شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الشرح:

بلده وخمه و وخيمه: بينه الوخامه، اى وبيئه.

مصيده ابليس، بسكون الصاد و فتح الياء: آلته التى يصطاد بها.

و تساور قلوب الرجال: تواثبها، و سار اليه يسور، اى وثب، و المصدر السور، و مصدر (تساور) المساوره، و يقال: ان لغضبه سوره، و هو سوارح، اى وثاب معربد، و سوره الشراب: وثوبه فى الراس، و كذلك مساوره السموم التى ذكرها اميرالمومنين (ع).

و ما تكدى: ما ترد عن تاثيرها، من قولك: اكدى حافر الفرس، اذا بلغ الكديه و هى الارض الصلبه، فلا يمكنه ان يحفر.

و لاتشوى احدا: لا تخطى ء المقتل و تصيب غيره، و هو الشوى، و الشوى: الاطراف، كاليد و الرجل.

قال: لاترد مكيدته عن احد لا عن عالم لاجل علمه، و لا عن فقير لطمره، و الطمر: الثوب الخلق.

و (ما) فى قوله: (و عن ذلك ما حرس الله) زائده موكده، اى عن هذه المكايد التى هى البغى و الظلم و الكبر حرس الله عباده، ف(عن) متعلقه ب(حرس).

و قال الراوندى: يجوز ان تكون مصدريه، فيكون موضعها رفعا بالابتداء، و خبر المبتدا قوله: (لما فى ذلك).

و قال ايضا: يجوز ان تكون نافيه، اى لم يحرس الله عباده عن ذلك الجاء و قهرا، بل فعلوه اختيارا من انفسهم، و الوجه الاول باطل، لان (عن) على هذا التقد
ير تكون من صله المصدر، فلا يجوز تقديمها عليه، و ايضا فان (لما فى ذلك) لو كان هو الخبر، لتعلق لام الجر بمحذوف، فيكون التقدير: حراسه الله لعباده عن ذلك كائنه لما فى ذلك من تعفير الوجوه بالتراب، و هذا كلام غير مفيد و لامنتظم الا على تاويل بعيد لاحاجه الى تعسفه، و الوجه الثانى باطل، لان سياقه الكلام تدل على فساده، الا ترى قوله: (تسكينا و تخشيعا)، و قوله: (لما فى ذلك من كذا)، و هذا كله تعليل الحاصل الثابت لا تعليل المنفى المعدوم.

ثم بين (ع) الحكمه فى العبادات، فقال: انه تعالى حرس عباده بالصلوات التى افترضها عليهم من تلك المكايد، و كذلك بالزكاه و الصوم ليسكن اطرافهم، و يخشع ابصارهم، فجعل التسكين و التخشيع عذرا و عله للحراسه، و نصب اللفظات على انها مفعول له.

ثم علل السكون و الخشوع الذى هو عله الحراسه لما فى الصلاه من تعفير الوجه على التراب، فصار ذلك عله العله.

قال: و ذلك لان تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا يوجب هضم النفس و كسرها و تذليلها.

و عتاق الوجوه: كرائمها.

و الصاق كرائم الجوارح بالارض كاليدين و الساقين تصاغرا يوجب الخشوع و الاستسلام، و الجوع فى الصوم الذى يلحق البطن فى المتن يقتضى زوال الاشر و البطر، و يوجب
مذله النفس و قمعها عن الانهماك فى الشهوات، و ما فى الزكاه من صرف فواضل المكاسب الى اهل الفقر و المسكنه يوجب تطهير النفوس و الاموال و مواساه ارباب الحاجات بما تسمح به النفوس من الاموال، و عاصم لهم من السرقات و ارتكاب المنكرات، ففى ذلك كله دفع مكايد الشيطان.

و تخفيض القلوب: حطها عن الاعتلاء و التيه.

و الخيلاء: التكبر.

و المسكنه: اشد الفقر فى اظهر الرايين.

و القمع: القهر.

و النواجم: جمع ناجمه، و هى ما يظهر و يطلع من الكبر و غيره.

و القدع، بالدال المهمله: الكف، قدعت الفرس و كبحته باللجام، اى كففته.

و الطوالع، كالنواجم.

الشرح:

قد روى: (تحتمل) بالتاء، و روى (تحمل)، و المعنى واحد.

و التمويه: التلبيس من موهت النحاس، اذا طليته بالذهب ليخفى.

و لاط الشى ء بقلبى يلوط و يليط، اى التصق.

و المترف: الذى اطغته النعمه.

و تفاضلت فيها، اى تزايدت.

و المجداء: جمع ماجد، و المجد الشرف فى الاباء، و الحسب و الكرم يكونان فى الرجل و ان لم يكونا فى آبائه.

هكذا قال ابن السكيت، و قد اعترض عليه بان المجيد من صفات الله تعالى، قال سبحانه: (ذو العرش المجيد) على قرائه من رفع، و الله سبحانه يتعالى عن الاباء، و قد جاء فى وصف القرآن المجيد، قال سبحانه: (بل هو قرآن مجيد).

و النجداء: الشجعان، واحدهم نجيد، و اما نجد و نجد، بالكسر و الضم، فجمعه انجاد، مثل يقظ و ايقاظ.

و بيوتات العرب: قبائلها.

و يعاسيب القبائل: روساوها، و اليعسوب فى الاصل: ذكر النحل و اميرها.

و الرغيبه: الخصله يرغب فيها.

و الاحلام: العقول.

و الاخطار: الاقدار.

ثم امرهم بان يتعصبوا لخلال الحمد و عددها، و ينبغى ان يحمل قوله (ع): (فانكم تتعصبون لامر ما يعرف له سبب و لا عله)، على انه لايعرف له سبب مناسب، فكيف يمكن ان يتعصبوا لغير سبب اصلا! و قيل: ان اصل هذه العصبيه، و هذه الخطبه، ان
اهل الكوفه كانوا قد فسدوا فى آخر خلافه اميرالمومنين، و كانوا قبائل فى الكوفه، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمر بمنازل قبيله اخرى، فينادى باسم قبيلته: يا للنخع! مثلا، او يا لكنده! نداء عاليا يقصد به الفتنه و اثاره الشر، فيتالب عليه فتيان القبيله التى مر بها فينادون: يا لتميم! و يا لربيعه! و يقبلون الى ذلك الصائح فيضربونه، فيمضى الى قبيلته فيستصرخها، فتسل السيوف و تثور الفتن، و لايكون لها اصل فى الحقيقه الا تعرض الفتيان بعضهم ببعض.

الشرح:

المثلات: العقوبات.

و ذميم الافعال: ما يذم منها.

و تفاوت حاليهم: اختلافهما.

و زاحت الاعداء: بعدت.

