الشرح:
شخصوا من بلد كذا: خرجوا.و مستقر الاجداث: مكان استقرارهم بالقبور، و هى جمع جدث.و مصائر الغايات: جمع مصير، و الغايات: جمع غايه و هى ما ينتهى اليه، قال الكلميت: فالان صرت الى اميه و الامور الى مصاير ثم ذكر ان اهل الثواب و العقاب، كل من الفريقين يقيم بدار لايتحول منها، و هذا كما ورد فى الخبر: (انه ينادى مناد: يا اهل الجنه سعاده لافناء لها، و يا اهل النار، شقاوه لافناء لها).ثم ذكر ان الامر بالمعروف و النهى عن المنكر خلقان من خلق الله سبحانه، و ذلك لانه تعالى ما امر الا بمعروف، و ما نهى الا عن منكر، و يبقى الفرق بيننا و بينه انا يجب علينا النهى عن المنكر بالمنع منه، و هو- سبحانه- لايجب عليه ذلك، لانه لو منع من اتيان المنكر لبطل التكليف.ثم قال: (انهما لايقربان من اجل، و لاينقصان من رزق)، و انما قال (ع) ذلك، لان كثيرا من الناس يكف عن نهى الظلمه عن المناكير، توهما منه انهم اما ان يبطشوا به فيقتلوه، او يقطعوا رزقه و يحرموه، فقال (ع): ان ذلك ليس مما يقرب من الاجل، و لايقطع الرزق.و ينبغى ان يحمل كلامه (ع) على حال السلامه و غلبه الظن بعدم تطرق الضرر الموفى على مصلحه النهى عن المنكر.ثم امر باتباع الكتاب العزيز، و وصفه بما وصفه به.و ماء نافع، ينقع الغله، اى يقطعها و يروى منها.و لايزيغ: يميل فيستعتب: يطلب منه العتبى هى الرضا، كما يطلب من الظالم يميل فيسترضى.قال: و لايخلقه كثره الرد و ولوج السمع، هذا من خصائص القرآن المجيد شرفه الله تعالى، و ذلك ان كل كلام منثور او منظوم اذا تكررت تلاوته و تردد ولوجه الاسماع مل و سمج و استهجن، الا القرآن فانه لايزال غضا طريا محبوبا غير مملول.
الشرح:
قد كان (ع) يتكلم فى الفتنه، و لذلك ذكر الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و لذلك قال: (فعليكم بكتاب الله)، اى اذا وقع الامر و اختلط الناس، فعليكم بكتاب الله، فلذلك قام اليه من ساله عن الفتنه.و هذا الخبر مروى عن رسول الله (ص)، قد رواه كثير من المحدثين عن على (ع)، ان رسول الله (ص) قال له: (ان الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب على جهاد المشركين)، قال: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنه التى كتب على فيها الجهاد؟ قال: قوم يشهدون ان لا اله الا الله و انى رسول الله، و هم مخالفون للسنه.فقلت: يا رسول الله، فعلام اقاتلهم و هم يشهدون كما اشهد؟ قال: على الاحداث فى الدين، و مخالفه الامر، فقلت: يا رسول الله، انك كنت وعدتنى الشهاده، فاسال الله ان يعجلها لى بين يديك، قال: فمن قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين! اما انى وعدتك الشهاده و ستستشهد، تضرب على هذه فتخضب هذه، فكيف صبرك اذا! قلت: يا رسول الله ليس ذا بموطن صبر، هذا موطن شكر، قال: اجل، اصبت، فاعد للخصومه فانك مخاصم، فقلت: يا رسول الله، لو بينت لى قليلا! فقال: ان امتى سنفتن من بعدى، فتتاول القرآن و تعمل بالراى، و تستحل الخمر بالنبيذ، و السحت بالهديه، و الربا بالبيع، و تحرف الكتاب عن مواضعه، و تغلب كلمه الضلال، فكن جليس بيتك حتى تقلدها، فاذا قلدتها جاشت عليك الصدور، و قلبت لك الامور، تقاتل حينئذ على تاويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانيه بدون حالهم الاولى.فقلت: يا رسول الله، فباى المنازل انزل هولاء المفتونين من بعدك؟ ابمنزله فتنه ام بمنزله رده؟ فقال: بمنزله فتنه يعمهون فيها الى ان يدركهم العدل.فقلت: يا رسول الله، ايدركهم العدل منا ام من غيرنا؟ قال: بل منا، بنا فتح و بنا يختم، و بنا الف الله بين القلوب بعد الشرك، و بنا يولف بين القلوب بعد الفتنه.فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله.و اعلم ان لفظه (ع) المروى فى "نهج البلاغه" يدل على ان الايه المذكوره و هى قوله (ع): (الم احسب الناس) انزلت بعد احد، و هذا خلاف قول ارباب التفسير، لان هذه الايه هى اول سوره العنكبوت و هى عندهم بالاتفاق مكيه، و يوم احد كان بالمدينه، و ينبغى ان يقال فى هذا: ان هذه الايه خاصه انزلت بالمدينه، و اضيفت الى السوره المكيه فصارتا واحده، و غلب عليها نسب المكى لان الاكثر كان بمكه، و فى القرآن مثل هذا كثير، كسوره النحل، فانها مكيه بالاجماع، و آخرها ثلاث آيات
انزلت بالمدينه بعد يوم احد، و هى قوله تعالى: (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين، و اصبر و ما صبرك الا بالله و لاتحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون، ان الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون).فان قلت: فلم قال: (علمت ان الفتنه لاتنزل بنا و رسول الله بين اظهرنا)؟ قلت: لقوله تعالى: (و ما كان الله ليعذبهم و انت فيهم).و قوله: (حيزت عنى الشهاده)، اى منعت.قوله: (ليس هذا من مواطن الصبر) كلام عال جدا يدل على يقين عظيم، و عرفان تام، و نحوه قوله- و قد ضربه ابن ملجم-: فزت و رب الكعبه.قوله: (سيفتنون بعدى باموالهم) من قوله تعالى: (انما اموالكم و اولادكم فتنه).قوله: (و يمنون بدينهم على ربهم) من قوله تعالى: (يمنون عليك ان اسلموا قل لاتمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان).قوله: (و يتمنون رحمته) من قوله: (احمق الحمقى من اتبع نفسه هواها، و تمنى على الله).قوله: (و يامنون سطوته) من قوله تعالى: (افامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون).و الاهواء الساهيه: الغافله.و السحت: الحرام، و يجوز ضم الحاء، و قد اسحت الرجل فى تجارته، اذا اكتسب السحت.و فى قوله: (بل بمنزله
فتنه) تصديق لمذهبنا فى اهل البغى، و انهم لم يدخلوا فى الفكر بالكليه، بل هم فساق، و الفاسق عندنا فى منزله بين المنزلتين، خرج من الايمان، و لم يدخل فى الكفر.