شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ثم هجم على التتار البرد الشديد و الثلج المتراكم، فساروا الى اذربيجان فنهبوا القرى، و قتلوا من وقف بين ايديهم و اخربوا، و احرقوا، حتى وصلوا الى تبريز، و بها صاحب اذربيجان ازبك بن البهلوان بن ايلدكر، فلم يخرج اليهم، و لاحدث نفسه بقتالهم، لاشتغاله بما كان عليه من اللهو و ادمان الشرب ليلا و نهارا.فارسل اليهم و صالح لهم على مال و ثياب و دواب، و حمل الجميع اليهم فساروا من عنده يطلبون ساحل البحر لانه مشتى صالح لهم و المراعى به كثيره، فوصلوا الى موقان، و هى المنزل الذى نزلته الخرميه فى ايام المعتصم، و قد ذكره الطائيان فى اشعارهما فى غير موضع، و الناس اليوم يقولون بالغين المعجمه عوض القاف و قد كانوا تطرقوا فى طريقهم بعض اعمال الكرج، فخرج اليهم منهم عشره آلاف مقاتل، فحاربوهم و هزموهم، و قتلوا اكثرهم.فلما استقروا بموقان، راسلت الكرج ازبك بن البهلوان فى الاتفاق على حربهم، و راسلوا موسى بن ايوب المعروف بالاشرف، و كان صاحب خلاط و ارمينيه بمثل ذلك، و ظنوا انهم يصبرون الى ايام الربيع و انحسار الثلوج، فلم يصبروا، و صاروا من موقان فى صميم الشتاء نحو بلاد الكرج، فخرجت اليهم الكرج، و اقتتلوا قتالا شد
يدا، فلم يثبتوا للتتار، و انهزموا اقبح هزيمه، و قتل منهم من لا يحصى، فكانت هذه الوقعه فى ذى الحجه من سنه سبع عشره و ستمائه.ثم توجهوا الى المراغه فى اول سنه ثمانى عشره، فملكوها فى صفر، و كانت لامراه من بقايا ملوك المراغه تدبرها هى و وزراوها، فنصبوا عليها المجانيق، و قدموا اسارى المسلمين بين ايديهم، و هذه عادتهم يتترسون بهم فى الحروب، فيصيبهم حدها، و يسلمون هم من مضرتها، فملكوها عنوه، و وضعوا السيف فى اهلها، و نهبوا ما يصلح لهم، و احرقوا مالا يصلح لهم، و خذل الناس عنهم، حتى كان الواحد منهم يقتل بيده مائه انسان، و السيوف فى ايديهم لايقدر احد منهم ان يحرك يده بسيفه نحو ذلك التترى، خذلان صب على الناس، و امر سمائى اقتضاه.ثم عادوا الى همذان، فطالبوا اهلها بمثل المال الذى بذلوه لهم فى الدفعه الاولى، فلم يكن فى الناس فضل لذلك، لانه كان عظيما جدا، فقام الى رئيس همذان جماعه من اهلها، و اسمعوه كلاما غليظا، فقالوا: افقرتنا اولا، و تريد ان تستصفينا دفعه ثانيه! ثم لا بد للتتار ان يقتلونا، فدعنا نجاهدهم بالسيف، و نموت كراما.ثم وثبوا على شحنه كان للتتار بهمذان فقتلوه، و اعتصموا بالبلد فحصرهم التتار فيه، فقلت عليهم الميره،
و عدمت الاقوات.و اضر ذلك باهل همذان.و لم ينل التتار مضره من عدم القوت، لانهم لاياكلون الا اللحم، و الخيل معهم كثيره، و معهم غنم عظيمه يسوقونها حيث شاووا، و خيلهم لاتاكل الشعير، و لاتاكل الا نبات الارض، تحفر بحوافرها الارض عن العروق، فتاكلها.فاضطر رئيس همذان و اهلها الى الخروج اليهم، فخرجوا، و التحمت الحرب بينهم اياما، و فقد رئيس همذان، هرب فى سرب قد كان اعده الى موضع اعتصم به ظاهر البلد، و لم يعلم حقيقه حاله، فتحير اهل همذان بعد فقده و دخلوا المدينه، و اجتمعت كلمتهم على القتال فى قصبه البلد الى ان يموتوا.و كان التتار قد عزموا على الرحيل عنهم لكثره من قتل منهم.