مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
دلالة على أن أهل الحق في كل زمان كانواأقل من أهل الباطل «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنافِيهِمْ مُنْذِرِينَ» من الأنبياء والمرسلين يخوفونهم من عذاب الله تعالى ويحذرونهم معاصيه «فَانْظُرْ كَيْفَ كانَعاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» أي من المكذبينالمعاندين للحق و المعنى فانظر يا محمدكيف أهلكتهم و ما ذا حل بهم من العذاب وكذلك يكون عاقبة المكذبين ثم استثنى منالمنذرين فقال «إِلَّا عِبادَ اللَّهِالْمُخْلَصِينَ» الذين قبلوا من الأنبياءو أخلصوا عبادتهم لله تعالى فإن اللهخلصهم من ذلك العذاب و وعدهم بجزيل الثواب«وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ» أي دعانا نوحبعد ما يئس من إيمان قومه لننصره عليهم وذلك قوله أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ«فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ» نحن لنوح فيدعائه أجبناه إلى ما سأل و خلصناه من أذىقومه بإهلاكهم و قيل هو على العموم أيفلنعم المجيبون نحن لمن دعانا «وَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِالْعَظِيمِ» أي من المكروه الذي كان ينزلبه من قومه و الكرب كل غم يصل حره إلى الصدرو أصل النجاة من النجوة للمكان المرتفعفهي الرفع من الهلاك و أهله هم الذين نجوامعه في السفينة «وَ جَعَلْناذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» بعد الغرقفالناس كلهم بعد نوح من ولد نوح عن ابنعباس و قتادة فالعرب و العجم من أولاد سامبن نوح و الترك و الصقالبة و الخزر و يأجوجو مأجوج من أولاد يافث بن نوح و السودان منأولاد حام بن نوح قال الكلبي لما خرج نوحمن السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده و نساؤهم «وَ تَرَكْناعَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» أي تركنا عليهذكرا جميلا و أثنينا عليه في أمة محمد (ص)فحذف عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و معنىتركنا أبقينا قال الزجاج معناه تركنا علىالذكر الجميل إلى يوم القيامة و ذلك الذكرقوله «سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِيالْعالَمِينَ» أي تركنا عليه أن يصلي عليهإلى يوم القيامة فكأنه قال و تركنا عليهالتسليم في الآخرين ثم فسر التسليم بقوله«سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ» وقال الفراء تركنا عليه قولا و هو أن يقالفي آخر الأمم سلام على نوح في العالمين قالالكلبي معناه سلامة منا على نوح و هذا هوالسلام و المراد بقوله اهْبِطْ بِسَلامٍمِنَّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ «إِنَّاكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» أيجزيناه ذلك الثناء الحسن في العالمينبإحسانه عن مقاتل و قيل إن معناه مثل مافعلنا بنوح نجزي كل من أحسن بأفعالالطاعات و تجنب المعاصي و نكافيهمبإحسانهم «إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَاالْمُؤْمِنِينَ» يعني نوحا و هذه الآيةتتضمن مدح المؤمنين حيث خرج من بينهم مثلنوح «ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» أيمن لم يؤمن به و المعنى ثم أخبركم إنيأغرقت الآخرين.النظم
الوجه في اتصال قصة نوح و الأنبياء بماقبلها تسلية النبي (ص) في كفر قومه بأنحالهم معه شبيهة بحال من تقدم من الأمم معأنبيائهم و تحذير القوم عن سلوك مثلطريقتهم لئلا يعاقبوا بمثل عقوبتهم.