حکمت 126
الشرح:
تجرمت على فلان: ادعيت عليه جرما و ذنبا، و استهواه كذا: استزله.و قوله (ع): (فمثلت لهم ببلائها البلاء)، اى بلاء الاخره و عذاب جهنم، و شوقتهم بسرورها الى السرور، اى الى سرور الاخره و نعيم الجنه.و هذا الفصل كله لمدح الدنيا، و هو ينبى ء عن اقتداره (ع) على ما يريد من المعانى، لان كلامه كله فى ذم الدنيا، و هو الان يمدحها، و هو صادق فى ذاك و فى هذا، و قد جاء عن النبى (ص) كلام يتضمن مدح الدنيا او قريبا من المدح، و هو قوله (ع): (الدنيا حلوه خضره، فمن اخذها بحقها بورك له فيها).و احتذى عبدالله بن المعتز حذو اميرالمومنين (ع) فى مدح الدنيا فقال فى كلام له: الدنيا دار التاديب و التعريف، التى بمكروهها توصل الى محبوب الاخره، و مضمار الاعمال، السابقه باصحابها الى الجنان، و درجه الفوز التى يرتقى عليها المتقون الى دار الخلد، و هى الواعظه لمن عقل، و الناصحه لمن قبل، و بساط المهل، و ميدان العمل، و قاصمه الجبارين، و ملحقه الرغم معاطس المتكبرين، و كاسيه التراب ابدان المختالين، و صارعه المغترين، و مفرقه اموال الباخلين، و قاتله القاتلين، و العادله بالموت على جميع العالمين، و ناصره المومنين، و مبيره الكافرين.الحسنات فيها مضاعفه، و السيئات بالامها ممحوه، و مع عسرها يسران، و الله تعالى قد ضمن ارزاق اهلها، و اقسم فى كتابه بما فيها، و رب طيبه من نعيمها قد حمد الله عليها فتلقتها ايدى الكتبه و وجبت بها الجنه، و كم نائبه من نوائبها، و حادثه من حوادثها، قد راضت الفهم، و نبهت الفطنه، و اذكت القريحه، و افادت فضيله الصبر، و كثرت ذخائر الاجر.و من الكلام المنسوب الى على (ع): الناس ابناء الدنيا، و لايلام المرء على حب امه، اخذه محمد بن وهب الحميرى فقال: و نحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها و ما كنت منه فهو شى ء محببحکمت 127
الشرح:
هذه اللام عند اهل العربيه تسمى لام العاقبه، و مثل هذا قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا و حزنا)، ليس انهم التقطوه لهذه العله، بل التقطوه فكان عاقبه التقاطهم اياه العداوه و الحزن، و مثله: فللموت ما تلد الوالده.و مثله قوله تعالى: (و لقد ذرانا لجهنم)، ليس انه ذراهم ليعذبهم فى جهنم، بل ذراهم و كان عاقبه ذرئهم ان صاروا فيها، و بهذا الحرف يحصل الجواب عن كثير من الايات المتشابهه التى تتعلق بها المجبره.و اما فحوى هذا القول و خلاصته فهو التنبيه على ان الدنيا دار فناء و عطب، لا دار بقاء و سلامه، و ان الولد يموت، و الدور تخرب، و ما يجمع من الاموال يفنى.حکمت 128
الشرح:
قال عمر بن عبدالعزيز يوما لجلسائه: اخبرونى من احمق الناس؟ قالوا: رجل باع آخرته بدنياه، فقال: الا انبئكم باحمق منه؟ قالوا: بلى، قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره.قلت: لقائل ان يقول له: ذاك باع آخرته بدنياه ايضا، لانه لو لم يكن له لذه فى بيع آخرته بدنيا غيره لما باعها، و اذا كان له فى ذلك لذه، فاذن انما باع آخرته بدنياه، لان دنياه هى لذته.حکمت 129
الشرح:
قد تقدم لنا كلام فى الصديق و الصداقه، و اما النكبه و حفظ الصديق فيها فانه يقال: فى الحبوس مقابر الاحياء، و شماته الاعداء، و تجربه الاصدقاء.و اما الغيبه فانه قد قال الشاعر: و اذا الفتى حسنت مودته فى القرب ضاعفها على البعد و اما الموت فقد قال الشاعر: و انى لاستحييه و الترب بيننا كما كنت استحييه و هو يرانى و من كلام على (ع): الصديق من صدق فى غيبته.قيل لحكيم: من ابعد الناس سفرا؟ قال: من سافر فى ابتغاء الاخ الصالح.ابوالعلاء المعرى: ازرت بكم يا ذوى الالباب اربعه يتركن احلامكم نهب الجهالات ود الصديق و علم الكيمياء و اح كام النجوم، و تفسير المنامات قيل للثورى: دلنى على جليس اجلس اليه؟ قال: تلك ضاله لاتوجد.حکمت 130
