نامه 004-به يكى از فرماندهانش - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نامه 004-به يكى از فرماندهانش

الشرح:

انهد: اى انهض.

و تقاعس، اى ابطا و تاخر.

و المتكاره: الذى يخرج الى الجهاد من غير نيه و بصيره، و انما يخرج كارها مرتابا، و مثل قوله (ع): (فان المتكاره مغيبه خير من مشهده، و قعوده اغنى من نهوضه) قوله تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا).

نامه 005-به اشعث بن قيس

الشرح:

قد ذكرنا نسب اشعث بن قيس فيما تقدم.

و اذربيجان: اسم اعجمى غير مصروف، الالف مقصوره، و الذال ساكنه.

قال حبيب: و اذربيجان احتيال، بعد ما كانت معرس عبره و نكال و قال الشماخ: تذكرتها وهنا و قد حال دونها قرى اذربيجان المسالح و الجال و النسبه اليه اذرى بسكون الذال، هكذا القياس، و لكن المروى عن ابى بكر فى الكلام الذى قاله عند موته: (و لتالمن النوم على الصوف الاذرى) بفتح الذال.

و الطعمه بضم الطاء المهمله: الماكله، و يقال: فلان خبيث الطعمه، اى ردى ء الكسب.

و الطعمه بالكسر لهييه التطعم، يقول: ان عملك لم يسوغه الشرع و الوالى من قبلى اياه، و لاجعله لك اكلا، و لكنه امانه فى يدك و عنقك للمسلمين، و فوقك سلطان انت له رعيه فليس لك ان تفتات فى الرعيه الذين تحت يدك، يقال: افتات فلان على فلان، اذا فعل بغير اذنه ما سبيله ان يستاذنه فيه، و اصله من الفوت و هو السبق، كانه سبقه الى ذلك الامر.

و قوله: (و لا تخاطر الا بوثيقه)، اى لا تقدم على امر مخوف فيما يتعلق بالمال الذى تتولاه الا بعد ان تتوثق لنفسك، يقال: اخذ فلان بالوثيقه فى امره، اى احتاط.

ثم قال له: (و لعلى لا اكون شر ولاتك) و هو كلام يطيب به نفسه و
يسكن به جاشه، لان فى اول الكلام ايحاشا له، اذ كانت الفاظه تدل على انه لم يره امينا على المال، فاستدرك ذلك بالكلمه الاخيره، اى ربما تحمد خلافتى و ولايتى عليك، و تصادف منى احسانا اليك اى عسى الا يكون شكرك لعثمان و من قبله اكثر من شكرك لى، و هذا من باب وعدك الخفى، و تسميه العرب الملث.

و اول هذا الكتاب: (من عبدالله على اميرالمومنين الى الاشعث بن قيس.

اما بعد، فلولا هنات و هنات كانت منك، كنت المقدم فى هذا الامر قبل الناس، و لعل امرا كان يحمل بعضه بعضا ان اتقيت الله عز و جل، و قد كان من بيعه الناس اياى ما قد علمت، و كان من امر طلحه و الزبير ما قد بلغك، فخرجت اليهما، فابلغت فى الدعاء، و احسنت فى البقيه، و ان عملك ليس لك بطعمه...) الى آخر الكلام، و هذا الكتاب كتبه الى الاشعث بن قيس بعد انقضاء الجمل.

نامه 006-به معاويه

الشرح:

قد تقدم ذكر هذا الكلام فى اثناء اقتصاص مراسله اميرالمومنين (ع) معاويه بجرير بن عبدالله البجلى، و قد ذكره ارباب السيره كلهم، و اورده شيوخنا المتكلمون فى كتبهم احتجاجا على صحه الاختيار، و كونه طريقا الى الامامه، و اول الكتاب: (اما بعد، فان بيعتى بالمدينه لزمتك و انت بالشام، لانه بايعنى القوم الذين بايعوا.

) الى آخر الفصل.

و المشهور المروى: (فان خرج من امرهم خارج بطعن او رغبه)، اى رغبه عن ذلك الامام الذى وقع الاختيار له.

و المروى بعد قوله: (ولاه الله بعد ما تولى)، (و اصلاه جهنم و سائت مصيرا)، و ان طلحه و الزبير بايعانى ثم نقضا بيعتى، فكان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق و ظهر امر الله و هم كارهون.

فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فان احب الامور الى فيك العافيه، الا ان تتعرض للبلاء، فان تعرضت له قاتلتك، و استعنت بالله عليك، و قد اكثرت فى قتله عثمان، فادخل فيما دخل الناس فيه، ثم حاكم القوم الى احملك و اياهم على كتاب الله، فاما تلك التى تريدها فخدعه الصبى عن اللبن، و لعمرى يا معاويه ان نظرت بعقلك...) الى آخر الكلام.

و بعده: (و اعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافه، و لا تعتر
ض بهم الشورى، و قد ارسلت اليك جرير بن عبدالله البجلى، و هو من اهل الايمان و الهجره، فبايع و لا قوه الا بالله).

و اعلم ان هذا الفصل دال بصريحه على كون الاختيار طريقا الى الامامه كما يذكره اصحابنا المتكلمون، لانه احتج على معاويه ببيعه اهل الحل و العقد له، و لم يراع فى ذلك اجماع المسلمين كلهم، و قياسه على بيعه اهل الحل و العقد لابى بكر، فانه ما روعى فيها اجماع المسلمين، لان سعد بن عباده لم يبايع، و لا احد من اهل بيته و ولده، و لان عليا و بنى هاشم و من انضوى اليهم لم يبايعوا فى مبدا الامر، و امتنعوا، و لم يتوقف المسلمون فى تصحيح امامه ابى بكر و تنفيذ احكامه على بيعتهم، و هذا دليل على صحه الاختيار و كونه طريقا الى الامامه، و انه لايقدح فى امامته (ع) امتناع معاويه من البيعه و اهل الشام، فاما الاماميه فتحمل هذا الكتاب منه (ع) على التقيه، و تقول: انه ما كان يمكنه ان يصرح لمعاويه فى مكتوبه بباطن الحال، و يقول له: انا منصوص على من رسول الله (ص)، و معهود الى المسلمين ان اكون خليفه فيهم بلا فصل، فيكون فى ذلك طعن على الائمه المتقدمين، و تفسد حاله مع الذين بايعوه من اهل المدينه، و هذا القول من الاماميه دعوى لو عضدها دليل
لوجب ان يقال بها، و يصار اليها، و لكن لا دليل لهم على ما يذهبون اليه من الاصول التى تسوقهم الى حمل هذا الكلام على التقيه.

فاما قوله (ع): (و قد اكثرت فى قتله عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم الى احملك و اياهم على كتاب الله)، فيجب ان يذكر فى شرحه ما يقول المتكلمون فى هذه الواقعه.

قال اصحابنا المعتزله رحمهم الله: هذا الكلام حق و صواب، لان اولياء الدم يجب ان يبايعوا الامام و يدخلوا تحت طاعته، ثم يرفعوا خصومهم اليه، فان حكم بالحق استديمت امامته، و ان حاد عن الحق انقضت خلافته، و اولياء عثمان الذين هم بنوه لم يبايعوا عليا (ع)، و لادخلوا تحت طاعته ثم، و كذلك معاويه ابن عم عثمان لم يبايع و لااطاع، فمطالبتهم له بان يقتص لهم من قاتلى عثمان قبل بيعتهم اياه و طاعتهم له ظلم منهم و عدوان.

فان قلت: هب ان القصاص من قتله عثمان موقوف على ما ذكره (ع)، اما كان يجب عليه لا من طريق القصاص ان ينهى عن المنكر! و انتم تذهبون الى ان النهى عن المنكر واجب على من هو سوقه، فكيف على الامام الاعظم! قلت: هذا غير وارد هاهنا، لان النهى عن المنكر انما يجب قبل وقوع المنكر، لكيلا يقع، فاذا وقع المنكر، فاى نهى يكون عنه! و قد نهى على
(ع) اهل مصر و غيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارا، و نابذهم بيده و لسانه و باولاده فلم يغن شيئا، و تفاقم الامر حتى قتل، و لايجب بعد القتل الا القصاص، فاذا امتنع اولياء الدم من طاعه الامام لم يجب عليه ان يقص من القاتلين، لان القصاص حقهم، و قد سقط ببغيهم على الامام و خروجهم عن طاعته.

و قد قلنا نحن فيما تقدم: ان القصاص انما يجب على من باشر القتل، و الذين باشروا قتل عثمان قتلوا يوم قتل عثمان فى دار عثمان، و الذين كان معاويه يطالبهم بدم عثمان لم يباشروا القتل، و انما كثروا السواد و حصروه عثمان فى الدار، و اجلبوا عليه و شتموه و توعدوه، و منهم من تسور عليه داره و لم ينزل اليه، و منهم من نزل فحضر محضر قتله و لم يشرك فيه، و كل هولاء لا يجب عليهم القصاص فى الشرع.

(جرير بن عبدالله البجلى عند معاويه) و قد ذكرنا فيما تقدم شرح حال جرير بن عبدالله البجلى فى ارسال على (ع) اياه الى معاويه مستقصى.

و ذكر الزبير بن بكار فى "الموفقيات" ان عليا (ع) لما بعث جريرا الى معاويه، خرج و هو لايرى احدا قد سبقه اليه، قال: فقدمت على معاويه فوجدته يخطب الناس و هم حوله يبكون حول قميص عثمان و هو معلق على رمح مخضوب بالدم، و عليه اصابع زوجته ن
ائله بنت الفرافصه مقطوعه، فدفعت اليه كتاب على (ع)، و كان معى فى الطريق رجل يسير بسيرى، و يقيم بمقامى، فمثل بين يديه فى تلك الحال و انشده: ان بنى عمك عبد المطلب هم قتلوا شيخكم غير كذب و انت اولى الناس بالوثب فثب و قد ذكرنا تمام هذه الابيات فيما تقدم.

قال ثم دفع اليه كتابا من الوليد بن عقبه بن ابى معيط، و هو اخو عثمان لامه، كتبه مع هذا الرجل من الكوفه سرا اوله: معاوى ان الملك قد جب غاربه الابيات التى ذكرنا فيما تقدم.

قال: فقال لى معاويه: اقم فان الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا.

فاقمت اربعه اشهر، ثم جائه كتاب آخر من الوليد بن عقبه، اوله: الا ابلغ معاويه بن حرب فانك من اخى ثقه مليم قطعت الدهر كالسدم المعنى تهدر فى دمشق و لاتريم و انك و الكتاب الى على كدابغه و قد حلم الاديم فلو كنت القتيل و كان حيا لشمر لا الف و لا سئوم قال: فلما جائه هذا الكتاب وصل بين طومارين ابيضين، ثم طواهما و كتب عنوانهما.

(من معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب).

و دفعهما الى، لااعلم ما فيهما، و لا اظنهما الا جوابا، و بعث معى رجلا من بنى عبس لاادرى ما معه، فخرجنا حتى قدمنا الى الكوفه، و اجتمع الناس فى ال
مسجد، لا يشكون انها بيعه اهل الشام، فلما فتح على (ع) الكتاب لم يجد شيئا، و قام العبسى، فقال من هاهنا من احياء قيس، و اخص من قيس غطفان، و اخص من غطفان عبسا؟ انى احلف بالله لقد تركت تحت قميص عثمان اكثر من خمسين الف شيخ خاضبى لحاهم بدموع اعينهم، متعاقدين متحالفين، ليقتلن قتلته فى البر و البحر، و انى احلف بالله ليقتحمنها عليكم ابن ابى سفيان باكثر من اربعين الفا من خصيان الخيل، فما ظنكم بعد بما فيها من الفحول.

ثم دفع الى على (ع) كتابا من معاويه ففتحه فوجد فيه: اتانى امر فيه للنفس غمه و فيه اجتداع للانوف اصيل مصاب اميرالمومنين و هده تكاد لها صم الجبال تزول و قد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم.

نامه 007-به معاويه

الشرح:

موعظه موصله، اى مجموعه الالفاظ من هاهنا و هاهنا، و ذلك عيب فى الكتابه و الخطابه و انما الكاتب من يرتجل فيقول قولا فصلا، او يروى فياتى بالبديع المستحسن، و هو فى الحالين كليهما ينفق من كيسه، و لايستعير كلام غيره.

و الرساله المحبره: المزينه الالفاظ، كانه (ع) يشير الى انه قد كان يظهر عليها اثر التكلف و التصنع.

و التنميق: التزيين ايضا.

و هجر الرجل، اى هذى، و منه قوله تعالى فى احد التفسيرين: (ان قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا).

و اللاغط: ذو اللغط، و هو الصوت و الجلبه.

و خبط البعير فهو خابط، اذا مشى ضالا فحبط بيديه كل ما يلقاه، و لا يتوقى شيئا.

و هذا الكتاب كتبه على (ع) جوابا عن كتاب كتبه معاويه اليه فى اثناء حرب صفين بل فى اواخرها، و كان كتاب معاويه: (من عبدالله معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب، اما بعد، فان الله تعالى يقول فى محكم كتابه: (و لقد اوحى اليك و الى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين)، و انى احذرك الله ان تحبط عملك و سابقتك بشق عصا هذه الامه و تفريق جماعتها، فاتق الله و اذكر موقف القيامه، و اقلع عما اسرفت فيه من الخوض فى دماء المسلمين، و انى سمعت رسول ا
لله (ص) يقول: (لو تمالا اهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمين لاكبهم الله على مناخرهم فى النار) فكيف يكون حال من قتل اعلام المسلمين و سادات المهاجرين، بله ما طحنت رحا حربه من اهل القرآن، و ذى العباده و الايمان، من شيخ كبير، و شاب غرير، كلهم بالله تعالى مومن، و له مخلص، و برسوله مقر عارف! فان كنت ابا حسن انما تحارب على الامره و الخلافه، فلعمرى لو صحت خلافتك لكنت قريبا من ان تعذر فى حرب المسلمين، و لكنها ما صحت لك انى بصحتها و اهل الشام لم يدخلوا فيها، و لم يرتضوا بها و خف الله و سطواته، و اتق باسه، و نكاله، و اغمد سيفك عن الناس، فقد و الله اكلتهم الحرب، فلم يبق منهم الا كالثمد فى قراره الغدير.

و الله المستعان): فكتب على (ع) اليه جوابا عن كتابه.

من عبدالله على اميرالمومنين الى معاويه بن ابى سفيان: (اما بعد فقد اتتنى منك موعظه موصله، و رساله محبره، نمقتها بضلالك، و امضيتها بسوء رايك، و كتاب امرى ء ليس له بصر يهديه، و لا قائد يرشده، دعاه الهوى فاجابه، و قاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، و ضل خابطا، فاما امرك لى بالتقوى فارجو ان اكون من اهلها، و استعيذ بالله من ان اكون من الذين اذا امروا بها اخذتهم العزه بال
اثم.

و اما تحذيرك اياى ان يحبط عملى و سابقتى فى الاسلام، فلعمرى لو كنت الباغى عليك، لكان لك ان تحذرنى ذلك، و لكنى وجدت الله تعالى يقول: (فقاتلوا التى تبغى حتى تفى ء الى امر الله) فنظرنا الى الفئتين، اما الفئه الباغيه فوجدناها الفئه التى انت فيها، لان بيعتى بالمدينه لزمتك و انت بالشام، كما لزمتك بيعه عثمان بالمدينه و انت امير لعمر على الشام، و كما لزمت يزيد اخاك بيعه عمر و هو امير لابى بكر على الشام.

و اما شق عصا هذه الامه، فانا احق ان انهاك عنه.

فاما تخويفك لى من قتل اهل البغى، فان رسول الله (ص) امرنى بقتالهم و قتلهم، و قال لاصحابه: (ان فيكم من يقاتل على تاويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) و اشار الى و انا اولى من اتبع امره.

و اما قولك: ان بيعتى لم تصح لان اهل الشام لم يدخلوا فيها! كيف و انما هى بيعه واحده تلزم الحاضر و الغائب، لا يثنى فيها النظر، و لا يستانف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، و المروى فيها مداهن.

فاربع على ظلعك، و انزع سربال غيك، و اترك ما لا جدوى له عليك، فليس لك عندى الا السيف، حتى تفى ء الى امر الله صاغرا، و تدخل فى البيعه راغما.

والسلام.

الشرح:

لايثنى فيها النظر، اى لايعاود و لايراجع ثانيه.

و لا يستانف فيها الخيار: ليس بعد عقدها خيار لمن عقدها و لا لغيرهم، لانها تلزم غير العاقدين كما تلزم العاقدين، فيسقط الخيار فيها، الخارج منها طاعن على الامه، لانهم اجمعوا على ان الاختيار طريق الامامه.

و المروى فيها مداهن، اى الذى يرتئى و يبطى ء عن الطاعه و يفكر، و اصله من الرويه.

و المداهن: المنافق.

نامه 008-به جرير بن عبدالله البجلى

الشرح:

قد تقدم ذكر نسب جرير بن عبدالله البجلى.

و قوله (ع): (فاحمل معاويه على الفصل)، اى لا تتركه متلكئا مترددا، يطمعك تاره و يويسك اخرى، بل احمله على امر فيصل، اما البيعه، او ان ياذن بالحرب.

و كذلك قوله: (و خذه بالامر الجزم)، اى الامر المقطوع به، لا تكن ممن يقدم رجلا و يوخر اخرى، و اصل الجزم القطع.

و حرب مجليه: تجلى المقهورين فيها عن ديارهم، اى تخرجهم.

و سلم مخزيه، اى فاضحه، و انما جعلها مخزيه لان معاويه امتنع اولا من البيعه، فاذا دخل فى السلم فانما يدخل فيها بالبيعه، و اذا بايع بعد الامتناع، فقد دخل تحت الهضم و رضى بالضيم و ذلك هو الخزى.

قوله (فانبذ اليه) من قوله تعالى: (فانبذ اليهم على سواء) و اصله العهد و الهدنه و عقد الحلف يكون بين الرجلين او بين القبيلتين، ثم يبدو لهما فى ذلك فينتقلان الى الحرب فينبذ احدهما الى الاخر عهده، كانه كتاب مكتوب بينهما قد نبذه احدهما يوم الحرب و ابطله، فاستعير ذلك للمجاهره بالعداوه و المكاشفه، و نسخ شريعه السلام السابقه بالحرب المعاقبه لها.

نامه 009-به معاويه

قوله (ع): (فلم اره يسعنى) اى لم ارانه يحل لى دفعهم اليك.

و الضمير فى (اره) ضمير الشان و القصه، و (اره) من الراى لا من الرويه، كقولك: لم ار الراى الفلانى.

و نزع فلان عن كذا، اى فارقه و تركه، ينزع بالكسر و الغى: الجهل و الضلال.

و الشقاق: الخلاف.

الوجدان: مصدر وجدت كذا، اى اصبته.

و الزور: الزائر.

و اللقيان: مصدر لقيت، تقول: لقيته لقاء و لقيانا.

ثم قال: (و السلام لاهله) لم يستجز فى الدين ان يقول له: (و السلام عليك) لانه عنده فاسق لايجوز اكرامه، فقال: (و السلام لاهله)، اى على اهله.

و يجب ان نتكلم فى هذا الفصل فى مواضع: منها ذكر ما جاء فى السيره من اجلاب قريش على رسول الله (ص) و بنى هاشم و حصرهم فى الشعب.

و منها: الكلام فى المومنين و الكافرين من بنى هاشم الذين كانوا فى الشعب محصورين معه (ص) من هم.

و منها: شرح قصه بدر.

و منها: شرح غزاه احد.

و منها: شرح غزاه موته.

الشرح:

قوله (ع): (فاراد قومنا)، يعنى قريشا.

و الاجتياح: الاستئصال، و منه الجائحه و هى السنه، او الفتنه التى تجتاح المال او الانفس.

قوله: (و منعونا العذب) اى العيش العذب.

لا انهم منعوهم الماء العذب، على انه قد نقل انهم منعوا ايام الحصار فى شعب بنى هاشم من الماء العذب.

و سنذكر ذلك.

قوله: (و احلسونا الخوف)، اى الزموناه.

و الحلس: كساء رقيق يكون تحت برذعه البعير.

و احلاس البيوت: ما يبسط تحت حر الثياب، و فى الحديث: (كن حلس بيتك)، اى لا تخالط الناس و اعتزل عنهم، فلما كان الحلس ملازما ظهر البعير، و احلاس البيوت ملازمه لها، قال: (و احلسونا الخوف)، اى جعلوه لنا كالحلس الملازم.

قوله: (و اضطرونا الى جبل وعر)، مثل ضربه (ع) لخشونه مقامهم و شظف منزلهم، اى كانت حالنا فيه كحال من اضطر الى ركوب جبل وعر، و يجوز ان يكون حقيقه لا مثلا، لان الشعب الذى حصروهم فيه مضيق بين جبلين.

قوله: (فعزم الله لنا)، اى قضى الله لنا، و وفقنا لذلك، و جعلنا عازمين عليه.

و الحوزه: الناحيه، و حوزه الملك: بيضته.

و حومه الماء و الرمل: معظمه.

و الرمى عنها: المناضله و المحاماه، و يروى: (و الرمى من وراء حرمته)، و الضمير فى (حوزته) و (حومته)
راجع الى النبى (ص)، و قد سبق ذكره، و هو قوله: (نبينا) و يروى و (الرميا).

و قال الراوندى: (و هموا بنا الهموم) اى هموا نزول الهم بنا، فحذف المضاف و اقام المضاف اليه مقامه.

و ليس ما قاله بجيد بل (الهموم) منصوب هاهنا على المصدر، اى هموا بنا هموما كثيره، و هموا بنا اى ارادوا نهبنا، كقوله تعالى: (و هم بها) على تفسير اصحابنا، و انما ادخل لام التعريف فى الهموم، اى هموا بنا تلك الهموم التى تعرفونها، فاتى باللام ليكون اعظم و اكبر فى الصدور من تنكيرها، اى تلك الهموم معروفه مشهوره بين الناس لتكرر عزم المشركين فى اوقات كثيره مختلفه على الايقاع.

و قوله: (و فعلوا بنا الافاعيل)، يقال لمن اثروا آثار منكره: فعلوا بنا الافاعيل، و قل ان يقال ذلك فى غير الضرر و الاذى، و منه قول اميه بن خلف لعبد الرحمن بن عوف و هو يذكر حمزه بن عبدالمطلب يوم بدر: (ذاك الذى فعل بنا الافاعيل).

قوله: (يحامى عن الاصل) اى يدافع عن محمد و يذب عنه حميه و محافظه على النسب.

قوله: (خلو مما نحن فيه)، اى خال.

و الحلف العهد.

و احمر الباس، كلمه مستعاره، اى اشتدت الحرب حتى احمرت الارض من الدم، فجعل الباس هو الاحمر مجازا، كقولهم: الموت الاحمر.

قوله: (و احجم الناس
) اى كفوا عن الحرب و جبنوا عن الاقدام، يقال: حجمت فلانا عن كذا احجمه بالضم، فاحجم هو، و هذه اللفظه من النوادر، كقولهم: (كببته فاكب).

و يوم موته بالهمز، و موته: ارض معروفه.

و قوله: (و اراد من لو شئت لذكرت اسمه) يعنى به نفسه.

قوله: (اذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى) اشاره الى معاويه فى الظاهر، و الى من تقدم عليه من الخلفاء فى الباطن، و الدليل عليه قوله: (التى لا يدلى احد بمثلها)، فاطلق القول اطلاقا عاما مستغرقا لكل الناس اجمعين.

ثم قال: (الا ان يدعى مدع ما لااعرفه، و لا اظن الله يعرفه)، اى كل من ادعى خلاف ما ذكرته فهو كاذب، لانه لو كان صادقا لكان على (ع) يعرفه لا محاله فاذا قال عن نفسه: ان كل دعوه تخالف ما ذكرت فانى لااعرف صحتها، فمعناه انها باطله.

و قوله: (و لا اظن الله يعرفه)، فالظن هاهنا بمعنى العلم، كقوله تعالى: (و راى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها) و اخرج هذه الكلمه مخرج قوله تعالى: (قل اتنبئون الله بما لايعلم فى السموات و لا فى الارض) و ليس المراد سلب العلم بل العلم بالسلب، كذلك ليس مراده (ع) سلب الظن الذى هو بمعنى العلم بل ظن السلب، اى علم السلب، اى و اعلم ان الله سبحانه يعرف انتفائه، و كل ما يعلم الل
ه انتفائه فليس بثابت.

و قال الراوندى: قوله (ع): (و لااظن الله يعرفه)، مثل قوله تعالى: (و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين).

و الله يعلم كل شى ء قبل وجوده، و انما معناه: حتى نعلم جهادهم موجودا، و ليست هذه الكلمه من الايه بسبيل لتجعل مثالا لها، و لكن الراوندى يتكلم بكل ما يخطر له من غير ان يميز ما يقول.

و تقول: ادلى فلان بحجته، اى احتج بها، و فلان مدل برحمه، اى مت بها.

و ادلى بماله الى الحاكم: دفعه اليه ليجعله وسيله الى قضاء حاجته منه، فاما الشفاعه فلا يقال فيها: (ادليت)، و لكن (دلوت بفلان) اى استشفعت به، و قال عمر لما استسقى بالعباس رحمه الله: (اللهم انا نتقرب اليك بعم نبيك و قفيه آبائه، و كبر رجاله، دلونا به اليك مستشفعين).

(اجلاب قريش على بنى هاشم و حصرهم فى الشعب) فاما الكلام فى الفصل الاول فنذكر منه ما ذكره محمد بن اسحاق بن يسار فى كتاب "السيره" و المغازى، فانه كتاب معتمد عند اصحاب الحديث و المورخين، و مصنفه شيخ الناس كلهم.

قال محمد بن اسحاق رحمه الله: لم يسبق عليا (ع) الى الايمان بالله و رساله محمد (ص) احد من الناس، اللهم الا ان تكون خديجه زوجه رسول الله (ص).

قال: و قد كان (ص) يخرج و معه عل
ى مستخفين من الناس، فيصليان الصلوات فى بعض شعاب مكه، فاذا امسيا رجعا فمكثا بذلك ماشاءالله ان يمكثا، لا ثالث لهما.

ثم ان اباطالب عثر عليهما يوما و هما يصليان، فقال لمحمد (ص): يابن اخى، ما هذا الذى تفعله! فقال: (اى عم، هذا دين الله و دين ملائكته و رسله، و دين ابينا ابراهيم- او كما قال (ع)- بعثنى الله به رسولا الى العباد و انت اى عم احق من بذلت له النصيحه، و دعوته الى الهدى، و احق من اجابنى اليه و اعاننى عليه).

او كما قال.

فقال ابوطالب: انى لااستطيع يابن اخى ان افارق دينى و دين آبائى و ما كانوا عليه، و لكن و الله لايخلص اليك شى ء تكرهه ما بقيت.

فزعموا انه قال لعلى: اى بنى، ما هذا الذى تصنع؟ قال: يا ابتاه، آمنت بالله و رسوله و صدقته فيما جاء به، و صليت اليه، و اتبعت قول نبيه.

فزعموا انه قال له: اما انه لايدعوك- او لن يدعوك- الا الى خير فالزمه.

قال ابن اسحاق: ثم اسلم زيد بن حارثه مولى رسول الله (ص)، فكان اول من اسلم، و صلى معه بعد على بن ابى طالب (ع).

ثم اسلم ابوبكر بن ابى قحافه، فكان ثالثا لهما، ثم اسلم عثمان بن عفان، و طلحه، و الزبير و عبدالرحمن، و سعد بن ابى وقاص، فصاروا ثمانيه، فهم الثمانيه الذين سبقوا الناس
الى الاسلام بمكه، ثم اسلم بعد هولاء الثمانيه ابو عبيده بن الجراح و ابوسلمه بن عبدالاسد و ارقم بن ابى ارقم، ثم انتشر الاسلام بمكه، و فشا ذكره، و تحدث الناس به، و امر الله رسوله ان يصدع بما امر به، فكانت مده اخفاء رسول الله (ص) نفسه و شانه الى ان امر باظهار الدين ثلاث سنين- فيما بلغنى.

قال محمد بن اسحاق: و لم تكن قريش تنكر امره حينئذ كل الانكار، حتى ذكر آلهتهم و عابها، فاعظموا ذلك و انكروه، و اجمعوا على عداوته و خلافه، و حدب عليه عمه ابوطالب فمنعه، و قام دونه حتى مضى مظهرا لامر الله لايرده عنه شى ء.

قال: فلما رات قريش محاماه ابى طالب عنه و قيامه دونه، و امتناعه من ان يسلمه، مشى اليه رجال من اشراف قريش، منهم عتبه بن ربيعه، و شيبه اخوه، و ابوسفيان بن حرب، و ابوالبخترى بن هشام، و الاسود بن المطلب، و الوليد بن المغيره، و ابوجهل عمرو بن هشام، و العاص بن وائل، و نبيه و منبه ابنا الحجاج، و امثالهم من روساء قريش.

فقالوا: يا اباطالب، ان ابن اخيك قد سب آلهتنا، و عاب ديننا، و سفه احلامنا، و ضلل آرائنا، فاما ان تكفه عنا و اما ان تخلى بيننا و بينه.

فقال لهم ابوطالب قولا رفيقا، و ردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه و مضى رسول الله
(ص) على ما هو عليه، يظهر دين الله، و يدعو اليه، ثم شرق الامر بينه و بينهم، تباعدا و تضاغنا، حتى اكثرت قريش ذكر رسول الله (ص) بينها، و تذامروا فيه، و حض بعضهم بعضا عليه، فمشوا الى ابى طالب مره ثانيه، فقالوا: يا اباطالب، ان لك سنا و شرفا و منزله فينا، و انا قد استنهيناك من ابن اخيك فلم تنهه عنا، و انا و الله لانصبر على شتم آبائنا، و تسفيه احلامنا و عيب آلهتنا، فاما ان تكفه عنا او ننازله و اياك حتى يهلك احد الفريقين.

ثم انصرفوا، فعظم على ابى طالب فراق قومه و عداوتهم، و لم تطب نفسه باسلام ابن اخيه لهم و خذلانه، فبعث اليه فقال: يابن اخى، ان قومك قد جائونى، فقالوا لى كذا و كذا- للذى قالوا- فابق على و على نفسك، و لاتحملنى من الامر ما لا اطيقه.

قال: فظن رسول الله (ص) انه قد بدا لعمه فيه بداء، و انه خاذله و مسلمه، و انه قد ضعف عن نصرته و القيام دونه، فقال: يا عم، و الله لو وضعوا الشمس فى يمينى و القمر فى شمالى على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله او اهلك.

ثم استعبر باكيا و قام، فلما ولى ناداه ابوطالب: اقبل يابن اخى، فاقبل راجعا، فقال له: اذهب يابن اخى فقل ما احببت، فو الله لااسلمك لشى ء ابدا.

قال ابن اسحاق: و قال ابوطالب يذكر ما اجمعت عليه قريش من حربه لما قام بنصر محمد (ص): و الله لن يصلوا اليك بجمعهم حتى اوسد فى التراب دفينا فانفذ لامرك ما عليك مخافه و ابشر و قر بذاك منه عيونا و دعوتنى و زعمت انك ناصحى و لقد صدقت و كنت قبل امينا و عرضت دينا قد علمت بانه من خير اديان البريه دينا لو لا الملامه او حذارى سبه لوجدتنى سمحا بذاك مبينا قال محمد بن اسحاق: ثم ان قريشا حين عرفت ان اباطالب قد ابى خذلان رسول الله (ص) و اسلامه اليهم و راوا اجماعه على مفارقتهم و عداوتهم، مشوا اليه بعماره بن الوليد بن المغيره المخزومى- و كان اجمل فتى فى قريش- فقالوا له: يا اباطالب، هذا عماره بن الوليد، ابهى فتى فى قريش و اجمله، فخذه اليك، فاتخذه ولدا فهو لك، و اسلم لنا هذا ابن اخيك الذى قد خالف دينك و دين آبائك، و فرق جماعه قومك لنقتله، فانما هو رجل برجل.

فقال ابوطالب! و الله ما انصفتمونى! تعطونى ابنكم اغذوه لكم، و اعطيكم ابنى تقتلونه! هذا و الله ما لايكون ابدا.

فقال له المطعم بن عدى بن نوفل- و كان له صديقا مصافيا- و الله يا اباطالب ما اراك تريد ان تقبل من قومك شيئا! لعمرى قد جهدوا فى التخلص مما تكره و اراك لاتنصفهم! فقال
ابوطالب: و الله ما انصفونى و لاانصفتنى، و لكنك قد اجمعت على خذلانى و مظاهره القوم على! فاصنع ما بدا لك! قال: فعند ذلك تنابذ القوم و صارت الاحقاد، و نادى بعضهم بعضا، و تذامروا بينهم على من فى القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا (ص).

فوثبت كل قبيله على من فيها منهم، يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم، و منع الله رسوله منهم بعمه ابى طالب، و قام فى بنى هاشم و بنى عبدالمطلب حين راى قريشا تصنع ما تصنع، فدعاهم الى ما هو عليه من منع رسول الله (ص)، و القيام دونه، فاجتمعوا اليه، و قاموا معه، و اجابوه الى ما دعاهم اليه من الدفاع عن رسول الله (ص) الا ما كان من ابى لهب، فانه لم يجتمع معهم على ذلك، فكان ابوطالب يرسل اليه الاشعار، و يناشده النصر، منها القطعه التى اولها: حديث عن ابى لهب اتانا و كانفه على ذاكم رجال و منها القطعه التى اولها: اظننت عنى قد خذلت و غالنى منك الغوائل بعد شيب المكبر و منها القطعه التى اولها: تستعرض الاقوام توسعهم عذرا و ما ان قلت من عذر قال محمد بن اسحاق: فلم يوثر عن ابى لهب خير قط الا ما يروى ان اباسلمه بن عبدالاسد المخزومى، لما وثب عليه قومه ليعذبوه و يفتنوه عن الاسلام هرب منهم، فاستجار
بابى طالب، و ام ابى طالب مخزوميه، و هى ام عبدالله والد رسول الله (ص) فاجاره، فمشى اليه رجال من بنى مخزوم، و قالوا له: يا اباطالب، هبك منعت منا ابن اخيك محمدا، فما لك و لصاحبنا تمنعه منا! قال: انه استجار بى و هو ابن اختى، و ان انا لم امنع ابن اختى، لم امنع ابن اخى فارتفعت اصواتهم و اصواته، فقام ابولهب و لم ينصر اباطالب قبلها و لا بعدها، فقال: يا معشر قريش، و الله لقد اكثرتم على هذا الشيخ، لاتزالون تتوثبون عليه فى جواره من بين قومه! اما و الله لتنتهن عنه او لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما اراد.

فقالوا: بل ننصرف عما تكره يا اباعتبه.

فقاموا فانصرفوا، و كان وليا لهم و معينا على رسول الله (ص) و ابى طالب، فاتقوه و خافوا ان تحمله الحميه على الاسلام، فطمع فيه ابوطالب حيث سمعه قال ما قال، و امل ان يقوم معه فى نصره رسول الله (ص)، فقال يحرضه على ذلك: و ان امرا ابوعتيبه عمه لفى معزل من ان يسام المظالما و لاتقبلن الدهر ما عشت خطه تسب بها اما هبطت المواسما اقول له و اين منه نصيحتى اباعتبه ثبت سوادك قائما و ول سبيل العجز غيرك منهم فانك لم تخلق على العجز لازما و حارب فان الحرب نصف و لن ترى اخا الحرب يع
طى الخسف حتى يسا لما كذبتم و بيت الله نبزى محمدا و لما تروا يوما من الشعب قائما و قال يخاطب ابالهب ايضا: عجبت لحلم يابن شيبه عازب و احلام اقوام لديك سخاف يقولون شايع من اراد محمدا بظلم و قم فى امره بخلاف اضاميم اما حاسد ذو خيانه و اما قريب عنك غير مصاف فلا تركبن الدهر منه ذمامه و انت امرو من خير عبدمناف و لاتتركنه ما حييت لمعظم و كن رجلا ذا نجده و عفاف يذود العدا عن ذروه هاشميه الافهم فى الناس خير الاف فان له قربى لديك قريبه و ليس بذى حلف و لابمضاف و لكنه من هاشم ذى صميمها الى ابحر فوق البحور طواف و زاحم جميع الناس عنه و كن له وزيرا على الاعداء غير مجاف و ان غضبت منه قريش فقل لها بنى عمنا ما قومكم بضعاف و ما بالكم تغشون منه ظلامه و ما بال احقاد هناك خوافى فما قومنا بالقوم يخشون ظلمنا و ما نحن فيماسائهم بخفاف ولكننا اهل الحفائظ و النهى و عز ببطحاء المشاعر واف قال محمد بن اسحاق: فلما طال البلاء على المسلمين و الفتنه و العذاب، و ارتد كثير عن الدين باللسان لا بالقلب، كانوا اذا عذبوهم يقولون: نشهد ان هذا الله، و ان اللات و العزى هى الالهه، فاذا خلوا عنهم عا
دوا الى الاسلام، فحبسوهم و اوثقوهم بالقد، و جعلوهم فى حر الشمس على الصخر و الصفا، و امتدت ايام الشقاء عليهم و لم يصلوا الى محمد (ص) لقيام ابى طالب دونه، فاجمعت قريش على ان يكتبوا بينهم و بين بنى هاشم صحيفه يتعاقدون فيها الا يناكحوهم و لايبايعوهم، و لايجالسوهم، فكتبوها و علقوها فى جوف الكعبه تاكيدا على انفسهم، و كان كاتبها منصور بن عكرمه بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصى.

فلما فعلوا ذلك انحازت هاشم و المطلب، فدخلوا كلهم مع ابى طالب فى الشعب، فاجتمعوا اليه، و خرج منهم ابولهب الى قريش فظاهرها على قومه.

قال محمد بن اسحاق: فضاق الامر ببنى هاشم و عدموا القوت، الا ما كان يحمل اليهم سرا و خفيه، و هو شى ء قليل لايمسك ارماقهم، و اخافتهم قريش، فلم يكن يظهر منهم احد، و لايدخل اليهم احد، و ذلك اشد ما لقى رسول الله (ص) و اهل بيته بمكه.

قال محمد بن اسحاق: فاقاموا على ذلك سنتين او ثلاثا حتى جهدوا الا يصل اليهم شى ء الا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش، و قد كان ابوجهل بن هشام لقى حكيم ابن حزام بن خويلد بن اسد بن عبدالعزى، معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجه بنت خويلد- و هى عند رسول الله محاصره فى الشعب- فتعلق به، و ق
ال: اتحمل الطعام الى بنى هاشم! و الله لاتبرح انت و طعامك حتى افضحك بمكه! فجائه ابوالبخترى العاص بن هشام بن الحارث بن اسد بن عبدالعزى، فقال: ما لك و له! قال: انه يحمل الطعام الى بنى هاشم، فقال ابوالبخترى: يا هذا، ان طعاما كان لعمته عنده بعثت اليه فيه، افتمنعه ان ياتيها بطعامها! خل سبيل الرجل، فابى ابوجهل حتى نال كل منهما من صاحبه، فاخذ له ابو البخترى لحى بعير فضربه به فشجه و وطئه وطا شديدا.

فانصرف و هو يكره ان يعلم رسول الله (ص) و بنوهاشم بذلك، فيشمتوا، فلما اراد الله تعالى من ابطال الصحيفه، و الفرج عن بنى هاشم من الضيق و الازل الذى كانوا فيه، قام هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لوى فى ذلك احسن قيام، و ذلك ان اباه عمرو بن الحارث كان اخا لنضله بن هاشم بن عبدمناف بن قصى من امه، فكان هشام بن عمرو يحسب لذلك و اصلا ببنى هاشم، و كان ذا شرف فى قومه بنى عامر بن لوى، فكان ياتى بالبعير ليلا و قد اوقره طعاما، و بنوهاشم و بنو المطلب فى الشعب، حتى اذا اقبل به فم الشعب فمنع بخطامه من راسه، ثم يضربه على جنبه، فيدخل الشعب عليهم ثم ياتى به مره اخرى، و قد اوقره تمرا، فيصنع به مثل ذلك.

ثم انه مشى
الى زهير بن ابى اميه بن المغيره المخزومى، فقال: يا زهير، ارضيت ان تاكل الطعام و تشرب الشراب و تلبس الثياب، و تنكح النساء، و اخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون و لايبتاع منهم، و لاينكحون و لاينكح اليهم، و لا يواصلون و لا يزارون! اما انى احلف لو كان اخوك ابوالحكم بن هشام و دعوته الى مثل ما دعاك اليه منهم ما اجابك ابدا.

قال: ويحك يا هشام! فماذا اصنع! انما انا رجل واحد، و الله لو كان معى رجل آخر لقمت فى نقض هذه الصحيفه القاطعه.

قال: قد وجدت رجلا، قال: من هو؟ قال: انا، قال زهير: ابغنا ثالثا، فذهب الى مطعم بن عدى بن نوفل بن عبدمناف، فقال له: يا مطعم، ارضيت ان يهلك بطنان من عبد مناف جوعا و جهدا و انت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه! اما و الله لئن امكنتموهم من هذا لتجدن قريشا الى مسائتكم فى غيره سريعه.

قال: ويحك! ماذا اصنع! انما انا رجل واحد، قال قد وجدت ثانيا، قال: من هو؟ قال: انا، قال: ابغنى ثالثا، قال: قد وجدت، قال: من هو؟ قال: زهير بن اميه، قال انا، قال: ابغنا رابعا، فذهب الى ابى البخترى بن هشام، فقال له نحو ما قال للمطعم، قال: و هل من احد يعين على هذا؟ قال، نعم و ذكرهم، قال: فابغنا خامسا، فمضى الى زمعه بن الاسود بن ال
مطلب بن اسد بن عبدالعزى فكلمه، فقال: و هل يعين على ذلك من احد؟ قال: نعم، ثم سمى له القوم، فاتعدوا خطم الحجون ليلا باعلى مكه فاجمعوا امرهم و تعاقدوا على القيام فى الصحيفه حتى ينقضوها.

و قال زهير: انا ابدوكم و اكون اولكم يتكلم، فلما اصبحوا غدوا الى انديتهم، و غدا زهير بن ابى اميه عليه حله له.

فطاف بالبيت سبعا، ثم اقبل على الناس، فقال: يا اهل مكه، اناكل الطعام، و نشرب الشراب، و نلبس الثياب و بنوهاشم هلكى! و الله لااقعد حتى تشق هذه الصحيفه القاطعه الظالمه! و كان ابوجهل فى ناحيه المسجد، فقال: كذبت و الله لاتشق! فقال زمعه بن الاسود لابى جهل: و الله انت اكذب، ما رضينا و الله بها حين كتبت.

فقال ابوالبخترى معه: صدق و الله زمعه، لانرضى بها و لانقر بما كتب فيها! فقال المطعم بن عدى: صدقا و الله، و كذب من قال غير ذلك، نبرا الى الله منها و مما كتب فيها.

و قال هشام بن عمرو مثل قولهم، فقال ابوجهل: هذا امر قضى بليل، و قام مطعم بن عدى الى الصحيفه فحطها و شقها، فوجد الارضه قد اكلتها، الا ما كان من (باسمك اللهم) قالوا: و اما كاتبها منصور بن عكرمه فشلت يده فيما يذكرون.

فلما مزقت الصحيفه خرج بنوهاشم من حصار الشعب.

قال محمد بن اسح
اق: فلم يزل ابوطالب ثابتا صابرا مستمرا على نصر رسول الله (ص) و حمايته و القيام دونه، حتى مات فى اول السنه الحاديه العشره من مبعث رسول الله (ص) فطمعت فيه قريش حينئذ، و نالت منه، فخرج عن مكه خائفا يطلب احياء العرب، يعرض عليهم نفسه، فلم يزل كذلك حتى دخل مكه فى جوار المطعم بن عدى، ثم كان من امره مع الخزرج ما كان ليله العقبه.

قال: و من شعر ابى طالب الذى يذكر فيه رسول الله (ص) و قيامه دونه: ارقت و قد تصوبت النجوم و بت و لاتسالمك الهموم لظلم عشيره ظلموا و عقوا و غب عقوقهم لهم وخيم هم انتهكوا المحارم من اخيهم و كل فعالهم دنس ذميم و راموا خطه جورا و ظلما و بعض القول ذو جنف مليم لتخرج هاشما فتكون منها بلاقع بطن مكه فالحطيم فمهلا قومنا لاتركبونا بمظلمه لها خطب جسيم! فيندم بعضكم و يذل بعض و ليس بمفلح ابدا ظلوم ارادوا قتل احمد زاعميه و ليس بقتله منهم زعيم و دون محمد منا ندى هم العرنين و العضو الصميم و من ذلك قوله: و قالوا لاحمد انت امرو خلوف الحديث ضعيف السبب و ان كان احمد قد جائهم بصدق و لم ياتهم بالكذب فانا و من حج من راكب و كعبه مكه ذات الحجب تنالون احمد او تصطلوا ظبا
ه الرماح و حد القضب و تغترفوا بين ابياتكم صدور العوالى و خيلا شزب تراهن من بين ضافى السبيب قصير الحزام طويل اللبب عليها صناديد من هاشم هم الانجبون مع المنتجب و روى عبدالله بن مسعود، قال: لما فرغ رسول الله (ص) من قتلى بدر و امر بطرحهم فى القليب، جعل يتذكر من شعر ابى طالب بيتا فلا يحضره، فقال له ابوبكر: لعله قوله يا رسول الله: و انا لعمر الله ان جد جدنا لتلتبسن اسيافنا بالاماثل فسر بظفره بالبيت، و قال: اى لعمر الله، لقد التبست.

و من شعر ابى طالب قوله: الا ابلغا عنى لويا رساله بحق و ما تغنى رساله مرسل بنى عمنا الادنين فيما يخصهم و اخواننا من عبدشمس و نوفل اظاهرتم قوما علينا سفاهه و امرا غويا من غواه و جهل يقولون لو انا قتلنا محمدا اقرت نواصى هاشم بالتذلل كذبتم و رب الهدى تدمى نحوره بمكه، و البيت العتيق المقبل تنالونه، او تصطلوا دون نيله صوارم تفرى كل عضو و مفصل فمهلا و لما تنتج الحرب بكرها بخيل تمام، او باخر معجل و تلقوا بيع الابطحين محمدا على ربوه فى راس عنقاء عيطل و تاوى اليه هاشم، ان هاشما عرانين كعب آخر بعد اول فان كنتم ترجون قتل محمد فروموا بما جمعتم
نقل يذبل فانا سنحميه بكل طمره و ذى ميعه نهد المراكل هيكل و كل ردينى ظماء كعوبه و عضب كايماض الغمامه مفصل قلت: كان صديقنا على بن يحيى البطريق رحمه الله، يقول: لولا خاصه النبوه و سرها لما كان مثل ابى طالب- و هو شيخ قريش و رئيسها و ذو شرفها- يمدح ابن اخيه محمدا، و هو شاب قد ربى فى حجره و هو يتيمه و مكفوله، و جار مجرى اولاده بمثل قوله: و تلقوا ربيع الابطحين محمدا على ربوه فى راس عنقاء عيطل و تاوى اليه هاشم، ان هاشما عرانين كعب آخر بعد اول و مثل قوله: و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمه للارامل يطيف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده فى نعمه و فواضل فان هذا الاسلوب من الشعر لا يمدح به التابع و الذنابى من الناس، و انما هو من مديح الملوك و العظماء، فاذا تصورت انه شعر ابى طالب، ذاك الشيخ المبجل العظيم فى محمد (ص)، و هو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه فى حجره غلاما، و على عاتقه طفلا، و بين يديه شابا، ياكل من زاده، و ياوى الى داره، علمت موضع خاصيه النبوه و سرها، و ان امره كان عظيما، و ان الله تعالى اوقع فى القلوب و الانفس له منزله رفيعه و مكانا جليلا.

و قرات فى "امالى ابى جعفر ب
ن حبيب" رحمه الله، قال: كان ابوطالب اذا راى رسول الله (ص) احيانا يبكى و يقول: اذا رايته ذكرت اخى، و كان عبدالله اخاه لابويه، و كان شديد الحب و الحنو عليه، و كذلك كان عبدالمطلب شديد الحب له و كان ابوطالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات اذا عرف مضجعه، يقيمه ليلا من منامه، و يضجع ابنه عليا مكانه، فقال له على ليله: يا ابت، انى مقتول، فقال له: اصبرن يا بنى فالصبر احجى كل حى مصيره لشعوب قدر الله و البلاء شديد لفداء الحبيب و ابن الحبيب لفداء الاعز ذى الحسب الثا قب و الباع و الكريم النجيب ان تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها و غير مصيب كل حى و ان تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب فاجاب على (ع) فقال له: اتامرنى بالصبر فى نصر احمد و و الله ما قلت الذى قلت جازعا و لكننى احببت ان ترى نصرتى و تعلم انى لم ازل لك طائعا ساسعى لوجه الله فى نصر احمد نبى الهدى المحمود طفلا و يافعا (القول فى المومنين و الكافرين من بنى هاشم) الفصل الثانى: فى تفسير قوله (ع) (مومننا ينبغى بذلك الاجر، و كافرنا يحامى عن الاصل، و من اسلم من قريش خلو مما نحن فيه لحلف يمنعه، او عشيره تقوم دونه فهم من القتل بمكان
امن)، فنقول: ان بنى هاشم لما حصروا فى الشعب بعد ان منعوا رسول الله (ص) من قريش، كانوا صنفين: مسلمين و كفارا، فكان على (ع) و حمزه بن عبدالمطلب مسلمين.

و اختلف فى جعفر بن ابى طالب: هل حصر فى الشعب معهم ام لا؟ فقيل: حصر فى الشعب معهم، و قيل: بل كان قد هاجر الى الحبشه، و لم يشهد حصار الشعب، و هذا هو القول الاصح.

و كان من المسلمين المحصورين فى الشعب مع بنى هاشم عبيده بن الحارث بن المطلب بن عبدمناف، و هو و ان لم يكن من بنى هاشم الا انه يجرى مجراهم، لان بنى المطلب و بنى هاشم كانوا يدا واحده، لم يفترقوا فى جاهليه و لا اسلام.

و كان العباس رحمه الله فى حصار الشعب معهم الا انه كان على دين قومه، و كذلك عقيل بن ابى طالب، و طالب بن ابى طالب، و نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، و ابوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، و ابنه الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب- و كان شديدا على رسول الله (ص)، يبغضه و يهجوه بالاشعار، الا انه كان لايرضى بقتله، و لا يقار قريشا فى دمه، محافظه على النسب- و كان سيد المحصورين فى الشعب و رئيسهم و شيخهم ابوطالب بن عبدالمطلب، و هو الكافل و المحامى.

(اختلاف الراى فى ايمان ابى طالب) و اختلف الناس فى ايمان اب
ى طالب، فقالت الاماميه و اكثر الزيديه: ما مات الا مسلما.

و قال بعض شيوخنا المعتزله بذلك، منهم الشيخ ابوالقاسم البلخى و ابوجعفر الاسكافى و غيرهما.

و قال اكثر الناس من اهل الحديث و العامه من شيوخنا البصريين و غيرهم: مات على دين قومه، و يروون فى ذلك حديثا مشهورا، ان رسول الله (ص) قال له عند موته: قل يا عم كلمه اشهد لك بها غدا عندالله تعالى، فقال: لولا ان تقول العرب: ان اباطالب جزع عند الموت لاقررت بها عينك.

و روى انه قال: انا على دين الاشياخ.

و قيل انه قال: انا على دين عبدالمطلب.

و قيل غير ذلك.

و روى كثير من المحدثين ان قوله تعالى: (ما كان للنبى و الذين آمنوا معه ان يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم، و ما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعده وعدها اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرا منه...) الايه، انزلت فى ابى طالب، لان رسول الله استغفر له بعد موته.

و رووا ان قوله تعالى: (انك لاتهدى من احببت) نزلت فى ابى طالب.

و رووا ان عليا (ع) جاء الى رسول الله (ص) بعد موت ابى طالب، فقال له: ان عمك الضال قد قضى، فما الذى تامرنى فيه؟ و احتجوا بانه لم ينقل احد عنه انه رآه يصلى، و الصلا
ه هى المفرقه بين المسلم و الكافر، و ان عليا و جعفرا لم ياخذا من تركته شيئا، و رووا عن النبى (ص) انه قال (ان الله قد وعدنى بتخفيف عذابه لما صنع فى حقى، و انه فى ضحضاح من نار).

و رووا عنه ايضا انه قيل له: لو استغفرت لابيك و امك! فقال: (لو استغفرت لهما لاستغفرت لابى طالب، فانه صنع الى ما لم يصنعا.

و ان عبدالله و آمنه و اباطالب جمرات من جمرات جهنم).

فاما الذين زعموا انه كان مسلما، فقد رووا خلاف ذلك، و اسندوا خبرا الى اميرالمومنين (ع)، انه قال: قال رسول الله (ص): قال لى جبرائيل: ان الله مشفعك فى سته: بطن حملتك، آمنه بنت وهب، و صلب انزلك، عبدالله بن عبدالمطلب، و حجر كفلك، ابى طالب، و بيت آواك، عبدالمطلب، و اخ كان لك فى الجاهليه- قيل: يا رسول الله، و ما كان فعله؟ قال: كان سخيا يطعم الطعام، و يجود بالنوال- و ثدى ارضعتك، حليمه بنت ابى ذويب.

قلت: سالت النقيب اباجعفر يحيى بن ابى زيد عن هذا الخبر، و قد قراته عليه: هل كان لرسول الله (ص) اخ من ابيه او من امه او منهما فى الجاهليه، فقال لا، انما يعنى اخا له فى الموده و الصحبه، قلت له: فمن هو؟ قال: لا ادرى.

قالوا: و قد نقل الناس كافه عن رسول الله (ص) انه قال: نقلنا من الاصلا
ب الطاهره الى الارحام الزكيه.

فوجب بهذا ان يكون آباوه كلهم منزهين عن الشرك، لانهم لو كانوا عبده اصنام لما كانوا طاهرين.

قالوا: و اما ما ذكر فى القرآن من ابراهيم و ابيه آزر، و كونه كان ضالا مشركا، فلا يقدح فى مذهبنا، لان آزر كان عم ابراهيم، فاما ابوه فتارخ بن ناحور، و سمى العم ابا، كما قال: (ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد الهك و اله آبائك)، ثم عد فيهم اسماعيل و ليس من آبائه، و لكنه عمه.

قلت: و هذا الاحتجاج عندى ضعيف، لان المراد من قوله: (نقلنا من الاصلاب الطاهره الى الارحام الزكيه) تنزيه آبائه و اجداده و امهاته عن السفاح لا غير، هذا مقتضى سياقه الكلام، لان العرب كان يعيب بعضها بعضا باختلاط المياه و اشتباه الانساب و نكاح الشبهه.

و قولهم: لو كانوا عبده اصنام لما كانوا طاهرين، يقال لهم: لم قلتم: انهم لو كانوا عبده اصنام لما كانوا طاهرى الاصلاب! فانه لا منافاه بين طهاره الاصلاب و عباده الصنم، الا ترى انه لو اراد ما زعموه لما ذكر الاصلاب و الارحام، بل جعل عوضها العقائد.

و اعتذارهم عن ابراهيم و ابيه يقدح فى قولهم فى ابى طالب، لانه لم يكن ابامحمد (ص)، بل كان عمه، فاذا جاز
عندهم ان يكون العم- و هو آزر- مشركا كما قد اقترحوه فى تاويلهم، لم يكن لهم حجه من هذا الوجه على اسلام ابى طالب.

و احتجوا فى اسلام الاباء بما روى عن جعفر بن محمد (ع) انه قال: يبعث الله عبدالمطلب يوم القيامه و عليه سيماء الانبياء و بهاء الملوك.

و روى ان العباس بن عبدالمطلب قال لرسول الله (ص) بالمدينه: يا رسول الله، ما ترجو لابى طالب؟ فقال: ارجو له كل خير من الله عز و جل.

و روى ان رجلا من رجال الشيعه، و هو ابان بن محمود كتب الى على بن موسى الرضا (ع): جعلت فداك! انى قد شككت فى اسلام ابى طالب! فكتب اليه: (و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المومنين.

) الايه، و بعدها انك ان لم تقر بايمان ابى طالب كان مصيرك الى النار.

و قد روى عن على بن محمد الباقر (ع) انه سئل عما يقوله الناس: ان اباطالب فى ضحضاح من نار، فقال: لو وضع ايمان ابى طالب فى كفه ميزان و ايمان هذا الخلق فى الكفه الاخرى لرجح ايمانه.

ثم قال: الم تعلموا ان اميرالمومنين عليا (ع) كان يامر ان يحج عن عبدالله و ابيه ابى طالب فى حياته، ثم اوصى فى وصيته بالحج عنهم! و روى ان ابابكر جاء بابى قحافه الى النبى (ص) عام الفتح يقوده، و هو شيخ كبير اعمى
، فقال رسول الله: الا تركت الشيخ حتى ناتيه! فقال: اردت يا رسول الله ان ياجره الله! اما و الذى بعثك بالحق لانا كنت اشد فرحا باسلام عمك ابى طالب منى باسلام ابى، التمس بذلك قره عينك، فقال: صدقت.

و روى ان على بن الحسين (ع) سئل عن هذا، فقال: واعجبا! ان الله تعالى نهى رسوله ان يقر مسلمه على نكاح كافر، و قد كانت فاطمه بنت اسد من السابقات الى الاسلام، و لم تزل تحت ابى طالب حتى مات.

و يروى قوم من الزيديه ان اباطالب اسند المحدثون عنه حديثا ينتهى الى ابى رافع مولى رسول الله (ص)، قال: سمعت اباطالب يقول بمكه: حدثنى محمد ابن اخى ان ربه بعثه بصله الرحم، و ان يعبده وحده لايعبد معه غيره، و محمد عندى الصادق الامين.

و قال قوم: ان قول النبى (ص): (انا و كافل اليتيم كهاتين فى الجنه) انما عنى به اباطالب.

و قالت الاماميه: ان ما يرويه العامه من ان عليا (ع) و جعفر الم ياخذا من تركه ابى طالب شيئا حديث موضوع، و مذهب اهل البيت بخلاف ذلك، فان المسلم عندهم يرث الكافر، و لايرث الكافر المسلم، و لو كان اعلى درجه منه فى النسب.

قالوا: و قوله (ص): (لا توارث بين اهل ملتين)، نقول بموجبه، لان التوارث تفاعل، و لاتفاعل عندنا فى ميراثهما، و اللفظ يستد
عى الطرفين، كالتضارب لايكون الا من اثنين، قالوا: و حب رسول الله (ص) لابى طالب معلوم مشهور، و لو كان كافرا ما جاز له حبه، لقوله (تعالى لاتجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله...) الايه.

قالوا: و قد اشتهر و استفاض الحديث و هو قوله (ص) لعقيل: (انا احبك حبين حبا لك و حبا لحب ابى طالب فانه كان يحبك).

قالوا: و خطبه النكاح مشهوره، خطبها ابوطالب عند نكاح محمد (ص) خديجه و هى قوله: (الحمد لله الذى جعلنا من ذريه ابراهيم و زرع اسماعيل، و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا، و جعلنا الحكام على الناس.

ثم ان محمد بن عبدالله اخى من لا يوازن به فتى من قريش الا رجح عليه برا و فضلا، و حزما و عقلا، و رايا و نبلا، و ان كان فى المال قل فانما المال ظل زائل، و عاريه مسترجعه، و له فى خديجه بنت خويلد رغبه، و لها فيه مثل ذلك، و ما احببتم من الصداق فعلى، و له و الله بعد نبا شائع و خطب جليل).

قالوا: افتراه يعلم نباه الشائع و خطبه الجليل، ثم يعانده و يكذبه، و هو من اولى الالباب! هذا غير سائغ فى العقول.

قالوا: و قد روى عن ابى عبدالله جعفر بن محمد (ع) ان رسول الله (ص) قال: (ان اصحاب الكهف اسروا الايمان، و اظهروا الكفر
فاتاهم الله اجرهم مرتين، و ان اباطالب اسر الايمان، و اظهر الشرك، فاتاه الله اجره مرتين).

و فى الحديث المشهور: ان جبرائيل (ع) قال له ليله مات ابوطالب: (اخرج منها فقد مات ناصرك).

قالوا: و اما حديث الضحضاح من النار، فانما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد، و هو المغيره بن شعبه، و بغضه لبنى هاشم و على الخصوص لعلى (ع) مشهور معلوم و قصته و فسقه امر غير خاف.

و قالوا: و قد روى باسانيد كثيره بعضها عن العباس بن عبدالمطلب، و بعضها عن ابى بكر بن ابى قحافه، ان اباطالب ما مات حتى قال: لا اله الا الله محمد رسول الله.

و الخبر مشهور ان اباطالب عند الموت قال كلاما خفيا، فاصغى اليه اخوه العباس، ثم رفع راسه الى رسول الله (ص) فقال: يابن اخى، و الله لقد قالها عمك، و لكنه ضعف عن ان يبلغك صوته.

و روى عن على (ع) انه قال: مامات ابوطالب حتى اعطى رسول الله (ص) من نفسه الرضا.