فلما لم يروا احدا يخرج اليهم من البلد، طمعوا و استدلوا على ضعف اهله، فقصدوهم و قاتلوهم و ذلك فى شهر رجب من سنه ثمانى عشره و ستمائه، و دخلوا المدينه بالسيف، و قاتلهم الناس فى الدروب، و بطل السلاح للازدحام، و اقتتلوا بالسكاكين، فقتل من الفريقين مالا يحصى، و ظهر التتار على المسلمين فافنوهم قتلا، و لم يسلم منهم الا من كان له نفق فى الارض يستخفى فيه.ثم القوا النار فى البلد فاحرقوها، و رحلوا الى مدينه اردبيل و اعمال اذربيجان، فملكوا اردبيل، و قتلوا فيها
، فاكثروا.ثم ساروا الى تبريز، و كان بها شمس الدين عثمان الطغرائى، قد جمع كلمه اهلها بعد مفارقه صاحب اذربيجان ازبك بن البهلوان للبلاد، خوفا من التتار، و مقامه بنقجوان، فقوى الطغرائى نفوس الناس على الامتناع، و حذرهم عاقبه التخاذل، و حصن البلد.فلما وصل التتار، و راوا اجتماع كلمه المسلمين و حصانه البلد، طلبوا منهم مالا و ثيابا، فاستقر الامر بينهم على شى ء معلوم، فسيروه اليهم، فلما اخذوه رحلوا الى بيلقان.فقاتلهم اهلها.فملكها التتار فى شهر رمضان من هذه السنه، و وضعوا فيهم السيف حتى افنوهم اجمعين.ثم ساروا الى مدينه كنجه، و هى ام بلاد اران، و اهلها ذوو شجاعه و باس و جلد، لمقاومتهم الكرج، و تدربهم بالحرب، فلم يقدر التتار عليهم و ارسلوا اليهم.يطلبون مالا و ثيابا، فارسلوه اليهم.فساروا عنهم، فقصدوا الكرج، و قد اعدوا لهم، فلما صافوهم هرب الكرج، و اخذهم السيف، فلم يسلم الا الشريد، و نهبت بلادهم و اخربت و لم يوغل التتار فى بلاد الكرج، لكثره مضايقها و دربنداتها، فقصدوا دربند شروان فحصروا مدينه شماخى، و صعدوا سورها فى السلاليم، و ملكوا البلد بعد حرب شديده، و قتلوا فيه فاكثروا.فلما فرغوا، ارادوا عبور الدربند، فلم يقدم
وا عليه، فارسلوا الى شروان شاه ملك الدربند، فطالبوه بانفاذ رسول يسعى بينه و بينهم فى الصلح، فارسل اليهم عشره من ثقاته، فلما وصلوا اليهم جمعوهم، ثم قتلوا واحدا منهم بحضور الباقين، و قالوا للتسعه: ان انتم عرفتمونا طريقا نعبر فيه فلكم الامان، و الا قتلناكم كما قتلنا صاحبكم، فقالوا لهم: لا طريق فى هذا الدربند، و لكن نعرفكم موضعا هو اسهل المواضع لعبور الخيل.و ساروا بين ايديهم اليه، فعبروا الدربند، و تركوه وراء ظهورهم، و ساروا فى تلك البلاد، و هى مملوءه من طرائق مختلفه منهم اللان و اللكر و اصناف من الترك، فنهبوها و قتلوا الكثير من ساكنيها، و رحلوا الى اللان- و هم امم كثيره- و قد وصلهم خبرهم، و جمعوا و حذروا، و انضاف اليهم جموع من قفجاق، فقاتلوهم فلم يظفر احد العسكرين بالاخر، فارسل التتار الى قفجاق: انتم اخواننا، و جنسنا واحد، و اللان ليسوا من جنسكم لتنصروهم، و لا دينهم دينكم، و نحن نعاهدكم الا نعرض لكم، و نحمل اليكم من المال و الثياب ما يستقر بيننا و بينكم، على ان تنصرفوا الى بلادكم.فاستقر الامر بينهم على مال و ثياب حملها التتار اليهم، و فارقت قفجاق اللان، فاوقع التتار باللان، فقتلوهم، و نهبوا اموالهم، و سبوا نسا
