؛ أي من صورة واحدة، ومادة واحدة، وذلك تنبيهاً للغافلين، وإيجازاً للعارفين، وكثرة آدم راجعة في بستان الوحدة إلى النقطة، وكذلك الأعداد فإنّ مرجعها إلى الواحد، ومنبعها منه.
انّ سرّ العدد في مبدأ المعارف
واعلم أنّ سرّ العدد في النفوس مطابق لصور الموجودات، وهو عنصر الحكمة، ومبدأ المعارف والإكسير الأوّل، والكيمياء الأكبر والعهد المأخوذ، وأوّل الابتداع، ابتدعه الربّ وجعله أصلاً لخلقه، وقبلة لعباده ووجهه، وأطلعه من سرّه المكنون، وعلمه المخزون، على ما كان وما يكون، وهو واحد العدد، خلقه من نور جلاله، وهو الإبداع المحض، والأحد الذي ليس قبله شي ء من العدد، وهو أول موجود، والواحد المبدع والأحد، بإثبات الألف هو المبدع لأن الألف يتقدّم الحروف ففي الأحد هي الأحدية، وفي الواحد هي الوحدانية، والأحد لا حدّ له ولا يوصف بإشارة أبنية فهو الأحد المطلق والواحد الحق؛ هو الذي تنبعث منه الآحاد وهو ينبوع الأزواج والأفراد، فعلم العدد أوّل فيض العقل على النفس، ولذلك صار مركوزاً في قوّة النفس، أول فيض العقل على النفس والعدد لسان ينطق بالتوحيد لأنّ لفظ الواحد متقدّم على الاثنين فالسبق للواحد، وفي تقدّم أحد الاثنين على الآخر تأخّر الثاني، فصح بذلك التوحيد، ولهذا قيل: من عرف طبيعة العدد عرف إتقان الحكمة، وأمّا إبطال الاثنين والثلاثة فإنّ الواحد الحق لا يتجزّأ إذ لو تجزأ لانقسم، والمنقسم ليس بإله، وأما الواحد الذي فاض عن الأحد المشار إليه بالعظمة الذي هو مبدأ كل موجود فهو العقل الأوّل، فعلم العدد الدال على معرفة الواحد الأحد هو أصل العلوم ومبدأ المعارف، وتقدّمه على سائر العلوم، كتقدّم العقل على سائر الموجودات، وكما أن جميع الأشياء موجودة في العقل بالقوّة فكذلك كل العلوم موجودة في العدد، وصورتها مطابقة لصور الموجودات، فله صورة البسائط بالقوة، وصورة المركبات بالفعل، فلذلك كان علم العدد من الإشارات العقلية لأنه يقود النفس إلى علم التوحيد والإقرار بالمبدع الأوّل فهو العقل الذي نزعت منه المقولات، وهو شجرة اليقين، ومبدأ الشرع والدين، عليه ثبتت الصلاة، ومنه عرفت العبادات، وبه تعرف أدوار الزمان، وهو هلال العارفين ومبدأ كل مقال؛ أوّله مطابق لآخره، وآخره مطابق لأوّله، فأوّله الواحد الذي لا أوّل له فيعرف، وآخره الواحد الذي لا نهاية له فيوصف .
حقيقة النقطة وأنّهم الحجاب و النواب و الباب
وكذلك الأسماء الإلهية فإنّ مرجعها إلى الاسم المقدّس، فهو جامع لشملها، وشامل لجمعها، متجلّ في أحدها؛ ونهاية الحروف النقطة فتناهت الأشياء بأسرها إلى النقطة ودلّت عليها، ودلّت النقطة على الذات، وهذه النقطة هي الفيض الأوّل الصادر عن ذي الجلال المسمّى في أفق العظمة والجمال بالعقل الفعّال، وذاك هو الحضرة المحمدية؛ فالنقطة هي نور الأنوار، وسرّ الأسرار، كما قال أهل الفلسفة: النقطة هي الأصل والجسم حجابه، والصورة حجاب الجسم، والحجاب غير الجسد الناسوتي. دليله من صريح الآيات قوله تعالى:'اللَّهُ نُورُ السَّموَات'
النور: 35.