شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ثم عادوا الى طالقان، و بها ملكهم الاكبر جنكزخان، فسير طائفه منهم الى خوارزم، و جعل فيها مقدم اصحابه و كبراءهم لان خوارزم حينئذ كانت مدينه الملك، و بها عسكر كثير من الخوارزميه، و عوام البلد معروفون بالباس و الشجاعه، فساروا و وصلوا اليها، فالتقى الفئتان، و اقتتلوا اشد قتال سمع به
، و دخل المسلمون البلد، و حصرتهم التتار خمسه اشهر، و ارسل التتار الى جنكزخان يطلبون المدد، فامدهم بجيش من جيوشه، فلما وصل قويت منتهم به و زحفوا الى البلد زحفا متتابعا، فملكوا طرفا منه، و ولجوا المدينه، فقاتلهم المسلمون داخل البلد، فلم يكن لهم به طاقه، فملكوه و قتلوا كل من فيه، فلما فرغوا منه و قضوا وطرهم من القتل و النهب، فتحوا السكر الذى يمنع ماء جيحون عن خوازرم، فدخل الماء البلد، فغرق كله، و انهدمت الابنيه، فبقى بحرا، و لم يسلم من اهل خوارزم احد البته، فان غيره من البلاد كان يسلم نفر يسير من اهلها، و اما خوارزم فمن وقف للسيف قتل، و من استخفى غرقه الماء او اهلكه الهدم، فاصبحت خوارزم يبابا.فلما فرغ التتر من هذه البلاد، سيروا جيشا الى غزنه، و بها حينئذ جلال الدين منكبرى بن محمد خوارزم شاه مالكها، و قد اجتمع اليه من سلم من عسكر ابيه و غيرهم، فكانوا نحو ستين الفا، و كان الجيش الذى سار اليهم التتار اثنى عشر الفا، فالتقوا فى حدود غزنه، و اقتتلوا قتالا شديدا ثلاثه ايام، ثم انزل الله النصر على المسلمين، فانهزم التتر و قتلهم المسلمون كيف شاووا و تحيز الناجون منهم الى الطالقان، و بها جنكزخان، و ارسل جلال الدين اليه
رسولا يطلب منه ان يعين موضعا للحرب، فاتفقوا على ان يكون الحرب بكابل، فارسل جنكزخان اليها جيشا، و سار جلال الدين اليها بنفسه، و تصافوا هناك، فكان الظفر للمسلمين، و هرب التتار فالتجئوا الى الطالقان، و جنكزخان مقيم بها ايضا، و غنم المسلمون منهم غنائم عظيمه، فجرت بينهم فتنه عظيمه فى الغنائم، و ذلك لان اميرا من امرائهم اسمه بغراق، كان قد ابلى فى حرب التتر هذه، جرت بينه و بين امير يعرف بملك خان نسيب خوارزم شاه مقاوله افضت الى ان قتل اخ لبغراق، فغضب و فارق جلال الدين فى ثلاثين الفا، فتبعه جلال الدين و استرضاه و استعطفه، فلم يرجع، فضعف جانب جلال الدين بذلك، فبينا هو كذلك وصله الخبر ان جنكزخان قد سار اليه من الطالقان بنفسه و جيوشه، فعجز عن مقاومته، و علم انه لا طاقه له به، فسار نحو بلاد الهند و عبر نهر السند، و ترك غزنه شاغره كالفريسه للاسد، فوصل اليها جنكزخان فملكها، و قتل اهلها و سبى نساءها، و اخرب القصور، و تركها كامس الغابر.ثم كانت لهم بعد ملك غزنه و استباحتها وقائع كثيره مع ملوك الروم بنى قلج ارسلان لم يوغلوا فيها، فى البلاد و انما كانوا يتطرقونها و ينهبون ما تاخمهم منها، و اذعن لهم ملوك فارس و كرمان و التيز و
مكران بالطاعه، و حملوا اليهم الاتاوه، و لم يبق فى البلاد الناطقه باللسان الاعجمى بلد الا حكم فيه سيفهم او كتابهم، فاكثر البلاد قتلوا اهلها، و سبق السيف فيهم العذل، و الباقى ادى الاتاوه اليهم رغما، و اعطى الطاعه صاغرا، و رجع جنكزخان الى ماوراءالنهر، و توفى هناك.و قام بعده ابنه قاآن مقامه، و ثبت جرماغون فى مكانه باذربيجان.و لم يبق لهم الا اصبهان، فانهم نزلوا عليها مرارا فى سنه سبع و عشرين و ستمائه.و حاربهم اهلها.و قتل من الفريقين مقتله عظيمه، و لم يبلغوا منها غرضا، حتى اختلف اهل اصبهان فى سنه ثلاث و ثلاثين و ستمائه و هم طائفتان: حنفيه و شافعيه، و بينهم حروب متصله و عصبيه ظاهره فخرج قوم من اصحاب الشافعى الى من يجاورهم و يتاخمهم من ممالك التتار، فقالوا لهم: اقصدوا البلد حتى نسلمه اليكم، فنقل ذلك الى قاآن بن جنكزخان بعد وفاه ابيه، و الملك يومئذ منوط بتدبيره، فارسل جيوشا من المدينه المستجده التى بنوها و سموها قراحرم، فعبرت جيحون مغربه، و انضم اليها قوم ممن ارسله جرماغون على هيئه المدد لهم، فنزلوا على اصفهان فى سنه ثلاث و ثلاثين المذكوره و حصروها، فاختلف سيفا الشافعيه و الحنفيه فى المدينه، حتى قتل كثير منهم، و ف
تحت ابواب المدينه، و فتحها الشافعيه على عهد بينهم و بين التتار ان يقتلوا الحنفيه، و يعفوا عن الشافعيه، فلما دخلوا البلد بداوا بالشافعيه، فقتلوهم قتلا ذريعا، و لم يقفوا مع العهد الذى عهدوه لهم، ثم قتلوا الحنفيه، ثم قتلوا سائر الناس، و سبوا النساء، و شقوا بطون الحبالى، و نهبوا الاموال، و صادروا الاغنياء، ثم اضرموا النار، فاحرقوا اصبهان، حتى صارت تلولا من الرماد.