شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فان قلت: فقد بلغ ما اراد، و نال ما احب، فهل رايت كتابنا وضع الا على ان عليا كان قد امتحن فى اصحابه و فى دهره، بما لم يمتحن امام قبله من الاختلاف و المنازعه، و التشاح من الرياسه و التسرع و العجله! و هل اتى (ع) الا من هذا المكان! او لسنا قد فرغنا من هذا الامر، و قد علمنا ان ثلاثه نفر تواطئوا على قتل ثلاثه نفر، فانفرد ابن ملجم بالتماس ذلك من على (ع)، و انفرد البرك الصريمى بالتماس ذلك من عمرو بن العاص و انفرد الاخر- و هو عمرو بن بكر التميمى- بالتماس ذلك من معاويه، فكان من الاتفاق او من الامتحان، ان كان على من بينهم هو المقتول.و فى قياس مذهبكم ان تزعموا ان سلامه عمرو و معاويه انما كانت بحزم منهما، و ان قتل على (ع) انما هو من تضييع منه، فاذ قد تبين لكم انه من الابتلاء و الامتحان فى نفسه بخلاف الذى قد شاهدتموه فى عدوه، فكل شى ء سوى ذلك، فانما هو تبع للنفس.هذا آخر كلام ابى عثمان فى هذا الموضع، و من تامله بعين الانصاف، و لم يتبع الهوى علم صحه جميع م
ا ذكره، و ان اميرالمومنين دفع- من اختلاف اصحابه، و سوء طاعتهم له، و لزومه سنن الشريعه، و منهج العدل، و خروج معاويه و عمرو بن العاص عن قاعده الشرع فى استماله الناس اليهم بالرغبه و الرهبه- الى ما لم يدفع اليه غيره.فلولا انه (ع) كان عارفا بوجوه السياسه و تدبير امر السلطان و الخلافه، حاذقا فى ذلك، لم يجتمع عليه الا القليل من الناس، و هم اهل الاخره خاصه، الذين لا ميل لهم الى الدنيا، فلما وجدناه دبر الامر حين وليه، و اجتمع عليه من العساكر و الاتباع ما يتجاوز العد و الحصر، و قاتل بهم اعدائه الذين حالهم، حالهم فظفر فى اكثر حروبه، و وقف الامر بينه و بين معاويه على سواء، و كان هو الاظهر و الاقرب الى الانتصار- علمنا انه من معرفه تدبير الدول و السلطان بمكان مكين.(ذكر اقوال من طعن فى سياسه على و الرد عليها) و قد تعلق من طعن فى سياسته بامور: منها قولهم: لو كان حين بويع له بالخلافه فى المدينه اقر معاويه على الشام الى ان يستقر الامر له و يتوطد، و يبايعه معاويه و اهل الشام ثم يعزله بعد ذلك، لكان قد كفى ما جرى بينهما من الحرب.و الجواب: ان قرائن الاحوال حينئذ، قد كان علم اميرالمومنين منها ان معاويه لايبايع له و ان اقره ع
لى ولايه الشام، بل كان اقراره له على امره الشام اقوى لحال معاويه، و آكد فى الامتناع من البيعه، لانه لايخلو صاحب السوال اما ان يقول: كان ينبغى ان يطالبه بالبيعه و يقرن الى ذلك تقليده بالشام، فيكون الامران معا، او يتقدم منه (ع) المطالبه بالبيعه.او يتقدم منه اقراره على الشام و تتاخر المطالبه بالبيعه الى وقت ثان فان كان الاول فمن الممكن ان يقرا معاويه على اهل الشام تقليده بالامره، فيوكد حاله عندهم و يقرر فى انفسهم، لو لا انه اهل لذلك لما اعتمده على (ع) معه، ثم يماطله بالبيعه، و يحاجزه عنها.و ان كان الثانى فهو الذى فعله اميرالمومنين (ع)، و ان كان الثالث فهو كالقسم الاول، بل هو آكد فيما يريده معاويه من الخلاف و العصيان.و كيف يتوهم من يعرف السير ان معاويه كان يبايع له، لو اقره على الشام و بينه و بينه ما لاتبرك الابل عليه، من الترات القديمه، و الاحقاد، و هو الذى قتل حنظله اخاه الوليد خاله، و عتبه جده فى مقام واحد، ثم ما جرى بينهما فى ايام عثمان، حتى اغلظ كل واحد منهما لصاحبه، و حتى تهدده معاويه، و قال له: انى شاخص الى الشام و تارك عندك هذا الشيخ- يعنى عثمان- و الله لئن انحصت منه شعره واحده لاضربنك بمائه الف سيف.