شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و كم قال لامره: (يوذينى ما يوذيها، و يغضبنى ما يغضبها)، و (انها بضعه منى، يريبنى ما رابها)، فكان هذا و امثاله يوجب زياده الضغن عند الزوجه حسب زياده هذا التعظيم و التبجيل، و النفوس البشريه تغيظ على ما هو دون هذا، فكيف هذا! ثم حصل عند بعلها ما هو حاصل عندها- اعنى عليا (ع)- فان النساء كثيرا ما يجعلن الاحقاد فى قلوب الرجال، لاسيما و هن محدثات الليل، كما قيل فى المثل، و كانت تكثر الشكوى من عائشه، و يغشاها نساء المدينه و جيران بيتها فينقلن اليها كلمات عن عائشه، ثم يذهبن الى بيت عائشه فينقلن اليها كلمات عن فاطمه، و كما كانت فاطمه تشكو الى بعلها، كانت عائشه تشكو الى ابيها، لعلمها
ان بعلها لايشكيها على ابنته، فحصل فى نفس ابى بكر من ذلك اثر ما، ثم تزايد تقريظ رسول الله (ص) لعلى (ع)، و تقريبه و اختصاصه، فاحدث ذلك حسدا له و غبطه فى نفس ابى بكر عنه، و هو ابوها، و فى نفس طلحه و هو ابن عمها، و هى تجلس اليهما، و تسمع كلامهما، و هما يجلسان اليها و يحادثانها، فاعدى اليها منهما كما اعدتهما.قال: و لست ابرى ء عليا (ع) من مثل ذلك، فانه كان ينفس على ابى بكر سكون النبى (ص) اليه و ثنائه عليه، و يحب ان ينفرد هو بهذه المزايا و الخصائص دونه و دون الناس اجمعين، و من انحرف عن انسان انحرف عن اهله و اولاده، فتاكدت البغضه بين هذين الفريقين.ثم كان من امر القذف ما كان، و لم يكن على (ع) من القاذفين، و لكنه كان من المشيرين على رسول الله (ص) بطلاقها، تنزيها لعرضه عن اقوال الشناه و المنافقين.قال له لما استشاره: ان هى الا شسع لعلك، و قل له: سل الخادم و خوفها و ان اقامت على الجحود فاضربها.و بلغ عائشه هذا الكلام كله، و سمعت اضعافه مما جرت عاده الناس ان يتداولوه فى مثل هذه الواقعه، و نقل النساء اليها كلاما كثيرا عن على و فاطمه، و انهما قد اظهرا الشماته جهارا و سرا بوقوع هذه الحادثه لها، فتفاقم الامر و غلظ.ثم ان ر
سول الله (ص) صالحها و رجع اليها، و نزل القرآن ببرائتها، فكان منها ما يكون من الانسان ينتصر بعد ان قهر، و يستظهر بعد ان غلب، و يبرا بعد ان اتهم، من بسط اللسان، و فلتات القول، و بلغ ذلك كله عليا (ع) و فاطمه (ع)، فاشتدت الحل و غلظت، و طوى كل من الفريقين قلبه على الشنان لصاحبه.ثم كان بينها و بين على (ع) فى حياه رسول الله (ص) احوال و اقوال، كلها تقتضى تهييج ما فى النفوس، نحو قولها له- و قد استدناه رسول الله، فجاء حتى قعد بينه و بينها و هما متلاصقان: اما وجدت مقعدا لكذا- لاتكنى عنه- الا فخذى! و نحو ما روى انه سايره يوما و اطال مناجاته، فجائت و هى سائره خلفهما حتى دخلت بينهما، و قالت: فيم انتما فقد اطلتما! فيقال: ان رسول الله (ص) غضب ذلك اليوم.و ما روى من حديث الجفنه من الثريد التى امرت الخادم فوقفت لها فاكفاتها، و نحو ذلك مما يكون بين الاهل و بين المراه و احمائها.ثم اتفق ان فاطمه ولدت اولادا كثيره بنين و بنات، و لم تلد هى ولدا، و ان رسول الله (ص) كان يقيم بنى فاطمه مقام بنيه، و يسمى الواحد منهما (ابنى) و يقول: (دعوا لى ابنى و لاتزرموا على ابنى)، و (ما فعل ابنى؟) فما ظنك بالزوجه اذا حرمت الولد من البعل، ثم رات ا
