الشرح:
امعنتم فى البغى: بالغتم فيه، من امعن فى الارض، اى ذهب فيها بعيدا.و مصارحه لله، اى مكاشفه.و المناصبه المعاداه.و ملاقح الشنان، قال الراوندى: الملاقح هى الفحول التى تلقح، و ليس بصحيح، نص الجوهرى على ان الوجه لواقح كما جاء فى القرآن: (و ارسلنا الرياح لقواح).و قال: هو من النوادر، لان الماضى رباعى.و الصحيح ان ملاقح هاهنا جمع ملقح و هو المصدر، من لقحت كضربت مضربا و شربت مشربا.و يجوز فتح النون من الشنان و تسكينها، و هو البغض.و منافخ الشيطان: جمع منفخ، و هو مصدر ايضا، من نفخ، و نفخ الشيطان و نفثه واحد، و هو وسوسته و تسوبله، و يقال للمتطاول الى ما ليس له: قد نفخ الشيطان فى انفه.و فى كلامه (ع)، يقوله لطلحه و هو صريع، و قد وقف عليه، و اخذ سيفه: (سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله (ص)، و لكن الشيطان نفخ فى انفه!).قوله: و اعنقوا: اصرعوا، و فرس معناق، و السير العنق، قال الراجز: يا ناق سيرى عنقا فسيحا الى سليمان فنستريحا و الحنادس: الظلم.و المهاوى: جمع مهواه بالفتح، و هى الهوه يتردى الصيد فيها، و قد تهاوى الصيد فى المهواه، اذا سقط بعضه فى اثر بعض.قوله (ع): (ذللا عن سياقه)، انتصب على الحال، جمع ذلول، و هو السهل المقاده، و هو حال من الضمير فى (اعنقوا)، اى اسرعوا منقادين لسوقه اياهم.و سلسا: جمع سلس، و هو السهل ايضا، و انما قسم (ذللا) و (سلسا) بين (سياقه) و (قياده) لان المستعمل فى كلامهم: قدت الفرس فوجدته سلسا او صعبا، و لا يستحسنون: سقته فوجدته سلسا او صعبا، و انما المستحسن عندهم: سقته فوجدته ذلولا او شموسا.قوله (ع): (امرا) منصوب بتقدير فعل، اى اعتمدوا امرا، (و كبرا)، معطوف عليه، او ينصب (كبرا) على المصدر بان يكون اسما واقعا موقعه، كالعطاء موضع الاعطاء.و قال الراوندى: (امرا) منصوب هاهنا لانه مفعول به و ناصبه المصدر الذى هو سياقه و قياده، تقول: سقت و قدت قيادا و هذا غير صحيح لان مفعول هذين المصدرين محذوف تقديره: عن سياقه اياهم و قياده اياهم، و هذا هو معنى الكلام، و لو فرضنا مفعول احد هذين المصدرين (امرا) لفسد معنى الكلام.و قال الراوندى ايضا: و يجوز ان يكون (امرا) حالا.و هذا ايضا ليس بشى ء، لان الحال وصف هيئه الفاعل او المفعول، و (امرا) ليس كذلك.قوله (ع): (تشابهت القلوب فيه)، اى ان الحميه و الفخر و الكبر و العصبيه ما زالت القلوب متشابهه متماثله فيها.و تتابعت القرون عليه: جمع قرن با
لفتح، و هى الامه من الناس.و كبرا تضايقت الصدور، به اى كبر فى الصدور حتى امتلات به و ضاقت عنه لكثرته.ثم امر بالحذر من طاعه الروساء ارباب الحميه، و فيه اشاره الى قوله تعالى: (انا اطعنا سادتنا و كبرائنا فاضلونا السبيلا).و قد كان امر فى الفصل الاول بالتواضع لله، و نهى هاهنا عن التواضع للروساء، و قد جاء فى الخبر المرفوع: (ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء! و احسن منه تكبر الفقراء على الاغنياء).