كما قيل:
فلولاه وإيانا
لما كان الذي كانا
فصار الأمر مقسوماً
بإياه وإيّانا
والشبح هو الذي يرى شخصه، ولا يعرف معناه.
علم آل محمد عليهم السلام للغيب
من أسرار الأئمة الهداة
وها إنا مورد في هذا الفصل شمة من أسرار الأئمة الهداة والبررة السادات، والميامين الولاة، ونطقهم بالمغيبات، وإظهارهم الكرامات وإبرازهم الخفيات، توبيخاً لأهل الجهالات، الذين أنكروا هذه الحالات، ومنعوا هذه الصفات، وزعموا أنهم من العداة.
وكيف لا يطلعون على الغيب
إن الذي يدّعي علم الغيب للإمام والنبي:لا يدّعيه على نحو الاستقلالية، بل يدعي أن اللَّه أطلع نبيّه وأهل بيته على الاُمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحداً .
وإن شئت قلت:علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات، وهذا مختص باللَّه ولغيره كفر .
أمّا العلم بالغيب الذي هو بتوسط اللَّه تعالى وليس هو عين الذات، فهذا الذي علمته الأئمة ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وعليه دلت الآيات والروايات:
فعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال:' واللَّه لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين'.
فقال له رجل من أصحابه:' جعلت فداك أعندكم علم الغيب ؟
فقال له عليه السلام:' ويحك إنّي أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجّة اللَّه تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلّا صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبل تهامة إلّا بإذن اللَّه، واللَّه لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم ' "بحار الانوار: 28 / 26 ح28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب:374 / 3 " .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لعلي:' إنّ اللَّه أطلعني على ما شاء من غيبه وحياً وتنزيلاً واطلعك عليه إلهاماً' "مشارق أنوار اليقين:136 - 135 و25 وفي بحار الأنوار: 4 / 26 ح1: 'أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني اللَّه علم ما فيه' .
وقيل لأبي جعفر عليه السلام:إن شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجلة. وكانا جالسين على دجلة .
فقال له أبو جعفر عليه السلام:' يقدر اللَّه عز وجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه؟ '
قال:نعم .
فقال عليه السلام:' أنا أكرم على اللَّه من بعوضته' ثم خرج. "إثبات الوصية:192 - 191 ".
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يصف فيها الإمام:' فهو الصدق والعدل. يطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق ' "بحار الأنوار: 170 / 25 ح38 ومشارق أنوار اليقين:115 ".
وقال الإمام الصادق عليه السلام:' يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شي ء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمّد، وإنّا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شي ء من أمركم، وإن أعمالكم لتعرض علينا، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب ' "مشارق أنوار اليقين:138 ".
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:' واللَّه لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، ألا وإني مفضيه إلى الخاصّة '"نهج البلاغة:250 الخطبة 175 ".
وقالت عائشة للإمام الحسن عليه السلام بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم يطلع عليه أحد سواها:يا ابن خبوت جدّك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي أخبرك بهذا عنّي!! "الهداية الكبرى:198 - 197، ذيل الباب الرابع ".
وعندما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من حربها الأمير عليه السلام قالت:جدّك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك ؟!
قال عليه السلام:' هذا من علم اللَّه وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين ' "الهداية الكبرى:198 - 197، ذيل الباب الرابع".
وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام لمن سأله عن القائم المنتظرعجل اللَّه فرجه:' ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر ' "الهداية الكبرى: 334 باب 13 ".
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام:' ألا إن للعبد أربع أعين:عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد اللَّه بعبد خيراً فتح له العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته |وأمر آخرته | ' "الخصال:240 / 1 ح90 باب الأربعة ".
ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ: ' ما من عبد إلّا وفي وجهه عينان يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه ؛ فأبصر بهما ما وعده بالغيب، فآمن بالغيب على الغيب ' "كنز العمّال:42 / 2 ح3043 " .
وفي قصة أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ما يؤكّد علم الإمام الكاظم عليه السلام للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه:جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة وهو الآن جاء بشي ء من علم الغيب.