قال الرضى رحمه الله تعالى: و تصديق ذلك فى كتاب الله تعالى، قال فى الدعاء: (ادعونى استجب لكم).و قال فى الاستغفار: (و من يعمل سوئا او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما).و قال فى الشكر: (لئن شكرتم لازيدنكم).و قال فى التوبه: (انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما).الشرح:
فى بعض الروايات ان ما نسب الى الرضى رحمه الله من استنباط هذه المعانى من الكتاب العزيز من متن كلام اميرالمومنين (ع)، و قد سبق القول فى كل واحده من هذه الاربع مستقصى.حکمت 131
الشرح:
قد تقدم القول فى الصلاه و الحج و الصيام، فاما ان جهاد المراه حسن التبعل، فمعناه حسن معاشره بعلها و حفظ ماله و عرضه، و اطاعته فيما يامر به، و ترك الغيره فانها باب الطلاق.(نبذ من الوصايا الحكيمه) و اوصت امراه من نساء العرب بنتها ليله اهدائها فقالت لها: لو تركت الوصيه لاحد لحسن ادب و كرم حسب، لتركتها لك، و لكنها تذكره للغافل، و مئونه للعاقل.انك قد خلفت العش الذى فيه درجت، و الوكر الذى منه خرجت، الى منزل لم تعرفيه، و قرين لم تالفيه، فكونى له امه، يكن لك عبدا، و احفظى عنى خصالا عشرا: اما الاولى و الثانيه، فحسن الصحابه بالقناعه، و جميل المعاشره بالسمع و الطاعه، ففى حسن الصحابه راحه القلب، و فى جميل المعاشره رضا الرب.و الثالثه و الرابعه، التفقد لمواقع عينه، و التعهد لمواضع انفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، و لايجد انفه منك خبيث ريح، و اعلمى ان الكحل احسن الحسن المفقود، و ان الماء اطيب الطيب الموجود.و الخامسه و السادسه، الحفظ لماله، و الارعاء على حشمه و عياله، و اعلمى ان اصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، و اصل الارعاء على الحشم و العيال حسن التدبير.و السابعه و الثامنه، التعهد لوقت طعامه، و الهدو و السكون عند منامه، فحراره الجوع ملهبه، و تنغيص النوم مغضبه.و التاسعه و العاشره: لاتفشين له سرا، و لاتعصين له امرا، فانك ان افشيت سره لم تامنى غدره، و ان عصيت امره اوغرت صدره.و اوصت امراه ابنتها و قد اهدتها الى بعلها، فقالت: كونى له فراشا، يكن لك معاشا، و كونى له وطاء، يكن لك غطاء، و اياك و الاكتئاب اذا كان فرحا، و الفرح اذا كان كئيبا، و لايطلعن منك على قبيح، و لايشمن منك الا طيب ريح.و زوج عامر بن الظرب ابنته من ابن اخيه، فلما اراد تحويلها قال لامها: مرى ابنتك الا تنزل مفازه الا و معها ماء، فانه للاعلى جلاء، و للاسفل نقاء، و لاتكثر مضاجعته، فاذا مل البدن مل القلب، و لاتمنعه شهوته، فان الحظوه فى المواقعه.فلم يلبث الا شهرا حتى جائته مشجوجه، فقال لابن اخيه: يا بنى ارفع عصاك عن بكرتك، فان كان من غير ان تنفر بك فهو الداء الذى ليس له دواء، و ان لم يكن بينكما وفاق ففراق، الخلع احسن من الطلاق، و ان تترك اهلك و مالك.فرد عليه صداقها، و خلعها منه، فهو اول خلع كان فى العرب.و اوصى الفرافصه الكلبى ابنته نائله حين اهداها الى عثمان، فقال: يا بنيه، انك تقدمين على نساء من نساء قريش هن اقدر على الطيب منك، و لات
غلبين على خصلتين: الكحل و الماء.تطهرى حتى يكون ريح جلدك ريح شن اصابه مطر، و اياك و الغيره على بعلك، فانها مفتاح الطلاق.و روى ابوعمرو بن العلاء قال: انكح ضرار بن عمرو الضبى ابنته من معبد بن زراره، فلما اخرجها اليه قال: يا بنيه، امسكى عليك الفضلين: فضل الغلمه، و فضل الكلام.قال ابوعمرو: و ضرار هذا هو الذى رفع عقيرته بعكاظ، و قال: الا ان شر حائل ام، فزوجوا الامهات، قال: و ذلك انه صرع بين الرماح، فاشبل عليه اخوته لامه حتى استنقذوه.و اوصت اعرابيه ابنتها عند اهدائها، فقالت لها: اقلعى زج رمحه، فان اقر فاقلعى سنانه، فان اقر فاكسرى العظام بسيفه، فان اقر فاقطعى اللحم على ترسه، فان اقر فضعى الاكاف على ظهره، فانما هو حمار.و هذا هو قبح التبعل، و ذكرناه نحن فى باب حسن التبعل، لا الضد يذكر بضده.