و له، اى لاجله.

و التحاض عليها: تفاعل يستدعى وقوع الحض، و هو الحث من الجهتين، اى يحث بعضهم بعضا.

و الفقره: واحده فقر الظهر، و يقال لمن قد اصابته مصيبه شديده: قد كسرت فقرته.

و المنه: القوه.

و تضاغن القلوب و تشاحنها واحد.

و تخاذل الايدى: الا ينصر الناس بعضهم بعضا.

الشرح:

تدبروا، اى تاملوا.

و التمحيص: التطهير و التصفيه.

و الاعباء: الاثقال: واحدها عب ء.

و اجهد العباد: اتعبهم.

و الفراعنه: العتاه، و كل عات فرعون.

و ساموهم سوء العذاب: الزموهم اياه، و هذا اشاره الى قوله تعالى: (يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابنائكم و يستحيون نسائكم و فى ذلكم بلاء من ربكم عظيم).

و المرار: بضم الميم: شجر مر فى الاصل، و استعير شرب المرار لكل من يلقى شديد المشقه.

و راى الله منهم جد الصبر، اى اشده.

و ائمه اعلاما، اى يهتدى بهم، كالعلم فى الفلاه.

الشرح:

الاملاء: الجماعات، الواحد ملا.

و مترادفه: متعاونه.

البصائر نافذه، يقال: نفذت بصيرتى فى هذا الخبر، اى اجتمع همى عليه، و لم يبق عندى تردد فيه، لعلمى به و تحقيقى اياه.

و
اقطار الارضين: نواحيها، و تشتت: تفرقت.

و تشعبوا: صاروا شعوبا و قبائل مختلفين.

و تفرقوا متحزبين: اختلفوا احزابا، و روى: (متحازبين).

و غضاره النعمه: الطيب اللين منها.

و القصص: الحديث.

يقول: انظروا فى اخبار من قبلكم من الامم، كيف كانت حالهم فى العز و الملك لما كانت كلمتهم واحده، و الى ماذا آلت حالهم حين اختلفت كلمتهم! فاحذروا ان تكونوا مثلهم، و ان يحل بكم ان اختلفتم مثل ما حل بهم.

الشرح:

لقائل ان يقول: ما نعرف احدا من بنى اسحق و بنى اسرائيل احتازتهم الاكاسره و القياصره عن ريف الافاق الى الباديه و منابت الشيح، الا ان يقال: يهود خيبر و النضير و بنى قريظه و بنى قينقاع، و هولاء نفر قليل لا يعتد بهم.

و يعلم من فحوى الخطبه انهم غير مرادين بالكلام، و لانه (ع) قال: تركوهم اخوان دبر و وبر، و هولاء لم يكونوا من اهل الوبر و الدبر، بل من اهل المدر، لانهم كانوا ذوى حصون و آطام.

و الحاصل ان الذين احتازتهم الاكاسره و القياصره من الريف الى الباديه، و صاروا اهل وبر ولد اسماعيل، لا بنواسحاق و بنواسرائيل! و الجواب انه (ع) ذكر فى هذه الكلمات، و هى قوله: (فاعتبروا بحال ولد اسماعيل و بنى اسحاق و بنى اسرائيل المقهورين و القاهرين جميعا)، اما المقهورون فبنواسماعيل، و اما القاهرون فبنو اسحاق و بنواسرائيل، لان الاكاسره من بنى اسحاق، ذكر كثير من اهل العلم ان فارس من ولد اسحاق، و القياصره من ولد اسحاق ايضا، لان الروم بنوالعيص بن اسحاق، و على هذا يكون الضمير فى (امرهم)، و (تشتتهم) و (تفرقهم) يرجع الى بنى اسماعيل خاصه.

فان قلت: فبنو اسرائيل، اى مدخل لهم هاهنا؟ قلت: لان بنى اسرائيل لما كانوا ملوكا با
لشام فى ايام اجاب الملك و غيره، حاربوا العرب من بنى اسماعيل غير مره، و طردوهم عن الشام، و الجئوهم على المقام بباديه الحجاز.

و يصير تقدير الكلام: فاعتبروا بحال ولد اسماعيل مع بنى اسحاق و بنى اسرائيل، فجاء بهم فى صدر الكلام على العموم، ثم خصص فقال: الاكاسره و القياصره، و هم داخلون فى عموم ولد اسحاق، و انما لم يخصص عموم بنى اسرائيل لان العرب لم تكن تعرف ملوك ولد يعقوب، فيذكر لهم اسمائهم فى الخطبه، بخلاف ولد اسحاق فانهم كانوا يعرفون ملوكهم من بنى ساسان و من بنى الاصفر.

قوله (ع): (فما اشد اعتدال الاحوال!)، اى ما اشبه الاشياء بعضها ببعض! و ان حالكم لشبيهه بحال اولئك فاعتبروا بهم.

قوله: (يحتازونهم عن الريف) يبعدونهم عنه، و الريف: الارض ذات الخصب و الزرع، و الجمع ارياف، و رافت الماشيه اى رعت الريف، و قد ارفنا اى صرنا الى الريف، و ارافت الارض اى اخصبت، و هى ارض ريفه، بتشديد الياء.

و بحر العراق: دجله و الفرات، اما الاكاسره فطردوهم عن بحر العراق، و اما القياصره فطردوهم عن ريف الافاق، اى عن الشام و ما فيه من المرعى و المنتجع.

قوله (ع): (اربابا لهم)، اى ملوكا، و كانت العرب تسمى الاكاسره اربابا، و لما عظم امر حذيفه بن بدر
عندهم سموه رب معد.

و منابت الشيح: ارض العرب، و الشيح: نبت معروف.

و مهافى الريح: المواضع التى تهفو فيها، اى تهب و هى الفيافى و الصحارى.

و نكد المعاش: ضيقه و قلته.

و تركوهم عاله، اى فقراء، جمع عائل، و العائل ذو العيله و العيله: الفقر، قال تعالى: (و ان خفتم عيله فسوف يغنيكم الله من فضله)، قال الشاعر: تعيرنا اننا عاله صعاليك نحن و انتم ملوك نظيره قائد و قاده، و سائس و ساسه.

و قوله: (اخوان دبر و وبر)، الدبر مصدر دبر البعير، اى عقره القتب.

و الوبر للبعير بمنزله الصوف للضان و الشعر للمعز.

قوله: اذل الامم دارا)، لعدم المعاقل و الحصون المنيعه فيها.

و اجدبهم قرارا، لعدم الزرع و الشجر و النخل بها.

و الجدب: المحل.

و لا ياوون: لا يلتجئون و لا ينضمون.

و الازل: الضيق.

