، فامره ان يعسكر بالنهر المعروف باليهودى، فكانت بين هولاء و بين من تخلف بهذه الاعمال من عساكر السلطان حروب شديده، و كانت سجالا لهم و عليهم، حتى ملكوا البطيحه و الحوانيت، و شارفوا واسطا، و بها يومئذ محمد المولد من قبل السلطان فكانت بينه و بين سليمان بن جامع حروب كثيره يطول شرحها و تعداده، و امده الناجم بالخليل بن ابان- اخى على بن ابان المهلبى- فى الف و خمسمائه فارس، و معه ابوعبدالله الزنجى المعروف بالمذوب، احد قوادهم المشهورين، فقوى سليمان بهم، و اوقع بمحمد المولد، فهزمه، و دخل واسطا فى ذى الحجه سنه اربع و ستين و مائتين بزنوجه و قواده، فقتل منها خلقا كثيرا، و نهبها و احرق دورها و اسواقها، و اخرب كثيرا من منازل اهلها، و ثبت للمحاماه عنها قائد كان بها من جانب محمد بن المولد، يقال له كنج
ور البخارى، فحامى يومه ذلك الى العصر، ثم قتل.

و كان الذى يقود الخيل يومئذ فى عسكر سليمان بن جامع الخليل بن ابان و عبدالله المعروف بالمذوب، و كان احمد بن مهدى الجبائى فى السميريات، و كان مهربان الزنجى فى الشذوات، و كان سليمان بن موسى الشعرانى و اخوه فى ميمنته و ميسرته، و كان سليمان بن جامع، و هو الامير على الجماعه فى قواده السودان و رجالته منهم، و كان الجميع يدا واحده، فلما قضوا وطرهم من نهب واسط و قتل اهلها، خرجوا باجمعهم عنها، فمضوا الى جنبلاء، و اقاموا هناك يعيثون و يخربون.

و فى اوائل سنه خمس و ستين، دخلوا الى النعمانيه، و جرجرايا و جبل، فنهبوا و اخربوا و قتلوا و احرقوا، و هرب منهم اهل السواد فدخلوا الى بغداد.

قال ابوجعفر: فاما على بن ابان المهلبى فانه استولى على معظم اعمال الاهواز، و عاث هناك و اخرب و احرق، و كانت بينه و بين عمال السلطان و قواده مثل احمد بن ليثويه، و محمد بن عبدالله الكردى، و تكين البخارى، و مطر بن جامع، و اغرتمش التركى و غيرهم، و بينه و بين عمال يعقوب بن الليث الصفار، مثل خضر بن العنبر و غيره حروب عظيمه، و وقعات كثيره، و كانت سجالا، تاره له و تاره عليه، و هو فى اكثرها المستظهر عليهم.

و كث
رت اموال الزنج و الغنائم التى حووها من البلاد و النواحى، و عظم امرهم، و اهم الناس شانهم، و عظم على المعتمد و اخيه ابى احمد خطبهم، و اقتسموا الدنيا، فكان على بن محمد الناجم صاحب الزنج و امامهم مقيما بنهر ابى الخصيب، قد بنى مدينه عظيمه سماها المختاره، و حصنها بالخنادق، و اجتمع اليه فيها من الناس ما لاينتهى العد و الحصر اليه، رغبه و رهبه، و صارت مدينه تضاهى سامراء و بغداد، و تزيد عليهما، و امراوه و قواده بالبصره و اعمالها يجبون الخراج على عاده السلطان لما كانت البصره فى يده، و كان على بن ابان المهلبى- و هو اكبر امرائه و قواده- قد استولى على الاهوز و اعمالها، و دوخ بلادها كرامهرمز و تستر و غيرهما، و دان له الناس، و جبا الخراج، و ملك اموالا لا تحصى.

و كان سليمان بن جامع و سليمان بن موسى الشعرانى، و معهما احمد بن مهدى الجبائى فى الاعمال الواسطيه، قد ملكوها و بنوا بها المدن الحصينه، و فازوا باموالها و ارتفاعها، و جبوا خراجها، و رتبوا عمالهم و قوادهم فيها، الى ان دخلت سنه سبع و ستين و مائتين، و قد عظم الخطب و جل، و خيف على ملك بنى العباس ان يذهب و ينقرض، فلم يجد ابواحمد الموفق- و هو طلحه بن المتوكل على الله- بدا من
التوجه بنفسه و مباشرته هذا الامر الجليل برايه و تدبيره، و حضوره معارك الحرب، فندب امامه ابنه اباالعباس، و ركب ابواحمد الى بستان الهادى ببغداد، و عرض اصحاب ابى العباس، و ذلك فى شهر ربيع الاخر من هذه السنه، فكانوا عشره آلاف، فرسانا و رجاله فى احسن زى و اجمل هيئه، و اكمل عده، و معهم الشذوات و السميريات و المعابر برسم الرجاله، كل ذلك قد احكمت صنعته.