قالوا: و اشعار ابى طالب تدل على انه كان مسلما، و لا فرق بين الكلام المنظوم و المنثور اذا تضمنا اقرارا بالاسلام، الا ترى ان يهوديا لو توسط جماعه من المسلمين، و انشد شعرا قد ارتجله و نظمه يتضمن الاقرار بنبوه محمد (ص) لكنا نحكم باسلامه كما لو قال: اشهد ان محمدا رسول الله (
ص)! فمن تلك الاشعار قوله: يرجون منا خطه دون نيلها ضراب و طعن بالوشيج المقوم يرجون ان نسخى بقتل محمد و لم تختضب سمر العوالى من الدم كذبتم و بيت الله حتى تفلقوا جماجم تلقى بالحطيم و زمزم و تقطع ارحام و تنسى حليله حليلا و يغشى محرم بعد محرم على ما مضى من مقتكم و عقوقكم و غشيانكم فى امركم كل ماثم و ظلم نبى جاء يدعو الى الهدى و امر اتى من عند ذى العرش قيم فلا تحسبونا مسلميه فمثله اذا كان فى قوم فليس بمسلم و من شعر ابى طالب فى امر الصحيفه التى كتبتها قريش فى قطيعه بنى هاشم: الا ابلغا عنى على ذات بينها لو و خصا من لوى بنى كعب الم تعلموا انا وجدنا محمدا رسولا كموسى خط فى اول الكتب و ان عليه فى العباد محبه و لا حيف فيمن خصه الله بالحب و ان الذى رقشتم فى كتابكم يكون لكم يوما كراغيه السقب افيقوا افيقوا قبل ان تحفر الزبى و يصبح من لم يجن ذنبا كذى ذنب و لاتتبعوا امر الغواه و تقطعوا اواصرنا بعد الموده و القرب و تستجلبوا حربا عوانا و ربما امر على من ذاقه حلب الحرب فلسنا و بيت الله نسلم احمدا لعزاء من عض الزمان و لاكرب و لما تبن منا و منكم سوالف و ايد اترت بالمه
نده الشهب بمعترك ضيق ترى قصد القنا به و الضباع العرج تعكف كالشرب كان مجال الخيل فى حجراته و غمغمه الابطال معركه الحرب اليس ابونا هاشم شد ازره و اوصى بنيه بالطعان و بالضرب! و لسنا نمل الحرب حتى تملنا و لانشتكى مما ينوب من النكب و لكننا اهل الحفائظ و النهى اذا طار ارواح الكماه من الرعب و من ذلك قوله: فلا تسفهوا احلامكم فى محمد و لاتتبعوا امر الغواه الاشائم تمنيتم ان تقتلوه و انما امانيكم هذى كاحلام نائم و انكم و الله لاتقتلونه و لما تروا قطف اللحى و الجماجم زعمتم بانا مسلمون محمدا و لما نقاذف دونه و نزاحم من القوم مفضال ابى على العدا تمكن فى الفرعين من آل هاشم امين حبيب فى العباد مسوم بخاتم رب قاهر فى الخواتم يرى الناس برهانا عليه وهيبه و ما جاهل فى قومه مثل عالم نبى اتاه الوحى من عند ربه و من قال لايقرع بها سن نادم و من ذلك قوله- و قد غضب لعثمان بن مظعون الجمحى، حين عذبته قريش و نالت منه: امن تذكر دهر غير مامون اصبحت مكتئبا تبكى كمحزون ام من تذكر اقوام ذوى سفه يغشون بالظلم من يدعو الى الدين الا يرون- اذل الله جمعهم انا غضبنا لعثمان بن مظعون و ن
منع الضيم من يبغى مضامننا بكل مطرد فى الكف مسنون و مرهفات كان الملح خالطها يشفى بها الداء من هام المجانين حتى تقر رجال لا حلوم لها بعد الصعوبه بالاسماح و اللين او تومنوا بكتاب منزل عجب على نبى موسى او كذى النون قالوا: و قد جاء فى الخبر ان اباجهل بن هشام جاء مره الى رسول الله (ص) و هو ساجد و بيده حجر يريد ان يرضخ به راسه، فلصق الحجر بكفه فلم يستطع ما اراد، فقال ابوطالب فى ذلك من جمله ابيات: افيقوا بنى عمنا و انتهوا عن الغى من بعض ذا المنطق و الا فانى اذا خائف بوائق فى داركم تلتقى كما ذاق من كان من قبلكم ثمود و عاد و ماذا بقى! و منها: و اعجب من ذاك فى امركم عجائب فى الحجر الملصق بكف الذى قام من حينه الى الصابر الصادق المتقى فاثبته الله فى كفه على رغمه الخائن الاحمق قالوا: و قد اشتهر عن عبدالله المامون رحمه الله انه كان يقول: اسلم ابوطالب و الله بقوله: نصرت الرسول رسول المليك ببيض تلالا كلمع البروق اذب و احمى رسول الاله حمايه حام عليه شفيق و ما ان ادب لاعدائه دبيب البكار حذار الفنيق و لكن ازير لهم ساميا كما زار ليث بغيل مضيق قالوا: و قد جاء فى السيره، و ذك
ره اكثر المورخين، ان عمرو بن العاص لما خرج الى بلاد الحبشه ليكيد جعفر بن ابى طالب و اصحابه عند النجاشى، قال: تقول ابنتى، اين اين الرحيل؟ و ما البين منى بمستنكر فقلت: دعينى فانى امرو اريد النجاشى فى جعفر لاكويه عنده كيه اقيم بها نخوه الاصعر و لن انثنى عن بنى هاشم بما اسطعت فى الغيب و المحضر و عن عائب اللات فى قوله و لولا رضا اللات لم تمطر و انى لاشنى قريش له و ان كان كالذهب الاحمر قالوا: فكان عمرو يسمى الشانى ء ابن الشانى ء، لان اباه كان اذا مر عليه رسول الله (ص) بمكه يقول له: و الله انى لاشنوك، و فيه انزل: (ان شانئك هو الابتر).

قالوا: فكتب ابوطالب الى النجاشى شعرا يحرضه فيه على اكرام جعفر و اصحابه و الاعراض عما يقوله عمرو فيه و فيهم، من جملته: الا ليت شعرى كيف فى الناس جعفر و عمرو و اعداء النبى الاقارب! و هل نال احسان النجاشى جعفرا و اصحابه، ام عاق عن ذاك شاغب! فى ابيات كثيره.

قالوا: و روى عن على (ع) انه قال: قال لى ابى: يا بنى الزم ابن عمك، فانك تسلم به من كل باس عاجل و آجل، ثم قال لى: ان الوثيقه فى لزوم محمد فاشدد بصحبته على ايديكا و من شعره المناسب لهذا المعنى قوله: ان
عليا و جعفرا ثقتى عند ملم الزمان و النوب لاتخذلا و انصرا ابن عمكما اخى لامى من بينهم و ابى و الله لااخذل النبى و لا يخذله من بنى ذو حسب قالوا: و قد جائت الروايه ان اباطالب لما مات جاء على (ع) الى رسول الله (ص)، فاذنه بموته، فتوجع عظيما و حزن شديدا، ثم قال له: امض فتول غسله، فاذا رفعته على سريره فاعلمنى، ففعل، فاعترضه رسول الله (ص) و هو محمول على رئوس الرجال، فقال: وصلتك رحم يا عم، و جزيت خيرا! فلقد ربيت و كفلت صغيرا و نصرت و آزرت كبيرا، ثم تبعه الى حفرته، فوقف عليه، فقال: اما و الله لاستغفرن لك و لاشفعن فيك شفاعه يعجب لها الثقلان.

قالوا: و المسلم لايجوز ان يتولى غسل الكافر، و لايجوز للنبى ان يرق لكافر، و لا ان يدعو له بخير، و لا ان يعده بالاستغفار و الشفاعه، و انما تولى على (ع) غسله، لان طالبا و عقيلا لم يكونا اسلما، بعد و كان جعفر بالحبشه، و لم تكن صلاه الجنائز شرعت بعد، و لا صلى رسول الله (ص) على خديجه، و انما كان تشييع و رقه و دعاء.

قالوا: و من شعر ابى طالب يخاطب اخاه حمزه، و كان يكنى ابايعلى: فصبرا ابا يعلى على دين احمد و كن مظهرا للدين وفقت صابرا و حط من اتى بالحق من عند ربه بصدق و عزم
لا تكن حمز كافرا فقد سرنى اذ قلت انك مومن فكن لرسول الله فى الله ناصرا و باد قريشا بالذى قد اتيته جهارا و قل ما كان احمد ساحرا قالوا: و من شعره المشهور: انت النبى محمد قرم اعز مسود لمسودين اكارم طابوا و طاب المولد نعم الارومه اصلها عمرو الخضم الاوحد هشم الربيكه فى الجفا ن و عيش مكه انكد فجرت بذلك سنه فيها الخبيزه تثرد و لنا السقايه للحجي ج بها يماث العنجد و المازمان و ما حوت عرفاتها و المسجد انى تضام و لم امت و انا الشجاع العربد و بطاح مكه لايرى فيها نجيع اسود و بنو ابيك كانهم اسد العرين توقد و لقد عهدتك صادقا فى القول لاتتزيد ما زلت تنطق بالصوا ب و انت طفل امرد قالوا: و من شعره المشهور ايضا قوله يخاطب محمدا، و يسكن جاشه، و يامره باظهار الدعوه: لايمنعنك من حق تقوم به ايد تصول و لاسلق باصوات فان كفك كفى ان بليت بهم و دون نفسك نفسى فى الملمات و من ذلك قوله، و يقال انها لطالب بن ابى طالب: اذا قيل من خير هذا الورى قبيلا و اكرمهم اسره؟ اناف لعبد مناف اب و فضله هاشم العزه لقد حل مجد بنى هاشم مكان النعائم و النثره و خير بنى هاشم احمد ر
سول الاله على فتره و من ذلك قوله: لقد اكرم الله النبى محمدا فاكرم خلق الله فى الناس احمد و شق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود و هذا محمد و قوله ايضا، و قد يروى لعلى (ع): يا شاهد الله على فاشهد انى على دين النبى احمد من ضل فى الدين فانى مهتد قالوا: فكل هذه الاشعار قد جائت مجى ء التواتر، لانه ان لم تكن آحادها متواتره، فمجموعها يدل على امر واحد مشترك، و هو تصديق محمد (ص)، و مجموعها متواتر، كما ان كل واحده من قتلات على (ع) الفرسان منقوله آحادا، و مجموعها متواتر، يفيدنا العلم الضرورى بشجاعته، و كذلك القول فيما روى من سخاء حاتم، و حلم الاحنف و معاويه، و ذكاء اياس و خلاعه ابى نواس، و غير ذلك، قالوا: و اتركوا هذا كله جانبا، ما قولكم فى القصيده اللاميه التى شهرتها كشهره "قفانبك" و ان جاز الشك فيها او فى شى ء من ابياتها، جاز الشك فى "قفانبك" و فى بعض ابياتها، و نحن نذكر منها هاهنا قطعه و هى قوله: اعوذ برب البيت من كل طاعن علينا بسوء او يلوح بباطل و من فاجر يغتابنا بمغيبه و من ملحق فى الدين مالم نحاول كذبتم و بيت الله يبزى محمد و لما نطاعن دونه و نناضل و ننصره حتى نصرع دونه و نذهل عن ابنا
ئنا و الحلائل و حتى نرى ذا الردع يركب ردعه من الطعن فعل الانكب المتحامل و ينهض قوم فى الحديد اليكم نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل و انا و بيت الله من جد جدنا لتلتبسن اسيافنا بالاماثل بكل فتى مثل الشهاب سميدع اخى ثقه عندالحفيظه باسل و ما ترك قوم لا ابالك سيدا يحوط الذمار غير نكس مواكل و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمه للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده فى نعمه و فواضل و ميزان صدق لا يخيس شعيره و وزان صدق وزنه غير عائل الم تعلموا ان ابننا لا مكذب لدينا و لايعبا بقول الاباطل لعمرى لقد كلفت وجدا باحمد و احببته حب الحبيب المواصل و جدت بنفسى دونه فحميته و دافعت عنه بالذرى و الكواهل فلا زال للدنيا جمالا لاهلها و شينا لمن عادى و زين المحافل و ايده رب العباد بنصره و اظهر دينا حقه غير باطل و ورد فى السيره و المغازى ان عتبه بن ربيعه او شيبه لما قطع رجل عبيده بن الحارث بن المطلب يوم بدر اشبل عليه على و حمزه فاستنقذاه منه و خبطا عتبه بسيفيهما حتى قتلاه، و احتملا صاحبهما من المعركه الى العريش، فالقياه بين يدى رسول الله (ص)، و ان مخ ساقه ليسيل، فقال: يا
رسول الله، لو كان ابوطالب حيا لعلم انه قد صدق فى قوله: كذبتم و بيت الله نخلى محمدا و لما نطاعن دونه و نناضل و ننصره حتى نصرع حوله و نذهل عن ابنائنا و الحلائل فقالوا: ان رسول الله (ص) استغفر له و لابى طالب يومئذ، و بلغ عبيده مع النبى (ص) الى الصفراء فمات فدفن بها.

قالوا: و قد روى ان اعرابيا جاء الى رسول الله (ص) فى عام جدب، فقال: اتيناك يا رسول الله و لم يبق لنا صبى يرتضع، و لاشارف يجتر ثم انشده: اتيناك و العذراء تدمى لبانها و قد شغلت ام الرضيع عن الطفل و القى بكفيه الفتى لاستكانه من الجوع حتى ما يمر و لا يحلى و لا شى مما ياكل الناس عندنا سوى الحنظل العامى و العلهز الفسل و ليس لنا الا اليك فرارنا و اين فرار الناس الا الى الرسل! فقام النبى (ص) يجر ردائه، حتى صعد المنبر، فحمد الله و اثنى عليه، و قال: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مرئيا هنيئا، مريعا سحا سجالا، غدقا طبقا قاطبا دائما، درا تحيى به الارض، و تنبت به الزرع، و تدر به الضرع و اجعله سقيا نافعا عاجلا غير رائث.

فو الله مارد رسول الله (ص) يده الى نحره حتى القت السماء ارواقها، و جاء الناس يضجون: الغرق الغرق يا رسول الله! فقال: اللهم حوالين
ا و لا علينا، فانجاب السحاب عن المدينه حتى استدار حولها كالاكليل.

فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه، ثم قال: لله در ابى طالب! لو كان حيا لقرت عينه.

من ينشدنا قوله؟ فقام على فقال: يا رسول الله، لعلك اردت: و ابيض يستسقى الغمام بوجهه قال: اجل، فانشده ابياتا من هذه القصيده، و رسول الله يستغفر لابى طالب على المنبر، ثم قام رجل من كنانه فانشده: لك الحمد و الحمد ممن شكر سقينا بوجه النبى المطر دعا الله خالقه دعوه اليه، و اشخص منه البصر فما كن الا كما ساعه او اقصر حتى راينا الدرر دفاق العز الى و جم البعاق اغاث به الله عليا مضر فكان كما قاله عمه ابوطالب ذو رواء غرر به يسر الله صوب الغمام فهذا العيان و ذاك الخبر فمن يشكر الله يلق المزيد و من يكفر الله يلق الغير فقال رسول الله: ان يكن شاعر احسن فقد احسنت.

قالوا: و انما لم يظهر ابوطالب الاسلام و يجاهر به، لانه لو اظهره لم يتهيا له من نصره النبى (ص) ما تهيا، له و كان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه، نحو ابى بكر و عبدالرحمن بن عوف، و غيرهما ممن اسلم، و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه حينئذ، و انما تمكن ابوطالب من المحاماه عنه بالثبات فى الظاهر على د
ين قريش و ان ابطن الاسلام، كما لو ان انسانا كان يبطن التشيع مثلا، و هو فى بلد من بلاد الكراميه، و له فى ذلك البلد و جاهه و قدم، و هو يظهر مذهب الكراميه، و يحفظ ناموسه بينهم بذلك، و كان فى ذلك البلد نفر يسير من الشيعه لايزالون ينالون بالاذى و الضرر من اهل ذلك البلد و روسائه، فانه مادام قادرا على اظهار مذهب اهل البلد، يكون اشد تمكنا من المدافعه و المحاماه عن اولئك النفر، فلو اظهر ما يجوز من التشيع، و كاشف اهل البلد بذلك، صار حكمه حكم واحد من اولئك النفر، و لحقه من الاذى و الضرر ما يلحقهم، و لم يتمكن من الدفاع احيانا عنهم كما كان اولا.

قلت: فاما انا فان الحال ملتبسه عندى، و الاخبار متعارضه، و الله اعلم بحقيقه حاله كيف كانت.

و يقف صدرى رساله النفس الزكيه الى المنصور، و قوله فيها: (فانا ابن خير الاخيار، و انا ابن شر الاشرار، و انا ابن سيد اهل الجنه، و انا ابن سيد اهل النار).

فان هذه شهاده منه على ابى طالب بالكفر، و هو ابنه و غير متهم عليه، و عهده قريب من عهد النبى (ص)، لم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا.

و جمله الامر انه قد روى فى اسلامه اخبار كثيره، و روى فى موته على دين قومه اخبار كثيره، فتعارض الجرح و التعديل، فك
ان كتعارض البينتين عند الحاكم، و ذلك يقتضى التوقف، فانا فى امره من المتوقفين.

فاما الصلاه و كونه لم ينقل عنه انه صلى، فيجوز ان يكون لان الصلاه لم تكن بعد قد فرضت، و انما كانت نفلا غير واجب، فمن شاء صلى، و من شاء ترك، و لم تفرض الا بالمدينه.

و يمكن ان يقول اصحاب الحديث: اذا تعارض الجرح و التعديل كما قد اشرتم اليه، فالترجيح عند اصحاب اصول الفقه لجانب الجرح، لان الجارح قد اطلع على زياده لم يطلع عليها المعدل.

و لخصومهم ان يجيبوا عن هذا فنقول: ان هذا انما يقال و يذكر فى اصول الفقه فى طعن مفصل فى مقابله تعديل مجمل، مثاله ان يروى شعبه مثلا حديثا عن رجل، فهو بروايته عنه قد و ثقه، و يكفى فى توثيقه له ان يكون مستور الحال، ظاهره العداله، فيطعن فيه الدار قطنى مثلا بان يقول: كان مدلسا، او كان يرتكب الذنب الفلانى، فيكون قد طعن طعنا مفصلا فى مقابله تعديل مجمل، و فيما نحن فيه و بصدده الروايتان متعارضتان تفصيلا لا اجمالا، لان هولاء يروون انه تلفظ بكلمتى الشهاده عند الموت، و هولاء يروون انه قال عند الموت: انا على دين الاشياخ.

و بمثل هذا يجاب على من يقول من الشيعه: روايتنا فى اسلامه ارجح، لانا نروى حكما ايجابيا و نشهد على اثبا
ت، و خصومنا يشهدون على النفى، و لا شهاده على النفى، و ذلك ان الشهاده فى الجانبين معا، انما هى على اثبات، و لكنه اثبات متضاد.

و صنف بعض الطالبيين فى هذا العصر كتابا فى اسلام ابى طالب، و بعثه الى، و سالنى ان اكتب عليه بخطى نظما او نثرا، اشهد فيه بصحه ذلك، و بوثاقه الادله عليه، فتحرجت ان احكم بذلك حكما قاطعا، لما عندى من التوقف فيه، و لم استجز ان اقعد عن تعظيم ابى طالب، فانى اعلم انه لولاه لما قامت للاسلام دعامه.

و اعلم ان حقه واجب على كل مسلم فى الدنيا الى ان تقوم الساعه، فكتبت على ظاهر المجلد: و لولا ابوطالب و ابنه لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكه آوى و حامى و هذا بيثرب جس الحماما تكفل عبدمناف بامر و اودى فكان على تماما فقل فى ثبير مضى بعد ما قضى ما قضاه و ابقى شماما فلله ذا فاتحا للهدى و لله ذا للمعالى ختاما و ما ضر مجد ابى طالب جهول لغا او بصير تعامى كما لايضر اياه الصبا من ظن ضوء النهار الضلاما فوفيته حقه من التعظيم و الاجلال، و لم اجزم بامر عندى فيه وقفه.

(قصه غزوه بدر) الفصل الثالث: فى شرح القصه فى غزاه بدر، و نحن نذكر ذلك من كتاب "المغازى" لمحمد بن عمر الواقدى، و نذكر م
ا عساه زاده محمد بن اسحاق فى كتاب "المغازى"، و ما زاده (احمد بن) يحيى بن جابر البلاذرى فى "تاريخ الاشراف".

قال الواقدى: بلغ رسول الله (ص) ان عير قريش قد فصلت من مكه تريد الشام، و قد جمعت قريش فيها اموالها، فندب لها اصحابه، و خرج يعترضها على راس سته عشر شهرا من مهاجره (ع)، فخرج فى ضمخين و مائه- و يقال فى مائتين- فلم يلق العير، و فاتته ذاهبه الى الشام... و هذه غزاه ذى العشيره، رجع منها الى المدينه فلم يلق حربا، فلما تحين انصراف العير من الشام قافله ندب اصحابه لها، و بعث طلحه بن عبيد الله و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قبل خروجه من المدينه بعشر ليال، يتجسسان خبر العير، حتى نزلا على كشد الجهنى بالموضع المعروف بالنخبار، و هو من وراء ذى المروه على الساحل، فاجارهما و انزلهما، فلم يزالا مقيمين فى خباء وبر حتى مرت العير، فرفعهما على نشز من الارض، فنظرا الى القوم و الى ما تحمل العير، و جعل اهل العير يقولون لكشد: يا كشد، هل رايت احدا من عيون محمد؟ فيقول: اعوذ بالله، و انى لمحمد عيون بالنخبار! فلما راحت العير باتا حتى اصبحا ثم خرجا، و خرج معهما كشد خفيرا، حتى اوردهما ذا المروه، و ساحلت العير فاسرعت، و سار بها اصحابها ليل
ا و نهارا، فرقا من الطلب، و قدم طلحه و سعيد المدينه فى اليوم الذى لقى رسول الله (ص) قريشا ببدر، فخرجا يعترضان رسول الله (ص)، فلقياه بتربان- و تربان بين ملل و الساله على المحجه و كانت منزل عروه بن اذينه الشاعر- و قدم كشد بعد ذلك على النبى (ص)، و قد اخبر طلحه و سعيد رسول الله (ص) بما صنع بهما، فحباه و اكرمه، و قال: الا اقطع لك ينبع؟ قال: انى كبير، و قد نفد عمرى، و لكن اقطعها لابن اخى، فاقطعها له.

قالوا: و ندب رسول الله (ص) المسلمين، و قال: هذه عير قريش، فيها اموالهم: لعل الله ان يغنمكموها.

فاسرع من اسرع، حتى ان كان الرجل ليساهم اباه فى الخروج، فكان ممن ساهم اباه سعد بن خيثمه، فقال سعد لابيه: انه لو كان غير الجنه آثرتك به، انى لارجو الشهاده فى وجهى هذا، فقال خيثمه: آثرنى و قر مع نسائك، فابى سعد، فقال خيثمه: انه لابد لاحدنا من ان يقيم، فاستهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر.

و ابطا عن النبى (ص) بشر كثير من اصحابه، و كرهوا خروجه، و كان فى ذلك كلام كثير و اختلاف، و بعضهم تخلف من اهل النيات و البصائر، لم يظنوا انه يكون قتال، انما هو الخروج للغنيمه، و لو ظنوا انه يكون قتال لما تخلفوا، منهم اسيد ابن حضير، فلما قدم رسول الل
ه (ص)، قال اسيد: الحمد لله الذى سرك و اظهرك على عدوك، و الذى بعثك بالحق ما تخلفت عنك رغبه بنفسى عن نفسك، و لا ظننت انك تلاقى عدوا، و لا ظننت الا انها العير! فقال له رسول الله (ص): صدقت.

قلل0 و خرج رسول الله (ص)، حتى انتهى الى المكان المعروف بالبقع و هى بيوت السقيا، و هى متصله ببيوت المدينه، فضرب عسكره هناك، و عرض المقاتله فعرض عبدالله بن عمر، و اسامه بن زيد، و رافع بن خديج، و البراء بن عازب و اسيد بن ظهير، و زيد بن ارقم، و زيد بن ثابت، فردهم و لم يجزهم.

قال الواقدى: فحدثنى ابوبكر بن اسماعيل، عن ابيه، عن عامر بن سعد، عن ابيه قال: رايت اخى عمير بن ابى وقاص قبل ان يعرضنا رسول الله (ص) يتوارى، فقلت: ما لك يا اخى؟ قال: انى اخاف ان يرانى رسول الله (ص) فيستصغرنى، فيردنى، و انا احب الخروج، لعل الله ان يرزقنى الشهاده.

قال: فعرض على رسول الله (ص)، فاستصغره، فقال: ارجع، فبكى (عمير)، فاجازه.

قال: فكان سعد يقول: كنت اعقد له حمائل سيفه من صغره، فقتل ببدر و هو ابن ست عشره سنه.

قال: فلما نزل (ع) بيوت السقيا امر اصحابه ان يستقوا من بئرهم: و شرب (ع) منها، كان اول من شرب و صلى عندها، و دعا يومئذ لاهل المدينه، فقال: اللهم ان اب
راهيم عبدك و خليلك و نبيك، دعاك لاهل مكه، و انى محمد عبدك و نبيك، ادعوك لاهل المدينه، ان تبارك لهم فى صاعهم و مدهم و ثمارهم، اللهم حبب الينا المدينه، و اجعل ما بها من الوباء بخم.

اللهم انى حرمت ما بين لابتيها، كما حرم ابراهيم خليلك مكه.

قال الواقدى: و خم على ميلين من الجحفه.

و قدم رسول الله (ص) امامه عدى بن ابى الزغباء و بسيس بن عمرو، و جاء اليه عبدالله بن عمرو بن حرام، فقال: يا رسول الله، لقد سرنى منزلك هذا، و عرضك فيه اصحابك، و تفائلت به، ان هذا منزلنا فى بنى سلمه، حيث كان بيننا و بين اهل حسيكه ما كان.

قال الواقدى: هى حسيكه الذباب، و الذباب: جبل بناحيه المدينه، و كان بحسيكه يهود، و كان لهم بها منازل.

قال عبدالله بن عمرو بن حرام فعرضنا يا رسول الله هاهنا اصحابنا، فاجزنا من كان يطيق السلاح، و رددنا من صغر عن حمل السلاح، ثم سرنا الى يهود حسيكه، و هم اعز يهود كانوا يومئذ، فقتلناهم كيف شئنا، فذلت لنا سائر يهود الى اليوم، و انا ارجو يا رسول الله ان نلتقى نحن و قريش، فيقر الله عينك منهم.

قال الواقدى: و كان خلاد بن عمرو بن الجموح لما كان من النهار رجع الى اهله بخرباء، فقال له ابوه عمرو بن الجموح: ما ظننت الا انك قد
سرتم، فقال: ان رسول الله (ص) يعرض الناس بالبقيع، فقال عمرو: نعم الفال! و الله انى لارجو ان تغنموا و ان تظفروا بمشركى قريش، ان هذا منزلنا يوم سرنا الى حسيكه.

قال: فان رسول الله (ص) قد غير اسمه، و سماه السقيا.

قال: فكانت فى نفسى ان اشتريها، حتى اشتراها سعد بن ابى وقاص ببكرين، و يقال بسبع اواق، فذكر للنبى (ص) ان سعدا اشتراها، فقال: ربح البيع! قال الواقدى: فراح رسول الله (ص) من بيوت السقيا، لاثنتى عشره ليله مضت من رمضان، و خرج المسلمون معه ثلاثمائه و خمسه، و تخلف ثمانيه، ضرب لهم بسهامهم و اجورهم، فكانت الابل سبعين بعيرا، و كانوا يتعاقبون الابل: الاثنين، و الثلاثه، و الاربعه، فكان رسول الله (ص) و على بن ابى طالب (ع) و مرثد بن ابى مرثد- و يقال زيد بن حارثه مكان مرثد- يتعاقبون بعيرا واحدا، و كان حمزه بن عبدالمطلب، و زيد بن حارثه و ابوكبشه و انسه، موالى النبى (ص) على بعير، و كان عبيده بن الحارث و الطفيل و الحصين ابنا الحارث، و مسطح بن اثاثه على بعير لعبيده بن الحارث ناضح ابتاعه من ابى داود المازنى، و كان معاذ و عوف و معوذ بنو عفراء و مولاهم ابوالحمراء على بعير، و كان ابى بن كعب و عماره بن حزام و حارثه بن النعمان على
بعير، و كان خراش بن الصمه و قطبه بن عامر ابن حديده و عبدالله بن عمرو بن حزام على بعير، و كان عتبه بن غزوان و طليب بن عمير على جمل لعتبه بن غزوان يقال له العبس، و كان مصعب بن عمير و سويبط بن حرمله و مسعود بن ربيع على جمل لمصعب، و كان عمار بن ياسر و عبدالله بن مسعود على بعير، و كان عبدالله بن كعب و ابوداود المازنى و سليط بن قيس على جمل لعبد الله بن كعب، و كان عثمان بن عفان و قدامه بن مظعون و عبدالله بن مظعون و السائب بن عثمان على بعير يتعاقبون، و كان ابوبكر و عمر و عبدالرحمن بن عوف على بعير، و كان سعد بن معاذ و اخوه و ابن اخيه الحارث بن اوس و الحارث بن انس على جمل لسعد بن معاذ ناضح يقال له الذيال، و كان سعيد بن زيد، و سلمه بن سلامه بن وقش و عباد بن بشر و رافع بن يزيد على ناضح لسعيد بن زيد، ما تزودوا الا صاعا من تمر.

قال الواقدى: فروى معاذ بن رفاعه، عن ابيه، قال: خرجت مع النبى (ص) الى بدر، و كان كل ثلاثه يتعاقبون بعيرا، فكنت انا و اخى خلاد بن رافع على بكر لنا و معنا عبيده بن يزيد بن عامر، فكنا نتعاقب، فسرنا حتى اذا كنا بالروحاء اذ مر بنا بكرنا و برك علينا و اعيا، فقال اخى: اللهم ان لك على نذرا، لئن رددتنا الى ا
لمدينه لانحرنه، فمر بنا النبى (ص) و نحن على تلك الحال، فقلنا: يا رسول الله، برك علينا بكرنا، فدعا بماء فتمضمض و توضا فى اناء، ثم قال: افتحا فاه، ففعلنا فصبه فى فيه، ثم على راسه ثم على عنقه ثم على حاركه، ثم على سنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا، و مضى رسول الله (ص) فلحقناه اسفل من المنصرف، و ان بكرنا لينفر بنا، حتى اذا كنا بالمصلى راجعين من بدر، برك علينا، فنحره اخى، فقسم لحمه و تصدق به.

قال الواقدى: و قد روى ان سعد بن عباده حمل فى بدر على عشرين جملا.

قال: و روى عن سعد بن ابى وقاص، انه قال: فخرجنا الى بدر مع رسول الله (ص) و معنا سبعون بعيرا، فكانوا يتعاقبون الثلاثه و الاربعه و الاثنان على بعير، و كنت انا من اعظم اصحاب النبى (ع) عنه غناء، و ارجلهم رجله، و ارماهم لسهم، لم اركب خطوه ذاهبا و لاراجعا.

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) حين فصل من بيوت السقيا: اللهم انهم حفاه فاحملهم، و عراه فاكسهم، و جياع فاشبعهم، و عاله فاغنهم من فضلك، فما رجع احد منهم يريد ان يركب الا وجد ظهرا، للرجل البعير و البعيران، و اكتسى من كان عاريا، و اصابوا طعاما من ازوادهم، و اصابوا فداء الاسرى، فاغنى به كل عائل.

قال: و استع
مل رسول الله (ص) على المشاه قيس بن ابى صعصعه- و اسم ابى صعصعه عمر بن يزيد بن عوف بن مبذول- و امره النبى (ص) حين فصل من بيوت السقيا ان يعد المسلمين، فوقف لهم ببئر ابى عبيده يعدهم، ثم اخبر النبى (ص)، و خرج من بيوت السقيا، حتى سلك بطن العقيق، ثم سلك طريق المكيمن، حتى خرج على بطحاء بن ازهر، فنزل تحت شجره هناك، فقام ابوبكر الى حجاره هناك، فبنى منها مسجدا، فصلى فيه رسول الله (ص)، و اصبح يوم الاثنين و هو هناك، ثم صار الى بطن ملل و تربان بين الحفيره و ملل.

قال الواقدى: فكان سعد بن ابى وقاص، يقول: لما كنا بتربان، قال لى رسول الله (ص): يا سعد، انظر الى الظبى، فافوق له بسهم، و قام رسول الله (ص) فوضع راسه بين منكبى و اذنى، ثم قال: اللهم سدد رميته- قال: فما اخطا سهمى عن نحره، فتبسم رسول الله (ص)، و خرجت اعدو فاخذته و به رمق فذكيته، فحملناه حتى نزلنا قريبا، و امر به رسول الله (ص) فقسم بين اصحابه.

قال الواقدى: و كان معهم فرسان: فرس لمرثد بن ابى مرثد الغنوى، و فرس للمقداد ابن عمرو البهرانى، حليف بنى زهره، و يقال فرس للزبير، و لم يكن الا فرسان لاختلاف عندهم، ان المقداد له فرس، و قد روى عن ضباعه بنت الزبير عن المقداد، قال: كا
ن معى يوم بدر فرس يقال له سبحه.

و قد روى سعد بن مالك الغنوى عن آبائه ان مرثد بن ابى مرثد الغنوى شهد بدرا على فرس له يقال له السيل.

قال الواقدى: و لحقت قريش بالشام فى عيرها، و كانت العير الف بعير، و كان فيها اموال عظام، و لم يبق بمكه قرشى و لا قرشيه له مثقال فصاعدا الا بعث به فى العير، حتى ان المراه لتبعث بالشى ء التافه، و كان يقال: ان فيها لخمسين الف دينار.

و قالوا: اقل، و ان كان ليقال: ان اكثر ما فيها من المال لال سعيد بن العاص لابى احيحه اما مال لهم او مال مع قوم قراض على النصف، و كان عامه العير لهم، و يقال: بل كان لبنى مخزوم فيها مائتا بعير و خمسه او اربعه آلاف مثقال ذهبا، و كان يقال للحارث بن عامر بن نوفل فيها الفا مثقال.

قال الواقدى: و حدثنى هشام بن عماره بن ابى الحويرث، قال: كان لبنى عبدمناف فيها عشره آلاف مثقال، و كان متجرهم الى غزه من ارض الشام.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالله بن جعفر، عن ابى عون مولى المسور، عن مخرمه ابن نوفل، قال: لما لحقنا بالشام ادركنا رجل من جذام، فاخبرنا ان محمدا قد كان عرض لعيرنا فى بداتنا، و انه تركه مقيما ينتظر رجعتنا، قد حالف علينا اهل الطريق و وادعهم.

قال مخرمه: فخرجنا خائفين
نخاف الرصد، فبعثنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام.

قال الواقدى: و كان عمرو بن العاص مع العير، و كان يحدث بعد ذلك يقول: لما كنا بالزرقاء- و الزرقاء بالشام من اذرعات على مرحلتين- و نحن منحدرون الى مكه لقينا رجلا من جذام، فقال: قد كان عرض محمد لكم فى بداتكم فى اصحابه، فقلنا: ما شعرنا، قال: بلى، فاقام شهرا، ثم رجع الى يثرب، و انتم يوم عرض محمد لكم مخفون فهو الان احرى ان يعرض لكم، انما يعد لكم الايام عدا، فاحذروا على عيركم، و ارتئوا آرائكم، فو الله ما ارى من عدد و لا كراع و لا حلقه.

فاجمع القوم امرهم، فبعثوا ضمضم بن عمرو، و كان فى العير، و قد كانت قريش مرت به و هو بالساحل، معه بكران، فاستاجروه بعشرين مثقالا، و امره ابوسفيان ان يخبر قريشا ان محمدا قد لعيرهم، و امره ان يجدع بعيره اذا دخل، و يحول رحله، و يشق قميصه من قبله و دبره، و يصيح: الغوث الغوث! و يقال: انما بعثوه من تبوك، و كان فى العير ثلاثون رجلا من قريش، فيهم عمرو بن العاص، و مخرمه بن نوفل.

قال الواقدى: و قد كانت عاتكه بنت عبدالمطلب رات قبل مجى ء ضمضم بن عمرو رويا افزعتها، و عظمت فى صدرها، فارسلت الى اخيها العباس، فقالت: يا اخى، لقد و الله رايت رويا افزعتن
ى، و تخوفت ان يدخل على قومك منها شر و مصيبه، فاكتم على ما احدثك منها، رايت راكبا اقبل على بعير حتى وقف بالابطح، ثم صرخ باعلى صوته: يا آل غدر، انفروا الى مصارعكم فى ثلاث، فصرخ بها ثلاث مرات، فارى الناس اجتمعوا اليه، ثم دخل المسجد، و الناس يتبعونه اذ مثل به بعيره على ظهر الكعبه، فصرخ مثلها ثلاثا، ثم مثل به بعيره على راس ابى قبيس، فصرخ بمثلها ثلاثا، ثم اخذ صخره من ابى قبيس فارسلها، فاقبلت تهوى، حتى اذا كانت فى اسفل الجبل ارفضت، فما بقى بيت من بيوت مكه و لا دار من دورها الا دخلته منها فلذه.

قال الواقدى: و كان عمرو بن العاص يحدث بعد ذلك فيقول: لقد رايت كل هذا، و لقد رايت فى دارنا فلقه من الصخره التى انفلقت من ابى قبيس، و لقد كان ذلك عبره، و لكن الله لم يرد ان نسلم يومئذ، لكنه اخر اسلامنا الى ما اراد.

قلت: كان بعض اصحابنا يقول: لم يكف عمرا ان يقول: رايت الصخره فى دور مكه عيانا، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء باطنا على وجه النفاق و استخفافه بعقول المسلمين زعم، حتى يضيف الى ذلك القول بالخبر الصراح فيقول: ان الله تعالى لم يكن اراد منه الاسلام يومئذ.

قال الواقدى: قالوا: و لم يدخل دارا و لا بيتا من دور بنى هاشم و لا بنى زهره
من تلك الصخره شى ء! قال: فقال العباس: ان هذه لرويا، فخرج مغتما، حتى لقى الوليد بن عتبه ابن ربيعه- و كان له صديقا- فذكرها له و استكتمه، ففشا الحديث فى الناس، قال العباس: فغدوت اطوف بالبيت، و ابوجهل فى رهط من قريش يتحدثون برويا عاتكه، فقال ابوجهل: ما رات عاتكه هذه؟ فقلت: و ما ذاك؟ فقال: يا بنى عبدالمطلب، اما رضيتم بان تتنبا رجالكم حتى تتنبا نسائكم! زعمت عاتكه انها رات فى المنام كذا و كذا- للذى رات- فسنتربص بكم ثلاثا، فان يكن ما قالت حقا فسيكون، و ان مضت الثلاث و لم يكن، نكتب عليكم انكم اكذب اهل بيت فى العرب! فقال له العباس: يا مصفر استه، انت اولى بالكذب و اللوم منا! فقال ابوجهل: انا استبقنا المجد و انتم، فقلتم: فينا السقايه، فقلنا: لا نبالى، تسقون الحجاج، ثم قلتم: فينا الحجابه، فقلنا: لا نبالى تحجبون البيت، ثم قلتم: فينا الندوه، قلنا: لا نبالى يكون الطعام فتطعمون الناس.

ثم قلتم: فينا الرفاده، فقلنا: لا نبالى، تجمعون عندكم ما ترفدون به الضعيف، فلما اطعمنا الناس و اطعمتم، و ازدحمت الركب و استبقنا المجد، فكنا كفرسى رهان، قلتم: منا نبى، ثم قلتم: منا نبيه! فلا و اللات و العزى لا كان هذا ابدا! قلت: لاارى كلام ابى جهل
منتظما، لانه اذا سلم للعباس ان هذه الخصال كلها فيهم، و هى الخصال التى تشرف بها القبائل بعضها على بعض، فكيف يقول: لا نبالى لا نبالى! و كيف يقول: فلما اطعمنا للناس و اطعمتم، و قد كان الكلام منتظما، لو قال: و لنا بازاء هذه المفاخر كذا و كذا، ثم يقول بعد ذلك: استبقنا المجد فكنا كفرسى رهان، و ازدحمت الركب، و لم يقل شيئا و لا عد ماثره، و لعل اباجهل قد قال ما لم ينقل.

قال الواقدى: قال العباس: فو الله ما كان منى غير انى جحدت ذلك، و انكرت ان تكون عاتكه رات شيئا، فلما امسيت لم تبق امراه اصابتها ولاده عبدالمطلب الا جائت، فقلن لى: ارضيتم بهذا الفاسق الخبيث يقع فى رجالكم، ثم قد تناول نسائكم! و لم تكن لك عند ذلك غيره! فقلت: و الله ما قلت الا لانى لا ابالى به، و لايم الله لاعرضن له غدا، فان عاد كفيتكن اياه.

فلما اصبحوا من ذلك اليوم الذى رات فيه عاتكه ما رات، قال ابوجهل: هذه ثلاثه ايام ما بقى.

قال العباس: و غدوت فى اليوم الثالث، و انا حديد مغضب، ارى ان قد فاتنى منه امر احب ان ادركه، و اذكر ما احفظنى به النساء من مقالتهن، فو الله انى لامشى نحوه- و كان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر- اذ خرج نحو باب بنى سهم يشتد،
فقلت: ما باله لعنه الله! اكل هذا فرقا من ان اشاتمه! فاذا هو قد سمع صوت ضمضم بن عمرو و هو يقول: يا معشر قريش، يا آل لوى بن غالب، اللطيمه قد عرض لها محمد فى اصحابه! الغوث الغوث! و الله ما ارى ان تدركوها، و ضمضم ينادى بذلك فى بطن الوادى، و قد جدع اذنى بعيره و شق قميصه قبلا و دبرا، و حول رحله، و كان يقول: لقد رايتنى قبل ان ادخل مكه و انى لارى فى النوم و انا على راحلتى كان وادى مكه يسيل من اسفله الى اعلاه دما، فاستيقظت فزعا مذعورا، فكرهتها لقريش، و وقع فى نفسى انها مصيبه فى انفسهم.

قال الواقدى: و كان عمير بن وهب الجمحى يقول: ما رايت اعجب من امر ضمضم قط، و ما صرح على لسانه الا شيطان! كانه لم يملكنا من امورنا شيئا، حتى نفرنا على الصعب و الذلول، و كان حكيم بن حزام يقول: ما كان الذى جائنا فاستنفرنا الى العير انسانا! ان هو الا شيطان، قيل: كيف يا اباخالد؟ قال: انى لاعجب منه، ما ملكنا من امرنا شيئا.

قال الواقدى: فجهز الناس و شغل بعضهم عن بعض، و كان الناس بين رجلين: اما خارج و اما باعث مكانه رجلا، و اشفقت قريش لرويا عاتكه، و سر بنوهاشم.

و قال قائلهم: كلا، زعمتم انا كذبنا و كذبت عاتكه! فاقامت قريش ثلاثا تتجهز- و يقال: يوم
ين- و اخرجت اسلحتها و اشتروا سلاحا، و اعان قويهم ضعيفهم، و قام سهيل ابن عمرو فى رجال من قريش، فقال: يا معشر قريش، هذا محمد و الصباه معه من شبانكم و اهل يثرب قد عرضوا لعيركم و لطيمتكم، فمن اراد ظهرا فهذا ظهر، و من اراد قوه.

فهذه قوه و قام زمعه بن الاسود، فقال: انه و اللات و العزى ما نزل بكم امر اعظم من ان طمع محمد و اهل يثرب ان يعرضوا لعيركم فيها خزائنكم، فاوعبوا و لا يتخلف منكم احد، و من كان لا قوه له فهذه قوه، و الله لئن اصابها محمد و اصحابه لا يروعكم منهم الا و قد دخلوا عليكم بيوتكم.

و قال طعيمه بن عدى: يا معشر قريش، و الله ما نزل بكم امر اجل من هذه! ان يستباح عيركم، و لطيمه قريش فيها اموالكم و خزائنكم، و الله ما اعرف رجلا و لا امراه من بنى عبدمناف له نش فصاعدا، الا و هو فى هذه العير، فمن كان لا قوه به فعندنا قوه نحمله و نقويه.

فحمل على عشرين بعيرا و قوى بهم و خلفهم فى اهلهم بمعونه.

و قام حنظله بن ابى سفيان و عمرو بن ابى سفيان فحضا الناس على الخروج، و لم يدعوا الى قوه و لا حملان، فقيل لهما: الا تدعوان الى ما دعا اليه قومكما من الحملان؟ قالا: و الله ما لنا مال، و ما المال الا لابى سفيان.

و مشى نوفل بن معاويه
الديلمى الى اهل القوه من قريش، و كلمهم فى بذل النفقه و الحملان لمن خرج، فكلم عبدالله بن ابى ربيعه، فقال: هذه خمسمائه دينار تضعها حيث رايت، و كلم حويطب بن عبدالعزى، فاخذ منه مائتى دينار او ثلثمائه، ثم قوى بها فى السلاح و الظهر.

قال الواقدى: و ذكروا انه كان لا يتخلف احد من قريش الا بعث مكانه بعثا، فمشت قريش الى ابى لهب، فقالوا له: انك سيد من سادات قريش، و انك ان تخلفت عن النفير يعتبر بك غيرك من قومك، فاخرج او ابعث رجلا، فقال: و اللات و العزى لااخرج و لاابعث احدا، فجائه ابوجهل فقال: اقم يا اباعتبه، فو الله ما خرجنا الا غضبا لدينك و دين آبائك! و خاف ابوجهل ان يسلم ابولهب، فسكت ابولهب و لم يخرج و لم يبعث، و ما منع ابالهب ان يخرج الا الاشفاق من رويا عاتكه، كان يقول: انما رويا عاتكه اخذ باليد، و يقال انه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيره و كان له عليه دين، فقال: اخرج و دينى عليك لك، فخرج عنه.

و قال محمد بن اسحاق فى المغازى: كان دين ابى لهب على العاص بن هشام اربعه آلاف درهم، فمطله بها و افلس، فتركها له على ان يكون مكانه، فخرج مكانه.

قال الواقدى: و اخرج عتبه و شيبه دروعا لهما، فنظر اليهما مولاهما عداس و هما يصلحان د
روعهما و آله حربهما، فقال: ما تريدان؟ فقالا: الم تر الى الرجل الذى ارسلناك اليه بالعنب فى كرمنا بالطائف؟ قال: نعم، قالا: نخرج فنقاتله، فبكى، و قال: لا تخرجا، فو الله انه لنبى، فابيا فخرجا، و خرج معهما فقتل ببدر معهما.

قلت: حديث العنب فى كرم ابنى ربيعه بالطائف قد ذكره ارباب السيره، و شرحه الطبرى فى التاريخ، قال: لما مات ابوطالب بمكه طمعت قريش فى رسول الله (ص) و نالت منه ما لم تكن تناله فى حياه ابى طالب، فخرج من مكه خائفا على نفسه مهاجرا الى ربه يوم الطائف، راجيا ان يدعو اهلها الى الاسلام فيجيبوه، و ذلك فى شوال من سنه عشر من النبوه، فاقام بالطائف عشره ايام، و قيل شهرا، لا يدع احدا من اشراف ثقيف الا جائه و كلمه، فلم يجيبوه، و اشاروا عليه ان يخرج عن ارضهم، و يلحق بمجاهل الارض و بحيث لا يعرف، و اغروا به سفهائهم، فرموه بالحجاره، حتى ان رجليه لتدميان، فكان معه زيد بن حارثه، فكان يقيه بنفسه، حتى لقد شج فى راسه.

و الشيعه تروى ان على بن ابى طالب كان معه ايضا فى هجره الطائف، فانصرف رسول الله (ص) عن ثقيف و هو محزون، بعد ان مشى الى عبد ياليل و مسعود و حبيب ابنى عمرو بن عمير، و هم يومئذ ساده ثقيف، فجلس اليهم، و دعاهم الى
الله و الى نصرته و القيام معه على قومه، فقال له احدهم: انا امرط بباب الكعبه، ان كان الله ارسلك! و قال الاخر: اما وجد الله احدا ارسله غيرك! و قال الثالث: و الله لااكلمك كلمه ابدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لانت اعظم خطرا من ان ارد عليك الكلام، و لئن كنت كاذبا على الله ما ينبغى ان اكلمك.

فقام رسول الله (ص) من عندهم، و قد يئس من خير ثقيف، و اجتمع عليه صبيانهم و سفهاوهم، و صاحوا به و سبوه و طردوه، حتى اجتمع عليه الناس يعجبون منه، و الجئوه بالحجاره و الطرد و الشتم الى حائط لعتبه بن ربيعه، و شيبه بن ربيعه و هما يومئذ فى الحائط، فلما دخل الحائط رجع عنه سفهاء ثقيف، فعمد الى ظل حبله منه فجلس فيه، و ابنا ربيعه ينظران و يريان ما لقى من سفهاء ثقيف.

قال الطبرى: فلما اطمان به قال- فيما ذكر لى: اللهم اليك اشكو ضعف قوتى و قله حيلتى و هوانى على الناس، يا ارحم الراحمين، انت رب المستضعفين، و انت ربى، الى من تكلنى! الى بعيد فيتجهمنى، ام الى عدو ملكته امرى، فان لم يكن منك غضب على فلا ابالى! و لكن عافيتك هى اوسع لى، اعوذ بنور وجهك الذى اشرقت به الظلمات، و صلح عليه امر الدنيا و الاخره، من ان ينزل بى غضبك، او يحل على سخطك، لك
العتبى حتى ترضى، لا حول و لا قوه الا بك! فلما راى عتبه و شيبه ما لقى تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما نصرانيا لهما، يقال له عداس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب و ضعه فى ذلك الطبق، ثم اذهب به الى ذلك الرجل، و قل له فلياكل منه، ففعل و اقبل به حتى وضعه بين يديه، فوضع يده فيه، فقال: بسم الله، و اكل، فقال عداس: و الله ان هذه الكلمه لايقولها اهل هذه البلده، فقال له رسول الله (ص): من اى البلاد انت؟ و ما دينك؟ قال: انا نصرانى من اهل نينوى، قال: امن قريه الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال: و ما يدريك من يونس بن متى؟ قال: ذاك اخى، كان نبيا و انا نبى.

فاكب عداس على يديه و رجليه و راسه يقبلها، قال: يقول ابنا ربيعه احدهما لصاحبه: اما غلامك فقد افسده عليك، فلما جائهما قالا: ويلك ويلك يا عداس! ما لك تقبل راس هذا الرجل و يديه و قدميه! قال: يا سيدى، ما فى الارض خير من هذا، فقد اخبرنى بامر لايعلمه الا نبى.

قال الواقدى: و استقسمت قريش بالازلام عند هبل للخروج، و استقسم اميه بن خلف و عتبه و شيبه بالامر و الناهى، فخرج القدح الناهى، فاجمعوا المقام حتى ازعجهم ابوجهل، فقال: ما استقسمت و لا نتخلف عن عيرنا.

قال الواقدى: لما توجه زمعه بن الاسو
د خارجا، فكان بذى طوى اخرج قداحه، و استقسم بها، فخرج الناهى عن الخروج، فلقى غيظا، ثم اعادها الثانيه فخرج مثل ذلك فكسرها، و قال: ما رايت كاليوم قدحا اكذب! و مر به سهيل بن عمرو و هو على تلك الحال، فقال: مالى اراك غضبان يا اباحكيمه؟ فاخبره زمعه، فقال: امض عنك ايها الرجل، قد اخبرنى عمير بن وهب انه لقيه مثل الذى اخبرتنى، فمضوا على هذا الحديث.

قال الواقدى: و حدثنى موسى بن ضمره بن سعيد، عن ابيه قال: قال ابوسفيان ابن حرب لضمضم: اذا قدمت على قريش فقل لها: لا تستقسم بالازلام.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن عبدالله، عن الزهرى، عن ابى بكر بن سليم بن ابى خيثمه، قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: ما توجهت وجها قط كان اكره الى من مسيرى الى بدر، و لا بان لى فى وجه قط ما بان لى قبل ان اخرج، ثم قال: قدم ضمضم، فصاح بالنفير فاستقسمت بالازلام، كل ذلك يخرج الذى اكره، ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران، فنحر ابن الحنظليه جزورا منها بها حياه، فما بقى خباء من اخبيه العسكر الا اصابه من دمها، فكان هذا بين، ثم هممت بالرجوع ثم اذكر ابن الحنظليه و شومه، فيردنى حتى مضيت لوجهى.

و كان حكيم يقول: لقد راينا حين بلغنا الثنيه البيضاء- و هى الثنيه الت
ى تهبطك على فخ و انت مقبل من المدينه- اذا عداس جالس عليها.

و الناس يمرون، اذ مر علينا ابنا ربيعه، فوثب اليهما، فاخذ بارجلهما فى غرزهما، و هو يقول: بابى انتما و امى! و الله انه لرسول الله (ص)، و ما تساقان الا الى مصارعكما! و ان عينيه لتسيل دمعا على خديه، فاردت ان ارجع ايضا، ثم مضيت.

و مر به العاص بن منبه بن الحجاج، فوقف عليه حين ولى عتبه و شيبه، فقال: ما يبكيك؟ قال: يبكينى سيدى- او سيدا اهل الوادى- يخرجان الى مصارعهما، و يقاتلان رسول الله (ص)! فقال العاص: و ان محمدا لرسول الله! فانتفض عداس انتفاضه و اقشعر جلده، ثم بكى، و قال: اى و الله، انه لرسول الله الى الناس كافه.

قال: فاسلم العاص بن منبه، و مضى و هو على الشك، حتى قتل مع المشركين على شك و ارتياب.

و يقال: رجع عداس و لم يشهد بدرا، و يقال: شهد بدرا و قتل.

قال الواقدى: و القول الاول اثبت عندنا.

قال الواقدى: و خرج سعد بن معاذ معتمرا قبل بدر، فنزل على اميه بن خلف، فاتاه ابوجهل، و قال: اتترك هذا و قد آوى محمدا و آذننا بالحرب! فقال سعد بن معاذ: قل ما شئت، اما ان طريق عيركم علينا، قال اميه بن خلف: مه! لاتقل هذا لابى الحكم فانه سيد اهل الوادى.

قال سعد بن معاذ: و انت
تقول ذلك يا اميه؟ اما و الله لسمعت محمدا يقول: لاقتلن اميه بن خلف، قال اميه: انت سمعته؟ قال سعد بن معاذ: فقلت: نعم، قال: فوقع فى نفسه، فلما جاء النفير ابى اميه ان يخرج معهم الى بدر، فاتاه عقبه بن ابى معيط و ابوجهل، و مع عقبه مجمره فيها بخور، و مع ابى جهل مكحله و مرود، فادخلها عقبه تحته، فقال: تبخر، فانما انت امراه، و قال ابوجهل: اكتحل فانما انت امراه.

فقال اميه: ابتاعوا لى افضل بعير فى الوادى، فابتاعوا له جملا بثلاثمائه دينار من نعم بنى قشير، فغنمه المسلمون يوم بدر، فصار فى سهم خبيب بن يساف.

قال الواقدى: و قالوا: ما كان احد ممن خرج الى العير اكره للخروج من الحارث ابن عامر، و قال: ليت قريشا تعزم على القعود و ان مالى فى العير تلف و مال بنى عبدمناف ايضا.

فيقال له: انك سيد من ساداتها، افلا تردعها عن الخروج؟ قال: انى ارى قريشا قد ازمعت على الخروج، و لاارى احدا به طرق تخلف الا من عله، و انا اكره خلافها، و ما احب ان تعلم قريش ما اقول، على ان ابن الحنظليه رجل مشئوم على قومه، ما اعلمه الا يحرز قومه اهل يثرب، و لقد قسم الحارث مالا من ماله بين ولده، و وقع فى نفسه انه لايرجع الى مكه، و جائه ضمضم بن عمرو، و كانت للحارث عن
ده اياد، فقال: اباعامر، انى رايت رويا كرهتها، و انى لكاليقظان على راحلتى و اراكم ان واديكم يسيل دما من اسفله الى اعلاه، فقال الحارث: ما خرج احد وجها من الوجوه اكره له من وجهى هذا، قال: يقول ضمضم: و الله انى لارى لك ان تجلس، فقال: لو سمعت هذا منك قبل ان اخرج ما سرت خطوه، فاطو هذا الخبر ان تعلمه قريش، فانها تتهم كل من عوقها عن المسير- و كان ضمضم قد ذكر هذا الحديث للحارث ببطن ياجج- قالوا: و كرهت قريش اهل الراى منهم المسير- و مشى بعضهم الى بعض، و كان ممن ابطا بهم عن ذلك الحارث بن عامر، و اميه بن خلف، و عتبه و شيبه ابنا ربيعه، و حكيم بن حزام و ابوالبخترى، و على بن اميه بن خلف، و العاص بن منبه، حتى بكتهم ابوجهل بالجبن، و اعانه عقبه بن ابى معيط و النضر بن الحارث بن كلده، و حضوهم على الخروج، و قالوا: هذا فعل النساء.

فاجمعوا المسير، و قالت قريش: لاتدعوا احدا من عدوكم خلفكم.

قال الواقدى: و مما استدل به على كراهه الحارث بن عامر للخروج و عتبه و شيبه، انه ما عرض رجل منهم حملانا، و لاحملوا احدا من الناس، و ان كان الرجل لياتيهم حليفا او عديدا، و لا قوه له، فيطلب الحملان منهم، فيقولون: ان كان لك مال و احببت ان تخرج فافعل و
الا فاقم، حتى كانت قريش تعرف ذلك منهم.

قال الواقدى: فلما اجتمعت قريش الى الخروج و المسير، ذكروا الذى بينهم و بين بنى بكر من العداوه، و خافوهم على من يخلفونه، و كان اشدهم خوفا عتبه بن ربيعه، و كان يقول: يا معشر قريش، انكم و ان ظفرتم بالذى تريدون، فانا لا نامن على من نخلف، انما نخلف نساء و لا ذريه و من لا طعم به فارتئوا آرائكم، فتصور لهم ابليس فى صوره سراقه بن جعشم المدلجى فقال: يا معشر قريش، قد عرفتم شرفى و مكانى فى قومى، انا لكم جار ان تاتيكم كنانه بشى ء تكرهونه، فطابت نفس عتبه، و قال له ابوجهل: فما تريد؟ هذا سيد كنانه، هو لنا جار على من نخلف، فقال عتبه: لا شى ء، انا خارج.

قال الواقدى: و كان الذى بين بنى كنانه و قريش ان ابنا لحفص بن الاحنف احد بنى معيط بن عامر بن لوى، خرج يبغى ضاله، و هو غلام فى راسه ذوابه، و عليه حله، و كان غلاما وضيئا، فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح بن يعمر، احد روساء بنى كنانه- و كان بضجنان- فقال: من انت يا غلام؟ قال: ابن لحفص بن الاحنف، فقال: يا بنى بكر، الكم فى قريش دم؟ قالوا: نعم، قال: ما كان رجل يقتل هذا برجله الا استوفى، فاتبعه رجل من بنى بكر فقتله بدم له فى قريش، فتكلمت فيه قري
ش، فقال عامر ابن يزيد: قد كانت لنا فيكم دماء، فان شئتم فادوا مالنا قبلكم و نودى اليكم ما كان فينا، و ان شئتم فانما هو الدم، رجل برجل، و ان شئتم فتجافوا عنا فيما قبلنا، و نتجافى عنكم فيما قبلكم.

فهان ذلك الغلام على قريش، و قالوا: صدق! رجل برجل، فلهوا عنه ان يطلبوا بدمه، فبينا اخوه مكرز بن حفص بمر الظهران، اذ نظر عامر بن يزيد و هو سيد بنى بكر على جمل له، فلما رآه قال: ما اطلب اثرا بعد عين! و اناخ بعيره، و هو متوشح سيفه، فعلاه به حتى قتله، ثم اتى مكه من الليل، فعلق سيف عامر بن يزيد باستار الكعبه، فلما اصبحت قريش راوا سيف عامر بن يزيد، فعرفوا ان مكرز بن حفص قتله، و قد كانت تسمع من مكرز فى ذلك قولا، و جزعت بنو بكر من قتل سيدها، فكانت معده لقتل رجلين من قريش سيدين او ثلاثه من ساداتها، فجاء النفير و هم على هذا الامر، فخافوهم على من تخلف بمكه من ذراريهم، فلما قال سراقه ما قال، و هو ينطق بلسان ابليس شجع القوم.

قال الواقدى: و خرجت قريش سراعا، و خرجوا بالقيان و الدفوف، ساره مولاه عمرو بن هاشم بن عبدالمطلب و عزه مولاه اسود بن المطلب، و فلانه مولاه اميه بن خلف، يغنين فى كل منهل، و ينحرون الجزر، و خرجوا بالجيش يتقاذفون با
لحراب، و خرجوا بتسعمائه و خمسين مقاتلا، و قادوا مائه فرس، بطرا و رئاء الناس، كما ذكر الله تعالى فى كتابه، و ابوجهل يقول: ايظن محمد ان يصيب منا ما اصاب بنخله و اصحابه، سيعلم انمنع عيرنا ام لا! قلت: سريه نخله سريه قبل بدر، و كان اميرها عبدالله بن جحش قتل فيها عمرو ابن الحضرمى، حليف بنى عبدشمس، قتله واقد بن عبدالله التميمى، رماه بسهم فقتله، و اسر الحكم بن كيسان و عثمان بن عبدالله بن المغيره، و استاق المسلمون العير، و كانت خمسمائه بعير فخمسها رسول الله (ص)، و قسم اربعمائه فيمن شهدها من المسلمين، و هم مائتا رجل، فاصاب كل رجل بعيران.

قال الواقدى: و كانت الخيل لاهل القوه منهم، و كان فى بنى مخزوم منها ثلاثون فرسا، و كانت الابل سبعمائه بعير، و كان اهل الخيل كلهم دارع، و كانوا مائه، و كان فى الرجاله دروع سوى ذلك.

قال الواقدى: و اقبل ابوسفيان بالعير، و خاف هو و اصحابه خوفا شديدا حين دنوا من المدينه، و استبطئوا ضمضما و النفير، فلما كانت الليله التى يصبحون فيها على ماء بدر، جعلت العير تقبل بوجوهها الى ماء بدر، و كانوا باتوا من وراء بدر آخر ليلتهم، و هم على ان يصبحوا بدرا، ان لم يعترض لهم، فما اقرتهم العير حتى ضربوها بالع
قل على ان بعضها ليثنى بعقالين، و هى ترجع الحنين، تواردا الى ماء بدر، و ما ان بها الى الماء من حاجه، لقد شربت بالامس، و جعل اهل العير يقولون: ان هذا شى ء ما صنعته الابل منذ خرجنا، قالوا: و غشينا تلك الليله ظلمه شديده حتى ما نبصر شيئا.

قال الواقدى: و كان بسبس بن عمرو و عدى بن ابى الزغباء وردا على مجدى بدرا يتجسسان الخبر، فلما نزلا ماء بدر، اناخا راحلتيهما الى قريب من الماء، ثم اخذ اسقيتهما، يسقيان من الماء، فسمعا جاريتين من جوارى جهينه، يقال لاحداهما برزه و هى تلزم صاحبتها فى درهم، كان لها عليها و صاحبتها تقول: انما العير غدا او بعد غد قد نزلت، و مجدى بن عمر يسمعها، فقال: صدقت، فلما سمع ذلك بسبس و عدى انطلقا راجعين الى النبى (ص) حتى اتياه بعرق الظبيه، فاخبراه الخبر.

قال الواقدى: و حدثنى كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف المزنى، عن ابيه، عن جده- و كان احد البكائين- قال: قال رسول الله (ص): لقد سلك فج الروحاء موسى النبى (ع) فى سبعين الفا من بنى اسرائيل و صلوا فى المسجد الذى بعرق الظبيه.

قال الواقدى: و هى من الروحاء على ميلين مما يلى المدينه، اذا خرجت على يسارك.

قال الواقدى: و اصبح ابوسفيان ببدر، قد تقدم العير و هو خا
ئف من الرصد فقال: يا مجدى، هل احسست احدا! تعلم و الله ما بمكه قرشى و لا قرشيه له نش فصاعدا- و النش نصف اوقيه وزن عشرين درهما- الا و قد بعث به معنا! و لئن كتمتنا شان عدونا لايصالحك رجل من قريش ما بل بحر صوفه.

فقال مجدى: و الله ما رايت احدا انكره، و لا بينك و بين يثرب من عدو، و لو كان بينك و بينها عدو لم يخف علينا، و ما كنت لاخفيه عنك، الا انى قد رايت راكبين اتيا الى هذا المكان- و اشار الى مناخ عدى و بسبس- فاناخا به، ثم استقيا باسقيتهما، ثم انصرفا.

