شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و قالت الانصار له مواجهه يوم حنين: (اتاخذ ما افاء الله علينا بسيوفنا فتدفعه الى اقاربك من اهل مكه! حتى اقضى الامر الى ان قال لهم فى مرض موته (ائتونى بدواه و كتف اكتب لكم ما لاتضلون بعده) فعصوه و لم ياتوه بذلك، و ليتهم اقتصروا على عصيانه و لم يقولوا له ما قالوا، و هو يسمع! و كان اب
وجعفر رحمه الله يقول من هذا ما يطول شرحه، و القليل منه ينبى ء عن الكثير و كان يقول: ان الاسلام ما حلا عندهم و لا ثبت فى قلوبهم الا بعد موته، حين فتحت عليهم الفتوح، و جائتهم الغنائم و الاموال و كثرت عليهم المكاسب، و ذاقوا طعم الحياه و عرفوا لذه الدنيا، و لبسوا الناعم، و اكلوا الطيب، و تمتعوا بنساء الروم، و ملكوا خزائن كسرى، و تبدلوا بذلك القشف و الشظف و العيش الخشن و اكل الضباب و القنافذ و اليرابيع و لبس الصوف و الكرابيس، و اكل اللوزينجات و الفالوذجات و لبس الحرير و الديباج، فاستدلوا بما فتحه الله عليهم، و اتاحه لهم على صحه الدعوه و صدق الرساله، و قد كان (ص) وعدهم بانه سيفتح عليهم كنوز كسرى و قيصر، فلما وجدوا الامر قد وقع بموجب ما قاله عظموه و بجلوه، و انقلبت تلك الشكوك و ذاك النفاق و ذلك الاستهزاء ايمانا و يقينا و اخلاصا، و طاب لهم العيش، و تمسكوا بالدين، لانه زادهم طريقا الى نيل الدنيا، فعظموا ناموسه، و بالغوا فى اجلاله و اجلال الرسول الذى جاء به، ثم انقرض الاسلاف و جاء الاخلاف على عقيده ممهده، و امر اخذوه تقليدا من اسلافهم الذين ربوا فى حجورهم، ثم انقرض ذلك القرن، و جاء من بعدهم كذلك، و هلم جرا.قال: و لول
ا الفتوح و النصر و الظفر الذى منحهم الله تعالى اياه، و الدوله التى ساقها اليهم، لانقرض دين الاسلام بعد وفاه رسول الله (ص) و كان يذكر فى التواريخ كما تذكر الان نبوه خالد بن سنان العبسى، حيث ظهر و دعا الى الدين.و كان الناس يعجبون من ذلك و يتذاكرونه كما يعجبون و يتذاكرون اخبار من نبغ من الروساء و الملوك و الدعاه الذين انقرض امرهم، و بقيت اخبارهم.و كان يقول: من تامل حال الرجلين وجدهما متشابهتين فى جميع امورهما او فى اكثرها، و ذلك لان حرب رسول الله (ص) مع المشركين كانت سجالا انتصر يوم بدر، و انتصر المشركون عليه يوم احد، و كان يوم الخندق كفافا خرج هو وهم سواء، لا عليه و لا له، لانهم قتلوا رئيس الاوس و هو سعد بن معاذ، و قتل منهم فارس قريش و هو عمرو بن عبدود، و انصرفوا عنه بغير حرب بعد تلك الساعه التى كانت، ثم حارب بعدها قريشا يوم الفتح، فكان الظفر له.و هكذا كانت حروب على (ع)، انتصر يوم الجمل، و خرج الامر بينه و بين معاويه على سواء، قتل من اصحابه روساء، و من اصحاب معاويه روساء، و انصرف كل واحد من الفريقين عن صاحبه بعد الحرب على مكانه، ثم حارب بعد صفين اهل النهروان فكان الظفر له.قال: و من العجب ان اول حروب رسول ا
