خطبه 136-در مسئله بيعت
الشرح:
الفلته: الامر يقع عن غير تدبر و لا رويه، و فى الكلام تعريض ببيعه ابى بكر، و قد تقدم لنا فى معنى قول عمر: (كانت بيعه ابى بكر فلته وقى الله شرها) كلام.و الخزامه: حلقه من شعر تجعل فى انف البعير، و يجعل الزمام فيها.و اعينونى على انفسكم: خذوها بالعدل، و اقنعوها عن اتباع الهوى، و اردعوها بعقولكم عن المسالك التى ترديها و توبقها، فانكم اذا فعلتم ذلك اعنتمونى عليها، لانى اعظكم و آمركم بالمعروف، و انهاكم عن المنكر، فاذا كبحتم انفسكم بلجام العقل الداعى الى ما ادعو اليه، فقد اعنتمونى عليها.فان قلت: ما معنى قوله: (اريدكم لله و تريدوننى لانفسكم)؟ قلت: لانه لايريد من طاعتهم له الا نصره دين الله و القيام بحدوده و حقوقه، و لايريدهم لحظ نفسه، و اما هم فانهم يريدونه لحظوظ انفسهم من العطاء و التقريب، و الاسباب الموصله الى منافع الدنيا.و هذا الخطاب منه (ع) لجمهور اصحابه، فاما الخواص منهم فانهم كانوا يريدونه للامر الذى يريدهم له من اقامه شرائع الدين و احياء معالمه.خطبه 137-درباره طلحه و زبير
الشرح:
النصف: الانصاف، قال الفرزدق: و لكن نصفا لو سببت و سبنى بنو عبد شمس من قريش و هاشم و هو على حذف المضاف، اى ذا نصف، اى حكما منصفا عادلا يحكم بينى و بينهم.و الطلبه: بكسر اللام ما طلبته من شى ء.و لبست على فلان الامر، و لبس عليه الامر، كلاهما بالتخفيف.و الحما: الطين الاسود، قال سبحانه: (من صلصال من حما مسنون).و حمه العقرب: سمتها، اى فى هذه الفئه الباغيه الضلال و الفساد و الضرر، و اذا ارادت العرب ان تعبر عن الضلال و الفساد قالت: الحم ء، مثله الحماه بالتاء، و من امثالهم، (ثاطه مدت بماء)، يضرب للرجل يشتد موقه و جهله، و الثاطه، الحماه، و اذا اصابها الماء ازدادت فسادا و رطوبه.و يروى فيها: (الحما) بالف مقصوره.و هو كنايه عن الزبير، لان كل ما كان بسبب الرجل فهم الاحماء، واحدهم (حما) مثل قفا و اقفاء، و ما كان بسبب المراه فهم الاخاتن، فاما الاصهار فيجمع الجهتين جمعا.و كان الزبير ابن عمه رسول الله (ص)، و قد كان النبى (ص) اعلم عليا بان فئه من المسلمين تبغى عليه ايام خلافته، فيها بعض زوجاته و بعض احمائه، فكنى على (ع) عن الزوجه بالحمه و هى سم العقرب، و يروى: (و الحم ء) يضرب مثلا لغير الطيب و لغير الصافى، و ظهر ان الحم ء الذى اخبر النبى (ص) بخروجه مع هولاء البغاه هو الزبير ابن عمته.و فى الحما اربع لغات: حما مثل قفا، و حم ء مثل كم ء، و حمو مثل (ابو)، و حم مثل اب.قوله (ع): (و الشبهه المغدفه) اى الخفيه، و اصله المراه تغدف وجهها بقناعها، اى تستره.و روى: (المغدفه) بكسر الدال، من اغدف الليل، اى اظلم.و زاح الباطل، اى بعد و ذهب، و ازاحه غيره.و عن نصابه: عن مركزه و مقره، و منه قول بعض المحدثين: قد رجع الحق الى نصابه و انت من دون الورى اولى به و الشغب، بالتسكين: تهييج الشر، شغب الحقد بالفتح شغبا، و قد جاء بالتحريك فى لغه ضعيفه، و ماضيها شغب، بالكسر.و لافرطن لهم حوضا، اى لاملان، يقال: افرطت المزاده اى ملاتها، و غدير مفرط، اى ملان.و الماتح، بنقطتين من فوق: المستقى من فوق، و بالياء: مالى ء الدلاء من تحت.و العب: الشرب بلا مص كما تشرب الدابه: و فى الحديث: (الكباد من العب).و الحسى: ماء كامن فى رمل يحفر عنه فيستخرج، و جمعه احساء.يقول (ع): و الله ما انكروا على امرا هو منكر فى الحقيقه، و انما انكروا ما الحجه عليهم فيه لا لهم، و حملهم على ذلك الحسد و حب الاستئثار بالدنيا و التفضيل فى العطاء، و غير ذلك م