فجاء ابوسفيان مناخهما، فاخذ ابعارا من ابعار بعيريهما ففتها، فاذا فيها نوى، فقال: هذه و الله علائف يثرب! هذه و الله عيون محمد و اصحابه، ما ارى القوم الا قريبا، فضرب وجه عيره، فساحل بها، و ترك بدرا يسارا و انطلق سريعا، و اقبلت قريش من مكه ينزلون كل منهل يطعمون الطعام من اتاهم، و ينحرون الجزور، فبينا هم كذلك فى مسيرهم اذ تخلف عتبه و شيبه، و هما يترددان، قال احدهما لصاحبه: الم تر الى رويا عاتكه بنت عبدالمطلب! لقد خشيت منها، قال الاخر: فاذكرها، و ذكرها، فادركهما ابوجهل، فقال: ما تتحادثون به؟ قالا: نذكر رويا عاتكه، قال يا عجبا من بنى عبدالمطلب! لم يرضوا ان تتنبا علينا رجا
لهم حتى تنبات علينا النساء! اما و الله لئن رجعنا الى مكه لنفعلن بهم و لنفعلن! قال عتبه: ان لهم ارحاما و قرابه قريبه.

ثم قال احدهما لصاحبه: هل لك ان ترجع؟ قال ابوجهل: اترجعان بعد ما سرنا فتخذلان قومكما و تقطعان بهم بعد ان رايتم ثاركم باعينكم! اتظنان ان محمدا و اصحابه يلاقونكما! كلا و الله، ان معى من قومى مائه و ثمانين كلهم من اهل بيتى يحلون اذا احللت، و يرحلون اذا رحلت، فارجعا ان شئتما.

قالا: و الله لقد هلكت و اهلكت قومك.

ثم قال عتبه لاخيه شيبه: ان هذا رجل مشئوم- يعنى اباجهل- و انه لايمسه من قرابه محمد ما يمسنا، مع ان محمدا معه الولد فارجع بنا و دع قوله.

قلت: مراده بقوله (مع ان محمدا معه الولد)، ابوحذيفه بن عتبه بن ربيعه، كان اسلم و شهد بدرا مع رسول الله (ص).

قال الواقدى: فقال شيبه: و الله تكون علينا سبه يا اباالوليد ان نرجع الان بعد ما سرنا فمضينا.

ثم انتهى الى الجحفه عشاء، فنام جهيم بن الصلت بن مخرمه بن عبدالمطلب ابن عبدمناف، فقال: انى لارى بين النائم و اليقظان، انظر الى رجل اقبل على فرس معه بعير له، حتى وقف على، فقال: قتل عتبه بن ربيعه، و شيبه بن ربيعه و زمعه بن الاسود و اميه بن خلف، و ابوالبخترى، و ابوالح
كم، و نوفل بن خويلد، فى رجال سماهم من اشراف قريش، و اسر سهيل بن عمرو و فر الحارث بن هشام عن اخيه، قال: و كان قائلا يقول: و الله انى لاظنهم الذين يخرجون الى مصارعهم.

ثم قال: اراه ضرب فى لبه بعيره فارسله فى العسكر، فقال ابوجهل: و هذا نبى آخر من بنى عبدمناف! ستعلم غدا من المقتول، نحن او محمد و اصحابه! و قالت قريش لجهيم: انما يلعب بك الشيطان فى منامك، فسترى غدا خلاف ما رايت! يقتل اشراف محمد و يوسرون.

قال: فخلا عتبه باخيه شيبه، فقال له: هل لك فى الرجوع؟ فهذه الرويا مثل رويا عاتكه، و مثل قول عداس، و الله ما كذبنا عداس، و لعمرى لئن كان محمد كاذبا ان فى العرب لمن يكفيناه، و لئن كان صادقا انا لاسعد العرب به للحمته.

فقال شيبه: هو على ما تقول، افنرجع من بين اهل العسكر؟ فجاء ابوجهل و هما على ذلك فقال: ما تريدان؟ قالا: الرجوع، الا ترى الى رويا عاتكه، و الى رويا جهيم بن الصلت مع قول عداس لنا! فقال: لاتخذلان و الله قومكما و تقطعان بهم.

قالا: هلكت و الله و اهلكت قومك! فمضيا على ذلك.

قال الواقدى: فلما افلت ابوسفيان بالعير، و راى ان قد احرزها و امن عليها، ارسل الى قريش قيس بن امرى ء القيس- و كان مع اصحاب العير- خرج معهم من مكه
، فارسله ابوسفيان يامرهم بالرجوع، و يقول: قد نجت عيركم و اموالكم، فلا تحرزوا انفسكم اهل يثرب، فلا حاجه لكم فيما وراء ذلك، انما خرجتم لتمنعوا عيركم و اموالكم، و قد نجاها الله.

فان ابوا عليك فلا يابون خصله واحده، يردون القيان.

فعالج قيس بن امرى ء القيس قريشا، فابت الرجوع.

قالوا: اما القيان فسنردهن، فردوهن من الجحفه.

قلت: لااعلم مراد ابى سفيان برد القيان، و هو الذى اخرجهن مع الجيش يوم احد يحرضن قريشا على ادراك الثار، و يغنين، و يضربن الدفوف، فكيف نهى عن ذلك فى بدر و فعله فى احد! و اقول: من تامل الحال علم ان قريشا لم يمكن ان تنتصر يوم بدر، لان الذى خالطها من التخاذل و التواكل و كراهيه الحرب و حب الرجوع و خوف اللقاء و خفوق الهمم و فتور العزائم، و رجوع بنى زهره و غيرهم من الطريق، و اختلاف آرائهم فى القتال، يكفى بعضه فى هلاكهم و عدم فلاحهم، لو كانوا قد لقوا قوما جبناء، فكيف و انما لقوا الاوس و الخزرج، و هم اشجع العرب، و فيهم على بن ابى طالب (ع) و حمزه بن عبدالمطلب، و هما اشجع البشر، و جماعه من المهاجرين انجاد ابطال، و رئيسهم محمد بن عبدالله، رسول الله، الداعى الى الحق و العدل و التوحيد، المويد بالقوه الالهيه، دع ما
اضيف الى ذلك من ملائكه السماء، كما نطق به الكتاب! قال الواقدى: و لحق الرسول اباسفيان بالهده- و الهده على سبعه اميال من عقبه عسفان، على تسعه و ثلاثين ميلا من مكه- فاخبره بمضى قريش، فقال: واقوماه! هذا عمل عمرو بن هشام، يكره ان يرجع لانه قد تراس على الناس و بغى، و البغى منقصه و شوم، و الله لئن اصاب اصحاب محمد النفير ذللنا الى ان يدخل مكه علينا.

قال الواقدى: و قال ابوجهل: و الله لانرجع حتى نرد بدرا- و كانت بدر موسما من مواسم العرب فى الجاهليه، يجتمعون بها و فيها سوق- تسمع بنا العرب و بمسيرنا، فنقيم على بدر ثلاثا، ننحر الجزر و نطعم الطعام، و نشرب الخمر، و تعزف علينا القيان، فلن تزال العرب تهابنا ابدا.

قال الواقدى: و كان الفرات بن حيان العجلى ارسلته قريش حين فصلت من مكه الى ابى سفيان بن حرب يخبره بمسيرها و فصولها، و ما قد حشدت، فحالف اباسفيان فى الطريق، و ذلك ان اباسفيان لصق بالبحر، و لزم الفرات بن حيان المحجه، فوافى المشركين بالجحفه، فسمع كلام ابى جهل، و هو يقول: لانرجع، فقال: ما بانفسهم عن نفسك رغبه! و ان الذى يرجع بعد ان راى ثاره من كثب لضعيف، فمضى مع قريش، فترك اباسفيان، و جرح يوم بدر جراحات كثيره، و هرب على ق
دميه، و هو يقول: ما رايت كاليوم امرا انكد! ان ابن الحنظليه لغير مبارك الامر.

قال الواقدى: و قال الاخنس بن شريق- و اسمه ابى، و كان حليفا لبنى زهره: يا بنى زهره، قد نجى الله عيركم، و خلص اموالكم، و نجى صاحبكم مخرمه بن نوفل، و انما خرجتم لتمنعوه و ماله، و انما محمد رجل منكم، ابن اختكم، فان يك نبيا فانتم اسعد به، و ان يك كاذبا يلى قتله غيركم خير من ان تلوا قتل ابن اختكم، فارجعوا و اجعلوا خبثهالى، فلا حاجه لكم ان تخرجوا فى غير ما يهمكم، و دعوا ما يقوله هذا الرجل- يعنى اباجهل- فانه مهلك قومه، سريع فى فسادهم، فاطاعته بنوزهره، و كان فيهم مطاعا، و كانوا يتيمنون به، فقالوا: فكيف نصنع بالرجوع حتى نرجع؟ فقال الاخنس: نسير مع القوم، فاذا امسيت سقطت عن بعيرى، فيقولون: نحل الاخنس، فاذا اصبحوا فقالوا: سيروا، فقولوا: لانفارق صاحبنا، حتى نعلم احى هو ام ميت، فندفنه، فاذا مضوا رجعنا الى مكه.

ففعلت بنوزهره ذلك، فلما اصبحوا بالابواء راجعين تبين للناس ان بنى زهره رجعوا فلم يشهدها زهرى البته، و كانوا مائه، و قيل: اقل من مائه و هو اثبت، و قال قوم: كانوا ثلثمائه و لم يثبت ذلك.

قال الواقدى: و قال عدى بن ابى الزغباء منحدره من بدر الى ال
مدينه، (و انتشرت الركاب عليه، فجعل عدى يقول): اقم لها صدورها يا بسسبس ان مطايا القوم لاتحبس و حملها على الطريق اكيس قد نصر الله و فر الاخنس قال الواقدى: و ذكر ابوبكر بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، ان بنى عدى خرجوا من النفير حتى كانوا بثنيه لفت، فلما كان فى السحر عدلوا فى الساحل منصرفين الى مكه، فصادفهم ابوسفيان، فقال: كيف رجعتم يا بنى عدى! و لا فى العير و لا فى النفير! قالوا: انت ارسلت الى قريش ان ترجع، فرجع من رجع و مضى من مضى، فلم يشهدها احد من بنى عدى.

و يقال: انه لاقاهم بمر الظهران، فقال تلك المقاله لهم.

قال الواقدى: و اما رسول الله (ص)، فكان صبيحه اربع عشره من شهر رمضان بعرق الظبيه، فجاء اعرابى قد اقبل من تهامه، فقال له اصحاب النبى (ص): هل لك علم بابى سفيان بن حرب؟ قال ما لى بابى سفيان علم قالوا: تعال، فسلم على رسول الله (ص)، قال: او فيكم رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فايكم رسول الله؟ قالوا: هذا، فقال: انت رسول الله؟ قال: نعم، قال: فما فى بطن ناقتى هذه ان كنت صادقا؟ فقال سلمه بن سلامه بن وقش: نكحتها و هى حبلى منك! فكره رسول الله (ص) مقالته، و اعرض عنه.

قال الواقدى: و سار رسول الل
ه (ص) حتى اتى الروحاء ليله الاربعاء، للنصف من شهر رمضان، فقال لاصحابه: هذا سجاسج- يعنى وادى الروحاء- هذا افضل اوديه العرب.

قال الواقدى: و صلى رسول الله (ص) بالروحاء، فلما رفع راسه من الركعه الاخيره من وتره لعن الكفره، و دعا عليهم، فقال: اللهم لاتفلتن اباجهل بن هشام فرعون هذه الامه، اللهم لاتفلتن زمعه بن الاسود، اللهم اسخن عين ابى زمعه! اللهم اعم بصر ابى دبيله.

اللهم لاتفلتن سهيل بن عمرو! ثم دعا لقوم من قريش، فقال: اللهم انج سلمه بن هشام و عياش بن ابى ربيعه و المستضعفين من المومنين، و لم يدع للوليد بن المغيره يومئذ، و اسر ببدر، و لكنه لما رجع الى مكه بعد بدر اسلم، و اراد ان يخرج الى المدينه فحبس، فدعا له النبى (ص) بعد ذلك.

قال الواقدى: و كان خبيب بن يساف رجلا شجاعا، و كان يابى الاسلام، فلما خرج النبى (ص) الى بدر خرج هو و قيس بن محرث- و يقال ابن الحارث- و هما على دين قومهما، فادركا رسول الله (ص) بالعقيق، و خبيب مقنع فى الحديد، فعرفه رسول الله (ص) من تحت المغفر، فالتفت الى سعد بن معاذ و هو يسير الى جنبه فقال: اليس بخبيب بن يساف؟ قال: بلى، فاقبل خبيب حتى اخذ ببطان ناقه رسول الله (ص)، فقال له و لقيس بن محرث: ما ا
خرجكما؟ قال: كنت ابن اختنا و جارنا، و خرجنا مع قومنا للغنيمه، فقال (ص): لايخرجن معنا رجل ليس على ديننا، فقال خبيب: لقد علم قومى انى عظيم الغناء فى الحرب شديد النكايه، فاقاتل معك للغنيمه و لااسلم؟ فقال رسول الله (ص): لا و لكن اسلم ثم قاتل فلما كان بالروحاء جاء فقال: يا رسول الله، اسلمت لرب العالمين، و شهدت انك رسول الله، فسر بذلك، و قال: امضه، فكان عظيم الغناء فى بدر و فى غير بدر.

و اما قيس بن الحارث فابى ان يسلم، فرجع الى المدينه، فلما قدم النبى (ص) من بدر اسلم و شهد احدا فقتل.

قال الواقدى: و لما خرج رسول الله (ص) صام يوما او يومين، ثم نادى مناديه: يا معشر العصاه، انى مفطر، فافطروا، و ذلك انه قد كان قال لهم قبل ذلك: افطروا فلم يفعلوا.

قلت: هذا هو سر النبوه و خاصيتها، اذا تامل المتاملون ذلك، و هو ان يبلغ بهم حبه و طاعته و قبول قوله على ان يكلفهم ما يشق عليهم فيمتثلوه امتثالا صادرا عن حب شديد و حرص عظيم على الطاعه، حتى انه لينسخه عنهم و يسقط وجوبه عليهم، فيكرهون ذلك و لايسقطونه عن انفسهم، الا بعد الانكار التام، و هذا احسن من المعجزات الخارقه للعادات، بل هذا بعينه معجزه خارقه للعاده اقوى و آكد من شق البحر و قلب
العصا حيه! قال الواقدى: و مضى رسول الله (ص) حتى اذا كان دوين بدر، اتاه الخبر بمسير قريش، فاخبر رسول الله (ص) بمسيرهم، و استشار الناس فقام ابوبكر فقال فاحسن، ثم قام عمر فقال فاحسن، ثم قال: يا رسول الله: انها قريش و عزها و الله ما ذلت منذ عزت، و لاآمنت منذ كفرت، و الله لاتسلم عزها ابدا، و لتقاتلنك، فاتهب لذلك اهبته، و اعد عدته، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله لامر الله، فنحن معك، و الله لانقول لك كما قالت بنواسرائيل لنبيها: (اذهب انت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون)، و لكن اذهب انت و ربك فقاتلا انا معكم مقاتلون، و الذى بعثك بالحق لو سرت بنا الى برك الغماد لسرنا.

قال الواقدى: برك الغماد من وراء مكه بخمس ليال من وراء الساحل مما يلى البحر، و هو على ثمان ليال من مكه الى اليمن.

فقال له رسول الله (ص) خيرا، و دعا له بخير، ثم قال (ص): اشيروا على ايها الناس- و انما يريد الانصار، و كان يظن ان الانصار لاتنصره الا فى الدار، و ذلك انهم شرطوا ان يمنعوه مما يمنعون منه انفسهم و اولادهم، فقال رسول الله (ص): اشيروا على، فقام سعد بن معاذ، فقال: انا اجيب عن الانصار، كانك يا رسول الله تريدنا! قال: اجل، قال: انك عسى ان تكو
ن خرجت عن امر قد اوحى اليك، و انا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا ان ما جئت به حق، و اعطيناك مواثيقنا و عهودنا على السمع و الطاعه، فامض يا نبى الله لما اردت، فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقى منا رجل، و صل من شئت، و خذ من اموالنا ما اردت، فما اخذته من اموالنا احب الينا مما تركت، و الذى نفسى بيده ما سلكت هذه الطريق قط، و مالى بها من علم، و انا لا نكره ان نلقى عدونا غدا، انا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عينك.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتاده، عن محمود بن لبيد قال: قال سعد بن معاذ يومئذ: يا رسول الله، انا قد خلفنا من قومنا قوما ما نحن باشد حبا لك منهم، و لااطوع لهم رغبه و نيه فى الجهاد، و لو ظنوا انك يا رسول الله ملاق عدوا ما تخلفوا عنك، و لكن انما ظنوا انها العير.

نبنى لك عريشا، فتكون فيه و نعد عندك رواحلك.

ثم نلقى عدونا، فان اعزنا الله و اظهرنا على عدونا، كان ذلك ما احببنا، و ان تكن الاخرى، جلست على رواحلك، فلحقت من ورائنا.

فقال له النبى (ص) خيرا، ثم قال: او يقضى الله خير يا سعد! قال الواقدى: فلما فرغ سعد من المشوره، قال
رسول الله (ص): سيروا على بركه الله، فان الله قد وعدنى احدى الطائفتين، و الله لكانى انظر الى مصارع القوم.

قال الواقدى: و قالوا: لقد ارانا رسول الله (ص) مصارعهم يومئذ، هذا مصرع فلان، و هذا مصرع فلان، فما عدا كل رجل منهم مصرعه، قال: فعلم القوم انهم يلاقون القتال، و ان العير تفلت، و رجا القوم النصر لقول النبى (ص).

قال الواقدى: فمن يومئذ عقد رسول الله (ص) الالويه، و كانت ثلاثه، و اظهر السلاح، و كان خرج من المدينه على غير لواء معقود، و سار فلقى سفيان الضمرى، و مع رسول الله (ص) قتاده بن النعمان و معاذ بن جبل، فقال رسول الله (ص): من الرجل؟ فقال الضمرى: بل و من انتم؟ فقال رسول الله (ص): تخبرنا و نخبرك، فقال الضمرى: و ذالك بذاك؟ قال: نعم، قال الضمرى: فاسالوا عما شئتم، فقال له (ص): اخبرنا عن قريش، قال الضمرى: بلغنى انهم خرجوا يوم كذا من مكه، فان كان الخبر صادقا، فانهم بجنب هذا الوادى، ثم قال الضمرى: فمن انتم؟ فقال النبى (ص): نحن من ماء، و اشار بيده نحو العراق، فجعل الضمرى يقول: من ماء! من اى مائ؟ من العراق ام من غيره؟ ثم انصرف رسول الله (ص) الى اصحابه.

قال الواقدى: فبات الفريقان كل منهم لايعلم بمنزل صاحبه، انما بينهم ق
وز من رمل.

قال الواقدى: و مر رسول الله (ص) بجبلين، فسال عنهما فقالوا: هذا مسلح و مخرى ء، فقال: من ساكنهما؟ فقيل: بنو النار و بنو حراق، فانصرف عنهما و جعلهما يسارا، و لقيه بسبس بن عمرو و عدى بن ابى الزغباء فاخبراه خبر قريش، و نزل رسول الله (ص) وادى بدر عشاء ليله الجمعه لسبع عشره مضت من رمضان، فبعث عليا (ع) و الزبير و سعد بن ابى وقاص و بسبس بن عمرو يتحسسون على الماء، و اشار لهم الى ظريب، و قال: ارجو ان تجدوا الخير عند القليب الذى يلى هذا الظريب، فاندفعوا تلقائه، فوجدوا على تلك القليب روايا قريش فيها سقاوهم، فاسروهم، و افلت بعضهم، فكان ممن عرف انه افلت عجير، فكان اول من جاء قريشا بخبر النبى (ص) و اصحابه، فنادى: يا آل غالب! هذا ابن ابى كبشه و اصحابه، و قد اخذوا سقائكم، فماج العسكر و كرهوا ما جاء به.

قال الواقدى: فكان حكيم بن حزام يحدث، قال: كنا يومئذ فى خباء لنا على جزور نشوى من لحمها، فما هو الا ان سمعنا الخبر، فامتنع الطعام منا، و لقى بعضنا بعضا، و لقينى عتبه بن ربيعه، فقال: يا اباخالد، ما اعلم احدا يسير اعجب من مسيرنا، ان عيرنا قد نجت، و انا جئنا الى قوم فى بلادهم بغيا عليهم، فقلت: اراه لامر حم، و لا راى لمن
لايطاع! هذا شوم ابن الحنظليه، فقال عتبه: اباخالد، اتخاف ان تبيتنا القوم؟ قلت: لانت آمن من ذلك، قال: فما الراى يا اباخالد؟ قلت: نتحارس حتى نصبح و ترون رايكم.

قال عتبه: هذا الراى، قال: فتحارسنا حتى اصبحنا، فقال ابوجهل: هذا عن امر عتبه كره قتال محمد و اصحابه، ان هذا لهو العجب، اتظنون ان محمدا و اصحابه يعترضون لجمعكم! و الله لانتحين ناحيه بقومى فلا يحرسنا احد، فتنحى ناحيه، و ان السماء لتمطر عليه، قال: يقول عتبه: ان هذا لهو النكد.

قال الواقدى: اخذ من السقاء من على القليب يسار غلام سعيد بن العاص، و اسلم غلام منبه بن الحجاج، و ابورافع غلام اميه بن خلف، فاتى بهم النبى (ص) و هو قائم يصلى، فسالهم المسلمون، فقالوا: نحن سقاء قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهم، و رجوا ان يكونوا لابى سفيان و اصحاب العير، فضربوهم، فلما اذلقوهم بالضرب، قالوا: نحن لابى سفيان، و نحن فى العير، و هذا العير بهذا القوز، فكانوا اذا قالوا ذلك يمسكون عن ضربهم، فسلم رسول الله (ص) من صلاته، ثم قال: ان صدقوكم ضربتموهم، و ان كذبوكم تركتموهم! فقال اصحابه (ع): انهم يا رسول الله يقولون: ان قريشا قد جائت، فقال: لقد صدقوكم! خرجت قريش تمنع عيرها و
خافوكم عليها، ثم اقبل (ص) على السقاء، فقال: اين قريش؟ فقالوا: خلف هذا الكثيب الذى ترى، قال: كم هم؟ قالوا: كثير، قال: كم عددهم؟ قالوا: لاندرى، قال: كم ينحرون؟ قالوا: يوما عشره و يوما تسعه، فقال: القوم ما بين الالف و التسعمائه، ثم قال للسقاء: كم خرج من اهل مكه؟ قالوا: لم يبق احد به طعم الا خرج، فاقبل رسول الله (ص) على الناس، فقال: هذه مكه قد القت اليكم افلاذ كبدها، ثم سالهم رسول الله (ص): هل رجع منهم احد؟ قالوا: نعم رجع ابن ابى شريق ببنى زهره، فقال (ص): راشدهم و ما كان برشيد، و ان كان ما علمت لمعاديا لله و لكتابه.

ثم قال: فاحد غيرهم؟ قالوا: نعم بنو عدى بن كعب، فتركهم رسول الله (ص) ثم قال لاصحابه: اشيروا على فى المنزل، فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، ارايت منزلك هذا، اهو منزل انزلكه الله، فليس لنا ان نتقدمه و لانتاخر عنه، ام هو الراى و الحرب و المكيده؟ قال: بل هو الراى و الحرب و المكيده، قال: فان هذا ليس بمنزل! انطلق بنا الى ادنى مياه القوم، فانى عالم بها و بقلبها، فان بها قليبا قد عرفت عذوبه مائها، و ماوها كثير لاينزح، نبنى عليها حوضا، و نقذف فيها بالانيه فنشرب، و نقاتل، و نعور ما سواها من القلب.

قال الوا
قدى: فكان ابن عباس يقول: نزل جبريل على النبى (ص) فقال: الراى ما اشار به الحباب فقال: يا حباب، اشرت بالراى، و نهض، و فعل كذلك.

قال الواقدى: و بعث الله السماء، و كان الوادى دهسا- اى كثير الرمل- فاصاب المسلمين ما لبد الارض و لم يمنعهم من المسير، و اصاب قريشا ما لم يقدروا معه ان يرتحلوا منه، و انما بين الطائفتين قوز من رمل.

قال الواقدى: و اصاب المسلمين تلك الليله النعاس القى عليهم، فناموا و لم يصبهم من المطر ما يوذيهم.

قال الزبير بن العوام: لقد سلط الله عليهم النعاس تلك الليله، حتى انى كنت لاتشدد، و النعاس يجلد بى الارض فما اطيق الا ذلك، فكان رسول الله (ص) و اصحابه على مثل ذلك الحال.

و قال سعد بن ابى وقاص: لقد رايتنى، و ان ذقنى بين ثديى، فما اشعر حتى اقع على جنبى.

و قال رفاعه بن رافع بن مالك: لقد غلبنى النوم، فاحتلمت حتى اغتسلت آخر الليل.

قال الواقدى: فلما تحول رسول الله (ص) الى المنزل بعد ان اخذ السقاء، ارسل عمار بن ياسر و عبدالله بن مسعود، فاطافا بالقوم، ثم رجعا اليه فقالا له: يا رسول الله، القوم مذعورون فزعون، ان الفرس ليريد ان يصهل فيضرب وجهه، مع ان السماء تسح عليهم.

قال الواقدى: فلما اصبحوا قال منبه بن الحج
اج- و كان رجلا يبصر الاثر: هذا و الله اثر ابن سميه، و ابن ام عبد، اعرفهما، لقد جائنا محمد بسفهائنا و سفهاء اهل يثرب، ثم قال: لم يترك الجوع لنا مبيتا لا بد ان نموت او نميتا يا معشر قريش، انظروا غدا ان لقينا محمد و اصحابه، فاتقوا على شبانكم و فتيانكم، باهل يثرب، فانا ان نرجع بهم الى مكه يبصروا من ضلالتهم ما فارقوا من دين آبائهم.

قال الواقدى: و لما نزل رسول الله (ص) على القليب بنى له عريش من جريد، فقام سعد بن معاذ على باب العريش متوشحا سيفه، فدخل النبى (ص) و ابوبكر.

قلت: لاعجب من امر العريش، من اين كان لهم، او معهم من سعف النخل ما يبنون به عريشا، و ليس تلك الارض- اعنى ارض بدر- ارض نخل، و الذى كان معهم من سعف النخل يجرى مجرى السلاح كان يسيرا جدا! قيل انه كان بايدى سبعه منهم سعاف عوض السيوف، و الباقون كانوا بالسيوف و القسى، و هذا قول شاذ، و الصحيح انه ما خلا احد منهم عن سلاح، اللهم الا ان يكون معهم سعافات يسيره، و ظلل عليها بثوب او ستر، و الا فلا ارى لبناء عريش من جريد النخل هناك وجها! قال الواقدى: وصف رسول الله (ص) اصحابه قبل ان تنزل قريش، فطلعت قريش و رسول الله (ص) يصف اصحابه، و قد اترعوا حوضا يفرطون فيه من
السحر، و قذفت فيه الانيه، و دفع رسول الله (ص) رايته الى مصعب بن عمير، فتقدم بها الى الموضع الذى امره ان يضعها، و وقف رسول الله (ص) ينظر الى الصفوف، فاستقبل المغارب، و جعل الشمس خلفه، و اقبل المشركون، فاستقبلوا الشمس، و نزل بالعدوه الدنيا من الوادى، و نزلوا بالعدوه اليمانيه، و هى القصوى، و جائه رجل من اصحابه فقال: يا رسول الله، ان كان هذا عن وحى فامض له، و الا فانى ارى ان تعلوا الوادى، فانى ارى ريحا قد هاجت من اعلاها، و اراها بعثت بنصرك.

فقال رسول الله (ص): (قد صففت صفوفى و وضعت رايتى، فلا اغير ذلك).

ثم دعا رسول الله (ص)، فامده الله بالملائكه.

قال الواقدى: و روى عروه بن الزبير، قال: عدل رسول الله (ص) الصفوف يومئذ، فتقدم سواد بن غزيه امام الصف، فدفع النبى (ص) بقدح فى بطنه، و قال: استو يا سواد، فقال: اوجعتنى و الذى بعثك بالحق، اقدنى، فكشف (ص) عن بطنه، و قال: استقد فاعتنقه و قبله، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: حضر يا رسول الله من امر الله ما قد ترى، و خشيت القتل، فاردت ان يكون آخر عهدى بك، و ان اعتنقك.

قال الواقدى: فحدثنى موسى بن يعقوب، عن ابى الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن رجل من بنى اود قال: سمعت عليا
(ع) يخطب على منبر الكوفه، و يقول: بينا انا اميح فى قليب بدر جائت ريح لم ار مثلها قط شده، ثم ذهبت فجائت اخرى لم ار مثلها الا التى كانت قبلها، ثم جائت ريح اخرى لم ار مثلها الا الاوليين، فكانت الاولى جبريل فى الف مع رسول الله (ص)، و الثانيه ميكائيل فى الف عن ميمنته، و الثالثه اسرافيل فى الف عن ميسرته، فلما هزم الله اعدائه، حملنى رسول الله (ص) على فرس، فجرت بى، فلما جرت بى خررت على عنقها، فدعوت ربى، فامسكنى حتى استويت، و ما لى و للخيل، و انما كنت صاحب الحشم، فلما استويت طعنت فيهم بيدى هذه حتى اختضبت منى ذى- يعنى ابطه- قلت: اكثر الرواه يروونه: (فحملنى رسول الله على فرسه)، و الصحيح ما ذكرناه، لانه لم يكن لرسول الله (ص) فرس يوم بدر، و انما حضرها راكب بعير، و لكنه لما اصطدم الصفان، و قتل قوم من فرسان المشركين، حمل رسول الله (ص) عليا (ع) على بعض الخيل الماخذوه منهم.

قال الواقدى: قالوا: كان على ميمنه رسول الله (ص) ابوبكر، و كان على ميسرته على بن ابى طالب (ع)، و كان على ميمنه قريش هبيره بن ابى وهب المخزومى، و على ميسرتهم عمرو بن عبدود.

قيل: كان زمعه بن الاسود على ميسرتهم، و قيل: بل كان على خيل المشركين، و قيل: الذى على
الخيل الحارث بن هشام، و قال قوم: لم يكن هبيره على الميمنه، بل كان عليها الحارث بن عامر بن نوفل.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن صالح عن يزيد بن رومان و ابن ابى حبيبه، قالا: ما كان على ميمنه النبى (ص) يوم بدر و لا على ميسرته احد يسمى، و كذلك ميمنه المشركين و ميسرتهم ما سمعنا فيها باحد.

قال الواقدى: و هذا هو الثبت عندنا قال: و كان لواء رسول الله (ص) يومئذ الاعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، و لواء الخزرج مع الحباب بن المنذر و لواء الاوس مع سعد بن معاذ، و كان مع قريش ثلاثه الويه، لواء مع ابى عزيز، و لواء مع المنذر بن الحارث، و لواء مع طلحه بن ابى طلحه.

قال الواقدى: و خطب رسول الله (ص) المسلمين يومئذ، فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: اما بعد، فانى احثكم على ما حثكم الله عليه، و انهاكم عما نهاكم الله عنه فان الله عظيم شانه، يامر بالحق، و يحب الصدق، و يعطى على الخير اهله على منازلهم عنده به يذكرون، و به يتفاضلون، و انكم اصبحتم بمنزل من منازل الحق، لايقبل الله فيه من احد الا ما ابتغى به وجهه.

و ان الصبر فى الباس مما يفرج الله به الهم، و ينجى به من الغم، تدركون به النجاه فى الاخره، فيكم نبى الله يحذركم و يامركم، فاستح
يوا اليوم ان يطلع الله على شى ء من امركم يمقتكم عليه، فانه تعالى يقول: (لمقت الله اكبر من مقتكم انفسكم)، انظروا الى الذى امركم به من كتابه، و اراكم من آياته، و ما اعزكم به بعد الذله، فاستمسكوا به يرض ربكم عنكم، و ابلوا ربكم فى هذه المواطن امرا تستوجبون به الذى وعدكم من رحمته و مغفرته، فان وعده حق، و قوله صدق، و عقابه شديد، و انما انا و انتم بالله الحى القيوم، اليه الجانا ظهورنا، و به اعتصمنا، و عليه توكلنا، و اليه المصير، و يغفر الله لى و للمسلمين.

قال الواقدى: و لما راى رسول الله (ص) قريشا تصوب من الوادى، و كان اول من طلع زمعه بن الاسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه، يريد ان يبنوا للقوم منزلا، فقال رسول الله (ص): اللهم انك انزلت على الكتاب، و امرتنى بالقتال، و وعدتنى احدى الطائفتين، و انت لاتخلف الميعاد.

اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها و فخرها، تخاذل و تكذب رسولك.

اللهم نصرك الذى وعدتنى.

اللهم احنهم الغداه! و طلع عتبه بن ربيعه على جمل احمر، فقال رسول الله (ص): ان يك فى احد من القوم خير ففى صاحب الجمل الاحمر، ان يطيعوه يرشدوا.

قال الواقدى: و كان ايماء بن رحضه قد بعث الى قريش ابنا له بعشر جزائر حين مرو
ا به اهداها لهم، و قال: ان احببتم ان يمدكم بسلاح و رجال فانا معدون لذلك، مودون فعلنا، فارسلوا: ان وصلتك رحم، قد قضيت الذى عليك، و لعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم، و لئن كنا نقاتل الله- بزعم محمد- فما لاحد بالله طاقه.

قال الواقدى: فروى خفاف بن ايماء بن رحضه، قال: كان ابى ليس شى ء احب اليه من اصلاح بين الناس، موكلا بذلك، فلما مرت به قريش ارسلنى بجزائر عشر هديه لها، فاقبلت اسوقها، و تبعنى ابى، فدفعتها الى قريش فقبلوها و وزعوها فى القبائل، فمر ابى على عتبه بن ربيعه، و هو سيد الناس يومئذ، فقال: يا اباالوليد، ما هذا المسير؟ قال: لاادرى و الله غلبت، قال: فانت سيد العشيره، فما يمنعك ان ترجع بالناس، و تحمل دم حليفك، و تحمل العير التى اصابوا ينخله، فتوزعها على قومك! فو الله ما يطلبون قبل محمد الا هذا، و الله يا اباالوليد ما تقتلون بمحمد و اصحابه الا انفسكم! قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى الزناد، عن ابيه، قال: ما سمعنا باحد سار بغير مال الا عتبه بن ربيعه.

قال الواقدى: و روى محمد بن جبير بن مطعم، قال: لما نزل القوم ارسل رسول الله (ص) عمر بن الخطاب الى قريش، فقال: ارجعوا، فلان يلى هذا الامر منى غيركم احب الى
من ان تلوه منى، و ان اليه من غيركم احب الى من ان اليه منكم، فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفا، فلبوه، و الله لاتنصرون عليه بعد ان عرض عليكم من النصف ما عرض.

و قال ابوجهل: لانرجع بعد ان امكننا الله منهم، و لانطلب اثرا بعد عين، و لايعرض لعيرنا بعد هذا ابدا.

قال الواقدى: و اقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض، منهم حكيم بن حزام، فاراد المسلمون تنحيتهم عنه، فقال النبى (ص): دعوهم، فوردوا الماء، فشربوا، فلم يشرب منهم احد الا قتل، الا ما كان من حكيم بن حزام.

قال الواقدى: فكان سعيد بن المسيب، يقول: نجا حكيم من الدهر مرتين، لما اراد الله تعالى به من الخير، خرج رسول الله (ص) على نفر من المشركين و هم جلوس يريدونه، فقرا (يس)، و نثر على رئوسهم التراب، فما افلت منهم احد الا قتل، ما عدا حكيم بن حزام.

و ورد الحوض يوم بدر مع من ورده مع المشركين، فما ورده الا من قتل الا حكيم بن حزام.

قال الواقدى: فلما اطمان القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحى، و كان صاحب قداح، فقالوا: احزر لنا محمدا و اصحابه، فاستجال بفرسه حول العسكر، و صوب فى الوادى و صعد، يقول: عسى ان يكون لهم مدد او كمين! ثم رجع فقال: لا مدد و لا كمين، و القوم ثلثمائه، ان زادوا قليلا،
و معهم سبعون بعيرا و معهم فرسان، ثم قال: يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعه و لاملجا الا سيوفهم، الا ترونهم خرسا لايتكلمون، يتلمظون تلمظ الافاعى! و الله ما ارى ان يقتل منهم رجل حتى يقتل رجلا، فاذا اصابوا منكم عددهم، فما خير فى العيش بعد ذلك! فروا رايكم.

قال الواقدى: و حدثنى يونس بن محمد الظفرى، عن ابيه، انه قال: لما قال لهم عمير بن وهب هذه المقاله، ارسلوا ابااسامه الجشمى، و كان فارسا، فاطاف بالنبى (ص) و اصحابه، ثم رجع اليهم، فقالوا له: ما رايت؟ قال: و الله ما رايت جلدا و لا عددا و لا حلقه و لا كراعا، و لكنى و الله رايت قوما لايريدون ان يردوا الى اهليهم! رايت قوما مستميتين، ليست معهم منعه و لا ملجا الا سيوفهم، زرق العيون، كانهم الحصا تحت الحجف، ثم قال: اخشى ان يكون لهم كمين او مدد، فصوب فى الوادى ثم صعد، ثم رجع اليهم، فقال: لا كمين و لا مدد! فروا رايكم.

قال الواقدى: و لما سمع حكيم بن حزام ما قال عمير بن وهب، مشى فى الناس، فاتى عتبه بن ربيعه، فقال: يا اباالوليد، انت كبير قريش و سيدها و المطاع فيها، فهل لك الا تزال تذكر فيها بخير آخر الدهر، مع ما فعلت يوم عكاظ! و
عتبه يومئذ رئيس الناس، فقال: و ما ذاك يا اباخالد؟ قال: ترجع بالناس، و تحمل دم حليفك، و ما اصابه محمد من تلك العير ببطن نخله، انكم لاتطلبون من محمد شيئا غير هذا الدم و العير.

فقال عتبه: قد فعلت، و انت على بذلك.

ثم جلس عتبه على جمله، فسار فى المشركين من قريش يقول: يا قوم اطيعونى، و لاتقاتلوا هذا الرجل و اصحابه، و اعصبوا هذا الامر براسى، و اجعلوا جبنها فى، فان منهم رجالا قرابتهم قريبه، و لايزال الرجل منكم ينظر الى قاتل ابيه و اخيه فيورث ذلك بينكم شحناء و اضغانا، و لن تخلصوا الى قتلهم حتى يصيبوا منكم عددهم، مع انه لا آمن ان تكون الدائره عليكم، و انتم لاتطلبون الا دم القتيل منكم، و العير التى اصيبت، و انا احتمل ذلك، و هو على، يا قوم ان يك محمد كاذبا يكفيكموه ذوبان العرب، و ان يك ملكا كنتم فى ملك ابن اخيكم، و ان يك نبيا كنتم اسعد الناس به! يا قوم لاتردوا نصيحتى، و لاتسفهوا رايى.

فحسده ابوجهل حين سمع خطبته، و قال: ان يرجع الناس عن خطبه عتبه يكن سيد الجماعه، و كان عتبه انطق الناس، و اطولهم لسانا، و اجملهم جمالا، ثم قال عتبه لهم: انشدكم الله فى هذه الوجوه التى كانها المصابيح، ان تجعلوها اندادا لهذه الوجوه التى كانها و
جوه الحيات! فلما فرغ عتبه من كلامه قال ابوجهل: ان عتبه يشير عليكم بهذا لان محمدا ابن عمه، و هو يكره ان يقتل ابنه و ابن عمه، امتلا و الله سحرك يا عتبه و جبنت حين التقت حلقتا البطان.

الان تخذل بيننا و تامرنا بالرجوع! لا و الله لانرجع حتى يحكم الله بيننا و بين محمد.

فغضب عتبه، فقال: يا مصفرا استه، ستعلم اينا اجبن و الام! و ستعلم قريش من الجبان المفسد لقومه! و انشد: هذاى و امرت امرى فبشرى بالثكل ام عمرو قال الواقدى: و ذهب ابوجهل الى عامر بن الحضرمى، اخى عمرو بن الحضرمى المقتول بنخله، فقال له: هذا حليفك- يعنى عتبه- يريد ان يرجع بالناس، و قد رايت ثارك بعينك، و تخذل بين الناس! اقد تحمل دم اخيك، و زعم انك قابل الديه، الا تستحى؟ تقبل الديه و قد قدرت على قاتل اخيك! قم فانشد خفرتك، فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف، ثم حثا على استه التراب، و صرخ: و اعمراه! يخزى بذلك عتبه، لانه حليفه من بين قريش، فافسد على الناس الراى الذى دعاهم اليه عتبه، و حلف عامر لايرجع حتى يقتل من اصحاب محمد.

و قال ابوجهل لعمير بن وهب: حرش بين الناس، فحمل عمير فناوش المسلمين، لان ينفض الصف، فثبت المسلمون على صفهم، و لم يزولوا، و تقدم ابن الحضرمى فشد
على القوم، فنشبت الحرب.

قال الواقدى: فروى نافع بن جبير عن حكيم بن حزام، قال: لما افسد الراى ابوجهل على الناس، و حرش بينهم عامر بن الحضرمى فاقحم فرسه، كان اول من خرج اليه من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر، و كان اول قتيل قتل من الانصار حارثه ابن سراقه، قتله حيان بن العرقه.

قال الواقدى: و قال عمر بن الخطاب فى مجلس ولايته: يا عمير بن وهب، انت حاذرنا للمشركين يوم بدر، تصعد فى الوادى و تصوب، كانى انظر الى فرسك تحتك تخبر المشركين انه لا كمين لنا و لا مدد! قال: اى و الله يا اميرالمومنين، و اخرى، انا و الله الذى حرشت بين الناس يومئذ، و لكن الله جائنا بالاسلام، و هدانا له، و ما كان فينا من الشرك اعظم من ذلك، قال عمر: صدقت.

قال الواقدى، و كان عتبه بن ربيعه كلم حكيم بن حزام، و قال: ليس عند احد خلاف الا عند ابن الحنظليه، فاذهب اليه، فقل له: ان عتبه يحمل دم حليفه، و يضمن العير.

قال حكيم: فدخلت على ابى جهل، و هو يتخلق بخلوق طيب، و درعه موضوعه بين يديه، فقلت: ان عتبه بن ربيعه بعثنى اليك، فاقبل على مغضبا، فقال: ما وجد عتبه احدا يرسله غيرك، فقلت: و الله لو كان غيره ارسلنى ما مشيت فى ذلك، و لكنى مشيت فى اصلاح بي
ن الناس- و كان ابوالوليد سيد العشيره- فغضب غضبه اخرى.

قال: و تقول ايضا سيد العشيره، فقلت: انا اقوله، و قريش كلها تقوله، فامر عامرا ان يصيح بخفرته، و اكتشف، و قال: ان عتبه جاع، فاسقوه سويقا، و جعل المشركين يقولون: عتبه جاع، فاسقوه سويقا، و جعل ابوجهل يسر بما صنع المشركون بعتبه.

قال حكيم: فجئت الى منبه بن الحجاج فقلت له مثل ما قلت لابى جهل، فوجدته خيرا من ابى جهل، قال: نعما مشيت فيه، و ما دعا اليه عتبه! فرجعت الى عتبه فوجدته قد غضب من كلام قريش، فنزل عن جمله، و قد كان طاف عليهم فى عسكرهم يامرهم بالكف عن القتال، فيابون، فحمى، فنزل فلبس درعه و طلبوا له بيضه فلم يوجد فى الجيش بيضه تسع راسه من عظم هامته، فلما راى ذلك اعتجر، ثم برز راجلا بين اخيه شيبه و بين ابنه الوليد ابن عتبه فبينا ابوجهل فى الصف على فرس انثى، حاذاه عتبه، و سل سيفه، فقيل: هو و الله يقتله، فضرب بالسيف عرقوب فرس ابى جهل، فاكتسعت الفرس، و قال: انزل، فان هذا اليوم ليس بيوم ركوب، ليس كل قومك راكبا، فنزل ابوجهل و عتبه يقول: سيعلم اينا شوم عشيرته الغداه! قال حكيم: فقلت: تا لله ما رايت كاليوم! قال الواقدى: ثم دعا عتبه الى المبارزه و رسول الله (ص) فى العر
يش، و اصحابه على صفوفهم، فاضطجع، فغشيه النوم، و قال: لاتقاتلوا حتى اوذنكم، و ان كثبوكم فارموهم و لاتسلوا السيوف حتى يغشوكم.

فقال ابوبكر: يا رسول الله قد دنا القوم، و قد نالوا منا، فاستيقظ، و قد اراه الله اياهم فى منامه قليلا، و قلل بعضهم فى اعين بعض، ففزع رسول الله (ص) و هو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر، و يقول: (اللهم ان تظهر على هذه العصابه يظهر الشرك، و لايقم لك دين) و ابوبكر يقول: و الله لينصرنك الله و ليبيضن وجهك.

قال عبدالله بن رواحه: يا رسول الله، انى اشير عليك، و انت اعظم و اعلم بالله من ان يشار عليك، ان الله اجل و اعظم من ان ينشد وعده! فقال (ع): يابن رواحه، الا انشد الله وعده، ان الله لايخلف الميعاد! و اقبل عتبه يعمد الى القتال فقال له حكيم بن حزام: مهلا مهلايا اباالوليد! لا تنه عن شى ء و تكون اوله.

قال الواقدى: قال خفاف بن ايماء: فرايت اصحاب النبى (ص) يوم بدر، و قد تصاف الناس و تزاحفوا، و هم لايسلون السيوف، و لكنهم قد انتضوا القسى، و قد تترس بعضهم عن بعض بصفوف متقاربه، لا فرج بينها، و الاخرون قد سلوا السيوف حين طلعوا، فعجبت من ذلك، فسالت بعد ذلك رجلا من المهاجرين، فقال: امرنا رسول الله (ص) ال
ا نسل السيوف حتى يغشونا.

قال الواقدى: فلما تزاحف الناس قال الاسود بن عبدالاسد المخزومى حين دنا من الحوض: اعاهد الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن دونه.

فشد حتى دنا من الحوض، و استقبله حمزه بن عبدالمطلب، فضربه فاطن قدمه، فزحف الاسود ليبر قسمه زعم، حتى وقف فى الحوض فهدمه برجله الصحيحه، و شرب منه، و اتبعه حمزه، فضربه فى الحوض فقتله، و المشركون ينظرون ذلك على صفوفهم.

قال الواقدى: و دنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبه و شيبه و الوليد حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا الى المبارزه، فخرج اليهم فتيان ثلاثه من الانصار، و هم بنوعفراء: معاذ و معوذ و عوف، بنوالحارث- و يقال: ان ثالثهم عبدالله بن رواحه، و الثابت عندنا انهم بنو عفراء- فاستحى رسول الله (ص) من ذلك، و كره ان يكون اول قتال لقى المسلمون فيه المشركين فى الانصار، و احب ان تكون الشوكه لبنى عمه و قومه، فامرهم، فرجعوا الى مصافهم، و قال لهم خيرا، ثم نادى منادى المشركين: يا محمد، اخرج الينا الاكفاء من قومنا، فقال لهم رسول الله (ص): يا بنى هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم الذى بعث الله به نبيكم اذ جائوا بباطلهم ليطفئوا نور الله.

فقام حمزه بن عبدالمطلب و على بن ابى طالب و عبيده
بن الحارث بن المطلب بن عبدمناف، فمشوا اليهم، فقال عتبه: تكلموا نعرفكم- و كان عليهم البيض، فانكروهم- فان كنتم اكفائنا قاتلناكم.

و روى محمد بن اسحاق فى كتاب "المغازى" خلاف هذه الروايه، قال: ان بنى عفراء و عبدالله بن رواحه برزوا الى عتبه و شيبه و الوليد، فقالوا لهم: من انتم؟ قالوا: رهط من الانصار، فقالوا: ارجعوا فما لنا بكم من حاجه! ثم نادى مناديهم: يا محمد اخرج الينا اكفائنا من قومنا، فقال رسول الله (ص): قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان.

قلت: و هذه الروايه اشهر من روايه الواقدى، و فى روايه الواقدى ما يوكد صحه روايه محمد بن اسحاق، و هو قوله: ان منادى المشركين نادى: يا محمد، اخرج الينا الاكفاء من قومنا.

فلو لم يكن قد كلمهم بنو عفراء و كلموهم و ردوهم، لما نادى مناديهم بذلك.

و يدل على ذلك قول بعض القرشيين لبعض الانصار فى فخر فخر به عليه: انا من قوم لم يرض مشركوهم ان يقتلوا مومنى قومك.

قال الواقدى فقال حمزه انا حمزه بن عبدالمطلب، اسدالله و اسد رسوله، فقال عتبه: كف كريم، و انا اسد الحفاء، من هذان معك؟ قال: على بن ابى طالب و عبيده بن الحارث بن المطلب، فقال: كفان كريمان.

قال الواقدى: قال ابن ابى الزناد: حدثنى ابى، ق
ال: ام لسمع لعتبه كلمه قط اوهن من قوله: (انا اسد الحلفاء) يعنى بالحلفاء الاجمه.

قلت: قد روى هذه الكلمه على صيغه اخرى: (و انا اسد الحلفاء)، و روى: (انا اسد الاحلاف).

قالوا فى تفسيرهما: اراد انا سيد اهل الحلف المطيبين، و كان الذين حضروه بنى عبدمناف و بنى اسد بن عبدالعزى و بنى تيم و بنى زهره و بنى الحارث بن فهر، خمس قبائل.

و رد قوم هذا التاويل، فقالوا: ان المطيبين لم يكن يقال لهم: الحلفاء و لا الاحلاف، و انما ذلك لقب خصومهم و اعدائهم الذين وقع التحالف لاجلهم، و هم بنو عبدالدار، و بنومخزوم، و بنوسهم، و بنوجمح، و بنو عدى بن كعب، خمس قبائل.

و قال قوم فى تفسير هما: انما عنى حلف الفضول، و كان بعد حلف المطيبين بزمان، و شهد حلف الفضول رسول الله (ص) و هو صغير فى دار ابن جدعان، و كان سببه ان رجلا من اليمن قدم مكه بمتاع، فاشتراه العاص بن وائل السهمى و مطله بالثمن حتى اتعبه، فقام بالحجر و ناشد قريشا ظلامته، فاجتمع بنوهاشم و بنواسد بن عبدالعزى و بنوزهره، و بنوتميم، فى دار ابن جدعان، فتحالفوا، غمسوا ايديهم فى ماء زمزم، بعد ان غسلوا به اركان البيت، ان ينصروا كل مظلوم بمكه، و يردوا عليه ظلامته، و ياخذوا على يد الظالم، و ينهوا
عن كل منكر، ما بل بحر صوفه، فسمى حلف الفضول لفضله، و قد ذكره رسول الله (ص) فقال: (شهدته و ما احب ان لى به حمر النعم، و لايزيده الاسلام الا شده)، و هذا التفسير ايضا غير صحيح، لان بنى عبدالشمس لم يكونوا فى حلف الفضول، فقد بان ان ما ذكره الواقدى اصح و اثبت.

قال الواقدى: ثم قال عتبه لابنه: قم يا وليد، فقام الوليد و قام اليه على- و كانا اصغر النفر- فاختلفا ضربتين، فقتله على بن ابى طالب (ع)، ثم قام عتبه، و قام اليه حمزه فاختلفا ضربتين، فقتله حمزه رضى الله عنه، ثم قام شيبه، و قام اليه عبيده- و هو يومئذ اسن اصحاب رسول الله (ص)- فضرب شيبه رجل عبيده بذباب السيف، فاصاب عضله ساقه، فقطعها و كر حمزه و على على شيبه فقتلاه، و احتملا عبيده فحازاه الى الصف، و مخ ساقه يسيل، فقال عبيده: يا رسول الله، الست شهيدا؟ قال: بلى، قال: اما و الله لو كان ابوطالب حيا لعلم انى احق بما قال حين يقول: كذبتم و بيت الله نخلى محمدا و لما نطاعن دونه و نناضل ننصره حتى نصرع حوله و نذهل عن ابنائنا و الحلائل و نزلت فيهم هذه الايه: (هذان خصمان اختصموا فى ربهم).

و روى محمد بن اسحاق ان عتبه بارز عبيده بن الحارث، و ان شيبه بارز حمزه بن عبدالمطلب،
فقتل حمزه شيبه، لم يمهله ان قتله، و لم يمهل على الوليد ان قتله، و اختلف عبيده و عتبه بينهما ضربتين، كلاهما اثبت صاحبه، و كر حمزه و على (ع) على عتبه باسيافهما، حتى وقعا عليه، و احتملا صاحبهما فحازاه الى الصف.

قلت: و هذه الروايه توافق ما يذكره اميرالمومنين (ع) فى كلامه، اذ يقول لمعاويه: و عندى السيف الذى اعضضت به اخاك و خالك و جدك يوم بدر.

و يقول فى موضع آخر: قد عرفت مواقع نصالها فى اخيك و خالك و جدك، و ما هى من الظالمين ببعيد.

و اختار البلاذرى روايه الواقدى: و قال: ان حمزه قتل عتبه، و ان عليا (ع) قتل الوليد، و شرك فى قتل شيبه.

و هذا هو المناسب لاحوالهم من طريق السن، لان شيبه اسن الثلاثه، فجعل بازاء عبيده و هو اسن الثلاثه، و الوليد اصغر الثلاثه سنا، فجعل بازاء على (ع)، و هو اصغر الثلاثه سنا، و عتبه اوسطهم سنا، فجعل بازاء حمزه و هو اوسطهم سنا.

و ايضا فان عتبه كان امثل الثلاثه، فمقتضى القياس ان يكون قرنه امثل الثلاثه، و هو حمزه اذ ذاك، لان عليا (ع) لم يكن قد اشتهر امره جدا، و انما اشتهر الشهره التامه بعد بدر.

و لمن روى ان حمزه بارز شيبه- و هى روايه ابن اسحاق- ان ينتصر بشعر هند بنت عتبه ترثى اباها: اعينى جودا بدم
ع سرب على خير خندف لم ينقلب تداعى له رهطه قصره بنوهاشم و بنوالمطلب يذيقونه حر اسيافهم يعلونه بعد ما قد عطب فاذا كانت قد قالت ان عتبه اباها اذاقه بنوهاشم و بنوالمطلب حر اسيافهم، فقد ثبت ان المبارز لعتبه انما هو عبيده لانه من بنى المطلب جرح عتبه، فاثبته ثم ذفف عليه حمزه و على (ع).

فاما الشيعه، فانها تروى ان حمزه بادر عتبه فقتله، و ان اشتراك على و حمزه انما هو فى دم شيبه بعد ان جرحه عبيده بن الحارث، هكذا ذكر محمد بن النعمان فى كتاب "الارشاد" و هو خلاف ما تنطق به كتب اميرالمومنين (ع) الى معاويه، و الامر عندى مشتبه فى هذا الموضع.

و روى محمد بن النعمان، عن اميرالمومنين (ع)، انه كان يذكر يوم بدر و يقول: اختلف انا و الوليد بن عتبه ضربتين، فاخطاتنى ضربته، و اضربه فاتقانى بيده اليسرى، فابانها السيف، فكانى انظر الى و ميض خاتم فى شماله، ثم ضربته اخرى فصرعته و سلبته، فرايت به الردع من خلوق، فعلمت انه قريب عهد بعرس.

قال الواقدى: و قد روى ان عتبه بن ربيعه حين دعا الى البراز، قام اليه ابنه ابوحذيفه بن عتبه يبارزه، فقال له النبى (ص): اجلس، فلما قام اليه النفر اعان ابوحذيفه على ابيه عتبه بضربه.

قال الواقدى: و اخبرن
ى ابن ابى الزناد، عن ابيه، قال: شيبه اكبر من عتبه بثلاث سنين، و حمزه اسن من النبى (ص) باربع سنين، و العباس اسن من النبى (ص) بثلاث سنين.

قال الواقدى: و استفتح ابوجهل يوم بدر، فقال: اللهم اقطعنا للرحم و آتانا بما لايعلم، فاحنه الغداه، فانزل الله تعالى: (ان تستفتحوا فقد جائكم الفتح...) الايه.

قال الواقدى: و روى عروه عن عائشه ان النبى (ص) جعل شعار المهاجرين يوم بدر: يا بنى عبدالرحمن، و شعار الخزرج: يا بنى عبدالله، و شعار الاوس: يا بنى عبدالله.

قال: و روى زيد بن على بن الحسين (ع)، ان شعار رسول الله (ص) يوم بدر: يا منصور امت.

قال الواقدى: و نهى رسول الله (ص) عن قتل ابى البخترى، و كان قد لبس السلاح بمكه يوما قبل الهجره فى بعض ما كان ينال النبى (ص) من الاذى، و قال: لايعرض اليوم احد لمحمد باذى الا وضعت فيه السلاح.

فشكر ذلك له النبى (ص).

قال ابوداود المازنى: فلحقته يوم بدر، فقلت له: ان رسول الله (ص) قد نهى عن قتلك ان اعطيت بيدك، قال: و ما تريد الى! ان كان قد نهى عن قتلى، فقد كنت ابليته ذلك، فاما ان اعطى بيدى، فواللات و العزى لقد علمت نسوه بمكه انى لااعطى بيدى، و قد عرفت انك لاتدعنى، فافعل الذى تريد.

فرماه ابوداود بسهم
، و قال: اللهم سهمك، و ابوالبخترى عبدك، فضعه فى مقتله: و ابوالبخترى دارع، ففتق السهم الدرع فقتله.

قال الواقدى: و يقال ان المجذر بن ذياد قتل اباالبخترى و لايعرفه، و قال المجذر فى ذلك شعرا عرف منه انه قاتله.

و فى روايه محمد بن اسحاق، ان رسول الله (ص) نهى يوم بدر عن قتل ابى البخترى، و اسمه الوليد بن هشام بن الحارث بن اسد بن عبدالعزى، لانه كان اكف الناس عن رسول الله (ص) بمكه، كان لايوذيه و لايبلغه عنه شى ء يكرهه، و كان فيمن قام فى نقض الصحيفه التى كتبتها قريش على بنى هاشم، فلقيه المجذر بن ذياد البلوى حليف الانصار، فقال له: ان رسول الله (ص) نهانا عن قتلك، و مع ابى البخترى زميل له خرج معه من مكه يقال له جناده بن مليحه، فقال ابوالبخترى: و زميلى! قال المجذر: و الله ما نحن بتاركى زميلك، ما نهانا رسول الله (ص) الا عنك وحدك، قال: اذا و الله لاموتن انا و هو جميعا، لاتتحدث عنى نساء اهل مكه انى تركت زميلى حرصا على الحياه، فنازله المجذر، و ارتجز ابوالبخترى فقال: لن يسلم ابن حره زميله حتى يموت او يرى سبيله ثم اقتتلا، فقتله المجذر، و جاء الى رسول الله (ص)، فاخبره، و قال: و الذى بعثك بالحق لقد جهدت ان يستاسر فاتيك به، فاب
ى الا القتال فقاتلته فقتلته.

قال الواقدى: و نهى النبى (ص) عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل، و قال: ائسروه و لاتقتلوه، و كان كارها للخروج الى بدر، فلقيه خبيب بن يساف فقتله و لايعرفه، فبلغ النبى (ص) ذلك، فقال: لو وجدته قبل ان يقتل لتركته لنسائه.

و نهى عن قتل زمعه بن الاسود فقتله ثابت بن الجذع، و لايعرفه.

قال الواقدى: و ارتجز عدى بن ابى الزغباء يوم بدر، فقال: انا عدى و السحل امشى بها مشى الفحل يعنى درعه.

فقال النبى (ص): من عدى؟ فقال رجل من القوم: انا يا رسول الله، قال: و ماذا؟ (قال: ابن فلان، قال: لست انت عديا، فقال عدى بن ابى الزغباء: انا يا رسول الله عدى، قال: و ماذا)؟ قال: (و السحل، امشى بها مشى الفحل)، قال النبى (ص): و ما السحل، قال: درعى، فقال (ص) (نعم العدى، عدى بن ابى الزغباء).

قال الواقدى: و كان عقبه بن ابى معيط قال بمكه حين هاجر رسول الله (ص) الى المدينه: يا راكب الناقه القصواء هاجرنا عما قليل ترانى راكب الفرس اعل رمحى فيكم ثم انهله و السيف ياخذ منكم كل ملتبس فبلغ قوله النبى (ص)، فقال: (اللهم اكبه لمنخره و اصرعه)، فجمح به فرسه يوم بدر بعد ان ولى الناس، فاخذه عبدالله بن سلمه العجلانى اسيرا، و ا
مر النبى (ص) عاصم بن ابى الاقلح، فضرب عنقه صبرا.

قال الواقدى: و كان عبدالرحمن يحدث يقول: انى لاجمع ادراعا يوم بدر، بعد ان ولى الناس، فاذا اميه بن خلف- و كان لى صديقا فى الجاهليه، و كان اسمى عبدعمرو، فلما جاء الاسلام تسميت عبدالرحمن، فكان يلقانى بمكه فيقول: يا عبدعمرو، فلا اجيبه، فيقول: انى لااقول لك عبدالرحمن، ان مسيلمه باليمامه تسمى بالرحمن، فانا لاادعوك اليه، فكان يدعونى عبدالاله، فلما كان يوم بدر رايته و كانه جمل يساق، و معه ابنه على، فنادانى: يا عبدعمرو، فابيت ان اجيبه، فنادانى: يا عبدالاله، فاجبته، فقال: اما لكم حاجه فى اللبن؟ نحن خير لك من ادرعك هذه، فقلت: امضيا فجعلت اسوقهما امامى، و قد راى اميه انه قد امن بعض الامن، فقال لى اميه: رايت رجلا فيكم اليوم معلما فى صدره بريشه نعامه، من هو؟ فقلت: حمزه بن عبدالمطلب فقال: ذاك الذى فعل بنا الافاعيل! ثم قال: فمن رجل دحداح قصير معلم بعصابه حمرائ؟ قلت: ذاك رجل من الانصار، يقال له: سماك بن خرشه، قال: و بذاك ايضا يا عبد الاله صرنا اليوم جزرا لكم! قال: فبينا هو معى ازجيه امامى، و معه ابنه، اذ بصر به بلال و هو يعجن عجينا له، فترك العجين، و جعل يفتل يديه منه فتلا ذريع
ا، و هو ينادى: يا معشر الانصار، اميه بن خلف راس الكفر! لانجوت ان نجوت- قال: لانه كان يعذبه بمكه، فاقبلت الانصار كانهم عوذ حنت الى اولادها، حتى طرحوا اميه على ظهره، و اضطجعت عليه احميه منهم، فاقبل الخباب بن المنذر، فادخل سيفه، فاقتطع ارنبه انفه، فلما فقد اميه انفه، قال لى: ايها عنك! اى خل بينى و بينهم، قال عبدالرحمن فذكرت قول حسان: او عن ذلك الانف جادع قال: و يقبل اليه خبيب بن يساف، فضربه حتى قتله، و قد كان اميه ضرب خبيب ابن يساف حتى قطع يده من المنكب، فاعادها النبى (ص) فالتحمت و استوت، فتزوج خبيب بن يساف بعد ذلك ابنه اميه بن خلف، فرات تلك الضربه، فقالت: لا يشل الله يد رجل فعل هذا! فقال خبيب: و انا و الله قد اوردته شعوب، فكان خبيب يحدث يقول: فاضربه فوق العاتق، فاقطع عاتقه حتى بلغت موتزره، و عليه الدرع، و انا اقول: خذها و انا ابن يساف! و اخذت سلاحه و درعه، و اقبل على بن اميه فتعرض له الخباب، فقطع رجله، فصاح صيحه ما سمع مثلها قط، و لقيه عمار فضربه ضربه فقتله.

