شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و اما الرياء فلا شبهه ان من خالط الناس داراهم، و من داراهم رائاهم، و من رائاهم كان منافقا، و انت تعلم انك اذا خالطت متعاديين، و لم تلق كل واحد منهما بوجه يوافقه صرت بغيضا اليهما جميعا، و ان جاملتهما كنت من شرار الناس، و صرت ذا وجهين، و اقل ما يجب فى مخالطه الناس اظهار الشوق و المبالغه فيه، و ليس يخلو ذلك عن كذب، اما فى الاصل و اما فى الزياده باظهار الشفقه بالسوال عن الاحوال، فقولك: كيف انت؟ و كيف اهلك؟ و انت فى الباطن فارغ القلب عن همومه، نفاق محض.قال السرى السقطى: لو دخل على اخ فسويت لحيتى بيدى لدخوله، خشيت ان اكتب فى جريده المنافقين.كان الفضيل جالسا وحده فى المسجد، فجاء اليه اخ له، فقال: ما جاء بك؟ قال: الموانسه، قال: هى و الله بالمواحشه اشبه، هل تريد الا ان تتزين لى و اتزين لك، و تكذب لى و اكذب لك! اما ان تقوم عنى، و اما ان اقوم عنك.و قال بعض العلماء: ما احب الله عبدا الا احب الايشعر به خلقه.و دخل طاوس على هشام بن عبدالملك، فقال: كيف انت يا هشام؟ فغضب، و قال: لم لم تخاطبنى بامره المومنين؟ قال: لان جميع الناس ما اتفقوا على خلافتك، فخشيت ان اكون كاذبا.فمن امكنه ان يحتر
ز هذا الاحتراز، فليخالط الناس، و الا فليرض باثبات اسمه فى جريده المنافقين ان خالطهم، و لانجاه من ذلك الا بالعزله.و اما سرقه الطبع من الغير فالتجربه تشهد بذلك لان من خالط الاشرار اكتسب من شرهم، و كلما طالت صحبه الانسان لاصحاب الكبائر، هانت الكبائر عنده و فى المثل: (فان القرين بالمقارن يقتدى).و منها الخلاص من الفتن و الحروب بين الملوك و الامراء على الدنيا.روى ابوسعيد الخدرى عن النبى (ص)، انه قال: (يوشك ان يكون خير مال المسلم غنيمات يتبع بها شعاف الجبال، و مواضع القطر، يفر بدينه من الفتن).و روى عبدالله بن عمرو بن العاص، ان رسول الله (ص) ذكر الفتن فقال: (اذا رايت الناس قد مرجت عهودهم، و خفت امانتهم، و كانوا هكذا- و شبك باصابعه- فقلت ما تامرنى؟ فقال: (الزم بيتك، و املك عليك لسانك، و خذ ما تعرف، ودع ما تنكر، و عليك بامر الخاصه، ودع عنك امر العامه).و روى ابن مسعود عنه (ص) انه قال: (سياتى على الناس زمان لايسلم لذى دين دينه الا من فر من قريه الى قريه، و من شاهق الى شاهق، كالثعلب الرواغ) قيل: و متى ذلك يا رسول الله؟ قال: (اذا لم تنل المعيشه الا بمعاصى الله سبحانه، فاذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يد ابويه،
فان لم يكن له ابوان فعلى يد زوجته و ولده، و ان لم يكن فعلى يد قرابته) قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: (يعيرونه بالفقر و ضيق اليد، فيكلفونه ما لايطيقه حتى يورده ذلك موارد الهلكه).و روى ابن مسعود ايضا انه (ص) ذكر الفتنه، فقال: (الهرج) فقلت: و ما الهرج يا رسول الله؟ قال: (حين لا يامن المرء جليسه)، قلت: فبم تامرنى يا رسول الله، ان ادركت ذلك الزمان؟ قال: (كف نفسك و يدك، و ادخل دارك)، قلت: ارايت ان دخل على دارى! قال: (ادخل بيتك)، قلت: ان دخل على البيت، قال: (ادخل مسجدك، و اصنع هكذا- و قبض على الكوع- و قل: ربى الله، حتى تموت).و منها الخلاص من شر الناس، فانهم يوذونك تاره بالغيبه، و تاره بسوء الظن و التهمه و تاره بالاقتراحات و الاطماع الكاذبه التى يعسر الوفاء بها، و تاره بالنميمه و الكذب مما يرونه منك من الاعمال و الاقوال مما لاتبلغ عقولهم كنهه، فيدخرون ذلك فى نفوسهم عده، لوقت ينتهزون فيه فرصه الشر، و من يعتزلهم يستغن عن التحفظ لذلك.و قال بعض الحكماء لصاحبه: اعلمك شعرا هو خير لك من عشره آلاف درهم! و هو: اخفض الصوت ان نطقت بليل و التفت بالنار قبل المقال ليس للقول رجعه حين يبدو بقبيح يكون او بجمال و من خال
ط الناس لاينفك من حاسد و طاعن، و من جرب ذلك عرف.و من الكلام الماثور عن على (ع): (اخبر تقله) قال الشاعر: من حمد الناس و لم يبلهم ثم بلاهم ذم من يحمد و صار بالوحده مستانسا يوحشه الاقرب و الابعد و قيل لسعد بن ابى وقاص: الا تاتى المدينه؟ قال: ما بقى فيها الا حاسد نعمه، او فرح بنقمه.و قال ابن السماك: كتب الينا صاحب لنا: اما بعد، فان الناس كانوا دواء يتداوى به، فصاروا داء لا دواء لهم، ففر منهم فرارك من الاسد.