من استنصح الله: من اطاع اوامره و علم انه يهديه الى مصالحه، و يرده عن مفاسده و يرشده الى ما فيه نجاته، و يصرفه عما فيه عطبه.و التى هى اقوم: يعنى الحاله و الخله التى اتباعها اقوم، و هذا من الالفاظ القرآنيه، قال سبحانه: (ان هذا القرآن يهدى للتى هى اقوم).و المراد بتلك الحاله المعرفه بالله و توحيده و وعد له.ثم نهى (ع) عن التكبر و التعظم و قال: ان رفعه القوم الذين يعرفون عظمه الله ان يتواضعوا له.و ما هاهنا، بمعنى اى شى ء، و من روى بالنصب جعلها زائده.و قد ورد فى ذم التعظم و التكبر ما يطول استقصاوه، و هو مذموم على العباد، فكيف بمن يتعظم على الخالق سبحانه و انه لمن الهالكين! و قال رسول الله (ص) لما افتخر: (انا سيد ولد آدم)، ثم قال: (و لا فخر)، فجهر بلفظه الافتخار، ثم اسقط استطاله الكبر، و انما جهر بما جهر به، لانه اقامه مقام شكر النعمه و التحدث بها، و فى الحديث المرفوع عنه (ص): (ان الله قد اذهب عنكم حميه الجاهليه و فخرها بالاباء، الناس بنوآدم، و آدم من تراب، مومن تقى، و فاجر شقى.لينتهين اقوام يفخرون برجال، انما هم فحم من فحم جهنم، او ليكونن اهون على الله من جعلان تدفع النتن بانفها).قوله: (و اعلموا انكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذى تركه)، فيه تنبيه على انه يجب البرائه من اهل الضلال، و هو قول اصحابنا جميعهم، فانهم بين مكفر لمن خالف اصول التوحيد و العدل- و هم الاكثرون- او مفسق، و هم الاقلون، و ليس احد منهم معذورا عند اصحابنا و ان ضل بعد النظر، كما لانعذر اليهود و النصارى اذا ضلوا بعد النظر.ثم قال (ع): (فالتمسوا ذلك عند اهله)، هذا كنايه عنه (ع)، و كثيرا ما يسلك هذا المسلك، و يعرض هذا التعريض، و هو الصادق الامين العارف باسرار الالهيه.ثم ذكر ان هولاء الذين امر باتباعهم ينبى ء حكمهم عن علمهم، و ذلك لان الامتحان يظهر خبيئه الانسان.ثم قال: (و صمتهم عن نطقهم)، صمت العارف ابلغ من نطق غيره، و لايخفى فضل الفاضل و ان كان صامتا.ثم ذكر انهم لايخالفون الدين لانهم قوامه و اربابه، و لايختلفون فيه، لان الحق فى التوحيد و العدل واحد، فالدين بينهم شاهد صادق ياخذون بحكمه، كما يوخذ بحكم الشاهد الصادق.و صامت ناطق، لانه لاينطق بنفسه بل لابد له من مترجم، فهو صامت فى الصوره، و هو فى المعنى انطق الناطقين، لان الاوامر و النواهى و الاداب كلها مبنيه عليه، و متفرعه عليه.