شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فقال: كيف عرفت صدقه؟ قال: لانى سمعت رسول الله (ص) يقول: (ما اظلت الخضراء، و لااقلت الغبراء من ذى لهجه اصدق من ابى ذر)، فقال من حضر: اما هذا فسمعناه كلنا من رسول الله، فقال ابوذر: احدثكم انى سمعت هذا من رسول الله (ص) فتتهموننى! ما كنت اظن انى اعيش حتى اسمع هذا من اصحاب محمد (ص)! و روى الواقدى فى خبر آخر باسناده، عن صهبان، مولى الاسلميين، قال: رايت اباذر يوم دخل به على عثمان، فقال له: انت الذى فعلت و فعلت! فقال ابوذر: نصحتك فاستغششتنى، و نصحت صاحبك فاستغشنى! قال عثمان: كذبت، و لكنك تريد الفتنه و تحبها، قد انغلت الشام علينا، فقال له ابوذر: اتبع سنه صاحبيك لايكن لاحد عليك كلام، فقال عثمان: ما لك و ذلك لا ام لك! قال ابوذر: و الله ما وجدت لى عذرا الا الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.فغضب عثمان، و قال: اشيروا على فى هذا الشيخ الكذاب، اما ان
اضربه، او احبسه، او اقتله، فانه قد فرق جماعه المسلمين، او انفيه من ارض الاسلام.فتكلم على (ع)- و كان حاضرا- فقال: اشير عليك بما قال مومن آل فرعون (فان يك كاذبا فعليه كذبه و ان يك صادقا يصبكم بعض الذى يعدكم ان الله لايهدى من هو مسرف كذاب) فاجابه عثمان بجواب غليظ، و اجابه على (ع) بمثله، و لم نذكر الجوابين تذمما منهما.قال الواقدى: ثم ان عثمان حظر على الناس ان يقاعدوا اباذر، او يكلموه.فمكث كذلك اياما، ثم اتى به فوقف بين يديه، فقال ابوذر: ويحك يا عثمان! اما رايت رسول الله (ص)، و رايت ابابكر و عمر! هل هديك كهديهم! اما انك لتبطش بى بطش جبار، فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا، فقال ابوذر: ما ابغض الى جوارك! فالى اين اخرج؟ قال: حيث شئت، قال: اخرج الى الشام ارض الجهاد؟ قال: انما جلبتك من الشام لما قد افسدتها افاردك اليها! قال: افاخرج الى العراق؟ قال: لا، انك ان تخرج اليها تقدم على قوم اولى شبه و طعن على الائمه و الولاه، قال: افاخرج الى مصر؟ قال: لا، قال: فالى اين اخرج؟ قال: الى الباديه، قال ابوذر: اصير بعد الهجره اعرابيا! قال: نعم، قال ابوذر: فاخرج الى باديه نجد؟ قال عثمان: بل الى الشرق الابعد، اقصى فاقصى، امض على وجهك
هذا فلاتعدون الربذه فخرج اليها.و روى الواقدى ايضا عن مالك بن ابى الرجال، عن موسى بن ميسره، ان ابوالاسود الدولى، قال: كنت احب لقاء ابى ذر لاساله عن سبب خروجه الى الربذه، فجئته فقلت له: الا تخبرنى، اخرجت من المدينه طائعا، ام اخرجت كرها؟ فقال: كنت فى ثغر من ثغور المسلمين اغنى عنهم، فاخرجت الى المدينه، فقلت: دار هجرتى و اصحابى، فاخرجت من المدينه الى ما ترى.ثم قال: بينا انا ذات ليله نائم فى المسجد على عهد رسول الله (ص)، اذ مر بى (ع) فضربنى برجله، و قال: لااراك نائما فى المسجد، فقلت: بابى انت و امى! غلبتنى عينى، فنمت فيه.قال: فكيف تصنع اذا اخرجوك منه؟ قلت: اذا الحق بالشام، فانها ارض مقدسه، و ارض الجهاد.قال: فكيف تصنع اذا اخرجت منها؟ قلت: ارجع الى المسجد، قال: فكيف تصنع اذا اخرجوك منه؟ قلت: آخذ سيفى فاضربهم به.فقال: الا ادلك على خير من ذلك؟ انسق معهم حيث ساقوك، و تسمع و تطيع.فسمعت و اطعت و انا اسمع و اطيع، و الله ليلقين الله عثمان و هو آثم فى جنبى.و اعلم ان اصحابنا رحمهم الله قد رووا اخبارا كثيره، معناها انه اخرج الى الربذه باختياره.و حكى قاضى القضاه رحمه الله فى "المغنى" عن شيخنا ابى على رحمه الله، ان النا
س اختلفوا فى امر ابى ذر، و ان الروايه وردت بانه قيل له: اعثمان انزلك الربذه؟ فقال: لا بل انا اخترت لنفسى ذلك.و روى ابوعلى ايضا ان معاويه كتب يشكوه و هو بالشام، فكتب اليه عثمان: ان صر الى المدينه.فلما صار اليها، قال له: ما اخرجك الى الشام؟ قال: انى سمعت رسول الله (ص) يقول: (اذا بلغت عماره المدينه موضع كذا فاخرج منها)، فلذلك خرجت.فقال: اى البلاد احب اليك بعد الشام؟ قال الربذه، فقال: صر اليها.و روى الشيخ ابوعلى ايضا عن زيد بن وهب، قال: قلت لابى ذر و هو بالربذه: ما انزلك هذا المنزل؟ قال: اخبرك انى كنت بالشام، فذكرت قوله تعالى: (و الذين يكنزون الذهب و الفضه و لاينفقونها).فقال لى معاويه: هذه نزلت فى اهل الكتاب، فقلت: فيهم و فينا.فكتب معاويه الى عثمان فى ذلك، فكتب الى: ان اقدم، فقدمت عليه، فانثال الناس الى كانهم لم يعرفونى، فشكوت ذلك الى عثمان، فخيرنى و قال: انزل حيث شئت، فنزلت الربذه.و نحن نقول: هذه الاخبار و ان كانت قد رويت، لكنها ليست فى الاشتهار و الكثره كتلك الاخبار، و الوجه ان يقال فى الاعتذار عن عثمان و حسن الظن بفعله: انه خاف الفتنه و اختلاف كلمه المسلمين، فغلب على ظنه ان اخراج ابى ذر الى الربذه احسم
للشغب، و اقطع لاطماع من يشرئب الى شق العصا، فاخرجه مراعاه للمصلحه، و مثل ذلك يجوز للامام.هكذا يقول اصحابنا المعتزله، و هو الاليق بمكارم الاخلاق، فقد قال الشاعر: اذا ما اتت من صاحب لك زله فكن انت محتالا لزلته عذرا و انما يتاول اصابنا لمن يحتمل حاله التاويل كعثمان، فاما من لم يحتمل حاله التاويل، - و ان كانت له صحبه سالفه- كمعاويه و اضرابه، فانهم لايتاولون لهم اذا كانت افعالهم و احوالهم لا وجه لتاويلها، و لاتقبل العلاج و الاصلاح.