شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و وصل فى الثانى ابوعبيده بن الجراح من الشام فى عساكر من المسلمين، فكان مددا لسعد، و كان هذا اليوم على الفرس اشد من اليوم الاول، قتل من المسلمين الفان، و من المشركين عشره آلاف.و اصبحوا فى اليوم الثالث على القتال، و كان عظيما على العرب و العجم معا، و صبر الفريقان، و قامت الحرب ذلك اليوم، و تلك الليله جمعاء لاينطقون، كلامهم الهرير، فسميت ليله الهرير.و انقطعت الاخبار و الاصوات عن سعد و رستم، و انقطع سعد الى الصلاه و الدعاء.و البكاء، و اصبح الناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها، و الحرب قائمه بعد الى وقت الظهر، فارسل الله تعالى ريحا عاصفا فى اليوم الرابع، امالت الغبار و النقع على العجم، فانكسروا، و وصلت العرب الى سرير رستم، و قد قام عنه ليركب جملا، و على راسه العلم، فضرب هلال بن علقمه الحمل الذى رستم فوقه، فقطع حباله، و وقع على هلال احد العدلين، فازال فقار ظهره، و مضى رستم نحو العتيق، فرمى نفسه فيه، و اقتحم هلال عليه، فاخذ برجله، و خرج به يجره حتى القاه تحت ارجل الخيل، و قد قتله و صعد السرير، فنادى: انا هلال، انا قاتل رستم، فانهزمت
الفرس، و تهافتوا فى العقيق، فقتل منهم نحو ثلاثين الفا، و نهبت اموالهم و اسلابهم، و كانت عظيمه جدا، و اخذت العرب منهم كافورا كثيرا، فلم يعبئوا به، لانهم لم يعرفوه، و باعوه من قوم بملح، كيلا بكيل، و سروا بذلك و قالوا: اخذنا منهم ملحا طيبا، و دفعنا اليهم ملحا غير طيب، و اصابوا من الجامات من الذهب و الفضه ما لايقع عليه العد لكثرته، فكان الرجل منهم يعرض جامين من ذهب على صاحبه، لياخذ منه جاما واحدا من فضه يعجبه بياضها و يقول: من ياخذ صفراوين ببيضاء! و بعث سعد بالانفال و الغنائم الى عمر، فكتب الى سعد: لاتتبع الفرس، و قف مكانك و اتخذه منزلا.فنزل موضع الكوفه اليوم و اختط مسجدها، و بنى فيها الخطط للعرب.(يوم نهاوند) فاما وقعه نهاوند، فان اباجعفر محمد بن جرير الطبرى ذكر فى كتاب التاريخ، ان عمر لما اراد ان يغزو العجم و جيوش كسرى و هى مجتمعه بنهاوند، استشار الصحابه، فقام عثمان فتشهد، فقال: ارى يا اميرالمومنين ان تكتب الى اهل الشام فيسيروا من شامهم، و تكتب الى اهل اليمن فيسيروا من يمنهم، ثم تسير انت باهل هذين الحرمين الى المصرين: البصره و الكوفه، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين، فانك اذا سرت بمن معك و من عندك، قل فى
نفسك ما تكاثر من عدد القوم، و كنت اعز عزا و اكثر، انك لاتستبقى من نفسك بعد اليوم باقيه، و لاتمتع من الدنيا بعزيز، و لاتكون منها فى حرز حريز.ان هذا اليوم له ما بعده، فاشهد بنفسك و رايك و اعوانك، و لاتغب عنه.قال ابوجعفر: و قام طلحه، فقال: اما بعد يا اميرالمومنين، فقد احكمتك الامور، و عجمتك البلايا، و حنكتك التجارب، و انت و شانك، و انت و رايك، لاننبو فى يديك، و لا نكل امرنا الا اليك، فامرنا نجب، و ادعنا نطع، و احملنا نركب، و قدنا ننقد، فانك ولى هذا الامر، و قد بلوت و جربت و اختبرت، فلم ينكشف شى ء من عواقب الامور لك الا عن خيار.فقال على بن ابى طالب (ع): اما بعد، فان هذا الامر لم يكن نصره و لا خذلانه بكثره و لا قله، انما هو دين الله الذى اظهره، و جنده الذى اعزه و امده بالملائكه، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، و الله منجز وعده، و ناصر جنده، و ان مكانك منهم مكان النظام من الخرز، يجمعه و يمسكه، فان انحل تفرق ما فيه و ذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره ابدا، و العرب اليوم و ان كانوا قليلا، فانهم كثير عزيز بالاسلام، اقم مكانك، و اكتب الى اهل الكوفه، فانهم اعلام العرب و روساوهم، و ليشخص منهم الثلثان، و ليقم الثلث، و