الذين تكبروا عن حسبهم، اى جهلوا انفسهم، و لم يفكروا فى اصلهم من النطف المستقذره من الطين المنتن، قال الشاعر: ما بال من اوله نطفه و جيفه آخره يفخر يصبح لا يملك تقديم ما يرجو و لا تاخير ما يحذر قوله (ع): (و القوا الهجينه على ربهم) روى (الهجينه) على (فعيله)، كالطبيعه و الخليقه، و روى (الهجنه) على (فعله)، كالمضغه و اللقمه، و المراد بهما الاستهجان، من قولك: هو يهجن كذا، اى يقبحه، و يستهجنه اى يستقبحه.اى نسبوا ما فى الانساب من القبح بزعمهم الى ربهم، مثل ان يقولوا للرجل: انت عجمى و نحن عرب، فان هذا ليس الى الانسان، بل هو الى الله تعالى، فاى ذنب له فيه! قوله: (و جاحدوا الله)، اى كابروه و انكروا صنعه اليهم.و آساس بالمد: ج
مع اساس.و اعتزاء الجاهليه: قولهم: يا لفلان! و سمع ابى بن كعب رجلا يقول: يا لفلان! فقال: عضضت بهن ابيك! فقيل له: يا اباالمنذر ما كنت فحاشا، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (من تعزى بعزاء الجاهليه فاعضوه بهن ابيه و لا تكنوا).قوله: (فلا تكونوا لنعمه الله اضدادا)، لان البغى و الكبر يقتضيان زوال النعمه و تبدلها بالنقمه.قوله: (و لاتطيعوا الادعياء)، مراده هاهنا بالادعياء الذين ينتحلون الاسلام و يبطنون النفاق.ثم وصفهم فقال: (الذين شربتم بصفوكم كدرهم)، اى شربتم كدرهم مستبدلين ذلك بصفوكم.و يروى: (الذين ضربتم)، اى مزجتم.و يروى، (شريتم) اى بعتم و استبدلتم.و الاحلاس: جمع حلس، و هو كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازما له، فقيل لكل ملازم امر: هو حلس ذلك الامر.و الترجمان، بفتح التاء: هو الذى يفسر لسانا بلسان غيره، و قد تضم التاء و يروى: (و نثا فى اسماعكم) من نث الحديث، اى افشاه.
الشرح:
التكابر: التعاظم، و الغرض مقابله لفظه (التواضع) لتكون الالفاظ مزدوجه.و عفر وجهه: الصقه بالعفر.و خفضوا اجنحتهم: الانوا جانبهم.و المخمصه: الجوع.و المجهده: المشقه، و اميرالمومنين (ع) كثير الاستعمال لمفعل و مفعله بمعنى المصدر، اذا تصفحت كلامه عرفت ذلك.و محصهم، اى طهرهم، و روى (مخضهم) بالخاء و الضاد المعجمه، اى حركهم و زلزلهم.ثم نهى ان يعتبر رضا الله و سخطه بما نراه من اعطائه الانسان مالا و ولدا، فان ذلك جهل.بمواقع الفتنه و الاختبار.و قوله تعالى: (ايحسبون...)، الايه دليل على ما قاله (ع)، و الادله العقليه ايضا دلت على ان كثيرا من الالام و الغموم و البلوى انما يفعله الله تعالى للالطاف و المصالح.و ما الموصوله فى الايه يعود اليها محذوف و مقدر لابد منه، و الا كان الكلام غير منتظم، و غير مرتبط بعضه ببعض، و تقديره: نسارع لهم فى الخيرات.الشرح:
مدارع الصوف: جمع مدرعه، بكسر الميم، و هى كالكساء، و تدرع الرجل و تمدرع اذا لبسها.و العصى: جمع عصا.و تقول: هذا سوار المراه، و الجمع اسوره، و جمع الجمع اساوره، و قرى ء: (فلولا القى عليه اسوره من ذهب).و قد يكون جمع اساور، قال سبحانه: (يحلون فيها من اساور من ذهب)، قال ابوعمرو بن العلاء: اساور هاهنا: جمع اسوار و هو السوار.و الذهبان، بكسر الذال: جمع ذهب، كخرب لذكر الحبارى و خربان.و العقيان: الذهب ايضا.قوله (ع): (و اضمحلت الانباء)، اى تلاشت و فنيت.و الانباء: جمع نباء، و هو الخبر، اى لسقط الوعد و الوعيد و بطلا.