و اطباق جهل: جمع طبق، اى جهل متراكم بعضه فوق بعض.

و غارات مشنونه: متفرقه، و هى اصعب الغارات.

(فصل فى ذكر الاسباب التى دعت العرب الى واد البنات) من بنات موئوده، كان قوم من العرب يئدون البنات، قيل: انهم بنوتميم خاصه، و انه استفاض منهم فى جيرانهم.

و قيل: بل كان ذلك فى تميم، و قيس، و اسد، و هذيل، و بكر بن وائل، قالوا: و ذلك ان رسول الله (ص) دعا عليهم، فقال: (اللهم اشدد وطاتك على مضر، و اجعل عليهم سنين كسنى يوسف)، فاجدبوا سبع سنين حتى اكلوا الوبر بالدم، و كانوا يسمونه العلهز، فوادوا البنات لاملاقهم و فقرهم، و قد دل على ذلك بقوله: (و لاتقتلوا اولادكم خشيه املاق)، قال: (و لايقتلن اولادهن).

و قال قوم: بل وادوا البنات انفه، و زعموا ان تميما منعت النعمان الاتاوه سنه من السنين، فوجه اليهم اخاه الريان بن المنذر، و جل من معه من بكر بن وائل، فاستاق النعم و سبى الذرارى، و فى ذلك يقول بعض بنى يشكر: لما راوا رايه النعمان مقبله قالوا: الا ليت ادنى دارنا عدن! يا ليت ام تميم لم تكن عرفت مرا، و كانت كمن اودى به الزمن ان تقتلونا فاعيار مخدعه او تنعموا فقديما منكم المنن منكم زهير و عتاب و محتضن و ابنا لقيط و اودى فى الوغى قطن فوفدت بنوتميم الى النعمان، و استعطفوه، فرق عليهم، و اعاد عليهم السبى، و قال: كل امراه اختارت اباها ردت اليه، و ان اختارت صاحبها تركت عليه، فكلهن اخترن آبائهن، الا ابنه قيس بن عاصم، فانها اختارت من سباها، و هو عمرو بن المشمرخ اليشكرى، فنذر قيس بن عاصم المنقرى التميمى الا يولد له بنت الا وادها، و الواد ان يخنقها فى التراب و يثقل وجهها به حتى تم
وت.

ثم اقتدى به كثير من بنى تميم، قال سبحانه: (و اذا الموئوده سئلت باى ذنب قتلت)، اى على طريق التبكيت و التوبيخ لمن فعل ذلك او اجازه، كما قال سبحانه: (يا عيسى بن مريم اانت قلت للناس اتخذونى و امى الهين من دون الله).

و من جيد شعر الفرزدق قوله فى هجاء جرير: الم تر انا بنى دارم زراره منا ابومعبد و منا الذى منع الوائدات و احيا الوليد فلم يواد السنا باصحاب يوم النسار و اصحاب الويه المربد السنا الذين تميم بهم تسامى و تفخر فى المشهد! و ناجيه الخير و الاقرعا ن و قبر بكاظمه المورد اذا ما اتى قبره عائذ اناخ على القبر بالاسعد ايطلب مجد بنى دارم عطيه كالجعل الاسود! قرنبى يحك قفا مقرف لئيم ماثره قعدد و مجد بنى دارم فوقه مكان السماكين و الفرقد و فى الحديث: ان صعصعه بن ناجيه بن عقال لما وفد على رسول الله (ص)، قال: يا رسول الله، انى كنت اعمل فى الجاهليه عملا صالحا، فهل ينفعنى ذلك اليوم؟ قال (ع): و ما عملت؟ قال: ضللت ناقتين عشراوين، فركبت جملا و مضيت فى بغائهما، فرفع لى بيت حريد، فقصدته، فاذا شيخ جالس بفنائه فسالته عن الناقتين، فقال: ما نارهما؟ قلت: ميسم بنى دارم، قال: هما عندى، و قد احيا
الله بهما قوما من اهلك من مضر، فجلست معه ليخرجهما الى، فاذا عجوز قد خرجت من كسر البيت، فقال لها: ما وضعت، ان كان سقبا شاركنا فى اموالنا، و ان كان حائلا وادناها، فقالت العجوز: وضعت انثى، فقلت له: اتبيعها؟ قال: و هل تبيع العرب اولادها! قلت: انما اشترى حياتها، و لااشترى رقها، قال، فبكم؟ قلت: احتكم، قال: بالناقتين و الجمل، قلت: اذاك لك على ان يبلغنى الجمل و اياها! قال: بعتك، فاستنقذتها منه بالجمل و الناقتين، و آمنت بك يا رسول الله، و قد صارت لى سنه فى العرب ان اشترى كل موئوده بناقتين عشراوين و جمل، فعندى الى هذه الغايه ثمانون و مائتا موئوده قد انقذتهن، قال (ع): (لاينفعك ذاك لانك لم تبتغ به وجه الله، و ان تعمل فى اسلامك عملا صالحا تثب عليه).

و روى الزبير فى "الموفقيات" ان ابابكر قال فى الجاهليه لقيس بن عاصم المنقرى: ما حملك على ان وادت؟ قال: مخافه ان يخلف عليهن مثلك.

الشرح:

لما ذكر ما كانت العرب عليه من الذل و الضيم و الجهل، عاد فذكر ما ابدل الله به حالهم، حين بعث اليهم محمدا (ص)، فعقد عليهم طاعتهم كالشى ء المنتشر المحلول، فعقدها بمله محمد (ص).

و الجداول: الانهر.

و التفت المله بهم، اى كانوا متفرقين فالتفت مله
محمد بهم، اى جمعتهم، و يقال: التف الحبل بالحطب، اى جمعه، و التف الحطب بالحبل، اى اجتمع به.

و (فى) فى قوله: (فى عوائد بركتها) متعلقه بمحذوف، و موضع الجار و المجرور نصب على الحال، اى جمعتهم المله كائنه فى عوائد بركتها، و العوائد: جمع عائده، و هى المنفعه.

تقول: هذا اعود عليك، اى انفع لك.

و روى: (و التقت المله) بالقاف اى اجتمعت بهم، من اللقاء.

و الروايه الاولى اصح.

و اصبحوا فى نعمتها غرقين، مبالغه فى وصف ما هم فيه من النعمه.

و فاكهين: ناعمين.

و روى (فكهين) اى اشرين و قد قرى ء بهما فى قوله تعالى: (و نعمه كانوا فيها فاكهين)، و قال الاصمعى: فاكهين: مازحين، و المفاكهه الممازحه، و من امثالهم: (لا تفاكه امه، و لا تبل على اكمه)، فاما قوله تعالى: (فظلتم تفكهون)، فقيل: تندمون، و قيل: تعجبون.

