شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
قلت له: فيلزمك على ما تراه فى امر هولاء ان تجوز دخول معاويه الجنه لانه لم تكن منه الا المخالفه و ترك امتثال امر النبوى! فقال: كلا: ان معاويه من اهل النار لا لمخالفته عليا، و لا بمحاربته اياه، و لكن عقيدته لم تكن صحيحه، و لا ايمانه حقا، و كان من رووس المنافقين هو و ابوه، و لم يسلم قلبه قط، و انما اسلم لسانه، و كان يذكر من حديث معاويه و من فلتات قوله، و ما حفظ عنه من كلام يقتضى فساد العقيده شيئا كثيرا، ليس هذا موضعه فاذكره.و قال لى مره: حاش لله ان يثبت معاويه فى جريده الشيخين الفاضلين ابى بكر و عمر! و الله
ما هما الا كالذهب الا بريز، و لا معاويه الا كالدرهم الزائف- او قال كالدرهم القسى- ثم قال لى: فما يقول اصحابكم فيهما؟ قلت: اما الذى استقر عليه راى المعتزله بعد اختلاف كثير بين قدمائهم فى التفضيل و غيره، ان عليا (ع) افضل الجماعه، و انهم تركوا الافضل لمصلحه راوها، و انه لم يكن هناك نص يقطع العذر، و انما كانت اشاره و ايماء لايتضمن شى ء منها صريح النص، و ان عليا (ع) نازع ثم بايع، و جمع ثم استجاب.و لو اقام على الامتناع لم نقل بصحه البيعه و لا بلزومها، و لو جرد السيف كما جرده فى آخر الامر لقلنا بفسق كل من خالفه على الاطلاق كائنا من كان و لكنه رضى بالبيعه اخيرا، و دخل فى الطاعه.و بالجمله، اصحابنا يقولون: ان الامر كان له، و كان هو المستحق و المتعين، فان شاء اخذه لنفسه، و ان شاء ولاه غيره، فلما رايناه قد وافق على ولايه غيره، اتبعناه و رضينا بما رضى.فقال: قد بقى بينى و بينكم قليل، انا اذهب الى النص و انتم لاتذهبون اليه! فقلت له: انه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم، و ما تذكرونه انتم صريحا فانتم تنفردون بنقله، و ما عدا ذلك من الاخبار التى نشارككم، فيها فلها تاويلات معلومه.فقال لى و هو ضجر: يا فلان، لو فتحنا باب
التاويلات، لجاز ان يتناول قولنا: (لا اله الا الله محمد رسول الله) دعنى من التاويلات البارده التى تعلم القلوب و النفوس انها غير مراده، و ان المتكلمين تكلفوها و تعسفوها، فانما انا و انت فى الدار و لا ثالث لنا فيستحيى احدنا من صاحبه او يخافه.فلما بلغنا الى هذا الموضع، دخل قوم ممن كان يخشاه، فتركنا ذلك الاسلوب من الحديث و خضنا فى غيره.(سياسه على و معاويه و ابراد كلام للجاحظ فى ذلك) فاما القول فى سياسه معاويه، و ان شناه على (ع) و مبغضيه زعموا انها خير من سياسه اميرالمومنين، فيكفينا فى الكلام على ذلك ما قاله شيخنا ابوعثمان، و نحن نحكيه بالفاظه.قال ابوعثمان: و ربما رايت بعض من يظن بنفسه العقل و التحصيل و الفهم و التمييز- و هو من العامه و يظن انه من الخاصه- يزعم ان معاويه كان ابعد غورا، و اصح فكرا، و اجود رويه، و ابعد غايه، و ادق مسلكا، و ليس الامر كذلك، و سارمى اليك بجمله تعرف بها موضع غلطه، و المكان الذى دخل عليه الخطا من قبله.كان على (ع) لايستعمل فى حربه الا ما وافق الكتاب و السنه، و كان معاويه يستعمل خلاف الكتاب و السنه، كما يستعمل الكتاب و السنه، و يستعمل جميع المكايد، حلالها و حرامها، و يسير فى الحرب ب
