شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
زاهد، قال: و ما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟ رئى عبدالله بن المبارك واقفا بين مقبره و مزبله، فقيل له: ما اوقفك؟ قال: انا بين كنزين من كنوز الدنيا فيهما عبره: هذا كنز الاموال، و هذا كنز الرجال.قيل لبعضهم: اتعبت نفسك، فقال: راحتها اطلب.دخل الاسكندر مدينه فتحها، فسال عمن بقى من اولاد الملوك بها، فقيل: رجل يسكن المقابر فدعا به، فقال: ما دعاك الى لزوم هذه المقابر؟ فقال: احببت ان اميز بين عظام الملوك، و عظام عبيدهم، فوجدتها سواء.فقال: هل لك ان تتبعنى فاحيى شرفك و شرف آبائك، ان كانت لك همه! قال: همتى عظيمه، قال: و ما همتك؟ قال: حياه لا موت معها، و شباب لا هرم معه، و غنى لا فقر معه، و سرور لا مكروه معه، فقال: ليس هذا عندى، قال: فدعنى التمسه ممن هو عنده.مات ابن لعمر بن ذر، فقال: لقد شغلنى الحزن لك يا بنى عن الحزن عليك.كان يقال: من هوان الدنيا على الله الا يعصى الا فيها، و لاينال ما عنده الا بتركها.و من كلام عبدالله بن شداد: ارى دواعى الموت لاتقلع، و ارى من مضى لايرجع، فلا تزهدن فى معروف، فان الدهر ذو صروف، كم من راغب قد كان مرغوبا اليه، و الزمان ذو الوان، من يصحب الزمان ير الهوان، و ان غلبت يوما على المال
فلا تغلبن على الحيله على كل حال، و كن احسن ما تكون فى الظاهر حالا، اقل ما تكون فى الباطن مالا.كان يقال: ان مما يعجل الله تعالى عقوبته: الامانه تخان، و الاحسان يكفر، و الرحم تقطع، و البغى على الناس.الربيع بن خيثم: لو كانت الذنوب تفوح روائحها لم يجلس احد الى احد.قيل لبعضهم: كيف اصبحت؟ قال: آسفا على امسى، كارها ليومى، متهما لغدى.و قيل لاخر: لم تركت الدنيا؟ قال: انفت من قليلها و انف منى كثيرها.و هذا كما قال بعضهم و قد قيل له: لم لاتقول الشعر قال يابانى جيده و آبى رديئه.بعض الصالحين: لو انزل الله تعالى كتابا: (انى معذب رجلا واحدا) خفت ان اكونه، او انه راحم رجلا واحدا لرجوت ان اكونه.مطرف بن الشخير: خير الامور اوساطها و شر السير الحقحقه.و هذا الكلام قد روى مرفوعا.يحيى بن معاذ: ان لله عليك نعمتين: فى السراء التذكر، و فى الضراء التصبر، فكن فى السراء عبدا شكورا و فى الضراء حرا صبورا.دخل ابن السماك على الرشيد، فقال له: عظنى ثم دعا بماء ليشربه، فقال له: ناشدتك الله لو منعك الله من شربه ما كنت فاعلا؟ قال: كنت افتديه بنصف ملكى.قال: فاشربه فلما شرب قال: ناشدتك الله لو منعك الله من خروجه ما كنت فاعلا؟ قال: كنت افت
ديه بنصف ملكى قال: ان ملكا يفتدى به شربه ماء، لخليق الا ينافس عليه.قال المنصور لعمرو بن عبيد رحمه الله تعالى: عظنى، قال: بما رايت ام بما سمعت؟ قال: بما رايت.قال: رايت عمر بن عبدالعزيز، و قد مات، فخلف احدعشر ابنا، و بلغت تركته سبعه عشر دينارا، كفن منها بخمسه دنانير، و اشترى موضع قبره بدينارين و اصاب كل واحد من ولده دون الدينار.ثم رايت هشام بن عبدالملك، و قد مات و خلف عشره ذكور، فاصاب كل واحد من ولده الف الف دينار.و رايت رجلا من ولد عمر بن عبدالعزيز، قد حمل فى يوم واحد على مائه فرس فى سبيل الله، و رايت رجلا من ولد هشام، يسال الناس ليتصدقوا عليه.