شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و من اعجب شانك قولك: (لو لا سابق قول لشفيت غيظى بخنصرى و بنصرى)! و هل ترك الدين لاحد ان يشفى غيظه بيده او لسانه! تلك جاهليه استاصل الله شافتها، و اقتلع جرثومتها، و نور ليله
ا، و غور سيلها، و ابدل منها الروح و الريحان، و الهدى و البرهان! و زعمت انك ملجم، فلعمرى ان من اتقى الله، و آثر رضاه، و طلب ما عنده، امسك لسانه، و اطبق فاه، و غلب عقله و دينه على هواه.و اما قولك: (انى لاعرف منزع قوسى)، فاذا عرفت منزع قوسك عرفك غيرك مضرب سيفه، و مطعن رمحه.و اما ما تزعمه من الامر الذى جعله رسول الله (ص) لك، فتخلفت اعذارا الى الله، و الى العارفه به من المسلمين، فلو عرفه المسلمون لجنحوا اليه، و اصفقوا عليه، و ما كان الله ليجمعهم على العمى، و لا ليضربهم بالصبا بعد الهدى، و لو كان لرسول الله (ص) فيك راى، و عليك عزم، ثم بعثه الله، فراى اجتماع امته على ابى بكر، لما سفه آرائهم، و لا ضلل احلامهم، و لا آثرك عليهم، و لا ارضاك بسخطهم، و لامرك باتباعهم، و الدخول معهم فيما ارتضوه لدينهم.فقال على: مهلا اباحفص ارشدك الله! خفض عليك، ما بذلت ما بذلت و انا اريد عنه حولا، و ان اخسر الناس صفقه عند الله من استبطن النفاق، و احتضن الشقاق، و فى الله خلف عن كل فائت، و عوض من كل ذاهب، و سلوه عن كل حادث، و عليه التوكل فى جميع الحوادث.ارجع اباحفص الى مجلسك ناقع القلب، مبرود الغليل، فصيح اللسان، رحب الصدر، متهلل الوجه،
فليس وراء ما سمعته منى الا ما يشد الازر، و يحبط الوزر، و يضع الاصر، و يجمع الالفه، و يرفع الكلفه ان شاءالله.فانصرف عمر الى مجلسه.قال ابوعبيده: فلم اسمع و لم ار كلاما و لا مجلسا كان اصعب من ذلك الكلام و المجلس.قلت: الذى يغلب على ظنى ان هذه المراسلات و المحاورات و الكلام كله مصنوع موضوع، و انه من كلام ابى حيان التوحيدى، لانه بكلامه و مذهبه فى الخطابه و البلاغه اشبه، و قد حفظنا كلام عمر و رسائله، و كلام ابى بكر و خطبه، فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب، و لا يسلكان هذا السبيل فى كلامهما، و هذا كلام عليه اثر التوليد ليس يخفى، و اين ابوبكر و عمر من البديع و صناعه المحدثين! و من تامل كلام ابى حيان عرف ان هذا الكلام من ذلك المعدن خرج، و يدل عليه انه اسنده الى القاضى ابى حامد المروروذى، و هذه عادته فى كتاب "البصائر" يسند الى القاضى ابى حامد كل ما يريد ان يقوله هو من تلقاء نفسه، اذا كان كارها لان ينسب اليه، و انما ذكرناه نحن فى هذا الكتاب، لانه و ان كان عندنا موضوعا منحولا، فانه صوره ما جرت عليه حال القوم، فهم و ان لم ينطقوا به بلسان المقال، فقد نطقوا به بلسان الحال.و مما يوضح لك انه مصنوع، ان المتكلمين على اختلاف مقا
لاتهم من المعتزله و الشيعه و الاشعريه و اصحاب الحديث، و كل من صنف فى علم الكلام و الامامه لم يذكر احد منهم كلمه واحده من هذه الحكايه، و لقد كان المرتضى رحمه الله يلتقط من كلام اميرالمومنين (ع) اللفظه الشاذه، و الكلمه المفرده الصادره عنه (ع)، فى معرض التالم و التظلم، فيحتج بها، و يعتمد عليها، نحو قوله: (ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله حتى يوم الناس هذا).و قوله: (لقد ظلمت عدد الحجر و المدر).و قوله: (ان لنا حقا ان نعطه ناخذه، و ان نمنعه نركب اعجاز الابل، و ان طال السرى).و قوله: (فصبرت و فى الحلق شجا، و فى العين قذى).و قوله: (اللهم انى استعديك على قريش فانهم ظلمونى حقى، و غصبونى ارثى).و كان المرتضى اذا ظفر بكلمه من هذه، فكانما ظفر بملك الدنيا و يودعها كتبه و تصانيفه، فاين كان المرتضى عن هذا الحديث! و هلا ذكر فى كتاب "الشافى فى الامامه" كلام اميرالمومنين (ع) هذا، و كذلك من قبله من الاماميه كابن النعمان، و بنى نوبخت، و بنى بابويه و غيرهم، و كذلك من جاء بعده متاخرى متكلمى الشيعه و اصحاب الاخبار و الحديث منهم الى وقتنا هذا! و اين كان اصحابنا عن كلام ابى بكر و عمر له (ع)! و هلا ذكره قاضى القضاه فى "المغنى" مع احت
وائه على كل ما جرى بينهم، حتى انه يمكن ان يجمع منه تاريخ كبير مفرد فى اخبار السقيفه! و هلا ذكره من كان قبل قاضى القضاه من مشايخنا و اصحابنا و من جاء بعده من متكلمينا و رجالنا! و كذلك القول فى متكلمى الاشعريه و اصحاب الحديث كابن الباقلانى و غيره، و كان ابن الباقلانى شديدا على الشيعه، عظيم العصبيه على اميرالمومنين (ع)، فلو ظفر بكلمه من كلام ابى بكر و عمر فى هذا الحديث لملات الكتب و التصانيف بها، و جعلها هجيراه و دابه.و الامر فيما ذكرناه من وضع هذه القصه ظاهر لمن عنده ادنى ذوق من علم البيان، و معرفه كلام الرجال، و لمن عنده ادنى معرفه بعلم السير، و اقل انس بالتواريخ.قوله (ع): (مودع لاقال و لا مبغض و لا سئم)، اى لا ملول، سئمت من الشى ء اسام ساما و ساما و سامه، سئمته اذا مللته، و رجل سووم.ثم اكد (ع) هذا المعنى، فقال: (ان انصرفت فلا عن ملاله، و ان اقمت فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين)، اى ليست اقامتى على قبرك و جزعى عليك، انكارا منى لفضيله الصبر و التجلد و التعزى و التاسى، و ما وعد الله به الصابرين من الثواب، بل انا عالم بذلك، و لكن يغلبنى بالطبع البشرى.و روى ان فاطمه بنت الحسين (ع) ضربت فسطاطا على قبر بعلها
الحسن ابن الحسن (ع) سنه، فلما انقضت السنه قوضت الفسطاط راجعه الى بيتها، فسمعت هاتفا يقول: هل بلغوا ما طلبوا! فاجابه هاتف آخر، بل يئسوا فانصرفوا.و ذكر ابوالعباس محمد بن يزيد المبرد فى كتابه "الكامل" ان عليا (ع) تمثل عند قبر فاطمه: ذكرت ابا اروى فبت كاننى برد الهموم الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقه و كل الذى دون الفراق قليل و ان افتقادى واحدا بعد واحد دليل على الا يدوم خليل و الناس يرونه: و ان افتقادى فاطما بعد احمد