و قد ذكرنا شيئا مما جرى بينهما فيما تقدم.و اما قول ابن عباس له (ع): وله شهرا و اعزله دهرا، و ما اشار به المغيره ابن شعبه، فانهما ما توهماه، و ما غلب على ظنونها و خطر بقلوبهما، و على (ع) كان اعلم بحاله مع معاويه، و انها لاتقبل العلاج و التدبير.و كيف يخطر ببال عارف بحال معاويه و نكره و دهائه، و ما كان فى نفسه من على (ع) من قتل عثمان، و من قبل قتل عثمان انه يقبل اقرار على (ع) له على الشام، و ينخدع بذلك، و يبايع و يعطى صفقه يمينه! ان معاويه لادهى من ان يكاد بذلك، و ان عليا (ع) لاعرف بمعاويه ممن ظن انه لو استماله باقراره لبايع له، و لم يكن عند على (ع) دواء لهذا المرض الا السيف، لان الحال اليه كانت تئول لا محاله، فجعل الاخر اولا.و انا اذكر فى هذا الموضع خبرا رواه الزبير بن بكار فى "الموفقيات" ليعلم من يقف عليه، ان معاويه لم يكن لينجذب الى طاعه على (ع) ابدا، و لايعطيه البيعه، و ان مضادته له و مباينته اياه كمضاده السواد للبياض، لايجتمعان ابدا و كمباينه السلب للايجاب، فانها مباينه لايمكن زوالها اصلا.قال الزبير: حدثنى محمد بن زكريا بن بسطام، قال: حدثنى محمد بن يعقوب بن ابى الليث، قال: حدثنى احمد بن محمد بن الفضل بن
يحيى المكى، عن ابيه، عن جده الفضل بن يحيى عن الحسن بن عبدالصمد، عن قيس بن عرفجه، قال: لما حصر عثمان ابرد مروان بن الحكم بخبره بريدين: احدهما الى الشام، و الاخر الى اليمن- و بها يومئذ يعلى بن منيه- و مع كل واحد منهما كتاب، فيه ان بنى اميه فى الناس كالشامه الحمراء، و ان الناس قد قعدوا لهم براس كل محجه، و على كل طريق، فجعلوهم مرمى العر و العضيهه، و مقذف القشب و الافيكه، و قد علمتم انها لم تات عثمان الا كرها تجبذ من ورائها.و انى خائف ان قتل ان تكون من بنى اميه بمناط الثريا، ان لم نصر كرصيف الاساس المحكم، و لئن وهى عمود البيت لتتداعين جدرانه، و الذى عيب عليه اطعامكما الشام و اليمن، و لاشك انكما تابعاه ان لم تحذرا، و اما انا فمساعف كل مستشير، و معين كل مستصرخ، و مجيب كل داع، اتوقع الفرصه فاثب وثبه الفهد ابصر غفله مقتنصه، و لولا مخافه عطب البريد، و ضياع الكتب، لشرحت لكما من الامر ما لاتفزعان معه الى ان يحدث الامر، فجدا فى طلب ما انتما ولياه، و على ذلك فليكن العمل ان شاءالله و كتب فى آخره: و ما بلغت عثمان حتى تخطمت رجال و دانت للصغار رجال لقد رجعت عودا على بدء كونها و ان لم تجدا فالمصير زوال سيبدى ء مكنون
الضمائر قولهم و يظهر منهم بعد ذاك فعال فان تقعدا لاتطلبا ما ورثتما فليس لنا طول الحياه مقال نعيش بدار الذل فى كل بلده و تظهر منا كابه و هزال فلما ورد الكتاب على معاويه، اذن فى الناس: الصلاه جامعه! ثم خطبهم خطبه المستنصر المستصرخ.و فى اثناء ذلك ورد عليه قبل ان يكتب الجواب، كتاب مروان بقتل عثمان، و كانت نسخته: وهب الله لك اباعبدالرحمن قوه العزم، و صلاح النيه، و من عليك بمعرفه الحق و اتباعه، فانى كتبت اليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان اميرالمومنين (ع) و اى قتله قتل! نحر كما ينحر البعير الكبير عند الياس من ان ينوء بالحمل، بعد ان نقبت صفحته بطى المراحل و سير الهجير، و انى معلمك من خبره غير مقصر و لا مطيل: ان القوم استطالوا مدته، و استقلوا ناصره، و استضعفوه فى بدنه، و املوا بقتله بسط ايديهم فيما كان قبضه عنهم، و اعصوصبوا عليه، فظل محاصرا، قد منع من صلاه الجماعه، و رد المظالم، و النظر فى امور الرعيه، حتى كانه هو فاعل لما فعلوه.