حسان بن ابى سنان: ما شى ء اهون من ورع، اذا رابك شى ء فدعه.مورق العجلى: لقد سالت الله حاجه اربعين سنه ما قضاها و لا يئست منها قيل: و ما هى؟ قال: ترك ما لايعنينى.قتاده: ان الله ليعطى العبد على نيه الاخره ما يساله من الدنيا و لايعطيه على نيه الدنيا، الا الدنيا.من كلام محمد بن واسع: ليس فى النار عذاب اشد على اهلها من علمهم بانه ليس لكربهم تنفيس، و لالضيقتهم ترفيه، و لالعذابهم غايه، و ليس فى الجنه نعيم ابلغ من علم اهلها بان ذلك الملك لايزول عنهم.قال بعض الملوك لبعض
الزهاد: اذمم لى الدنيا، قال: ايها الملك، هى الاخذه لما تعطى المورثه بعد ذلك الندم السالبه ما تكسو المورثه بعد ذلك الفضوح، تسد بالاراذل مكان الافاضل، و بالعجزه مكان الحزمه، تجد فى كل من كل خلفا، و ترضى بكل من كل بدلا تسكن دار كل قرن قرنا، و تطعم سور كل قوم قوما.و من كلام الحجاج- و كان مع غشمه و الحاده واعظا بليغا مفوها- خطب فقال: اللهم ارنى الغى غيا فاتجنبه، و ارنى الهدى هدى فاتبعه، و لاتكلنى الى نفسى فاضل ضلالا بعيدا، و الله ما احب ان ما مضى من الدنيا بعمامتى هذه، و لما بقى منها اشبه بما مضى من الماء بالماء.و قال مالك بن دينار: غدوت الى الجمعه، فجلست قريبا من المنبر، فصعد الحجاج، فسمعته يقول: امرو زور عمله، امرو حاسب نفسه، امرو فكر فيما يقروه فى صحيفته، و يراه فى ميزانه، امرو كان عند قلبه زاجر، و عند همه آمر، امرو اخذ بعنان قلبه، كما ياخذ الرجل بخطام جمله، فان قاده الى طاعه الله تبعه، و ان قاده الى معصيه الله كفه، اننا و الله ما خلقنا للفناء و انما خلقنا للبقاء، و انما ننتقل من دار الى دار.و خطب يوما فقال: ان الله امرنا بطلب الاخره، و كفانا مئونه الدنيا فليته كفانا مئونه الاخره و امرنا بطلب الدنيا.فقال ا
لحسن: ضاله المومن خرجت من قلب المنافق.و من الكلام المنسوب اليه- و اكثر الناس يروونه عن اميرالمومنين (ع): ايها الناس، اقدعوا هذه الانفس فانها اسال شى ء اذا اعطيت، و ابخل لشى ء اذا سئلت، فرحم الله امرا جعل لنفسه خطاما و زماما فقادها بخطامها الى طاعه الله، و عطفها بزمامها عن معصيه الله فانى رايت الصبر عن محارم الله ايسر من الصبر على عذاب الله.و من كلامه: ان امرا اتت عليه ساعه من عمره لم يذكر فيها ربه، و يستغفر من ذنبه، و يفكر فى معاده، لجدير ان يطول حزنه و يتضاعف اسفه ان الله كتب على الدنيا الفناء، و على الاخره البقاء، فلا بقاء لما كتب عليه الفناء و لا فناء لما كتب عليه البقاء فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الاخره، و اقهروا طول الامل بقصر الاجل.و نقلت من (امالى) ابى احمد العسكرى رحمه الله تعالى، قال: خطب الحجاج يوما، فقال: ايها الناس قد اصبحتم فى اجل منقوص، و عمل محفوظ.رب دائب مضيع و ساع لغيره.و الموت فى اعقابكم، و النار بين ايديكم و الجنه امامكم خذوا من انفسكم لانفسكم، و من غناكم لفقركم، و مما فى ايديكم لما بين ايديكم، فكان ما قد مضى من الدنيا لم يكن و كان الاموات لم يكونوا احياء و كل ما ترونه فانه ذاهب.هذه شمس عاد و ثمود و قرون كثيره بين ذلك، هذه الشمس التى طلعت على التبابعه و الاكاسره و خزائنهم السائره بين ايديهم و قصورهم المشيده، ثم طلعت على قبورهم.