و يقال: ان عمارا لا قاه قبل ضربه الخباب، فاختلفا ضربات، فقتله عمار.

و الاولى اثبت، انه ضربه بعد ان قطعت رجله.

قال الواقدى: و قد سمعنا فى قتل اميه غير ذلك
، حدثنى عبيد بن يحيى، عن معاذ بن رفاعه، عن ابيه، قال: لما كان يوم بدر و احدقنا باميه بن خلف، و كان له فيهم شان، و معى رمحى، و معه رمحه، فتطاعنا حتى سقطت ازجتها، ثم صرنا الى السيفين فتضاربنا بهما حتى انثلما، ثم بصرت بفتق فى درعه تحت ابطه، فحششت السيف فيه حتى قتلته، و خرج السيف عليه الودك.

قال الواقدى: و قد سمعنا وجها آخر: حدثنى محمد بن قدامه بن موسى، عن ابيه، عن عائشه بنت قدامه، قالت: قال صفوان بن اميه بن خلف يوما: يا قدام- لقدامه بن مظعون- انت المشلى بابى يوم بدر الناس! فقال قدامه: لا و الله ما فعلت، و لو فعلت ما اعتذرت من قتل مشرك.

قال صفوان: فمن يا قدام المشلى به يوم بدر؟ قال: رايت فتيه من الانصار اقبلوا اليه، فيهم معمر بن خبيب بن عبيد الحارث، يرفع سيفه و يضعه فيه، فقال صفوان: ابوقرد! و كان معمر رجلا دميما، فسمع بذلك الحارث بن حاطب، فغضب له، فدخل على ام صفوان، فقال: ما يدعنا صفوان من الاذى فى الجاهليه و الاسلام! قالت: و ما ذاك؟ فاخبرها بمقاله صفوان لمعمر حين قال: ابوقرد! فقالت ام صفوان: يا صفوان، اتنتقص معمر بن خبيب من اهل بدر! و الله لااقبل لك كرامه سنه.

قال صفوان: يا امه، لااعود و الله ابدا، تكلمت بكلمه
لم الق لها بالا.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن قدامه، عن ابيه، عن عائشه بنت قدامه، قالت: قيل لام صفوان بن اميه- و نظرت الى الخباب بن المنذر بمكه: هذا الذى قطع رجل على بن اميه يوم بدر، قالت: دعونا عن ذكر من قتل على الشرك، قد اهان الله عليا بضربه الخباب بن المنذر، و اكرم الله الخباب بضربته عليا، و لقد كان على الاسلام حين خرج من هاهنا، فقتل على غير ذلك.

فاما محمد بن اسحاق، فانه قال: قال عبدالرحمن بن عوف: اخذت بيد اميه بن خلف و يد ابنه على بن اميه اسيرين يوم بدر، فبينا انا امشى بينهما، رآنا بلال- و كان اميه هو الذى يعذب بلالا بمكه، يخرجه الى رمضاء مكه اذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يامره بالصخره العظيمه فتوضع بحرارتها على صدره، و يقول له: لاتزال هكذا او تفارق دين محمد! فيقول بلال: احد احد! لايزيده على ذلك- فلما رآه صاح: راس الكفر اميه بن خلف، لانجوت ان نجوت! قال عبدالرحمن: فقلت اى بلال، اسيرى! فقال: لانجوت ان نجا، فقلت: استمع يابن السوداء، قال: لا نجوت ان نجا، ثم صرخ باعلى صوته: يا انصار الله، اميه بن خلف راس الكفر، لا نجوت ان نجا، فاحاطوا بنا حتى جعلونا فى مثل المسكه، و انا اذب عنه، و يحذف عمار بن ياسر عليا ابنه
بالسيف، فاصاب رجله، فوقع و صاح اميه صيحه ما سمعت مثلها قط، فخليت عنه، و قلت: انج بنفسك و لانجاء به! فو الله ما اغنى عنك شيئا، قال: فهبروهما باسيافهم حتى فرغوا منهما.

قال: فكان عبدالرحمن بن عوف، يقول: رحم الله بلالا! اذهب ادرعى، و فجعنى باسيرى! قال الواقدى: و كان الزبير بن العوام يحدث فيقول: لما كان يومئذ لقيت عبيده بن سعيد بن العاص على فرس، عليه لامه كامله لايرى منه الا عيناه، و هو يقول- و كانت له صبيه صغيره، يحملها و كان لها بطين و كانت مقسمه: انا ابوذات الكرش، انا ابوذات الكرش.

قال: و فى يدى عنزه فاطعن بها فى عينه و وقع، و اطوه برجلى على خده، حتى اخرجت العنزه متعقفه، و اخرجت حدقته، و اخذ رسول الله (ص) تلك العنزه، فكانت تحمل بين يديه، ثم صارت تحمل بين يدى ابى بكر و عمر و عثمان.

قال الواقدى: و اقبل عاصم بن ابى عوف بن صبيره السهمى، لما جال الناس و اختلطوا، و كانه ذئب، و هو يقول: يا معشر قريش، عليكم بالقاطع مفرق الجماعه، الاتى بما لايعرف، محمد، لانجوت ان نجا! و يعترضه ابودجانه، فاختلفا ضربتين، و يضربه ابو دجانه فقتله، و وقف على سلبه يسلبه، فمر به عمر بن الخطاب، فقال: دع سلبه حتى يجهض العدو، و انا اشهد لك به.

ق
ال الواقدى: و يقبل معبد بن وهب، احد بنى عامر بن لوى، فضرب ابادجانه ضربه برك منها ابودجانه كما يبرك الجمل، ثم انتهض، و اقبل على معبد، فضربه ضربات لم يصنع سيفه شيئا، حتى يقع معبد بحفره امامه لايراها، و نزل ابو دجانه عليه، فذبحه ذبحا، و اخذ سلبه.

قال الواقدى: و لما كان يومئذ، و رات بنو مخزوم مقتل من قتل، قالت: ابوالحكم! لايخلص اليه، فان ابنى ربيعه عجلا و بطرا: و لم تحام عنهما عشيرتهما.

فاجتمعت بنومخزوم، فاحدقوا به، فجعلوه (فى) مثل الحرجه، و اجمعوا ان يلبسوا لامه ابى جهل رجلا منهم، فالبسوها عبدالله بن المنذر بن ابى رفاعه، فصمد له على (ع)، فقتله و هو يراه اباجهل، و مضى عنه و هو يقول: انا ابن عبدالمطلب! ثم البسوها اباقيس بن الفاكه بن المغيره، فصمد له حمزه و هو يراه اباجهل، فضربه فقتله و هو يقول: خذها و انا ابن عبدالمطلب! ثم البسوها حرمله بن عمرو، فصمد له على (ع) فقتله، ثم ارادوا ان يلبسوها خالد بن الاعلم، فابى ان يلبسها، قال معاذ بن عمرو بن الجموح: فنظرت يومئذ الى ابى جهل فى مثل الحرجه، و هم يقولون: ابوالحكم! لا يخلص اليه، فعرفت انه هو، فقلت: و الله لاموتن دونه اليوم او لاخلصن اليه، فصمدت له، حتى اذا امكنتنى منه غ
ره حملت عليه، فضربته ضربه طرحت رجله من الساق، فشبهتها النواه تنزو من تحت المراضخ، فاقبل ابنه عكرمه على فضربنى على عاتقى، فطرح يدى من العاتق، الا انه بقيت جلده، فذهبت اسحب يدى بتلك الجلده خلفى، فلما آذتنى وضعت عليها رجلى، ثم تمطيت عليها فقطعتها، ثم لاقيت عكرمه و هو يلوذ كل ملاذ، و لو كانت يدى معى لرجوت يومئذ ان اصيبه.

و مات معاذ فى زمن عثمان.

قال الواقدى: فروى ان رسول الله (ص) نفل معاذ بن عمرو بن الجموح سيف ابى جهل، و انه عند آل معاذ بن عمرو اليوم و به فل، بعد ان ارسل النبى (ص) الى عكرمه بن ابى جهل، يساله: من قتل اباك؟ قال: الذى قطعت يده، فدفع رسول الله (ص) سيفه الى معاذ بن عمرو، لان عكرمه بن ابى جهل قطع يده يوم بدر.

قال الواقدى: و ما كان بنو المغيره يشكون ان سيف ابى الحكم صار الى معاذ بن عمرو بن الجموح، و انه قاتله يوم بدر.

قال الواقدى: قد سمعت فى قتله و اخذ سلبه غير هذا، حدثنى عبدالحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن عبدالرحمن بن عوف، قال: عبانا رسول الله (ص) بليل، فاصبحنا و نحن على صفوفنا، فاذا بغلامين، ليس منهما واحد الا قد ربطت حمائل سيفه فى عنقه لصغره، فالتفت الى احدهما، فقال: يا عم، ايهم ابوجهل؟
قال: قلت: و ما تصنع به يابن اخى؟ قال: بلغنى انه يسب رسول الله (ص)، فحلفت: لئن رايته لاقتلنه او لاموتن دونه.

فاشرت اليه، فالتفت الى الاخر، و قال لى مثل ذلك، فاشرت له اليه، و قلت له: من انتما؟ قالا: ابنا الحارث، قال: فجعلا لا يطرفان عن ابى جهل، حتى اذا كان القتال خلصا اليه فقتلاه و قتلهما.

قال الواقدى: فحدثنى محمد بن عوف، عن ابراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت، قال: لما كان يومئذ، قال عبدالرحمن، و نظر اليهما عن يمينه و عن شماله: ليته كان الى جنبى من هو ابدن من هذين الصبيين! فلم انشب ان التفت الى عوف، فقال: ايهم ابوجهل؟ فقلت: ذاك حيث ترى، فخرج يعدو اليه كانه سبع، و لحقه اخوه، فانا انظر اليهم يضطربون بالسيوف، ثم نظرت الى رسول الله (ص) يمر بهم فى القتلى، و هما الى جانب ابى جهل.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن رفاعه بن ثعلبه، قال: سمعت ابى ينكر ما يقول الناس فى ابنى عفراء من صغرهما، و يقول: كانا يوم بدر اصغرهما ابن خمس و ثلاثين سنه، فهذا يربط حمائل سيفه! قال الواقدى: و القول الاول اثبت.

و روى محمد بن عمار بن ياسر، عن ربيع بنت معوذ، قالت: دخلت فى نسوه من الانصار على اسماء ام ابى جهل فى زمن عمر بن الخطاب، و كان ابنها عبدالله
بن ابى ربيعه يبعث اليها بعطر من اليمن، فكانت تبيعه الى الاعطيه، فكنا نشترى منها، فلما جعلت لى فى قواريرى، و وزنت لى كما وزنت لصواحبى، قال: اكتبن لى عليكن حقى، قلت: نعم، اكتب لها على الربيع بنت معوذ، فقالت: اسماء خلفى: و انك لابنه قاتل سيده! فقلت: لا، و لكن ابنه قاتل عبده، فقالت: و الله لاابيعك شيئا ابدا، فقلت: انا و الله لا اشترى منك ابدا، فو الله ما هو بطيب و لاعرف، و الله يا بنى ما شممت عطرا قط كان اطيب منه، و لكنى يا بنى غضبت.

قال الواقدى: فلما وضعت الحرب اوزارها، امر رسول الله (ص) ان يلتمس ابوجهل، قال ابن مسعود: فوجدته فى آخر رمق، فوضعت رجلى على عنقه، فقلت: الحمد لله الذى اخزاك! قال: انما اخزى الله العبد ابن ام عبد! لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقا صعبا! لمن الدبره؟ قلت: لله و لرسوله، قال ابن مسعود: فاقلع بيضته عن قفاه، و قلت: انى قاتلك، قال: لست باول عبدقتل سيده، اما ان شد مالقيته اليوم لقتلك اياى، الا يكون ولى قتلى رجل من الاحلاف او من المطيبين! قال: فضربه عبدالله ضربه وقع راسه بين يديه، ثم سلبه، و اقبل بسلاحه و درعه و بيضته، فوضعها بين يدى رسول الله (ص)، فقال: ابشر يا نبى الله بقتل عدو الله ابى جهل! فق
ال رسول الله: احقا يا عبدالله! فو الذى نفسى بيده لهو احب الى من حمر النعم! او كما قال.

ثم قال: انه اصابه جحش من دفع دفعته فى مادبه ابن جدعان، فجحشت ركبته فالتمسوه؟ فوجدوا ذلك الاثر.

قال الواقدى: و روى ان اباسلمه بن عبدالاسد المخزومى كان عند النبى (ص) تلك الساعه فوجد فى نفسه، و اقبل على ابن مسعود، و قال: انت قتلته؟ قال: نعم، الله قتله! قال ابوسلمه: انت وليت قتله؟ قال: نعم، قال: لو شاء لجعلك فى كمه! فقال ابن مسعود: فقد و الله قتلته و جردته، فقال ابوسلمه: فما علامته؟ قال: شامه سوداء ببطن فخذه اليمنى، فعرف ابوسلمه النعت، فقال: اجردته، و لم يجرد قرشى غيره! فقال ابن مسعود: انه و الله لم يكن فى قريش و لافى حلفائها احد اعدى لله و لا لرسوله منه، و ما اعتذر من شى ء صنعته به.

فامسك ابوسلمه.

قال الواقدى: سمع ابوسلمه بعد ذلك يستغفر الله من كلامه فى ابى جهل، و قال: اللهم انك قد انجزت ما وعدتنى، فتمم على نعمتك.

قال: و كان عبدالله بن عتبه بن مسعود، يقول: سيف ابى جهل عندنا محلى بفضه، غنمه عبدالله بن مسعود يومئذ.

قال الواقدى: اجتمع قول اصحابنا ان معاذ بن عمرو و ابنى عفراء اثبتوه، و ضرب ابن مسعود عنقه فى آخر رمق، فكل شرك فى قت
له.

قال الواقدى: و قد روى ان رسول الله (ص) وقف على مصرع ابنى عفراء، فقال: يرحم الله ابنى عفراء، فانهما قد شركا فى قتل فرعون هذه الامه، و راس ائمه الكفر، فقيل: يا رسول الله و من قتله معهما؟ قال: الملائكه، و ذفف عليه ابن مسعود، فكان قد شرك فى قتله.

قال الواقدى: و حدثنى معمر، عن الزهرى، قال: قال رسول الله (ص) يوم بدر: اللهم اكفنى نوفل بن العدويه- و هو نوفل بن خويلد، من بنى اسد بن عبدالعزى- واقبل نوفل يومئذ يصيج و هو مرعوب، قد راى قتل اصحابه، و كان فى اول ما التقوا هم و المسلمون، يصيح بصوت له زجل، رافعا عقيرته: يا معشر قريش، ان هذا اليوم يوم العلاء و الرفعه.

فلما راى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالانصار: ما حاجتكم الى دمائنا؟ اما ترون من تقتلون؟ امالكم فى اللبن من حاجه! فاسره جبار بن صخر، فهو يسوقه امامه، فجعل نوفل يقول لجبار، و راى عليا (ع) مقبلا نحوه: يا اخا الانصار، من هذا و اللات و العزى! انى لارى رجلا، انه ليريدنى! قال جبار: هذا على بن ابى طالب، قال نوفل: تا لله ما رايت كاليوم رجلا اسرع فى قومه! فصمد له على (ع) فيضربه فينشب سيف على، فى حجفته ساعه ثم ينزعه فيضرب به ساقيه، و درعه مشتمره، فيقطعها، ثم اجهز عليه فق
تله، فقال رسول الله (ص): من له علم بنوفل بن خويلد؟ قال على (ع): انا قتلته، فكبر رسول الله (ص)، و قال: الحمد لله الذى اجاب دعوتى فيه.

قال الواقدى: و اقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال، فالتقى هو و على (ع)، و قتله على، فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص: ما لى اراك معرضا، تظن انى قتلت اباك! فقال سعيد: لو قتلته لكان على الباطل و كنت على الحق، قال: فقال عمر: ان قريشا اعظم الناس احلاما، و اكثرها امانه، لا يبغيهم احد الغوائل الا كبه الله لفيه.

قال الواقدى: و روى ان عمر قال لسعيد بن العاص: ما لى اراك معرضا كانى قتلت اباك يوم بدر، و ان كنت لااعتذر من قتل مشرك، لقد قتلت خالى بيدى العاص بن هاشم بن المغيره.

و نقلت من غير كتاب الواقدى ان عثمان بن عفان و سعيد بن العاص حضرا عند عمر فى ايام خلافته، فجلس سعيد بن العاص حجره فنظر اليه عمر، فقال: مالى اراك معرضا كانى قتلت اباك! انى لم اقتله، و لكنه قتله ابوحسن! و كان على (ع) حاضرا، فقال: اللهم غفرا! ذهب الشرك بما فيه، و محا الاسلام ما قبله، فلماذا تهاج القلوب! فسكت عمر، و قال سعيد: لقد قتله كفو كريم، و هو احب الى من ان يقتله من ليس من بنى عبدمناف
.

قال الواقدى: و كان على (ع) يحدث، فيقول: انى يومئذ بعد ما متع النهار، و نحن و المشركون قد اختلطت صفوفنا و صفوفهم، خرجت فى اثر رجل منهم، فاذا رجل من المشركين على كثيب رمل و سعد بن خيثمه، و هما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمه، و المشرك مقنع فى الحديد، و كان فارسا، فاقتحم عن فرسه، فعرفنى و هو معلم، فنادانى: هلم يابن ابى طالب الى البراز! فعطفت الى البراز، فعطفت عليه، فانحط الى مقبلا، و كنت رجلا قصيرا، فانحططت راجعا لكى ينزل الى، كرهت ان يعلونى، فقال: يابن ابى طالب، فررت! فقلت: قريبا مفر ابن الشتراء.

فلما استقرت قدماى و ثبت اقبل فاتقيت فلما دنا منى ضربنى بالدرقه، فوقع سيفه، فلحج فاضربه على عاتقه و هو دارع، فارتعش، و لقد قط سيفى درعه، فظننت ان سيفى سيقتله، فاذا بريق سيف من ورائى، فطاطات راسى، و يقع السيف، فاطن قحف راسه بالبيضه، و هو يقول: خذها و انا ابن عبدالمطلب، فالتفت من ورائى، فاذا هو حمزه عمى، و المقتول طعيمه ابن عدى.

قلت: فى روايه محمد بن اسحاق بن يسار ان طعيمه بن عدى قتله على بن ابى طالب (ع)، ثم قال: و قيل: قتله حمزه.

و فى روايه الشيعه قتله على بن ابى طالب، شجره بالرمح، فقال له: و الله لا تخاصمنا فى الل
ه بعد اليوم ابدا، و هكذا روى محمد بن اسحاق.

و روى محمد بن اسحاق قال: و خرج النبى (ص) من العريش الى الناس ينظر القتال، فحرض المسلمين و قال: كل امرى ء بما اصاب، و قال: و الذى نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فى جمله، فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، الا ادخله الله الجنه.

فقال عمير بن الحمام اخو بنى سلمه، و فى يده تمرات ياكلهن: بخ بخ! فما بينى و بين ان ادخل الجنه الا ان يقتلنى هولاء! ثم قذف التمرات من يده، و اخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل.

قال محمد بن اسحاق: و حدثنى عاصم بن عمرو بن قتاده ان عوف بن الحارث- و هو ابن عفراء- قال لرسول الله (ص) يوم بدر: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده فى العدو حاسرا.

فنزع عوف درعا كانت عليه و قذفها، ثم اخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.

قال الواقدى و ابن اسحاق: و اخذ رسول الله (ص) كفا من البطحاء، فرماهم بها، و قال: شاهت الوجوه! اللهم ارعب قلوبهم، و زلزل اقدامهم.

فانهزم المشركون لا يلوون على شى ء، و المسلمون يتبعونهم يقتلون و ياسرون.

قال الواقدى: و كان هبيره بن ابى وهب المخزومى لما راى، الهزيمه انخزل ظهره فعقر، فلم يستطع ان يقوم، فاتاه ابواسامه الجشمى حليفه، ففتق درعه
و احتمله- و يقال: ضربه ابوداود المازنى بالسيف فقطع درعه، و وقع لوجهه، و اخلد الى الارض، و جاوزه ابوداود و بصر به ابنا زهير الجشميان مالك، و ابواسامه، و هما حليفاه، فذبا عنه حتى نجوا به، و احتمله ابواسامه و مالك يذب عنه، حتى خلصاه.

فقال رسول الله (ص): حماه كلباه الحليفان.

قال الواقدى: و حدثنى عمر بن عثمان عن عكاشه بن محصن، قال: انقطع سيفى يوم بدر، فاعطانى رسول الله (ص) عودا، فاذا هو سيف ابيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، و لم يزل ذلك السيف عند عكاشه حتى هلك.

قال: و قد روى رجال من بنى عبدالاشهل عده، قالوا: انكسر سيف سلمه بن اسلم بن حريش يوم بدر، فبقى اعزل لا سلاح معه، فاعطاه رسول الله (ص) قضيبا كان فى يده من عراجين ابن طاب، فقال: اضرب به، فاذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر ابى عبيد.

قال الواقدى: و اصاب حارثه بن سراقه، و هو يكرع فى الحوض سهم غرب من المشركين فوقع فى نحره، فمات، فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه، و بلغ امه و اخته- و هما بالمدينه مقتله- فقالت امه: و الله لاابكى عليه، حتى يقدم رسول الله (ص) فاساله، فان كان فى الجنه لم ابك عليه، و ان كان فى النار بكيته لعمر الله فاعولته! فلما قدم
رسول الله (ص) من بدر جائت امه اليه، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت موضع حارثه فى قلبى، فاردت ان ابكى عليه، ثم قلت: لاافعل حتى اسال رسول الله (ص) عنه، فان كان فى الجنه لم ابكه، و ان كان فى النار بكيته فاعولته! فقال النبى (ص): (هبلت: اجنه واحده! انها جنان كثيره، و الذى نفسى بيده انه لفى الفردوس الاعلى)، قالت: فلا ابكى عليه ابدا.

قال الواقدى: و دعا رسول الله (ص) حينئذ بماء فى اناء، فغمس يده فيه و مضمض فاه، ثم ناول ام حارثه بن سراقه، فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت، ثم امرهما فنضحتا فى جيوبهما، ثم رجعتا من عند النبى (ص)، و ما بالمدينه امراتان اقر عينا منهما و لا اسر.

قال الواقدى: و كان حكيم بن حزام يقول: انهزمنا يوم بدر، فجعلت اسعى و اقول: قاتل الله ابن الحنظليه! يزعم ان النهار قد ذهب، و الله ان النهار لكما هو، قال حكيم: و ماذا بى الا حبا ان ياتى الليل فيقصر عنا طلب القوم، فيدرك حكيم عبيد الله و عبدالرحمن بنى العوام على جمل لهما، فقال عبدالرحمن لاخيه: انزل فاحمل اباخالد، و كان عبيد الله رجلا اعرج، لا رجله به، فقال عبيدالله: انه لا رجله بى كما ترى، و قال عبدالرحمن: و الله ان منه لابد.

الا نحمل رجلا، ان متنا كفانا ما خل
فنا من عيالنا، و ان عشنا حملنا كلنا! فنزل عبدالرحمن و اخوه الاعرج، فحملاه، فكانوا يتعاقبون الجمل، فلما دنا من مكه و كان بمر الظهران، قال: و الله لقد رايت هاهنا امرا ما كان يخرج على مثله احد له راى، و لكنه شوم ابن الحنظليه! ان جزورا نحرت هاهنا فلم يبق خباء الا اصابه من دمها.

فقالا: قد راينا ذلك، و لكن رايناك و قومك قد مضيتم فمضينا معكم، و لم يكن لنا معكم امر.

قال الواقدى: فحدثنى عبدالرحمن بن الحارث عن مخلد بن خفاف، عن ابيه، قال: كانت الدروع فى قريش كثيره يومئذ، فلما انهزموا جعلوا يلقونها، و جعل المسلمون يتبعونهم و يلقطون ما طرحوا، و لقد رايتنى يومئذ التقطت ثلاث ادرع جئت بها اهلى، فكانت عندنا بعد، فزعم لى رجل من قريش- و راى درعا منها عندنا فعرفها- قال: هذه درع الحارث بن هشام.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن حميد، عن عبدالله بن عمرو بن اميه، قال: اخبرنى من انكشف من قريش يومئذ منهزما، و انه ليقول فى نفسه، ما رايت مثل هذا فر منه الا النساء! قال الواقدى: كان قباث بن اشيم الكنانى يقول: شهدت مع المشركين بدرا، و انى لانظر الى قله اصحاب محمد فى عينى، و كثره من معنا من الخيل و الرجل، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رايتنى و انى
لانظر الى المشركين فى كل وجه، و انى لاقول فى نفسى: ما رايت مثل هذا الامر فر منه الا النساء! و صاحبنى رجل، فبينا هو يسير معى اذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبى: ابك نهوض؟ قال: لا و الله ما بى! قال و عقر و ترفعت، فلقد صبحت غيقه- قال: و غيقه عن يسار السقيا بينهما و بين الفرع ليله و بين الفرع و المدينه ثمانيه برد- قبل الشمس، كنت هاديا بالطريق، و لم اسلك المحاج، و خفت من الطلب فتنكبت عنها، فلقينى رجل من قومى بغيقه، فقال: ما ورائك؟ قلت: لا شى ئ؟ قتلنا و اسرنا و انهزمنا، فهل عندك من حملان؟ قال: فحملنى على بعير، و زودنى زادا، حتى لقيت الطريق بالجحفه، ثم مضيت حتى دخلت مكه، و انى لانظر الى الحيسمان بن حابس الخزاعى بالغميم، فعرفت انه تقدم ينعى قريشا بمكه، فلو اردت ان اسبقه لسبقته، فتنكبت عنه حتى سبقنى ببعض النهار، فقدمت و قد انتهى الى مكه خبر قتلاهم، و هم يلعنون الخزاعى، و يقولون: ما جائنا بخير! فمكث بمكه، فلما كان بعد الخندق، قلت: لو قدمت المدينه، فنظرت ما يقول محمد! و قد وقع فى قلبى الاسلام، فقدمت المدينه، فسالت عن رسول الله (ص)، فقالوا: هو ذاك فى ظل المسجد مع ملا من اصحابه، فاتيته و انا لااعرفه من بينهم، فسلمت فقال: يا ق
باث بن اشيم، انت القائل يوم بدر: ما رايت مثل هذا الامر فر منه الا النساء! قلت: اشهد انك رسول الله، و ان هذا الامر ما خرج منى الى احد قط و ما ترمرمت، به الا شيئا حدثت به نفسى، فلولا انك نبى ما اطلعك الله عليه، هلم حتى ابايعك فاسلمت.

قال الواقدى: و قد روى انه لما توجه المشركون الى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكه سمارا يسمرون بذى طوى فى القمر حتى يذهب الليل، يتناشدون الاشعار و يتحدثون، فبيناهم كذلك اذ سمعوا صوتا قريبا منهم و لا يرون القائل، رافعا صوته يتغنى: ازاد الحنيفيون بدرا مصيبه سينقض منها ركن كسرى و قيصرا ارنت لها صم الجبال و افزعت قبائل ما بين الوتير فخيبرا اجازت جبال الاخشبين و جردت حرائر يضربن الترائب حسرا قال الواقدى: انشدنيه، و رواه لى عبدالله بن ابى عبيده، عن محمد بن عمار بن ياسر، قال: فاستمعوا الصوت، فلا يرون احدا، فخرجوا فى طلبه، فلم يروا احدا، فخرجوا فزعين، حتى جازوا الحجر، فوجدوا مشيخه منهم جله سمارا، فاخبروهم الخبر، فقالوا لهم: ان كان ما تقولون، فان محمدا و اصحابه يسمون الحنيفيه.

قال: فلم يبق احد من الفتيان الذين كانوا بذى طوى الا وعك، فما مكثوا الا ليلتين او ثلاثا، حتى قدم الحيسما
ن الخزاعى بخبر اهل بدر، و من قتل منهم، فجعل يخبرهم، فيقول: قتل عتبه و شيبه ابنا ربيعه، و قتل ابنا الحجاج و ابوالبخترى، و زمعه بن الاسود- قال: و صفوان بن اميه فى الحجر جالس يقول: لايعقل هذا شيئا مما يتكلم به! سلوه عنى، فقالوا: صفوان بن اميه لك به علم؟ قال: نعم هو ذاك فى الحجر، و لقد رايت اباه و اخاه مقتولين، و رايت سهيل بن عمرو و النضر بن الحارث اسيرين، رايتهما مقرونين فى الحبال.

قال الواقدى: و بلغ النجاشى مقتل قريش و ما ظفر الله به رسوله، فخرج فى ثوبين ابيضين، ثم جلس على الارض، و دعا جعفر بن ابى طالب و اصحابه، فقال: ايكم يعرف بدرا؟ فاخبروه، فقال: انا عارف بها، قد رعيت الغنم (فى) جوانبها، هى من الساحل على بعض نهار، و لكنى اردت ان اتثبت منكم، قد نصر الله رسوله ببدر، فاحمدوا الله على ذلك.

فقال بطارقته: اصلح الله الملك! ان هذا شى ء لم تكن تصنعه، يريدون لبس البياض و الجلوس على الارض، فقال: ان عيسى بن مريم كان اذا حدثت له نعمه ازداد بها تواضعا.

قال الواقدى: فلما رجعت قريش الى مكه، قام فيهم ابوسفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش، لا تبكوا على قتلاكم و لا تنح عليهم نائحه، و لا يندبهم شاعر، و اظهروا الجلد و العزاء، فانك
م اذا نحتم عليهم و بكيتموهم بالشعر اذهب ذلك غيظكم فاكلكم (ذلك) عن عداوه محمد و اصحابه، مع ان محمدا ان بلغه و اصحابه ذلك شمتوا بكم، فتكون اعظم المصيبتين، و لعلكم تدركون ثاركم، فالدهن و النساء على حرام حتى اغزو محمدا.

فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر، و لا تنوح عليهم نائحه.

قال الواقدى: و كان الاسود بن المطلب قد ذهب بصره، و قد كمد على من قتل من ولده، و كان يحب ان يبكى عليهم فتابى عليه قريش ذلك، فكان يقول لغلامه بين اليومين: ويلك! احمل معى خمرا، و اسلك بى الفج الذى سلكه ابوحكيمه- يعنى زمعه ولده المقتول ببدر- فياتى به غلامه على الطريق عند ذلك الفج فيجلس، فيسقيه الخمر حتى ينتشى، ثم يبكى على ابى حكيمه و اخوته، ثم يحثى التراب على راسه، و يقول لغلامه: ويحك! اكتم على، فانى اكره ان تعلم بى قريش، انى اراها لم تجمع البكاء على قتلاها.

قال الواقدى: حدثنى مصعب بن ثابت عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبدالله ابن الزبير، عن عائشه قالت: قالت قريش حين رجعوا الى مكه: لا تبكوا على قتلاكم، فيبلغ محمدا و اصحابه فيشمتوا بكم، و لا تبعثوا فى اسراكم، فيارب بكم القوم، الا فامسكوا عن البكاء.

قال: و كان الاسود بن المطلب اصيب له ثلاثه من ولده: زمعه و عقيل و الحارث بن زمعه، فكان يحب ان يبكى على قتلاه، فبينا هو كذلك اذ سمع نائحه من الليل، فقال لغلامه- و قد ذهب بصره-: انظر، هل بكت قريش على قتلاها! لعلى ابكى على ابى حكيمه- يعنى زمعه- فان جوفى قد احترق، فذهب الغلام و رجع اليه، فقال: انما هى امراه تبكى على بعيرها قد اضلته، فقال الاسود: تبكى ان يضل لها بعير و يمنعها من النوم السهود فلا تبكى على بكر و لكن على بكر تصاغرت الخدود فبكى ان بكيت على عقيل و بكى حارثا اسد الاسود و بكيهم و لاتسمى جميعا لابى حكيمه من نديد على بدر سراه بنى هصيص و مخزوم و رهط ابى الوليد الا قد ساد بعدهم رجال و لولا يوم بدر لم يسودوا قال الواقدى: و مشت نساء من قريش الى هند بنت عتبه، فقلن: الا تبكين على ابيك و اخيك و عمك و اهل بيتك! فقالت: حلانى ان ابكيهم، فيبلغ محمدا و اصحابه فيشمتوا بنا و نساء بنى الخزرج، لا و الله حتى اثار محمدا و اصحابه، و الدهن على حرام ان دخل راسى حتى نغزو محمدا! و الله لو اعلم ان الحزن يذهب عن قلبى لبكيت، و لكن لا يذهبه الا ان ارى ثارى بعينى من قتله الاحبه، فمكثت على حالها لاتقرب الدهن، و لا قربت فراش ابى سفيان من يوم حلفت حتى كانت وقعه ا
حد.

قال الواقدى: و بلغ نوفل بن معاويه الديلى و هو فى اهله- و قد كان شهد معهم بدار- ان قريشا بكت على قتلاها، فقدم مكه، فقال: يا معشر قريش، لقد خفت احلامكم، و سفه رايكم، و اطعتم نسائكم، امثل قتلا كم يبكى عليهم! هم اجل من البكاء، مع ان ذلك يذهب غيظكم عن عداوه محمد و اصحابه، فلا ينبغى ان يذهب الغيظ عنكم، الا ان تدركوا ثاركم من عدوكم.

فسمع ابوسفيان بن حرب كلامه، فقال.

يا ابامعاويه، غلبت، و الله ما ناحت امراه من بنى عبد شمس على قتيل لها الى اليوم، و لا بكاهم شاعر الا نهيته حتى ندرك ثارنا من محمد و اصحابه، و انى لانا الموتور الثائر، قتل ابنى حنظله، و ساده اهل هذا الوادى، اصبح هذا الوادى مقشعرا لفقدهم! قال الواقدى: و حدثنى معاذ بن محمد الانصارى، عن عاصم بن عمر بن قتاده، قال: لما رجع المشركون الى مكه، و قد قتل صناديدهم و اشرافهم، اقبل عمير بن وهب بن عمير الجمحى حتى جلس الى صفوان بن اميه فى الحجر، فقال صفوان بن اميه: قبح العيش بعد قتلى بدر! قال عمير بن وهب: اجل و الله، ما فى العيش بعدهم خير، و لولا دين على لا اجد له قضاء، و عيال لا ادع لهم شيئا، لرحلت الى محمد حتى اقتله ان ملات عينى منه، فانه بلغنى انه يطوف فى الاسواق
، فان لى عندهم عله، اقول: قدمت على ابنى هذا الاسير.

ففرح صفوان بقوله، و قال: يا ابااميه، و هل نراك فاعلا؟ قال: اى و رب هذه البنيه! قال صفوان: فعلى دينك، و عيالك اسوه عيالى، فانت تعلم انه ليس بمكه رجل اشد توسعا على عياله منى.

قال عمير: قد عرفت ذلك يا اباوهب، قال صفوان: فان عيالك مع عيالى، لا يسعنى شى ء و نعجز عنهم، و دينك على.

فحمله صفوان على بعيره، و جهزه و اجرى على عياله مثل ما يجرى على عيال نفسه، و امر عمير بسيفه فشحذ و سم، ثم خرج الى المدينه، و قال لصفوان: اكتم على اياما حتى اقدمها، و خرج فلم يذكره صفوان، و قدم عمير، فنزل على باب المسجد، و عقل راحلته، و اخذ السيف فتقلده، ثم عمد نحو رسول الله (ص)، و عمر بن الخطاب فى نفر من المسلمين يتحدثون، و يذكرون نعمه الله عليهم فى بدر، فراى عميرا و عليه السيف، ففزع عمر منه، و قال لاصحابه: دونكم الكلب! هذا عمير بن وهب عدو الله الذى حرش بيننا يوم بدر، و حزرنا للقوم، و صعد فينا و صوب، يخبر قريشا انه لا عدد لنا و لا كمين.

فقاموا اليه فاخذوه، فانطلق عمر الى رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله، هذا عمير بن وهب، قد دخل المسجد و معه السلاح، و هو الغادر الخبيث الذى لا يومن على شى
ء، فقال النبى (ص): ادخله على، فخرج عمر فاخذ بحمائل سيفه، فقبض بيده عليها، و اخذ بيده الاخرى قائم السيف، ثم ادخله على رسول الله (ص)، فلما رآه، قال: يا عمر، تاخر عنه، فلما دنا عمير الى النبى (ص) قال: انعم صباحا، فقال له النبى (ص): قد اكرمنا الله عن تحيتك، و جعل تحيتنا السلام، و هى تحيه اهل الجنه.

قال عمير: ان عهدك بها لحديث، فقال النبى (ص): قد ابدلنا الله خيرا، فما اقدمك يا عمير؟ قال: قدمت فى اسيرى عندكم تفادونه و تقاربوننا فيه، فانكم العشيره و الاصل! قال النبى (ص): فما بال السيف! قال عمير: قبحها الله من سيوف! و هل اغنت من شى ء! انما نسيته حين نزلت و هو فى رقبتى، و لعمرى ان لى لهما غيره، فقال رسول الله (ص): اصدق يا عمير، ما الذى اقدمك؟ قال: ما قدمت الا فى اسيرى، قال (ص): فما شرطت لصفوان بن اميه فى الحجر؟ ففزع عمير، و قال: ماذا شرطت له؟ قال: تحملت بقتلى، على ان يقضى دينك، و يعول عيالك، و الله حائل بينك و بين ذلك! قال عمير: اشهد انك صادق، و اشهد ان لا اله الا الله، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحى، و بما ياتيك من السماء، و ان هذا الحديث كان بينى و بين صفوان كما قلت، لم يطلع عليه غيره و غيرى، و قد امرته ان يكتمه ليا
لى، فاطلعك الله عليه، فامنت بالله و رسوله، و شهدت ان ما جئت به حق.

الحمد لله الذى ساقنى هذا المساق! و فرح المسلمون حين هداه الله، و قال عمر بن الخطاب: لخنزير كان احب الى منه حين طلع، و هو الساعه احب الى من بعض ولدى.

و قال النبى (ص): (علموا اخاكم القرآن، و اطلقوا له اسيره)، فقال عمير: يا رسول الله، انى كنت جاهدا على اطفاء نور الله، فله الحمد ان هدانى، فاذن لى فالحق قريشا فادعوهم الى الله و الى الاسلام، فلعل الله يهديهم و يستنقذهم من الهلكه، فاذن له فخرج، فلحق بمكه.

و كان صفوان يسال عن عمير بن وهب كل راكب يقدم من المدينه، يقول: هل حدث بالمدينه من حدث؟ و يقول لقريش: ابشروا بوقعه تنسيكم وقعه بدر، فقدم رجل من المدينه، فساله صفوان عن عمير، فقال: اسلم، فلعنه صفوان و لعنه المشركون بمكه، و قالوا: صبا عمير، و حلف صفوان الا يكلمه ابدا، و لا ينفعه، و طرح عياله.

و قدم عمير، فنزل فى اهله، و لم يات صفوان، و اظهر الاسلام، فبلغ صفوان.

فقال: قد عرفت حين لم يبدا بى قبل منزله، و قد كان رجل اخبرنى انه ارتكس، لا اكلمه من راسى ابدا، و لا انفعه و لا عياله بنافعه ابدا، فوقع عليه عمير و هو فى الحجر فقال: يا اباوهب.

فاعرض صفوان عنه، ف
قال عمير: انت سيد من ساداتنا، ارايت الذى كنا عليه من عباده حجر، و الذبح له! اهذا دين! اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا عبده و رسوله.

فلم يجبه صفوان بكلمه، و اسلم مع عمير بشر كثير.

قال الواقدى: و كان فتيه من قريش خمسه قد اسلموا، فاحتبسهم آباوهم، فخرجوا مع اهلهم و قومهم الى بدر، و هم على الشك و الارتياب، لم يخلصوا اسلامهم، و هم: قيس بن الوليد بن المغيره، و ابوقيس بن الفاكه بن المغيره، و الحارث بن زمعه بن الاسود، و على بن اميه بن خلف، و العاص بن منبه بن الحجاج، فلما قدموا بدرا و راوا قله اصحاب النبى (ص)، قالوا: غر هولاء دينهم، ففيهم انزل: (اذ يقول المنافقون و الذين فى قلوبهم مرض غر هولاء دينهم)، ثم انزل فيهم: (ان الذين تتوفاهم الملائكه ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعه فتهاجروا فيها...) الى تمام ثلاث آيات.

قال: فكتب بها المهاجرون بالمدينه الى من اقام بمكه مسلما، فقال جندب بن ضمره الخزاعى: لا عذر لى و لا حجه فى مقامى بمكه- و كان مريضا- فقال لاهله: اخرجونى، لعلى اجد روحا! قالوا: اى وجه احب اليك؟ قال: نعم التنعيم! فخرجوا به الى التنعيم، و بين التنعيم و مكه اربعه
اميال من طريق المدينه- فقال: اللهم انى خرجت اليك مهاجرا، فانزل الله تعالى: (و من يخرج من بيته مهاجرا الى الله و رسوله...) الايه، فلما راى ذلك من كان بمكه ممن يطيق الخروج، خرجوا فطلبهم ابوسفيان فى رجال من المشركين، فردوهم و سجنوهم، فافتتن منهم ناس، و كان الذين افتتنوا انما افتتنوا حين اصابهم البلاء فانزل الله تعالى فيهم: (و من الناس من يقول آمنا بالله فاذا اوذى فى الله جعل فتنه الناس كعذاب الله...) الايه و ما بعدها.

فكتب بها المهاجرون بالمدينه الى من كان بمكه مسلما، فلما جائهم الكتاب بما انزل فيهم، قالوا: اللهم ان لك علينا ان افلتنا الا نعدل بك احدا، فخرجوا الثانيه، فطلبهم ابوسفيان و المشركون، فاعجزوهم هربا فى الجبال، حتى قدموا المدينه، و اشتد البلاء على من ردوا من المسلمين، فضربوهم و آذوهم و اكرهوهم على ترك الاسلام، و رجع ابن ابى سرح مشركا، فقال لقريش: ما كان يعلم محمدا الا ابن قمطه، عبد نصرانى، لقد اكتب له فاحول ما اردت، فانزل الله تعالى (و لقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر...) الايه.

القول فى نزول الملائكه يوم بدر و محاربتها المشركين اختلف المسلمون فى ذلك، فقال الجمهور منهم: نزلت الملائكه حقيقه، كما
ينزل الحيوان و الحجر من الموضع العالى الى الموضع السافل.

و قال قوم من اصحاب المعانى غير ذلك.

و اختلف ارباب القول الاول، فقال الاكثرون: نزلت و حاربت، و قال قوم منهم: نزلت و لم تحارب، و روى كل قوم فى نصره قولهم روايات.

فقال الواقدى فى كتاب "المغازى": حدثنى عمر بن عقبه، عن شعبه مولى ابن عباس، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس اغمى على رسول الله (ص) ساعه، ثم كشف عنه فبشر المومنين بجبرائيل فى جند من الملائكه فى ميمنه الناس، و ميكائيل فى جند آخر فى ميسره الناس، و اسرافيل فى جند آخر فى الف، و كان ابليس قد تصور للمشركين فى صوره سراقه بن جعشم المدلجى، يذمر المشركين، و يخبرهم انه لا غالب لهم من الناس، فلما ابصر عدو الله الملائكه نكص على عقبيه، و قال: (انى برى ء منكم انى ارى ما لاترون) فتشبث به الحارث بن هشام، و هو يرى انه سراقه لما سمع من كلامه، فضرب فى صدر الحارث، فسقط الحارث، و انطلق ابليس لايرى حتى وقع فى البحر، و رفع يديه قائلا: يا رب موعدك الذى وعدتنى! و اقبل ابوجهل على اصحابه يحضهم على القتال و قال: لايغرنكم خذلان سراقه بن جعشم اياكم، فانما كان على ميعاد من محمد و اصحابه، سيعلم اذا رجعنا الى قديد ما نصنع
بقومه! و لايهولنكم مقتل عتبه و شيبه و الوليد، فانهم عجلوا و بطروا حين قاتلوا، و ايم الله لانرجع اليوم حتى نقرن محمدا و اصحابه فى الحبال، فلا الفين احدا، منكم قتل منهم احدا و لكن خذوهم اخذا نعرفهم بالذى صنعوا، لمفارقتهم دينكم و رغبتهم عما كان يعبد آباوهم.

قال الواقدى: و حدثنى عتبه بن يحيى، عن معاذ بن رفاعه بن رافع، عن ابيه، قال: ان كنا لنسمع لابليس يومئذ خوارا و دعاء بالثبور و الويل، و تصور فى صوره سراقه بن جعشم حتى هرب، فاقتحم البحر، و رفع يديه مادا لهما، يقول: يا رب ما وعدتنى! و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقه بما صنع يومئذ، فيقول: و الله ما صنعت شيئا! قال الواقدى: فحدثنى ابواسحاق الاسلمى، عن الحسن بن عبيد الله، مولى بنى العباس، عن عماره الليثى، قال: حدثنى شيخ صياد من الحى- و كان يومئذ على ساحل البحر- قال: سمعت صياحا: يا ويلاه! يا ويلاه! قد ملا الوادى: يا حرباه يا حرباه! فنظرت فاذا سراقه بن جعشم، فدنوت منه، فقلت: ما لك فداك ابى و امى! فلم يرجع الى شيئا، ثم اراه اقتحم البحر، و رفع يديه مادا، يقول: يا رب ما وعدتنى! فقلت فى نفسى: جن و بيت الله سراقه! و ذلك حين زاغت الشمس، و ذلك عند انهزامهم يوم بدر.

قال الواق
دى: قالوا: كانت سيماء الملائكه عمائم قد ارخوها بين اكتافهم، خضراء و صفراء و حمراء من نور، و الصوف فى نواصى خيلهم.

قال الواقدى: حدثنى محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: قال رسول الله (ص) يوم بدر: (ان الملائكه قد سومت فسوموا)، فاعلم المسلمون بالصوف فى مغافرهم و قلانسهم.

قال الواقدى: حدثنى محمد بن صالح قال: كان اربعه من اصحاب محمد (ص) يعلمون فى الزحوف: حمزه بن عبدالمطلب كان يوم بدر معلما بريشه نعامه، و كان على (ع) معلما بصوفه بيضاء، و كان الزبير معلما بعصابه صفراء، و كان ابودجانه يعلم بعصابه حمراء، و كان الزبير يحدث ان الملائكه نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر فكانت على صوره الزبير.

قال الواقدى: فروى عن سهيل بن عمرو، قال: لقد رايت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الارض معلمين يقبلون و ياسرون.

قال الواقدى: و كان ابواسد الساعدى يحدث بعد ان ذهب بصره، و يقول: لو كنت معكم الان ببدر و معى بصرى لاريتكم الشعب الذى خرجت منه الملائكه، لا اشك فيه و لا امترى! قال: و كان اسيد يحدث عن رجل من بنى غفار حدثه، قال: اقبلت انا و ابن عم لى يوم بدر، حتى صعدنا على جبل، و نحن يومئذ على الشرك ننظر ال
وقعه و على من تكون الدبره فننتهب مع من ينتهب اذا رايت سحابه دنت منا، فسمعت منها همهمه الخيل، و قعقعه الحديد، و سمعت قائلا يقول: اقدم حيزوم! فاما ابن عمى، فانكشف قناع قلبه، فمات، و اما انا فكدت اهلك، فتماسكت و اتبعت بصرى حيث تذهب السحابه، فجائت الى النبى (ص) و اصحابه: ثم رجعت، و ليس فيها شى ء مما كنت اسمع.

قال الواقدى: و حدثنى خارجه بن ابراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، عن ابيه، قال: سال رسول الله (ص) جبرائيل: من القائل يوم بدر: اقبل حيزوم؟ فقال جبرائيل: يا محمد، ما كل اهل السماء اعرف.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالرحمن بن الحارث، عن ابيه، عن جده، عبيده بن ابى عبيده، عن ابى رهم الغفارى عن ابن عم له، قال: بينا انا و ابن عم لى على ماء بدر، فلما راينا قله من مع محمد و كثره قريش، قلنا: اذا التفت الفئتان عمدنا الى عسكر محمد و اصحابه فانتهبناه، فانطلقنا نحو المجنبه اليسرى من اصحاب محمد، و نحن نقول: هولاء ربع قريش، فبينا نحن نمشى فى الميسره اذ جائت سحابه فغشيتنا، فرفعنا ابصارنا لها، فسمعنا اصوات الرجال و السلاح، و سمعنا قائلا يقول لفرسه: (اقدم حيزوم) و سمعناهم يقولون: (رويدا تتام اخراكم)، فنزلوا على ميمنه رسول الله
(ص)، ثم جائت اخرى مثل تلك فكانت مع النبى (ص)، فنظرنا الى اصحاب محمد و اذا هم على الضعف من قريش، فمات ابن عمى، و اما انا فتماسكت، و اخبرت النبى (ص) بذلك و اسلمت.

قال الواقدى: و قد روى عن رسول الله (ص) انه قال (ما رئى الشيطان يوما هو فيه اصغر و لا احقر و لا ادحر و لا اغضب منه فى يوم عرفه و ما ذاك الا لما راى من نزول الرحمه و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام، الا ما راى يوم بدر).

قيل: و ما راى يا رسول الله يوم بدر؟ قال: اما انه راى جبريل يوزع الملائكه.

قال: و قد روى عن رسول الله (ص) انه قال يومئذ: (هذا جبرائيل يسوق بريح، كانه دحيه الكلبى، انى نصرت بالصبا و اهلكت عاد بالدبور).

قال الواقدى: و كان عبدالرحمن بن عوف يقول: رايت يوم بدر رجلين، احدهما عن يمين النبى (ص)، و الاخر عن يساره، يقاتلان اشد القتال، ثم ثلثهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع امامه.

قال: و قد روى سعد بن ابى وقاص مثل ذلك، قال: رايت رجلين يوم بدر، يقاتلان عن النبى (ص)، احدهما عن يمينه، و الاخر عن يساره، و انى لاراه ينظر الى ذا مره، و الى ذا مره، سرورا بما فتحه الله تعالى.

قال الواقدى: و حدثنى اسحاق بن يحيى، عن حمزه بن صهيب، عن ابيه، قال: ما ادرى كم ي
د مقطوعه و ضربه جائفه لم يدم كلمها يوم بدر، قد رايتها.

قال الواقدى: و روى ابوبرده بن نيار، قال: جئت يوم بدر بثلاثه رئوس فوضعتها بين يدى رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله، اما اثنان فقتلتهما، و اما الثالث فانى رايت رجلا طويلا ابيض ضربه فتدهده امامه، فاخذت راسه، فقال رسول الله (ص): (ذاك فلان من الملائكه).

قال الواقدى: و كان ابن عباس رحمه الله، يقول: لم تقاتل الملائكه الا يوم بدر.

قال: و حدثنى ابن ابى حبيبه عن داود بن الحصين، عن عكرمه، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور فى صوره من يعرفه المسلمون من الناس ليثبتهم، فيقول: انى قد دنوت من المشركين، فسمعتهم يقولون: لو حملونا علينا ما ثبتنا لهم، و ليسوا بشى ء، فاحملوا عليهم، و ذلك قول الله عز و جل: (اذ يوحى ربك الى الملائكه انى معكم فثبتوا الذين آمنوا...) الايه.

قال الواقدى: و حدثنى موسى بن محمد، عن ابيه، قال: كان السائب بن ابى حبيش الاسدى يحدث فى زمن عمر بن الخطاب، فيقول: و الله ما اسرنى يوم بدر احد من الناس، فيقال: فمن؟ فيقول: لما انهزمت قريش انهزمت معها فيدركنى رجل ابيض طويل، على فرس ابلق بين السماء و الارض، فاوثقنى رباطا، و جاء عبدالرحمن بن عوف فوجدنى مربوطا، و كا
ن عبدالرحمن ينادى فى العسكر: من اسر هذا؟ فليس احد يزعم انه اسرنى، حتى انتهى بى الى رسول الله (ص)، فقال لى رسول الله: يابن ابى حبيش، من اسرك؟ قلت: لااعرفه، و كرهت ان اخبره بالذى رايت، فقال رسول الله (ص): (اسره ملك من الملائكه كريم، اذهب يابن عوف باسيرك)، فذهب بى عبدالرحمن.

قال السائب: و ما زالت تلك الكلمه احفظها، و تاخر اسلامى حتى كان من اسلامى ما كان.

قال الواقدى: و كان حكيم بن حزام، يقول: لقد رايتنا يوم بدر، و قد وقع بوادى خلص بجاد من السماء قد سد الافق- قال و وادى خلص ناحيه الرويثه- قال: فاذا الوادى يسيل نملا، فوقع فى نفسى ان هذا شى ء من السماء ايد به محمد، فما كانت الا الهزيمه، و هى الملائكه.

قال الواقدى: و قد قالوا: انه لما التحم القتال، و رسول الله (ص) رافع يديه يسال الله النصر و ما وعده، و يقول: اللهم ان ظهرت على هذه العصابه، ظهر الشرك، و لايقوم لك دين، و ابوبكر يقول: و الله لينصرنك الله و ليبيضن وجهك، فانزل الله تعالى الفا من الملائكه مردفين عند اكتاف العدو، فقال رسول الله (ص): (يا ابابكر، ابشر، هذا جبرائيل معتجر بعمامه صفراء، آخذ بعنان فرسه بين السماء و الارض) ثم قال: انه لما نزل الارض تغيب عنى ساعه،
ثم طلع على ثناياه النقع، يقول: اتاك النصر من الله اذ دعوته.

قال الواقدى: و حدثنى موسى بن يعقوب، عن عمه، قال: سمعت ابابكر بن سليمان بن ابى خيثمه، يقول: سمعت مروان بن الحكم يسال حكيم بن حزام عن يوم بدر، فجعل الشيخ يكره ذلك، حتى الح عليه، فقال حكيم: التقينا فاقتتلنا، فسمعت صوتا وقع من السماء الى الارض مثل وقع الحصاه فى الطست، و قبض النبى (ص) القبضه، فرمى بها فانهزمنا.

قال الواقدى: و قد روى عبدالله بن ثعلبه بن صغير، قال: سمعت نوفل بن معاويه الدولى، يقول: انهزمنا يوم بدر، و نحن نسمع كوقع الحصا فى الطساس بين ايدينا و من خلفنا، فكان ذلك اشد الرعب علينا.

فاما الذين قالوا: نزلت الملائكه و لم تقاتل، فذكر الزمخشرى فى كتابه فى تفسير القرآن المعروف "بالكشاف" ان قوما انكروا قتال الملائكه يوم بدر، و قالوا: لو قاتل واحد من الملائكه جميع البشر لم يثبتوا له و لاستاصلهم باجمعهم ببعض قوته، فان جبرائيل (ع) رفع مدائن قوم لوط- كما جاء فى الخبر- على خافقه من جناحه، حتى بلغ بها الى السماء، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فما عسى ان يبلغ قوه الف رجل من قريش ليحتاج فى مقاومتها و حربها الى الف ملك من ملائكه السماء مضافين الى ثلاثمائه و ثل
اثه عشر رجلا من بنى آدم! و جعل هولاء قوله تعالى: (فاضربوا فوق الاعناق...) امرا للمسلمين لا امرا للملائكه.

و رووا فى نصره قولهم روايات، قالوا: و انما كان نزول الملائكه ليكثروا سواد المسلمين فى اعين المشركين، فانهم كانوا يرونهم فى مبدا الحال قليلين فى اعينهم، كما قال تعالى: (و يقللكم...) ليطمع المشركون فيهم و يجترئوا على حربهم، فلما نشبت الحرب كثرهم الله تعالى بالملائكه فى اعين المشركين ليفروا و لايثبتوا.

و ايضا فان الملائكه نزلت و تصورت بصور البشر الذين يعرفهم المسلمون، و قالوا لهم ما جرت العاده ان يقال مثله من تثبيت القلوب يوم الحرب، نحو قولهم: ليس المشركون بشى ء، لا قوه عندهم، لا قلوب لهم، لو حملتم عليهم لهزمتموهم... و امثال ذلك.

و لقائل ان يقول: اذا كان قادرا على ان يقلل ثلاثمائه انسان فى اعين قريش حتى يظنوهم مائه، فهو قادر على ان يكثرهم فى اعين قريش بعد التقاء حلقتى البطان، فيظنوهم الفين و اكثر من غير حاجه الى انزال الملائكه.

فان قلت: لعل فى انزالهم لطفا للمكلفين.

قلت: و لعل فى محاربتهم لطفا للمكلفين، و اما اصحاب المعانى فانهم لم يحملوا الكلام على ظاهره، و لهم فى تاويله قول ليس هذا موضع ذكره.

القول فيما
جرى فى الغنيمه و الاسارى بعد هزيمه قريش و رجوعها الى مكه قال الواقدى: لما تصاف المشركون و المسلمون، قال النبى (ص): (من قتل قتيلا فله كذا و كذا، و من اسر اسيرا فله كذا و كذا)، فلما انهزم المشركون كان الناس ثلاث فرق، فرقه قامت عند خيمه رسول الله (ص)- و كان ابوبكر معه فى الخيمه- و فرقه اغارت على النهب تنتهب، و فرقه طلبت العدو فاسروا و غنموا، فتكلم سعد بن معاد- و كان ممن اقام على خيمه رسول الله (ص)، فقال: يا رسول الله ما منعنا ان نطلب العدو زهاده فى الاجر، و لا جبن عن العدو، و لكنا خفنا ان نعرى موضعك، فيميل عليك خيل من خيل المشركين و رجال من رجالهم، و قد اقام عند خيمتك وجوه الناس من المهاجرين و الانصار، و الناس كثير، و متى تعط هولاء لايبقى لا صحابك شى ء و القتلى و الاسرى كثير، و الغنيمه قليله، فاختلفوا فانزل الله عز و جل: (يسالونك عن الانفال قل الانفال لله و الرسول...) الايه، فرجع المسلمون، و ليس لهم من الغنيمه شى ء ثم انزل الله فيما بعد: (و اعلموا انما غنمتم من شى ء فان لله خمسه و للرسول...) فقسمه عليهم بينهم.

قال الواقدى: و قد روى عباده بن الوليد بن عباده عن جده عباده بن الصامت، قال: سلمنا الانفال يوم بدر ل
له و للرسول و لم يخمس رسول الله (ص) بدرا، و نزلت بعد: (و اعلموا انما غنمتم من شى ء) فاستقبل رسول الله (ص) بالمسلمين الخمس فيما كان من اول غنيمه بعد بدر.

قال الواقدى: و قد روى عن ابى اسيد الساعدى مثله.

و روى عكرمه، قال: اختلف الناس فى الغنائم يوم بدر، فامر رسول الله (ص) بالغنائم ان ترد فى المقسم، فلم يبق منها شى ء الا رد.

و ظن اهل الشجاعه انه (ص) يخصهم بها دون غيرهم من اهل الضعف، ثم امر رسول الله (ص) ان تقسم بينهم على سواء، فقال سعد بن ابى وقاص: يا رسول الله تعطى فارس القوم الذى يحميهم مثل ما تعطى الضعيف؟ فقال (ص): (ثكلتك امك! و هل تنصرون الا بضعفائكم!).

قال الواقدى: فروى محمد بن سهل بن خيثمه، قال: امر رسول الله (ص) ان ترد الاسرى و الاسلاب، و ما اخذوا من المغنم، ثم اقرع بينهم فى الاسرى، و قسم اسلاب المقتولين الذين يعرف قاتلوهم بين قاتليهم، و قسم ما وجده فى العسكر بين جميع المسلمين عن فراق.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالحميد بن جعفر، قال: سالت موسى بن سعد بن زيد ابن ثابت: كيف فعل النبى (ص) يوم بدر فى الاسرى و الاسلاب و الانفال؟ فقال: نادى مناديه يومئذ من قتل قتيلا فله سلبه، و من اسر اسيرا فهو له، و امر بما وجد فى
العسكر و ما اخذ بغير قتال، فقسمه بينهم عن فراق.

فقلت لعبد الحميد: فلمن اعطى سلب ابى جهل! فقال: قد قيل: انه اعطاه معاذ بن عمرو بن الجموح، و قيل: اعطاه ابن مسعود.

قال: و اخذ على (ع) درع الوليد بن عتبه و بيضته و مغفره، و اخذ حمزه سلاح عتبه و اخذ عبيده بن الحارث سلاح شيبه، ثم صار الى ورثته.

قال الواقدى: فكانت القسمه على ثلاثمائه و سبعه عشر سهما، لان الرجال كانت ثلاثمائه و ثلاثه عشر رجلا، و كان معهم فرسان لهما اربعه اسهم، و قسم ايضا فوق ذلك لثمانيه اسهم، لم يحضروا ضرب لهم بسهامهم و اجورهم، ثلاثه من المهاجرين لا خلاف فيهم، و هم: عثمان بن عفان خلفه رسول الله (ص) على ابنته رقيه و ماتت يوم قدم زيد بن حارثه بالبشاره الى المدينه، و طلحه بن عبيد الله و سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل، بعثهما رسول الله (ص) يتجسسان خبر العير.

و خمسه من الانصار هم: ابولبابه بن عبدالمنذر، خلفه على المدينه، و عاصم بن عدى، خلفه على قباء و اهل العاليه، و الحارث بن حاطب امره بامر فى بنى عمرو بن عوف، و خوات بن جبير كسر بالروحاء، و الحارث بن الصمه مثله، فلا اختلاف فى هولاء.

و اختلف فى اربعه غيرهم فروى انه ضرب لسعد بن عباده بسهمه و اجره، و قال: لئن لم
يشهدها لقد كان فيها راغبا، و ذلك انه كان يحض الناس على الخروج الى بدر، فنهش فمنعه ذلك من الخروج.

و روى انه ضرب لسعد بن مالك الساعدى بسهمه و اجره، و كان تجهز الى بدر، فمرض بالمدينه، فمات خلاف رسول الله (ص) و اوصى اليه (ع).

و روى انه ضرب لرجلين آخرين من الانصار و لم يسمهما الواقدى و قال: هولاء الاربعه غير مجمع عليهم كاجماعهم على الثمانيه.

قال: و قد اختلف: هل ضرب بسهم فى الغنيمه لقتلى بدر؟ فقال الاكثرون: لم يضرب لهم و قال بعضهم: بل ضرب لهم حدثنى ابن ابى سبره، عن يعقوب بن زيد، عن ابيه، ان رسول الله (ص) ضرب لشهداء بدر اربعه عشر رجلا.

قال: و قد قال عبدالله ابن سعد بن خيثمه: اخذنا سهم ابى الذى ضرب له رسول الله (ص) حين قسم الغنائم، و حمله الينا عويمر بن ساعده.

قال: و قد روى السائب بن ابى لبابه، ان رسول الله (ص) اسهم لمبشر بن عبدالمنذر، قال: و قد قدم بسهمه علينا معن بن عدى.

