وبعد يقول الواثق بالفرد الصمد رجب الحافظ البرسي أعاذه اللَّه من الحسد، وآمنه يوم يفرّ الوالد من الولد.
اعلم أن بعض الحاسدين، الذين ليس لهم حظ في الدين، من باب كاد الحسد أن يغلب القدر، لما بسطت لهم تجويد الكتاب المجيد، فكان مطوياً عنهم أخذوا بطرفيه وأزاحوني، ولما نشرت لهم مطوي منثور الأخبار، وأبرزت إليهم بواطن الأسرار، من خدور الأفكار، حسدوني، وكذّبوني، ولاموني، وملّوني، وساموني، وسأموني؛ وكلّما وضعت لهم سرير التواضع، ومددت لمودتهم يمين الخاضع، جزموا بعامل الهجر بودّي وخفضوني، وأنكروني بعد أن عرفوني، ونكروني بعد أن عرفوني، ولا ذنب لي غير أني رويت زبد الأخبار، ووريت زند الأخيار، فذاع ندها، ونظم خيطها، وذاع شذاها، فضمخ طيباً قبل منها العليل. وبل الغليل، ولما كان أكثرها من الأمر الخفي، والسرّ المخفي، الذي يضطرب لإيراده القلب السقيم اضطراب السليم، ويطرب لسماعه الفؤاد السليم، إذ لا حظّ للمزكوم والمشموم، عند ملاحظة طيب المشروب والمشموم، فهو كما قيل:
ومن يك ذا فم مرّ مريض
يجد مرّاً به الماء الزلالا
يجد مرّاً به الماء الزلالا
يجد مرّاً به الماء الزلالا
فحمل بعض ما أوردت، جهلاً بما أردت، قوم من القردة، إلى آخرين من الحسدة، وأداها من لا يعلم إلى من لا يفهم، والمرء عدوّ ما جهله، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فكانوا كما قيل:
يعرفها من كان من جنسها
أو كما قيل:
طراً لكنت صديق كل العالم
يهوى بغير هواك ليس بعالم
يهوى بغير هواك ليس بعالم
وسائر الناس لها منكر
لو كنت تعلم كل ما علم الورى
لكن جهلت فصرت تحسب كل من
يهوى بغير هواك ليس بعالم
حتى أوصلوها بلسان البغضاء، إلى الإخوان من الفقهاء، وهم أهل المذهب المذهب، والمنهاج الذي ليس لهم منهاج، لكن لا يدرك غامض المعقول بالمنقول، فكيف بما وراء العقول، ولا يلزم من معرفة علم واحد الإحاطة بسائر العلوم، وما منّا إلّا له مقام معلوم، وكل ميسر لما خلق له، ومبتهج بما فضله اللَّه وفض له، ونعم اللَّه السوابغ والسوائغ "التوابع" الشرائع الدوائم الدوائب، الفوائض الفواضل، السائرة إلى عباده، الواصلة إلى بلاده، لا تنقطع ركائبها، ولا تنقشع سحائبها، وباب الفيض مفتوح، وكل من الجواد الكريم ممنوح، وليس وصول المواهب الربّانية، والعثور على الأسرار الإلهية، بأب وأم، بل اللَّه يختص برحمته من يشاء، وإن تقطعت من الحاسد الأحشاء، ولما أوردوها لهم بلسان يحرّفون الكلم عن مواضعه، لم يلمحوا بالنظر الباطن زواهر جواهرها من أصداف أصدقائها
كذا بالأصل.