فسألاه: من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنّه يموت في هذه الليلة ؟
قال الإمام عليه السلام:' من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام ' "الخرايج والجرايح:288 - 287 الباب الثامن ".
وأيضاً في قصة إخبار الإمام الرضا عليه السلام ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشكّ في الباب حيث قال عليه السلام له:' إن أخبرتك أنّك ستبلى في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدّقاً لي؟ '
قال:لا، فإن الغيب لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى .
قال عليه السلام:' أوليس اللَّه يقول:'عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلّا من ارتضى من رسول' فرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عند اللَّه مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللَّه على ما يشاء من غيبه، فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وإن الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدّة، وإلّا فإنّي كذّاب مفترٍ، وإن صحّ فتعلم أنّك الراد على اللَّه وعلى رسوله.
ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مكفوفاً فلا تبصر سهلاً ولا جبالاً وهذا كائن بعد أيام .
ولك عندي دلالة أخرى أنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص ' .
قال محمد بن الفضل: باللَّه لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب "الخرايج والجرايح:306 الباب التاسع".
*أقول:هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلّا ناصبي .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له: ' والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي، وأمر إلهي وروح قدسي، ومقام عليّ ونور جليّ وسرّ خفيّ، فهو ملك الذات إلهي الصفات، زائد الحسنات عالم بالمغيبات؛ خصّاً من ربّ العالمين ونصّاً من الصادق الأمين ' "بحار الأنوار:172 / 25 ح38 باب جامع في صفات الإمام ".
وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام لما أخبر اُمّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة.
قالت له:لا يعلم الغيب إلّا اللَّه .
قال عليه السلام:' وأنا أعلمه من علم اللَّه تعالى ' الإرشاد إلى ولاية الفقيه:254.
*أقول:وهذه رواية أخرى تنص على علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك من قلبك .
وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها: ' ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب ويعطى التصرّف على الإطلاق ' مشارق أنوار اليقين:115 .
هذا إضافة إلى روايات إخبارهم بأمور غيبية جزئية ليس هنا محل ذكرها .
وقال تعالى: 'عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلّا من ارتضى من رسول' الجن:26 .
قال الإمام الرضا عليه السلام لعمرو بن هذاب عندما نفى عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب محتجاً بهذه الآية:' إن رسول اللَّه هو المرتضى عند اللَّه، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللَّه على غيبه فعلّمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة' "بحار الأنوار:22 / 12 و74 / 15 ".
وقال أبو جعفر عليه السلام:' 'إلّا من ارتضى من رسول' وكان واللَّه محمد ممن ارتضاه ' "الإرشاد الى ولاية الفقيه:257، وقريب منه في الخرايج والجرايح:306" .
وقال:'ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك' آل عمران:44، هود: 49، يوسف:102 .
وقال:'وعلّمك ما لم تكن تعلم'. النساء: 113، وهي عامة .
'وكل شي ء أحصيناه في إمام مبين' يس:12. والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السلام "ينابيع المودة:77 / 1 ط. اسلامبول و87 ط. النجف، وتفسير نور الثقلين:379 / 4 مورد الآية والهداية الكبرى: 98 الباب الثاني والأنوار النعمانية:47 / 1 و: 18 / 2 ".
وقال تعالى:'وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في كتاب مبين' يونس:61، وسبأ: 3 .
وقال عز من قائل:'وكل شي ءٍ أحصيناه كتاباً' النبأ:29. وهم الكتاب المبين "ينابيع المودة:81 / 1 ط. النجف و71 / 1 ط. تركيا ومشارق أنوار اليقين:136".
وقال تعالى:'ورحمتي وسعت كل شي ء' الأعراف:156.
فروي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسيرها:' علم الإمام، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شي ء ' "نور الثقلين:78 / 2 ح 288 عن الكافي ".
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:' أنا رحمة اللَّه التي وسعت كل شي ء ' "الهداية الكبرى:400".