قال الواقدى: و كانت الابل التى اصابوا يومئذ مائه و خمسين بعيرا، و كان معه ادم كثير، حملوه للتجاره، فمنعه المسلمون يومئذ، و كان فيما اصابوا قطيفه حمراء فقال بعضهم: ما لنا لانرى القطيفه! ما نرى رسول الله (ص) الا اخذها، فانزل الله تعالى: (و ما كان لن
بى ان يغل).

و جاء رجل الى رسول الله (ص)، و قال: يا رسول الله، ان فلانا غل قطيفه، فسال رسول الله (ص) الرجل، فقال: لم افعل، فقال الدال: يا رسول الله، احفروا هاهنا، فحفرنا فاستخرجت القطيفه، فقال قائل: يا رسول الله، استغفر لفلان مرتين، او مرارا، فقال (ع): دعونا من ابى حر.

قال الواقدى: و اصاب المسلمون من خيولهم عشره افراس، و كان جمل ابى جهل فيما غنموه، فاخذه النبى (ص)، فلم يزل عنده يضرب فى ابله و يغزو عليه حتى ساقه فى هدى الحديبيه، فساله يومئذ المشركون الجمل بمائه بعير، فقال: لولا انا سميناه فى الهدى لفعلنا.

قال الواقدى: و كان لرسول الله (ص) صفى من الغنيمه قبل القسمه، فتنفل سيفه ذا الفقار، يومئذ، كان لمنبه بن الحجاج.

و كان رسول الله (ص) قد غزا الى بدر بسيف وهبه له سعد بن عباده يقال له العضب.

قال: و سمعت ابن ابى سبره، يقول: سمعت صالح بن كيسان، يقول: خرج رسول الله (ص) يوم بدر، و ما معه سيف، و كان اول سيف قلده سيف منبه بن الحجاج غنمه يوم بدر.

و قال البلاذرى: كان ذو الفقار للعاص بن منبه بن الحجاج، و يقال: لمنبه، و يقال لشيبه، و الثبت عندنا انه كان للعاص بن منبه.

قال الواقدى: و كان ابواسيد الساعدى اذا ذكر الارقم بن اب
ى الارقم، يقول: ما يومى منه بواحد، فيقال: ما هذا هو؟ فيقول: امر رسول الله (ص) المسلمين ان يردوا يوم بدر ما فى ايديهم من المغنم، فرددت سيف ابى عائذ المخزومى- و اسم السيف المرزبان، و كان له قيمه و قدر- و انا اطمع ان يرد الى، فكلم الارقم رسول الله (ص)- فيه و كان رسول الله (ص) لا يمنع شيئا يساله- فاعطاه السيف.

و خرج بنى له يفعه، فاحتمله الغول فذهبت به متوركه ظهرا، فقيل لابى اسيد: و كانت الغيلان فى ذلك الزمان؟ فقال: نعم، و لكنها قد هلكت، فلقى بنى الارقم بن ابى الارقم، فبهش اليه باكيا مستجيرا به، فقال: من انت؟ فاخبره فقالت الغول انا حاضنته، فلها عنه و الصبى يكذبها، فلم يعرج عليه حتى الساعه، فخرج من دارى فرس لى، فقطع رسنه، فلقيه الارقم بالغابه فركبه، حتى اذا دنا من المدينه افلت منه فتعذر الى انه افلت منى، فلم اقدر عليه حتى الساعه.

قال: و روى عامر بن سعد بن ابى وقاص عن ابيه انه سال رسول الله (ص) يوم بدر سيف العاص بن منبه، فاعطاه، قال: و اخذ (ع) مماليك حضروا بدرا، و لم يسهم لهم و هم ثلاثه اعبد، غلام لحاطب بن ابى بلتعه، و غلام لعبدالرحمن ابن عوف، و غلام لسعد بن معاذ، و استعمل (ص) شقران غلامه على الاسرى فاخذوا من كل اس
ير ما لو كان حرا ما اصابه فى المقسم.

و روى عامر بن سعد بن ابى وقاص، عن ابيه، قال: رميت سهيل بن عمرو يوم بدر فقطعت نسائه، فاتبعت اثر الدم حتى وجدته قد اخذه مالك بن الدخشم، و هو ممسك بناصيته، فقلت: اسيرى رميته! فقال: اسيرى اخذته! فاتينا رسول الله (ص) فاخذه منا جميعا، و افلت سهل الروحاء، فصاح (ع) بالناس، فخرجوا فى طلبه، فقال (ص): من وجده فليقتله، فوجده هو (ص) فلم يقتله.

قال الواقدى: و اصاب ابوبرده بن نيار اسيرا من المشركين، يقال له معبد ابن وهب، من بنى سعد بن ليث فلقيه عمر بن الخطاب و كان عمر يحض على قتل الاسرى، لايرى احدا فى يديه اسيرا الا امر بقتله، و ذلك قبل ان يتفرق الناس، فلقيه معبد و هو اسير مع ابى برده، فقال: اترون يا عمر انكم قد غلبتم! كلا و اللات و العزى! فقال عمر: عباد الله المسلمين، اتتكلم و انت اسير فى ايدينا! ثم اخذه من ابى برده فضرب عنقه- و يقال: ان ابابرده قتله.

قال الواقدى: و روى ابوبكر بن اسمعيل، عن ابيه، عن عامر بن سعد، قال: قال النبى (ص) يومئذ: (لا تخبروا سعدا بقتل اخيه، فيقتل كل اسير فى ايديكم).

قال الواقدى: و لما جى ء بالاسرى كره ذلك سعد بن معاذ، فقال له رسول الله (ص): كانه شق عليك ان يوسروا
! قال: نعم يا رسول الله، كانت اول وقعه التقينا فيها بالمشركين فاحببت ان يذلهم الله، و ان يثخن فيهم القتل.

قال الواقدى: و كان النضر بن الحارث اسره المقداد يومئذ، فلما خرج رسول الله (ص) من بدر، فكان الاثيل عرض عليه الاسرى، فنظر الى النضر بن الحارث فابده البصر، فقال لرجل الى جنبه: محمد و الله قاتلى! لقد نظر الى بعينين فيهما الموت! فقال الذى الى جنبه: و الله ما هذا منك الا رعب، فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب، انت اقرب من هاهنا بى رحما، كلم صاحبك ان يجعلنى كرجل من اصحابى، هو و الله قاتلى ان لم تفعل.

قال مصعب: انك كنت تقول فى كتاب الله كذا كذا، و تقول فى نبيه كذا و كذا، قال: يا مصعب، فليجعلنى كاحد اصحابى.

ان قتلوا قتلت، و ان من عليهم من على.

قال مصعب: انك كنت تعذب اصحابه، قال: اما و الله لو اسرتك قريش ما قتلت ابدا و انا حى.

قال مصعب: و الله انى لاراك صادقا و لكن لست مثلك قطع الاسلام العهود.

قال الواقدى: و عرضت الاسرى على رسول الله (ص)، فراى النضر ابن الحارث، فقال: اضربوا عنقه، فقال المقداد: اسيرى يا رسول الله! فقال اللهم اغن المقداد من فضلك، قم يا على فاضرب عنقه، فقام على فضرب عنقه بالسيف صبرا، و ذلك بالاثيل، ف
قالت اخته: يا راكبا ان الاثيل مظنه من صبح خامسه و انت موفق بلغ به ميتا فان تحيه ما ان تزال بها الركائب تخفق منى اليه و عبره مسفوحه جادت لمائحها و اخرى تخنق فليسمعن النضر ان ناديته ان كان يسمع ميت او ينطق ظلت سيوف بنى ابيه تنوشه لله ارحام هناك تمزق! صبرا يقاد الى المدينه راغما رسف المقيد و هو عان موثق امحمد و لانت نجل نجيبه فى قومها، و الفحل فحل معرق ما كان ضرك ضرك لو مننت و ربما من الفتى و هو المغيظ المحنق و النضر اقرب من قتلت وسيله و احقهم ان كان عتق يعتق قال الواقدى: و روى ان النبى (ص) لما وصل اليه شعرها رق له، و قال: (لو كنت سمعت شعرها قبل ان اقتله لما قتلته).

قال الواقدى: و لما اسر سهيل بن عمرو، قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، انزع ثنيتيه يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا ابدا، فقال رسول الله (ص): (لا امثل به فيمثل الله بى و ان كنت نبيا، و لعله يقوم مقاما لا تكرهه).

فقام سهيل بن عمرو بمكه حين جائه وفاه النبى (ص) بخطبه ابى بكر بالمدينه، كانه كان يسمعها، فقال عمر حين بلغه كلام سهيل: اشهد انك رسول الله- يريد قوله (ص): (لعله يقوم مقاما لا تكرهه).

قال الواقدى: و كان على ع يح
دث، فيقول: اتى جبريل النبى (ص) يوم بدر، فخيره فى الاسرى ان يضرب اعناقهم، او ياخذ منهم الفداء، و يستشهد من المسلمين فى قابل عدتهم، فدعا رسول الله (ص) اصحابه، و قال: هذا جبريل يخيركم فى الاسرى، بين ان تضرب اعناقهم او توخذ منهم الفديه و يستشهد منكم قابلا عدتهم.

قالوا: بل ناخذ الفديه و نستعين، بها و يستشهد منا من يدخل، الجنه فقبل منهم الفداء، و قتل من المسلمين قابلا عدتهم باحد.

قلت: لو كان هذا الحديث صحيحا لما عوتبوا، فقيل لهم: (ما كان لنبى ان يكون له اسرى حتى يثخن فى الارض تريدون عرض الدنيا و الله يريد الاخره) ثم قال: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب عظيم...) لانه اذا كان خيرهم، فقد اباحهم اخذ الفداء، و اخبرهم انه حسن، فلا يجوز فيما بعد ان ينكره عليهم، و يقول انه قبيح.

قال الواقدى: لما حبس الاسرى و جعل عليهم شقران مولى رسول الله (ص) طمعوا فى الحياه، فقالوا: لو بعثنا الى ابى بكر! فانه اوصل قريش لارحامنا! فبعثوا الى ابى بكر، فاتاهم فقالوا: يا ابابكر، ان فينا الاباء و الابناء و الاخوان، و العمومه و بنى العم، و ابعدنا قريب، كلم صاحبك فليمن علينا و يفادنا، فقال: نعم ان شاء الله، لا آلوكم خيرا.

ثم انصرف ا
لى رسول الله (ص).

قالوا: و ابعثوا الى عمر بن الخطاب، فانه من قد علمتم، و لا يومن ان يفسد عليكم لعله يكف عنكم! فارسلوا اليه، فجائهم فقالوا له مثل ما قالوا لابى بكر، فقال: لا آلوكم شرا! ثم انصرف الى النبى (ص)، فوجد ابابكر عنده، و الناس حوله، و ابوبكر يلينه و يغشاه، و يقول: يا رسول الله، بابى انت و امى! قومك فيهم الاباء و الابناء و العمومه و الاخوان و بنو العم، و ابعدهم عنك قريب! فامنن عليهم، من الله عليك، او فادهم قوه للمسلمين، فلعل الله يقبل بقلوبهم اليك! ثم قام فتنحى ناحيه، و سكت رسول الله (ص) فلم يجبه فجاء عمر فجلس مجلس ابى بكر، فقال يا رسول الله، هم اعداء الله، كذبوك و قاتلوك و اخرجوك، اضرب رقابهم، فهم رووس الكفر و ائمه الضلاله، يوطى ء الله بهم الاسلام، و يذل بهم الشرك! فسكت رسول الله (ص) و لم يجبه، و عاد ابوبكر الى مقعده الاول، فقال: بابى انت و امى! قومك فيهم الاباء و الابناء و العمومه و الاخوان و بنو العم، و ابعدهم منك قريب! فامنن عليهم او فادهم.

هم عشيرتك و قومك لا تكن اول من يستاصلهم، و ان يهديهم الله خير من ان يهلكهم.

فسكت (ص) عنه فلم يرد عليه شيئا، و قام ناحيه.

فقام عمر فجلس مجلسه، فقال: يا رسول الله
، ما تنتظر بهم! اضرب اعناقهم، يوطى ء الله بهم الاسلام، و يذل اهل الشرك، هم اعداء الله، كذبوك و اخرجوك يا رسول الله، اشف صدور المومنين، لو قدروا منا على مثل هذا ما اقالونا ابدا.

فسكت رسول الله (ص) فلم يجبه، فقام ناحيه، فجلس و عاد ابوبكر، فكلمه مثل كلامه الاول فلم يجبه، ثم تنحى، فجاء عمر فكلمه بمثل كلامه الاول فلم يجبه، ثم قام رسول الله (ص)، فدخل قبته، فمكث فيها ساعه، ثم خرج، و الناس يخوضون فى شانهم، يقول بعضهم: القول ما قال ابوبكر، و آخرون يقولون: القول ما قال عمر.

فلما خرج قال للناس: ما تقولون فى صاحبيكم هذين؟ دعوهما فان لهما مثلا، مثل ابى بكر فى الملائكه كميكائيل ينزل برضا الله و عفوه على عباده، و مثله فى الانبياء كمثل ابراهيم كان الين على قومه من العسل، اوقد له قومه النار فطرحوه فيها، فما زاد على ان قال: (اف لكم و لما تعبدون من دون الله افلا تعقلون) و قال: (فمن تبعنى فانه منى و من عصانى فانك غفور رحيم) و كعيسى اذ يقول: (ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم).

و مثل عمر فى الملائكه كمثل جبريل ينزل بالسخط من الله و النقمه على اعداء الله، و مثله فى الانبياء كمثل نوح، كان اشد على قومه من ال
حجاره، اذ يقول: (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) فدعا عليهم دعوه اغرق الله بها الارض جميعا، و مثل موسى اذ يقول: (ربنا اطمس على اموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يومنوا حتى يروا العذاب الاليم) و ان بكم عيله، فلا يفوتنكم رجل من هولاء الا بفداء او ضربه عنق.

فقال عبدالله بن مسعود: يا رسول الله، الا سهيل بن بيضاء.

قال الواقدى: هكذا روى ابن ابى حبيبه، و هذا وهم، سهيل بن بيضاء مسلم من مهاجره الحبشه، و شهد بدرا، و انما هو اخ له.

و يقال له سهيل.

قال: قال عبد الله بن مسعود: فانى رايته يظهر الاسلام بمكه- قال: فسكت النبى (ص)، قال عبدالله: فما مرت على ساعه قط كانت اشد على من تلك الساعه، جعلت انظر الى السماء اتخوف ان تسقط على الحجاره لتقدمى بين يدى الله و رسوله بالكلام، فرفع رسول الله (ص) راسه، فقال: (الا سهيل بن بيضاء) قال: فما مرت على ساعه اقر لعينى منها، اذ قالها رسول الله (ص).

ثم قال: (ان الله عز و جل ليشدد القلب حتى يكون اشد من الحجاره، و انه ليلين القلب حتى يكون الين من الزبد)، فقبل الفداء ثم قال بعد: (لو نزل عذاب يوم بدر لما نجا منه الا عمر) كان يقول: اقتل و لا تاخذ الفداء.

و كان سعد بن معاذ يقول: اقتل و لا تاخذ
الفداء.

قلت: عندى فى هذا كلام، اما فى اصل الحديث فلان فيه ان رسول الله (ص) قال، و مثله كعيسى اذ قال: (ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم) و هذه الايه من المائده و المائده انزلت فى آخر عمره، و لم ينزل بعدها الا سوره برائه، و بدر كانت فى السنه الثانيه من الهجره، فكيف هذا! اللهم الا ان يكون قوله تعالى: (و اذ قال الله يا عيسى بن مريم اانت قلت للناس اتخذونى و امى الهين...) الايات قد كانت انزلت اما بمكه او بالمدينه قبل بدر، فلما جمع عثمان القرآن ضمها الى سوره المائده، فلعله قد كان ذلك فينبغى ان ننظر فى هذا، فهو مشكل! و اما حديث سهيل بن بيضاء فانه يوهم مذهب موسى بن عمران فى ان النبى (ص) كان يحكم فى الوقائع بما يشاء، لانه قيل له: احكم بما تشاء، فانك لا تحكم الا بالحق، و هو مذهب متروك الا انه يمكن ان يقال: لعله لما سكت (ص) عند ما قال ابن مسعود ذلك القول، نزل عليه فى تلك السكته الوحى و قيل له: الا سهيل ابن بيضاء فقال حينئذ: (الا سهيل بن بيضاء) كما اوحى اليه.

و اما الحديث الذى فيه: (لو نزل عذاب لما نجا منه الا عمر)، فالواقدى و غيره من المحدثين اتفقوا على ان سعد بن معاذ كان يقول مثل ما قاله، عمر
بل هو المتبدى ء بذلك الراى، و رسول الله (ص) بعد فى العريش، و المشركون لم ينفض جمعهم كل ذلك الانفضاض، فكيف خص عمر بالنجاه وحده دون سعد! و يمكن ان يقال: انه كان شديد التاليب و التحريض عليهم، و كثير الالحاح على رسول الله (ص) فى امرهم، فنسب ذلك الراى اليه لاشتهاره به، و ان شركه فيه غيره.

قال الواقدى: و حدثنى معمر عن الزهرى، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن ابيه، قال: قال رسول الله (ص) يوم بدر: (لو كان مطعم بن عدى حيا لوهبت له هولاء النتنى).

قال و كانت لمطعم بن عدى عند النبى (ص) يد اجاره حين رجع من الطائف.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن عبدالله، عن الزهرى، عن سعيد بن المسيب قال: امن رسول الله (ص) من الاسرى يوم بدر اباعزه عمرو بن عبدالله بن عمير الجمحى- و كان شاعرا- فاعتقه رسول الله (ص)، و قال له: ان لى خمس بنات، ليس لهن شى ء فتصدق بى عليهم يا محمد، ففعل رسول الله (ص) ذلك.

و قال ابوعزه: اعطيك موثقا الا اقاتلك، و لا اكثر عليك ابدا.

فارسله رسول الله (ص)، فلما خرجت قريش الى احد، جاء صفوان بن اميه، فقال: اخرج معنا، قال: انى قد اعطيت محمدا موثقا الا اقاتله، و لا اكثر عليه ابدا.

و قد من على و لم يمن على غيرى حتى قتله او اخذ من
ه الفداء.

فضمن له صفوان ان يجعل بناته مع بناته ان قتل، و ان عاش اعطاه مالا كثيرا لاياكله عياله.

فخرج ابوعزه يدعو العرب و يحشرها، ثم خرج مع قريش يوم احد، فاسر و لم يوسر غيره من قريش، فقال: يا محمد، انما خرجت كرها و لى بنات، فامنن على.

فقال رسول الله (ص): (اين ما اعطيتنى من العهد و الميثاق! لا و الله لا تمسح عارضيك بمكه تقول: سخرت بمحمد مرتين).

فقتله.

قال: و روى سعيد بن المسيب ان رسول الله (ص) قال يومئذ: (ان المومن لا يلدغ من جحر مرتين، يا عاصم بن ثابت، قدمه فاضرب عنقه) فقدمه عاصم فضرب عنقه.

قال الواقدى: و امر رسول الله (ص) يوم بدر بالقلب ان تغور ثم امر بالقتلى، فطرحوا فيها كلهم الا اميه بن خلف فانه كان مسمنا، انتفخ من يومه.

فلما ارادوا ان يلقوه تزايل لحمه، فقال النبى (ص): اتركوه.

و قال ابن اسحاق: انتفخ اميه بن خلف فى درعه حتى ملاها، فلما ذهبوا يحركونه تزايل، فاقروه و القوا عليه التراب و الحجاره ما غيبه.

قال الواقدى: و نظر رسول الله (ص) الى عتبه بن ربيعه يجر الى القليب- و كان رجلا جسيما، و فى وجهه اثر الجدرى- فتغير وجه ابنه ابى حذيفه بن عتبه، فقال له: النبى (ص): مالك! كانك سائك ما اصاب اباك! قال: لا و الله يا
رسول الله، و لكنى رايت لابى عقلا و شرفا، كنت ارجو ان يهديه ذلك الى الاسلام، فلما اخطاه ذلك و رايت ما اصابه غاظنى.

فقال ابوبكر: كان و الله يا رسول الله ابقى فى العشيره من غيره، و لقد كان كارها لوجهه، و لكن الحين و مصارع السوء.

فقال رسول الله (ص): (الحمد لله الذى جعل خد ابى جهل الاسفل و صرعه و شفانا منه).

فلما توافوا فى القليب و قد كان رسول الله (ص) يطوف عليهم و هم مصرعون، جعل ابوبكر يخبره بهم رجلا رجلا، و رسول الله (ص) يحمد الله و يشكره و يقول: الحمد لله الذى انجز لى ما وعدنى! فقد وعدنى احدى الطائفتين، ثم وقف على اهل القليب فناداهم رجلا رجلا: (يا عتبه بن ربيعه، و يا شيبه بن ربيعه، و يا اميه بن خلف، و يا اباجهل بن هشام! هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فانى وجدت ما وعدنى ربى حقا! بئس القوم كنتم لنبيكم! كذبتمونى و صدقنى الناس، و اخرجتمونى و آوانى الناس، و قاتلتمونى و نصرنى الناس، فقالوا: يا رسول الله، اتنادى قوما قد ماتوا! فقال: (لقد علموا ان ما وعدهم ربهم حق).

و قال ابن اسحاق فى كتاب "المغازى": ان عائشه كانت تروى هذا الخبر، و تقول: فالناس يقولون: ان رسول الله (ص).

قال: (لقد سمعوا ما قلت لهم)، و ليس كذلك، انما قال: (لق
د علموا ان ما وعدهم ربهم حق).

قال محمد بن اسحاق: و حدثنى حميد الطويل، عن انس بن مالك، قال: لما ناداهم رسول الله (ص) قال له المسلمون: يا رسول الله، اتنادى قوما قد انتنوا! فقال: (ما انتم باسمع لما اقول منهم، و لكنهم لا يستطيعون ان يجيبونى).

قلت: لقائل ان يقول لعائشه: اذا جاز ان يعلموا و هم موتى، جاز ان يسمعوا و هم موتى، فان قالت: ما اخبرت ان يعلموا و هم موتى، و لكن تعود الارواح الى ابدانهم، و هى فى القليب، و يرون العذاب، فيعلمون ان ما وعدهم به الرسول حق! قيل لها: و لا مانع من ان تعود الارواح الى ابدانهم و هى فى القليب، فيسمعوا صوت رسول الله (ص)، فاذن لا وجه لانكارها ما يقوله الناس! و يمكن ان ينتصر لقول عائشه على وجه حكمى، و هو ان الانفس بعد المفارقه تعلم و لا تسمع، لان الاحساس انما يكون بواسطه الاله، و بعد الموت تفسد الاله، فاما العلم فانه لا يحتاج الى الاله، لان النفس تعلم بجوهرها فقط.

قال الواقدى: و كان انهزام قريش و توليها حين زالت الشمس، فاقام رسول الله (ص) ببدر، و امر عبدالله بن كعب بقبض الغنائم و حملها و امر نفرا من اصحابه ان يعينوه، فصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالاثيل قبل غروب الشمس فنزل به، و بات به و ب
اصحابه جراح، و ليست بالكثيره، و قال: من رجل يحفظنا الليله؟ فاسكت القوم، فقام رجل فقال: من انت؟ قال: ذكوان بن عبدقيس، قال: اجلس، ثم اعاد القول الثانيه، فقام رجل، فقال: من انت؟ قال: ابن عبدالقيس، فقال: اجلس، ثم مكث ساعه و اعاد القول، فقام رجل فقال: من انت؟ قال: ابوسبع، فسكت ثم مكث ساعه، و قال: قوموا ثلاثتكم.

فقام ذكوان بن عبدقيس وحده، فقال له: و اين صاحباك؟ قال: يا رسول الله انا الذى كنت اجيبك الليله، فقال رسول الله (ص): فحفظك الله! فبات ذكوان يحرس المسلمين تلك الليله، حتى كان آخر الليل فارتحل.

قال الواقدى: و روى ان رسول الله (ص) صلى العصر بالاثيل، فلما صلى ركعه تبسم، فلما سلم سئل عن تبسمه فقال: مر بى ميكائيل و على جناحه النقع، فتبسم الى، و قال: انى كنت فى طلب القوم، و اتانى جبريل على فرس انثى معقود الناصيه، قد عم ثنيتيه الغبار فقال: يا محمد ان ربى بعثنى اليك، و امرنى الا افارقك حتى ترضى فهل رضيت؟ فقلت: نعم.

قال الواقدى: و اقبل رسول الله (ص) بالاسرى، حتى اذا كان بعرق الظبيه امر عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح ان يضرب عنق عقبه بن ابى معيط بن ابى عمرو بن اميه بن عبدشمس، و كان اسره عبدالله بن سلمه العجلانى، فجعل عقبه
يقول: يا ويلى! علام اقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا؟ فقال رسول الله (ص): لعداوتك لله و لرسوله، فقال: يا محمد، منك افضل فاجعلنى، كرجل من قومى ان قتلتهم قتلتنى، و ان مننت عليهم مننت على، و ان اخذت منهم الفداء كنت كاحدهم، يا محمد من للصبيه؟ فقال: النار، قدمه يا عاصم، فاضرب عنقه، فقدمه عاصم فضرب عنقه فقال النبى (ص): بئس الرجل كنت و الله ما علمت كافرا بالله و برسوله، و بكتابه موذيا لنبيه، فاحمد الله الذى قتلك و اقر عينى منك.

قال محمد بن اسحاق: و روى عكرمه مولى ابن عباس، عن ابى رافع، قال: كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب، و كان الاسلام قد فشا فينا اهل البيت، فاسلم العباس، و اسلمت ام الفضل زوجته، و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم، فكان يكتم اسلامه، و كان ذا مال كثير متفرق فى قومه، و كان عدو الله ابولهب قد تخلف عن بدر، و بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيره، و كذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف رجل الا بعث مكانه رجلا، فلما جاء الخبر عن مصاب اصحاب بدر من قريش، كبته الله و اخزاه و وجدنا فى انفسنا قوه و عزا.

قال: و كنت رجلا ضعيفا، و كنت اعمل القداح، انحتها فى حجره زمزم، فو الله انى لجالس انحت قداحى، و عندى ام الفضل جالسه، و قد
سرنا ما جائنا من الخبر، اذ اقبل الفاسق ابولهب يجر رجليه بشر، حتى جلس الى طنب الحجره، فكان ظهره الى ظهرى، فبينا هو جالس اذ قال للناس: هذا ابوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب قد قدم- و كان شهد مع المشركين بدرا- فقال ابولهب: هلم يابن اخى فعندك و الله الخبر، قال: فجلس اليه و الناس قيام حوله، فقال: يابن اخى، اخبرنى كيف كان امر الناس؟ قال: لا شى ء، و الله ان هو الا ان لقيناهم فمنحناهم اكتافنا، فقتلونا كيف شاءوا، و اسرونا كيف شاءوا، و ايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الارض.

لا و الله ما تبقى شيئا، و لايقوم لها شى ء.

قال ابورافع: فرفعت طنب الحجره، ثم قلت: تلك و الله الملائكه، قال: فرفع ابولهب يده، فضرب بى الارض ثم برك على يضربنى، و كنت رجلا ضعيفا، فقامت ام الفضل الى عمود من عمد الحجره، فاخذته فضربته على راسه، فشجته شجه منكره، و قالت: استضعفته اذ غاب سيده، فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش الا سبع ليال، حتى رماه الله بالعدسه فقتلته.

و لقد تركه ابناه ليلتين او ثلاثا و ما يدفنانه، حتى انتن فى بيته- و كانت قريش تتقى العدسه و عدواها، كما يتقى الناس الطاعون- حتى قال لهما رجل من قريش: ويحك
ما! الا تستحيان ان ابا كما قد انتن فى بيته لا تغيبانه! قالا: انا نخشى هذه القرحه، قال: فانطلقا و انا معكما، فو الله ما غسلوه الا قذفا عليه بالماء من بعيد، ما يمسونه، و اخرجوه فالقوه باعلى مكه الى كنان هناك، و قذفوا عليه بالحجاره حتى واروه.

قال محمد بن اسحاق: فحضر العباس بدرا، فاسر فيمن اسر، و كان الذى اسره ابواليسر كعب بن عمرو احد بنى سلمه، فلما امسى القوم و الاسارى محبوسون فى الوثاق و بات رسول الله (ص) تلك الليله ساهرا، فقال له اصحابه: ما لك لا تنام يا رسول الله؟ قال: (سمعت انين العباس من وثاقه) فقاموا اليه فاطلقوه، فنام رسول الله (ص).

قال: و روى ابن عباس رحمه الله، قال: كان ابواليسر رجلا مجموعا، و كان العباس طويلا جسيما، فقال رسول الله (ص): يا ابااليسر، كيف اسرت العباس؟ قال: يا رسول الله، لقد اعاننى عليه رجل ما رايته من قبل، من هيئته كذا، قال (ص): (لقد اعانك عليه ملك كريم).

قال محمد بن اسحاق: قد كان رسول الله (ص) فى اول الوقعه، فنهى ان يقتل احد من بنى هاشم، قال: حدثنى بذلك الزهرى، عن عبدالله بن ثعلبه حليف بنى زهره، قال: و حدثنى العباس بن عبدالله بن معبد بن العباس، عن بعض اهله، عن عبدالله بن عباس رحمه الله،
قال: و قال النبى (ص) لاصحابه، انى قد عرفت ان رجالا من بنى هاشم و غيرهم قد اخرجوا كرها، لا حاجه لنا بقتلهم، فمن لقى منكم احدا من بنى هاشم فلا يقتله و من لقى اباالبخترى فلا يقتله، و من لقى العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله (ص) فلا يقتله، فانه انما خرج مستكرها، فقال ابوحذيفه بن عتبه بن ربيعه: انقتل آبائنا و اخواننا و عشائرنا و نترك العباس! و الله لئن لقيته لالحمنه السيف فسمعها رسول الله (ص)، فقال لعمر بن الخطاب: يا اباحفص.

يقول عمر: و الله انه لاول يوم كنانى فيه رسول الله (ص) بابى حفص- ايضرب وجه عم رسول الله (ص) بالسيف؟ فقال عمر: يا رسول الله، دعنى اضرب عنقه بالسيف، فو الله لقد نافق، قال: فكان ابوحذيفه يقول: و الله ما انا بامن من تلك الكلمه التى قلت يومئذ، و لا ازال منها خائفا ابدا الا ان يكفرها الله عنى بشهاده، فقتل يوم اليمامه شهيدا.

قال محمد بن اسحاق: و كان رسول الله (ص) لما استشار ابابكر و عمر و سعد بن معاذ فى امر الاسارى، غلظ عمر عليهم غلظه شديده، فقال: يا رسول الله اطعنى فيما اشير به عليك، فانى لا آلوك نصحا، قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك، و قدم عقيلا الى على اخيه يضرب عنقه، و قدم كل اسير منهم الى اقرب النا
س اليه يقتله، قال: فكره رسول الله (ص) ذلك و لم يعجبه.

قال محمد بن اسحاق: فلما قدم بالاسرى الى المدينه قال رسول الله (ص): افد نفسك يا عباس و ابنى اخويك عقيل بن ابى طالب و نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب و حليفك عقبه بن عمرو، فانك ذو مال، فقال العباس: يا رسول الله، انى كنت مسلما، و لكن القوم استكرهونى، فقال (ص): الله اعلم باسلامك، ان يكن ما قلت حقا فان الله يجزيك به، و اما ظاهر امرك فقد كان علينا، فافتد نفسك، و قد كان رسول الله (ص) اخذ منه عشرين اوقيه من ذهب اصابها معه حين اسر، فقال العباس: يا رسول الله، احسبها لى من فدائى، فقال (ص): ذاك شى ء اعطانا الله منك، فقال: يا رسول الله، فانه ليس لى مال، قال: فاين المال الذى وضعته بمكه حين خرجت عند ام الفضل بنت الحارث، و ليس معكما احد، ثم قلت: ان اصبت فى سفرى هذا فللفضل كذا و كذا، و لعبد الله كذا و كذا، و لقثم كذا و كذا! فقال العباس: و الذى بعثك بالحق يا رسول الله، ما علم بهذا احد غيرى و غيرها، و انى لاعلم انك رسول الله، ثم فدى نفسه و ابنى اخويه و حليفه.

قال الواقدى: قدم رسول الله (ص) من الاثيل زيد بن حارثه و عبدالله بن رواحه يبشران الناس بالمدينه فجاء يوم الاحد فى الضحى،
و فارق عبدالله زيدا بالعقيق، فجعل عبدالله ينادى عوالى المدينه: يا معشر الانصار، ابشروا بسلامه رسول الله و قتل المشركين و اسرهم، قتل ابنا ربيعه، و ابنا الحجاج، و ابوجهل، و زمعه بن الاسود، و اميه بن خلف، و اسر سهيل بن عمرو ذو الانياب، فى اسرى كثير.

قال عاصم بن عدى: فقمت اليه فنحوته، فقلت: احقا ما تقول يابن رواحه؟ قال: اى و الله، و غدا يقدم رسول الله ان شاء الله، و معه الاسرى مقرنين، ثم تتبع دور الانصار بالعاليه يبشرهم، دارا دارا، و الصبيان يشتدون معه، و يقولون: قتل ابوجهل الفاسق، حتى انتهوا الى دور بنى اميه بن زيد، و قدم زيد بن حارثه على ناقه النبى (ص) القصواء، يبشر اهل المدينه، فلما جاء المصلى صاح على راحلته: قتل عتبه و شيبه ابنا ربيعه، و ابنا الحجاج و ابوجهل، و ابوالبخترى و زمعه بن الاسود و اميه بن خلف، و اسر سهيل بن عمرو ذو الانياب فى اسرى كثيره، فجعل الناس لا يصدقون زيد بن حارثه، و يقولون: ما جاء زيد الا فلا، حتى غاظ المسلمين ذلك، و خافوا، قال: و كان قدوم زيد حين سووا على رقيه بنت رسول الله (ص) التراب بالبقيع، فقال رجل من المنافقين لاسامه بن زيد: قتل صاحبكم و من معه و قال رجل من المنافقين لابى لبابه بن عبد
المنذر: قد تفرق اصحابكم تفرقا لايجتمعون معه ابدا، و قد قتل عليه اصحابكم، و قتل محمد، و هذه ناقته نعرفها، و هذا زيد بن حارثه لايدرى ما يقول من الرعب، و قد جاء فلا، فقال ابولبابه: كذب الله قولك، و قالت يهود: ما جاء زيد الا فلا.

قال اسامه بن زيد: فجئت حتى خلوت بابى، فقلت: يا ابت، احق ما تقول؟ فقال اى و الله حقا يا بنى، فقويت نفسى، فرجعت الى ذلك المنافق، فقلت: انت المرجف برسول الله و بالمسلمين! لنقدمنك الى رسول الله (ص) اذا قدم، فليضربن عنقك، فقال: يا ابامحمد، انما هو شى ء سمعت الناس يقولونه.

قال الواقدى: فقدم بالاسرى و عليهم شقران و هم تسعه و اربعون رجلا الذين احصوا، و هم سبعون فى الاصل مجمع عليه لا شك فيه، الا انهم لم يحص سائرهم و لقى الناس رسول الله (ص) بالروحاء يهنئونه بفتح الله عليه، فلقيه وجوه الخزرج، فقال سلمه بن سلامه بن وقش: ما الذى تهنئونه؟ فو الله ما قتلنا الا عجائز صلعا! فتبسم النبى (ص) فقال: يابن اخى، اولئك الملا، لو رايتهم لهبتهم، و لو امروك لاطعتهم، و لو رايت فعالك مع فعالهم لاحتقرتها! و بئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم! فقال سلمه: اعوذ بالله من غضبه و غضب رسوله، انك يا رسول الله لم تزل عنى معرضا منذ
كنا بالروحاء فى بداتنا، فقال (ص): اما قلت للاعرابى، وقعت على ناقتك فهى حبلى منك ففحشت و قلت مالا علم لك به، و اما ما قلت فى القوم، فانك عمدت الى نعمه من نعم الله تزهدها، فقبل رسول الله (ص) معذرته، و كان من عليه اصحابه.

قال الواقدى: فروى الزهرى، قال: لقى ابوهند البياضى مولى فروه بن عمرو رسول الله و معه حميت مملوء حيسا اهداه، له فقال رسول الله (ص): (انما ابوهند رجل من الانصار فانكحوه و انكحوا اليه).

قال الواقدى: و لقيه اسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذى ظفرك و اقر عينك، و الله يا رسول الله، ما كان تخلفى عن بدر و انا اظن بك انك تلقى عدوا، و لكنى ظننت انها العير، و لو ظننت انه عدو لما تخلفت، فقال رسول الله صدقت.

قال: ولقيه عبدالله بن قيس بتربان، فقال: يا رسول الله الحمد لله على سلامتك و ظفرك، كنت يا رسول الله ليالى خرجت مورودا- اى محموما- فلم تفارقنى حتى كان بالامس، فاقبلت اليك، فقال: آجرك الله.

قال الواقدى: و كان سهيل بن عمرو لما كان بتنوكه بين السقيا و ملل، كان مع مالك بن الدخشم الذى اسره، فقال له: خل سبيلى للغائط، فقام معه، فقال سهيل: انى احتشم فاستاخر عنى، فاستاخر عنه، فمضى سهيل على وجهه، انتزع
يده من القرآن، و مضى، فلما ابطا سهيل على مالك بن الدخشم، اقبل فصاح فى الناس، فخرجوا فى طلبه، و خرج النبى (ص) فى طلبه بنفسه، و قال: من وجده فليقتله، فوجده رسول الله (ص) بنفسه اخفى نفسه بين شجرات، فامر به فربطت يداه الى عنقه، ثم قرنه الى راحلته، فلم يركب سهيل خطوه حتى قدم المدينه.

قال الواقدى: فحدثنى اسحاق بن حازم بن عبدالله بن مقسم، عن جابر بن عبدالله الانصارى، قال: لقى رسول الله (ص) اسامه بن زيد، و رسول الله (ص) على ناقته القصوى، فاجلسه بين يديه و سهيل بن عمرو مجبوب، و يداه الى عنقه فلما نظر الى سهيل قالوا: يا رسول الله، ابويزيد! قال: نعم، هذا الذى كان يطعم الخبز بمكه.

و قال البلاذرى: قال اسامه- و هو يومئذ غلام- يا رسول الله، هذا الذى كان يطعم الناس بمكه السريد- يعنى الثريد.

قلت: هذه لثغه مقلوبه، لان الالثغ يبدل السين ثاء، و هذا ابدل الثاء سينا، و من الناس من يرويها: (هذا الذى كان يطعم الناس بمكه الشريد) بالشين المعجمه.

قال البلاذرى: و حدثنى مصعب بن عبدالله الزبيرى، عن اشياخه ان اسامه راى سهيلا يومئذ، فقال: يا رسول الله هذا الذى كان يطعم السريد بمكه، فقال رسول الله (ص): (هذا ابويزيد الذى يطعم الطعام، و لكنه
سعى فى اطفاء نور الله، فامكن الله منه).

قال: و فيه يقول اميه بن ابى الصلت الثقفى: يا با يزيد رايت سيبك واسعا وسماء جودك تستهل فتمطر قال: و فيه يقول مالك بن الدخشم، و هو الذى اسره يوم بدر: اسرت سهيلا فلا ابتغى به غيره من جميع الامم و خندف تعلم ان الفتى سهيلا فتاها اذا تظلم ضربت بذى الشفر حتى انثنى و اكرهت نفسى على ذى العلم اى على ذى العلم بسكون اللام، و لكنه حركه للضروره.

و كان سهيل اعلم مشقوق الشفه العليا، فكانت انيابه، باديه، فلذلك قالوا: ذو الانياب.

قال الواقدى: و لما قدم بالاسرى كانت سوده بنت زمعه زوجه النبى (ص) عند آل عفراء فى مناحتهم على عوف و معوذ، و ذلك قبل ان يضرب الحجاب، قالت سوده: فاتينا فقيل لنا: هولاء الاسرى قد اتى بهم، فخرجت الى بيتى و رسول الله (ص) فيه، و اذا ابويزيد مجموعه يداه الى عنقه فى ناحيه البيت، فو الله ما ملكت نفسى حين رايته مجموعه يداه الى عنقه ان قلت: ابايزيد، اعطيتم بايديكم! الا متم كراما فو الله ما راعنى الا قول رسول الله (ص) من البيت: (يا سوده، اعلى الله و على رسوله) فقلت: يا نبى الله، و الذى بعثك بالحق انى ما ملكت نفسى حين رايت ابايزيد مجموعه يداه الى عنقه ان قلت
ما قلت.

قال الواقدى: و حدثنى خالد بن الياس، قال: حدثنى ابوبكر بن عبدالله بن ابى جهم، قال: دخل يومئذ خالد بن هشام بن المغيره و اميه بن ابى حذيفه منزل ام سلمه و ام سلمه فى مناحه آل غفراء، فقيل لها: اتى بالاسرى، فخرجت فدخلت عليهم فلم تكلمهم حتى رجعت، فتجد رسول الله (ص) فى بيت عائشه، فقالت: يا رسول الله، ان بنى عمى طلبوا ان يدخل بهم على فاضيفهم، و ادهن رووسهم و الم من شعثهم، و لم احب ان افعل شيئا من ذلك حتى استامرك، فقال (ص): (لست اكره شيئا من ذلك، فافعلى من هذا ما بدا لك).

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن عبدالله، عن الزهرى، قال: قال ابوالعاص بن الربيع: كنت مستاسرا مع رهط من الانصار جزاهم الله خيرا، كنا اذا تعشينا او تغدينا آثرونى بالخبز، و اكلوا التمر، و الخبز عندهم قليل و التمر زادهم، حتى ان الرجل لتقع فى يده الكسره فيدفعها الى، و كان الوليد بن الوليد بن المغيره يقول مثل ذلك و يزيد.

قال: و كانوا يحملوننا و يمشون.

و قال محمد بن اسحاق فى كتابه: كان ابوالعاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبد شمس ختن رسول الله (ص) زوج ابنته زينب، و كان ابوالعاص من رجال مكه المعدودين مالا و امانه و تجاره، و كان ابنا لهاله بنت خويلد، اخت خد
يجه بنت خويلد و كان الربيع بن عبدالعزى بعل هذه فكانت خديجه خالته، فسالت خديجه رسول الله (ص) ان يزوجه زينب، و كان رسول الله (ص) لا يخالف خديجه، و ذلك قبل ان ينزل عليه الوحى، فزوجه اياها، فكان ابوالعاص من خديجه بمنزله ولدها، فلما اكرم الله رسوله بنبوته آمنت به خديجه و بناته كلهن و صدقته و شهدن ان ما جاء به حق و دن بدينه، و ثبت ابوالعاص على شركه، و كان رسول الله (ص) قد زوج عتبه بن ابى احدى ابنتيه رقيه او ام كلثوم، و ذلك من قبل ان ينزل عليه، فلما انزل عليه الوحى و نادى قومه بامر الله باعدوه، فقال بعضهم لبعض: انكم قد فرغتم محمد من همه، اخذتم عنه بناته و اخرجتموهن من عياله، فردوا عليه بناته، فاشغلوه بهن فمشوا الى ابى العاص بن الربيع، فقالوا: فارق صاحبتك بنت محمد، و نحن نزوجك اى امراه شئت من قريش، فقال: لاها الله! اذن لا افارق صاحبتى، و ما احب ان لى بها امراه من قريش! فكان رسول الله (ص) اذا ذكره يثنى عليه خيرا فى صهره، ثم مشوا الى الفاسق عتبه بن ابى لهب، فقالوا له: طلق بنت محمد، و نحن ننكحك اى امراه شئت من قريش، فقال: ان انتم زوجتمونى ابنه ابان بن سعيد ابن العاص، او ابنه سعيد بن العاص فارقتها، فزوجوه ابنه سعيد بن ا
لعاص، ففارقها و لم يكن دخل بها، فاخرجها الله من يده كرامه لها و هوانا له ثم خلف عليها عثمان ابن عفان بعده، و كان رسول الله (ص) مغلوبا على امره بمكه لا يحل و لا يحرم، و كان الاسلام قد فرق بين زينب و ابى العاص، الا ان رسول الله (ص) كان لا يقدر و هو بمكه ان يفرق بينهما، فاقامت معه على اسلامها و هو على شركه، حتى هاجر رسول الله (ص) الى المدينه، و بقيت زينب بمكه مع ابى العاص فلما سارت قريش الى بدر سار ابوالعاص معهم، فاصيب فى الاسرى يوم بدر، فاتى به النبى (ص)، فكان عنده مع الاسارى، فلما بعث اهل مكه فى فداء اساراهم، بعثت زينب فى فداء ابى العاص بعلها بمال، و كان فيما بعثت به قلاده كانت خديجه امها ادخلتها بها على ابى العاص ليله زفافها عليه، فلما رآها رسول الله (ص) رق لها رقه شديده، و قال للمسلمين: ان رايتم ان تطلقوا لها اسيرها، و تردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، نفديك بانفسنا و اموالنا، فردوا عليها ما بعثت به، و اطلقوا لها اباالعاص بغير فداء.

قلت: قرات على النقيب ابى جعفر يحيى بن ابى زيد البصرى العلوى رحمه الله هذا الخبر، فقال: اترى ابابكر و عمر لم يشهدا هذا المشهد! اما كان يقتضى التك
ريم و الاحسان ان يطيب قلب فاطمه بفدك، و يستوهب لها من المسلمين، اتقصر منزلتها عند رسول الله (ص) عن منزله زينب اختها و هى سيده نساء العالمين! هذا اذا لم يثبت لها حق، لا بالنحله و لا بالارث، فقلت له: فدك بموجب الخبر الذى رواه ابوبكر قد صار حقا من حقوق المسلمين فلم يجز له ان ياخذه منهم، فقال: و فداء ابى العاص بن الربيع قد صار حقا من حقوق المسلمين، و قد اخذه رسول الله (ص) منهم! فقلت: رسول الله (ص) صاحب الشريعه، و الحكم حكمه، و ليس ابوبكر كذلك، فقال: ما قلت: هلا اخذه ابوبكر من المسلمين قهرا فدفعه الى فاطمه، و انما قلت: هلا استنزل المسلمين عنه و استوهبه منهم لها كما استوهب رسول الله (ص) المسلمين فداء ابى العاص! اتراه لو قال: هذه بنت نبيكم قد حضرت تطلب هذه النخلات، افتطيبون عنها نفسا؟ اكانوا منعوها ذلك! فقلت له: قد قال قاضى القضاه ابوالحسن عبدالجبار بن احمد نحو هذا، قال: انهما لم ياتيا بحسن فى شرع التكرم، و ان كان ما اتياه حسنا فى الدين.

قال محمد بن اسحاق: و كان رسول الله (ص) لما اطلق سبيل ابى العاص اخذ عليه فيما نرى او شرط عليه فى اطلاقه، او ان اباالعاص وعد رسول الله (ص) ابتداء بان يحمل زينب اليه الى المدينه، و لم
يظهر ذلك من ابى العاص، و لا من رسول الله (ص) الا انه لما خلى سبيله، و خرج الى مكه بعث رسول الله (ص) بعده زيد بن حارثه و رجلا من الانصار، فقال لهما: كونا بمكان كذا حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تاتيانى بها، فخرجا نحو مكه، و ذلك بعد بدر بشهر (او شيعه) فلما قدم ابوالعاص مكه امرها باللحوق بابيها، فاخذت تتجهز.

قال محمد بن اسحاق: فحدثت عن زينب انها قالت: بينا انا اتجهز للحوق بابى، لقيتنى هند بنت عتبه، فقالت: الم يبلغنى يا بنت محمد انك تريدين اللحوق بابيك! فقلت: ما اردت ذلك، فقالت: اى بنت عم لاتفعلى ان كانت لك حاجه فى متاع او فيما يرفق بك فى سفرك او مال تبلغين به الى ابيك فان عندى حاجتك، فلا تضطنى منى، فانه لايدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال، قالت: و ايم الله، انى لاظنها حينئذ صادقه، ما اظنها قالت حينئذ الا لتفعل و لكن خفتها فانكرت ان اكون اريد ذلك.

قالت: و تجهزت حتى فرغت من جهازى، فحملنى اخو بعلى و هو كنانه بن الربيع.

قال محمد بن اسحاق: قدم لها كنانه بن الربيع بعيرا فركبته، و اخذ قوسه و كنانته، و خرج بها نهارا يقود بعيرها، و هى فى هودج لها، و تحدث بذلك الرجال من قريش و النساء، و تلاومت فى ذلك، و اشفقت ان تخرج
ابنه محمد من بينهم على تلك الحال، فخرجوا فى طلبها سراعا حتى ادركوها بذى طوى، فكان اول من سبق اليها هبار بن الاسود بن عبدالمطلب بن اسد بن عبدالعزى بن قصى، و نافع بن عبدالقيس الفهرى، فروعها هبار بالرمح و هى فى الهودج، و كانت حاملا، فلما رجعت طرحت ما فى بطنها، و قد كانت من خوفها رات دما و هى فى الهودج، فلذلك اباح رسول الله (ص) يوم فتح مكه دم هبار ابن الاسود.

قلت: و هذا الخبر ايضا قراته على النقيب ابى جعفر رحمه الله، فقال: اذا كان رسول الله (ص) اباح دم هبار بن الاسود لانه روع زينب فالقت ذا بطنها، فظهر الحال انه لو كان حيا لاباح دم من روع فاطمه حتى القت ذا بطنها.

فقلت اروى عنك ما يقوله قوم ان فاطمه روعت فالقت المحسن، فقال: لا تروه عنى و لا ترو عنى بطلانه، فانى متوقف فى هذا الموضع لتعارض الاخبار عندى فيه.

قال الواقدى: فبرك حموها كنانه بن الربيع، و نثل كنانته بين يديه، ثم اخذ منها سهما فوضعه فى كبد قوسه، و قال: احلف بالله لا يدنو اليوم منها رجل الا وضعت فيه سهما، فتكر الناس عنه.

قال: و جاء ابوسفيان بن حرب فى جله من قريش، فقال: ايها الرجل، اكفف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف.

فاقبل ابوسفيان حتى وقف عليه، فقال: انك لم تحسن
و لم تصب، خرجت بالمراه على رووس الناس علانيه جهارا، و قد عرفت مصيبتنا و نكبتنا و ما دخل علينا من محمد ابيها، فيظن الناس اذا انت خرجت بابنته اليه جهارا ان ذلك عن ذل اصابنا، و ان ذلك منا وهن، و لعمرى ما لنا فى حبسها عن ابيها من حاجه، و ما فيها من ثار، و لكن ارجع بالمراه حتى اذا هدات الاصوات، و تحدث الناس بردها سلها سلا خفيا، فالحقها بابيها.

فردها كنانه بن الربيع الى مكه، فاقامت بها ليالى حتى اذا هدا الصوت عنها حملها على بعيرها، و خرج بها ليلا حتى سلمها الى زيد بن حارثه و صاحبه، فقدما بها على رسول الله (ص).

قال محمد بن اسحاق: فروى سليمان بن يسار، عن ابى اسحاق الدوسى، عن ابى هريره، قال: بعث رسول الله (ص) سريه انا فيها الى عير لقريش، فيها متاع لهم و ناس منهم، فقال: ان ظفرتم بهبار بن الاسود و نافع بن عبدقيس، فحرقوهما بالنار، حتى اذا كان الغد بعث فقال لنا: (انى كنت قد امرتكم بتحريق الرجلين ان اخذتموهما، ثم رايت انه لا ينبغى لاحد ان يعذب بالنار الا الله تعالى، فان ظفرتم بهما فاقتلوهما و لا تحرقوهما).

قلت: لقائل من المجبره ان يقول: اليس هذا نسخ الشى ء قبل تقضى وقت فعله و اهل العدل لا يجيزون ذلك! و هذا السوال مشكل، و
لا جواب عنه الا بدفع الخبر اما بتضعيف احد من رواته، او ابطال الاحتجاج به لكونه خبر واحد، او بوجه آخر، و هو ان نجيز للنبى الاجتهاد فى الاحكام الشرعيه كما يذهب اليه كثير من شيوخنا، و هو مذهب القاضى ابى يوسف صاحب ابى حنيفه، و مثل هذا الخبر حديث برائه و انفاذها مع ابى بكر، و بعث على (ع)، فاخذها منه فى الطريق، و قراها على اهل مكه بعد ان كان ابوبكر هو المامور بقرائتها عليهم.

فاما البلاذرى فانه روى ان هبار بن الاسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله (ص) حين حملت من مكه الى المدينه، فكان رسول الله (ص) يامر سراياه ان ظفروا به ان يحرقوه بالنار، ثم قال: لايعذب بالنار الا رب النار، و امرهم ان ظفروا به ان يقطعوا يديه و رجليه و يقتلوه، فلم يظفروا به، حتى اذا كان يوم الفتح هرب هبار، ثم قدم على رسول الله (ص) بالمدينه- و يقال: اتاه بالجعرانه- حين فرغ من امر حنين، فمثل بين يديه، و هو يقول: اشهد ان لا اله الا الله و انك رسول الله، فقبل اسلامه و امر الا يعرض له، و خرجت سلمى مولاه رسول الله (ص) فقالت: لا انعم الله بك عينا! فقال رسول الله (ص): (مهلا، فقد محا الاسلام ما قبله)! قال البلاذرى: فقال الزبير بن العوام: لقد رايت رسول الله
(ص) بعد غلظته على هبار بن الاسود يطاطى ء راسه استحياء منه و هبار يتعذر اليه، و هو يعتذر الى هبار ايضا.

قال محمد بن اسحاق: فاقام ابوالعاص بمكه على شركه، و اقامت زينب عند ابيها (ص) بالمدينه، قد فرق بينهما الاسلام، حتى اذا كان قبل الفتح، خرج ابوالعاص تاجرا الى الشام بمال له، و اموال لقريش ابضعوا بها معه، و كان رجلا مامونا، فلما فرغ من تجارته و اقبل قافلا لقيته سريه لرسول الله (ص)، فاصابوا ما معه و اعجزهم هو هاربا، فخرجت السريه بما اصابت من ماله، حتى قدمت به على رسول الله (ص)، و خرج ابوالعاص تحت الليل، حتى دخل على زينب- ابنه رسول الله (ص)- منزلها، فاستجاربها فاجارته، و انما جاء فى طلب ماله الذى اصابته تلك السريه، فلما كبر رسول الله (ص) فى صلاه الصبح، و كبر الناس معه، صرخت زينب من صفه النساء: ايها الناس، انى قد اجرت اباالعاص بن الربيع، فصلى رسول الله (ص) بالناس الصبح، فلما سلم من الصلاه، اقبل عليهم فقال: (ايها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟) قالوا: نعم، قال: (اما و الذى نفس محمد بيده ما علمت بشى ء مما كان حتى سمعتم، انه يجير على الناس ادناهم).

ثم انصرف و دخل على ابنته زينب، فقال: (اى بنيه، اكرمى مثواه، و احسنى قراه، و ل
ا يصلن اليك، فانك لا تحلين له).

ثم بعث الى تلك السريه الذين كانوا اصابوا مال ابى العاص، فقال لهم: ان هذا الرجل منا بحيث علمتم، و قد اصبتم له مالا، فان تحسنوا و تردوا عليه الذى له، فانا نحب ذلك، و ان ابيتم فهو فى ء الله الذى افاء عليكم، و انتم احق به.

فقالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه، فردوا عليه ماله و متاعه، حتى ان الرجل كان ياتى بالحبل، و ياتى الاخر بالشنه، و ياتى الاخر بالاداوه، و الاخر بالشظاظ، حتى ردوا ماله و متاعه باسره من عند آخره و لم يفقد منه شيئا.

ثم احتمل الى مكه، فلما قدمها ادى الى كل ذى مال من قريش ماله ممن كان ابضع معه بشى ء، حتى اذا فرغ من ذلك، قال لهم: يا معشر قريش، هل بقى لاحد منكم عندى مال لم ياخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيرا، لقد وجدناك وفيا كريما، قال: فانى اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله، و الله ما منعنى من الاسلام الا تخوف ان تظنوا انى اردت ان آكل اموالكم، و اذهب بها فاذ سلمها الله لكم، و اداها اليكم، فانى اشهدكم انى قد اسلمت و اتبعت دين محمد.

ثم خرج سريعا حتى قدم على رسول الله المدينه.

قال محمد بن اسحاق: فحدثنى داود بن الحصين، عن عكرمه، عن ابن عباس، ان رسول الله (ص) رد زين
ب بعد ست سنين على ابى العاص بالنكاح الاول لم يحدث شيئا.

قال الواقدى: فلما فرغ رسول الله (ص) من امر الاسارى، و فرق الله عز و جل ببدر بين الكفر و الايمان، اذل رقاب المشركين و المنافقين و اليهود، و لم يبق بالمدينه يهودى و لا منافق الا خضعت عنقه.

و قال قوم من المنافقين: ليتنا خرجنا معه حتى نصيب غنيمه.

و قالت يهود فيما بينها: هو الذى نجد نعته فى كتبنا، و الله لاترفع له رايه بعد اليوم الا ظهرت.

و قال كعب بن الاشرف: بطن الارض اليوم خير من ظهرها، هولاء اشراف الناس و ساداتهم، و ملوك العرب و اهل الحرم و الامن قد اصيبوا.

و خرج الى مكه، فنزل على ابى وداعه بن ضبيره، و جعله يرسل هجاء المسلمين، و رثى قتل بدر من المشركين، فقال: طحنت رحا بدر لمهلك اهله و لمثل بدر يستهل و يدمع قتلت سراه الناس حول حياضه لاتبعدوا ان الملوك تصرع و يقول اقوام اذل بعزهم: ان ابن اشرف ظل كعبا يجزع صدقوا فليت الارض ساعه قتلوا ظلت تسيخ باهلها و تصدع نبئت ان الحارث بن هشامهم فى الناس يبنى الصالحات و يجمع ليزور يثرب بالجموع و انما يسعى على الحسب القديم الاروع قال الواقدى: املاها على عبدالله بن جعفر و محمد بن صالح و ابن ابى الزناد
.

فلما ارسل كعب هذه الابيات اخذها الناس بمكه عنه، و اظهروا المراثى- و قد كانوا حرموها كيلا يشمت المسلمون- بهم و جعل الصبيان و الجوارى ينشدونها بمكه، فناحت بها قريش على قتلاها شهرا، و لم تبق دار بمكه الا فيها النوح- و جز النساء شعورهن، و كان يوتى براحله الرجل منهم او بفرسه، فتوقف بين اظهرهم، فينوحون حولها، و خرجن الى السكك، و ضربن الستور فى الازقه، (و قطعن) فخرجن اليها ينحن، و صدق اهل مكه رويا عاتكه و جهيم بن الصلت.

قال الواقدى: و كان الذين قدموا من قريش فى فداء الاسرى اربعه عشر رجلا، و قيل خمسه عشر رجلا، و كان اول من قدم المطلب بن ابى وداعه، ثم قدم الباقون بعده بثلاث ليال.

قال: فحدثنى اسحاق بن يحيى، قال: سالت نافع بن جبير: كيف كان الفدائ؟ قال: ارفعهم اربعه آلاف الى ثلاثه آلاف الى الفين الى الف، الا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله (ص).

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) فى ابى وداعه، ان له بمكه ابنا كيسا له مال، و هو مغل فدائه، فلما قدم افتداه باربعه، آلاف و كان اول اسير افتدى، و ذلك ان قريشا قالت لابن المطلب بن ابى وداعه- و راته يتجهز، يخرج اليه-: لاتعجل، فانا نخاف ان تفسد علينا فى اسارانا، و يرى محمد تهالك
نا فيغلى علينا الفديه، فان كنت تجد فان كل قومك لا يجدون من السعه ما تجد.

فقال: لااخرج حتى تخرجوا، فخادعهم حتى اذا غفلوا خرج من الليل على راحلته، فسار اربعه ليال الى المدينه فافتدى اباه باربعه آلاف، فلامه قريش فى ذلك، فقال: ما كنت لاترك ابى اسيرا فى ايدى القوم و انتم مضجعون، فقال ابوسفيان بن حرب: ان هذا غلام حدث يعجب بنفسه و برايه، و هو مفسد عليكم، انى و الله غير مفتد عمرو بن ابى سفيان، و لو مكث سنه او يرسله محمد: و الله ما انا باعوذكم، و لكنى اكره ان ادخل عليكم ما يشق عليكم، و لكن يكون عمرو كاسوتكم.

قال الواقدى: فاما اسماء القوم الذين قدموا فى الاسرى، فانه قدم من بنى عبدشمس الوليد بن عقبه بن ابى معيط، و عمرو بن الربيع اخو ابى العاص بن الربيع.

و من بنى نوفل ابن عبدمناف جبير بن مطعم: و من بنى عبدالدار بن قصى طلحه بن ابى طلحه، و من بنى اسد بن عبدالعزى بن قصى عثمان بن ابى حبيش.

و من بنى مخزوم عبدالله بن ابى ربيعه و خالد بن الوليد و هشام بن الوليد بن المغيره و فروه بن السائب و عكرمه بن ابى جهل.

و من بنى جمح ابى بن خلف و عمير بن وهب.

و من بنى سهم المطلب بن ابى وداعه و عمرو بن قيس.

و من بنى مالك بن حسل مكرز بن حفص
بن الاحنف، كل هولاء قدموا المدينه فى فداء اهلهم و عشائرهم.

و كان جبير بن مطعم يقول: دخل الاسلام فى قلبى منذ قدمت المدينه فى الفداء، سمعت رسول الله (ص) يقرا فى صلاه المغرب: (و الطور، و كتاب مسطور) فاستمعت قرائته، فدخل الاسلام فى قلبى منذ ذلك اليوم.

القول فى تفصيل اسماء اسارى بدر و من اسرهم قال الواقدى: اسر من بنى هاشم العباس بن عبدالمطلب، اسره ابواليسر كعب ابن عمرو، و عقيل بن ابى طالب اسره عبيد بن اوس الظفرى، و نوفل بن الحارث ابن عبدالمطلب اسره جبار بن صخر، و اسر حليف لبنى هاشم من بنى فهر، اسمه عتبه فهولاء اربعه.

و من بنى المطلب بن عبدمناف السائب بن عبيد، و عبيد بن عمرو بن علقمه، رجلان اسرهما سلمه اسلم بن حريش الاشهلى.

قال الواقدى: حدثنى بذلك ابن ابى حبيبه، قال: و لم يقدم لهما احد، و كانا لا مال لهما، ففك رسول الله (ص) عنهما بغير فديه.

و من بنى عبد شمس بن عبدمناف عقبه بن ابى معيط المقتول صبرا، على يد عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح بامر رسول الله، اسره عبدالله بن ابى سلمه العجلانى، و الحارث بن ابى وحره بن ابى عمرو بن اميه، اسره سعد بن ابى وقاص، فقدم فى فدائه الوليد بن عقبه بن ابى معيط فافتداه باربعه آلاف.