فركب ابوالعباس من بستان الهادى، و ركب ابواحمد مشيعا له حتى نزل القريه المعروفه بالفرك، ثم عاد و اقام ابوالعباس بالفرك اياما، حتى تكامل عدده و تلاحق به اصحابه.

ثم رحل الى المدائن، فاقام بها اياما، ثم رحل الى دير العاقول، فورد عليه كتاب نصير المعروف بابى حمزه، و هو من جله اصحابه، و كان صاحب الشذا و السميريات، و قد كان قدمه على مقدمته بدجله يعلمه فيه ان سليمان بن جامع قد وافى لما علم بشخوص ابى العباس، و الجبائى يقدمه، فى خيلهما و رجالهما و سفنهما حتى نزلا الجزيره التى بحضره بردودا فوق واسط باربعه فراسخ، و ان سليمان بن موسى الشعرانى قد وافى نهر ابان بعسكره، عسكر البر و عسكر الماء، فرحل ابوالعباس لما قرا هذا الكتاب حتى وافى جرجرايا، ثم منها الى فم الصلح، ثم ركب الظهر و سا
ر حتى وافى الصلح، و وجه طلائعه ليتعرف الخبر، فاتاه منهم من اخبره بموافاه القوم، و ان اولهم قريب من الصلح، و آخرهم ببستان موسى بن بغا، اسفل واسط، فلما عرف ذلك عدل عن سنن الطريق، و لقى اصحابه اوائل القوم، فتطاردوا لهم عن وصيه اوصاهم ابوالعباس بها، حتى طمع الزنج فيهم، و اغتروا و امعنوا فى اتباعهم، و جعلوا يصيحون بهم: اطلبوا اميرا للحرب، فان اميركم مشغول بالصيد! فلما قربوا من ابى العباس بالصلح، خرج اليهم فيمن معه من الخيل و الرجل، و امر فصيح بابى حمزه: يا نصير، الى اين تتاخر عن هولاء الكلاب! ارجع اليهم.

فرجع نصير بشذواته و سميرياته، و فيها الرجال، و ركب ابوالعباس فى سميريه، و معه محمد بن شعيب، و حف اصحابه بالزنج من جميع جهاتهم، فانهزمو، و منح الله اباالعباس و اصحابه اكتافهم، يقتلونهم و يطردونهم، الى ان وافوا قريه عبدالله، و هى على سته فراسخ من الموضع الذى لقوهم فيه، و اخذوا منهم خمس شذوات و عشر سميريات، و استامن منهم قوم، و اسر منهم اسرى، و غرق من سفنهم كثير، فكان هذا اليوم اول الفتح على ابى العباس.

قال ابوجعفر: فلما انقضى هذا اليوم، اشار على ابى العباس قواده و اولياوه، ان يجعل معسكره بالموضع الذى كان انتهى اليه،
اشفاقا عليه من مقاربه القوم، فابى الا نزول واسط بنفسه، و لما انهزم سليمان بن جامع و من معه، و ضرب الله وجوههم، انهزم سليمان بن موسى الشعرانى عن نهر ابان، حتى وافى سوق الخميس، و لحق سليمان بن جامع بنهر الامير و قد كان القوم حين لقوا اباالعباس، اجالوا الراى بينهم فقالوا: هذا فتى حدث لم تطل ممارسته الحرب و تدربه بها، و الراى ان نرميه بحدنا كله، و نجتهد فى اول لقيه نلقاه فى ازالته، فلعل ذلك ان يروعه فيكون سببا لانصرافه عنا ففعلوا ذلك و حشدوا و اجتهدوا، فاوقع الله تعالى بهم باسه و نقمته، و لم يتم لهم ما قدروه، و ركب ابوالعباس من غد يوم الوقعه، حتى دخل واسطا فى احسن زى، و كان ذلك يوم جمعه، فاقام حتى صلى بها صلاه الجمعه، و استامن اليه خلق كثير من اتباع الزنج و اصحابهم، ثم انحدر الى العمر، و هو على فرسخ واحد من واسط، فاتخذه معسكرا، و قد كان ابوحمزه نصير و غيره اشاروا عليه ان يجعل معسكره فوق واسط، حذرا عليه من الزنج فامتنع، و قال: لست نازلا الا العمر، و امر اباحمزه ان ينزل فوهه بردودا فوق واسط، و اعرض ابوالعباس عن مشاوره اصحابه و استماع شى ء من آرائهم، و استبد براى نفسه، فنزل العمر و اخذ فى بناء الشذوات و السميريات،
و جعل يراوح الزنج القتال و يغاديهم، و قد رتب خاصه غلمانه و مواليه فى سميريات، فجعل فى كل سميريه اميرا منهم.

/ 614