سيره ملك الهند اذا لاقى كسرى، و خاقان اذا لاقى رتبيل.و على (ع) يقول: لاتبدئوهم بالقتال حتى يبدئوكم، و لا تتبعوا مدبرا، و لاتجهزوا على جريح و لاتفتحوا بابا مغلقا، هذه سيرته فى ذى الكلاع، و فى ابى الاعور السلمى، و فى عمرو بن العاص، و حبيب بن مسلمه، و فى جميع الروساء، كسيرته فى الحاشيه و الحشو و الاتباع و السفله.و اصحاب الحروب، ان قدروا على البيات بيتوا، و ان قدروا على رضخ الجميع بالجندل و هم نيام فعلوا، و ان امكن ذلك فى طرقه عين لم يوخره الى ساعه، و ان كان الحرق اعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق، و لم يوخروا الحرق الى وقت الغرق و ان امكن الهدم لم يتكلفوا الحصار، و لم يدعوا ان نصبوا المجانيق، و العرادات، و النقب، و التسريب، و الدبابات، و الكمين، و لم يدعوا دس السموم، و لا التضريب بين الناس بالكذب، و طرح الكتب فى عساكرهم بالسعايات، و توهيم الامور، و ايجاش بعض من بعض، و قتلهم بكل آله و حيله، كيف وقع القتل، و كيف دارت بهم الحال! فمن اقتصر- حفظك الله- من التدبير على ما فى الكتاب و السنه كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير، و ما لا يتناهى من المكايد.و الكذب- حفظك الله- اكثر من الصدق، و الحرام اكثر عددا من ا
لحلال، و لو سمى انسان انسانا باسمه لكان قد صدق، و ليس له اسم غيره، و لو قال: هو شيطان او كلب او حمار او شاه او بعير او كل ما خطر على البال، لكان كاذبا فى ذلك، و كذلك الايمان و الكفر، و كذلك الطاعه و المعصيه و كذلك الحق و الباطل، و كذلك السقم و الصحه، و كذلك الخطا و الصواب فعلى (ع) كان ملجما بالورع عن جميع القول الا ما هو لله عز و جل رضا، و ممنوع اليدين من كل بطش الا ما هو لله رضا، و لايرى الرضا الا فيما يرضاه الله و يحبه، و لايرى الرضا الا فيما دل عليه الكتاب و السنه، دون ما يعول عليه اصحاب الدهاء و النكراء و المكايد و الاراء، فلما ابصرت العوام كثره نوادر معاويه فى المكايد، و كثره غرائبه فى الخداع، و ما اتفق له و تهيا على يده، و لم يرو ذلك من على (ع)، ظنوا- بقصر عقولهم و قله علومهم- ان ذاك من رجحان عند معاويه و نقصان عند على (ع).فانظر بعد هذا كله، هل يعد له من الخدع الا رفع المصاحف! ثم انظر هل خدع بها الا من عصى راى على (ع)، و خالف امره! فان زعمت انه قال ما اراد من الاختلاف فقد صدقت، و ليس فى هذا اختلفنا، و لا عن غراره اصحاب على (ع) و عجلتهم و تسرعهم و تنازعهم دفعنا، و انما كان قولنا فى التميز بينهما فى الده
اء و النكراء و صحه العقل و الراى و البزلاء، على انا لا نصف الصالحين بالدهاء و النكراء، لانقول: ما كان انكر ابابكر بن ابى قحافه! و ما كان انكر عمر بن الخطاب! و لايقول احد عنده شى ء من الخير: كان رسول الله (ص) ادهى العرب و العجم، و انكر قريش و امكر كنانه، لان هذه الكلمه انما وضعت فى مديح اصحاب الارب و من يتعمق فى الراى فى توكيد الدنيا و زبرجها و تشديد اركانها، فاما اصحاب الاخره الذين يرون الناس لا يصلحون على تدبير البشر، و انما يصلحون على تدبير خالق البشر، فان هولاء لايمدحون بالدهاء و النكراء، و لم يمنعوا هذا الا ليعطوا افضل منه.الاترى ان المغيره بن شعبه- و كان احد الدهاه- حين رد على عمرو بن العاص قوله فى عمر بن الخطاب- و عمرو بن العاص احد الدهاه ايضا: اانت كنت تفعل، او توهم عمر شيئا فيلقنه عنك! ما رايت عمر مستخليا باحد الا رحمته كائنا من كان ذلك الرجل، كان عمر و الله اعقل من ان يخدع، و افضل من ان يخدع.و لم يذكره بالدهاء و النكراء هذا مع عجبه باضافه الناس ذلك اليه، و لكنه قد علم انه اذا اطلق على الائمه الالفاظ التى لاتصلح فى اهل الطهاره، كان ذلك غير مقبول منه، فهذا هذا.و كذلك كان حكم قول معاويه للجميع: اخرج
وا الينا قتله عثمان، و نحن لكم سلم فاجهد كل جهدك، و استعن بمن شايعك الى ان تتخلص الى صواب راى فى ذلك الوقت اضله على، حتى تلعم ان معاويه خادع، و ان عليا (ع) كان المخدوع.