الشرح:
ليس يعنى بالكائن هاهنا ما يعنيه الحكماء و المتكلمون، بل مراده الموجود، اى هو الموجود قبل ان يكون الكرسى و العرش و غيرهما.و الاوائل يزعمون ان فوق السموات السبع سماء ثامنه، و سماء تاسعه، و يقولون: ان الثامنه هى الكرسى، و ان التاسعه هى العرش.قوله (ع): (لايدرك بوهم)، الوهم هاهنا: الفكره و التوهم.و لايقدر بفهم، اى لاتستطيع الافهام ان تقدره و تحده.و لايشغله سائل كما يشغل السوال منا من يسالونه.و لاينقصه العطاء، كما ينقص العطاء خزائن الملوك.و لايبصر بجارحه و لايحد باين، و لفظه اين فى الاصل مبنيه على الفتح، فاذا نكرتها صارت اسما متمكنا، كما قال الشاعر: ليت شعرى و اين منى ليت ان ليتا و ان لوا عناء و ان شئت قلت: انه تكلم بالاصطلاح الحكمى.و الاين عندهم، حصول الجسم فى المكان، و هو احد المقولات العشر.قوله (ع): و لا يوصف بالازواج، اى صفات الازواج، و هى الاصناف، قال سبحانه: (و انبتنا فيها من كل زوج بهيج).قوله: (و لايخلق بعلاج)، اى لايحتاج فى ايجاد المخلوقات الى معالجه و مزاوله.قوله: (و كلم موسى تكليما) من الالفاظ القرآنيه، و المراد هاهنا من ذكر المصدر تاكيد الامر و ازاله لبس عساه يصلح للسامع، فيعتقد انه اراد المجاز، و انه لم يكن كلام على الحقيقه.قوله: (و اراه من آياته عظيما)، ليس يريد به الايات الخارجه عن التكليم، كانشقاق البحر، و قلب العصا، لانه يكون بادخال ذلك بين قوله: (تكليما) و قوله: (بلا جوارح و لا ادوات، و لانطق و لا لهوات) مستهجنا، و انما يريد انه اراد بتكليمه اياه عظيما من آياته، و ذلك انه كان يسمع الصوت من جهاته الست، ليس على حد سماع كلام البشر من جهه مخصوصه، و له دوى و صلصله كوقع السلاسل العظيمه على الحصا الاصم.فان قلت: اتقول ان الكلام حل اجساما مختلفه من الجهات الست؟ قلت: و لا انما حل الشجره فقط، و كان يسمع من كل جهه، و الدليل على حلوله فى الشجره قوله تعالى: (فلما اتاها نودى من شاطى ء الواد الايمن فى البقعه المباركه من الشجره ان يا موسى)، فلا يخلو اما ان يكون النداء حل الشجره، او المنادى حلها، و الثانى باطل، فثبت الاول.ثم قال (ع) لمن يتكلف ان يصف ربه: ان كنت صادقا، انك قد وصلت الى معرفه صفته، فصف لنا الملائكه، فان معرفه ذات الملك اهون من معرفه ذات الاول سبحانه.و حجرات القدس: جمع حجره.و مرجحنين: مائلين الى جهه (تحت) خضوعا لجلال البارى ء سبحانه، ارجحن الحجر، اذا مال هاويا، متو
لهه عقولهم، اى حائره.ثم قال: انما يدرك بالصفات، و يعرف كنه ما كان ذا هيئه و اداه و جارحه، و ما ينقضى و يفنى و يتطرق اليه العدم، و واجب الوجود سبحانه بخلاف ذلك.و تحت قوله: (اضاء بنوره كل ظلام...) الى آخر الفصل، معنى دقيق و سر خفى، و هو ان كل رذيله فى الخلق البشرى مع معرفته بالادله البرهانيه غير موثره و لا قادحه فى جلاله المقام الذى قد بلغ اليه، و ذلك نحو ان يكون العارف بخيلا او جبانا، او حريصا او نحو ذلك، و كل فضيله فى الخلق البشرى مع الجهل به سبحانه، فليست بفضيله فى الحقيقه و لامعتد بها، لان نقيصه الجهل به تكسف تلك الانوار، و تمحق فضلها، و ذلك نحو ان يكون الجاهل به سبحانه جوادا، او شجاعا، او عفيفا، او نحو ذلك، و هذا يطابق ما يقوله الاوائل، من ان العارف المذنب يشقى بعد الموت قليلا، ثم يعود الى النعيم السرمدى، و ان الجاهل ذا العباده و الاحسان يشقى بعد الموت شقاء موبدا و مذهب الخلص من مرجئه الاسلام يناقض هذه اللفطات، و يقال: انه مذهب ابى حنيفه رحمه الله.و يمكن تاويلها على مذهب اصحابنا بان يقال: كل ظلام من المعاصى الصغائر، فانه ينجلى بضياء معرفته و طاعته، و كل طاعه يفعلها المكلف مع الكفر به سبحانه، فانها غير ن
افعه و لا موجبه ثوابا، و يكون هذا التاويل من باب صرف اللفظ عن عمومه الى خصوصه.