اين الملوك الاولون! اين الجبابره المتكبرون! المحاسب الله، و الصراط منصوب، و جهنم تزفر و تتوقد، و اهل الجنه ينعمون، هم فى روضه يحبرون، جعلنا الله و اياكم من الذين، "اذا ذكروا بايات ربهم لم يخروا عليها صما و عميانا".قال: فكان الحسن رحمه الله تعالى يقول: الا تعجبون من هذا الفاجر! يرقى عتبات المنبر فيتكلم بكلام الانبياء، و ينزل فيفتك فتك الجبارين، يوافق الله فى قوله، و يخالفه فى فعله.استطراد بلاغى فى الكلام على المقابله و اما ما ذكره الرضى رحمه الله تعالى من المقابله بين السبقه و الغايه، فنكته جيده من علم البيان، و نحن نذكر فيها ابحاثا نافعه، فنقول: اما ان يقابل الشى ء ضده او ما ليس بضده.فالاول كالسواد و البياض، و هو قسمان: احدهما: مقابله فى اللفظ و المعنى.و الثانى: مقابله فى المعنى لا فى اللفظ.اما الاول، فكقوله تعالى: "فليضحكوا قليلا و ليبكوا كثيرا"، فالضحك ضد البكاء و القليل ضد الكثير.و كذلك قوله تعالى: "لكيلا تاسوا على ما فاتكم و لاتفرحوا بما آتاكم".و من كلام النبى (ص): (خير المال عين ساهره لعين نائمه).و من كلام اميرالمومنين (ع) لعثمان: ان الحق ثقيل مرى ء و ان الباطل خفيف وبى ء و انت رجل ان صدقت سخطت و ان كذبت رضيت.و كذلك قوله (ع) لما قالت الخوارج: لا حكم الا لله: (كلمه حق اريد بها باطل).و قال الحجاج لسعيد بن جبير لما اراد قتله: ما اسمك، فقال سعيد بن جبير فقال: بل شقى بن كسير.و قال ابن الاثير فى كتابه المسمى ب"المثل السائر" ان هذا النوع من المقابله غير مختص بلغه العرب فانه لما مات قباذ احد ملوك الفرس قال وزيره: حركنا بسكونه.و فى اول كتاب الفصول لبقراط فى الطب: العمر قصير و الصناعه طويله، و هذا الكتاب! على لغه اليونان.قلت: اى حاجه به الى هذا التكلف و هل هذه الدعوى من الامور التى يجوز ان يعترى الشك و الشبهه فيها، لياتى بحكايه مواضع من غير كلام العرب يحتج بها! اليس كل قبيله و كل امه لها لغه تختص بها! اليس الالفاظ دلالات على ما فى الانفس من المعانى! فاذا خطر فى النفس كلام يتضمن امرين ضدين فلابد لصاحب ذلك الخاطر- سواء اكان عربيا ام فارسيا ام زنجيا ام حبشيا- ان ينطق بلفظ يدل على تلك المعانى المتضاده، و هذا امر يعم العقلاء كلهم على ان تلك اللفظه التى قال
ها ما قيلت فى موت قباذ و انما قيلت فى موت الاسكندر لما تكلمت الحكماء و هم حول تابوته بما تكلموا به من الحكم.و مما جاء من هذا القسم من المقابله فى الكتاب العزيز قوله تعالى فى صفه الواقعه: "خافضه رافعه" لانها تخفض العاصين، و ترفع المطيعين.و قوله تعالى: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه و ظاهره من قبله العذاب".و قوله: "اذله على المومنين اعزه على الكافرين".و من هذا الباب قول النبى (ص) للانصار: (انكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع).و مما جاء من ذلك فى الشعر قول الفرزدق يهجو قبيله جرير: يستيقظون الى نهيق حميرهم و تنام اعينهم عن الاوتار و قال آخر: فلا الجود يفنى المال و الجد مقبل و لا البخل يبقى المال و الجد مدبر و قال ابوتمام: ما ان ترى الاحساب بيضا وضحا الا بحيث ترى المنايا سودا (و كذلك قال من هذه القصيده ايضا): شرف على اولى الزمان و انما خلق المناسب ما يكون جديدا و اما القسم الثانى من القسم الاول، و هو مقابله الشى ء بضده بالمعنى لا باللفظ فكقول المقنع الكندى: لهم جل مالى ان تتابع لى غنى و ان قل مالى لا اكلفهم رفدا فقوله: (ان تتابع لى غنى) فى قوه قوله: (ان كثر مالى) و الكثره ض
