عجيب الشأن فقال «الَّذِي جَعَلَ لَكُمْمِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذاأَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» أي جعل لكممن الشجر الرطب المطفئ للنار نارا محرقةيعني بذلك المرخ و العفار و هما شجرتانيتخذ الأعراب زنودها منهما فبين سبحانه أنمن قدر على أن يجعل في الشجر الذي هو فيغاية الرطوبة نارا حامية مع مضادة النارللرطوبة حتى إذا احتاج الإنسان حك بعضهببعض فتخرج منه النار و ينقدح قدر أيضا علىالإعادة و تقول العرب" في كل شجر نار، واستمجد المرخ و العفار" و قال الكلبي كلشجر تنقدح منه النار إلا العناب ثم ذكرسبحانه من خلقه ما هو أعظم من الإنسان فقال«أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَالسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍعَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» هذااستفهام معناه التقرير يعني من قدر علىخلق السماوات و الأرض و اختراعهما مععظمهما و كثرة أجزائهما يقدر على إعادةخلق البشر ثم أجاب سبحانه هذا الاستفهامبقوله «بَلى» أي هو قادر على ذلك «وَهُوَ الْخَلَّاقُ» أي يخلق خلقا بعد خلق«الْعَلِيمُ» بجميع ما خلق ثم ذكر قدرتهعلى إيجاد الأشياء فقال «إِنَّماأَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْيَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» و التقديرأن يكونه فيكون فعبر عن هذا المعنى بكنلأنه أبلغ فيما يراد و ليس هنا قول و إنماهو إخبار بحدوث ما يريده تعالى و قيل إنالمعنى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول منأجله كن فيكون فعبر عن هذا المعنى بكن وقيل إن هذا إنما هو في التحويلات نحو قولهكُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ و كُونُواحِجارَةً أَوْ حَدِيداً و ما أشبه ذلك ولفظ الأمر في الكلام على عشرة أوجه (أحدها)الأمر لمن هو دونك (و الثاني) الندب كقولهفَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْخَيْراً (و ثالثها) الإباحة نحو قولهفَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُفَانْتَشِرُوا و إِذا حَلَلْتُمْفَاصْطادُوا (و الرابع) الدعاء رَبَّناآتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً (الخامس)الترفيه كقوله ارفق بنفسك (السادس)الشفاعة نحو قولك شفعني فيه (السابع)التحويل نحو كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَو كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً(الثامن) التهديد نحو قوله اعْمَلُوا ماشِئْتُمْ (التاسع) الاختراع و الأحداث نحوقوله «كُنْ فَيَكُونُ» (العاشر) التعجبنحو أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ قال علي بنعيسى في قوله «كُنْ فَيَكُونُ» الأمرهاهنا أفخم من الفعل فجاء للتفخيم والتعظيم قال و يجوز أن يكون بمنزلةالتسهيل و التهوين فإنه إذا أراد فعل شيءفعله بمنزلة ما يقول للشيء كن فيكون فيالحال و أنشد:
فقالت له العينان سمعا و طاعة
و حدرتاكالدر لما يثقب
و حدرتاكالدر لما يثقب
و حدرتاكالدر لما يثقب