الشرح:
آثروا: اختاروا.و اخروا: تركوا.الاجن: الماء المتغير.جن الماء ياجن و ياجن.و سى به: الفه، ناقه بسوء: الفت الحالب و لاتمنعه.و شابت عليه مفارقه: طال عهده به مذ زمن الصبا حتى صار شيخا.و صبغت به خلافه ما صارت طبعا لان العاده طبيعه ثانيه.مزبدا، اى ذو زبد، و هو ما يخرج من الفم كالرغوه، يضرب مثلا للرجل الصائل المقتحم.و التيار: معظم اللجه، و المراد به هاهنا السيل.و الهشيم: دقاق الحطب.و لايحفل، بفتح حرف المضارعه، لان الماضى ثلاثى، اى لايبالى.و الابصار اللامحه: الناظره.و تشاحوا: تضايقوا، كل منهم يريد الا يفوته ذلك، و اصله الشح و هو البخل.فان قلت: هذا الكلام يرجع الى الصحابه الذين تقدم ذكرهم فى اول الخطبه! قلت: لا، و ان زعم قوم انه عناهم، بل هو اشاره الى قوم ممن ياتى من الخلف بعد السلف، الا تراه قال: كانى انظر الى فاسقهم قد صحب المنكر فالفه، و هذا اللفظ انما يقال فى حق من لم يوجد بعد، كما قال فى حق الاتراك: (كانى انظر اليهم قوما كان وجوههم المجان)، و كما قال فى حق صاحب الزنج: (كانى به يا احنف قد سار فى الجيش)، و كما قال فى الخطبه التى ذكرناها آنفا: (كانى به قد نعق بالشام) يعنى به عبدالملك.و حوشى (ع) ان يعنى بهذا الكلام الصحابه، لانهم ما آثروا العاجل، و لااخروا الاجل، و لاصحبوا المنكر، و لااقبلوا كالتيار، لايبالى ما غرق، و لا كالنار لا تبالى ما احرقت، و لاازدحموا على الحطام، و لاتشاحوا على الحرام، و لاصرفوا عن الجنه وجوههم، و لااقبلوا الى النار باعمالهم، و لا دعاهم الرحمن فولوا، و لا دعاهم الشيطان فاستجابوا.و قد علم كل احد حسن سيرتهم، و سداد طريقتهم و اعراضهم عن الدنيا و قد ملكوها، و زهدهم فيها و قد تمكنوا منها، و لو لاقوله: (كانى انظر الى فاسقهم) لم ابعد ان يعنى بذلك قوما ممن عليه اسم الصحابه و هو ردى ء الطريقه، كالمغيره بن شعبه و عمرو بن العاص، و مروان بن الحكم، و معاويه، و جماعه معدوده احبوا الدنيا و استغواهم الشيطان، و هم معدودون فى كتب اصحابنا و من اشتغل بعلوم السيره و التواريخ عرفهم باعيانهم.