شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و كان بعض الاعراب يلازم شجره و يقول: هذه نديمى، و هو نديم فيه ثلاث خصال: ان سمع لم ينم على، و ان تفلت فى وجهه احتمل، و ان عربدت عليه لم يغضب، فسمع الرشيد هذا الخبر، فقال: قد زهدنى سماعه فى الندماء.و كان بعضهم يلازم الدفاتر و المقابر، فقيل له فى ذلك، قال: لم ار اسلم من الوحده و لااوعظ من قبر، و لاامتع من دفتر.و قال الحسن مره: انى اريد الحج، فجاء الى ثابت البنانى، و قال: بلغنى انك تريد الحج، فاحببت ان نصطحب، فقال الحسن: دعنا نتعاشر بستر الله، انى اخاف ان نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.و قال بعض الصالحين: كان الناس ورقا لاشوك فيه، فالناس اليوم شوك لاورق فيه.و قال سفيان بن عيينه: قال لى سفيان
الثورى: فى اليقظه فى حياته، و فى المنام بعد وفاته: اقلل معرفه الناس، فان التخلص منهم شديد.و لا احسبنى رايت ما اكره الا ممن عرفت.و قال بعضهم: جئت الى مالك بن دينار و هو قاعد وحده و عنده كلب رابض قريبا منه فذهبت اطرده فقال: دعه فانه لايضر و لايوذى، و هو خير من الجليس السوء.و قال ابوالدرداء: اتقوا الله و احذروا الناس، فانهم ما ركبوا ظهر بعير الا ادبروه و لاظهر جواد الا عقروه، و لا قلب مومن الا اخربوه.و قال بعضهم: اقلل المعارف، فانه اسلم لدينك و قلبك و اخف لظهرك، و ادعى الى سقوط الحقوق عنك، لانه كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق، و عسر القيام بالجميع.و قال بعضهم: اذا اردت النجاه فانكر من تعرف، و لاتتعرف الى من لاتعرف.و منها، ان فى العزله بقاء الستر على المروئه و الخلق و الفقر و سائر العورات، و قد مدح الله تعالى المستترين فقال: (يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف).و قال الشاعر: و لا عار ان زالت عن الحر نعمه و لكن عارا ان يزول التجمل و ليس يخلو الانسان فى دينه و دنياه و افعاله عن عورات يتقين و يجب سترها، و لاتبقى السلامه مع انكشافها، و لا سبيل الى ذلك الا بترك المخالطه.و منها ان ينقطع طمع الناس عنك، و ينقطع طم
عك عن الناس، اما انقطاع طمع الناس عنك ففيه نفع عظيم، فان رضا الخلق غايه لاتدرك، لان اهون حقوق الناس و ايسرها حضور الجنازه، و عياده المريض، و حضور الولائم، و الاملاكات، و فى ذلك تضييع الاوقات، و التعرض للافات، ثم يعوق عن بعضها العوائق، و تستثقل فيها المعاذير، و لايمكن اظهار كل الاعذار، فيقول لك قائل: انك قمت بحق فلان، و قصرت فى حقى، و يصير ذلك سبب عداوه، فقد قيل: ان من لم يعد مريضا فى وقت العياده، يشتهى موته خيفه من تخجيله اياه اذا برى ء من تقصيره، فاما من يعم الناس كلهم بالحرمان فانهم يرضون كلهم عنه، و متى خصص وقع الاستيحاش و العتاب، و تعميمهم بالقيام بجميع الحقوق، مما لا قدره عليه للمتجرد ليله و نهاره، فكيف من له مهم يشغله دينى او دنيوى! و من كلام بعضهم: كثره الاصدقاء زياده الغرماء.و قال الشاعر: عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فان الداء اكثر ما تراه يكون من الطعام او لشراب و اما انقطاع طمعك عنهم، ففيه ايضا فائده جزيله، فان من نظر الى زهره الدنيا و زخرفها، تحرك حرصه، و انبعث بقوه الحرص طمعه، و اكثر الاطماع يتعقبها الخيبه، فيتاذى الانسان بذلك، و اذا اعتزل لم يشاهد، و اذا لم يشاهد لم يشته و
لم يطمع، و لذلك قال الله تعالى لنبيه (ص): (و لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهره الحياه الدنيا) و قال (ع): (انظروا الى من دونكم، و لاتنظروا الى من هو فوقكم، فانه اجدر الا تزدروا نعمه الله عليكم).و قال عون بن عبدالله: كنت اجالس الاغنياء، فلا ازال مغموما ارى ثوبا احسن من ثوبى، و دابه افره من دابتى، فجالست الفقراء فاسترحت.و خرج المزنى صاحب الشافعى من باب جامع الفسطاط بمصر، و كان فقيرا مقلا، فصادف ابن عبد الحكم قد اقبل فى موكبه، فبهره ما راى من حاله، و حسن هياته، فتلا قوله تعالى: (و جعلنا بعضكم لبعض فتنه اتصبرون) ثم قال: نعم اصبر و ارضى.