قوله (ع): (و لالزمت الاسماء معانيها)، اى من يسمى مومنا او مسلما حينئذ، فان تسميته مجاز لا حقيقه، لانه ليس بمومن ايمانا من فعله و كسبه، بل يكون ملجا الى الايمان بما يشاهده من الايات العظيمه.و المبتلين، بفتح اللام: جمع مبتلى، كالمعطين و المرتضين، جمع معطى و مرتضى.و الخصاصه: الفقر.و هذا الكلام هو ما يقوله اصحابنا بعينه فى تعليل افعال البارى ء سبحانه بالحكمه و المصلحه، و ان الغرض بالتكليف هو التعريض للثواب، و انه يجب ان يكون خالصا من الالجاء، و من ان يفعل الواجب بوجه غير وجه وجوبه، يرتدع عن القبيح لوجه غير وجه قبحه.و روى ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى فى التاريخ، ان موسى قدم هو و اخوه هارون مصر على فرعون، لما بعثهما الله تعالى اليه حتى وقفا على بابه يلتمسان الاذن عليه، فمكثا سنين يغدوان على بابه و يروحان، لايعلم بهما، و لايجترى ء احد على ان يخبره بشانهما- و قد كانا قالا لمن بالباب: انا رسولا رب العالمين الى ف
رعون- حتى دخل عليه بطال له يلاعبه و يضحكه، فقال له: ايها الملك ان على الباب رجلا يقول قولا عجيبا عظيما، و يزعم ان له الها غيرك، قال: ببابى! قال.نعم، قال: ادخلوه، فدخل و بيده عصاه، و معه هارون اخوه، فقال: انا رسول رب العالمين اليك... و ذكر تمام الخبر.فان قلت: اى خاصيه فى الصوف و لبسه؟ و لم اختاره الصالحون على غيره؟ قلت: ورد فى الخبر ان اول لباس لبسه آدم لما هبط الى الارض صوف كبش قيضه الله له، و امره ان يذبحه فياكل لحمه و يلبس صوفه، لانه اهبط عريان من الجنه فذبحه، و غزلت حواء صوفه، فلبس آدم منه ثوبا، و البس حواء ثوبا آخر، فلذلك صار شعار الاولياء و انتسبت اليه الصوفيه.
الشرح:
تمد نحوه اعناق الرجال، اى لعظمته، اى يومله الموملون و يرجوه الراجون، و كل من امل شيئا فقد طمح ببصره اليه معنى لا صوره، فكنى عن ذلك بمد العنق.و تشد اليه عقد الرحال: يسافر ارباب الرغبات اليه، يقول: لو كان الانبياء ملوكا ذوى باس و قهر لم يمكن ايمان الخلق و انقيادهم اليهم، لان الايمان فى نفسه واجب عقلا، بل كان لرهبه لهم او رغبه فيهم، فكانت النيات مشتركه.هذا فرض سوال و جواب عنه، كانه قال لنفسه: لم لايجوز ان يكون ايمانهم على هذا التقدير لوجوبه، و لخوف ذلك النبى، او لرجاء نفع ذلك النبى (ص)؟ فقال: لان النيات تكون حينئذ مشتركه، اى يكون المكلف قد فعل الايمان لكلا الامرين.و كذلك تفسير قوله: (و الحسنات مقتسمه): قال: و لايجوز ان تكون طاعه الله تعالى تعلو الا لكونها طاعه له لا غير، و لايجوز ان يشوبها و يخالطها من غيرها شائبه.فان قلت: ما معنى قوله: (لكان ذلك اهون على الخلق فى الاعتبار، و ابعد لهم من الاستكبار)؟ قلت: اى لو كان الانبياء كالملوك فى السطوه و البطش، لكان المكلف لا يشق عليه الاعتبار و الانزجار عن القبائح مشقته عليه اذا تركه لقبحه لا لخوف السيف، و كان بعد المكلفين عن الاستكبار و البغى لخوف السيف و التاديب اعظم من بعدهم عنهما اذا تركوهما لوجه قبحهما، فكان يكون ثواب المكلف، اما ساقطا، و اما ناقصا.