ما لم يكن اميرالمومنين (ع) يراه و لايستجيزه فى الدين.قال: و لا جعلوا بينى و بينهم نصفا، يمنى وسيطا يحكم و ينصف، بل خرجوا عن الطاعه بغته، و انهم ليطلبون حقا تركوه، اى يظهرون انهم يطلبون حقا بخروجهم الى البصره و قد تركوا الحق بالمدينه.قال: و دما هم سفكوه، يعنى دم عثمان، و كان طلحه من اشد الناس تحريضا عليه، و كان الزبير دونه فى ذلك.روى ان عثمان قال: ويلى على ابن الحضرميه- يعنى طلحه- اعطيته كذا و كذا بهارا ذهبا، و هو يروم دمى يحرض على نفسى: اللهم لاتمتعه به و لقه عواقب بغيه.و روى الناس الذين صنفوا فى واقعه الدار ان طلحه كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن اعين الناس، يرمى الدار بالسهام.و رووا ايضا انه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار، حملهم طلحه الى دار لبعض الانصار، فاصعدهم الى سطحها، و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه.و رووا ايضا ان الزبير كان يقول: اقتلوه فقد بدل دينكم.فقالوا: ان ابنك يحامى عنه بالباب، فقال: ما اكره ان يقتل عثمان و لو بدى ء بابنى، ان عثمان لجيفه على الصراط غدا.و قال مروان بن الحكم يوم الجمل: و الله لااترك ثارى و انا اراه، و لاقتلن طلحه بعثمان، فانه قتله.ثم رماه
بسهم فاصاب مابضه، فنزف الدم حتى مات.ثم قال (ع): ان كنت شريكهم فى دم عثمان، فان لهم نصيبهم منه، فلا يجوز لهم ان يطلبوا بدمه و هم شركاء فيه، و ان كانوا ولوه دونى، فهم المطلوبون اذن به لا غيرهم.و انما لم يذكر القسم الثالث، و هو ان يكون هو (ع) وليه دونهم، لانه لم يقل به قائل، فان الناس كانوا على قولين فى ذلك: احدهما ان عليا و طلحه و الزبير مسهم لطخ من عثمان، لا بمعنى انهم باشروا قتله، بل بمعنى الاغراء و التحريض، و ثانيهما ان عليا (ع) برى ء من ذلك، و ان طلحه و الزبير غير بريئين منه.ثم قال: و ان اول عدلهم للحكم على انفسهم، يقول: ان هولاء خرجوا و نقضوا البيعه، و قالوا: انما خرجنا للامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و اظهار العدل و احياء الحق و اماته الباطل، و اول العدل ان يحكموا على انفسهم، فانه يجب على الانسان ان يقضى على نفسه ثم على غيره، و اذا كان دم عثمان قبلهم، فالواجب ان ينكروا على انفسهم قبل انكارهم على غيرهم.قال: و ان معى لبصيرتى، اى عقلى، ما لبست على الناس امرهم و لا لبس الامر على، اى لم يلبسه رسول الله (ص) على بل اوضحه لى و عرفنيه.ثم قال: و انها للفئه الباغيه، لام التعريف فى (الفئه) تشعر بان نصا قد كان
عنده: انه ستخرج عليه فئه باغيه، و لم يعين له وقتها و لا كل صفاتها، بل بعض علاماتها، فلما خرج اصحاب الجمل و راى تلك العلامات موجوده فيهم، قال: و انها للفئه الباغيه، اى و ان هذه الفئه، اى الفئه التى وعدت بخروجها على، و لو لا هذا لقال: (و انها لفئه باغيه)، على التنكير.ثم ذكر بعض العلامات، فقال: ان الامر لواضح، كل هذا يوكد به عند نفسه و عند غيره ان هذه الجماعه هى تلك الفئه الموعود بخروجها، و قد ذهب الباطل و زاح، و خرس لسانه بعد شغبه.ثم اقسم ليملان لهم حوضا هو ماتحه، و هذه كنايه عن الحرب و الهيجاء و ما يتعقبهما من القتل و الهلاك.لايصدرون عنه برى، اى ليس كهذه الحياض الحقيقيه التى اذا وردها الظمان صدر عن رى و نقع غليله، بل لايصدرون عنه الا و هم جزر السيوف، و لايعبون بعده فى حسى لانهم هلكوا، فلا يشربون بعده البارد العذب.و كان عمرو بن الليث الصفار امير خراسان انفذ جيشا لمحاربه اسماعيل بن احمد السامانى، فانكسر ذلك الجيش و عادوا الى عمرو بن الليث، فغضب و لقى القواد بكلام غليظ، فقال له بعضهم: ايها الامير، انه قد طبخ لك مرجل عظيم، و انما نلنا منه لهمه يسيره و الباقى مذخور لك، فعلام تتركه! اذهب اليهم فكله فسكت عمرو بن
الليث عنه و لم يجب.و مرادنا من هذه المشابه و المناسبه بين الكنايتين.