قال
الواقدى: و قد كان الحارث هذا لما امر النبى (ص) برد الاسارى، ثم اقرع بين اصحابه عليهم، وقع فى سهم سعد بن ابى وقاص الذى كان اسره اول مره- و عمرو بن ابى سفيان، اسره على بن ابى طالب (ع)، و صار بالقرعه فى سهم رسول الله (ص)، فاطلقه بغير فديه، اطلقه بسعد بن النعمان بن اكال من بنى معاويه، خرج معتمرا، فحبس بمكه، فلم يطلقه المشركون حتى اطلق رسول الله (ص) عمرو بن ابى سفيان.

و روى محمد بن اسحاق فى كتاب "المغازى": ان عمرو بن ابى سفيان اسره على (ع) يوم بدر، و كانت امه ابنه عقبه بن ابى معيط، فمكث فى يد رسول الله (ص)، فقيل لابى سفيان: الا تفتدى ابنك عمرا؟ قال: ايجمع على دمى و مالى! قتلوا حنظله و افتدى عمرا! دعوه فى ايديهم فليمسكوه ما بدا لهم.

فبينا هو محبوس بالمدينه، خرج سعد بن النعمان بن اكال اخو بنى عمرو بن عوف معتمرا، و معه امراه له، و كان شيخا كبيرا لايخشى ما صنع به ابوسفيان: و قد عهد قريشا الا يعرض لحاج و لا معتمر، فعدا عليه ابوسفيان، فحبسه بمكه بابنه عمرو بن ابى سفيان، و ارسل الى قوم بالمدينه هذا الشعر: ارهط ابن اكال اجيبوا دعائه تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا فان بنى عمرو لئام اذله لئن لم يفكوا عن اسيرهم الكبل
ا فمشى بنو عمرو بن عوف حين بلغهم الخبر الى رسول الله (ص)، فاخبروه بذلك، و سالوه ان يعطيهم عمرو بن ابى سفيان ليفكوا به صاحبهم، فاعطاهم اياه، فبعثوا به الى ابى سفيان فخلى سبيل سعد.

و قال حسان بن ثابت يجيب اباسفيان: و لو كان سعد يوم مكه مطلقا لاكثر فيكم قبل ان يوسر القتلى بعضب حسام او بصفراء نبعه تحن اذا ما انبضت تحفز التبلا و ابوالعاص بن الربيع، اسره خراش بن الصمه، فقدم فى فدائه عمرو بن ابى الربيع اخوه، و حليف لهم، يقال له ابوريشه افتداه عمرو بن الربيع ايضا.

و عمرو بن الازرق افتكه عمرو بن الربيع ايضا، و كان قد صار فى سهم تميم مولى خراش بن الصمه، و عقبه بن الحارث الحضرمى اسره عماره بن حزم، فصار فى القرعه لابى بن كعب، افتداه عمرو بن ابى سفيان ابن اميه، و ابوالعاص بن نوفل بن عبدشمس، اسره عمار بن ياسر قدم فى فدائه ابن عمه.

فهولاء ثمانيه.

و من بنى نوفل بن عبدمناف عدى بن الخيار، اسره خراش بن الصمه، و عثمان ابن عبدشمس، ابن اخى عتبه بن غزوان حليفهم، اسره حارثه بن النعمان، و ابوثور، اسره ابومرثد الغنوى، فهولاء ثلاثه افتداهم جبير بن مطعم.

و من بنى عبدالدار بن قصى ابوعزيز بن عمير، اسره ابواليسر، ثم صار بالقرعه ل
محرز ابن نضله- قال الواقدى: ابوعزيز هذا هو اخو مصعب بن عمير لابيه و امه، و قال مصعب لمحرز بن نضله: اشدد يديك به، فان له اما بمكه كثيره المال، فقال له ابوعزيز: هذه وصاتك بى يا اخى! فقال مصعب: انه اخى دونك، فبعثت فيه امه اربعه آلاف، و ذلك بعد ان سالت: ما اغلى ما تفادى به قريش؟ فقيل لها: اربعه آلاف- و الاسود بن عامر بن الحارث بن السباق، اسره حمزه بن عبدالمطلب، فهذان اثنان قدم فى فدائهما طلحه بن ابى طلحه.

و من بنى اسد بن عبدالعزى بن قصى، السائب بن ابى حبيش بن المطلب بن اسد ابن عبدالعزى، اسره عبدالرحمن بن عوف.

و عثمان بن الحويرث بن عثمان بن اسد بن عبدالعزى، اسره حاطب بن ابى بلتعه، و سالم بن شماخ اسره سعد بن ابى وقاص، فهولاء ثلاثه قدم فى فدائهم عثمان بن ابى حبيش باربعه آلاف لكل رجل منهم.

و من بنى تميم بن مره، مالك بن عبدالله بن عثمان، اسره قطبه بن عامر بن حديده، فمات فى المدينه اسيرا.

و من بنى مخزوم خالد بن هشام بن المغيره، اسره سواد بن غزيه.

و اميه بن ابى حذيفه ابن المغيره، اسره بلال.

و عثمان بن عبدالله بن المغيره، و كان افلت يوم نخله، اسره واقد بن عبدالله التميمى يوم بدر، فقال له: الحمد لله الذى امكننى منك، فقد ك
نت افلت يوم نخله- و قدم فى فداء هولاء الثلاثه عبدالله بن ابى ربيعه، افتدى كل واحد منهم باربعه آلاف- و الوليد بن الوليد بن المغيره، اسره عبدالله بن جحش، فقدم فى فدائه اخواه خالد بن الوليد، و هشام بن الوليد فتمنع عبدالله بن جحش حتى افتكاه باربعه آلاف، فجعل هشام بن الوليد يريد الا يبلغ ذلك- يريد ثلاثه آلاف فقال خالد لهشام: انه ليس بابن امك، و الله لو ابى فيه الا كذا و كذا لفعلت، فلما افتدياه خرجا به حتى بلغا به ذا الحليفه، فافلت، فاتى النبى (ص) فاسلم، فقيل: الا اسلمت قبل ان تفتدى! قال: كرهت ان اسلم حتى اكون اسوه بقومى.

- قال الواقدى: و يقال ان الذى اسر الوليد بن الوليد سليط بن قيس المازنى- و قيس ابن السائب، اسره عبده بن الحسحاس، فحبسه عنده حينا، و هو يظن ان له مالا، ثم قدم فى فدائه اخوه فروه بن السائب، فاقام ايضا حينا، ثم افتداه باربعه آلاف فيها عروض.

و من بنى ابى رفاعه صيفى بن ابى رفاعه بن عائذ بن عبدالله بن عمير بن مخزوم، و كان لا مال له، اسره رجل من المسلمين، فمكث عندهم، ثم ارسله.

و ابوالمنذر بن ابى رفاعه بن عائذ افتدى بالفين- و لم يذكر الواقدى من اسره- و عبدالله، و هو ابوعطاء ابن السائب بن عائذ بن عبدالله، ا
فتدى بالف درهم، اسره سعد بن ابى وقاص، و المطلب بن حنظله بن الحارث بن عبيد بن عمير بن مخزوم، اسره ابوايوب الانصارى- و لم يكن له مال فارسله بعد حين- و خالد بن الاعلم العقيلى، حليف لبنى مخزوم، و هو الذى يقول: و لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا و لكن على اقدامنا تقطر الدما و قال محمد بن اسحاق: روى انه كان اول المنهزمين، اسره الخباب بن المنذر بن الجموح، و قدم فى فدائه عكرمه بن ابى جهل، فهولاء عشره.

و من بنى جمح عبدالله بن ابى بن خلف، اسره فروه بن ابى عمرو البياضى، قدم فى فدائه ابوه ابى بن خلف فتمنع به فروه حينا.

و ابوغزه عمرو بن عبدالله بن وهب، اطلقه رسول الله (ص) بغير فديه، و كان شاعرا خبيث اللسان، ثم قتله يوم احد، بعد ان اسره- و لم يذكر الواقدى الذى اسره يوم بدر- و وهب بن عمير بن وهب اسره رفاعه بن رافع الزرقى، و قدم ابوه عمير بن وهب فى فدائه، فاسلم فارسل النبى (ص) له ابنه بغير فداء، و ربيعه بن دراج بن العنبس بن وهبان ابن وهب بن حذافه بن جمح، و كان لا مال له، فاخذ منه بشى ء يسير، و ارسل به- و لم يذكر الواقدى من اسره- و الفاكه مولى اميه بن خلف، اسره سعد بن ابى وقاص فهولاء خمسه.

و من بنى سهم بن عمرو ابووداعه بن ضب
يره و كان اول اسير افتدى، قدم فى فدائه ابنه المطلب، فافتداه باربعه آلاف- و لم يذكر الواقدى من اسره- و فروه بن قيس بن عدى بن حذافه بن سعيد بن سهم، اسره ثابت بن اقزم، و قدم فى فدائه عمرو ابن قيس، افتداه باربعه آلاف، و حنظله بن قبيصه بن حذاقه بن سعد، اسره عثمان ابن مظعون.

و الحجاج بن الحارث بن قيس بن سعد بن سهم، اسره عبدالرحمن بن عوف، فافلت فاخذه ابوداود المازنى.

فهولاء اربعه.

و من بنى مالك بن حسل سهيل بن عمرو بن عبدشمس بن عبدود بن نصر بن مالك، اسره مالك بن الدخشم، و قدم فى فدائه مكرز بن حفص بن الاحنف، و انتهى فى فدائه الى ارضائهم باربعه آلاف، فقالوا: هات المال، فقال: نعم، اجعلوا رجلا مكان رجل، و قوم يروونها: (رجلا مكان رجل)، فخلوا سبيل سهيل، و حبسوا مكرز بن حفص عندهم، حتى بعث سهيل بالمال من مكه.

و عبدالله بن زمعه بن قيس بن نصر بن مالك، اسره عمير بن عوف، مولى سهيل بن عمرو.

و عبدالعزى بن مشنوء بن وقدان بن قيس ابن عبدشمس بن عبدود سماه رسول الله (ص) بعد اسلامه عبدالرحمن، اسره النعمان بن مالك.

فهولاء ثلاثه.

و من بنى فهر الطفيل بن ابى قنيع، فهولاء سته و اربعون اسيرا.

و فى كتاب الواقدى انه كان الاسارى الذين احصوا و ع
رفوا تسعه و اربعين، و لم نجد التفصيل يلحق هذه الجمله.

و روى الواقدى عن سعيد بن المسيب، قال: كانت الاسارى سبعين، و ان القتلى كانت زياده على سبعين الا ان المعروفين من الاسرى هم الذين ذكرناهم، و الباقون لم يذكر المورخون اسمائهم.

القول فى المطعمين فى بدر من المشركين قال الواقدى: المتفق عليه و لا خلاف بينهم فيه تسعه، فمن بنى عبد مناف الحارث ابن عامر بن نوفل بن عبدمنات، و عتبه و شيبه ابنا ربيعه بن عبدشمس.

و من بنى اسد بن عبدالعزى، زمعه بن الاسود بن المطلب بن اسد، و نوفل بن خويلد المعروف بابن العدويه.

و من بنى مخزوم، ابوجهل عمرو بن هشام بن المغيره.

و من بنى جمح، اميه بن خلف.

و من بنى سهم نبيه و منبه ابنا الحجاج.

فهولاء تسعه.

قال الواقدى: و كان سعيد بن المسيب يقول: ما اطعم احد ببدر الا قتل.

قال الواقدى: قد ذكروا عده من المطعمين، اختلف فيهم، كسهيل بن عمرو و ابى البخترى و غيرهما.

قال: حدثنى اسماعيل بن ابراهيم، عن موسى بن عتبه، قال: اول من نحر لهم ابوجهل بمر الظهران عشرا، ثم اميه بن خلف بعسفان تسعا، ثم سهيل بن عمرو بقديد عشرا، ثم مالوا الى مياه من نحو البحر ضلوا الطريق، فاقاموا بها يوما، فنحر لهم شيبه بن ربيعه تسعا
، ثم اصبحوا بالابواء فنحر لهم قيس الجمحى تسعا ثم نحر عتبه عشرا، و نحر لهم الحارث بن عمرو تسعا ثم نحر لهم ابوالبخترى على ماء بدر عشرا و نحر لهم مقيس بن ضبابه على ماء بدر تسعا، ثم شغلتهم الحرب.

قال الواقدى: و قد كان ابن ابى الزناد يقول: و الله ما اظن مقيسا كان يقدر على قلوص واحده.

قال الواقدى: و اما انا فلا اعرف قيسا الجمحى.

قال: و قد روت ام بكر، عن المسور بن مخرمه ابنها، قال: كان النفر يشتركون فى الاطعام، فينسب الى الرجل الواحد و يسكت عن سائرهم.

و روى محمد بن اسحاق ان العباس بن عبدالمطلب كان من المطعمين فى بدر، و كذلك طعيمه بن عدى بن نوفل، كان يعتقب هو و حكيم و الحارث بن عامر بن نوفل، و كان ابوالبخترى يعتقب هو و حكيم بن حزام فى الاطعام، و كان النضر بن الحارث بن كلده بن علقمه بن عبدمناف بن عبدالدار من المطعمين.

قال: و كان النبى (ص) يكره قتل الحارث بن عامر، قال يوم بدر: (من ظفر به منكم فليتركه لايتام بنى نوفل) فقتل فى المعركه.

القول فيمن استشهد من المسلمين ببدر قال الواقدى: حدثنى عبدالله بن جعفر، قال: سالت الزهرى: كم استشهد من المسلمين ببدر؟ قال: اربعه عشر، سته من المهاجرين و ثمانيه من الانصار.

قال: فمن بنى
المطلب بن عبدمناف عبيده بن الحارث، قتله شيبه بن ربيعه.

و فى روايه الواقدى قتله عتبه، فدفنه النبى (ص) بالصفراء.

و من بنى زهره عمير بن ابى وقاص، قتله عمرو بن عبدود فارس الاحزاب، و عمير بن عبدود ذو الشمالين، حليف لبنى زهره بن خزاعه، قتله ابواسامه الجشمى.

و من بنى عدى بن كعب عاقل بن ابى البكير، حليف لهم من بنى سعد بن بكر قتله مالك بن زهير الجشمى، و مهجع مولى عمر بن الخطاب، قتله عامر بن الحضرمى.

و يقال: ان مهجعا اول من قتل من المهاجرين.

و من بنى الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء، قتله طعيمه بن عدى.

و هولاء السته من المهاجرين.

و من الانصار، ثم من بنى عمرو بن عوف، مبشر بن عبدالمنذر، قتله ابوثور.

و سعد ابن خيثمه، قتله عمرو بن عبدود- و يقال طعيمه بن عدى- و من بنى عدى بن النجار حارثه بن سراقه رماه حبان بن العرقه بسهم فاصاب حنجرته، فقتله.

و من بنى مالك بن النجار، عوف و معوذ ابنا عفراء، قتلهما ابوجهل.

و من بنى سلمه بن حرام عمير بن الحمام بن الجموح، قتله خالد بن الاعلم العقيلى- و يقال ان عمير بن الحمام اول قتيل قتل من الانصار، و قد روى ان اول قتيل منهم حارث ابن سراقه.

و من بنى زريق، رافع بن المعلى قتله عكرمه بن ابى جهل.

و من
بنى الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث بن قسحم، قتله نوفل بن معاويه الديلى.

فهولاء الثمانيه من الانصار.

قال الواقدى: و قد روى عن عكرمه، عن ابن عباس ان انسه مولى النبى (ص) قتل ببدر.

و روى (ان) معاذ بن ماعص جرح ببدر، فمات من جراحته بالمدينه، و ان عبيد بن السكن جرح فاشتكى جرحه، فمات منه حين قدم.

القول فيمن قتل ببدر من المشركين و اسماء قاتليهم قال الواقدى: فمن بنى عبدشمس بن عبدمناف حنظله بن ابى سفيان بن حرب، قتله على بن ابى طالب (ع)، و الحارث بن الحضرمى قتله عمار بن ياسر، و عامر بن الحضرمى قتله عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح، و عمير بن ابى عمير و ابنه، موليان لهم، قتل سالم مولى ابى حذيفه منهم عمير بن ابى عمير- و لم يذكر الواقدى من قتل ابنه- و عبيده بن سعيد بن العاص، قتله الزبير بن العوام، و العاص بن سعيد بن العاص، قتله على بن ابى طالب (ع)، و عقبه بن ابى معيط، قتله عاصم بن ثابت صبرا بالسيف بامر رسول الله (ص).

و روى البلاذرى ان رسول الله (ص) صلبه بعد قتله، فكان اول مصلوب فى الاسلام.

قال: و فيه يقول ضرار بن الخطاب: عين بكى لعقبه بن ابان فرع فهر و فارس الفرسان و عتبه بن ربيعه، قتله حمزه بن عبدالمطلب.

و شيبه بن ربيع
ه، قتله عبيده بن الحارث و حمزه و على الثلاثه اشتركوا فى قتله.

و الوليد بن عتبه بن ربيعه، قتله على بن ابى طالب (ع).

و عامر بن عبدالله حليف لهم من انمار، قتله على بن ابى طالب (ع)، و قيل: قتله سعد بن معاذ، فهولاء اثنا عشر.

و من بنى نوفل بن عبدمناف الحارث بن نوفل، قتله خبيب بن يساف، و طعيمه ابن عدى، و يكنى اباالريان، قتله حمزه بن عبدالمطلب فى روايه الواقدى، و قتله على بن ابى طالب (ع) فى روايه محمد بن اسحاق.

و روى البلاذرى روايه غريبه، ان طعيمه بن عدى اسر يوم بدر، فقتله النبى (ص) صبرا على يد حمزه، فهولاء اثنان.

و من بنى اسد بن عبدالعزى زمعه بن الاسود، قتله ابودجانه، و قيل: قتله ثابت بن الجذع، و الحارث بن زمعه بن الاسود، قتله على بن ابى طالب (ع).

و عقيل بن الاسود بن المطلب، قتله على و حمزه، شركا فى قتله.

قال الواقدى: و حدثنى ابومعشر، قال: قتله على بن ابى طالب (ع) وحده، و قيل: قتله ابوداود المازنى وحده.

و ابوالبخترى، و هو العاص بن هشام، قتله المجذر بن زياد، و قيل: قتله ابواليسر.

و نوفل بن خويلد بن اسد بن عبدالعزى، و هو ابن العدويه، قتله على (ع)، فهولاء خمسه.

و من بنى عبدالدار بن قصى، النضر بن الحارث بن كلده، قتله ع
لى بن ابى طالب (ع) صبرا بالسيف بامر رسول الله (ص)، و كان الذى اسره المقداد بن عمرو، فوعد المقداد- ان استنقذه- بفداء جليل، فلما قدم ليقتل، قال المقداد: يا رسول الله، انى ذو عيال، و احب الدين، فقال: اللهم اغن المقداد من فضلك! يا على، قم فاضرب عنقه.

و زيد بن مليص مولى عمرو بن هاشم بن عبدمناف، من عبدالدار، قتله على بن ابى طالب (ع)، و قيل: قتله بلال.

فهولاء اثنان.

و من بنى تيم بن مره عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مره، قتله على بن ابى طالب (ع).

و عثمان بن مالك بن عبيد الله بن عثمان، قتله صهيب، فهولاء اثنان- و لم يذكر البلاذرى عثمان بن مالك.

و من بنى مخزوم بن يقظه ثم من بنى المغيره بن عبدالله بن عمير بن مخزوم، ابوجهل عمرو بن هشام بن المغيره، ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح، و معوذ و عوف ابنا عفراء، و ذفف عليه عبدالله بن مسعود.

و العاص بن هاشم بن المغيره، خال عمر بن الخطاب، قتله عمرو بن يزيد بن تميم التميمى، حليف لهم، قتله عمار بن ياسر، و قيل: قتله على (ع).

و من بنى الوليد بن المغيره، ابوقيس بن الوليد بن الوليد، اخو خالد بن الوليد، قتله على بن ابى طالب (ع).

و من بنى الفا كه بن المغيره ابوقيس بن الفاكه بن
المغيره، قتله حمزه بن عبدالمطلب، و قيل: قتله الحباب بن المنذر.

و من بنى اميه بن المغيره مسعود بن ابى اميه، قتله على بن ابى طالب (ع).

و من بنى عائذ بن عبدالله بن عمير بن مخزوم ثم من بنى رفاعه، اميه بن عائذ بن رفاعه بن ابى رفاعه، قتله سعد بن الربيع.

و ابوالمنذر بن ابى رفاعه، قتله معن بن عدى العجلانى.

و عبدالله بن ابى رفاعه، قتله على بن ابى طالب (ع).

و زهير ابن ابى رفاعه، قتله ابواسيد الساعدى.

و السائب بن ابى رفاعه، قتله عبدالرحمن ابن عوف.

و من بنى ابى السائب المخزومى- و هو صيفى بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم- السائب بن السائب، قتله الزبير بن العوام.

و الاسود بن عبدالاسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، قتله حمزه بن عبدالمطلب.

و حليف لهم من طيى ء، و هو عمرو بن شيبان، قتله يزيد بن قيس.

و حليف آخر، و هو جبار بن سفيان، اخو عمرو بن سفيان المقدم ذكره، قتله ابوبرده بن نيار.

و من بنى عمران بن مخزوم حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ، قتله على (ع).

و روى البلاذرى ان حاجزا هذا و اخاه عويمر، بن السائب بن عويمر قتلهما على ابن ابى طالب (ع)- و عويمر بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، قتله النعمان بن ابى مالك، فهولاء تسع
ه عشر.

و من بنى جمح بن عمرو بن هصيص، اميه بن خلف قتله خبيب بن يساف و بلال، شركا فيه.

قال الواقدى: و كان معاذ بن رفاعه بن رافع يقول: بل قتله ابورفاعه بن رافع.

و على بن اميه بن خلف، قتله عمار بن ياسر.

و اوس بن المغيره بن لوذان، قتله على (ع)، و عثمان بن مظعون، شركا فيه، فهولاء ثلاثه.

و من بنى سهم، منبه بن الحجاج، قتله على بن ابى طالب (ع)، و قيل: قتله ابواسيد الساعدى.

و نبيه بن الحجاج قتله على بن ابى طالب (ع).

و العاص ابن منبه بن الحجاج، قتله على (ع).

و ابوالعاص بن قيس بن عدى بن سعد ابن سهم، قتله ابودجانه- قال الواقدى: و حدثنى ابومعشر عن اصحابه، قالوا: قتله على (ع)- و عاص بن ابى عوف بن صبيره بن سعيد بن سعد، قتله ابودجانه، فهولاء خمسه.

و من بنى عامر بن لوى، ثم من بنى مالك بن حسل، معاويه بن عبدقيس حليف لهم، قتله عكاشه بن محصن.

و معبد بن وهب، حليف لهم من كلب، قتله ابودجانه فهولاء اثنان.

فجميع من قتل ببدر فى روايه الواقدى من المشركين فى الحرب صبرا، اثنان و خمسون رجلا، قتل على (ع) منهم مع الذين شرك فى قتلهم اربعه و عشرين رجلا.

و قد كثرت الروايه ان المقتولين ببدر كانوا سبعين، و لكن الذين عرفوا و حفظت اسماوهم من ذكرناه
، و فى روايه الشيعه ان زمعه بن الاسود بن المطلب قتله على و الاشهر فى الروايه انه قتله الحارث بن زمعه، و ان زمعه قتله ابودجانه.

القول فيمن شهد بدرا من المسلمين قال الواقدى: كانوا ثلثمائه و ثلاثه عشر رجلا مع القوم الذين ضرب لهم رسول الله (ص) بسهامهم و هم غائبون و عدتهم ثمانيه.

قال: و هذا هو الاغلب فى الروايه، قال: و لم يشهد بدرا من المسلمين الا قرشى او حليف لقرشى او نصارى او حليف لانصارى او مولى واحد منهما، و هكذا من جانب المشركين، فانه لم يشهدها الا قرشى او حليف لقرشى او مولى لهم.

قال: فكانت قريش و مواليها و حلفاوها سته و ثمانين رجلا، و كانت الانصار و مواليها و حلفاوها مائتين و سبعه و عشرين رجلا.

فاما تفصيل اسماء من شهدها من المسلمين فله موضع فى كتب المحدثين املك به من هذا الموضع.

(قصه غزوه احد) الفصل الرابع: فى شرح قصه غزاه احد.

و نحن نذكر ذلك من كتاب الواقدى رحمه الله على عاداتنا فى ذكر غزاه بدر، و نضيف اليه من الزيادات التى ذكرها ابن اسحاق و البلاذرى ما يقتضى الحال ذكره.

قال الواقدى: لما رجع من حضر بدرا من المشركين الى مكه وجدوا العير التى قدم بها ابوسفيان بن حرب من الشام موقوفه فى دارالندوه، و كذل
ك كانوا يصنعون، فلم يحر كها ابوسفيان و لم يفرقها لغيبه اهل العير، و مشت اشراف قريش الى ابى سفيان: الاسود بن عبدالمطلب بن اسد، و جبير بن مطعم، و صفوان بن اميه، و عكرمه بن ابى جهل، و الحارث بن هشام، و عبدالله بن ابى ربيعه، و حويطب بن عبدالعزى، فقالوا: يا اباسفيان، انظر هذه العير التى قدمت بها فاحتبستها، فقد عرفت انها اموال اهل مكه و لطيمه قريش، و هم طيبوا الانفس، يجهزون بهذه العير جيشا كثيفا الى محمد، فقد ترى من قتل من آبائنا و ابنائنا و عشائرنا.

فقال ابوسفيان: و قد طابت انفس قريش بذلك؟ قالوا: نعم، قال: فانا اول من اجاب الى ذلك و بنو عبدمناف معى، فانا و الله الموتور و الثائر، و قد قتل ابنى حنظله ببدر و اشراف قومى.

فلم تزل العير موقوفه حتى تجهزوا للخروج، فباعوها فصارت ذهبا عينا، و يقال: انما قالوا: يا اباسفيان، بع العير ثم اعزل ارباحها، فكانت العير الف بعير، و كان المال خمسين الف دينار، و كانوا يربحون فى تجاراتهم للدينار دينارا، و كان متجرهم من الشام غزه، لا يعدونها الى غيرها، و كان ابوسفيان، قد حبس عير بنى زهره، لانهم رجعوا من طريق بدر، و سلم ما كان لمخرمه بن نوفل و لبنى ابيه و بنى عبدمناف بن زهره، فابى مخرمه
ان يقبل عيره حتى يسلم الى بنى زهره جميعا، و تكلم الاخنس، فقال: و ما لعير بنى زهره من بين عيرات قريش! قال ابوسفيان: لانهم رجعوا عن قريش، قال الاخنس: انت ارسلت الى قريش ان ارجعوا فقد احرزنا العير، لاتخرجوا فى غير شى ء، فرجعنا فاخذت بنو زهره عيرها و اخذ اقوام من اهل مكه اهل ضعف لا عشائر لهم و لا منعه، كل ما كان لهم فى العير.

قال الواقدى: و هذا يبين انه انما اخرج القوم ارباح العير.

قال: و فيهم انزل: (ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله...) الايه.

قال: فلما اجمعوا على المسير، قالوا: نسير فى العرب فنستنصرهم، فان عبدمناه غير متخلفين عنا، هم اوصل العرب لارحامنا و من اتبعنا من الاحابيش فاجمعوا على ان يبعثوا اربعه من قريش يسيرون فى العرب، يدعونهم الى نصرهم، فبعثوا عمرو بن العاص و هبيره بن وهب و ابن الزبعرى و اباعزه الجمحى، فابى ابوعزه ان يسير و قال: من على محمد يوم بدر، و حلفت الا اظاهر عليه عدوا ابدا.

فمشى اليه صفوان بن اميه فقال: اخرج فابى، و قال: عاهدت محمدا يوم بدر الا اظاهر عليه عدوا ابدا، و انا افى له بما عاهدته عليه، من على و لم يمن على غيرى حتى قتله او اخذ منه الفداء.

فقال صفوان: اخرج معنا، فان ت
سلم اعطك من المال ما شئت، و ان تقتل تكن عيالك مع عيالى.

فابى ابوعزه، حتى كان الغد، و انصرف عنه صفوان بن اميه آيسا منه، فلما كان الغد جائه صفوان و جبير بن مطعم، فقال له صفوان الكلام الاول فابى، فقال جبير: ما كنت اظن انى اعيش حتى يمشى اليك ابووهب فى امر تابى عليه! فاحفظه، فقال: انا اخرج، قال: فخرج الى العرب يجمعها، و يقول: ايه بنى عبد مناه الرزام انتم حماه و ابوكم حام لا تسلمونى لا يحل اسلام لا يعدونى نصركم بعد العام و خرج النفر مع ابى عزه فالبوا العرب و جمعوا، و بلغوا ثقيفا فاوعبوا.

فلما اجمعوا المسير و تالب من كان معهم من العرب و حضروا، و اختلفت قريش فى اخراج الظعن معهم، قال صفوان بن اميه: اخرجوا بالظعن فانا اول من فعل، فانه اقمن ان يحفظنكم و يذكرنكم قتلى بدر، فان العهد حديث، و نحن قوم موتورون مستميتون، لانريد ان نرجع الى ديارنا حتى ندرك ثارنا او نموت دونه.

فقال عكرمه بن ابى جهل: انا اول من اجاب الى ما دعوت اليه، و قال عمرو بن العاص مثل ذلك، فمشى فى ذلك نوفل بن معاويه الديلى، فقال: يا معشر قريش، هذا ليس براى، ان تعرضوا حرمكم لعدوكم، و لا آمن ان تكون الدبره لهم فتفتضحوا فى نسائكم.

فقال صفوان: لا كان غ
ير هذا ابدا! فجاء نوفل الى ابى سفيان بن حرب، فقال له تلك المقاله، فصاحت هند بنت عتبه: انك و الله سلمت يوم بدر، فرجعت الى نسائك، نعم نخرج فنشهد القتال، فقد ردت القيان من الجحفه فى سفرهم الى بدر، فقتلت الاحبه يومئذ.

فقال ابوسفيان: لست اخالف قريشا، انا رجل منها، ما فعلت فعلت.

فخرجوا بالظعن، فخرج ابوسفيان ابن حرب بامراتين: هند بنت عتبه بن ربيعه و اميمه بنت سعد بن وهب بن اشيم بن كنانه، و خرج صفوان بن اميه بامراتين: برزه بنت مسعود الثقفى و هى ام عبدالله الاكبر و البغوم بنت المعذل من كنانه، و هى ام عبدالله الاصغر، و خرج طلحه بن ابى طلحه بامراته سلافه بنت سعد بن شهيد، و هى من الاوس، و هى ام بنيه: مسافع، و الحارث، و كلاب و الجلاس بنى طلحه بن ابى طلحه، و خرج عكرمه بن ابى جهل بامراته ام حكيم بنت الحارث بن هشام، و خرج الحارث بن هشام بامراته فاطمه بنت الوليد بن المغيره، و خرو عمرو بن العاص بامراته هند بنت منبه بن الحجاج، و هى ام عبدالله بن عمرو بن العاص- و قال محمد بن اسحاق: اسمها ريطه- و خرجت خناس بنت مالك بن المضرب احدى نساء بنى مالك بن حسل مع ابنها ابى عزيز بن عمير، اخى مصعب بن عمير من بنى عبدالدار، و خرج الحارث بن سفي
ان بن عبدالاسد بامراته رمله بنت طارق بن علقمه الكنانيه، و خرج كنانه بن على بن ربيعه بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف بامراته ام حكيم بنت طارق، و خرج سفيان بن عويف بامراته قتيله بنت عمرو بن هلال، و خرج النعمان بن عمرو و جابر مسك الذئب اخوه، بامهما الدغينه، و خرج غراب بن سفيان بن عويف بامراته عمره بنت الحارث بن علقمه الكنانيه، و هى التى رفعت لواء قريش حين سقطت حتى تراجعت قريش الى لوائها، و فيها يقول حسان: و لو لا لواء الحارثيه اصبحوا يباعون فى الاسواق بالثمن البخس قالوا: و خرج سفيان بن عويف بعشره من ولده، و حشدت بنوكنانه.

و كانت الالويه يوم خرجوا من مكه ثلاثه عقدوها فى دارالندوه، لواء يحمله سفيان بن عويف لبنى كنانه، و لواء الاحابيش يحمله رجل منهم، و لواء لقريش يحمله طلحه بن ابى طلحه.

قال الواقدى: و يقال خرجت قريش و لفها كلهم، من كنانه و الاحابيش و غيرهم على لواء واحد، يحمله طلحه بن ابى طلحه.

و هو الاثبت عندنا.

قال: و خرجت قريش و هم ثلاثه آلاف بمن ضوى اليها، و كان فيهم من ثقيف مائه رجل، و خرجوا بعده و سلاح كثير، و قادوا مائتى فرس، و كان فيهم سبعمائه دراع و ثلاثه آلاف بعير.

فلما اجمعوا على المسير كتب العباس
بن عبدالمطلب كتابا و ختمه، و استاجر رجلا من بنى غفار، و شرط عليه ان يسير ثلاثا الى رسول الله (ص) يخبره ان قريشا قد اجتمعت للمسير اليك، فما كنت صانعا اذا حلوا بك فاصنعه.

و قد وجهوا و هم ثلاثه آلاف، و قادوا مائتى فرس، و فيهم سبعمائه دراع، و ثلاثه آلاف بعير، و قد اوعبوا من السلاح.

فقدم الغفارى فلم يجد رسول الله (ص) بالمدينه، وجده بقباء، فخرج حتى وجد رسول الله (ص) على باب مسجد قباء يركب حماره، فدفع اليه الكتاب، فقراه عليه ابى بن كعب و استكتم ابيا ما فيه، و دخل منزل سعد بن الربيع، فقال: افى البيت احد؟ فقال سعد: لا، فتكلم بحاجتك فاخبره بكتاب العباس بن عبدالمطلب، فجعل سعد يقول: يا رسول الله، و الله انى لارجوا ان يكون فى ذلك خير، و ارجعت يهود المدينه و المنافقون و قالوا: ما جاء محمدا شى ء يحبه، و انصرف رسول الله (ص) الى المدينه، و قد استكتم سعد بن الربيع الخبر.

فلما خرج رسول الله (ص) من منزله، خرجت امراه سعد بن الربيع اليه، فقالت: ما قال لك رسول الله (ص)؟ قال: ما لك و لذاك، لا ام لك! قالت: كنت استمع عليكم و اخبرت سعدا الخبر، فاسترجع سعد، و قال لا اراك تستمعين علينا و انا اقول لرسول الله (ص): تكلم بحاجتك! ثم اخذ بجمع
لمتها، ثم خرج يعدو بها حتى ادرك رسول الله (ص) بالجسر، و قد بلحت، فقال: يا رسول الله، ان امراتى سالتنى عما قلت فكتمتها، فقالت: قد سمعت قول رسول الله (ص)، ثم جائت بالحديث كله- فخشيت يا رسول الله ان يظهر من ذلك شى ء فتظن انى افشيت سرك، فقال (ص): خل سبيلها.

و شاع الخبر بين الناس بمسير قريش.

و قدم عمرو بن سالم الخزاعى فى نفر من خزاعه، ساروا من مكه اربعا، فوافوا قريشا و قد عسكروا بذى طوى، فاخبروا رسول الله (ص) الخبر، ثم انصرفوا و لقوا قريشا ببطن رابغ، و هو اربع ليال من المدينه، فنكبوا عن قريش.

قال الواقدى: فلما اصبح ابوسفيان بالابواء اخبر ان عمرو بن سالم و اصحابه راحوا امس ممسين الى مكه، فقال ابوسفيان: احلف بالله انهم جاووا محمدا فخبروه بمسيرنا و عددنا، و حذروه منا، فهم الان يلزمون صياصيهم، فما ارانا نصيب منهم شيئا فى وجهنا.

فقال صفوان بن اميه: ان لم يصحروا لنا عمدنا الى نخل الاوس و الخزرج فقطعناه، فتركناهم و لا اموال لهم، فلا يختارونها ابدا، و ان اصحروا لنا فعددنا اكثر من عددهم و سلاحنا اكثر من سلاحهم، و لنا خيل و لا خيل معهم، و نحن نقاتل على وتر عندهم و لا وتر لهم عندنا.

قال الواقدى: و كان ابوعامر الفاسق قد خرج
فى خمسين رجلا من الاوس، حتى قدم بهم مكه حين قدم النبى (ص) يحرضها و يعلمها انها على الحق.

و ما جاء به محمد باطل فسارت قريش الى بدر، و لم يسر معها، فلما خرجت قريش الى احد سار معها و كان يقول لقريش: انى لو قدمت على قومى لم يختلف عليكم منهم اثنان، و هولاء مغى نفر منهم خمسون رجلا.

فصد قوه بما قال، و طمعوا فى نصره.

قال الواقدى: و خرج النساء معهن الدفوف يحرضن الرجال و يذكرنهم قتلى بدر فى كل منزل، و جعلت قريش تنزل كل منهل، ينحرون ما نحروا من الجزر مما كانوا جمعوا من العين، و يتقوون به فى مسيرهم، و ياكلون من ازوادهم مما جمعوا من الاموال.

قال الواقدى: و كانت قريش لما مرت بالابواء، قالت: انكم قد خرجتم بالظعن معكم و نحن نخاف على نسائنا، فتعالوا ننبش قبر ام محمد، فان النساء عوره، فان يصب من نسائكم احدا قلتم هذه رمه امك، فان كان برا بامه- كما يزعم- فلعمرى لنفادينكم برمه امه، و ان لم يظفر باحد من نسائكم فلعمرى ليفدين رمه امه بمال كثير ان كان بها برا.

فاستشار ابوسفيان بن حرب اهل الراى من قريش فى ذلك، فقالوا: لا تذكر من هذا شيئا، فلو فعلنا نبشت بنوبكر و خزاعه موتانا.

قال الواقدى: و كانت قريش بذى الحليفه يوم الخميس صبيحه عشر م
ن مخرجهم من مكه، و ذلك لخمس ليال مضين من شوال على راس اثنين و ثلاثين شهرا من الهجره، فلما اصبحوا بذى الحليفه خرج فرسان منهم فانزلوهم الوطاء، و بعث النبى (ص) عينين له آنسا و مونسا ابنى فضاله ليله الخميس، فاعترضا لقريش بالعقيق، فسارا معهم حتى نزلوا الوطاء، و اتيا رسول الله (ص) فاخبراه، و كان المسلمون قد ازدرعوا العرض- و العرض ما بين الوطاء باحد الى الجرف الى العرصه، عرصه البقل اليوم، و كان اهله بنو سلمه و حارثه و ظفر و عبدالاشهل، و كان الماء يومئذ بالجرف نشطه لا يرمم سابق الناضح مجلسا واحدا ينفتل الجمل فى ساعته، حتى ذهبت بمياهه عيون الغابه التى حفرها معاويه بن ابى سفيان، و كان المسلمون قد ادخلوا آله زرعهم ليله الخميس المدينه، فقدم المشركون على زرعهم فخلوا فيه ابلهم و خيولهم، و كان لاسيد بن حضير فى العرض عشرون ناضحا تسقى شعيرا، و كان المسلمون قد حذروا على جمالهم و عمالهم و آله حرثهم و كان المشركون يرعون يوم الخميس، فلما امسوا جمعوا الابل و قصلوا عليها القصيل، و قصلوا على خيولهم ليله الجمعه، فلما اصبحوا يوم الجمعه خلوا ظهرهم فى الزرع و خيلهم، حتى تركوا العرض ليس به خضراء.

قال الواقدى: فلما نزلوا و حلوا العقد، و
اطانوا بعث رسول الله (ص) الحباب بن المنذر بن الجموح الى القوم، فدخل فيهم و حزر و نظر الى جميع ما يريد، و كان قد بعثه سرا، و قال له: اذا رجعت فلا تخبرنى بين احد من المسلمين الا ان ترى فى القوم قله فرجع اليه فاخبره خاليا، و قال له: رايت عددا حزرتهم ثلاث آلاف يزيدون قليلا، او ينقصون قليلا و الخيل مائتا فرس، و رايت دروعا ظاهره حزرتها سبعمائه درع.

قال: هل رايت ظعنا؟ قال: نعم رايت النساء معهن الدفاف و الاكبار- و هى الطبول- فقال رسول الله (ص): اردن ان يحرضن القوم و يذكرنهم قتلى بدر، هكذا جائنى خبرهم، لا تذكر من شانهم حرفا، حسبنا الله و نعم الوكيل! اللهم بك احول، و بك اصول! قال الواقدى: و خرج سلمه بن سلامه بن وقش يوم الجمعه، حتى اذا كان بادنى العرض اذا طليعه خيل المشركين عشره افراس ركضوا فى اثره، فوقف لهم على نشز من الحره، فرشقهم بالنبل مره، و بالحجاره اخرى حتى انكشفوا عنه، فلما ولوا جاء الى مزرعته بادنى العرض، فاستخرج سيفا كان له، و درع حديد كان له دفنا فى ناحيه المزرعه، و خرج بهما يعدو، حتى اتى بنى عبد الاشهل فخبر قومه بما لقى.

قال الواقدى: و كان مقدم قريش يوم الخميس لخمس خلون من شوال، و كانت الوقعه يوم السبت لسبع
خلون من شوال، و باتت وجوه الاوس و الخزرج: سعد بن معاذ و اسيد ابن حضير، و سعد بن عباده، فى عده منهم ليله الجمعه، عليهم السلاح فى المسجد بباب النبى (ص) خوفا من تبييت المشركين، و حرست المدينه تلك الليله، حتى اصبحوا، و راى رسول الله (ص) رويا ليله الجمعه، فلما اصبح و اجتمع المسلمون خطبهم.

قال الواقدى: فحدثنى محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتاده، عن محمود بن لبيد قال: ظهر النبى (ص) المنبر، فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: ايها الناس انى رايت فى منامى رويا، رايت كانى فى درع حصينه، و رايت كان سيفى ذاالفقار انفصم من عند ظبته، و رايت بقرا تذبح، و رايت كانى مردف كبشا، فقال الناس: يا رسول الله، فما اولتها؟ قال: اما الدرع الحصينه فالمدينه، فامكثوا فيها، و اما انفصام سيفى عند ظبته فمصيبه فى نفسى، و اما البقر المذبح فقتلى فى اصحابى، و اما انى مردف كبشا فكبش الكتيبه نقتله ان شاءالله.

قال الواقدى: و روى عن ابن عباس، ان رسول الله (ص) قال: (اما انفصام سيفى فقتل رجل من اهل بيتى).

قال الواقدى: و روى المسور بن مخرمه، قال: قال النبى (ص): و رايت فى سيفى فلا فكرهته، هو الذى اصاب وجهه (ع).

قال الواقدى: و قال النبى (ص): اشيروا على، و ر
اى (ص) الا يخرج من المدينه لهذه الرويا، و رسول الله (ص) يحب ان يوافق على مثل ما راى، و على ما عبر عليه الرويا، فقام عبدالله بن ابى، فقال: يا رسول الله، كنا نقاتل فى الجاهليه فى هذه المدينه، و نجعل النساء و الذرارى فى هذه الصياصى، و نجعل معهم الحجاره، و الله لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجاره، اعدادا لعدونا، و نشبك المدينه بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحيه، و ترمى المراه و الصبى من فوق الصياصى و الاطام، و نقاتل باسيافنا فى السكك.

يا رسول الله ان مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، و ما خرجنا الى عدو قط منها الا اصاب منا، و ما دخل علينا قط الا اصبناه فدعهم يا رسول الله، فانهم ان اقاموا اقاموا بشر محبس، و ان رجعوا رجعوا خاسرين مغلوبين، لم ينالوا خيرا.

يا رسول الله، اطعنى فى هذا الامر، و اعلم انى ورثت هذا الراى من اكابر قومى و اهل الراى منهم، فهم كانوا اهل الحرب و التجربه.

قال الواقدى: فكان راى رسول الله (ص) مع راى ابن ابى، و كان ذلك راى الاكابر من اصحاب رسول الله (ص) من المهاجرين و الانصار فقال رسول الله (ص): امكثوا فى المدينه، و اجعلوا النساء و الذرارى فى الاطام، فان دخل علينا قاتلناهم فى الازقه، فنحن اعلم بها م
نهم، و رموا من فوق الصياصى و الاطام- و كانوا قد شبكوا المدينه بالبنيان من كل ناحيه، فهى كالحصن- فقال فتيان احداث لم يشهدوا بدرا، و طلبوا من رسول الله الخروج الى عدوهم، و رغبوا فى الشهاده، و احبوا لقاء العدو و قالوا: اخرج بنا الى عدونا، و قال رجل من اهل النبه و اهل السن، منهم حمزه بن عبدالمطلب، و سعد بن عباده، و النعمان بن مالك بن ثعلبه و غيرهم من الاوس و الخزرج: انا نخشى يا رسول الله، ان يظن عدونا انا كرهنا الخروج اليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جراه منهم علينا، و قد كنت يوم بدر فى ثلثمائه رجل، فظفرك الله بهم و نحن اليوم بشر كثير، و كنا نتمنى هذا اليوم، و ندعو الله، به فقد ساقه الله الينا فى ساحتنا هذه- و رسول الله (ص) لما راى من الحاحهم كاره، و قد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتساومون كانهم الفحول.

و قال مالك بن سنان ابو ابى سعيد الخدرى: يا رسول الله، نحن و الله بين احدى الحسنيين، اما يظفرنا الله بهم، فهذا الذى نريد، فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعه مع وقعه بدر، فلا يبقى منهم الا الشريد، و الاخرى يا رسول الله يرزقنا الله الشهاده، و الله يا رسول الله، ما نبالى ايهما كان، ان كلا لفيه الخير.

فلم يبلغنا ان النبى (
ص) رجع اليه قولا، و سكت.

و قال حمزه بن عبدالمطلب: و الذى انزل عليه الكتاب، لااطعم اليوم طعاما حتى اجالدهم بسيفى خارجا من المدينه، و كان يقال: كان حمزه يوم الجمعه صائما، و يوم السبت، فلاقاهم و هو صائم.

و قال النعمان بن مالك بن ثعلبه اخو بنى سالم: يا رسول الله، انا اشهد ان البقر المذبح قتلى من اصحابك، و انى منهم، فلم تحرمنا الجنه! فو الله الذى لا اله الا هو لادخلنها.

قال رسول الله: بم؟ قال: انى احب الله و رسوله، و لا افر يوم الزحف.

فقال: صدقت، فاستشهد يومئذ.

و قال اياس بن اوس بن عتيك: يا رسول الله، نحن بنو عبدالاشهل من البقر المذبح، نرجو يا رسول الله ان نذبح فى القوم، و يذبح فينا، فنصير الى الجنه، و يصيرون الى النار، مع انى يا رسول الله لااحب ان ترجع قريش الى قومها، فتقول: حصرنا محمد فى صياصى يثرب و آطامها، فتكون هذه جراه لقريش، و قد وطئوا سعفنا، فاذا لم نذب عن عرضنا، فلم ندرع؟ و قد كنا يا رسول فى جاهليتنا، و العرب ياتوننا، فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج اليهم باسيافنا فنذبهم عنا، فنحن اليوم احق اذ امدنا الله بك، و عرفنا مصيرنا، لا نحصر انفسنا فى بيوتنا.

و قام خيثمه، ابوسعد بن خيثمه فقال: يا رسول الله، ان قريشا
مكثت حولا تجمع الجموع و تستجلب العرب فى بواديها و من اتبعها من احابيشها ثم جاوونا قد قادوا الخيل، و اعتلوا الابل حتى نزلوا بساحتنا، فيحصروننا فى بيوتنا و صياصينا، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا، فيجرئهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا، و يصيبوا اطلالنا و يضعوا العيون و الارصاد علينا، مع ما قد صنعوا بحروثنا، و يجترى ء علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا اذا راونا لم نخرج اليهم، فنذبهم عن حريمنا، و عسى الله ان يظفرنا بهم، فتلك عاده الله عندنا، او تكون الاخرى، فهى الشهاده.

لقد اخطاتنى وقعه بدر، و قد كنت عليها حريصا، لقد بلغ من حرصى ان ساهمت ابنى فى الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهاده و قد كنت حريصا على الشهاده، و قد رايت ابنى البارحه فى النوم فى احسن صوره يسرح فى ثمار الجنه و انهارها، و هو يقول الحق بنا ترافقنا فى الجنه، فقد وجدت ما وعدنى ربى حقا، و قد و الله يا رسول الله اصبحت مشتاقا الى مرافقته فى الجنه، و قد كبرت سنى، و دق عظمى، و احببت لقاء ربى، فادع الله يا رسول الله ان يرزقنى الشهاده، و مرافقه سعد فى الجنه، فدعا له رسول الله بذلك، فقتل باحد شهيدا.

قال انس بن قتاده: يا رسول الله، هى احدى الحسنيين، اما الشهاده و ام
ا الغنيمه و الظفر بقتلهم.

فقال رسول الله (ص): انى اخاف عليكم الهزيمه.

فلما ابوا الا الخروج و الجهاد، صلى رسول الله يوم الجمعه بالناس، ثم وعظهم، و امرهم بالجد و الاجتهاد، و اخبرهم ان لهم الصبر ما صبروا، ففرح الناس حيث اعلمهم رسول الله (ص) بالشخوص الى عدوهم، و كره ذلك المخرج بشر كثير من اصحاب رسول الله، و امرهم بالتهيو لعدوهم، ثم صلى العصر بالناس، و قد حشد الناس، و حضر اهل العوالى، و رفعوا النساء الى الاطام، فحضرت بنو عمرو بن عوف بلفها و النبيت و لفها، و تلبسوا السلاح، فدخل رسول الله (ص) بيته، و دخل معه ابوبكر و عمر فعمماه و لبساه و صف (الناس) له ما بين حجرته الى منبره، ينتظرون خروجه، فجائهم سعد بن معاذ، و اسيد بن حضير، فقالا لهم: قلتم لرسول الله ما قلتم، و استكرهتموه على الخروج، و الامر ينزل عليه من السماء، فردوا الامر اليه، فما امركم فافعلوه، و ما رايتم فيه له هوى او ادبا فاطيعوه.

فبينا القوم على ذلك من الامر، و بعض القوم يقول: القول ما قال سعد، و بعضهم على البصيره على الشخوص، و بعضهم للخروج كاره، اذ خرج رسول الله (ص) قد لبس لامته، و قد لبس الدرع فاظهرها، و حزم وسطها بمنطقه من حمائل سيف من ادم كانت بعد عند آل
ابى رافع مولى رسول الله (ص)، و اعتم، و تقلد السيف.

فلما خرج رسول الله (ص) ندموا جميعا على ما صنعوا، و قال الذين يلحون على رسول الله (ص): ما كان لنا ان نخالفك، فاصنع ما بدا لك، و ما كان لنا ان نستكرهك و الامر الى الله ثم اليك، فقال: قد دعوتكم الى هذا الحديث فابيتم، و لاينبغى لنبى اذا لبس لامته ان يضعها حتى يحكم الله بينه و بين اعدائه- قال: و كانت الانبياء قبله اذا لبس النبى لامته لم يضعها حتى يحكم الله بينه و بين اعدائه- ثم قال لهم: انظروا ما امرتكم به فاتبعوه امضوا على اسم الله فلكم النصر ما صبرتم.

قلت: فمن تامل احوال المسلمين فى هذه الغزاه، من فشلهم و خورهم و اختلافهم فى الخروج من المدينه و المقام بها، و كراهه النبى (ص) للخروج، ثم خروجه على مضض، ثم ندم القوم الذين اشاروا بالخروج، ثم انخزال طائفه كثيره من الجيش عن الحرب و رجوعهم الى المدينه علم انه لا انتصار لهم على العدو اصلا، فان النصر معروف بالعزم و الجد و البصيره فى الحرب، و اتفاق الكلمه.

و من تامل ايضا هذه الاحوال، علم انها ضد الاحوال، التى كانت فى غزاه بدر، و ان احوال قريش لما خرجت الى بدر كانت مماثله لاحوال المسلمين لما خرجوا الى احد، و لذلك كانت الدب
ره فى بدر على قريش.

قال الواقدى: و كان مالك بن عمرو النجارى مات يوم الجمعه، فلما دخل رسول الله (ص) فلبس لامته و خرج و هو موضوع عند موضع الجنائز، صلى عليه، ثم دعا بدابته، فركب الى احد.

قال الواقدى: و جاء جعيل بن سراقه الى النبى (ص) و هو متوجه الى احد فقال: يا رسول الله، قيل لى: انك تقتل غدا- و هو يتنفس مكروبا- فضرب النبى (ص) بيده الى صدره، و قال: اليس الدهر كله غدا! قال: ثم دعا بثلاثه ارماح فعقد ثلاثه الويه، فدفع لواء الاوس الى اسيد بن حضير، و دفع لواء الخزرج الى الحباب بن المنذر بن الجموح- و يقال الى سعد بن عباده- و دفع لواء المهاجرين الى على بن ابى طالب (ع)- و يقال الى مصعب بن عمير- ثم دعا بفرسه فركبه، و تقلد القوس و اخذ بيده قناه- زج الرمح يومئذ من شبه- و المسلمون متلبسون السلاح، قد اظهروا الدروع، فهم مائه دارع، فلما ركب (ص) خرج السعدان امامه يعدوان: سعد بن معاذ و سعد بن عباده، كل واحد منهما دارع، و الناس عن يمينه و شماله حتى سلك على البدائع، ثم زقاق الحسى حتى اتى الشيخين- و هما اطمان كانا فى الجاهليه فيهما شيخ اعمى و عجوز عمياء يتحدثان فسمى الاطمان الشيخين- فلما انتهى الى راس الثنيه التفت فنظر الى كتيبه خ
شناء لها زجل خلفه، فقال: ما هذه؟ قال هذه حلفاء ابن ابى من اليهود فقال رسول الله (ص): لا نستنصر باهل الشرك على اهل الشرك.

و مضى رسول الله (ص) و عرض عسكره بالشيخين، فعرض عليه غلمان منهم عبدالله بن عمر بن الخطاب، و زيد بن ثابت، و اسامه بن زيد، و النعمان ابن بشير، و زيد بن ارقم، و البراء بن عازب، و اسيد بن ظهير، و عرابه بن اوس، و ابوسعيد الخدرى، و سمره بن جندب، و رافع بن خديج.

قال الواقدى: فردهم رسول الله (ص)، قال رافع بن خديج: فقال ظهير بن رافع يا رسول الله انه رام يعيننى.

قال و جعلت اتطاول، و على خفان لى، فاجازنى رسول الله (ص) فلما اجازنى قال سمره بن جندب لمرى بن سنان الحارثى- و هو زوج امه يا ابيه، اجاز رسول الله (ص) رافع! بن خديج و ردنى و انا اصرع رافعا فقال مرى: يا رسول الله رددت ابنى و اجزت رافع بن خديج و ابنى يصرعه! فقال رسول الله (ص): تصارعا فصرع سمره رافعا فاجازه رسول الله (ص) قال الواقدى: و اقبل ابن ابى فنزل ناحيه العسكر، فجعل حلفاوه و من معه من المنافقين يقولون لابن ابى: اشرت عليه بالراى و نصحته و اخبرته ان هذا راى من مضى من آبائك، و كان ذلك رايه مع رايك، فابى ان يقبله، و اطاع هولاء الغلمان الذين معه ق
ال: فصادفوا من ابن ابى نفاقا و غشا، فبات رسول الله (ص) بالشيخين، و بات ابن ابى فى اصحابه، و فرغ رسول الله (ص) من عرض من عرض، و غابت الشمس، فاذن بلال بالمغرب، فصلى رسول الله (ص) باصحابه، ثم اذن بالعشاء، فصلى رسول الله (ص) باصحابه، و رسول الله (ص) نازل فى بنى النجار، و استعمل على الحرس محمد بن مسلمه فى خمسين رجلا يطيفون بالعسكر، حتى ادلج رسول الله (ص)، و كان المشركون قد راوا رسول الله (ص) حيث ادلج، و نزل بالشيخين، فجمعوا خيلهم و ظهرهم، و استعملوا على حرسهم عكرمه بن ابى جهل فى خيل من المشركين، و باتت صاهله خيلهم لا تهدا تدنو طلائعهم، حتى تلصق بالحره، فلا تصعد فيها حتى ترجع خيلهم، و يهابون موضع الحره، و محمد بن مسلمه.

قال الواقدى: و قد كان رسول الله (ص) قال حين صلى العشاء: من يحفظنا الليله؟ فقال رجل: انا يا رسول الله فقال: من انت؟ قال: ذكوان بن عبدالقيس، فقال: اجلس، ثم قال ثانيه: من رجل يحفظنا الليله؟ فقام رجل، فقال: من انت؟ قال: ابوسبع، قال: اجلس، ثم قال ثالثه مثل ذلك، فقام رجل، فقال: من انت؟ فقال: انا ابن عبدقيس، فمكث رسول الله (ص) ساعه، ثم قال قوموا ثلاثتكم، فقام ذكوان بن عبدقيس، فقال رسول الله: و اين صاحباك؟
فقال ذكوان انا الذى كنت اجيبك الليله! قال: فاذهب حفظك الله.

قلت: قد تقدم هذا الحديث بذاته فى غزوه بدر و ظاهر الحال انه مكرر، و انه انما كان فى غزاه واحده، و يجوز ان يكون قد وقع فى الغزاتين، و لكن على بعد.

قال الواقدى: فلبس ذكوان درعه، و اخذ درقته فكان يطوف على العسكر تلك الليله، و يقال: كان يحرس رسول الله (ص) لم يفارقه.

قال: و نام رسول الله (ص) حتى ادلج، فلما كان فى السحر، قال رسول الله: اين الادلائ؟ من رجل يدلنا على الطريق، و يخرجنا على القوم من كثب؟ فقام ابوخثيمه الحارثى، فقال انا يا رسول الله، و يقال: اوس بن قيظى و يقال: محيصه.

قال الواقدى: و اثبت ذلك عندنا ابوخثيمه خرج برسول الله (ص)، و ركب فرسه فسلك به فى بنى حارثه، ثم اخذ فى الاموال حتى مر بحائط مربع بن قيظى، و كان اعمى البصر منافقا، فلما دخل رسول الله (ص) حائطه، قام يحثى التراب فى وجوه المسلمين، و يقول: ان كنت رسول الله فلا تدخل حائطى، فلا احله لك.

قال محمد بن اسحاق: و قد ذكر انه اخذ حفنه من تراب، و قال: و الله لو اعلم انى لا اصيب غيرك يا محمد لضربت بها وجهك.

قال الواقدى: فضربه سعد بن زيد الاشهلى بقوس يده فشجه فى راسه، فنزل الدم، فغضب له بعض بنى حارثه
ممن هو على مثل رايه، فقال: هى على عداوتكم يا بنى عبدالاشهل، لا تدعونها ابدا لنا! فقال اسيد بن حضير: لا و الله، و لكن نفاقكم، و الله لولا انى لاادرى ما يوافق النبى (ص) لضربت عنقه و عنق من هو على مثل رايه.

قال: و نهاهم النبى (ص) عن الكلام فاسكتوا.

و قال محمد بن اسحاق: قال رسول الله (ص): دعوه فانه اعمى البصر، اعمى القلب.

يعنى مربع بن قيظى.

قال الواقدى: و مضى رسول الله (ص)، فبينا هو فى مسيره اذ ذب فرس ابى برده بن نيار بذنبه فاصاب كلاب سيفه، فسل سيفه، فقال رسول الله (ص): يا صاحب السيف، شم سيفك، فانى اخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها.

قال: و كان رسول الله (ص) يحب الفال، و يكره الطيره، قال: و لبس رسول الله (ص) من الشيخين درعا واحده، حتى انتهى الى احد، فلبس درعا اخرى و مغفرا، و بيضه فوق المغفر، فلما نهض رسول الله (ص) من الشيخين، زحف المشركين على تعبيه حتى انتهوا الى موضع ارض ابن عامر اليوم، فلما انتهى رسول الله (ص) الى موضع القنطره اليوم جائه و قد حانت الصلاه، و هو يرى المشركين، فامر بلالا فاذن، و اقام و صلى باصحابه الصبح صفوفا، و انخزل عبدالله بن ابى من ذلك المكان فى كتيبته، كانه هيقه تقدمهم، فاتبعهم عبدالله بن عمر
و بن حرام، فقال: اذكركم الله و دينكم و نبيكم، و ما شرطتم له ان تمنعوه مما تمنعون منه انفسكم و اولادكم و نسائكم! فقال ابن ابى: ما ارى انه يكون بينهم قتال، و ان اطعتنى يا اباجابر لترجعن، فان اهل الراى و الحجى قد رجعوا، و نحن ناصروه فى مدينتنا، و قد خالفنا، و اشرت عليه بالراى فابى الا طواعيه الغلمان.

فلما ابى على عبدالله بن عمرو ان يرجع، و دخل هو و اصحابه ازقه المدينه، قال لهم ابوجابر، ابعدكم الله! ان الله سيغنى النبى و المومنين عن نصركم.

فانصرف ابن ابى و هو يقول: ايعصينى و يطيع الولدان! و انصرف عبدالله بن عمرو يعدو حتى لحق رسول الله و هو يسوى الصفوف، فلما اصيب اصحاب رسول الله (ص) سر ابن ابى و اظهر الشماته، و قال عصانى و اطاع من لا راى له! قال الواقدى: و جعل رسول الله (ص) يصف اصحابه، و جعل الرماه خمسين رجلا على عينين، عليهم عبدالله بن جبير- و يقال: سعد بن ابى وقاص، و الثبت انه عبدالله بن جبير- قال: و جعل احدا خلف ظهره، و استقبل المدينه و جعل عينين عن يساره، و اقبل المشركون، و اتسدبروا المدينه فى الوادى، و استقبلوا احدا، و يقال: جعل عينين خلف ظهره، و استدبر الشمس و استقبلها المشركون.

قال: و القول الاول اثبت عندن
ا، ان احدا كان خلف ظهره، و هو (ع) مستقبل المدينه.

قال: و نهى ان يقاتل احد حتى يامرهم بالقتال، فقال عماره بن يزيد بن السكن: انى نغير على زرع بنى قيله و لما نضارب! و اقبل المشركون قد صفوا صفوفهم و استعملوا على الميمنه خالد بن الوليد، و على الميسره عكرمه بن ابى جهل، و لهم مجنبتان مائتا فرس، و جعلوا على الخيل صفوان بن اميه- و يقال عمرو بن العاص- و على الرماه عبدالله بن ابى ربيعه، و كانوا مائه رام، و دفعوا اللواء الى طلحه- بن ابى طلحه و اسم ابى طلحه عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصى- و صاح ابوسفيان يومئذ: يا بنى عبدالدار، نحن نعرف انكم احق باللواء منا، و انا انما اتينا يوم بدر من اللواء، و انما يوتى القوم من قبل لوائهم، فالزموا لوائكم، و حافظوا عليه و خلوا بيننا و بينه، فانا قوم مستميتون موتورون، نطلب ثارا حديث العهد.

و جعل يقول: اذا زالت الالويه، فما قوام الناس و بقاوهم بعدها! فغضبت بنو عبدالدار و قالوا نحن نسلم لوائنا! لا كان هذا! ابدا! و اما المحافظه عليه فسترى ثم اسندوا الرماح اليه، و احدقت به بنو عبدالدار، و اغلظوا لابى سفيان بعض الاغلاظ فقال ابوسفيان: فنجعل لواء آخر؟ قالوا: نعم و لا يحمله الا
رجل من بنى عبدالدار، لا كان غير ذلك ابدا.