الشرح:
كانت المثوبه، اى الثواب.و اجزل: اكثر، و الجزيل: العظيم، و عطاء جزل و جزيل و الجمع جزال، و قد اجزلت له من العطاء، اى اكثرت.و جعله للناس قياما، اى عمادا، و فلان قيام اهله، اى يقيم شئونهم، و منه قوله تعالى: (و لا توتوا السفهاء اموالكم التى جعل الله لكم قياما).و اوعر بقاع الارض حجرا، اى اصعبها، و مكان وعر، بالتسكين: صعب المسلك او المقام.و اقل نتائق الدنيا مدرا، اصل هذه اللفظه من قولهم: (امراه منتاق)، اى كثيره الحبل و الولاده، و يقال: ضيعه منتاق اى كثيره الريع، فجعل (ع) الضياع دوات المدر التى تثار للحرث نتائق، و قال: ان مكه اقلها صلاحا للزرع، لان ارضها حجريه.و القطر: الجانب، و رمال دمثه: سهله، و كلما كان الرمل اسهل، كان ابعد عن ان ينبت.و عيون وشله، اى قليله الماء، و الوشل، بفتح الشين: الماء القليل، و يقال: وشل الماء وشلانا، اى قطر.قوله: (لا يزكو بها خف)، اى لاتزيد الابل فيها اى لا تسمن، و الخف هاهنا هو الابل، و الحافر: الخيل و الحمير، و الظلف: الشاه، اى ليس حولها مرعى يرعاه الغنم فتسمن.و ان يثنوا اعطافهم نحوه، اى يقصدوه و يحجوه، و عطفا الرجل: جانباه.و صار مثابه، اى يثاب اليه و يرجع نحوه مره بعد اخرى، و هذه من الفاظ الكتاب العزيز.قوله (ع): (لمنتجع اسفارهم)، اى لنجعتها، و النجعه: طلب الكلاء فى الاصل، ثم سمى كل منقصد امرا يروم النفع منه منتجعا.قوله: (و غايه لملقى رحالهم) اى صار البيت هو الغايه التى هى الغرض و المقصد، و عنده تلقى الرحال، اى تحط رحال الابل عن ظهورها، و يبطل السفر، لانهم قد انتهوا الى الغايه المقصوده.قوله: (تهوى اليه ثمار الافئده)، ثمره الفواد: هو سويداء القلب، و منه قولهم للولد: هو ثمره الفواد، و معنى (تهوى اليه) اى تتشوقه و تحن نحوه.و المفاوز: هى جمع مفازه، الفلاه سميت مفازه، اما لانها مهلكه، من قولهم: فوز الرجل، اى هلك، و اما تفاولا بالسلامه و الفوز، و الروايه المشهوره.(من مفاوز قفار) بالاضافه.و قد روى قوم: (من مفاوز) بفتح الزاء، لانه لاينصرف، و لم يضيفوا، جعلوا (قفار) صفه.و السحيقه: البعيده.و المهاوى: المساقط.و الفجاج: جمع فج، و هو الطريق بين الجبلين.قوله (ع): (حتى يهزوا مناكبهم)، اى يحركهم الشوق نحوه الى ان يسافروا اليه، فكنى عن السفر بهز المناكب.و ذللا، حال اما منهم و اما من المناكب، و واحد المناكب، منكب بكسر الكاف، و هو مجمع عظم العضد و الكتف.قوله: (و يهللون)، يقولون: لا اله الا الله، و روى: (يهلون لله) اى يرفعون اصواتهم بالتلبيه و نحوها.و يرملون، الرمل: السعى فوق المشى قليلا.شعثا غب
را، لايتعهدون شعورهم و لا ثيابهم و لا ابدانهم، قد نبذوا السرابيل، و رموا ثيابهم و قمصانهم المخيطه.و شوهوا باعفاء الشعور، اى غيروا و قبحوا محاسن صورهم، بان اعفوا شعورهم فلم يحلقوا ما فضل منها و سقط على الوجه و نبت فى غيره من الاعضاء التى جرت العاده بازالتها عنها.و التمحيص: التطهير، من محصت الذهب بالنار اذا صفيته مما يشوبه، و التمحيص ايضا: الامتحان و الاختبار.و المشاعر: معالم النسك.قوله: (و سهل و قرار)، اى فى مكان سهل يستقر فيه الناس و لاينالهم من المقام به مشقه.و جم الاشجار: كثيرها.و دانى الثمار: قريبها.و ملتف البنى: مشتبك العماره.و البره: الواحده من البر، و هو الحنطه.و الارياف.جمع ريف و هو الخصب و المرعى فى الاصل، و هو هاهنا السواد و المزارع، و محدقه: محيطه.و مغدقه: غزيره، و الغدق: الماء الكثير.و ناضره: ذات نضاره و رونق و حسن.قوله: (و لو كانت الاساس)، يقول: لو كانت اساس البيت التى حمل البيت عليها و احجاره التى رفع بها من زمرده و ياقوته فالمحمول و المرفوع كلاهما مرفوعان، لانهما صفه اسم كان و الخبر (من زمرده)، و روى: (بين زمرده)، و يجوز ان تحمل لفظتا المفعول و هما المحمول و المرفوع ضمير البيت، فيك