لبعل يتمنى بنى ابنته من غيرها، و يحنو عليهم حنو الوالد المشفق! هل تكون محبه لاولئك البنين و لامهم و لابيهم، ام مبغضه! و هل تود دوام ذلك و استمراره، ام زواله و انقضائه! ثم اتفق ان رسول الله (ص) سد باب ابيها الى المسجد، و فتح باب صهره، ثم بعث اباها ببرائه الى مكه، ثم عزله عنها بصهره، فقدح ذلك ايضا فى نفسها، و ولد لرسول الله (ص) ابراهيم من ماريه، فاظهر على (ع) بذلك سرورا كثيرا، و كان يتعصب لماريه، و يقوم بامرها عند رسول الله (ص) ميلا على غيرها، و جرت لماريه نكبه مناسبه لنكبه عائشه، فبراها على (ع) منها، و كشف بطلانها، او كشفه الله تعالى على يده، و كان ذلك كشفا محسا بالبصر، لايتهيا للمنافقين ان يقولوا فيه ما قالوه فى القرآن المنزل ببرائه عائشه، و كل ذلك مما كان يوغر صدر عائشه عليه، و يوكد ما فى نفسها منه، ثم مات ابراهيم فابطنت شماته، و ان اظهرت كابه، و وجم على (ع) من ذلك و كذلك فاطمه، و كانا يوثران، و يريدان ان تتميز ماريه عليها بالولد، فلم يقدر لهما ولا لماريه ذلك، و بقيت الامور على ما هى عليه، و فى النفوس ما فيها، حتى مرض رسول الله (ص) المرض الذى توفى فيه، و كانت فاطمه (ع) و على (ع) يريدان ان يمرضاه فى بيتهما،
و كذلك كان ازواجه كلهن، فمال الى بيت عائشه بمقتضى المحبه القلبيه التى كانت لها دون نسائه، و كره ان يزاحم فاطمه و بعلها فى بيتهما، فلا يكون عنده من الانبساط لوجودهما ما يكون اذا خلا بنفسه فى بيت من يميل اليه بطبعه، و علم ان المريض يحتاج الى فضل مداراه، و نوم و يقظه و انكشاف، و خروج حدث، فكانت نفسه الى بيته اسكن منها الى بيت صهره و بنته، فانه اذا تصور حيائهما منه استحيا هو ايضا منهما، و كل احد يحب ان يخلو بنفسه، و يجتشم الصهر و البنت، و لم يكن له الى غيرها من الزوجات مثل ذلك الميل اليها، فتمرض فى بيتها، فغبطت على ذلك، و لم يمرض رسول الله (ص) منذ قدم المدينه مثل هذا المرض، و انما كان مرضه الشقيقه يوما او بعض يوم ثم يبرا، فتطاول هذا المرض، و كان على (ع) لايشك ان الامر له، و انه لاينازعه فيه احد من الناس، و لهذا قال له عمه و قد مات رسول الله (ص): امدد يدك ابايعك، فيقول الناس: عم رسول الله (ص) بايع ابن عم رسول الله (ص)، فلا يختلف عليك اثنان.قال: يا عم و هل يطمع فيها طامع غيرى! قال: ستعلم، قال: فانى لااحب هذا الامر من وراء رتاج، و احب ان اصحر به.فسكت عنه، فلما ثقل رسول الله (ص) فى مرضه، انفذ جيش اسامه، و جعل فيه ا
بابكر و غيره من اعلام المهاجرين و الانصار، فكان على (ع) حينئذ بوصوله الى الامر- ان حدث برسول الله (ص) حدث- اوثق، و تغلب على ظنه ان المدينه لو مات لخلت من منازع ينازعه الامر بالكليه، فياخذه صفوا عفوا، و تتم له البيعه، فلا يتهيا فسخها لو رام ضد منازعته عليها، فكان- من عود ابى بكر من جيش اسامه بارسالها اليه، و اعلامه بان رسول الله (ص) يموت- ما كان، و من حديث الصلاه بالناس ما عرف، فنسب على (ع) عائشه انها امرت بلالا مولى ابيها ان يامره فليصل بالناس، لان رسول الله كما روى، قال: (ليصل بهم احدهم)، و لم يعين، و كانت صلاه الصبح، فخرج رسول الله (ص) و هو فى آخر رمق يتهادى بين على و الفضل بن العباس، حتى قام فى المحراب كما ورد فى الخبر، ثم دخل فمات ارتفاع الضحى، فجعل يوم صلاته حجه فى صرف الامر اليه.و قال: ايكم يطيب نفسا ان يتقدم قدمين قدمهما رسول الله فى الصلاه؟ و لم يحملوا خروج رسول الله (ص) الى الصلاه لصرفه عنها، بل لمحافظته على الصلاه مهما امكن، فبويع على هذه النكته التى اتهمها على (ع) على انها ابتدات منها.