و (عن) فى قوله: (و عن خضره عيشها)، متعلقه بمحذوف، تقديره: فاصبحوا فاكهين فكاهه صادره عن خضره عيشها، اى خضره عيش النعمه سبب لصدور الفكاهه و المزاح عنه.

و تربعت الامور بهم، اى اقامت، من قولك.

ربع بالمكان، اى اقام به.

و آوتهم الحال، بالمد اى ضمتهم و انزلتهم، قال تعالى: (آوى اليه اخاه)، اى ضمه اليه و انزله، و يجوز (اوتهم) بغير مد.

افعلت
فى هذا المعنى و فعلت واحد، عن ابى زيد.

و الكنف: الجانب، و تعطفت الامور عليهم: كنايه عن السياده و الاقبال، يقال: قد تعطف الدهر على فلان، اى اقبل حظه و سعادته، بعد ان لم يكن كذلك.

و فى ذرا ملك: بضم الذال اى فى اعياله، جمع ذروه، و يكنى عن العزيز الذى لايضام، فيقال: لا يغمز له قناه، اى هو صلب.

و القناه اذا لم تلن فى يد الغامز كانت ابعد عن الحطم و الكسر.

و لا تقرع لهم صفاه، مثل يضرب لمن لا يطمع فى جانبه لعزته و قوته.

الشرح:

نفضتم ايديكم: كلمه تقال فى اطراح الشى ء و تركه، و هى ابلغ من ان تقول: تركتم حبل الطاعه، لان من يخلى الشى ء من يده ثم ينفض يده منه يكون اشد تخليه له ممن لا ينفضها بل يقتصر على تخليته فقط، لان نفضها اشعار و ايذان بشده الاطراح و الاعراض.

و الباء فى قوله.

(باحكام الجاهليه) متعلقه ب(ثلمتم)، اى ثلمتم حصن الله باحكام الجاهليه التى حكمتم بها فى مله الاسلام.

و الباء فى قوله: (بنعمه لايعرف)، متعلقه ب(امتن).

و (فى) من قوله (فيما عقد) متعلقه بمحذوف، و موضعها نصب على الحال، و هذا اشاره الى قوله تعالى: (لو انفقت ما فى الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن الله الف بينهم).

و قوله: (فاصبحتم بنعمته اخوانا).

و روى: (تتقلبون فى ظلها).

قوله: (صرتم بعد الهجره اعرابا)، الاعراب على عهد رسول الله (ص) من آمن به من اهل الباديه، و لم يهاجر اليه، و هم ناقصو المرتبه عن المهاجرين لجفائهم و قسوتهم و توحشهم، و نشئهم فى بعد من مخالطه العلماء، و سماع كلام الرسول (ص)، و فيهم انزل: (الاعراب اشد كفرا و نفاقا و اجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله)، و ليست هذه الايه عامه فى كل الاعراب بل خاصه ببعضهم، و هم الذين كانو
ا حول المدينه، و هم جهينه، و اسلم، و اشجع، و غفار، و اليهم اشار سبحانه بقوله: (و ممن حولكم من الاعراب منافقون).

و كيف يكون كل الاعراب مذموما، و قد قال تعالى: (و من الاعراب من يومن بالله و اليوم الاخر و يتخذ ما ينفق قربات عند الله)، و صارت هذه الكلمه جاريه مجرى المثل.

و انشد الحجاج على منبر الكوفه: قد لفها الليل بعصلبى اروع خراج من الدوى مهاجر ليس باعرابى.

و قال عثمان لابى ذر: اخشى ان تصير بعد الهجره اعرابيا.

و روى: (و لايعقلون من الايمان).

و قولهم: (النار و لا العار)، منصوبتان باضمار فعل، اى ادخلوا النار و لاتلتزموا العار، و هى كلمه جاريه مجرى المثل ايضا، يقولها ارباب الحميه و الاباء، فاذا قيلت فى حق كانت صوابا، و اذا قيلت فى باطل كانت خطا.

و اكفات الاناء و كفاته: لغتان اى كببته.

قوله: (ثم لا جبرائيل و لا ميكائيل و لا مهاجرين)، الروايه المشهوره هكذا بالنصب، و هو جائز على التشبيه بالنكره، كقولهم: معضله و لا اباحسن لها.

قال الراجز: لا هيثم الليله للمطى.

و قد روى بالرفع فى الجميع.

و المقارعه منصوبه على المصدر.

و قال الراوندى: هى استثناء منقطع، و الصواب ما ذكرناه، و قد روى: (الا المقارعه) بالرفع، تقديره: و ل
ا نصير لكم بوجه من الوجوه الا المقارعه.

و الامثال التى اشار اليها اميرالمومنين (ع) هى ما تضمنه القرآن من ايام الله و نقماته على اعدائه، و قال تعالى: (و ضربنا لكم الامثال).

و التناهى: مصدر تناهى القوم عن كذا، اى نهى بعضهم بعضا، يقول: لعن الله الماضين من قبلكم، لان سفهائهم ارتكبوا المعصيه، و حلمائهم لم ينهوهم عنها، و هذا من قوله تعالى: (كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).

الشرح:

قد ثبت عن النبى (ص) انه قال له (ع): (ستقاتل بعدى الناكثين و القاسطين و المارقين)، فكان الناكثون اصحاب الجمل، لانهم نكثوا بيعته (ع)، و كان القاسطون اهل الشام بصفين، و كان المارقون الخوارج فى النهروان، و فى الفرق الثلاث قال الله تعالى: (فمن نكث فانما ينكث على نفسه)، و قال: (و اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)، و قال النبى (ص): (يخرج من ضئضى ء هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه، ينظر احدكم فى النصل فلا يجد شيئا، فينظر فى الفوق، فلا يجد شيئا، سبق الفرث و الدم).

و هذا الخبر من اعلام نبوته (ص) و من اخباره المفصله بالغيوب.

و اما شيطان الردهه، فقد قال قوم: انه ذو الثديه صاحب النهروان، و رووا فى ذلك خبرا عن النبى (ص)، و ممن ذكر ذلك و اختاره الجوهرى صاحب "الصحاح" و هولاء يقولون: ان ذا الثديه لم يقتل بسيف، و لكن الله رماه يوم النهروان بصاعقه، و اليها اشار (ع) بقوله: (فقد كفيته بصعقه سمعت لها وجبه قلبه)، و قال قوم: شيطان الردهه احد الابالسه المرده من اعوان عدو الله ابليس، و رووا فى ذلك خبرا عن النبى (ص)، و انه كان يتعوذ منه.

