فما عرف اللَّه سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلّا هم، وكذلك ما عرف محمداً وعلياً على ما هم عليه إلّا اللَّه الذي أوجدهم من نور عظمته، وخصّهم بسرّه وكرامته، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته، وفوق جميع مخلوقاته؛ ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار، وقطرات الأمطار، وذرّات القفار، ورشحات البحار ؟!
ووجه آخر في معنى قوله: ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت، والمراد أنه ليس بيننا وبين اللَّه واسطة من المخلوقات، بل نحن أوّل المخلوقات والخلائق، وعين الحقائق، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد، وعبيد الحق.
معرفة الإمام و حظوظ الناس من تلک المعرفة و اخبار في فضل علي
وإذا عرف الناس من معنى علي العلي، إنّما شاهدوا منه ليثاً جائلاً، وهزبراً صائلاً، وعضباً قاتلاً، وبليغاً قائلاً، وحاكماً بالحق قاضياً، وغيثاً هاملاً، ونوراً كاملاً، فشهدوا صورة الجسم، وموقع الاسم، ذلك مبلغهم من العلم! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمّت الأمور، ودهرت الدهور، والاسم الذي هو روح كل شي ء، والهاء التي في هوية كل موجود، وباطن كل مشهود، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر، وذلك لأن ذات اللَّه تعالى غير معلومة للبشر كما مرّ، فلم يبق إلّا معرفة الصفات، والناس في معرفتها قسمان: قسم حظّهم منها الذكر لها والتقديس بها، فجعلوها في السرّ أورادهم، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم، فتجلّى عليهم نور الجمال، من سبحات الجلال، فصاروا في القميص البشرية، أشخاصاً سماوية، تخضع لهم السباع، وتذلّ لهم الضباع.
وهذا سرّ
في الأصل المطبوع: أثر بدلاً ' عن سر ' النسخة الخطية.