الضمير هنا عائد إلى أجسادهم المقدّسة، وهياكلهم المعصومة المطهّرة التي هي وعاء الأمر الإلهي، وجمال النور القدسي. وسبب الفرق والنفي موجب لثبات خواص الربوبية لهم، لأن الربّ القديم جل جلاله حكم عدل نافذ الحكم، غني عن الظلم، لا يتوهّم ولا يتهم، والولي المطلق كذلك.
وهذه الصفات كلية، والكلي لا يمنع من وقوع الشركة، لأنه مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق، فاللَّه سبحانه حكمه في العدل وعدله وغناه عن الظلم لذاته من غير استفادة، والولي عدله وحكمته وعصمته خصّ من اللَّه وتأييد له بتلك القوى الإلهية والصفات الربّانية، وإليه الإشارة بقولهم: 'إلّا انّهم عبادك وخلقك'، لأن هذا الاستثناء فارق بين الرب والعبد، لأن الرب المعبود سبحانه علمه وقدرته، وقدمه وغناه عن خلقه، غير مستفاد من إله آخر بل هي صفات ذاته، لأن واجب الوجود وجوب وجوده يقتضي صفات الألوهية، والإمام الولي قدرته وعلمه وحكمه وتصرفه في العالم من اللَّه اختاره، فقدمه وارتضاه فحكمه، ما اختار ولياً جاهلاً قط، فوجب له بهذه الولاية العامة التقدّم والعلم والتصرّف، والحكم والعصمة عن الخطأ والظلم.
أما التقدّم فلأن الولي حجّة اللَّه، والحجة يجب أن يكون قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وأما العلم فلأن الولي هو العلم المحيط بالعالم، فلا يخفى عليه شي ء مما غاب وحضر إذ لو خفي عنه شي ء لجهل وهو عالم، هذا خلف.
دليله: ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: يا مفضل، إن العالم منّا يعلم حتى تقلّب جناح الطير في الهواء، ومن أنكر من ذلك شيئاً فقد كفر باللَّه من فوق عرشه، وأوجب لأوليائه الجهل، وهم حلماء علماء أبرار أتقياء.
وذلك أن الولي لا يجوز أن يسأل عن شي ء وليس عنده علمه، ولا يجوز أن يسأل عن شي ء ولا يعلمه، والقرآن قد شهد له بذلك، وإليه الإشارة بقوله: 'وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ' التوبة: 105.