شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و كان على (ع) يذكر هذا لاصحابه فى خلواته كثيرا، و يقول: انه لم يقل (ص): (انكن لصويحبات يوسف) الا انكارا لهذه الح
ال، و غضبا منها، لانها و حفصه تبادرتا الى تعيين ابويهما، و انه استدركها بخروجه و صرفه عن المحراب، فلم يجد ذلك، و لا اثر، مع قوه الداعى الذى كان يدعو الى ابى بكر و يمهد له قاعده الامر، و تقرر حاله فى نفوس الناس و من اتبعه على ذلك من اعيان المهاجرين و الانصار.و لما ساعد على ذلك من الحظ الفلكى و الامر السمائى، الذى جمع عليه القلوب و الاهواء، فكانت هذه الحال عند على اعظم من كل عظيم، و هى الطامه الكبرى، و المصيبه العظمى، و لم ينسبها الا الى عائشه وحدها، و لاعلق الامر الواقع الا بها، فدعا عليها فى خلواته و بين خواصه، و تظلم الى الله منها، و جرى له فى تخلفه عن البيعه ما هو مشهور، حتى بايع، و كان يبلغه و فاطمه عنها كل ما يكرهانه منذ مات رسول الله (ص) الى ان توفيت فاطمه، و هما صابران على مضض و رمض، و استظهرت بولايه ابيها، و استطالت و عظم شانها، و انخذل على و فاطمه و قهرا، و اخذت فدك، و خرجت فاطمه تجادل فى ذلك مرارا فلم تظفر بشى ء، و فى ذلك تبلغها النساء و الداخلات و الخارجات عن عائشه كل كلام يسووها، و يبلغن عائشه عنها و عن بعلها مثل ذلك، الا انه شتان ما بين الحالين، و بعد ما بين الفريقين، هذه غالبه و هذه مغلوبه، و ه
ذه آمره و هذه ماموره، و ظهر التشفى و الشماته، و لا شى ء اعظم مراره و مشقه من شماته العدو.فقلت له، رحمه الله: افتقول انت: ان عائشه عينت اباها للصلاه و رسول الله (ص) لم يعينه! فقال: اما انا فلا اقول ذلك، و لكن عليا كان يقوله، و تكليفى غير تكليفه، كان حاضرا و لكم اكن حاضرا، فانا محجوج بالاخبار التى اتصلت بى، و هى تتضمن تعيين النبى (ص) لابى بكر فى الصلاه، و هو محجوج بما كان قد علمه او يغلب على ظنه من الحال التى كان حضرها.قال: ثم ماتت فاطمه، فجاء نساء رسول الله (ص) كلهن الى بنى هاشم فى العزاء الا عائشه، فانها لم تات، و اظهرت مرضا، و نقل الى على (ع) عنها كلام يدل على السرور.ثم بايع على اباها فسرت بذلك، و اظهرت من الاستبشار بتمام البيعه و استقرار الخلافه و بطلان منازعه الخصم ما قد نقله الناقلون فاكثروا، و استمرت الامور على هذا مده خلافه ابيها و خلافه عمر و عثمان، و القلوب تغلى، و الاحقاد تذيب الحجاره، و كلما طال الزمان على على تضاعفت همومه، و باح بما فى نفسه، الى ان قتل عثمان و قد كانت عائشه فيها اشد الناس عليه تاليبا و تحريضا، فقالت: ابعده الله! لما سمعت قتله، و املت ان تكون الخلافه فى طلحه، فتعود الامره تيميه
كما كانت اولا، فعدل الناس عنه الى على بن ابى طالب، فلما سمعت ذلك صرخت: واعثماناه! قتل عثمان مظلوما، و ثار ما فى الانفس، حتى تولد من ذلك يوم الجمل و ما بعده.هذه خلاصه كلام الشيخ ابى يعقوب رحمه الله، و لم يكن يتشيع، و كان شديدا فى الاعتزال، الا انه فى التفضيل كان بغداديا.فاما قوله (ع): (و لو دعيت لتنال من غيرى مثل ما اتت الى، لم تفعل) فانما يعنى به عمر، يقول: لو ان عمر ولى الخلافه بعد قتل عثمان على الوجه الذى قتل عليه، و الوجه الذى انا وليت الخلافه عليه، و نسب الى عمر انه كان يوثر قتله، او يحرض عليه، و دعيت عائشه الى ان تخرج عليه فى عصابه من المسلمين الى بعض بلاد الاسلام، تثير فتنه و تنقض البيعه- لم تفعل، و هذا حق، لانها لم تكن تجد على عمر ما تجده على على (ع)، و لا الحال الحال.فاما قوله: (و لها- بعد حرمتها الاولى، و الحساب على الله)، فانه يعنى بذلك حرمتها بنكاح رسول الله (ص) لها، و حبه اياها.و حسابها على الله، لانه غفور رحيم لايتعاظم عفوه زله، و لايضيق عن رحمته ذنب.فان قلت: هذا الكلام يدل على توقفه (ع) فى امرها، و انتم تقولون: انها من اهل الجنه، فكيف تجمعون بين مذهبكم و هذا الكلام؟ قلت: يجوز ان يكون قال ه
ذا الكلام قبل ان يتواتر الخبر عنده بتوبتها، فان اصحابنا يقولون: انها ثابت بعد قتل اميرالمومنين و ندمت، و قالت: لوددت ان لى من رسول الله (ص) عشره بنين، كلهم ماتوا، و لم يكن يوم الجمل.و انها كانت بعد قتله تثنى عليه و تنشر مناقبه، مع انهم رووا ايضا انها عقيب الجمل كانت تبكى حتى تبل خمارها، و انها استغفرت الله و ندمت، و لكن لم يبلغ اميرالمومنين (ع) حديث توبتها عقيب الجمل بلاغا يقطع العذر و يثبت الحجه، و الذى شاع عنها من امر الندم و التوبه شياعا مستفيضا، انما كان بعد قتله (ع) الى ان ماتت و هى على ذلك، و التائب مغفور له، و يجب قبول التوبه عندنا فى العدل، و قد اكدوا وقوع التوبه، منها ما روى فى الاخبار المشهوره انها زوجه رسول الله (ص) فى الاخره كما كانت زوجته فى الدنيا، و مثل هذا الخبر اذا شاع اوجب علينا ان نتكلف اثبات توبتها و لو لم ينقل، فكيف و النقل لها يكاد ان يبلغ حد التواتر!