الشرح:
الرمضاء: الارض الشديده الحراره، و الرمض، بالتحريك: شده وقع الشمس على الرمل و غيره، و قد رمض يومنا بالكسر، يرمض رمضا، اشتد حره، و ارض رمضه الحجاره، و رمضت قدمه من الرمضاء: احترقت.و الطابق، بالفتح: الاجره الكبيره، و هو فارسى معرب.و ضجيع حجر: يومى ء فيه الى قوله تعالى: (وقودها الناس و الحجاره) قيل: انها حجاره الكبريت.و قرين شيطان: يومى ء فيه الى قوله تعالى: (قال قرينه ربنا ما اطغيته).و حطم بعضها بعضا: كسره او اكله، والحطمه من اسماء النار، لانها تحطم ما تلقى، و منه سمى الرجل الكثير الاكل: حطمه.و اليفن: الشيخ الكبير.و لهزه: خالطه، و يقال له حينئذ: ملهوز، ثم اشمط، ثم اشيب.و لهزت القوم: خالطتهم و دخلت بينهم.و القتير: الشيب، و اصله رئوس المسامير فى الدروع تسمى قتيرا.و التحمت اطواق النار بالعظام: التفت عليها، و انضمت اليها، و التصقت بها.و الجوامع: جمع جامعه، و هى الغل لانها تجمع اليدين الى العنق.و نشبت: علقت.و السواعد: جمع ساعد، و هو الذراع.و (فى) من قوله: (فى الصحه قبل السقم)، متعلقه بالمحذوف الناصب لله، و هو اتقوا، اى اتقوه سبحانه فى زمان صحتكم، قبل ان ينزل بكم السقم، و فى فسحه اعماركم قبل ان تبدل بالضيق.و فكاك الرقاب: بفتح الفاء: عتقها قبل ان تغلق رهائنها، يقال غلق الرهن، بالكسر، اذا استحقه المرتهن بالا يفكه الراهن فى الوقت المشروط، و كان ذلك من شرع الجاهليه، فنهى عنه النبى (ص)، و قال: لايغلق الرهن.و خذوا من اجسادكم، اى اتعبوها بالعباده حتى تنحل.و القل: القله.و الذل: الذله.و حسيس النار: صوتها.و اللغوب: النصب.(طرف و اخبار) و نظير قوله (ع): (استقرضكم و له خزائن السموات و الارض)، ما رواه المبرد فى "الكامل" عن ابى عثمان المازنى، عن ابى زيد الانصارى، قال: وقف علينا اعرابى
فى حلقه يونس (النحوى)، فقال: الحمد لله كما هو اهله، و اعوذ بالله ان اذكر به و انساه، خرجنا من المدينه، مدينه الرسول (ص)، ثلاثين رجلا ممن اخرجته الحاجه، و حمل على المكروه، و لايمرضون مرضاهم، و لايدفنون ميتهم، و لاينتقلون من منزل الى منزل و ان كرهوه، و الله يا قوم لقد جعت حتى اكلت النوى المحرق، و لقد مشيت حتى انتعلت الدم، و حتى خرج من قدمى بخص و لحم كثير، افلا رجل يرحم ابن سبيل و فل طريق، و نضو سفر! فانه لا قليل من الاجر، و لا غنى عن (ثواب) الله، و لا عمل بعد الموت، و هو سبحانه يقول: (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا)، ملى وفى ماجد واجد، (جواد) لايستقرض من عوز، و لكنه يبلو الاخيار.قال المازنى: فبلغنى انه لم يبرح حتى اخذ ستين دينارا.و من كلام على بن عبيده الريحانى: الايام مستودعات الاعمال، و نعم الارضون هى لمن بذر فيها الخير و العمل الصالح! و خطب الحجاج، فقال: ايها الناس، انكم اغراض حمام و فرص هلكه.قد انذركم القرآن، و نادى برحيلكم الجديدان! ها ان لكم موعدا لاتوخر ساعته، و لاتدفع هجمته، و كان قد دلفت اليكم نازلته، فتعلق بكم ريب المنون، و علقت بكم ام اللهيم الحيزبون، فماذا هياتم للرحيل؟ و ما ذا اعددتم للنزيل؟ من
لم ياخذ اهبه الحذر نزل به مرهوب القدر! (خطبه لابى الشخباء العسقلانى) قلت: و قد شغف الناس فى المواعظ بكلام كاتب محدث، يعرف بابن ابى الشخباء العسقلانى و انا اورد هاهنا خطبه من مواعظه، هى احسن ما وجدته له، ليعلم الفرق بين الكلام الاصيل و المولد: ايها الناس، فكوا انفسكم من حلقات الامال المتعبه، و خففوا ظهوركم من الاصار المستحقبه، و لاتسيموا اطماعكم فى رياض الامانى المتشعبه، و لاتميلوا صغواكم الى زبارج الدنيا المحببه، فتظل اجسامكم فى هشائمها عامله نصبه! اما علمتم ان طباعها على الغدر مركبه، و انها لاعمار اهلها منتهبه، و لما سائهم منتظره مرتقبه، فى هبتها راجعه متعقبه! فانضوا رحمكم الله ركائب الاعتبار مشرقه و مغربه، و اجروا خيول التفكر مصعده و مصوبه، هل تجدون الا قصورا على عروشها خربه، و ديارا معطشه من اهلها مجدبه! اين الامم السالفه المتشعبه، و الجبابره الماضيه المتغلبه، و الملوك المعظمه المرجبه، او لو الحفده و الحجبه، و الزخارف المعجبه، و الجيوش الحراره اللجبه و الخيام الفضفاضه المطنبه، و الجياد الاعوجيه المجنبه، و المصاعب الشدقميه المصحبه، و اللدان المثقفه المدربه، و الماذيه الحصينه المنتخبه، طرقت و الله خيامه
