الشرح:
نقمت عليه، بالفتح انقم، هذه اللغه الفصيحه، و جاء نقمت بالكسر، انقم.و ارجاتما: اخرتما، اى نقمتما من احوالى اليسير، و تركتما الكثير الذى ليس لكما و لا لغيركما فيه مطعن، فلم تذكراه، فهلا اغتفرتما اليسير للكثير! و ليس هذا اعترافا بان ما نقماه موضع الطعن و العيب، و لكنه على جهه الجدل و الاحتجاج، كما تقول لمن يطعن فى بيت من شعر شاعر مشهور: لقد ظلمته اذ تتعلق عليه بهذا البيت، و تنسى ما له من المحاسن الكثيره فى غيره! ثم ذكر وجوه العتاب و الاستراده، و هى اقسام: اما ان يكون لهما حق يدفعهما عنه، او استاثر عليهما فى قسم، او ضعف عن السياسه، او جهل حكما من احكام الشريعه، او اخطا بابه.ما عن حقهما، فمنعهما عنه، فان قلت اى فرق بين الاول و الثانى قلت اما دفعهماعنه سواء صار اليه (ع) او الى غيره، او لم يصر الى احد، بل بقى بحاله فى بيت المال.و اما القسم الثانى فهو ان ياخذ حقهما لنفسه، و بين القسمين فرق ظاهر، و الثانى افحش من الاول.فان قلت: فاى فرق بين قوله: ام جهلته، او اخطات بابه! قلت: جهل الحكم ان يكون الله تعالى قد حكم بحرمه شى ء، فاحله الامام او المفتى، و كونه يخطى ء بابه، هو ان يصيب فى الحكم و يخطىء فى الاستدلال عليه.اربه، بكسر الهمزه، و هى الحاجه.ثم اقسم انه لم يكن له فى الخلافه رغبه و لا و صدق (ع)! فهكذا نقل اصحاب التواريخ و ارباب علم السير كلهم، و روى الطبرى فى التاريخ و رواه غيره ايضا ان الناس غشوه و تكاثروا عليه يطلبون مبايعته، و هو يابى ذلك و يقول: دعونى و التمسوا غيرى، فانا مستقبلون امرا له وجوه و الوان، لاتثبت عليه العقول، و لاتقوم له القلوب قالوا: ننشدك الله! الا ترى الفتنه! الا ترى الى ما حدث فى الاسلام! الا تخاف الله! فقال: قد اجبتكم لما ارى منكم، و اعلموا انى ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم، و ان تركتمونى فانما انا كاحدكم، بل انا اسمعكم و اطوعكم لمن وليتموه امركم اليه.فقالوا: ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك.قال: ان كان لا بد من ذلك ففى المسجد، فان بيعتى لاتكون خفيا، و لاتكون الا عن رضا المسلمين، و فى ملا و جماعه.فقام و الناس حوله، فدخل المسجد، و انثال عليه المسلمون فبايعوه، و فيهم طلحه و الزبير.قلت: قوله: ان بيعتى لاتكون خفيا، و لاتكون الا فى المسجد بمحضر من جمهور الناس، يشابه قوله بعد وفاه رسول الله (ص) للعباس لما سامه مد يده للبيعه: انى احب ان اصحر بها، و اكره ان ابايع من وراء رتاج.ثم ذكر
(ع) انه لما بويع عمل بكتاب الله و سنه رسوله، و لم يحتج الى رايهما و لا راى غيرهما، و لم يقع حكم يجهله فيستشيرهما، و لو وقع ذلك لاستشارهما و غيرهما، و لم يانف من ذلك.ثم تكلم فى معنى التنفيل فى العطاء، فقال: انى عملت بسنه رسول الله (ص) فى ذلك.و صدق (ع)! فان رسول الله (ص) سوى فى العطاء بين الناس، و هو مذهب ابى بكر.و العتبى: الرضا، اى لست ارضيكما بارتكاب ما لايحل لى فى الشرع ارتكابه.و الضمير فى صاحبه، و هو الهاء المجروره يرجع الى الجور، اى و كان عونا بالعمل على صاحب الجور.(من اخبار طلحه و الزبير) قد تقدم منا ذكر ما عتب به طلحه و الزبير على اميرالمومنين (ع)، و انهما قالا: ما نراه يستشيرنا فى امر، و لايفاوضنا فى راى، و يقطع الامر دوننا، و يستبد بالحكم عنا! و كانا يرجوان غير ذلك، و اراد طلحه ان يوليه البصره، و اراد الزبير ان يوليه الكوفه، فلما شاهدا صلابته فى الدين، و قوته فى العزم، و هجره الادهان و المراقبه، و رفضه المدالسه و المواربه، و سلوكه فى جميع مسالكه منهج الكتاب و السنه، و قد كانا يعلمان ذلك قديما من طبعه و سجيته، و كان عمر قال لهما و لغيرهما: ان الاجلح ان وليها ليحملنكم على المحجه البيضاء و الصراط