و الردهه: شبه نقره فى الجبل يجتمع فيها الماء، و هذا مثل قوله
(ع): (هذا ازب العقبه)، اى شيطانها، و لعل ازب العقبه هو شيطان الردهه بعينه، فتاره يرد بهذا اللفظ، و تاره يرد بذلك اللفظ.

و قال قوم: شيطان الردهه مارد يتصور فى صوره حيه، و يكون على الردهه.

و انما اخذوا هذا من لفظه (الشيطان) لان الشيطان الحيه، و منه قولهم: شيطان الحماطه، و الحماطه شجره مخصوصه، و يقال: انها كثيره الحيات.

قوله: (و يتشذر فى اطراف الارض)، يتمزق و يتبدد، و منه قولهم: ذهبوا شذر مذر.

و البقيه التى بقيت من اهل البغى: معاويه و اصحابه، لانه (ع) لم يكن اتى عليهم باجمعهم، و انما وقفت الحرب بينه و بينهم بمكيده التحكيم.

قوله (ع): (و لئن اذن الله فى الكره عليهم)، اى ان مد لى فى العمر لاديلن منهم، اى لتكونن الدوله لى عليهم، ادلت من فلان اى غلبته و قهرته، و صرت ذا دوله عليه.

(استدلال قاضى القضاه على امامه ابى بكر و رد المرتضى عليه) و اعلم ان اصحابنا قد استدلوا على صحه امامه ابى بكر بقوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتى الله بقوم يحبهم و يحبونه اذله على المومنين اعزه على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله و لايخافون لومه لائم)، ثم قال قاضى القضاه فى المعنى: و هذا خبر من الله تعالى، و لابد
ان يكون كائنا على ما اخبر به، و الذين قاتلوا المرتدين هم ابوبكر و اصحابه، فوجب ان يكونوا هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله: (يحبهم و يحبونه)، و ذلك يوجب ان يكونوا على صواب.

و اعترض المرتضى رحمه الله على هذا الاحتجاج فى "الشافى" فقال: من اين قلت: ان الايه نزلت فى ابى بكر و اصحابه؟ فان قال: لانهم الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله (ص)، و لا احد قاتلهم سواهم، قيل له و من الذى سلم لك ذلك؟ اوليس اميرالمومنين (ع) قد قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بعد الرسول (ص) و هولاء عندنا مرتدون عن الدين؟ و يشهد بصحه التايل زائدا على احتمال القول له، ما روى عن اميرالمومنين (ع) من قوله يوم البصره: و الله ما قوتل اهل الايه حتى اليوم، و تلاها، و قد روى عن عمار و حذيفه و غيرهما مثل ذلك.

فان قال: دليلى على انها فى ابى بكر و اصحابه قول اهل التفسير، قيل له: او كل اهل التفسير قال ذلك؟ فان قال: نعم، كابر لانه قد روى عن جماعه التاويل الذى ذكرناه، و لو لم يكن الا ما روى عن اميرالمومنين (ع) و وجوه اصحابه الذين ذكرناهم لكفى، و ان قال: حجتى قول بعض المفسرين، قلنا: و اى حجه فى قول البعض! و لم صار البعض الذى قال ما ذكرت اولى بالحق من البعض
الذى قال ما ذكرنا! ثم يقال له: قد وجدنا الله تعالى قد نعت المذكورين فى الايه بنعوت يجب ان تراعيها، لنعلم افى صاحبنا هى ام فى صاحبك! و قد جعله الرسول (ص) فى خيبر حين فر من فر من القوم عن العدو صاحب هذه الاوصاف، فقال: لاعطين الرايه غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله، كرارا غير فرار، فدفعها الى اميرالمومنين (ع).

ثم قوله تعالى: (اذله على المومنين اعزه على الكافرين)، يقتضى ما ذكرنا، لانه من المعلوم بلا خلاف حال اميرالمومنين (ع) فى التخاشع و التواضع، و ذم نفسه، و قمع غضبه، و انه ما رئى قط طائشا و لا متطيرا فى حال من الاحوال، و معلوم حال صاحبيكم فى هذا الباب، اما احدهما فانه اعترف طوعا بان له شيطانا يعتريه عند غضبه، و اما الاخر فكان معروفا بالجد و العجله، مشهورا بالفظاظه و الغلظه، و اما العزه على الكافرين، فانما تكون بقتالهم و جهادهم و الانتقام منهم، و هذه حال لم يسبق اميرالمومنين (ع) اليها سابق، و لا لحقه فيها لاحق.

ثم قال تعالى: (يجاهدون فى سبيل الله و لا يخافون لومه لائم)، و هذا وصف اميرالمومنين المستحق له بالاجماع، و هو منتف عن ابى بكر و صاحبه اجماعا، لانه لا قتيل لهما فى الاسلام، و لا جهاد بين يدى ا
لرسول (ص)، و اذا كانت الاوصاف المراعاه فى الايه حاصله لاميرالمومنين (ع)، و غير حاصله لمن ادعيتم، لانها فيهم على ضربين: ضرب معلوم انتفاوه كالجهاد، و ضرب مختلف فيه كالاوصاف التى هى غير الجهاد، و على من اثبتها لهم الدلاله على حصولها، و لابد ان يرجع فى ذلك الى غير ظاهر الايه، لم يبق فى يده من الايه دليل.

هذه جمله ما ذكره المرتضى رحمه الله، و لقد كان يمكنه التخلص من الاحتجاج بالايه على وجه الطف و احسن و اصح مما ذكره، فيقول: المراد بها من ارتد على عهد رسول الله (ص) فى واقعه الاسود العنسى باليمن، فان كثيرا من المسلمين ضلوا به و ارتدوا عن الاسلام، و ادعوا له النبوه، و اعتقدوا صدقه، و القوم الذين يحبهم الله و يحبونه القوم الذين كاتبهم رسول الله (ص) و اغراهم بقتله، و الفتك به، و هم فيروز الديلمى و اصحابه.

و القصه مشهوره.

و قد كان له ايضا ان يقول: لم قلت: ان الذين قاتلهم ابوبكر و اصحابه كانوا مرتدين! فان المرتد من ينكر دين الاسلام بعد ان كان قد تدين به، و الذين منعوا الزكاه لم ينكروا اصل دين الاسلام، و انما تاولوا فاخطئوا، لانهم تاولوا قول الله تعالى: (خذ من اموالهم صدقه تطهرهم و تزكيهم بها و صل عليهم ان صلاتك سكن لهم)
، فقالوا: انما ندفع زكاه اموالنا الى من صلاته سكن لنا، و لم يبق بعد وفاه النبى (ص) من هو بهذه الصفه، فسقط عنا وجوب الزكاه، ليس هذا من الرده فى شى ء، و انما سماهم الصحابه اهل الرده على سبيل المجاز، اعظاما لما قالوه و تاولوه.

