شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فلما لم يبق لهم بلد من بلاد العجم الا و قد دوخوه، صمدوا نحو اربل فى سنه اربع و ثلاثين و ستمائه، و قد كانوا طرقوها مرارا، و تحيفوا بعض نواحيها فلم يوغلوا فيها، و الامير المرتب بها يومئذ باتكين الرومى، فنزل عليها فى ذى القعده من هذه السنه منهم نحو ثلاثين الف فارس، ارسلهم جرماغون، و عليهم مقدم كبير من روسائهم يعرف بجكتاى، فغاداها القتال و رواحها، و بها عسكر جم من عساكر الاسلام، فقتل من الفريقين خلق كثير، و استظهر التتار، و دخلوا المدينه، و هرب الناس الى القلعه، فاعتصموا بها، و حصرهم التتار، و طال الحصار حتى هلك الناس فى القلعه عطشا، و طلب باتكين منهم ان يصالحوه عن المسلمين بمال يوديه اليهم، فاظهروا الاجابه، فلما ارسل اليهم ما تقرر بينهم و بينه، اخذوا الما
ل و غدروا به، و حملوا على القلعه بعد ذلك حملات عظيمه، و زحفوا اليها زحفا متتابعا، و علقوا عليها المنجنيقات الكثيره، و سير المستنصر بالله الخليفه جيوشه مع مملوكه و خادم حضرته و اخص مماليكه به شرف الدين اقبال الشرامى، فساروا الى تكريت، فلما عرف التتر شخوصهم رحلوا عن اربل، بعد ان قتلوا منها مالا يحصى، و اخربوها و تركوها كجوف حمار، و عادوا الى تبريز، و بها مقام جرماغون، و قد جعلها دار ملكه.فلما رحلوا عن اربل، عاد العسكر البغدادى الى بغداد، و كانت للتتار بعد ذلك نهضات و سرايا كثيره الى بلاد الشام، قتلوا و نهبوا و سبوا فيها، حتى انتهت خيولهم الى حلب، فاوقعوا بها، و صانعهم عنها اهلها و سلطانها، ثم عمدوا الى بلاد كى خسرو صاحب الروم، و ذلك بعد ان هلك جرماغون، و قام عوضه المعروف ببابايسيجو، و كان قد جمع لهم ملك الروم قضه و قضيضه، و جيشه و لفيفه، و استكثر من الاكراد العتمريه، و من عساكر الشام و جند حلب، فيقال: انه جمع مائه الف فارس و راجل، فلقيه التتار فى عشرين الفا، فجرت بينه و بينهم حروب شديده، قتلوا فيها مقدمته، و كانت المقدمه كلها او اكثرها من رجال حلب، و هم انجاد ابطال، فقتلوا عن آخرهم، و انكسر العسكر الرومى، و ه
رب صاحب الروم حتى انتهى الى قلعه له على البحر تعرف بانطاكيه، فاعتصم بها و تمزقت جموعه، و قتل منهم عدد لايحصى، و دخلت التتار الى المدينه المعروفه بقيساريه، ففعلوا فيها افاعيل منكره من القتل و النهب و التحريق، و كذلك بالمدينه المعروفه بسيواس و غيرها من كبار المدن الروميه، و بخع لهم صاحب الروم بالطاعه، و ارسل اليهم يسالهم قبول المال و المصانعه، فضربوا عليه ضريبه يوديها اليهم كل سنه، و رجعوا عن بلاده.و اقاموا على جمله السكون و الموادعه للبلاد الاسلاميه كلها، الى ان دخلت سنه ثلاث و اربعين و ستمائه.فاتفق ان بعض امراء بغداد و هو سليمان بن برجم، و هو مقدم الطائفه المعروفه بالايواء، و هى من التركمان، قتل شحنه من شحنهم فى بعض قلاع الجبل يعرف بخليل بن بدر، فاثار قتله ان سار من تبريز عشره آلاف غلام منهم، يطوون المنازل، و يسبقون خبرهم، و مقدمهم المعروف بجكتاى الصغير، فلم يشعر الناس ببغداد الا و هم على البلد، و ذلك فى شهر ربيع الاخر من هذه السنه فى فصل الخريف، و قد كان الخليفه المستعصم بالله، اخرج عسكره الى ظاهر سور بغداد على سبيل الاحتياط، و كان التتر قد بلغهم ذلك، الا ان جواسيسهم غرتهم، و اوقعت فى اذهانهم انه ليس خارج
السور الا خيام مضروبه و فساطيط مضروبه، لا رجال تحتها، و انكم متى اشرفتم عليهم ملكتم سوادهم و ثقلهم، و يكون قصارى امر قوم قليلين تحتها ان ينهزموا الى البلد، و يعتصموا بجدرانه، فاقبلت التتر على هذا الظن، و سارت على هذا الوهم، فلما قربوا من بغداد، و شارفوا الوصول الى المعسكر، اخرج المستعصم بالله الخليفه مملوكه و قائد جيوشه شرف الدين اقبالا الشرابى الى ظاهر السور، و كان خروجه فى ذلك اليوم من لطف الله تعالى بالمسلمين، فان التتار لو وصلوا و هو بعد لم يخرج، لاضطرب العسكر، لانهم كانوا يكونون بغير قائد و لا زعيم، بل كل واحد منهم امير نفسه، و آراوهم مختلفه، لايجمعهم راى واحد، و لايحكم عليها حاكم واحد، فكانوا فى مظنه الاختلاف و التفرق، و الاضطراب و التشتت، فكان خروج شرف الدين اقبال الشرابى فى اليوم السادس عشر من هذا الشهر المذكور، و وصلت التتر الى سور البلد فى اليوم السابع عشر، فوقفوا بازاء عساكر بغداد صفا واحدا، و ترتب العسكر البغدادى ترتيبا منتظما، و راى التتر من كثرتهم و جوده سلاحهم و عددهم و خيولهم، ما لم يكونوا يظنونه و لايحسبونه، و انكشف ذلك الوهم الذى اوهمهم جواسيسهم عن الفساد و البطلان.و كان مدبر امر الدوله و