م غير منتهبه، و ازارتهم من الاسقام سيوفا معطبه، و سيرت اليهم الايام من نوبها كتائب مكتبه، فاصبحت اظفار المنيه من مهجهم قانيه مختضبه، و غدت اصوات النادبات عليهم مجلبه، و اكلت لحومهم هوام الارض السغبه.ثم انهم مجموعون ليوم لايقبل فيه عذر و لامعتبه، و تجازى كل نفس بما كانت مكتسبه، فسعيده، مقربه تجرى من تحتها الانهار مثوبه، و شقيه معذبه فى النار مكبكبه.هذه احسن خطبه خطبها هذا الكاتب، و هى كما تراها ظاهره التكلف، بينه التوليد، تخطب على نفسها، و انما ذكرت هذا، لان كثيرا من ارباب الهوى يقولون: ان كثيرا من "نهج البلاغه" كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعه، و ربما عزوا بعضه الى الرضى ابى الحسن و غيره، و هولاء قوم اعمت العصبيه اعينهم، فضلوا عن النهج الواضح و ركبوا بنيات الطريق، ضلالا و قله معرفه باساليب الكلام، و انا اوضح لك بكلام مختصر ما فى هذا الخاطر من الغلط فاقول: (راى للمولف فى كتاب نهج البلاغه) لايخلو اما ان يكون كل "نهج البلاغه" مصنوعا منحولا، او بعضه.و الاول باطل بالضروره لانا نعلم بالتواتر صحه اسناد بعضه الى اميرالمومنين (ع)، و قد نقل المحدثون كلهم او جلهم، و المورخون كثيرا منه، و ليسوا من الشيعه لينسب
وا الى غرض فى ذلك.و الثانى يدل على ما قلناه، لان من قد انس بالكلام و الخطابه، و شدا طرفا من علم البيان، و صار له ذوق فى هذا الباب لابد ان يفرق بين الكلام الركيك و الفصيح، و بين الفصيح و الافصح، و بين الاصيل و المولد، و اذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعه من الخطباء، او لاثنين منهم فقط، فلابد ان يفرق بين الكلامين، و يميز بين الطريقتين.الاترى انا مع معرفتنا بالشعر و نقده، لو تصفحنا ديوان ابى تمام، فوجدناه قد كتب فى اثنائه قصائد او قصيده واحده لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر ابى تمام و نفسه، و طريقته و مذهبه فى القريض، الا ترى ان العلماء بهذا الشان حذفوا من شعره قصائد كثيره منحوله اليه، لمباينتها لمذهبه فى الشعر، و كذلك حذفوا من شعر ابى نواس شيئا كثيرا، لما ظهر لهم انه ليس من الفاظه، و لا من شعره، و كذلك غيرهما من الشعراء، و لم يعتمدوا فى ذلك الا على الذوق خاصه.و انت اذا تاملت "نهج البلاغه" وجدته كله ماء واحدا، و نفسا واحدا، و اسلوبا واحدا، كالجسم البسيط الذى ليس بعض من ابعاضه مخالفا لباقى الابعاض فى الماهيه، و كالقرآن العزيز، اوله كاوسطه، و اوسطه كاخره، و كل سوره منه، و كل آيه مماثله فى الماخذ و الم
ذهب و الفن و الطريق و النظم لباقى الايات و السور، و لو كان بعض "نهج البلاغه" منحولا و بعضه صحيحا، لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم ان هذا الكتاب او بعضه منحول الى اميرالمومنين (ع).و اعلم ان قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به، لانا متى فتحنا هذا الباب و سلطنا الشكوك على انفسنا فى هذا النحو، لم نثق بصحه كلام منقول عن رسول الله (ص) ابدا، و ساغ لطاعن ان يطعن و يقول: هذا الخبر منحول، و هذا الكلام مصنوع، و كذلك ما نقل عن ابى بكر و عمر من الكلام و الخطب و المواعظ و الادب و غير ذلك، و كل امر جعله هذا الطاعن مستندا له فيما يرويه عن النبى (ص)، و الائمه الراشدين، و الصحابه و التابعين، و الشعراء و المترسلين، و الخطباء، فلناصرى اميرالمومنين (ع) ان يستندوا الى مثله فيما يروونه عنه من "نهج البلاغه" و غيره، و هذا واضح.