د القله فهو اذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه.و من هذا الباب قول البحترى: تقيض لى من حيث لا اعلم النوى و يسرى الى الشوق من حيث اعلم فقوله: (لا اعلم) ليس ضدا لقوله: (اعلم)، لكنه نقيض له: و فى قوه قوله: (اجهل) و الجهل ضد العلم.و من لطيف ما وقعت المقابله به من هذا النوع قول ابى تمام: مها الوحش الا ان هاتا اوانس قنا الخط الا ان تلك ذوابل فقابل بين (هاتا) و بين (تلك) و هى مقابله معنويه لا لفظيه، لان (هاتا) للحاضره و (تلك) للغائبه، و الحضور ضد الغيبه.و اما مقابله الشى ء لما ليس بضده، فاما ان يكون مثلا او مخالفا.و الاول على ضربين: مقابله المفرد بالمفرد، و مقابله الجمله بالجمله.مثال مقابله المفرد بالمفرد قوله تعالى: "نسوا الله فانساهم انفسهم" و قوله: "و مكروا مكرا و مكرنا مكرا"، هكذا قال نصر الله بن الاثير.قال: و هذا مراعى فى القرآن الكريم اذا كان جوابا كما تقدم من الايتين، و كقوله."و جزاء سيئه سيئه مثلها" و قوله: "من كفر فعليه كفره".قال: و قد كان يجوز ان يقول: (من كفر فعليه ذنبه) لكن الاحسن هو اعاده اللفظ فاما اذا كان غير جواب لم تلزم فيه هذه المراعاه اللفظيه، بل قد تقابل اللفظه بلفظه تفيد معناها و
ان لم تكن هى بعينها، نحو قوله تعالى: "و وفيت كل نفس ما عملت و هو اعلم بما يفعلون" فقال: يفعلون و لم يقل يعملون.و كذلك قوله تعالى: "ففزع منهم قالوا لاتخف" و لم يقل: (قالوا لاتفزع).و كذلك قوله تعالى: "انما كنا نخوض و نلعب قل ابالله و آياته و رسوله كنتم تستهزئون" و لم يقل: (كنتم تخوضون و تلعبون).قال: و نحو ذلك من الابيات الشعريه قول ابى تمام: بسط الرجاء لنا برغم نوائب كثرت بهن مصارع الامال فقال: (الامال) عوض (الرجاء) قال ابوالطيب: انى لاعلم و اللبيب خبير ان الحياه و ان حرصت غرور فقال: (خبير) و لم يقل: (عليم).قال: و انما حسن ذلك لانه ليس بجواب، و انما هو كلام مبتدا.قلت: الصحيح ان هذه الايات و هى قوله تعالى: "نسوا الله فانساهم انفسهم" و ما شابهها ليست من باب المقابله التى نحن فى ذكرها، و انها نوع آخر و لو سميت: المماثله او المكافاه لكان اولى و الدليل على ذلك ان هذا الرجل حد المقابله فى اول الباب الذى ذكر هذا البحث فيه فقال: انها ضد التجنيس لان التجنيس ان يكون اللفظ واحدا مختلف المعنى، و هذه لابد ان تتضمن معنيين ضدين، و ان كان التضاد ماخوذا فى حدها فقد خرجت هذه الايات من باب المقابله، و كانت نوعا آخر.و ايضا، فان قوله تعالى: "و مكروا مكرا و مكرنا مكرا" ليس من سلك الايات الاخرى، لانه بالواو و الايات الاخرى بالفاء و الفاء جواب و الواو ليست بجواب.