ءهم.فلما فرغوا منهم ساروا الى بلاد قفجاق و هم آمنون متفرقون، لما استقر بينهم و بين التتار من الصلح، فلم يشعروا بهم الا و قد طرقوهم، و دخلوا بلادهم، فاوقعوا بهم الاول فالاول، و اخذوا منهم اضعاف ما حملوا اليهم، و سمع ما كان بعيد الدار من قفجاق بما جرى.ففروا عن غير قتال، فابعدوا، فبعضهم بالغياض و بعضهم بالجبال، و بعضهم لحقوا ببلاد الروس.و اقام التتار فى بلاد قفجاق، و هى ارض كثيره المراعى فى الشتاء، و فيها ايضا اماكن بارده فى الصيف، كثيره المراعى، و هى غياض على ساحل البحر.ثم سارت طائفه منهم الى بلاد الروس، و هى بلاد كثيره عظيمه، و اهلها نصارى، و ذلك فى سنه عشرين و ستمائه.فاجتمع الروس و قفجاق عن منعهم عن البلاد، فلما قاربهم التتار، و عرفوا اجتماعهم، رجعوا القهقرى ايهاما للروس، ان ذلك عن خوف و حذر، فجدوا فى اتباعهم، و لم يزل التتار راجعين، و اولئك يقفون آثارهم اثنى عشر يوما.ثم رجعت التتار على الروس و قفجاق، فاثخنوا فيهم قتلا و اسرا، و لم يسلم منهم الا القليل، و من سلم نزل فى المراكب، و خرج فى البحر الى الساحل الشامى، و غرق بعض المراكب.و هذه الوقائع كلها تولاها التتر المغربه، الذين قادهم جرماغون، فاما ملكهم
الاكبر جنكزخان، فانه كان فى هذه المده بسمرقند ماوراءالنهر، فقسم اصحابه اقساما، فبعث قسما منهم الى فرغانه و اعمالها، فملكوها، و بعث قسما آخر الى ترمذ و ما يليها فملكوها، و بعث قسما آخر الى بلخ و ما يليها من اعمال خراسان.فاما بلخ، فانهم امنوا اهلها، و لم يتعرضوا لها بنهب و لاقتل، و جعلوا فيها شحنه و كذلك فاريات و كثير من المدن، الا انهم اخذوا اهلها، يقاتلون بهم من يمتنع عليهم، حتى وصلوا الى الطالقان، و هى عده بلاد، و فيها قلعه حصينه، و بها رجال انجاد، فاقاموا على حصارها شهورا فلم يفتحوها، فارسلوا الى جنكزخان يعرفونه عجزهم عنها، فسار بنفسه، و عبر جيحون، و معه من الخلائق ما لايحصى، فنزل على هذه القلعه، و بنى حولها شبه قلعه اخرى من طين و تراب و خشب و حطب، و نصب عليها المنجنيقات، و رمى القلعه بها، فلما راى اهلها ذلك فتحوها، و خرجوا و حملوا حمله واحده، فقتل منهم من قتل، و سلم من سلم، و خرج السالمون فسلكوا تلك الجبال و الشعاب، ناجين بانفسهم، و دخل التتار القلعه، فنهبوا الاموال و الامتعه، و سبوا النساء و الاطفال.ثم سير جنكزخان جيشا عظيما مع احد اولاده الى مدينه مرو، و بها مائتا الف من المسلمين، فكانت بين التتار و ب
ينهم حروب عظيمه شديده، صبر فيها المسلمون ثم انهزموا، و دخلوا البلد، و اغلقوا ابوابه، فحاصره التتار حصارا طويلا، ثم امنوا متقدم البلد، فلما خرج اليهم فى الامان، خلع عليه ابن جنكزخان و اكرمه، و عاهده الا يتعرض لاحد من اهل مرو، ففتح الناس الابواب فلما تمكنوا منهم استعرضوهم بالسيف عن آخرهم، فلم يبقوا منهم باقيه، بعد ان استصفوا ارباب الاموال عقيب عذاب شديد عذبوهم به.ثم ساروا الى نيسابور، ففعلوا به ما فعلوا بمرو من القتل و الاستئصال، ثم عمدوا الى طوس، فنهبوها و قتلوا اهلها، و اخرجوا المشهد الذى به على بن موسى الرضا (ع) و الرشيد هارون بن المهدى، و ساروا الى هراه فحصروها، ثم امنوا اهلها، فلما فتحوها قتلوا بعضهم، و جعلوا على الباقين شحنه، فلما بعدوا وثب اهل هراه على الشحنه فقتلوه، فعاد عليهم عسكر من التتار، فاستعرضوهم بالسيف، فقتلوهم عن آخرهم.