المستقيم، و كان رسول الله (ص) من قبل قال: و ان تولوها عليا، تجدوه هاديا مهديا، الا انه ليس الخبر كالعيان، و لا القول كالفعل، و لا الوعد كالانجاز.و حالا عنه، و تنكراله، و وقعا فيه، و عاباه و غمصاه، و تطلباله العلل و التاويلات، و تنقما عليه الاستبداد و ترك المشاوره، و انتقلا من ذلك الى الوقيعه فيه بمساواه الناس فى قسمه المال، و اثنيا على عمر، و حمدا سيرته، و صوبا رايه، و قالا: انه كان يفضل اهل السوابق، و ضللا عليا (ع) فيما رآه، و قالا: انه اخطا، و انه خالف سيره عمر، و هى السيره المحموده التى لم تفضحها النبوه، مع قرب عهدنا منها و اتصالها بها.و استنجدا عليه بالروساء من المسلمين، كان عمر يفضلهم و ينفلهم فى القسم على غيرهم- و الناس ابناء الدنيا، و يحبون المال حبا جما- فتنكرت على اميرالمومنين (ع) بتنكرهما قلوب كثيره، و نغلت عليه نيات كانت من قبل سليمه، و لقد كان عمر موفقا حيث منع قريشا و المهاجرين و ذوى السوابق من الخروج من المدينه، و نهاهم عن مخالطه الناس، و نهى الناس عن مخالطتهم، و راى ان ذلك اس الفساد فى الارض، و ان الفتوح و الغنائم قد ابطرت المسلمين، و متى بعد الرئوس و الكبراء منهم عن دار الهجره، و انفردوا با
نفسهم، و خالطهم الناس فى البلاد البعيده لم يامن ان يحسنوا لهم الوثوب، و طلب الامره و مفارقه الجماعه، و حل نظام الالفه، و لكنه رضى الله عنه نقض هذا الراى السديد بما فعله بعد طعن ابى لولوه له من امر الشورى، فان ذلك كان سبب كل فتنه وقعت، و تقع الى ان تنقضى الدنيا.و قد قدمنا ذكر ذلك، و شرحنا ما ادى اليه امر الشورى من الفساد بما حصل فى نفس كل من السته من ترشيحه للخلافه.و روى ابوجعفر الطبرى فى تاريخه، قال: كان عمر قد حجر على اعلام قريش من المهاجرين الخروج فى البلدان الا باذن و اجل، فشكوه، فبلغه، فقام فخطب، فقال: الا انى قد سننت الاسلام سن البعير، يبدا فيكون جذعا، ثم ثنيا، ثم يكون رباعيا، ثم سديسا، ثم بازلا.الا فهل ينتظر بالبازل الا النقصان! الا و ان الاسلام قد صار بازلا، و ان قريشا يريدون ان يتخذوا مال الله معونات على ما فى انفسهم.الا ان فى قريش من يضمر الفرقه، و يروم خلع الربقه.اما و ابن الخطاب حى فلا، انى قائم دون شعب الحره، آخذ بحلاقيم قريش و حجزها ان يتهافتوا فى النار.و قال ابوجعفر الطبرى فى التاريخ ايضا: فلما ولى عثمان لم ياخذهم بالذى كان عمر ياخذهم به ك، فخرجوا الى البلاد، فلما نزلوها و راوا الدنيا، و
رآهم الناس، خمل من لم يكن له طول و لاقدم فى الاسلام، و نبه اصحاب السوابق و الفضل، فانقطع اليهم الناس، و صاروا اوزاعا معهم، و املوهم، و تقربوا اليهم، و قالوا: يملكون فيكون لنا فى ملكهم حظوه، فكان ذلك اول وهن على الاسلام، و اول فتنه كانت فى العامه.و روى ابوجعفر الطبرى، عن الشعبى، قال: لم يمت عمر حتى ملته قريش، و قد كان حصرهم بالمدينه، و سالوه ان ياذن لهم فى الخروج الى البلاد، فامتنع عليهم، و قال: ان اخوف ما اخاف على هذه الامه انتشاركم فى البلاد، حتى ان الرجل كان يستاذنه فى غزو الروم او الفرس، و هو ممن حبسه بالمدينه من قريش، و لا سيما من المهاجرين فيقول له: ان لك فى غزوك مع رسول الله (ص) ما يكفيك و يبلغك و يحسبك، و هو خير لك من الغزو اليوم، و ان خيرا لك الا ترى الدنيا و لاتراك.فلما مات عمر و ولى عثمان خلى عنهم فانتشروا فى البلاد و اضطربوا، و انقطع اليهم الناس و خالطوهم، فلذلك كان عثمان احب الى قريش من عمر.