فان قيل: انما الاعتماد على قتال ابى بكر و اصحابه لمسيلمه و طليحه اللذين ادعيا النبوه، و ارتد بطريقهما كثير من العرب، لا على قتال مانعى الزكاه! قيل: ان مسيلمه و طليحه جاهدهما رسول الله (ص) قبل موته بالكتب و الرسل، و انفذ لقتلهما جماعه من المسلمين، و امرهم ان يفتكوا بهما غيله ان امكنهم ذلك، و استنفر عليهما قبائل من العرب، و كل ذلك مفصل مذكور فى كتب السيره و التواريخ، فلم لايجوز ان يكون اولئك النفر الذين بعثهم رسول الله (ص) للفتك بهما، هم المعنيون بقوله: (يحبهم و يحبونه) الى آخر الايه! و لم يقل فى الايه: (يجاهدون فيقتلون) و انما ذكر الجهاد فقط و قد كان الجهاد من اولئك النفر حاصلا و ان لم يبلغوا الغرض، كما كان الجهاد حاصلا عند حصار الطائف و ان لم يبلغ فيه الغرض.

و قد كان له ايضا ان يقول: سياق الايه لايدل على ما ظنه المستدل بها، من انه من يرتدد عن الدين، فان الله ياتى بقوم يحبهم و يحبونه يحارب
ونه لاجل ردته، و انما الذى يدل عليه سياق الايه انه من يرتد منكم عن دينه بترك الجهاد مع رسول الله (ص)- و سماه ارتدادا على سبيل المجاز- فسوف ياتى الله بقوم يحبهم و يحبونه، يجاهدون فى سبيل الله معه عوضا عنكم، و كذلك كان كل من خذل النبى (ص) و قعد عن النهوض معه فى حروبه، اغناه الله تعالى عنه بطائفه اخرى من المسلمين جاهدوا بين يديه! و اما قول المرتضى رحمه الله: انها انزلت فى الناكثين و القاسطين و المارقين الذين حاربهم اميرالمومنين (ع) فبعيد، لانهم لايطلق عليهم لفظ (الرده) عندنا، و لا عند المرتضى و اصحابه، اما اللفظ فبالاتفاق، و ان سموهم كفارا.

و اما المعنى فلان فى مذهبهم ان من ارتد- و كان قد ولد على فطره الاسلام- بانت امراته منه، و قسم ماله بين ورثته، و كان على زوجته عده المتوفى عنها زوجها، و معلوم ان اكثر محاربى اميرالمومنين (ع) كانوا قد ولدوا فى الاسلام، و لم يحكم فيهم بهده الاحكام.

و قوله: (ان الصفات غير متحققه فى صاحبكم)، فلعمرى ان حظ اميرالمومنين (ع) منها هو الحظ الاوفى، و لكن الايه ما خصت الرئيس بالصفات المذكوره، و انما اطلقها على المجاهدين، و هم الذين يباشرون الحرب، فهب ان ابابكر و عمر ما كانا بهذه الصفات، ل
م لايجوز ان يكون مدحا لمن جاهد بين ايديهما من المسلمين، و باشر الحرب، و هم شجعان المهاجرين و الانصار الذين فتحوا الفتوح، و نشروا الدعوه، و ملكوا الاقاليم.

و قد استدل قاضى القضاه ايضا عن صحه امامه ابى بكر،- و اسند هذا الاستدلال الى شيخنا ابى على- بقوله تعالى: (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا اموالنا و اهلونا فاستغفر لنا يقولون بالسنتهم ما ليس فى قلوبهم).

و قال تعالى: (فان رجعك الله الى طائفه منهم فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا و لن تقاتلوا معى عدوا انكم رضيتم بالقعود اول مره فاقعدوا مع الخالفين)، و قال تعالى: (سيقول المخلفون اذا انطلقتم الى مغانم لتاخذوها ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل)، يعنى قوله تعالى: (لن تخرجوا معى ابدا و لن تقاتلوا معى عدوا).

ثم قال سبحانه: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى باس شديد تقاتلونهم او يسلمون فان تطيعوا يوتكم الله اجرا حسنا و ان تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا اليما)، فبين ان الذى يدعو هولاء المخلفين من الاعراب الى قتال قوم اولى باس شديد غير النبى (ص)، لانه تعالى قد بين انهم لايخرجون معه، و لايقاتلون معه
عدوا، بايه متقدمه، و لم يدعهم بعد النبى (ص) الى قتال الكفار الا ابوبكر و عمر و عثمان، لان اهل التاويل لم يقولوا فى هذه الايه غير وجهين من التاويل، فقال بعضهم: عنى بقوله: (ستدعون الى قوم اولى باس شديد) بنى حنيفه، و قال بعضهم: عنى فارس و الروم، و ابوبكر هو الذى دعا الى قتال بنى حنيفه و قتال آل فارس و الروم، و دعاهم بعده الى قتال فارس و الروم عمر، فاذا كان الله تعالى قد بين انهم بطاعتهم لهما يوتهم اجرا حسنا، و ان تولوا عن طاعتهما يعذبهم عذابا اليما، صح انهما على حق، و ان طاعتهما طاعه لله تعالى و هذا يوجب صحه امامتهما.

فان قيل: انما اراد الله بذلك اهل الجمل و صفين! قيل: هذا فاسد من وجهين: احدهما قوله تعالى: (تقاتلونهم او يسلمون)، و الذين حاربوا اميرالمومنين كانوا على الاسلام، و لم يقاتلوا على الكفر.

و الوجه الثانى انا لانعرف من الذين عناهم الله تعالى بهذا من بقى الى ايام اميرالمومنين (ع)، كما علمنا انهم كانوا باقين فى ايام ابى بكر.

اعترض المرتضى رحمه الله على هذا الكلام من وجهين: احدهما انه نازع فى اقتضاء الايه داعيا يدعو هولاء المخلفين غير النبى (ص)، و ذلك لان قوله تعالى: (سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنا ام
والنا و اهلونا فاستغفر لنا يقولون بالسنتهم ما ليس فى قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا ان اراد بكم ضرا او اراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم ان لن ينقلب الرسول و المومنون الى اهليهم ابدا و زين ذلك فى قلوبكم و ظننتم ظن السوء و كنتم قوما بورا) انما اراد به سبحانه الذين تخلفوا عن الحديبيه بشهاده جميع اهل النقل و اطباق المفسرين.