اكتب الى اهل البصره ان يمدوهم ببعض من عندهم، و لاتشخص الشام و لا اليمن، انك ان اشخصت اهل الشام من شامهم، سارت الروم الى ذراريهم، و ان اشخصت اهل اليمن من يمنهم سارت الحبشه الى ذراريهم، و متى شخصت من هذه الارض انتقضت عليك العرب من اقطارها و اطرافها، حتى يكون ما تدع ورائك اهم اليك مما بين يديك من العورات و العيالات.ان الاعاجم ان ينظروا اليك غدا قالوا: هذا اميرالعرب و اصلهم، فكان ذلك اشد لكلبهم عليك.و اما ما ذكرت من مسير القوم، فان الله هو اكره ليرهم منك، و هو اقدر على تغيير ما يكره، و اما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثره، و انما كنا نقاتل بالصبر و النصر.فقال عمر: اجل! هذا الراى، و قد كنت احب ان اتابع عليه، فاشيروا على برجل اوليه ذلك الثغر.قالوا: انت افضل رايا، فقال: اشيروا على به، و اجعلوه عراقيا قالوا: انت اعلم باهل العراق، و قد وفدوا عليك، فرايتهم و كلمتهم.قال: اما و الله لاولين امرهم رجلا يكون عمدا لاول الاسنه، قيل: و من هو يا اميرالمومنين؟ قال: النعمان بن مقرن، قالوا: هو لها.و كان النعمان يومئذ بالبصره، فكتب اليه عمر، فولاه امر الجيش.قال ابوجعفر: كتب اليه عمر: سر الى نهاوند، فقد ول
يتك حرب الفيروزان- و كان المقدم على جيوش كسرى- فان حدث بك حدث فعلى الناس حذيفه بن اليمان، فان حدث به حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن، فان فتح الله عليكم فاقسم على الناس ما افاء الله عليهم، و لاترفع الى منه شيئا، و ان نكث القوم فلا ترانى و لا اراك، و قد جعلت معك طليحه بن خويلد، و عمرو بن معد يكرب، لعلمهما بالحرب، فاستشرهما و لا تولهما شيئا.قال ابوجعفر: فسار النعمان بالعرب حتى وافى نهاوند، و ذلك فى السنه السابعه من خلافه عمر، و ترائى الجمعان، و نشب القتال، و حجزهم المسلمون فى خنادقهم، و اعتصموا بالحصون و المدن، و شق على المسلمين ذلك، فاشار طليحه عليه، فقال: ارى ان تبعث خيلا ببعض القوم و تحمشهم، فاذا استحمشوا خرج بعضهم، و اختلطوا بكم فاستطردوا لهم، فانهم يطمعون بذلك، ثم تعطف عليهم حتى يقضى الله بيننا و بينهم بما يحب.ففعل النعمان ذلك، فكان كما ظن طليحه، و انقطع العجم عن حصونهم بعض الانقطاع، فلما امعنوا فى الانكشاف للمسلمين حمل النعمان بالناس، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون مثله، و زلق بالنعمان فرسه فصرع و اصيب، و تناول الرايه نعيم اخوه، فاتى حذيفه لها فدفعها اليه، و كتم المسلمون مصاب اميرهم، و اقتتلوا حتى ا
ظلم الليل، و رجعوا و المسلمون ورائهم، فعمى عليهم قصدهم فتركوه، و غشيهم المسلمون بالسيوف، فقتلوا منهم ما لايحصى، و ادرك المسلمون الفيروزان و هو هارب، و قد انتهى الى ثنيه مشحونه ببغال موقره عسلا، فحبسته على اجله، فقتل، فقال المسلمون: ان لله جنودا من عسل.و دخل المسلمون نهاوند فاحتووا على ما فيها، و كانت انفال هذا اليوم عظيمه، فحملت الى عمر، فلما رآها بكى، فقال له المسلمون: ان هذا اليوم يوم سرور و جذل، فما بكاوك؟ قال: ما اظن ان الله تعالى زوى هذا عن رسول الله (ص) و عن ابى بكر الا لخير اراده بهما، و لا اراه فتحه على الا لشر اريد بى، ان هذا المال لايلبث ان يفتن الناس.ثم رفع يده الى السماء يدعو و يقول: اللهم اعصمنى و لا تكلنى الى نفسى، يقولها مرارا، ثم قسمه بين المسلمين عن آخر.