قال الواقدى: و جعل رسول الله (ص) يمشى على رجليه، يسوى تلك الصفوف، و يبوى ء اصحابه مقاعد للقتال، يقول تقدم يا فلان، و تاخر يا فلان، حتى انه ليرى منكب الرجل خارجا فيوخره، فهو يقومهم كانما يقوم القداح، حتى اذا استوت الصفوف، سال، من يحمل لواء المشركين؟ قيل: عبدالدار، قال: نحن احق بالوفاء منهم، اين مصعب بن عمير؟ قال: ها انا ذا قال: خذ اللواء فاخذه مصعب فتقدم به بين يدى رسول الله (ص).

قال البلاذرى: اخذه من على (ع)، فدفعه الى مصعب بن عمير، لانه من بنى عبدالدار.

قال الواقدى: ثم قام (ع)، فخطب الناس، فقال (ص): ايها الناس، اوصيكم بما اوصانى به الله فى كتابه، من العمل بطاعته، و التناهى عن محارمه.

ثم انكم اليوم بمنزل اجر و ذخر لمن ذكر الذى عليه، ثم وطن نفسه على الصبر و اليقين و الجد و النشاط، فان جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه، الا من عزم له على رشده.

ان الله مع من اطاعه، و ان الشيطان مع من عصاه، فاستفتحوا اعمالكم بالصبر على الجهاد، و التمسوا بذلك ما وعدكم الله، و عليكم بالذى آمركم به، فانى حريص على رشدكم.

ان الاختلاف و التنازع و التثبيط من امر العجز و الضعف، و هو مما لاي
حبه الله، و لايعطى عليه النصر و الظفر.

ايها الناس انه قذف فى قلبى ان من كان على حرام فرغب عنه ابتغاء ما عند الله غفر الله له ذنبه، و من صلى على محمد صلى الله عليه و ملائكته عشرا، و من احسن، من مسلم او كافر وقع اجره على الله فى عاجل دنياه او فى آجل آخرته، و من كان يومن بالله و اليوم الاخر فعليه الجمعه يوم الجمعه، الا صبيا او امراه او مريضا او عبدا مملوكا، و من استغنى عنها استغنى الله عنه، و الله غنى حميد ما اعلم من عمل يقربكم الى الله الا و قد امرتكم به، و لااعلم من عمل يقربكم الى النار الا و قد نهيتكم عنه، و انه قد نفث الروح الامين فى روعى انه لن تموت نفس حتى تستوفى اقصى رزقها، لا ينقص منه شى ء و ان ابطا عنها فاتقوا الله ربكم، و اجملوا فى طلب الرزق، و لا يحملنكم استبطاوه على ان تطلبوه بمعصيه ربكم، فانه لا يقدر على ما عنده الا بطاعته، قد بين لكم الحلال و الحرام، غير ان بينهما شبها من الامر لم يعلمها كثير من الناس الا من عصم فمن تركها حفظ عرضه، و دينه، و من وقع فيها كان كالراعى الى جنب الحمى، اوشك ان يقع فيه و يفعله و ليس ملك الا و له حمى الا و ان حمى الله محارمه، و المومن من المومنين كالراس من الجسد، اذا اشتك
ى تداعى اليه سائر جسده.

و السلام عليكم.

قال الواقدى: فحدثنى ابن ابى سبره، عن خالد بن رباح، عن المطلب بن عبدالله، قال: اول من انشب الحرب بينهم ابوعامر، طلع فى خمسين من قومه، معه عبيد قريش فنادى ابوعامر- و اسمه عبدعمرو- يا للاوس! انا ابوعامر قالوا: لامرحبا بك و لا اهلا، يا فاسق! فقال: لقد اصاب قومى بعدى شر.

قال: و معه عبيد اهل مكه، فتراموا بالحجاره هم و المسلمون، حتى تراضخوا بها ساعه الى ان ولى ابوعامر و اصحابه، و يقال: ان العبيد لم يقاتلوا، و انهم امروهم بحفظ عسكرهم.

قال الواقدى: و جعل نساء المشركين قبل ان يلتقى الجمعان امام صفوف المشركين يضربن بالاكبار و الدفاف و الغرابيل، ثم يرجعن فيكن الى موخر الصف، حتى اذا دنوا من المسلمين تاخر النساء، فقمن خلف الصفوف، و جعلن كلما ولى رجل حرضنه و ذكرنه قتلى بدر.

و قال الواقدى: و كان قزمان من المنافقين، و كان قد تخلف عن احد، فلما اصبح عيره نساء بنى ظفر، فقلن: يا قزمان قد خرج الرجال و بقيت! استحى يا قزمان، الا تستحيى مما صنعت! ما انت الا امراه، خرج قومك و بقيت فى الدار! فاحفظنه فدخل بيته، فاخرج قوسه و جعبته و سيفه- و كان يعرف بالشجاعه- و خرج يعدو، حتى انتهى الى رسول الله (ص
) و هو يسوى صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصف، حتى انتهى الى الصف الاول، فكان فيه، و كان اول من رمى بسهم من المسلمين، جعل يرسل نبلا كانها الرماح و انه ليكت كتيت الجمل ثم صار الى السيف، ففعل الافاعيل، حتى اذا كان آخر ذلك قتل نفسه.

و كان رسول الله (ص) اذا ذكره قال: من اهل النار.

قال: فلما انكشف المسلمون، كسر جفن سيفه و جعل يقول: الموت احسن من الفرار.

يا للاوس! قاتلوا على الاحساب، و اصنعوا مثل ما اصنع.

قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين، حتى يقال: قد قتل، ثم يطلع فيقول: انا الغلام الظفرى، حتى قتل منهم سبعه و اصابته الجراحه، و كثرت فيه، فوقع فمر به قتاده بن النعمان، فقال له: اباالغيداق قال قزمان: لبيك، قال: هنيئا لك الشهاده! قال قزمان: انى و الله ما قاتلت يا اباعمرو على دين، ما قاتلت الا على الحفاظ، ان تسير قريش الينا فتطا سعفنا قال: فاذته الجراحه فقتل نفسه، فقال النبى (ص): (ان الله يويد هذا الدين بالرجل الفاجر).

قال الواقدى: و تقدم رسول الله (ص) الى الرماه، فقال: احموا لنا ظهورنا، فانا نخاف ان نوتى من ورائنا، و الزموا مكانكم، لا تبرحوا منه، و ان رايتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم، فلا تفارقوا مكانكم، و ان رايتمونا نقتل
فلا تعينونا، و لاتدفعوا عنا.

اللهم انى اشهدك عليهم، ارشقوا خيلهم بالنبل، فان الخيل لا تقدم على النبل، و كان للمشركين مجنبتان: ميمنه عليها خالد بن الوليد، و ميسره عليها عكرمه بن ابى جهل.

قال الواقدى: و عمل رسول الله (ص) لنفسه ميمنه و ميسره، و دفع اللواء الاعظم الى مصعب بن عمير، و دفع لواء الاوس الى اسيد بن حضير و لواء الخزرج الى سعد ابن عباده- و قيل الى الحباب بن المنذر- فجعلت الرماه تحمى ظهور المسلمين، و ترشق خيل المشركين بالنبل، فولت هاربه، قال بعض المسلمين: و الله لقد رمقت نبلنا يومئذ، ما رايت سهما واحدا مما يرمى به خيلهم يقع فى الارض، اما فى فرس او فى رجل، و دنا القوم بعضهم من بعض، و قدموا طلحه بن ابى طلحه صاحب لوائهم، و صفوا صفوفهم، و اقاموا النساء خلف الرجال يضربن بين اكتافهم بالاكبار و الدفوف، و هند و صواحبها يحرضن و يذمرن الرجال، و يذكرن من اصيب ببدر، و يقلن: نحن بنات طارق نمشى على النمارق ان تقبلوا نعانق او تدبروا نفارق فراق غير وامق قال الواقدى: و برز طلحه، فصاح من يبارز؟ فقال على (ع) له: هل لك فى مبارزتى؟ قال: نعم، فبرزا بين الصفين و رسول الله (ص) جالس تحت الرايه، عليه درعان و مغفر و بيضت
ه، فالتقيا فبدره على (ع) بضربه على راسه، فمضى السيف حتى فلق هامته الى ان انتهى الى لحيته فوقع و انصرف على (ع)، فقيل له: هلا ذففت عليه! قال: انه لما صرع استقبلنى بعورته، فعطفتنى عليه الرحم، و قد علمت ان الله سيقتله هو كبش الكتيبه.

قال الواقدى: و روى ان طلحه حمل على على (ع)، فضربه بالسيف، فاتقاه بالدرقه فلم يصنع شيئا، و حمل على (ع) و على طلحه درع و مغفر، فضربه بالسيف، فقطع ساقيه، ثم اراد ان يذفف عليه، فساله طلحه بالرحم الا يفعل، فتركه و لم يذفف عليه قال الواقدى: و يقال: ان عليا (ع) دفف عليه، و يقال: ان بعض المسلمين مر به فى المعركه فدفف عليه.

قال: فلما قتل طلحه سر رسول الله (ص) و كبر تكبيرا عاليا و كبر المسلمون، ثم شد اصحاب رسول الله (ص) على كتائب المشركين، فجعلوا يضربون وجوههم، حتى انتقضت صفوفهم، و لم يقتل الا طلحه بن ابى طلحه وحده.

قال الواقدى: ثم حمل لواء المشركين بعد طلحه اخوه عثمان بن ابى طلحه و هو ابوشيبه، فارتجز و قال: ان على رب اللواء حقا ان تخصب الصعده او تندقا فتقدم باللواء و النسوه خلفه يحرضن و يضربن بالدفوف، فحمل عليه حمزه بن عبدالمطلب رحمه الله، فضربه بالسيف على كاهله، فقطع يده و كتفه، حتى انته
ى الى موتزره فبدا سحره، و رجع فقال: انا ابن ساقى الحجيج، ثم حمل اللواء اخوهما ابوسعد بن ابى طلحه، فرماه سعد بن ابى وقاص فاصاب حنجرته- و كان دراعا، و عليه، مغفر لا رفرف عليه و على راسه بيضته فادلع لسانه ادلاع الكلب.

قال الواقدى: و قد روى ان اباسعد لما حمل اللواء، قام النساء خلفه يقلن: ضربا بنى عبدالدار ضربا حماه الادبار ضربا بكل بتار قال سعد بن ابى وقاص: فاحمل عليه فاقطع يده اليمنى، فاخذ اللواء باليد اليسرى، فاضربه على يده اليسرى، فقطعتها فاخذ اللواء بذراعيه جميعا و ضمه الى صدره، و حنى عليه ظهره، قال سعد: فادخل سيه القوس بين الدرع و المغفر، فاقلع المغفر، فارمى به وراء ظهره، ثم ضربته حتى قتلته، و اخذت اسلبه درعه فنهض الى سبيع بن عبدعوف و نفر معه فمنعونى سلبه، و كان سلبه اجود سلب رجل من المشركين: درع فضفاضه و مغفر و سيف جيد، و لكن حيل بينى و بينه.

قال الواقدى: و هذا اثبت القولين.

قلت: شتان بين على و سعد! هذا يجاحش على السلب و يتاسف على فواته، و ذلك يقتل عمرو بن عبدود يوم الخندق، و هو فارس قريش و صنديدها و مبارزه، فيعرض عن سلبه فيقال له: كيف تركت سلبه و هو انفس سلب! فيقول: كرهت ان ابز السبى ثيابه، فكان حبي
با عناه يقوله: ان الاسود اسود الغاب همتها يوم الكريهه فى المسلوب لا السلب قال الواقدى: ثم حمل لواء المشركين بعد ابى سعد بن ابى طلحه، مسافع بن ابى طلحه، فرماه عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح فقتله فحمل الى امه سلافه بنت سعد ابن الشهيد، و هى مع النساء باحد، فقالت: من اصابك؟ قال: لا ادرى، سمعته يقول: خذها و انا ابن الاقلح، فقالت: اقلحى و الله! اى هو من رهطى- و كانت من الاوس.

قال الواقدى: و روى ان عاصما لما رماه، قال له: خذها و انا ابن كسره، و كانوا يقال لهم فى الجاهليه: بنو كسر الذهب، فقال لامه لا ادرى، الا انى سمعته يقول: خذها و انا ابن كسره، فقالت سلافه: اوسى و الله كسرى، اى انه منا، فيومئذ نذرت سلافه ان تشرب فى قحف راس عاصم بن ثابت الخمر، و جعلت لمن جائها به مائه من الابل.

قلت: فلما قتله المشركون فى يوم الرجيع ارادوا ان ياخذوا راسه، فيحملوه الى سلافه فحمته الدبر يومه ذلك، فلما جاء الليل، فظنوا ان الدبر لا تحميه ليلا جاء الوادى بسيل عظيم، فذهب براسه و بدنه.

اتفق المورخون على ذلك.

قال الواقدى: ثم حمل اللواء بعد الحارث اخوه كلاب بن طلحه بن ابى طلحه، فقتله الزبير بن العوام، ثم حمله اخوه الجلاس بن طلحه بن ابى طلحه
، فقتله طلحه بن عبيدالله، ثم حمله ارطاه بن عبد شرحبيل، فقتله على بن ابى طالب (ع) ثم حمله شريح بن قانط، فقتل لا يدرى من قتله، ثم حمله صواب، غلام بنى عبدالدار، فاختلف فى قاتله فقيل: قتله على بن ابى طالب (ع)، و قيل سعد بن ابى وقاص.

و قيل: قزمان، و هو اثبت الاقوال.

قال الواقدى: انتهى قزمان الى صواب، فحمل عليه، فقطع يده اليمنى، فاحتمل اللواء باليسرى، فقطع اليسرى فاحتضن اللواء بذراعيه و عضديه، و حنى عليه ظهره، و قال: يا بنى عبدالدار، هل اعذرت؟ فحمل عليه قزمان فقتله.

قال الواقدى: و قالوا: ما ظفر الله تعالى نبيه فى موطن قط ما ظفره و اصحابه يوم احد، حتى عصوا الرسول، و تنازعوا فى الامر، لقد قتل اصحاب اللواء و انكشف المشركون منهم لا يلوون، و نساوهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف و تشركونا قال الواقدى: و قد روى كثير من الصحابه ممن شهد احدا، قال كل واحد منهم: و الله انى لانظر الى هند و صواحبها منهزمات، ما دون اخذهن شى ء لمن اراده، و لكن لا مرد لقضاء الله.

قالوا: و كان خالد بن الوليد كلما اتى من قبل ميسره النبى (ص) ليجوز حتى ياتيهم من قبل السفح، ترده الرماه، حتى فعل و فعلوا ذلك مرارا، و لكن المسلمين اتوا من قبل الرماه، ان رس
ول الله (ص) اوعز اليهم فقال: قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا، فان رايتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، و ان رايتمونا نقتل فلا تنصرونا.

فلما انهزم المشركون، و تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاووا حتى اجهزوهم عن المعسكر، و وقعوا ينتهبونه قال بعض الرماه لبعض، لم تقيمون هاهنا فى غير شى ء! قد هزم الله العدو، و هولاء اخوانكم ينهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين، فاغنموا مع اخوانكم فقال بعضهم: الم تعلموا ان رسول الله (ص) قال لكم: (احموا ظهورنا، و ان غنمنا فلا يشركونا) فقال الاخرون: لم يرد رسول الله (ص) هذا، و قد اذل الله المشركين و هزمهم، فادخلوا العسكر، فانتهبوا مع اخوانكم.

فلما اختلفوا خطبهم اميرهم عبدالله ابن جبير، و كان يومئذ معلما بثياب بيض، فحمد الله و امرهم بطاعه رسوله، و الا يخالف امره، فعصوه، و انطلقوا فلم يبق معه الا نفير ما يبلغون العشره، منهم الحارث بن انس بن رافع، يقول: يا قوم، اذكروا عهد نبيكم اليكم، و اطيعوا اميركم.

فابوا، و ذهبوا الى عسكر المشركين ينتهبون، و خلوا الجبل، و انتقضت صفوف المشركين، و استدارت رحالهم، و دارت الريح- و كانت الى ان انتقض صفهم صبا، فصارت دبورا- فنظر خالد بن الوليد الى خلاء
الجبل و قله اهله، فكر بالخيل، و تبعه عكرمه بالخيل، فانطلقا الى موضع الرماه، فحملوا عليهم، فرماهم القوم حتى اصيبوا، و رمى عبدالله بن جبير حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه، فقاتل حتى قتل، و افلت جعيل بن سراقه و ابوبرده بن نيار بعد ان شاهدا قتل عبدالله بن جبير، و كان آخر من انصرف من الخيل، فلحقا بالمسلمين.

قال الواقدى: فروى رافع بن خديج، قال: لما قتل خالد الرماه اقبل بالخيل و عكرمه بن ابى جهل يتلوه، فخالطنا و قد انتقضت صفوفنا، و نادى ابليس- و تصور فى صوره جعيل بن سراقه: ان محمدا قد قتل! ثلاث صرخات فابتلى يومئذ جعيل بن سراقه ببليه عظيمه حين تصور ابليس فى صورته، و ان جعيلا ليقاتل مع المسلمين اشد القتال، و انه الى جنب ابى برده بن نيار و خوات بن جبير.

قال رافع بن خديج: فو الله ما راينا دوله كانت اسرع من دوله المشركين علينا و اقبل المسلمون على جعيل بن سراقه يريدون قتله يقولون: هذا الذى صاح ان محمدا قد قتل، فشهد له خوات بن جبير و ابو برده، انه كان الى جنبهما حين صاح الصائح، و ان الصائح غيره.

قال الواقدى: فروى رافع، قال: اتينا من قبل انفسنا، و معصيه نبينا، و اختلط المسلمون، و صاروا يقتلون و يضر
ب بعضهم بعضا، و ما يشعرون بما يصنعون من الدهش و العجل و قد جرح يومئذ اسيد بن حضير جرحين، ضربه احدهما ابوبرده بن نيار، و ما يدرى يقول: خذها و انا الغلام الانصارى، و كر ابوزعنه فى حومه القتال فضرب ابابرده ضربتين، ما يشعر انه هو، يقول: خذها و انا ابوزعنه، حتى عرفه بعد فكان اذا لقيه قال انظر ما صنعت بى فيقول ابوزعنه: و انت فقد ضربت اسيد بن حضير و لا تشعر! و لكن هذا الجرح فى سبيل الله فذكر ذلك لرسول الله (ص)، فقال: هو فى سبيل الله يا ابابرده لك اجره، حتى كانك ضربك احد المشركين، و من قتل فهو شهيد.

قال الواقدى: و كان الشيخان: حسيل بن جابر و رفاعه بن وقش شيخين كبيرين، قد رفعا فى الاطام مع النساء، فقال احدهما لصاحبه: لا ابالك! ما نستبقى من انفسنا! فو الله ما نحن الا هامه اليوم او غد و ما بقى من اجلنا قدر ظم ء دابه، فلو اخذنا اسيافنا فلحقنا برسول الله (ص) لعل الله يرزقنا الشهاده! قال: فلحقا برسول الله (ص)، فاما رفاعه فقتله المشركون، و اما حسيل بن جابر فالتفت عليه سيوف المسلمين، و هم لا يعرفونه حين اختلطوا و ابنه حذيفه يقول: ابى ابى! حتى قتل، فقال حذيفه: يغفر الله لكم و هو ارحم الراحمين، ما صنعتم! فزاد به عند رسول الله
(ص) خيرا، و امر رسول الله بديته ان تخرج، و يقال ان الذى اصابه عتبه بن مسعود فتصدق حذيفه ابنه بدمه على المسلمين.

قال الواقدى: و اقبل يومئذ الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح: يا آل سلمه! فاقبلوا عنقا واحدا: لبيك داعى الله، لبيك داعى الله! فيضرب يومئذ جبار بن صخر ضربه فى راسه مثقله و ما يدرى حتى اظهروا الشعار بينهم فجعلوا يصيحون: امت امت! فكف بعضهم عن بعض.

قال الواقدى: و كان نسطاس مولى ضرار بن اميه ممن حضر احدا مع المشركين، ثم اسلم بعد و حسن اسلامه، فكان يحدث قال: قد كنت ممن خلف فى العسكر يومئذ، و لم يقاتل معهم عبدالا وحشى و صواب غلام بنى عبدالدار، فكان ابوسفيان صاح فيهم: يا معشر قريش، خلوا غلمانكم على متاعكم يكونوا هم الذين يقومون على رحالكم فجمعنا بعضها الى بعض، و عقلنا الابل، و انطلق القوم على تعبيتهم، ميمنه و ميسره و البسنا الرحال الانطاع، و دنا القوم بعضهم من بعض، فاقتتلوا ساعه و اذا اصحابنا منهزمون، فدخل المسلمون معسكرنا و نحن فى الرحال فاحدقوا بنا، فكنت فيمن اسروا، و انتهبوا المعسكر اقبح انتهاب، حتى ان رجلا منهم قال: اين مال صفوان بن اميه؟ فقلت: ما حمل الا نفقه فى الرحل، فخرج يسوقنى حتى اخرجتها من العيبه خ
مسين و مائه مثقال ذهبا، و قد ولى اصحابنا و ايسنا منهم، و انحاش النساء، فهن فى حجرهن سلم لمن ارادهن فصار النهب فى ايدى المسلمين.

قال نسطاس: فانا لعلى ما نحن عليه من الاستسلام، و نظرت الى الجبل، فاذا خيل مقبله تركض، فدخلوا العسكر فلم يكن احد يردهم، قد ضيعت الثغور التى كان بها الرماه و جاووا الى النهب و الرماه ينتهبون، و انا انظر اليهم متابطى قسيهم و جعابهم، كل واحد منهم فى يديه او حضنه شى ء قد اخذه، فلما دخلت خيلنا دخلت على قوم غارين آمنين فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوهم قتلا ذريعا، و تفرق المسلمون فى كل وجه، و تركوا ما انتهبوا، و اجلوا عن عسكرنا، فارتجعنا بعد، لم نفقد منه شيئا، و خلوا اسرانا، و وجدنا الذهب فى المعركه، و لقد رايت يومئذ رجلا من المسلمين ضم صفوان بن اميه اليه ضمه ظننت انه سيموت، حتى ادركته و به رمق، فوجات ذلك المسلم بخنجر معى، فوقع، فسالت عنه، فقيل: رجل من بنى ساعده.

ثم هدانى الله بعد للاسلام.

قال الواقدى: فحدثنى ابن ابى سبره، عن اسحاق بن عبدالله، عن عمر بن الحكم، قال: ما علمنا احدا من اصحاب رسول الله (ص) الذين اغاروا على النهب فاخذوا ما اخذوا من الذهب بقى معه من ذلك شى ء يرجع به حيث غشينا المشركون،
و اختلفوا الا رجلين: احدهما عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح، جاء بمنطقه وجدها فى العسكر، فيها خمسون دينارا فشدها على حقويه من تحت ثيابه، و جاء عباد بن بشر بصره فيها ثلاثه عشر مثقالا القاها فى جيب قميصه، و فوقها الدرع و قد حزم وسطه فاتيا بذلك رسول الله (ص) فلم يخمسه و نفلهما اياه.

قال الواقدى: و روى يعقوب بن ابى صعصعه، عن موسى بن ضمره، عن ابيه، قال: لما صاح الشيطان ازب العقبه، ان محمدا قد قتل لما اراد الله عز و جل من ذلك سقط فى ايدى المسلمين، و تفرقوا فى كل وجه، و اصعدوا فى الجبل، فكان اول من بشرهم بكون رسول الله (ص) سالما كعب بن مالك.

قال كعب: عرفته فجعلت اصيح: هذا رسول الله! و هو يشير الى باصبعه على فيه ان اسكت.

قال الواقدى: و روت عميره بنت عبدالله بن كعب بن مالك، عن ابيها، قالت قال ابى لما انكشف الناس: كنت اول من عرف رسول الله (ص) و بشرت به المسلمين حيا سويا، عرفت عينيه من تحت المغفر، فناديت: يا معشر الانصار! ابشروا فهذا رسول الله (ص)، فاشار الى رسول الله (ص) ان اصمت: قال: و دعا رسول الله (ص) بكعب، فلبس لامته و البس كعبا لامه نفسه و قاتل كعب قتالا شديدا، جرح سبعه عشر جرحا.

قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى سبره عن خ
الد بن رباح، عن الاعرج، قال: لما صاح الشيطان ان محمدا قد قتل، قال ابوسفيان بن حرب: يا معشر قريش، ايكم قتل محمدا قال ابن قميئه انا قتلته.

قال: نسورك كما تفعل الاعاجم بابطالها.

و جعل ابو سفيان يطوف بابى عامر الفاسق فى المعركه، هل يرى محمدا بين القتلى! فمر بخارجه بن زيد بن ابى زهير فقال: يا اباسفيان، هل تدرى من هذا؟ قال: لا، قال: هذا خارجه بن زيد هذا اسيد بنى الحارث بن الخزرج، و مر بعباس بن عباده بن نضله الى جنبه، قال: اتعرفه؟ قال: لا، قال: هذا ابن قوقل، هذا الشريف فى بيت الشرف، ثم مر بذكوان بن عبدقيس، فقال: و هذا من ساداتهم ثم مر بابنه حنظله بن ابى عامر فوقف عليه فقال ابوسفيان من هذا قال هذا اعز من هاهنا على هذا ابنى حنظله قال ابوسفيان: ما نرى مصرع محمد، و لو كان قتل لرايناه، كذب ابن قميئه و لقى خالد بن الوليد فقال: هل تبين عندك قتل محمد؟ قال: لا، رايته اقبل فى نفر من اصحابه مصعدين فى الجبل، فقال ابوسفيان: هذا حق كذب ابن قميئه زعم انه قتله! قلت: قرات على النقيب ابى يزيد رحمه الله هذه الغزاه من كتاب الواقدى، و قلت له: كيف جرى لهولاء فى هذه الوقعه؟ فانى استعظم ما جرى! فقال: و ما فى ذلك مما تستعظمه حمل قلب المسلمي
ن من بعد قتل اصحاب الالويه على قلب المشركين فكسره فلو ثبتت مجنبتا رسول الله اللتان فيهما اسيد بن حضير و الحباب بن المنذر بازاء مجنبتى المشركين، لم ينكسر عسكر الاسلام، و لكن مجنبتا المسلمين اطبقت اطباقا واحدا على قلب المشركين، مضافا الى قلب المسلمين، فصار عسكر رسول الله (ص) قلبا واحدا، و كتيبه واحده، فحطمه قلب قريش حطمه شديده.

فلما رات مجنبتا قريش انه ليس بازائها احد، استدارت المجنبتان من وراء عسكر المسلمين، و صمد كثير منهم للرماه الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين، فقتلوهم عن آخرهم، لانهم لم يكونوا ممن يقومون لخالد و عكرمه و هما فى الفى رجل و انما كانوا خمسين رجلا لا سيما و قد ترك كثير منهم مركزه و شره الى الغنيمه فاكب على النهب.

قال رحمه الله: و الذى كسر المسلمين يومئذ، و نال كل منال خالد بن الوليد، و كان فارسا شجاعا، و معه خيل كثيره و رجال ابطال موتورون، و استدار خلف الجبل، فدخل من الثغره التى كان الرماه عليها فاتاه من وراء المسلمين و تراجع قلب المشركين بعد الهزيمه فصار المسلمون بينهم فى مثل الحلقه المستديره، و اختلط الناس، فلم يعرف المسلمون بعضهم بعضا، و ضرب الرجل منهم اخاه و اباه بالسيف و هو لا يعرفه لشده ال
نقع و الغبار، و لما اعتراهم من الدهش و العجله و الخوف، فكانت الدبره عليهم، بعد ان كانت لهم و مثل هذا يجرى دائما فى الحرب.

فقلت له رحمه الله: فلما انكشف المسلمون، و فر، منهم من فر ما كانت حال رسول الله (ص)؟ فقال: ثبت فى نفر يسير من اصحابه يحامون عنه.

فقلت: ثم ما ذا قال: ثم ثابت اليه الانصار، و ردت اليه عنقا واحدا بعد فرارهم و تفرقهم، و امتاز المسلمون على المشركين و كانوا ناحيه، ثم التحمت الحرب، و اصطدم الفيلقان.

قلت: ثم ماذا؟ قال: لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله (ص)، و المشركون يتكاثرون عليهم و يقتلون فيهم حتى لم يبق من النهار الا القليل و الدوله للمشركين.

قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم علم الذين بقوا من المسلمين انه لا طاقه لهم بالمشركين فاصعدوا فى الجبل فاعتصموا به.

فقلت له: فرسول الله (ص) ما الذى صنع؟ فقال: صعد فى الجبال.

قلت له: افيجوز ان يقال: انه فر؟ فقال: انما يكون الفرار ممن امعن فى الهرب فى الصحراء و البيداء، فاما من الجبل مطل عليه و هو فى سفحه، فلما راى ما لا يعجبه اصعد فى الجبل، فانه لا يسمى فارا.

ثم سكت رحمه الله ساعه، ثم قال: هكذا وقعت الحال فان شئت ان تسمى ذلك فرارا فسمه، فقد خرج من مكه يوم الهجره فا
را من المشركين و لا وصمه عليه فى ذلك.

فقلت له: قد روى الواقدى عن بعض الصحابه قال: لم يبرح رسول الله (ص) ذلك اليوم شبرا واحدا، حتى تحاجزت الفئتان! فقال: دع صاحب هذه الروايه فليقل ما شاء، فالصحيح ما ذكرته لك، ثم قال: كيف يقال: لم يزل واقفا حتى تحاجزت الفئتان! و انما تحاجرا بعد ان ناداه ابوسفيان، و هو فى اعلى الجبل بما ناداه، فلما عرف انه حى و انه فى اعلى الجبل، و ان الخيل لا تستطيع الصعود اليه و ان القوم ان صعدوا اليه، رجاله لم يثقوا بالظفر به، لان معه اكثر اصحابه و هم مستميتون ان صعد القوم اليهم، و انهم لا يقتلون منهم واحدا حتى يقتلوا منهم اثنين او ثلاثه، لانهم لا سبيل لهم الى الهرب لكونهم محصورين فى ذرو واحد، فالرجل منهم يحامى عن خيط رقبته كفوا عن الصعود و قنعوا بما وصلوا اليه من قتل من قتلوه فى الحرب و املوا يوما ثانيا يكون لهم فيه الظفر الكلى بالنبى (ص)، فرجعوا عنهم و طلبوا مكه.

و روى الواقدى عن ابى سبره عن اسحاق بن عبدالله بن ابى فروه، عن ابى الحويرث، عن نافع بن جبير، قال: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت احدا، فنظرت الى النبل ياتى من كل ناحيه، و رسول الله (ص) فى وسطها كل ذلك يصرف عنه، و لقد رايت عبدالله
بن شهاب الزهرى يقول يومئذ: دلونى على محمد فلا نجوت ان نجا! و ان رسول الله (ص) الى جنبه، ما معه احد، ثم جاوزه، و لقى عبد الله بن شهاب صفوان بن اميه، فقال له صفوان: ترحت! هلا ضربت محمدا، فقطعت هذه الشافه، فقد امكنك الله منه! قال ابن شهاب: و هل رايته؟ قال: نعم انت الى جنبه، قال: و الله ما رايته احلف بالله انه منا لممنوع خرجنا اربعه تعاهدنا و تعاقدنا على قتله فلم نخلص الى ذلك.

قال الواقدى: فروى نمله- و اسم ابى نمله عبدالله بن معاذ، و كان ابوه معاذ اخا البراء بن معرور لامه- قال: لما انكشف المسلمون ذلك اليوم نظرت الى رسول الله (ص) و ما معه احد الا نفير قد احدقوا به من اصحابه من المهاجرين و الانصار، فانطلقوا به الى الشعب و ما للمسلمين لواء قائم و لا فئه و لا جمع، و ان كتائب المشركين لتحوشهم مقبله و مدبره فى الوادى، يلتقون و يفترقون ما يرون احدا يردهم.

قال الواقدى: و حدثنى ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدرى، عن ابيه، قال: حمل مصعب اللواء، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب قبل ابن قميئه، و هو فارس فضرب يد مصعب فقطعها فقال مصعب: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) و اخذ اللواء بيده اليسرى، و حنى عليه فضربه فقطع اليسرى
، فضمه بعضديه الى صدره و هو يقول: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) ثم حمل عليه الثالثه بالرمح فانفذه، و اندق الرمح، و وقع مصعب و سقط اللواء،، و ابتدره رجلان من بنى عبدالدار، سويبط بن حرمله و ابوالروم، فاخذه ابوالروم، فلم يزل بيده حتى دخل به المدينه حين انصرف المسلمون.

قال الواقدى: و قالوا: ان رسول الله لما لحمه القتال، و خلص اليه و ذب عنه مصعب بن عمير و ابودجانه، حتى كثرت به الجراحه، جعل رسول الله (ص) يقول: (من رجل يشرى نفسه؟) فوثب فئه من الانصار خمسه، منهم عماره بن زياد بن السكن، فقاتل حتى اثبت، و فائت فئه من المسلمين حتى اجهضوا اعداء الله، فقال رسول الله (ص) لعماره بن زياد: ادن منى، حتى وسده رسول الله (ص) قدمه، و ان به لاربعه عشر جرحا حتى مات، و جعل رسول الله (ص) يذمر الناس و يحضهم على القتال، و كان رجال من المشركين قد اذلقوا المسلمين بالرمى: منهم حيان بن العرقه و ابو اسامه الجشمى، فجعل النبى (ص) يقول لسعد: (ارم فداك ابى و امى!) فرمى حيان بن العرقه بسهم فاصب ذيل ام ايمن، و كانت جائت يومئذ تسقى الجرحى، فقلبها و انكشف ذيلها عنها، فاستغرب حيان بن العرقه ضحكا، و شق ذلك على رسول الله (ص)، فدفع الى سعد
بن ابى وقاص سهما لا نصل له، و قال: ارم به، فرمى فوضع السهم فى ثغره نحر حيان، فوقع مستلقيا، و بدت عورته.

قال سعد: فرايت النبى (ص) ضحك يومئذ حتى بدت نواجذه، و قال: استقاد لها سعد، اجاب الله دعوتك، و سدد رميتك، و رمى يومئذ مالك بن زهير الجشمى اخو ابى اسامه الجشمى المسلمين رميا شديدا، و كان هو و ريان بن العرقه قد اسرعا فى اصحاب رسول الله (ص)، و اكثرا فيهم القتل يستتران بالصخر و يرميان فبيناهم على ذلك ابصر سعد بن ابى وقاص مالك بن زهير يرمى من وراء صخره قد رمى، و اطلع راسه، فيرميه سعد فاصاب السهم عينه حتى خرج من قفاه، فترى فى السماء قامه ثم رجع فسقط، فقتله الله عز و جل.

السماء قامه ثم رجع فسقط فقتله الله عز و جل.

قال الواقدى: و رمى رسول الله (ص) عن قوسه يومئذ حتى صارت شظايا، فاخذها قتاده بن النعمان، و كانت عنده، و اصيبت يومئذ عين قتاده حتى وقعت على وجنته.

قال قتاده: فجئت الى رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله، ان تحتى امراه شابه جميله، احبها و تحبنى، و انا اخشى ان تقذر مكان عينى، فاخذها رسول الله ص فردها و انصرف بها و عادت كما كانت، فلم تضرب عليه ساعه من ليل و نهار، و كان يقول بعد ان اسن: هى اقوى عينى- و كانت احسنه
ما.

قال الواقدى: و باشر رسول الله (ص) القتال بنفسه، فرمى بالنبل، حتى فنيت نبله و انكسرت سيه قوسه، و قبل ذلك انقطع وتره، و بقيت فى يده قطعه تكون شبرا فى سيه القوس، فاخذ القوس عكاشه بن محصن يوتره له، فقال: يا رسول الله، لا يبلغ الوتر، فقال: مده يبلغ، قال عكاشه: فو الذى بعثه بالحق لمددته حتى بلغ و طويت منه ليتين او ثلاثه على سيه القوس، ثم اخذه رسول الله (ص)، فما زال يرامى القوم و ابوطلحه امامه يستره مترسا عنه، حتى نظرت الى سيه قوسه قد تحطمت فاخذها قتاده بن النعمان قال الواقدى: و كان ابوطلحه يوم احد قد نثل كنانته بين يدى النبى (ص)، و كان راميا، و كان صيتا فقال رسول الله (ص): (لصوت ابى طلحه فى الجيش خير من اربعين رجلا) و كان فى كنانته خمسون سهما نثلها بين يدى رسول الله (ص) و جعل يصيح: نفسى دون نفسك يا رسول الله! فلم يزل يرمى بها سهما سهما، و كان رسول الله (ص) يطلع راسه من خلف ابى طلحه بين اذنه و منكبه، ينظر الى مواقع النبل، حتى فنيت نبله و هو يقول: نحرى دون نحرك! جعلنى الله فداك! قالوا: انه كان رسول الله (ص)، لياخذ العود من الارض فيقول ارم يا اباطلحه فيرمى به سهما جيدا.

قال الواقدى: و كان الرماه المذكورون من اصحا
ب رسول الله (ص) جماعه: منهم سعد بن ابى وقاص، و ابوطلحه، و عاصم بن ثابت، و السائب بن عثمان بن مظعون، و المقداد بن عمرو، و زيد بن حارثه، و حاطب بن ابى بلتعه، و عتبه بن غزوان، و خراش بن الصمه و قطبه بن عامر بن حديده، و بشر بن البراء بن معرور، و ابو نائله ملكان بن سلامه و قتاده بن النعمان.

قال الواقدى: و رمى ابورهم الغفارى بسهم فاصاب نحره، فجاء الى رسول الله (ص) فبصق عليه، فبرا، فكان ابورهم بعد ذلك يسمى المنحور.

و روى ابوعمر محمد بن عبدالواحد الزاهد اللغوى، غلام ثعلب، و رواه ايضا محمد بن حبيب فى اماليه، ان رسول الله (ص) لما فر معظم اصحابه عنه يوم احد، كثرت عليه كتائب المشركين، و قصدته كتيبه من بنى كنانه، ثم من بنى عبد مناه بن كنانه فيها بنو سفيان بن عويف، و هم: خالد بن سفيان و ابوالشعثاء بن سفيان، و ابوالحمراء بن سفيان، و غراب بن سفيان فقال رسول الله (ص): يا على اكفنى هذه الكتيبه، فحمل عليها و انها لتقارب خمسين فارسا، و هو (ع) راجل، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مرارا حتى قتل بنى سفيان بن عويف الاربعه و تمام العشره منها، ممن لا يعرف باسمائهم، فقال جبرئيل (ع) لرسول الله (ص): يا محمد، ان
هذه المواساه، لقد عجبت الملائكه من مواساه هذا الفتى! فقال رسول الله (ص): و ما يمنعه و هو منى و انا منه! فقال جبرائيل (ع): و انا منكما.

قال: و سمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء، لا يرى شخص الصارخ به، ينادى مرارا: لا سيف الا ذو الفقا ر و لا فتى الا على فسئل رسول الله (ص) عنه، فقال: هذا جبرائيل.

قلت: و قد روى هذا الخبر جماعه من المحدثين و هو من الاخبار المشهوره، و وقفت عليه فى بعض نسخ مغازى محمد بن اسحاق، و رايت بعضها خاليا عنه، و سالت شيخى عبدالوهاب بن سكينه رحمه الله عن هذا الخبر، فقال: خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: او كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد اهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحه! قال الواقدى: و اقبل عثمان بن عبدالله بن المغيره المخزومى يحضر فرسا له ابلق، يريد رسول الله (ص)، عليه لامه كامله، و رسول الله (ص) متوجه الى الشعب و هو يصيح: لا نجوت! ان نجوت فيقف رسول الله (ص) و يعثر بعثمان فرسه فى بعض تلك الحفر التى حفرها ابوعامر الفاسق للمسلمين فيقع الفرس لوجهه، و سقط عثمان عنه، و خرج الفرس غائرا، فياخذه بعض اصحاب رسول الله (ص)، و يمشى اليه الحارث بن الصمه فاضطربا ساعه بالس
يفين ثم يضرب الحارث رجله، و كانت درعه مشمره فبرك و ذفف عليه، و اخذ الحارث يومئذ سلبه: درعا جيدا، و مغفرا، و سيفا جيدا، و لم يسمع باحد من المشركين سلب يومئذ غيره، و رسول الله (ص) ينظر الى قتالهما، فسال عن الرجل، قيل: عثمان بن عبدالله بن المغيره قال الحمد لله الذى احانه و قد كان عبدالله بن جحش اسره من قبل ببطن نخله حتى قدم به على رسول الله (ص) فافتدى و رجع الى قريش، و غزا معهم احدا، فقتل هناك، و يرى مصرع عثمان عبيد بن حاجز العامرى احد بنى عامر بن لوى، فاقبل يعدو كانه سبع، فيضرب حارث بن الصمه ضربه على عاتقه فوقع الحارث جريحا حتى احتمله اصحابه، و يقبل ابودجانه على عبيد بن حاجز، فتناوشا ساعه من نهار، و كل واحد منهما يتقى بالدرقه سيف صاحبه، ثم حمل عليه ابودجانه فاحتضنه، ثم جلد به الارض، و ذبحه بالسيف كما تذبح الشاه، ثم انصرف، فلحق برسول الله (ص).

قال الواقدى: و يروى ان سهل بن حنيف، جعل ينضح بالنبل عن رسول الله (ص) فقال: نبلوا سهلا، فانه سهل و نظر رسول الله (ص) الى ابى الدرداء و الناس منهزمون فى كل وجه فقال: نعم الفارس عويمر، غير انه لم يشهد احدا.

قال الواقدى: و روى الحارث بن عبيد الله بن كعب بن مالك، قال: حدثنى من
نظر الى ابى سبره بن الحارث بن علقمه، و لقى احد المشركين، فاختلفا ضربات كل ذلك يروغ احدهما عن الاخر، قال: فنظر الناس اليهما كانهما سبعان ضاريان يقفان مره و يقتلان اخرى، ثم تعانقا، فوقعا الى الارض جميعا، فعلاه ابوسبره فذبحه بسيفه كما تذبح الشاه، و نهض عنه فيقبل خالد بن الوليد و هو على فرس ادهم اغر محجل، يجر قناه طويله، فطعن اباسبره من خلفه، فنظرت الى سنان الرمح خرج من صدره، و وقع ابوسبره ميتا، و انصرف خالد بن الوليد، يقول: انا ابوسليمان! قال الواقدى: و قاتل طلحه بن عبيد الله يومئذ عن النبى (ص) قتالا شديدا، و كان طلحه يقول: لقد رايت رسول الله (ص) حيث انهزم اصحابه، و كثر المشركون، فاحدقوا بالنبى (ص) من كل ناحيه، فما ادرى اقوم من بين يديه او من ورائه؟ ام عن يمينه ام شماله؟ فاذب بالسيف عنه هاهنا و هاهنا حتى انكشفوا، فجعل رسول الله (ص) يومئذ يقول لطلحه: (لقد اوجب) و روى: (لقد انحب) اى قضى نذره.

قال الواقدى: و روى ان سعد بن ابى وقاص ذكر طلحه فقال: يرحمه الله! انه كان اعظمنا غناء عن رسول الله (ص) يوم احد، قيل: كيف يا ابااسحاق؟ قال: لزم النبى (ص) و كنا نتفرق عنه، ثم نثوب اليه، لقد رايته يدور حول النبى (ص) يترس بنفسه.

قال الواقدى: و سئل طلحه: يا ابامحمد، ما اصاب اصبعك؟ قال: رمى مالك بن زهير الجشمى بسهم يريد رسول الله (ص)- و كان لا تخطى رميته- فاتقيت بيدى عن وجه رسول الله (ص)، فاصاب خنصرى فشل.

قال الواقدى و قالوا: ان طلحه قال لما رمى: حس، فقال رسول الله (ص): لو قال: (بسم الله لدخل الجنه، و الناس ينظرون (اليه) من احب ان ينظر الى رجل يمشى فى الدنيا و هو من اهل الجنه، فلينظر الى طلحه بن عبيدالله، طلحه ممن قضى نحبه قال الواقدى: و كان طلحه يحدث يقول: لما جال المسلمون تلك الجوله، ثم تراجعوا اقبل رجل من بنى عامر بن لوى يدعى شيبه بن مالك ابن المضرب، يجر رمحه، و هو على فرس اغر كميت مدججا فى الحديد، يصيح: انا ابوذات الوذع، دلونى على محمد، فاضرب عرقوب فرسه، فاكتسعت (به) ثم اتناول رمحه، فو الله ما اخطات به عن حدقته، فخار كما يخور الثور، فما برحت به واضعا رجلى على خده حتى ازرته شعوب.

قال الواقدى: و كان طلحه قد اصابته فى راسه المصلبه ضربه رجل من المشركين، ضربتين، ضربه و هو مقبل، و ضربه و هو معرض عنه و كان نزف منها الدم قال ابوبكر: جئت النبى (ص) يوم احد، فقال: عليك بابن عمك، فاتى طلحه بن عبيدالله، و قذ نزف الدم، فجعلت انضح فى وجهه الماء
و هو مغشى عليه، ثم افاق فقال: ما فعل رسول الله (ص)؟ فقلت: خيرا، هو ارسلنى اليك، فقال: الحمد لله كل مصيبه بعده جلل.

قال الواقدى: و كان ضرار بن الخطاب الفهرى يقول: نظرت الى طلحه بن عبيدالله قد حلق راسه عند المروه فى عمره، فنظرت الى المصلبه فى راسه، فكان ضرار يقول: انا و الله ضربته، هو استقبلنى فضربته، ثم اكر عليه، و قد اعرض فاضربه ضربه اخرى.

قال الواقدى: و لما كان يوم الجمل، و قتل على (ع) من قتل من الناس، و دخل البصره، جائه رجل من العرب فتكلم بين يديه، و نال من طلحه، فزبره على (ع)، و قال: انك لم تشهد يوم احد، و عظم غنائه عن الاسلام، مع مكانه من رسول الله (ص)، فانكسر الرجل و سكت، فقال له قائل من القوم: و ما كان غناوه و بلاوه يرحمه الله يوم احد؟ فقال على (ع): نعم يرحمه الله، لقد رايته و انه ليترس بنفسه دون رسول الله (ص) و ان السيوف لتغشاه، و النبل من كل ناحيه، و ما هو الا جنه لرسول الله (ص)، يقيه بنفسه، فقال رجل: لقد كان يوم احد يوما قتل فيه اصحاب رسول الله (ص) و اصابت رسول الله (ص) فيه الجراحه، فقال على (ع)، اشهد لسمعت رسول الله (ص) يقول: ليت انى غودرت مع اصحابى بنحص الجبل ثم قال على (ع): لقد رايتنى يومئذ و انى
لاذبهم فى ناحيه، و ان ابادجانه لفى ناحيه يذب طائفه منهم، حتى فرج الله ذلك كله، و لقد رايتنى و انفردت منهم، يومئذ فرقه خشناء فيها عكرمه بن ابى جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به، و اشتملوا على حتى افضيت الى آخرهم، ثم كررت فيهم الثانيه، حتى رجعت، من حيث جئت و لكن الاجل استاخر، و يقضى الله امرا كان مفعولا.

قال الواقدى: و حدثنى جابر بن سليم عن عثمان بن صفوان، عن عماره بن خزيمه قال: حدثنى من نظر الى الحباب بن المنذر بن الجموح، و انه ليحوشهم يومئذ كما تحاش الغنم، و لقد اشتملوا عليه حتى قيل: قد قتل، ثم برز و السيف فى يده و افترقوا عنه، و جعل يحمل على فرقه منهم، و انهم ليهربون منه الى جمع منهم، و صار الحباب الى النبى (ص)، و كان الحباب يومئذ معلما بعصابه خضراء فى مغفره.

قال الواقدى: و طلع يومئذ عبدالرحمن بن ابى بكر على فرس مدججا لايرى منه الا عيناه، فقال: من يبارز؟ انا عبدالرحمن بن عتيق! فنهض اليه ابوبكر، و قال: انا ابارزه، و جرد سيفه فقال له رسول الله (ص): شم سيفك، و ارجع الى مكانك، و متعنا بنفسك.

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص): ما وجدت لشماس بن عثمان شبها الا الجنه، يعنى مما يقاتل عن رسول الله يومئذ و كان رسول الله
(ص) لا ياخذ يمينا و لا شمالا الا راى شماس بن عثمان فى ذلك الوجه، يذب بسيفه عنه، حتى غشى رسول الله (ص)، فترس بنفسه دونه، حتى قتل، فذلك قول رسول الله (ص): (ما وجدت لشماس شبها الا الجنه).

قال الواقدى: و لما ولى المسلمون حين عطف عليهم خالد بن الوليد من خلفهم، كان اول من اقبل من المسلمين بعد التوليه قيس بن محرث مع طائفه من الانصار، و قد كانوا بلغوا بنى حارثه فرجعوا سراعا فصادفوا المشركين فى كثرتهم، فدخلوا فى حومتهم، فما افلت منهم رجل حتى قتلوا كلهم، و لقد ضاربهم قيس بن محرث، فامتنع بسيفه حتى قتل منهم نفرا، فما قتلوه الا بالرماح، نظموه و لقد وجد به اربع عشره طعنه جائفه و عشر ضربات بالسيف.

قال الواقدى: و كان عباس بن عباده بن نظله المعروف بابن قوقل، و خارجه بن زيد بن ابى زهير، و اوس بن ارقم بن زيد، و عباس رافع صوته يقول: يا معشر المسلمين، الله و نبيكم! هذا الذى اصابكم بمعصيه نبيكم، وعدكم النصر فما صبرتم.

ثم نزع مغفره عن راسه، و خلع درعه و قال لخارجه بن زيد: هل لك فى درعى و مغفرى؟ قال خارجه: لا، انا اريد الذى تريد، فخالطوا القوم جميعا، و عباس يقول: ما عذرنا عند ربنا ان اصيب نبينا و منا عين تطرف! قال: فيقول خارجه: لا
عذر لنا و الله عند ربنا و لا حجه، فاما عباس فقتله سفيان بن عبدشمس السلمى، و لقد ضربه عباس ضربتين، فجرحه جرحين عظيمين، فارتث يومئذ جريحا فمكث جريحا، سنه، ثم استبل.

و اخذت خارجه بن زيد الرماح، فجرح بضعه عشر جرحا، فمر به صفوان بن اميه، فعرفه فقال: هذا من اكابر اصحاب محمد، و به رمق، فاجهز عليه.

و قتل اوس بن ارقم، و قال صفوان: من راى خبيب بن يساف؟ و هو يطلبه فلا يقدر عليه، و مثل يومئذ بخارجه، و قال: هذا ممن اغرى بابى يوم بدر- يعنى اميه بن خلف- و قال: الان شفيت نفسى حين قتلت الاماثل من اصحاب محمد، قتلت ابن قوقل، و قتلت ابن ابى زهير، و قتلت اوس بن ارقم.

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) يومئذ: من ياخذ هذا السيف بحقه؟ قالوا: و ما حقه يا رسول الله؟ قال: يضرب به العدو، فقال عمر: انا يا رسول الله، فاعرض عنه، ثم عرضه رسول الله (ص) بذلك الشرط، فقام الزبير، فقال: انا، فاعرض عنه، حتى وجد عمر و الزبير فى انفسهما، ثم عرضه الثالثه، فقام ابودجانه، و قال: انا يا رسول الله آخذه بحقه، فدفعه اليه، فصدق حين لقى به العدو، و اعطى السيف حقه، فقال احد الرجلين- اما عمر بن الخطاب او الزبير: و الله لاجعلن هذا الرجل الذى اعطاه السيف و منعنيه
من شانى، قال: فاتبعته، فو الله ما رايت احدا قاتل افضل من قتاله، لقد رايته يضرب به حتى اذا كل عليه و خاف الا يحيك عمد به الى الجاره فشحذه، ثم يضرب به العدو، حتى يرده كانه منجل، و كان حين اعطاه رسول الله (ص) السيف مشى بين الصفين، و اختال فى مشيته، فقال رسول الله (ص) حين رآه يمشى تلك المشيه: ان هذه لمشيه يبغضها الله تعالى الا فى مثل هذا الموطن، قال: و كان اربعه من اصحاب النبى (ص) يعلمون فى الزحوف، احدهم ابودجانه، كان يعصب راسه بعصابه حمراء، و كان قومه يعلمون انه اذا اعتصب بها احسن القتال، و كان على (ع) يعلم بصوفه بيضاء، و كان الزبير يعلم بعصابه صفراء و كان حمزه يعلم بريش نعامه.

قال الواقدى: و كان ابودجانه يحدث يقول: انى لانظر يومئذ الى امراه تقذف الناس و تحوشهم حوشا منكرا، فرفعت عليها السيف، و ما احسبها الا رجلا، حتى علمت انها امراه، و كرهت ان اضرب بسيف رسول الله (ص) امراه- و المراه عمره بنت الحارث.

قال الواقدى: و كان كعب بن مالك يقول: اصابنى الجراح يوم احد، فلما رايت المشركين يمثلون بالمسلمين اشد المثل و اقبحها، قمت فتنحيت عن القتلى، فانى لفى موضعى اقبل خالد بن الاعلم العقيلى جامع اللامه يحوش المسلمين، يقول اس
توسقوا كما يستوسق جرب الغنم، و هو مدجج فى الحديد، يصيح: يا معشر قريش، لاتقتلوا محمدا، ائسروه اسرا حتى نعرفه ما صنع، و يصمد له قزمان فيضربه بالسيف ضربه على عاتقه رايت منها سحره، ثم اخذ سيفه و انصرف، فطلع عليه من المشركين فارس ما ارى منه الا عينيه، فحمل عليه قزمان، فضربه ضربه جزله اثنين فاذا هو الوليد بن العاص بن هشام المخزومى ثم يقول كعب: انى لانظر يومئذ و اقول: ما رايت مثل هذا الرجل اشجع بالسيف، ثم ختم له بما ختم له به! فيقال له: فما ختم له به؟ فيقول: من اهل النار، قتل نفسه يومئذ.

قال الواقدى: و روى ابوالنمر الكنانى، قال: اقبلت يوم احد و انا من المشركين، و قد انكشف المسلمون، و قد حضرت فى عشره من اخوتى، فقتل منهم اربعه، و كان الريح للمسلمين اول ما التقينا، فلقد رايتنى و انكشفنا مولين، و اقبل اصحاب النبى (ص) على نهب العسكر، حتى بلغت الجماء، ثم كرت خيلنا فقلت: و الله ما كرت الخيل الا عن امر راته، فكررنا على اقدامنا كاننا الخيل، فنجد القوم قد اخذ بعضهم بعضا، يقاتلون على غير صفوف، ما يدرى بعضهم من يضرب، و ما للمسلمين لواء قائم، و مع رجل من بنى عبدالدار لواء المشركين و انا اسمع شعار اصحاب محمد بينهم: (امت امت)، فا
قول فى نفسى: ما (امت)؟ و انى لانظر الى رسول الله (ص) و ان اصحابه محدقون به، و ان النبل ليمر عن يمينه و يساره، و يقع بين يديه، و يخرج من ورائه، و لقد رميت يومئذ بخمسين مرماه، فاصبت منها باسهم بعض اصحابه، ثم هدانى الله الى الاسلام.

قال الواقدى: و كان عمرو بن ثابت بن وقش شاكا فى الاسلام، و كان قومه يكلمونه فى الاسلام، فيقول: لو اعلم ما تقولون حقا ما تاخرت عنه، حتى اذا كان يوم احد بداله الاسلام و رسول الله (ص) باحد، و اخذ سيفه و اسلم، و خرج حتى دخل فى القوم، فقاتل حتى اثبت، فوجد فى القتلى جريحا ميتا، فدنوا منه و هو باخر رمق، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ قال: الاسلام، آمنت بالله و برسوله، و اخذت سيفى و حضرت فرزقنى الله الشهاده، و مات فى ايديهم، فقال رسول الله (ص): (انه لمن اهل الجنه).

قال الواقدى: فكان ابوهريره يقول، و الناس حوله: اخبرونى برجل يدخل الجنه لم يصل لله تعالى سجده؟ فيسكت الناس، فيقول ابوهريره: هو اخو بنى عبدالاشهل عمرو بن ثابت بن وقش.

قال الواقدى: و كان مخيرق اليهودى من احبار يهود، فقال يوم السبت و رسول الله (ص) باحد: يا معشر يهود، و الله انكم لتعلمون ان محمدا نبى، و ان نصره عليكم حق.

فقالوا: ويحك! اليو
م يوم السبت، فقال: لا سبت، ثم اخذ سلاحه و حضر مع النبى (ص)، فاصيب، فقال رسول الله (ص) (مخيرق خير يهود).

قال الواقدى: و كان مخيرق قال حين خرج الى احد: ان اصبت فاموالى لمحمد يضعها حيث اراه الله فيه، فهى عامه صدقات النبى (ص).

قال الواقدى: و كان حاطب بن اميه منافقا، و كان ابنه يزيد بن حاطب رجل صدق، شهد احدا مع النبى (ص) فارتث جريحا، فرجع به قومه الى منزله، قال: يقول ابوه و هو يرى اهل الدار يبكون عنده انتم و الله صنعتم هذا به، قالوا: كيف؟ قال: اغرر تموه من نفسه حتى خرج فقتل، ثم صرتم معه الى شى ء آخر تعدونه جنه، يدخل فيها حبه من حرمل، قالوا: قاتلك الله! قال هو ذاك، و لم يقر بالاسلام.

قال الواقدى: و كان قزمان عسيفا من بنى ظفر، لايدرى ممن هو، و كان لهم محبا، و كان مقلا و لا ولد له و لا زوجه، و كان شجاعا يعرف بذلك فى حروبهم التى كانت تكون بينهم، فشهد احدا، و قاتل قتالا شديدا، فقتل سته او سبعه، فاصابته الجراح فقيل للنبى (ص): ان قزمان قد اصابته الجراح، فهو شهيد، فقال: بل من اهل النار، فجاووا الى قزمان، فقالوا: هينئا لك اباالغيداق الشهاده! فقال: بم تبشروننى! و الله ما قاتلنا الا على الاحساب، قالوا: بشرناك بالجنه، قال حب
ه و الله من حرمل، انا و الله ما قاتلنا على جنه و لا على نار، انما قاتلنا على احسابنا، ثم اخرج سهما من كنانته، فجعل يتوجا به نفسه، فلما ابطا عليه المشقص، اخذ السيف، فاتكا عليه، حتى خرج من ظهره، فذكر ذلك للنبى (ص) فقال: (هو من اهل النار).

قال الواقدى: و كان عمرو بن الجموح رجلا اعرج، فلما كان يوم احد، و كان له بنون اربعه يشهدون مع النبى (ص) المشاهد امثال الاسد، اراد قومه ان يحبسوه، و قالوا: انت رجل اعرج، و لا حرج عليك، و قد ذهب بنوك مع النبى (ص) قال: بخ! يذهبون الى الجنه و اجلس انا عندكم! فقالت هند بنت عمرو بن حزام امراته: كانى انظر اليه موليا قد اخذ درقته، و هو يقول: اللهم لاتردنى الى اهلى، فخرج و لحقه بعض قومه يكلمونه فى القعود، فابى و جاء الى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، ان قومى يريدون ان يحبسونى عن هذا الوجه و الخروج معك، و الله انى لارجو ان اطا بعرجتى هذه فى الجنه، فقال له: اما انت فقد عذرك الله و لا جهاد عليك، فابى، فقال النبى (ص) لقومه و بنيه: لا عليكم ان تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهاده، فخلوا عنه.

فقتل يومئذ شهيدا.

و كان ابوطلحه يحدث، يقول: نظرت الى عمرو بن الجموح حين انكشف المسلمون، ثم ثابوا و هو فى
الرعيل الاول، لكانى انظر الى ضلعه و هو يعرج فى مشيته، و هو يقول: انا و الله مشتاق الى الجنه ثم انظر الى ابنه يعدو فى اثره حتى قتلا جميعا.

قال الواقدى، و كانت عائشه خرجت فى نسوه تستروح الخبر، و لم يكن قد ضرب الحجاب يومئذ، حتى كانت بمنقطع الحره و هى هابطه من بنى حارثه الى الوادى، لقيت هندا بنت عمرو بن حزام، اخت عبدالله بن عمرو بن حزام، تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح، و ابنها خلاد بن عمرو بن الجموح، و اخوها عبدالله بن عمرو بن حزام ابوجابر بن عبدالله فقالت لها عائشه، عندك الخبر، فما ورائك؟ فقالت هند: خير، اما رسول الله (ص) فصالح، و كل مصيبه بعده جلل، و اتخذ الله من المومنين شهداء: (و رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا و كفى الله المومنين القتال و كان الله قويا عزيزا).

قلت: هكذا وردت الروايه، و عندى انها لم تقل كل ذلك و لعلها قالت: (و رد الله الذين كفروا بغيظهم) لا غير، و الا فكيف يواطى ء كلامها آيه من كلام الله تعالى انزلت بعد الخندق و الخندق بعد احد! هذا من البعيد جدا-.

قال: فقالت لها عائشه: فمن هولائ؟ قالت: اخى و ابنى و زوجى قتلى، قالت: فاين تذهبين بهم؟ قالت: الى المدينه اقبرهم بها (حل حل) تزج
ر بعيرها، فبرك البعير، فقالت عائشه: لثقل ما حمل، قالت هند: ما ذاك به، لربما حمل ما يحمله البعيران، و لكنى اراه لغير ذلك، فزجرته فقام، فلما وجهت به الى المدينه برك، فوجهته راجعه الى احد فاسرع، فرجعت الى النبى (ص) فاخبرته بذلك، فقال ان الجمل لمامور، هل قال عمرو شيئا قالت: نعم، انه لما وجه الى احد استقبل القبله، ثم قال: اللهم لاتردنى الى اهلى، و ارزقنى الشهاده، فقال (ص): فلذلك الجمل لايمضى، ان منكم يا معشر الانصار من لو اقسم على الله لابره، منهم عمرو بن الجموح، يا هند، ما زالت الملائكه مظله على اخيك من لدن قتل الى الساعه، ينظرون اين يدفن! ثم مكث رسول الله (ص) فى قبرهم، ثم قال: يا هند، قد ترافقوا فى الجنه جميعا، عمرو بن الجموح بعلك، و خلاد ابنك، و عبدالله اخوك.

فقالت هند: يا رسول الله، فادع الله لى عسى ان يجعلنى معهم! قال الواقدى: و كان جابر بن عبدالله، يقول: اصطبح ناس يوم احد الخمر، منهم ابى، فقتلوا شهداء.

قال الواقدى: و كان جابر يقول: اول قتيل من المسلمين يوم احد ابى، قتله سفيان بن عبدشمس ابوالاعور السلمى، فصلى عليه رسول الله (ص) قبل الهزيمه.

قال الواقدى: و كان جابر يحدث، و يقول: استشهد ابى، و جعلت عمتى تبكى،
فقال النبى (ص): ما يبكيها ما زالت الملائكه تظل عليه باجنحتها حتى دفن.