ثم قال تعالى: (سيقول المخلفون اذا انطلقتم الى مغانم لتاخذوها ذرونا نتبعكم يريدون ان يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لايفقهون الا قليلا)، و انما التمس هولاء المخلفون ان يخرجوا الى غنيمه خيبر، فمنعهم الله تعالى من ذلك، و امر نبيه ان يقول لهم: لن تتبعونا الى هذه الغزاه، لان الله تعالى كان حكم من قبل بان غنيمه خيبر لمن شهد الحديبيه، و انه لا حظ لمن لم يشهدها، و هذا هو معنى قوله تعالى: (يريدون ان يبدلوا كلام الله)، و قوله: (كذلكم قال الله من قبل)، ثم قال تعالى: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى باس شديد تقاتلونهم او يسلمون)، و انما اراد ان الرسول سيدعوكم فيما بعد الى قتال قوم اولى باس شديد، و قد دعاهم النبى (ص) بع
د ذلك الى غزوات كثيره، الى قوم اولى باس شديد، كموته و حنين و تبوك و غيرهما، فمن اين يجب ان يكون الداعى لهولاء غير النبى (ص)، مع ما ذكرناه من الحروب التى كانت بعد خيبر! و قوله: ان معنى قوله تعالى: (كذلكم قال الله من قبل)، انما اراد به ما بينه فى قوله: (فان رجعك الله الى طائفه منهم فاستاذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى ابدا و لن تقاتلوا معى عدوا)، بتبوك سنه تسع، و آيه الفتح نزلت فى سنه ست، فكيف يكون قبلها! و ليس يجب ان يقال فى القرآن بالاراده، و بما يحتمل من الوجوه فى كل موضع دون الرجوع الى تاريخ نزول الاى، و الاسباب التى وردت عليها، و تعلقت بها.

و مما يبين لك ان هولاء المخلفين غير اولئك لو لم نرجع فى ذلك الى نقل و تاريخ، قوله تعالى فى هولاء: (فان تطيعوا يوتكم الله اجرا حسنا و ان تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا اليما)، فلم يقطع منهم على طاعه و لا معصيه، بل ذكر الوعد و الوعيد على ما يفعلونه من طاعه او معصيه، و حكم المذكورين فى آيه سوره التوبه بخلاف هذه لانه تعالى بعد قوله: (انكم رضيتم بالقعود اول مره فاقعدوا مع الخالفين و لاتصل على احد منهم مات ابدا و لاتقم على قبره انهم كفروا بالله و رسوله و ماتوا و هم فاسقو
ن و لاتعجبك اموالهم و اولادهم انما يريد الله ان يعذبهم بها فى الدنيا و تزهق انفسهم و هم كافرون)، و اختلاف احكامهم و صفاتهم يدل على اختلافهم، و ان المذكورين فى آيه سوره الفتح غير المذكورين فى آيه سوره التوبه.

و اما قوله: لان اهل التاويل لم يقولوا فى هذه الايه غير وجهين من التاويل فذكرهما باطل، لان اهل التاويل قد ذكروا شيئا آخر لم يذكره، لان المسيب روى عن ابى روق عن الضحاك فى قوله تعالى: (ستدعون الى قوم اولى باس شديد....

) الايه، قال: هم ثقيف.

و روى هشيم عن ابى يسر، سعيد بن جبير، قال: هم هوازن يوم حين.

و روى الواقدى، عن معمر، عن قتاده، قال: هم هوازن و ثقيف، فكيف ذكر من اقوال المفسرين ما يوافقه مع اختلاف الروايه عنهم! على انا لانرجع فى كل ما يحتمله تاويل القرآن الى اقوال المفسرين، فانهم ربما تركوا مما يحتمله القول وجها صحيحا، و كم استخرج جماعه من اهل العدل فى متشابه القرآن من الوجوه الصحيحه التى ظاهر التنزيل بها اشبه، و لها اشد احتمالا، مما لم يسبق اليه المفسرون، و لا دخل فى جمله تفسيرهم و تاويلهم.

و الوجه الثانى سلم فيه ان الداعى هولاء المخلفين غير النبى (ص)، و قال: لايمتنع ان يعنى بهذا الداعى اميرالمومنين (ع)،
لانه قاتل بعده الناكثين و القاسطين و المارقين.

و بشره النبى (ص) بانه يقاتلهم، و قد كانوا اولى باس شديد بلا شبهه.

قال: فاما تعلق صاحب الكتاب بقوله: (او يسلمون)، و ان الذين حاربهم اميرالمومنين (ع) كانوا مسلمين، فاول ما فيه انهم غير مسلمين عنده و عند اصحابه، لان الكبائر تخرج من الاسلام عندهم كما تخرج عن الايمان اذ كان الايمان هو الاسلام على مذهبهم.

ثم ان مذهبنا فى محاربى اميرالمومنين (ع) معروف، لانهم عندنا كانوا كفارا بمحاربته لوجوه: الاول منها: ان من حاربه كان مستحلا لقتاله، مظهرا انه فى ارتكابه على حق، و نحن نعلم ان من اظهر استحلال شرب جرعه خمر هو كافر بالاجماع، و استحلال دماء المومنين فضلا عن افاضلهم و اكابرهم اعظم من شرب الخمر و استحلاله، فيجب ان يكونوا من هذا الوجه كفارا.

الثانى: انه (ع) قال له بلا خلاف بين اهل النقل: (حربك يا على حربى، و سلمك سلمى)، و نحن نعلم انه لم يرد الا التشبيه بينهما فى الاحكام، و من احكام محاربى النبى (ص) الكفر بلا خلاف.

الثالث: ان النبى (ص) قال له بلا خلاف ايضا: (اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه و انصر من نصره، و اخذل من خذله)، و قد ثبت عندنا ان العداوه من الله لاتكون الا للكفار
الذين يعادونه دون فساق اهل المله.

الرابع: قوله: انا لانعلم ببقاء هولاء المخلفين الى ايام اميرالمومنين (ع) فليس بشى ء، لانه اذا لم يكن ذلك معلوما و مقطوعا، عليه فهو مجوز و غير معلوم خلافه، و الجواز كاف لنا فى هذا الموضع.

و لو قيل له: من اين علمت بقاء المخلفين المذكورين فى الايه على سبيل القطع الى ايام ابى بكر؟ لكان يفزع الى ان يقول: حكم الايه يقتضى بقائهم حتى يتم كونهم مدعوين الى قتال اولى الباس الشديد على وجه يلزمهم فيه الطاعه، و هذا بعينه يمكن ان يقال له، و يعتمد فى بقائهم الى ايام اميرالمومنين (ع) على ما يوجبه حكم الايه.