ون قائما مقام اسم الفاعل، و يكون موضع الجار و المجرور نصبا، و يجوز الا تحملهما ذلك الضمير، و يجعل الجار و المجرور هو الساد مسد الفاعل، فيكون موضعه رفعا.و روى: (مضارعه الشك) بالضاد المعجمه، و معناه مقارنه الشك و دنوه من النفس، و اصله من مضارعه القدر اذا حان ادراكها، و من مضارعه الشمس اذا دنت للمغيب.و قال الراوندى فى تفسير هذه الكلمه: من مضارعه الشك، اى مماثلته و مشابهته، و هذا بعيد، لانه لا معنى للماثله و المشابهه هاهنا، و الروايه الصحيحه بالصاد المهمله.قوله (ع): (و لنفى متعلج الريب)، اى اعتلاجه، اى و لنفى اضطراب الشك فى القلوب.و روى (يستعبدهم) و (يتعبدهم، و الثانيه احسن.و المجاهد: جمع مجهده، و هى المشقه.و ابوابا فتحا، اى مفتوحه.و اسبابا ذللا، اى سهله.و اعلم ان محصول هذا الفصل انه كلما كانت العباده اشق كان الثواب عليها اعظم، و لو ان الله تعالى جعل العبادات سهله على المكلفين لما استحقوا عليها من الثواب الا قدرا يسيرا، بحسب ما يكون فيها من المشقه اليسيره.فان قلت: فهل كان البيت الحرام موجودا ايام آدم (ع)، ثم امر آدم و ولده ان يثنوا اعطافهم نحوه؟ قلت: نعم هكذا روى ارباب السير و اصحاب التواريخ، روى ابوجعف
ر محمد بن جرير الطبرى فى "تاريخه" عن ابن عباس، ان الله تعالى اوحى الى آدم لما اهبطه الى الارض: ان لى حرما حيال عرشى، فانطلق فابن لى بيتا فيه، ثم طف به كما رايت ملائكتى تحف بعرشى، فهنالك استجيب دعائك و دعاء من يحف به من ذريتك.فقال آدم: انى لست اقوى على بنائه، و لا اهتدى اليه، فقيض الله تعالى له ملكا، فانطلق به نحو مكه- و كان آدم فى طريقه كلما راى روضه او مكانا يعجبه سال الملك ان ينزل به هناك ليبنى فيه، فيقول الملك: انه ليس هاهنا حتى اقدمه مكه- فبنى البيت من خمسه جبال: طور سيناء، و طور زيتون، و لبنان، و الجودى، و بنى قواعده من حراء.فلما فرغ خرج به الملك الى عرفات، فاراه المناسك كلها التى يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكه و طاف بالبيت اسبوعا، ثم رجع الى ارض الهند فمات.و روى الطبرى فى التاريخ ان آدم حج من ارض الهند الى الكعبه اربعين حجه على رجليه.و قد روى ان الكعبه انزلت من السماء و هى ياقوته او لولوه، على اختلاف الروايات و انها بقيت على تلك الصوره الى ان فسدت الارض بالمعاصى ايام نوح، و جاء الطوفان فرفع البيت، و بنى ابراهيم هذه البنيه على قواعده القديمه.و روى ابوجعفر، عن وهب بن منبه ان آدم دعا ربه فقال: يا
رب اما لارضك هذه عامر يسبحك و يقدسك فيها غيرى! فقال الله: انى ساجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى و يقدسنى، و ساجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى، يسبحنى فيها خلقى، و يذكر فيها اسمى، و ساجعل من تلك البيوت بيتا اختصه بكرامتى، و اوثره باسمى، فاسميه بيتى، و عليه وضعت جلالتى و خصصته بعظمتى، و انا مع ذلك فى كل شى ء، اجعل ذلك البيت حرما آمنا يحرم بحرمته من حوله، و من تحته، و من فوقه فمن حرمه بحرمتى استوجب كرامتى، و من اخاف اهله فقد اباح حرمتى، و استحق سخطى، و اجعله بيتا مباركا ياتيه بنوك شعثا غبرا على كل ضامر من كل فج عميق يرجون، بالتلبيه رجيجا، و يعجون بالتكبير عجيجا، من اعتمده لايريد غيره، و وفد الى و زارنى و استضاف بى، اسعفته بحاجته، و حق على الكريم ان يكرم وفده و اضيافه، تعمره يا آدم ما دمت حيا، ثم تعمره الامم و القرون و الانبياء من ولدك امه بعد امه، و قرنا بعد قرن.قال: ثم امر آدم ان ياتى الى البيت الحرام الذى اهبط له الى الارض فيطوف به كما كان يرى الملائكه تطوف حول العرش، و كان البيت حينئذ من دره او من ياقوته، فلما اغرق الله تعالى قوم نوح رفعه، و بقى اساسه فبواه الله لابراهيم فبناه.