و ايضا فانا اذا تاملنا القرآن العزيز لم نجد ما ذكره هذا الرجل مطردا، قال تعالى: "اما من استغنى فانت له تصدى و ما عليك الا يزكى و اما من جاءك يسعى و هو يخشى فانت عنه تلهى" فلم يقل فى الثانيه: (و اما من جاءك يسعى و هو فقير).و قال تعالى: "فاما من اعطى و اتقى و صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى و اما من" "بخل و استغنى و كذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" فقابل بين (اعطى) و (بخل) و لم يقابل بين (اتقى) و (استغنى) و مثل هذا فى القرآن العزيز كثير.و اكثر من الكثير.و قد بان الان ان التقسيم الاول فاسد، و انه لامقابله الا بين الاضداد و ما يجرى مجراها.و اما مقابله الجمله بالجمله فى تقابل المتماثلين، فانه اذا كانت احداهما فى معنى الاخرى وقعت المقابله و الاغلب ان تقابل الجمله الماضيه بالماضيه و المستقبله بالمستقبله.و قد تقابل الجمله الماضيه بالمستقبله فمن ذلك قوله تعالى: "قل ان ضللت فانما اضل على نفسى و ان اهتديت فبما يوحى الى ربى"، فان هذا تقابل من جهه المعنى لانه لو كان من جهه اللفظ لقا
ل: و ان اهتديت فانما اهتدى لها.و وجه التقابل المعنوى، هو ان كل ما على النفس فهو بها، اعنى كل ما هو عليها وبال و ضرر فهو منها و بسببها، لانها الاماره بالسوء، و كل ما لها مما ينفعها فهو بهدايه ربها و توفيقه لها.و من ذلك قوله تعالى: "الم يروا انا جعلنا الليل ليسكنوا فيه و النهار مبصرا" فانه لم يراع التقابل اللفظى، و لو راعاه لقال: و النهار ليبصروا فيه و انما المراعاه لجانب المعنى لان معنى (مبصرا) ليبصروا فيه طرق التقلب فى الحاجات.و اما مقابله المخالف، فهو على وجهين: احدهما: ان يكون بين المقابل و المقابل نوع مناسبه و تقابل، كقول القائل: يجزون من ظلم اهل الظلم مغفره و من اساءه اهل السوء احسانا فقابل الظلم بالمغفره، و هى مخالفه له، ليست مثله و لا ضده، و انما الظلم ضد العدل، الا انه لما كانت المغفره قريبه من العدل حسنت المقابله بينها و بين الظلم، و نحو هذا قوله تعالى: "اشداء على الكفار رحماء بينهم" فان الرحمه ليست ضدا للشده و انما ضد الشده اللين، الا انه لما كانت الرحمه سببا للين حسنت المقابله بينها و بين الشده.و كذلك قوله تعالى: "ان تصبك حسنه تسوهم و ان تصبك مصيبه يقولوا" فان المصيبه اخص من السيئه، فالتقاب
ل هاهنا من جهه العموم و الخصوص.الوجه الثانى: ما كان بين المقابل و المقابل بعد و ذلك مما لايحسن استعماله كقول امراه من العرب لابنها، و قد تزوج بامراه غير محموده: تربص بها الايام عل صروفها سترمى بها فى جاحم متسعر فكم من كريم قد مناه الهه بمذمومه الاخلاق واسعه الحر ف(مذمومه) ليست فى مقابله (واسعه) و لو كانت قالت: (بضيقه الاخلاق) كانت المقابله صحيحه، و الشعر مستقيما.و كذلك قول المتنبى: لمن تطلب الدنيا اذا لم ترد بها سرور محب او مساءه مجرم فالمقابله الصحيحه بين المحب و المبغض، لا بين المحب و المجرم.قلت: ان لقائل ان يقول: هلا قلت فى هذا ما قلت فى السيئه و المصيبه! الست القائل: ان التقابل حسن بين المصيبه و السيئه، لكنه تقابل العموم و الخصوص و هذا الموضع مثله ايضا لان كل مبغض لك مجرم اليك، لان مجرد البغضه جرم، ففيهما عموم و خصوص.بل لقائل ان يقول: كل مجرم مبغض، و كل مبغض مجرم، و هذا صحيح مطرد.