الوزاره فى هذا الوقت، هو الوزير مويد الدين محمد بن احمد بن العلقمى، و لم يحضر الحرب، بل كان ملازما ديوان الخلافه بالحضره، لكنه كان يمد العسكر الاسلامى من آرائه و تدبيراته بما ينتهون اليه و يقفون عنده، فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعه، ظنوا ان واحده منها تهزمهم، لانهم قد اعتادوا انه لايقف عسكر من العساكر بين ايديهم، و ان الرعب و الخوف منهم يكفى و يغنى عن مباشرتهم الحرب بانفسهم، فثبت لهم عسكر بغداد احسن ثبوت، و رشقوهم بالسهام، و رشقت التتار ايضا بسهامها، و انزل الله سكينته على عسكر بغداد، و انزل بعد السكينه نصره، فما زال العسكر البغدادى تظهر عليه امارات القوه، و تظهر على التتار امارات الضعف و الخذلان الى ان حجز الليل بين الفريقين، و لم يصطدم الفيلقان و انما كانت مناوشات و حملات خفيفه لاتقتضى الاتصال و الممازجه، و رشق بالنشاب شديد.فلما اظلم الليل، اوقد التتار نيرانا عظيمه، و اوهموا انهم مقيمون عندها، و ارتحلوا فى الليل راجعين الى جهه بلادهم، فاصبح العسكر البغدادى، فلم ير منهم عينا و لا اثرا، و ما زالوا يطوون المنازل، و يقطعون القرى عائدين حتى دخلوا الدربند، و لحقوا ببلادهم.و كان ما جرى من دلائل النبو
ه، لان الرسول (ص) وعد هذه المله بالظهور و البقاء الى يوم القيامه، و لو حدث على بغداد منهم حادثه، كما جرى على غيرها من البلاد، لانقرضت مله الاسلام، و لم يبق لها باقيه.و الى ان بلغنا من هذا الشرح الى هذا الموضع، لم يذعر العراق منهم ذاعر بعد تلك النوبه التى قدمنا ذكرها.قلت: و قد لاح لى من فحوى كلام اميرالمومنين (ع) انه لاباس على بغداد و العراق منهم، و ان الله تعالى يكفى هذه المملكه شرهم، و يرد عنها كيدهم، و ذلك من قوله (ع): (و يكون هناك استحرار قتل)، فاتى بالكاف، و هى اذا وقعت عقيب الاشاره افادت البعد، تقول للقريب: هنا، و للبعيد هناك، و هذا منصوص عليه فى العربيه، و لو كان لهم استحرار قتل فى العراق لما قال: (هناك) بل كان يقول: (هنا)، لانه (ع) خطب بهذه الخطبه فى البصره، و معلوم ان البصره و بغداد شى ء واحد و بلد واحد، لانهما جميعا من اقليم العراق، و ملكهما ملك واحد، فيلمح هذا الموضع، فانه لطيف.و كتبت الى مويد الدين الوزير عقيب هذه الوقعه التى نصر فيها الاسلام، و رجع التتر مخذولين ناكصين على اعقابهم ابياتا انسب اليه الفتح، و اشير الى انه هو الذى قام بذلك و ان لم يكن حاضرا له بنفسه، و اعتذر اليه عن الاغباب بمديحه
، فقد كانت الشواغل و القواطع تصد عن الانتصاب لذلك: ابقى لنا الله الوزير و حاطه بكتائب من نصره و مقانب و امتد وارف ظله لنزيله وصفت متون غديره للشارب يا كالى ء الاسلام اذ نزلت به فرغاء تشهق بالنجيع السالب فى خطه بهماء ديموميه لايهدى فيها السليك للاحب لايمتطى سلساتها مرهوبه ال ابساس جلس لاتدر لعاصب فرجت غمرتها بقلب ثابت فى حمله ذعرى و راى ثاقب ما غبت ذاك اليوم عن تدبيرها كم حاضر يعصى بسيف الغائب! عمر الذى فتح العراق و انما سعد حسام فى يمين الضارب اثنى عليك ثناء غير موارب و اجيد فيك المدح غير مراقب و انا الذى يهواك حبا صادقا متقادما، و لرب حب كاذب حبا ملات به شعاب جوانحى يفعا، و ها انا ذو عذار شائب ان القريض و ان اغب متيم بكم و رب مجانب كمواظب و لقد يخالصك القصى و ربما يمنى بود مماذق متقارب سدت مسالكه هموم جعجعت بالفكر حتى لايبض لحالب و من العناء مغلب فى حظه يبغى مغالبه القضاء الغالب و هى طويله، و انما ذكرنا منها ما اقتضته الحال.