لله (ص) كانت بدرا، و كان هو المنصور فيها.و اول حروب على (ع) الجمل، و كان هو المنصور فيها.ثم كان من صحيفه الصلح و الحكومه يوم صفين نظير ما كان من صحيفه الصلح و الهدنه يوم الحديبيه.ثم دعا معاويه فى آخر ايام على (ع) الى نفسه و تسمى بالخلافه، كما ان مسيلمه و الاسود العنسى دعوا الى انفسها فى آخر ايام رسول الله (ص) و تسميا بالنبوه، و اشتد على على (ع) ذلك، كما اشتد على رسول الله (ص) امر الاسود و مسيلمه، و ابطل الله امرهما بعد وفاه النبى (ص)، و كذلك ابطل امر معاويه و بنى اميه بعد وفاه على (ع).و لم يحارب رسول الله (ص) احد من العرب الا قريش ما عدا يوم حنين، و لم يحارب عليا (ع) من العرب احد الا قريش ما عدا يوم النهروان و مات على (ع) شهيدا بالسيف، و مات رسول الله (ص) شهيدا بالسم.و هذا لم يتزوج على خديجه ام اولاده حتى ماتت.و هذا لم يتزوج على فاطمه ام اشرف اولاده حتى ماتت و مات رسول الله (ص) عن ثلاث و ستين سنه، و مات على (ع) عن مثلها.و كان يقول: انظروا الى اخلاقهما و خصائصهما، هذا شجاع و هذا شجاع، و هذا فصيح و هذا فصيح، و هذا سخى جواد و هذا سخى جواد، و هذا عالم بالشرائع و الامور الالهيه، و هذا عالم بالفقه و الشريعه
و الامور الالهيه الغامضه، و هذا زاهد فى الدنيا غير نهم و لامستكثر منها، و هذا زاهد فى الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها، و هذا مذيب نفسه فى الصلاه و العباده.و هذا مثله و هذا غير محبب اليه شى ء من الامور العاجله الا النساء و هذا مثله، و هذا ابن عبدالمطلب بن هاشم، و هذا فى قعدده، و ابواهما اخوان لاب واحد دون غيرهما من بنى عبدالمطلب، و ربى محمد (ص) فى حجر والد هذا و هذا ابوطالب، فكان جاريا عنده مجرى احد اولاده.ثم لما شب (ص) و كبر استخلصه من بنى ابى طالب و هو غلام، فربا فى حجره مكافاه لصنيع ابى طالب به، فامتزج الخلقان و تماثلت السجيتان، و اذا كان القرين مقتديا بالقرين، فما ظنك بالتربيه و التثقيف الدهر الطويل! فواجب ان تكون اخلاق محمد (ص) كاخلاق ابى طالب، و تكون اخلاق على (ع) كاخلاق ابى طالب ابيه، و محمد (ع) مربيه، و ان يكون الكل شيمه واحده و سوسا واحدا، و طينه مشتركه، و نفسا غير منقسمه و لا متجزئه، و الا يكون بين بعض هولاء و بعض فرق و لا فضل، لولا ان الله تعالى اختص محمدا (ص) برسالته، و اصطفاه لوحيه، لما يعلمه من مصالح البريه فى ذلك، و من ان اللطف به اكمل، و النفع بمكانه اتم و اعم، فامتاز رسول الله (ص) بذلك عم
ن سواه، و بقى ما عدا الرساله على امر الاتحاد، و الى هذا المعنى اشار (ص) بقوله: (اخصمك بالنبوه فلا نبوه بعدى، و تخصم الناس بسبع) و قال له ايضا: (انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى) فابان نفسه منه بالنبوه، و اثبت له ما عداها من جميع الفضائل و الخصائص مشتركا بينهما.و كان النقيب ابوجعفر رحمه الله، غزير العلم، صحيح العقل، منصفا فى الجدال، غير متعصب للمذهب- و ان كان علويا- و كان يعترف بفضائل الصحابه، و يثنى على الشيخين.و يقول: انهما مهدا دين الاسلام، و ارسيا قواعده، و لقد كان شديد الاضطراب فى حياه رسول الله (ص)، و انما مهداه بما تيسر للعرب من الفتوح و الغنائم فى دولتهما.و كان يقول فى عثمان: ان الدوله فى ايامه كانت على اقبالها و علو جدها، بل كانت الفتوح فى ايامه اكثر، و الغنائم اعظم، لو لا انه لم يراع ناموس الشيخين، و لم يستطع ان ان يسلك مسلكهما، و كان مضعفا فى اصل القاعده، مغلوبا عليه، و كثير الحب لاهله، و اتيح له من مروان وزير سوء افسد القلوب عليه، و حمل الناس على خلعه و قتله.(كلام ابى جعفر الحسنى فى الاسباب التى اوجبت محبه الناس لعلى) و كان ابوجعفر رحمه الله لايجحد الفاضل فضله، و الحديث شجو
ن.