فان قيل: كيف يكون اهل الجمل و صفين كفارا و لم يسر اميرالمومنين (ع) فيهم بسيره الكفار، لانه ما سباهم، و لا غنم اموالهم، و لا تبع موليهم! قلنا: احكام الكفر تختلف، و ان شملهم اسم (الكفر)، لان فى الكفار من يقتل و لايستبقى، و فيهم من يوخذ منه الجزيه و لا يحل قتله الا بسبب طارى ء غير الكفر، و منهم من لايجوز نكاحه على مذهب اكثر المسلمين، فعلى هذا يجوز ان يكون اكثر هولاء القوم كفارا، و ان لم يسر فيهم بجميع سيره اهل الكفر، لانا قد بينا اختلاف احكام الكفار، و يرجع فى ان حكمهم مخالف لاحكام الكفار الى
فعله (ع) و سيرته فيهم.

على انا لانجد فى الفساق من حكمه ان يقتل مقبلا، و لا يقتل موليا، و لايجهز على جريحه الى غير ذلك من الاحكام التى سيرها فى اهل البصره و صفين.

فاذا قيل فى جواب ذلك: احكام الفسق مختلفه، و فعل اميرالمومنين هو الحجه فى ان حكم اهل البصره و صفين ما فعله.

قلنا مثل ذلك حرفا بحرف، و يمكن مع تسليم ان الداعى لهولاء المخلفين ابوبكر، ان يقال: ليس فى الايه دلاله على مدح الداعى و لا على امامته، لانه قد يجوز ان يدعو الى الحق و الصواب من ليس عليهما، فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجبا فى نفسه، لا لدعاء الداعى اليه، و ابوبكر انما دعا الى دفع اهل الرده عن الاسلام، و هذا يجب على المسلمين بلا دعاء داع، و الطاعه فيه طاعه لله تعالى، فمن اين له ان الداعى كان على حق و صواب! و ليس فى كون ما دعا اليه طاعه ما يدل على ذلك.

و يمكن ايضا ان يكون قوله تعالى: (ستدعون)، انما اراد به دعاء الله تعالى لهم بايجاب القتال عليهم، لانه اذا دلهم على وجوب قتال المرتدين، و رفعهم عن بيضه الاسلام، فقد دعاهم الى القتال، و وجبت عليهم الطاعه، و وجب لهم الثواب ان اطاعوا، و هذا ايضا تحتمله الايه.

فهذه جمله ما ذكره المرتضى رحمه الله فى هذا المو
ضع، و اكثره جيد لا اعتراض عليه، و قد كان يمكنه ان يقول: لو سلمنا بكل هذا لكان ليس فى قوله: (لن تخرجوا معى ابدا...) الايه ما يدل على ان النبى (ص) لايكون هو الداعى لهم الى القوم اولى الباس الشديد، لانه ليس فيها الا محض الاخبار عنهم بانهم لايخرجون معه، و لايقاتلون العدو معه، و ليس فى هذا ما ينفى كونه داعيا لهم، كما انه (ع) قال: (ابولهب لايومن بى)، لم يكن هذا القول نافيا لكونه يدعوه الى الاسلام.

و قوله: (فاقعدوا مع الخالفين) ليس بامر على الحقيقه، و انما هو تهديد كقوله: (اعملوا ما شئتم) و لابد للمرتضى و لقاضى القضاه جميعا من ان يحملا صيغه (افعل) على هذا المحمل، لانه ليس لاحدهما بمسوغ ان يحمل الامر على حقيقته، لان الشارع لا يامر بالقعود و ترك الجهاد مع القدره عليه، و كونه قد تعين وجوبه.

فان قلت: لو قدرنا ان هذه الايه، و هى قوله تعالى: (قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولى باس شديد)، انزلت بعد غزوه تبوك، و بعد نزول سوره (برائه)، التى تتضمن قوله تعالى: (لن تخرجوا معى ابدا)، و قدرنا ان قوله تعالى: (لن تخرجوا معى ابدا) ليس اخبارا محضا كما تاولته انت و حملت الايه عليه، بل معناه لااخرجكم معى و لااشهدكم حرب العدو، ه
ل كان يتم الاستدلال؟ قلت: لا، لان للاماميه ان تقول: يجوز ان يكون الداعى الى حرب القوم اولى الباس الشديد مع تسليم هذه المقدمات كلها هو رسول الله (ص)، لانه دعاهم الى حرب الروم فى سريه اسامه بن زيد فى صفر من سنه احدى عشره، لما سيره الى البلقاء، و قال له: سر الى الروم مقتل ابيك فاوطئهم الخيول و حشد معه اكثر المسلمين، فهذا الجيش قد دعى فيه المخلفون من الاعراب الذين قعدوا عن الجهاد فى غزاه تبوك الى قوم اولى باس شديد، و لم يخرجوا مع رسول الله (ص)، و لاحاربوا معه عدوا.

فان قلت: اذا خرجوا مع اسامه، فكانما خرجوا مع رسول الله، و اذا حاربوا مع اسامه العدو، فكانما حاربوا مع رسول الله (ص)، و قد كان سبق انهم لايخرجون مع رسول الله (ص) و لايحاربون معه عدوا.

قلت: و اذا خرجوا مع خالد بن الوليد و غيره فى ايام ابى بكر، و مع ابى عبيده و سعد فى ايام عمر، فكانما خرجوا مع رسول الله (ص)، و حاربوا العدو معه ايضا.

فان اعتذرت بانه و ان شابه الخروج معه و الحرب معه الا انه على الحقيقه ليس معه، و انما هو مع امرى ء من قبل خلفائه.

قيل لك: و كذلك خروجهم مع اسامه و محاربه العدو معه، و ان شابه الخروج مع النبى و محاربه العدو معه، الا انه على الح
قيقه ليس معه، و انما هو مع بعض امرائه.

و يمكن ان يعترض الاستدلال بالايه، فيقال: لايجوز حملها على بنى حنيفه، لانهم كانوا مسلمين، و انما منعوا الزكاه مع قولهم: (لا اله الا الله محمد رسول الله) (ص)، و منع الزكاه لايخرج به الانسان عن الاسلام عند المرجئه، و الاماميه مرجئه، و لايجوز حملها على فارس و الروم، لانه تعالى اخبر انه لا واسطه بين قتالهم و اسلامهم، كما تقول: اما كذا و اما كذا، فيقتضى ذلك نفى الواسطه، و قتال فارس و الروم بينه و بين اسلامهم واسطه، و هو دفع الجزيه، و انما تنتفى هذه الواسطه فى قتال العرب، لان مشركى العرب لاتوخذ منهم الجزيه، فالايه اذن داله على ان المخلفين سيدعون الى قوم اولى باس شديد الحكم فيهم، اما قتالهم و اما اسلامهم، و هولائهم مشركو العرب، و لم يحارب مشركى العرب الا رسول الله (ص)، فالداعى لهم اذا هو رسول الله، و بطل الاستدلال بالايه.

/ 614