وصاحب البرهان على بيّنة من ربه، وحق اليقين لا شك بعده، وليس بعد الهدى إلّا الضلال، فالمؤمن الموقن كشارب الترياق لا يضرّه سم أبداً، والمقلّد إيمانه لعقة على لسانه فلا يعرف الحق حتى يتبعه، ولا يقدر على عرف الباطل فيمنعه، فهو كالمطعون كلّما ازداد علاجاً ازداد مرضاً، أو كشارب ماء البحر كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً، وكذلك المرتاب في فضل علي لا يصبو لحسن ما تجلّى عليه من عرايسه، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه، فكلّما تليت عليه آياته، ولّى مدبراً، وصدّ مستكبراً، لأنه لم يؤمن بها من الأزل ولم يزل، فلذلك لم يؤمن بها اليوم، ولم ينقد مع القوم، وكيف يعرفها في عالم الأجسام والأشباح؟ وقد أنكرها في عالم الأرواح، فهو في عالم الأجساد ممسوخ، ومن عالم الأرواح مفسوخ، وفي سجين مرسوخ، لأن الجسد تابع للأرواح وإليه الإشارة بقوله: 'وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ' الأنعام:110.