قال الواقدى: و قال عبيدالله بن عمرو بن حزام: رايت فى النوم قبل يوم احد بايام مبشر بن عبدالمنذر، احد الشهداء ببدر، يقول لى: انت قادم علينا فى ايام! فقلت: فاين انت؟ قال: فى الجنه نسرح منها حيث نشاء، فقلت له: الم تقتل يوم بدر؟ قال: بلى ثم احييت، فذكر ذلك لرسول الله (ص) قال: (هذه الشهاده يا جابر).

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) يوم احد: ادفنوا عبدالله بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح فى قبر واحد، و يقال: انهما وجدا و قد مثل بهما كل مثله قطعت آرابهما عضوا عضوا، فلا تعرف ابدانهما.

فقال النبى (ص) (ادفنوهما فى قبر واحد) و يقال: انما امر بدفنهما فى قبر واحد، لما كان بينهما من الصفاء، فقال: ادفنوا هذين المتحابين فى الدنيا فى قبر واحد.

و كان عبدالله بن عمرو بن حرام رجلا احمر اصلع، ليس بالطويل، و كان عمرو بن الجموح طويلا، فعرفا و دخل السيل بعد عليهما، و كان قبرهما مما يلى السيل، فحفر عنهما و عليهما نمرتان و عبدالله قد اصابه جرح فى وجهه، فيده على وجهه فاميطت يده عن جرحه، فثعب الدم، فردت الى مكانها فسكن الدم.

قال الواقدى: و كان جابر بن عبدالله يقول: ر
ايت ابى فى حفرته، و كانه نائم، و ما تغير من حاله قليل و لا كثير، فقيل له: افرايت اكفانه؟ قال: انما كفن فى نمره خمر بها وجهه، و على رجليه الحرمل فوجدنا النمره كما هى، و الحرمل على رجليه كهيئته، و بين ذلك و بين وقت دفنه ست و اربعون سنه، فشاورهم جابر فى ان يطيبه بمسك، فابى ذلك اصحاب النبى (ص) و قالوا: لاتحدثوا فيهم شيئا.

قال: و يقال ان معاويه لما اراد ان يجرى العين التى احدثها بالمدينه، و هى كظلمه نادى مناديه بالمدينه: من كان له قتيل باحد فليشهد.

فخرج الناس الى قتلاهم فوجدوهم رطابا يتثنون، فاصابت المسحاه رجل رجل منهم، فثعبت دما، فقال ابوسعيد الخدرى: لا ينكر بعد هذا منكر ابدا.

قال: و وجد عبدالله بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح فى قبر واحد، و وجد خارجه بن زيد بن ابى زهير و سعد بن الربيع فى قبر واحد، فاما قبر عبدالله و عمرو فحول و ذلك ان القناه كانت تمر على قبرها، و اما قبر خارجه و سعد فترك، و ذلك لان مكانه كان معتزلا، و سوى عليهما التراب، و لقد كانوا يحفرون التراب، فكلما حفروا قتره من تراب، فاح عليهم المسلك.

قال: و قالوا: ان رسول الله (ص) قال لجابر، يا جابر، الا ابشرك؟ فقال: بلى بابى و امى! قال: فان الله احيا اب
اك، ثم كلمه كلاما، فقال له: تمن على ربك ما شئت! فقال: اتمنى ان ارجع فاقتل مع نبيك، ثم احيا فاقتل مع نبيك، فقال: انى قد قضيت انهم لايرجعون.

قال الواقدى: و كانت نسيبه بنت كعب ام عماره بن غزيه بن عمرو قد شهدت احدا، و زوجها غزيه و ابناها عماره بن غزيه و عبدالله بن زيد، و خرجت و معها شن لها فى اول النهار تريد تسقى الجرحى، فقاتلت يومئذ و ابلت بلاء حسنا، فجرحت اثنى عشر جرحا بين طعنه برمح او ضربه بسيف، فكانت ام سعد بنت سعد بن الربيع تحدث، فتقول: دخلت عليها فقالت لها: يا خاله حدثينى خبرك، فقالت: خرجت اول النهار الى احد، و انا انظر ما يصنع الناس، و معى سقاء فيه ماء، فانتهيت الى رسول الله (ص) و هو فى الصحابه و الدوله و الريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزت الى رسول الله (ص)، فجعلت اباشر القتال، و اذب عن رسول الله (ص) بالسيف، و ارمى بالقوس، حتى خلصت الى الجراح، فرايت على عاتقها جرحا اجوف له غور، فقلت: يا اما عماره، من اصابك بهذا؟ قالت: اقبل ابن قميئه، و قد ولى الناس عن رسول الله (ص) يصيح: دلونى على محمد، لا نجوت ان نجا! فاعترض له مصعب بن عمير و ناس معه، فكنت فيهم فضربنى هذه الضربه، و لقد ضربته على ذلك ضربات، و لكن ع
دو الله كان عليه درعان.

فقالت لها: يدك ما اصابها قالت: اصيبت يوم اليمامه، لما جعلت الاعراب تنهزم بالناس، نادت الانصار: اخلصونا.

فاخلصت الانصار، فكنت معهم، حتى انتهينا الى حديقه الموت فاقتتلنا عليها ساعه حتى قتل ابودجانه على باب الحديقه، و دخلتها و انا اريد عدو الله مسيلمه فيعرض لى رجل، فضرب يدى فقطعها، فو الله ما كانت ناهيه، و لا عرجت عليها، حتى وقفت على الخبيث مقتولا، و ابنى عبدالله بن يزيد المازنى يمسح سيفه بثيابه فقلت: اقتلته؟ قال: نعم، فسجدت شكرا لله عز و جل و انصرفت.

قال الواقدى: و كان ضمره بن سعيد يحدث عن جدته، و كانت قد شهدت احدا تسقى الماء، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول يومئذ: لمقام نسيبه بنت كعب اليوم خير من مقام فلان و فلان.

و كان يراها يومئذ تقاتل اشد القتال، و انها لحاجزه ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثه عشر جرحا.

قلت: ليت الراوى لم يكن هذه الكنايه، و كان يذكرها باسمهما حتى لا تترامى الظنون الى امور مشتبهه! و من امانه المحدث ان يذكر الحديث على وجهه و لا يكتم منه شيئا، فما باله كتم اسم هذين الرجلين! قال: فلما حضرت نسيبه الوفاه، كنت فيمن غسلها فعددت جراحها جرحا جرحا فوجدتها ثلاثه عشر، و كانت تقول: ان
ى لانظر الى ابن قميئه و هو يضربها على عاتقها- و كان اعظم جراحها، لقد داوته سنه- ثم نادى منادى النبى (ص) بعد انقضاء احد: الى حمراء الاسد! فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، و لقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح، حتى اصبحنا فلما رجع رسول الله من حمراء الاسد، لم يصل الى بيته حتى ارسل اليها عبدالله بن كعب المازنى يسال عنها، فرجع اليه فاخبره بسلامتها، فسر بذلك.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالجبار بن عماره بن غزيه، قال: قالت ام عماره لقد رايتنى و انكشف الناس عن رسول الله (ص) فما بقى الا نفير ما يتمون عشره، و انا و ابنائى و زوجى بين يديه نذب عنه، و الناس يمرون عنه منهزمين، فرآنى و لا ترس معى، و راى رجلا موليا معه ترس، فقال: يا صاحب الترس الق ترسك، الى من يقاتل.

فالقى ترسه فاخذته، فجعلت اترس به على النبى (ص)، و انما فعل بنا الافاعيل اصحاب الخيل، و لو كانوا رجاله مثلنا اصبناهم، فيقبل رجل على فرس فضربنى و ترست له، فلم يصنع سيفه شيئا، و ولى و اضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره فجعل النبى (ص) يصيح: يابن عماره امك امك! قالت: فعاوننى عليه حتى اوردته شعوب.

قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى سبره، عن عمرو بن يحيى عن ابيه، عن عبدالله بن
زيد المازنى، قال: جرحت يومئذ جرحا فى عضدى اليسرى، ضبنى رجل كانه الرقل و لم يعرج على و مضى عنى و جعل الدم لا يرقا، فقال رسول الله (ص): اعصب جرحك، فتقبل امى الى و معها عصائب فى حقويها قد اعدتها للجراح، فربطت جرحى و النبى (ص) واقف ينظر، ثم قالت: انهض يا بنى، فضارب القوم، فجعل رسول الله (ص) يقول: و من يطيق ما تطيقين يا ام عماره! قالت: و اقبل الرجل الذى ضربنى، فقال رسول الله (ص): هذا ضارب ابنك فاعترضت امى له، فضربت ساقه، فبرك فرايت النبى (ص) تبسم حتى بدت نواجذه، ثم قال: استقدت يا ام عماره.

ثم اقبلنا نعلوه بالسلاح حتى اتينا على نفسه، فقال النبى (ص): الحمد لله الذى ظفرك و اقر عينك من عدوك، و اراك ثارك بعينك! قال الواقدى: و روى موسى بن ضمره بن سعيد عن ابيه، قال: اتى عمر بن الخطاب فى ايام خلافته بمروط كان فيها مرط واسع جيد، فقال بعضهم: ان هذا المرط بثمن كذا فلو ارسلت به الى زوجه عبدالله بن عمر صفيه بنت ابى عبيد، و ذلك حدثان ما دخلت على ابن عمر فقال: بل ابعث به الى من هو احق منها ام عماره نسيبه بنت كعب سمعت رسول الله (ص) يوم احد يقول: ما التفت يمينا و شمالا الا و انا اراها تقاتل دونى.

قال الواقدى: و روى مروان بن سعيد
بن المعلى، قال: قيل لام عماره، يا ام عماره هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع ازواجهن؟ فقالت: اعوذ بالله، لا و الله ما رايت امراه منهن رمت بسهم و لا حجر، و لكن رايت معهن الدفاف و الاكبار يضربن و يذكرن القوم قتلى بدر و معهن مكاحل و مراود، فكلما ولى رجل او تكعكع ناولته احداهن مرودا و مكحله، و يقلن: انما انت امراه، و لقد رايتهن ولين منهزمات مشمرات، و لها عنهم الرجال اصحاب الخيل و نجوا على متون خيلهم، و جعلن يتبعن الرجال على اقدامهن، فجعلن يسقطن فى الطريق، و لقد رايت هندا بنت عتبه، و كانت امراه ثقيله، و لها خلق، قاعده خاشيه من الخيل، ما بها مشى و معها امراه اخرى، حتى كثر القوم علينا فاصابوا منا ما اصابوا، فعند الله نحتسب ما اصابنا يومئذ من قبل الرماه و معصيتهم لرسول الله (ص).

قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى سبره عن عبدالرحمن بن عبدالله بن ابى صعصعه، عن الحارث بن عبدالله قال: سمعت عبدالله بن زيد بن عاصم، يقول: شهدت احدا مع رسول الله (ص)، فلما تفرق الناس عنه، دنوت منه و امى تذب عنه، فقال: يابن عماره، قلت: نعم، قال: ارم، فرميت بين يديه رجلا من المشركين بحجر، و هو على فرس، فاصيبت عين الفرس، فاضطرب الفرس حتى وقع هو و صاحبه
، و جعلت اعوله بالحجاره، حتى نضدت عليه منها و قرا، و النبى (ص) ينظر الى و يتبسم، فنظر الى جرح بامى على عاتقها، فقال: امك امك! اعصب جرحها، بارك الله عليكم من اهل بيت! لمقام امك خير من مقام فلان و فلان، و مقام ربيبك- يعنى زوج امه- خير من مقام فلان رحمكم الله من اهل بيت! فقالت امى: ادع لنا الله يا رسول الله ان نرافقك فى الجنه، فقال: (اللهم اجعلهم رفقائى فى الجنه)، قالت: فما ابالى ما اصابنى من الدنيا.

قال الواقدى: و كان حنظله بن ابى عامر تزوج جميله بنت عبدالله بن ابى بن سلول، فادخلت عليه فى الليله التى فى صبيحتها قتال احد، و كان قد استاذن رسول الله (ص) ان يبيت عندها، فاذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد النبى (ص)، فلزمته جميله فعاد فكان معها، فاجنب منها ثم اراد الخروج، و قد ارسلت قبل ذلك الى اربعه من قومها فاشهدتهم انه قد دخل بها فقيل لها بعد: لم اشهدت عليه؟ قالت: رايت كان السماء فرجت، فدخل فيها ثم اطبقت.

فقلت: هذه الشهاده، فاشهدت عليه انه قد دخل بى فعلقت منه بعبدالله بن حنظله.

ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد، فولدت له محمد بن ثابت ابن قيس: و اخذ حنظله بن ابى عامر سلاحه، فلحق برسول الله (ص) باحد، و هو يسوى الصفوف، فلما انك
شف المشركون، اعترض حنظله لابى سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه، فاكتسعت الفرس و يقع ابوسفيان الى الارض، فجعل يصيح: يا معشر قريش، انا ابوسفيان بن حرب! و حنظله يريد ذبحه بالسيف، فاسمع الصوت رجالا لايلتفتون اليه من الهزيمه، حتى عاينه الاسود بن شعوب، فحمل على حنظله بالرمح فانفذه، و مشى حنظله اليه فى الرمح فضربه ثانيه فقتله، و هرب ابوسفيان يعدو على قدميه، فلحق ببعض قريش، فنزل عن صدر فرسه و ردف ورائه اباسفيان، فذلك قول ابى سفيان يذكر صبره و وقوفه و انه لم يفر، و ذكره محمد بن اسحاق: و لو شئت نجتنى كميت طمره و لم احمل النعماء لابن شعوب و ما زال مهرى مزجر الكلب فيهم لدن غدوه حتى دنت لغروب اقاتلهم و ادعى يال غالب و ادفعهم عنى بركن صليب فبكى و لاترعى مقاله عاذل و لا تسامى من عبره و نحيب اياك و اخوانا لنا قد تتابعوا و حق لهم من حسره بنصيب و سلى الذى قد كان فى النفس اننى قتلت من النجار كل نجيب و من هاشم قرما كريما و مصعبا و كان لدى الهيجاء غير هيوب و لو اننى لم اشف نفسى منهم لكانت شجا فى الصدر ذات ندوب فابوا و قد اودى الجلابيب منهم بهم كمد من واجم و كئيب اصابهم من لم يكن لدمائهم كفاء و
لا فى سنخهم بضريب قال الواقدى: مر ابوعامر الراهب على حنظله ابنه و هو مقتول الى جنب حمزه بن عبدالمطلب، و عبدالله بن جحش، فقال: ان كنت لاحدرك هذا الرجل- يعنى رسول الله (ص)- من قبل هذا المصرع، و الله ان كنت لبرا بالوالد، شريف الخلق فى حياتك، و ان مماتك لمع سراه اصحابك و اشرافهم، ان جزى الله هذا القتيل- يعنى حمزه- خيرا، او جزى احدا من اصحاب محمد خيرا، فليجزك ثم نادى: يا معشر قريش حنظله لا يمثل به، و ان كان خالفنى و خالفكم فلم يال لنفسه فيما يرى خيرا، فمثل بالناس و ترك حنظله فلم يمثل به.

و كانت هند بنت عتبه اول من مثل باصحاب النبى (ص)، و امرت النساء بالمثل، و بجدع الانوف و الاذان فلم تبق امراه الا عليها معضدان و مسكتان و خدمتان الا حنظله لم يمثل به، و قال رسول الله (ص): (انى رايت الملائكه تغسل حنظله بن ابى عامر بين السماء و الارض بماء المزن فى صحاف الفضه) قال ابواسيد الساعدى: فذهبنا فنظرنا اليه فاذا راسه يقطر ماء، فرجعت الى رسول الله (ص) فاخبرته، فارسل الى امراته فسالها فاخبرته انه خرج و هو جنب.

قال الواقدى: و اقبل وهب بن قابوس المزنى، و معه ابن اخيه الحارث بن عقبه بن قابوس بغنم لهما من جبل مزينه، فوجد المدينه خ
لوا، فسالا اين الناس؟ قالوا: باحد خرج رسول الله (ص) يقاتل المشركين من قريش، فقال لانبتغى اثرا بعد عين، فخرجا حتى اتيا النبى (ص) باحد، فيجدان القوم يقتتلون، و الدوله لرسول الله (ص) و اصحابه، فاغارا مع المسلمين فى النهب و جائت الخيل من ورائهم، خالد بن الوليد و عكرمه بن ابى جهل، فاختلط الناس فقاتلا اشد القتال، فانفرقت فرقه من المشركين، فقال رسول الله (ص): من لهذه الفرقه؟ فقال وهب بن قابوس: انا يا رسول الله فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا، ثم رجع فانفرقت فرقه اخرى فقال رسول الله (ص): من لهذه الكتيبه؟ فقال المزنى: انا يا رسول الله، فقام فذبها بالسيف حتى ولت ثم رجع فطلعت كتيبه اخرى، فقال النبى (ص): من يقوم لهولائ؟ فقال المزنى: انا يا رسول الله فقال: قم و ابشر بالجنه.

فقام المزنى مسرورا يقول: و الله لااقيل و لااستقيل، فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف و رسول الله (ص) ينظر اليه و المسلمون، حتى خرج من اقصى الكتيبه، و رسول الله (ص) يقول: اللهم ارحمه ثم يرجع فيهم فما زال كذلك و هم محدقون به، حتى اشتملت عليه اسيافهم و رماحهم فقتلوه فوجد به يومئذ عشرون طعنه بالرماح، كلها قد خلصت الى مقتلى، و مثل به اقبح المثل يومئذ.

ثم قام ابن
اخيه، فقاتل كنحو قتاله، حتى قتل، فكان عمر بن الخطاب يقول: ان احب ميته اموت عليها لما مات عليها المزنى.

قال الواقدى: و كان بلال بن الحارث المزنى يحدث يقول: شهدنا القادسيه مع سعد بن ابى وقاص، فلما فتح الله علينا، و قسمت بيننا غنائمنا اسقط فتى من آل قابوس من مزينه، فجئت سعدا حين فزع من نومه، فقال: بلال! قلت: بلال قال: مرحبا بك، من هذا معك؟ قلت رجل من قومى، قال: ما انت يا فتى من المزنى الذى قتل يوم احد! قال: ابن اخيه.

قال: سعد مرحبا و اهلا، انعم الله بك عينا! لقد شهدت من ذلك الرجل يوم احد مشهدا ما شهدت من احد قط، لقد رايتنا و قد احدق المشركون بنا من كل ناحيه، و رسول الله (ص) وسطنا و الكتائب تطلع من كل ناحيه، و ان رسول الله (ص) يرمى ببصره فى الناس يتوسمهم و يقول: من لهذه الكتيبه؟ كل ذلك يقول المزنى: انا يا رسول الله كل ذلك يرد الكتيبه، فما انسى آخر مره قالها، فقال له رسول الله (ص): قم و ابشر بالجنه، فقام و قمت على اثره، يعلم الله انى اطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهاده، فخضنا حومتهم حتى رجعنا فيهم الثانيه فاصابوه رحمه الله و وددت و الله انى كنت اصبت يومئذ معه، و لكن اجل استاخر ثم دعا من ساعته بسهمه فاعطاه و فضله، و
قال: اختر فى المقام عندنا او الرجوع الى اهلك، فقال بلال: انه يستحب الرجوع، فرجع.

فقال الواقدى: و قال سعد بن ابى وقاص: اشهد لرايت رسول الله (ص) واقفا على المزنى و هو مقتول، و هو يقول رضى الله عنك، فانى عنك راض ثم رايت رسول الله (ص) قام على قدميه، و قد ناله (ع) من الم الجراح ما ناله، و انى لاعلم ان القيام يشق عليه على قبره، حتى وضع فى لحده و عليه برده، لها اعلام حمر، فمد رسول الله (ص) البرده على راسه، فخمره و ادرجه فيها طولا، فبلغت نصف ساقيه، فامرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه على رجليه و هو فى لحده، ثم انصرف فما حال احب الى من ان اموت عليها و القى الله عليها من حال المزنى.

قال الواقدى: و كان رسول الله (ص) يوم احد قد خاصم اليه يتيم من الانصار ابالبابه بن عبدالمنذر فى عذق بينهما، فقضى رسول الله (ص) لابى لبابه، فجزع اليتيم على العذق فطلب رسول الله (ص) العذق الى ابى لبابه لليتيم، فابى ان يدفعه اليه فجعل رسول الله (ص) يقول لابى لبابه: ادفعه اليه و لك عذق فى الجنه فابى ابولبابه، و قال ثابت بن ابى الدحداحه: يا رسول الله، ارايت ان اعطيت اليتيم عذقه من مالى! قال: لك به عذق فى الجنه فذهب ثابت بن الدحداحه، فاشترى من ابى لبابه
ذلك العذق بحديقه نخل، ثم رد العذق الى الغلام، فقال رسول الله (ص): (رب عذق مذلل لابن الدحداحه فى الجنه)، فكانت ترجى له الشهاده بذلك القول، فقتل يوم احد.

قال الواقدى: و يقبل ضرار بن الخطاب فارسا يجر قناه له طويله، فيطعم عمرو بن معاذ فانفذه، و يمشى عمرو اليه حتى غلب فوقع لوجهه قال يقول ضرار: لا تعدمن رجلا زوجك من الحور العين، و كان يقول: زوجت يوم احد عشره من اصحاب محمد الحور العين.

قال الواقدى: فسالت شيوخ الحديث: هل قتل عشره قالوا ما بلغنا انه قتل الا ثلاثه، و لقد ضرب يومئذ عمر بن الخطاب حين جال المسلمون تلك الجوله بالقناه و قال: يابن الخطاب انها نعمه مشكوره، ما كنت لاقتلك.

قال الواقدى: و كان ضرار يحدث بعد، و يذكر وقعه احد، و يذكر الانصار فيترحم عليهم، و يذكر غنائهم فى الاسلام و شجاعتهم و اقدامهم على الموت، ثم يقول: لقد قتل اشراف قومى ببدر فاقول: من قتل اباالحكم؟ فيقال: ابن عفراء.

من قتل اميه بن خلف؟ فيقال: خبيب بن يساف.

من قتل عقبه بن ابى معيط؟ فيقال: عاصم بن ثابت.

من قتل فلان؟ بن فلان فيسمى لى من الانصار، من اسر سهيل بن عمرو؟ فيقال: مالك بن الدخشم.

فلما خرجنا الى احد، و انا اقول، ان قاموا فى صياصيهم فهى منيعه
لا سبيل لنا اليهم نقيم اياما ثم ننصرف، و ان خرجوا الينا من صياصيهم اصبنا منهم، فان معنا عددا اكثر من عددهم، و نحن قوم موتورون، خرجنا بالظعن يذكرننا قتلى بدر، و معنا كراع و لا كراع معهم، و سلاحنا اكثر من سلاحهم، فقضى لهم ان خرجوا، فالتقينا فو الله ما قمنا لهم حتى هزمنا و انكشفنا مولين، فقلت فى نفسى: هذه اشد من وقعه بدر، و جعلت اقول لخالد بن الوليد: كر على القوم، فيقول: و ترى وجها نكر فيه! حتى نظرت الى الجبل الذى كان عليه الرماه خاليا، فقلت: يا اباسليمان انظر ورائك فعطف عنان فرسه، و كررنا معه، فانتهينا الى الجبل فلم نجد عليه احدا له بال، وجدنا نفيرا فاصبناهم، ثم دخلنا العسكر و القوم غارون ينتبهون عسكرنا فاقحمنا الخيل عليهم، فتطايروا فى كل وجه و وضعنا السيوف فيهم حيث شئنا، و جعلت اطلب الاكابر من الاوس و الخزرج قتله الاحبه، فلا ارى احدا، هربوا فما كان حلب ناقه حتى تداعت الانصار بينها، فاقبلت فخالطونا و نحن فرسان فصبرنا لهم و صبروا لنا، و بذلوا انفسهم حتى عقروا فرسى، و ترجلت فقتلت منهم عشره، و لقيت من رجل منهم الموت الناقع حتى وجدت ريح الدم، و هو معانقى ما يفارقنى حتى اخذته الرماح من كل ناحيه، فوقع.

فالحمد لله ال
ذى اكرمهم بيدى، و لم يهنى بايديهم.

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) يوم احد: من له علم بذكوان بن عبدقيس؟ فقال على (ع): انا رايت يا رسول الله فارسا يركض فى اثره حتى لحقه، و هو يقول: لانجوت ان نجوت! فحمل عليه فرسه و ذكوان راجل فضربه و هو يقول: خذها و انا ابن علاج! فقتله فاهويت الى الفارس فضربت رجله بالسيف، حتى قطعتها من نصف الفخذ ثم طرحته عن فرسه فذففت عليه، و اذا هو ابوالحكم بن اخنس بن شريق بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفى.

قال الواقدى: و قال على (ع): لما كان يوم احد و جال الناس تلك الجوله اقبل اميه بن ابى حذيفه بن المغيره و هو دارع مقنع فى الحديد ما يرى منه الا عيناه، و هو يقول: يوم بيوم بدر! فيعرض له، رجل من المسلمين فقتله اميه قال على (ع) و اصمد له فاضربه بالسيف على هامته و عليه بيضه و تحت البيضه مغفر، فنبا سيفى، و كنت رجلا قصيرا، و يضربنى بسيفه، فاتقى بالدرقه فلحج سيفه فاضربه و كانت درعه مشمره فاقطع رجليه فوقع و جعل يعالج سيفه، حتى خلصه من الدرقه، و جعل يناوشنى و هو بارك حتى نظرت الى فتق تحت ابطه فاحش فيه بالسيف فمال فمات و انصرفت.

قال الواقدى: و فى يوم احد انتمى رسول الله (ص)، فقال: (انا ابن العواتك) و قال
ايضا: انا النبى لا كذب انا ابن عبدالمطلب قال الواقدى: بينا عمر بن الخطاب يومئذ فى رهط من المسلمين قعود، مر بهم انس بن النضر بن ضمضم عم انس بن مالك، فقال: ما يقعدكم، قالوا قتل رسول الله (ص)، قال: فما تصنعون بالحياه بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم قام، فجالد بسيفه حتى قتل فقال عمر بن الخطاب: انى لارجو ان يبعثه الله امه وحده يوم القيامه، وجد به سبعون ضربه فى وجهه ما عرف حتى عرفته اخته.

قال الواقدى: و قالوا: ان مالك بن الدخشم مر على خارجه بن زيد بن زهير يومئذ و هو قاعد، و فى حشوته ثلاثه عشر جرحا كلها قد خلصت الى مقتل فقال له مالك: اما علمت ان محمدا قد قتل! قال خارجه: فان كان محمد قد قتل، فان الله حى لا يقتل و لا يموت و ان محمدا قد بلغ رساله ربه، فاذهب انت فقاتل عن دينك.

قال: و مر مالك بن الدخشم ايضا على سعد بن الربيع، و به اثنا عشر جرحا كلها قد خلصت الى مقتل، فقال اعلمت ان محمدا قد قتل! فقال سعد: اشهد ان محمدا قد بلغ رساله ربه فقاتل انت عن دينك، فان الله حى لا يموت.

قال محمد بن اسحاق: و حدثنى محمد بن عبدالله بن عبدالرحمن بن ابى صعصعه المازنى، اخو بنى النجار قال: قال رسول الله (ص) يومئذ: من رجل ينظر ما
فعل سعد بن الربيع افى الاحياء هو ام فى الاموات، فقال رجل من الانصار: انا انظر يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحا فى القتلى، و به رمق فقال له: ان رسول الله (ص) امرنى ان انظر فى الاحياء انت ام فى الاموات، قال: انا فى الاموات فابلغ رسول الله منى السلام و قل له: ان سعد بن الربيع يقول: جزاك الله خيرا عنا ما جزى نبيا عن امته و ابلغ قومك السلام عنى و قل لهم: ان سعد بن الربيع يقول لكم: لا عذر لكم عند الله ان يخلص الى نبيكم و منكم عين تطرف قال فلم ابرح عنده حتى مات، ثم جئت الى رسول الله (ص) فاخبرته فقال: اللهم ارض عن سعد بن الربيع.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالله بن عمار، عن الحارث بن الفضيل الخطمى قال: اقبل ثابت بن الدحداحه يومئذ و المسلمون اوزاع قد سقط فى ايديهم، فجعل يصيح: يا معشر الانصار الى الى انا ثابت بن الدحداحه! ان كان محمد قد قتل، فان الله حى لا يموت! قاتلوا عن دينكم فان الله مظهركم و ناصركم فنهض اليه نفر من الانصار، فجعل يحمل بمن معه من المسلمين، و قد وقفت لهم كتيبه خشناء فيها روساوهم: خالد بن الوليد و عمرو بن العاص، و عكرمه بن ابى جهل، و ضرار بن الخطاب، و جعلوا يناوشونهم، ثم حمل عليه خالد بن الوليد بالرمح ف
طعنه فانفذه فوقع ميتا، و قتل من كان معه من الانصار فيقال: ان هولاء آخر من قتل من المسلمين فى ذلك اليوم.

و قال عبدالله بن الزبعرى يذكر يوم احد: الا ذرفت من مقلتيك دموع و قد بان فى حبل الشباب قطوع و شط بمن تهوى المزار و فرقت نوى الحى دار بالحبيب فجوع و ليس لما ولى على ذى صبابه و ان طال تذراف الدموع رجوع فدع ذا و لكن هل اتى ام مالك احاديث قومى و الحديث يشيع و مجنبنا جردا الى اهل يثرب عناجيج فيها ضامر و بديع عشيه سرنا من كداء يقودها ضرور الاعادى للصديق نفوع يشد علينا كل زحف كانها غدير نضوح الجانبين نقيع فلما راونا خالطتهم مهابه و خامرهم رعب هناك فظيع فودوا لو ان الارض ينشق ظهرها بهم، و صبور القوم ثم جزوع و قد عريت بيض كان و ميضها حريق و شيك فى الاباء سريع بايماننا نعلو بها كل هامه و فيها سمام للعدو ذريع فغادرن قتلى الاوس عاصبه بهم ضباع و طير فوقهن وقوع و مر بنوالنجار فى كل تلعه باثوابهم من وقعهن نجيع و لولا علو الشعب عادرن احمدا و لكن علا و السمهرى شروع كما غادرت فى الكر حمزه ثاويا و فى صدره ماضى الشباه وقيع و قال ابن الزبعرى ايضا من قصيده مشهوره، و هى: يا غراب البين اسمعت فقل انما تندب امرا قد فعل ان للخير و للشر مدى و سواء قبر مثر و مقل كل خير و نعيم زائل و بنات الدهر يلعبن بكل ابلغا حسان عنى آيه فقريض الشعر يشفى ذا الغلل كم ترى بالجسر من جمجمه و اكفا قد اترت و رجل و سرابيل حسان شققت عن كماه غودروا فى المنتزل كم قتلنا من كريم سيد ماجد الجدين مقدام بطل صادق النجده قرم بارع غير ملطاط لدى وقع الاسل فسل المهراس من ساكنه؟ من كراديس و هام كالحجل ليت اشياخى ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل حين حطت بقباء بركها و استحر القتل فى عبدالاشل ثم خفوا عند ذاكم رقصا رقص الحفان تعدو فى الجبل فقلنا النصف من ساداتهم و عدلنا ميل بدر فاعتدل لا الوم النفس الا اننا لو كررنا لفعلنا المفتعل بسيوف النهد تعلو هامهم تبرد الغيظ و يشفين الغلل قلت: كثير من الناس يعتقدون ان هذا البيت ليزيد بن معاويه، و هو قوله: (ليت اشياخى)، و قال من اكره التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد فقلت له: انما قاله يزيد متمثلا لما حمل اليه راس الحسين (ع) و هو لابن الزبعرى، فلم تسكن نفسه الى ذلك حتى اوضحته له، فقلت الا تراه يقول: (جزع الخزرج من وقع الاسل
) و الحسين (ع) لم تحارب عنه الخزرج، و كان يليق ان يقول: (جزع بنى هاشم من وقع الاسل) فقال بعض من كان حاضرا: لعله قاله فى يوم الحره! فقلت: المنقول انه انشده لما حمل اليه راس الحسين (ع) و المنقول انه شعر ابن الزبعرى، و لايجوز ان يترك المنقول الى ما ليس بمنقول.

و على ذكر هذا الشعر فانى حضرت و انا غلام بالنظاميه ببغداد فى بيت عبدالقادر بن داود الواسطى المعروف بالمحب، خازن دار الكتب بها و عنده فى البيت باتكين الرومى الذى ولى اربل اخيرا و عنده ايضا جعفر بن مكى الحاجب، فجرى ذكر يوم احد و شعر ابن الزبعرى هذا و غيره، و ان المسلمين اعتصموا بالجبل، فاصعدوا فيه، و ان الليل حال ايضا بين المشركين و بينهم، فانشد ابن مكى بيتين لابى تمام متمثلا.

لولا الظلام و قله علقوا بها باتت رقابهم بغير قلال فليشكر جنح الظلام و دروذا فهم لدروذ و الضلام موالى فقال باتكين: لاتقل هذا، و لكن قل: (و لقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه حتى اذا فشلتم و تنازعتم فى الامر و عصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الاخره ثم صرفكم عنهم ليبتليكم و لقد عفا عنكم و الله ذو فضل على المومنين) و كان باتكين مسلما، و كان جعفر
سامحه الله مغموصا عليه فى دينه.

(مجلد 15 صفحه 3( القول فى اسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول الله (ص) و ما اصابوه به فى المعركه يوم الحرب قال الواقدى: تعاقد من قريش على قتل رسول الله (ص) عبدالله بن شهاب الزهرى و ابن قميئه احد بنى الحارث بن فهر، و عتبه بن ابى وقاص الزهرى، و ابى بن خلف الجمحى.

فلما اتى خالد بن الوليد من وراء المسلمين، و اختلطت الصفوف، و وضع المشركون السيف فى المسلمين، رمى عتبه بن ابى وقاص رسول الله (ص) باربعه احجار، فكسر رباعيته، و شجه فى وجهه حتى غاب حلق المغفر فى و جنتيه، و ادمى شفتيه.

قال الواقدى: و قد روى ان عتبه اشظى باطن رباعيته السفلى.

قال: و الثبت عندنا ان الذى رمى و جنتى رسول الله (ص) ابن قميئه، و الذى رمى شفته و اصاب رباعيته عتبه بن ابى وقاص.

قال الواقدى: اقبل ابن قميئه يومئذ و هو يقول: دلونى على محمد، فو الذى يحلف به، لئن رايته لاقتلنه، فوصل الى رسول الله (ص) فعلاه بالسيف، و رماه عتبه (مجلد 15 صفحه 4( ابن ابى وقاص فى الحال التى جلله ابن قميئه فيها السيف، و كان (ع) فارسا، و هو لابس درعين مثقل بهما، فوقع رسول الله (ص) عن الفرس فى حفره كانت امامه.

قال الواقدى: اصيب ركب
تاه، جحشتا لما وقع فى تلك الحفره، و كانت هناك حفر حفرها ابو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين، و كان رسول الله (ص) واقفا على بعضها و هو لايشعر، فجحشت ركبتاه، و لم يصنع سيف ابن قميئه شيئا الا وهز الضربه بثقل السيف، فقد وقع رسول الله (ص)، ثم انتهض و طلحه يحمله من ورائه، و على (ع) آخذ بيديه حتى استوى قائما.

قال الواقدى: فحدثنى الضحاك بن عثمان عن حمزه بن سعيد، عن ابى بشر المازنى، قال: حضرت يوم احد و انا غلام، فرايت ابن قميئه علا رسول الله (ص) بالسيف، و رايت رسول الله (ص) وقع على ركبتيه فى حفره امامه حتى توارى فى الحفره، فجعلت اصيح و انا غلام حتى رايت الناس ثابوا اليه.

قال: فانظر الى طلحه بن عبيد الله آخذا بحضنه حتى قام.

قال الواقدى: و يقال: ان الذى شج رسول الله (ص) فى جبهته ابن شهاب، و الذى اشظى رباعيته و ادمى شفيته عتبه بن ابى وقاص، و الذى ادمى وجنتيه حتى غاب الحلق فيهما ابن قميئه، و انه سال الدم من الشجه التى فى جبهته حتى اخضل لحيته.

و كان سالم مولى ابى حذيفه يغسل الدم عن وجهه و رسول الله (ص)، يقول: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، و هو يدعوهم الى الله تعالى! فانزل الله تعالى قوله: (ليس لك من الامر شى ء او يتوب عليهم
او يعذبهم...) الايه.

(مجلد 15 صفحه 5( قال الواقدى: و روى سعد بن ابى وقاص قال: قال رسول الله (ص) يومئذ: اشتد غضب الله على قوم دموا فارسول الله (ص)، اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله، اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله (ص).

قال سعد: فلقد شفانى من عتبه اخى دعاء رسول الله (ص)، و لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصت على شى ء قط، و ان كان ما علمت لعاقا بالوالد، سيى ء الخلق، و لقد تخرقت صفوف المشركين مرتين اطلب اخى لاقتله، و لكنه راغ منى روغان الثعلب، فلما كان الثالثه قال رسول الله (ص): يا عبدالله ما تريد؟ اتريد ان تقتل نفسك؟ فكففت.

فقال رسول الله (ص): اللهم لاتحولن الحول على احد منهم.

قال سعد: فوالله ما حال الحول على احد ممن رماه او جرحه.

مات عتبه، و اما ابن قميئه فاختلف فيه،: (فقائل يقول: قتل فى المعرك و) قائل (يقول): انه رمى بسهم فى ذلك اليوم فاصاب مصعب بن عمير فقتله، فقال: خذها و انا ابن قميئه، فقال رسول الله (ص): اقماه الله، فعمد الى شاه يحتلبها فتنطحه بقرنها و هو معتلقها فقتلته.

فوجد ميتا بين الجبال لدعوه رسول الله (ص)، و كان عدو الله رجع الى اصحابه فاخبرهم انه قتل محمدا.

قال: و ابن قميئه رجل من بنى الاد
رم من بنى فهر.

و زاد البلاذرى فى الجماعه التى تعاهدت و تعاقدت على قتل رسول الله (ص) يوم احد عبدالله بن حميد بن زهير بن الحارث بن اسد بن عبد العزى بن قصى.

قال: و ابن شهاب الذى شج رسول الله (ص) فى جبهته هو عبدالله (مجلد 15 صفحه 6( ابن شهاب الزهرى، جد الفقيه المحدث محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب، و كان ابن قميئه ادرم ناقص الذقن، و لم يذكر اسمه و لا ذكره الواقدى ايضا.

قلت: سالت النقيب اباجعفر عن اسمه فقال: عمرو، فقلت له: اهو عمرو بن قميئه الشاعر؟ قال: لا، هو غيره.

فقلت له: ما بال بنى زهره فى هذا اليوم فعلوا الافاعيل برسول الله (ص) و هم اخواله، ابن شهاب و عتبه بن ابى وقاص! فقال: يابن اخى، حركهم ابوسفيان و هاجهم على الشر لانهم رجعوا يوم بدر من الطريق الى مكه فلم يشهدوها، فاعترض عيرهم و منعهم عنها، و اغرى بها سفهاء اهل مكه، فعيروهم برجوعهم، و نسبوهم الى الجبن و الى الادهان فى امر محمد (ص)، و اتفق انه كان فيهم مثل هذين الرجلين، فوقع منهما يوم احد ما وقع.

قال البلاذرى: مات عتبه يوم احد من وجع اليم اصابه، فتعذب به، و اصيب ابن قميئه فى المعركه، و قيل: نطحته عنز فمات.

قال: و لم يذكر الواقدى ابن شهاب كيف م
ات، و احسب ذلك بالوهم منه.

قال: وحدثنى بعض قريش ان افعى نهشت عبدالله بن شهاب فى طريقه الى مكه، فمات.

قال: و سالت بعض بنى زهره عن خبره، فانكروا ان يكون رسول الله (ص) دعا عليه، او يكون شج رسول الله (ص).

و قالوا: ان الذى شجه فى وجهه عبدالله بن حميد الاسدى.

فاما عبدالله بن حميد الفهرى، فان الواقدى و ان لم يذكره فى الجماعه الذين (مجلد 15 صفحه 7( تعاقدوا على قتل رسول الله (ص) الا انه قد ذكر كيفيه قتله.

قال الواقدى: و يقبل عبدالله بن حميد بن زهير حين راى رسول الله (ص) على تلك الحال- يعنى سقوطه من ضربه ابن قميئه- يركض فرسه مقنعا فى الحديد يقول: انا ابن زهير، دلونى على محمد، فوالله لاقتلنه او لاموتن دونه! فتعرض له ابودجانه فقال: هلم الى من يقى نفس محمد (ص) بنفسه، فضرب فرسه فعرقبها، فاكتسعت، ثم علاه بالسيف و هو يقول: خذها و انا ابن خرشه، حتى قتله، و رسول الله (ص) ينظر اليه و يقول: اللهم ارض عن ابن خرشه كما انا عنه راض.

هذه روايه الواقدى، و بها قال البلاذرى: ان عبدالله بن حميد قتله ابودجانه.

فاما محمد بن اسحاق فقال: ان الذى قتل عبدالله بن حميد على بن ابى طالب (ع).

و به قالت الشيعه.

و روى الواقدى و البلاذرى ان قوما قا
لوا: ان عبدالله بن حميد هذا قتل يوم بدر.

فالاول الصحيح انه قتل يوم احد.

وقد روى كثير من المحدثين ان رسول الله (ص) قال لعلى (ع) حين سقط ثم اقيم: اكفنى هولاء- لجماعه قصدت نحوه- فحمل عليهم فهزمهم، و قتل منهم عبدالله بن حميد من بنى اسد بن عبد العزى، ثم حملت عليه طائفه اخرى، فقال له: اكفنى هولاء، فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه، و قتل منهم اميه بن ابى حذيفه بن المغيره المخزومى.

قال: فاما ابى بن خلف فروى الواقدى انه اقبل يركض فرسه، حتى اذا دنا من رسول الله (ص)، اعترض له ناس من اصحابه ليقتلوه، فقال لهم: استاخروا (مجلد 15 صفحه 8( عنه.

ثم قام اليه و حربته فى يده، فرماه بها بين سابغه البيضه و الدرع، فطعنه هناك، فوقع عن فرسه، فانكسر ضلع من اضلاعه، و احتمله قوم من المشركين ثقيلا حتى ولوا قافلين، فمات فى الطريق، و قال: و فيه انزلت: (و ما رميت اذ رميت و لكن الله رمى)، قال: يعنى قذفه اياه بالحربه.

قال الواقدى: و حدثنى يوسف بن محمد الظفرى، عن عاصم بن عمر، عن عبدالله ابن كعب بن مالك، عن ابيه، قال: كان ابى بن خلف قدم فى فداء ابنه، و كان اسر يوم بدر، فقال: يا محمد، ان عندى فرسالى اعلفها فرقا من ذره كل يوم لاقتلك عليها فقال ر
سول الله (ص): بل انا اقتلك عليها ان شاءالله تعالى.

و يقال: ان ابيا انما قال ذلك بمكه، فبلغ رسول الله (ص) بالمدينه كلمته فقال: بل انا اقتله عليها ان شاءالله.

قال: و كان رسول الله (ص) فى القتال لايلتفت ورائه، فكان يوم احد يقول لاصحابه: انى اخشى ان ياتى ابى بن خلف من خلفى، فاذا رايتموه فاذنونى، و اذا بابى يركض على فرسه، و قد راى رسول الله (ص) فعرفه، فجعل يصيح باعلى صوته: يا محمد لانجوت ان نجوت! فقال القوم: يا رسول الله ما كنت صانعا حين يغشاك ابى؟ فاصنع، فقد جائك، و ان شئت عطف عليه بعضنا، فابى رسول الله (ص)، و دنا ابى، فتناول رسول الله (ص) الحربه من الحارث بن الصمه، ثم انتفض كما ينتفض البعير.

قال: فتطايرنا (مجلد 15 صفحه 9( عنه تطاير الشعارير، و لم يكن احد يشبه رسول الله (ص) اذا جد الجد، ثم طعنه بالحربه فى عنقه و هو على فرسه لم يسقط، الا انه خار كما يخور الثور، فقال له اصحابه: اباعامر، و الله ما بك باس، و لو كان هذا الذى بك بعين احدنا ماضره.

قال: و اللات و العزى، لو كان الذى بى باهل ذى المجاز لماتوا كلهم اجمعون، اليس قال: لاقتلنه! فاحتملوه، و شغلهم ذلك عن طلب رسول الله (ص) حتى التحق بعظم اصحابه فى الشعب.

قال ال
واقدى: و يقال: انه تناول الحربه من الزبير بن العوام.

قال: و يقال انه لما تناول الحربه من الزبير حمل ابى على رسول الله (ص) ليضربه بالسيف، فاستقبله مصعب بن عمير حائلا بنفسه بينهما، و ان مصعبا ضرب بالسيف ابيا فى وجهه، و ابصر رسول الله (ص) فرجه من بين سابغه البيضه و الدرع، فطعنه هناك، فوقع و هو يخور.

قال الواقدى: و كان عبدالله بن عمر يقول: مات ابى بن خلف ببطن رابغ منصرفهم الى مكه.

قال: فانى لاسير ببطن رابغ بعد ذلك، و قد مضى هوى من الليل اذا نار تاجج، فهبتها، و اذا رجل يخرج منها فى سلسله يجتذبها يصيح: العطش، و اذا رجل يقول: لاتسقه، فان هذا قتيل رسول الله (ص)، هذا ابى بن خلف، فقلت: الا سحقا! و يقال: انه مات بسرف.

(مجلد 15 صفحه 10( القول فى الملائكه نزلت باحد و قاتلت ام لا قال الواقدى: حدثنى الزبير بن سعيد، عن عبدالله بن الفضل، قال: اعطى رسول الله (ص) مصعب بن عمير اللواء فقتل، فاخذه ملك فى صوره مصعب فجعل رسول الله (ص) يقول له فى آخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفت اليه الملك، فقال: لست بمصعب، فعرف رسول الله (ص) انه ملك ايد به.

قال الواقدى: سمعت ابا معشر يقول مثل ذلك.

قال: و حدثتنى عبيده بنت نائل، عن عائشه بنت سعد
بن ابى وقاص، عنه، قال: لقد رايتنى ارمى بالسهم يومئذ، فيرده عنى رجل ابيض حسن الوجه لااعرفه، حتى كان بعد، فظننت انه ملك.

قال الواقدى: و حدثنى ابراهيم بن سعد، عن ابيه، عن جده سعد بن ابى وقاص، قال: رايت ذلك اليوم رجلين عليهما ثياب بيض، احدهما عن يمين رسول الله (ص)، و الاخر عن شماله يقاتلان اشد القتال ما رايتهما قبل و لابعد.

قال و حدثنى عبد الملك بن سليمان، عن قطن بن وهب، عن عبيد بن عمير، قال: لما رجعت قريش من احد جعلوا يتحدثون فى انديتهم بما ظفروا، يقولون: لم نر الخيل البلق و لاالرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر.

قال: و قال عبيد بن عمير: لم تقاتل الملائكه يوم احد.

قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى سبره، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عمر بن الحكم، قال: لم يمد رسول الله (ص) يوم احد بملك واحد، و انما كانوا يوم بدر.

قال: و مثله عن عكرمه.

(مجلد 15 صفحه 11( قال: و قال مجاهد: حضرت الملائكه يوم احد و لم تقاتل، و انما قاتلت يوم بدر.

قال: و روى عن ابى هريره انه قال: وعدهم الله ان يمدهم لو صبروا، فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكه يومئذ.

القول فى مقتل حمزه بن عبد المطلب رضى الله عنه قال الواقدى: كان وحشى عبدا لابنه الحارث بن عا
مر بن نوفل بن عبد مناف، و يقال: كان لجبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف، فقالت له ابنه الحارث: ان ابى قتل يوم بدر، فان انت قتلت احد الثلاثه فانت حر: محمد، و على بن ابى طالب، و حمزه بن عبد المطلب، فانى لاارى فى القوم كفوا لابى غيرهم.

فقال وحشى: اما محمد فقد علمت انى لااقدر عليه، و ان اصحابه لن يسلموه، و اما حمزه فو الله لو وجدته نائما ما ايقظته من هيبته، و اما على فالتمسه.

قال وحشى: فكنت يوم احد التسمه، فبينا انا فى طلبه طلع على، فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات، فقلت: ما هذا بصاحبى الذى التمس، اذ رايت حمزه يفرى الناس فريا، فكمنت له الى صخره و هو مكبس له كتيت، فاعترض له سباع بن ام نيار، و كانت امه ختانه بمكه، مولاه لشريف بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفى، و كان سباع يكنى ابا نيار، فقال له حمزه: و انت ايضا يا بن مقطعه البظور ممن يكثر علينا! هلم الى، فاحتمله، حتى اذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه، فشحطه شحط الشاه، ثم اقبل على مكبا حين رآنى، فلما (مجلد 15 صفحه 12( بلغ المسيل، وطى ء على جرف فزلت قدمه، فهززت حربتى حتى رضيت منها، فاضرب بها فى خاصرته حتى خرجت من مثانته، وكر عليه طائفه من اصحابه فاسمعهم يقولون: اباعما
ره، فلا يجيب، فقلت: قد و الله مات الرجل، و ذكرت هندا و ما لقيت على ابيها و عمها و اخيها، و انكشف عنه اصحابه حين ايقنوا بموته، و لايرونى، فاكر عليه فشققت بطنه، فاستخرجت كبده، فجئت بها الى هند بنت عتبه، فقلت: ماذا لى ان قتلت قاتل ابيك؟ قالت: سلنى، فقلت: هذه كبد حمزه، فمضغتها ثم لفظتها، فلا ادرى: لم تسغها او قذرتها، فنزعت ثيابها و حليها فاعطتنيه، ثم قالت: اذا جئت مكه فلك عشره دنانير، ثم قالت: ارنى مصرعه، فاريتها مصرعه، فقطعت مذاكيره، و جدعت انفه، و قطعت اذنيه، ثم جعلت ذلك مسكتين و معضدين و خدمتين، حتى قدمت بذلك مكه و قدمت بكبده ايضا معها.

قال الواقدى: و حدثنى عبدالله بن جعفر، عن ابن ابى عون، عن الزهرى، عن عبيدالله بن عدى بن الخيار، قال: غزونا الشام فى زمن عثمان بن عفان، فمررنا بحمص بعد العصر، فقلنا: وحشى، فقيل: لاتقدرون عليه، هو الان يشرب الخمر حتى يصبح، فبتنا من اجله، و اننا لثمانون رجلا، فلما صلينا الصبح جئنا الى منزله، فاذا شيخ كبير قد طرحت له زربيه قدر مجلسه، فقلنا له: اخبرنا عن قتل حمزه و عن قتل مسيلمه، فكره ذلك، و اعرض عنه، فقلنا: ما بتنا هذه الليله الا من اجلك.

فقال: انى كنت عبدا لجبير بن مطعم بن عدى، فلم
ا خرج الناس الى احد دعانى فقال: قد رايت مقتل طعيمه بن عدى، قتله حمزه بن عبدالمطلب يوم بدر، فلم تزل نساونا فى حزن (مجلد 15 صفحه 13( شديد الى يومى هذا، فان قتلت حمزه فانت حر، فخرجت مع الناس ولى مزاريق كنت امر بهند بنت عتبه فتقول: ايه ابا دسمه! اشف و اشتف.

فلما وردنا احدا نظرت الى حمزه يقدم الناس يهدهم هدا، فرآنى و قد كمنت له تحت شجره، فاقبل نحوى، و تعرض له سباع الخزاعى، فاقبل اليه و قال: و انت ايضا يا بن مقطعه البظور ممن يكثر علينا! هلم الى، و اقبل نحوه حتى رايت برقان رجليه، ثم ضرب به الارض و قتله، و اقبل نحوى سريعا، فيعترض له جرف فيقع فيه، وازرقه بمزارق فيقع فى لبته حتى خرج من بين رجليه.

فقتله، و مررت بهند بنت عتبه فاذنتها، فاعطتنى ثيابها و حليها، و كان فى ساقيها خدمتان من جزع ظفار و مسكتان من ورق، و خواتيم من ورق كن فى اصابع رجليها، فاعطتنى بكل ذلك، و اما مسيلمه فانا دخلنا حديقه الموت يوم اليمامه فلما رايته زرقته بالمزراق، و ضربه رجل من الانصار بالسيف، فربك اعلم اينا قتله! الا انى سمعت امراه تصيح فوق جدار: قتله العبد الحبشى.

قال عبيدالله: فقلت: اتعرفنى؟ فاكر بصره على و قال: ابن عدى لعاتكه بنت العيص؟ قلت: ن
عم، قال: اما والله مالى بك عهد بعد ان دفعتك الى امك فى محفتك التى كانت ترضعك فيها، و نظرت الى برقان قدميك حتى كانه الان.

و روى محمد بن اسحاق فى كتاب المغازى، قال: علت هند يومئذ صخره مشرفه، و صرخت باعلى صوتها: نحن جزيناكم بيوم بدر و الحرب بعد الحرب ذات سعر ماكان عن عتبه لى من صبر و لا اخى و عمه و بكرى شفيت نفسى و قضيت نذرى شفيت وحشى غليل صدرى (مجلد 15 صفحه 14( فشكر وحشى على عمرى حتى ترم اعظمى فى قبرى قال: فاجابتها هند بنت اثاثه بن المطلب بن عبد مناف.

خزيت فى بدر و غير بدر يا بنت غدار عظيم الكفر افحمك الله غداه الفجر بالهاشميين الطوال الزهر بكل قطاع حسام يفرى حمزه ليثى و على صقرى اذ رام شيب و ابوك قهرى فخضبا منه ضواحى النحر قال محمد بن اسحاق: و من الشعر الذى ارتجزت به هند بنت عتبه يوم احد: شفيت من حمزه نفسى باحد حين بقرت بطنه عن الكبد اذهب عنى ذاك ما كنت اجد من لوعه الحزن الشديد المعتمد و الحرب تعلوكم بشوبوب برد نقدم اقداما عليكم كالاسد قال محمد بن اسحاق: حدثنى صالح بن كيسان، قال: حدثت ان عمر بن الخطاب قال لحسان: يا ابا الفريعه، لو سمعت ما تقول هند! و لو رايت شرها
قائمه على صخره ترتجز بنا، و تذكر ما صنعت بحمزه! فقال حسان: و الله انى لانظر الى الحربه تهوى و انا على فارع- يعنى اطمه- فقلت: و الله ان هذه لسلاح ليس بسلاح العرب، و اذا بها تهوى الى حمزه و لاادرى، (و لكن) اسمعنى بعض قولها اكفيكموها، فانشده عمر بعض ما قالت، فقال حسان يهجوها.

اشرت لكاع و كان عادتها لوما اذا اشرت مع الكفر (مجلد 15 صفحه 15( اخرجت مرقصه الى احد فى القوم مقتبه على بكر بكر ثفال لاحراك به لا عن معاتبه و لا زجر اخرجت ثائره محاربه بابيك و ابنك بعد فى بدر و بعمك المتروك منجدلا و اخيك منعفرين فى الجفر فرجعت صاغره بلا تره منا ظفرت بها و لا وتر و قال ايضا يهجوها: لمن سواقط ولدان مطرحه باتت تفحص فى بطحاء اجياد باتت تمخض لم تشهد قوابلها الا الوحوش و الا جنه الوادى يظل يرجمه الصبيان منعفرا و خاله و ابوه سيدا النادى فى ابيات كرهت ذكرها لفحشها.

قال: و روى الواقدى، عن صفيه بنت عبد المطلب، قالت: كنا قد رفعنا يوم احد فى الاطام، و معنا حسان بن ثابت، و كان من اجبن الناس، و نحن فى فارع، فجاء نفر من يهود يرومون الاطم، فقلت: دونك يا بن الفريعه، فقال: لا و الله لااستطيع القتال، و يص
عد يهودى الى الاطم، فقلت: شد على يدى السيف، ثم برئت، ففعل، فضربت (مجلد 15 صفحه 16( عنق اليهودى و رميت براسه اليهم، فلما راوه انكشفوا، قالت: و انى لفى فارع اول النهار مشرفه على الاطم، فرايت المزراق، فقلت او من سلاحهم المزاريق! افلا اراه هوى الى اخى و لااشعر! ثم خرجت آخر النهار حتى جئت رسول الله (ص)، و قد كنت اعرف انكشاف المسلمين و انا على الاطم برجوع حسان الى اقصى الاطم، فلما راى الدوله للمسلمين اقبل حتى وقف على جدار الاطم.

قال: فلما انتهيت الى رسول الله (ص) و معى نسوه من الانصار لقيته و اصحابه اوزاع، فاول من لقيت على ابن اخى فقال: ارجعى يا عمه، فان فى الناس تكشفا، فقلت: رسول الله (ص)؟ قال صالح: قلت: ادللنى عليه حتى اراه، فاشار اليه اشاره خفيه، فانتهيت اليه و به الجراحه.

قال الواقدى: و كان رسول الله (ص) يقول يوم احد: ما فعل عمى، ما فعل عمى! فخرج الحارث بن الصمه يطلبه فابطا، فخرج على (ع) يطلبه فيقول: يارب ان الحارث بن الصمه كان رفيقا و بنا ذا ذمه قد ضل فى مهامه مهمه يلتمس الجنه فيها ثمه حتى انتهى الى الحارث، و وجد حمزه مقتولا، فجاء فاخبر النبى (ص)، فاقبل يمشى حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفا قط اغيظ
الى من هذا الموقف.

فطلعت صفيه، فقال: يا زبير، اغن عنى امك، و حمزه يحفر له، فقال الزبير يا امه، ان فى الناس تكشفا، فارجعى، فقالت: ما انا بفاعله حتى ارى رسول الله (ص)، فلما راته قالت: يا رسول الله، اين ابن امى حمزه؟ فقال: هو فى الناس، قالت: لاارجع حتى انظر اليه، قال الزبير: فجعلت اطدها الى الارض حتى دفن و قال رسول الله (مجلد 15 صفحه 17( (ص): لولا ان تحزن نساونا لذلك لتركناه للعافيه، يعنى السباع و الطير حتى يحشر يوم القيامه من بطونها و حواصلها.

قال الواقدى: و روى ان صفيه لما جائت حالت الانصار بينها و بين رسول الله (ص)، فقال: دعوها، فجلست عنده، فجعلت اذا بكت يبكى رسول الله (ص)، و اذا نشجت ينشج رسول الله (ص)، و جعلت فاطمه (ع) تبكى، فلما بكت بكى رسول الله (ص) ثم قال: لن اصاب بمثل حمزه ابدا، ثم قال (ص) لصفيه و فاطمه: ابشرا، اتانى جبرائيل (ع) فاخبرنى ان حمزه مكتوب فى اهل السموات السبع: حمزه بن عبدالمطلب اسد الله و اسد رسوله.

قال الواقدى: و راى رسول الله (ص) بحمزه مثلا شديدا، فحزنه ذلك و قال: ان ظفرت بقريش لامثلن بثلاثين منهم، فانزل الله عليه: (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين) فقا
ل (ص): بل نصبر، فلم يمثل باحد من قريش.

قال الواقدى: و قام ابو قتاده الانصارى فجعل ينال من قريش لما راى من غم رسول الله (ص)، و فى كل ذلك يشير اليه ان اجلس ثلاثا، فقال رسول الله (ص): يا ابا قتاده، ان قريشا اهل امانه، من بغاهم العواثر كبه الله لفيه، و عسى ان طالت بك مده ان تحقر عملك مع اعمالهم، و فعالك مع فعالهم، (مجلد 15 صفحه 18( لولا ان تبطر قريش لاخبرتها بما لها عند الله تعالى.

فقال ابو قتاده: و الله يا رسول الله ما غضبت الا لله و رسوله حين نالوا منه ما نالوا، فقال: صدقت.

بئس القوم كانوا لنبيهم.

قال الواقدى: و كان عبدالله بن جحش قبل ان تقع الحرب قال: يا رسول الله، ان هولاء القوم قد نزلوا بحيث ترى، فقد سالت الله فقلت: اللهم اقسم عليك ان نلقى العدو غدا فيقتلونى و يبقروا بطنى و يمثلوا بى، فتقول لى: فيم صنع بك هذا؟ قاقول: فيك.

قال: و انا اسالك يا رسول الله اخرى، ان تلى تركتى من بعدى.

فقال له: نعم، فخرج عبدالله فقتل و مثل به كل المثل، و دفن هو و حمزه فى قبر واحد، و ولى تركته رسول الله (ص)، فاشترى لامه مالا بخيبر.

قال الواقدى: و اقبلت اخته حمنه بنت جحش، فقال لها رسول الله (ص): يا حمن، احتسبى، قالت: من يا رسول ال
له؟ قال: خالك حمزه، قالت: (انا لله و انا اليه راجعون) غفر الله له و رحمه، و هنيئا له الشهاده، ثم قال لها: احتسبى.

قالت: من يا رسول الله، قال: اخوك عبدالله، قالت: (انا لله و انا اليه راجعون) غفر الله له و رحمه و هنيئا له الشهاده، ثم قال: احتسبى، قالت: من يا رسول؟ قال: بعلك مصعب بن عمير، فقالت: واحزناه! و يقال: انها قالت: واعقراه.

قال محمد بن اسحاق فى كتابه: فصرخت و ولولت.

قال الواقدى: فقال رسول الله(ص): ان للزوج من المراه مكانا ما هو لاحد.

و هكذا روى ابن اسحاق ايضا.

قال الواقدى: ثم قال لها رسول الله (ص): لم قلت هذا؟ قالت ذكرت يتم بنيه فراعنى.

فدعا رسول الله (ص) لولده ان يحسن الله عليهم الخلف، (مجلد 15 صفحه 19( فتزوجت طلحه بن عبيد الله، فولدت منه محمد بن طلحه، فكان اوصل الناس لولد مصعب بن عمير.

القول فيمن ثبت مع رسول الله (ص) يوم احد قال الواقدى: حدثنى موسى بن يعقوب، عن عمته، عن امها، عن المقداد، قال: لما تصاف القوم للقتال يوم احد، جلس رسول الله (ص) تحت رايه مصعب بن عمير، فلما قتل اصحاب اللواء و هزم المشركون الهزيمه الاولى، و اغار المسلمون على معسكرهم ينهبونه، ثم كر المشركون على المسلمين، فاتوهم من خلفهم
، فتفرق الناس، و نادى رسول الله (ص) فى اصحاب الالويه، فقتل مصعب بن عمير حامل لوائه (ص)، و اخذ رايه الخزرج سعد بن عباده، فقام رسول الله (ص) تحتها، و اصحابه محدقون به، و دفع لواء المهاجرين الى ابى الردم احد بنى عبد الدار آخر نهار ذلك اليوم، و نظرت الى لواء الاوس مع اسيد بن حضير، فناوشوا المشركين ساعه، و اقتتلوا على اختلاط من الصفوف، و نادى المشركون بشعارهم: يا للعزى! يا لهبل! فاوجعوا و الله فينا قتلا ذريعا، و نالوا من رسول الله (ص) ما نالوا، لا و الذى بعثه بالحق ما زال شبرا واحدا، انه لفى وجه العدو و تثوب اليه طائفه من اصحابه مره، و تتفرق عنه مره، فربما رايته قائما يرمى عن قوسه او يرمى بالحجر حتى تحاجزوا، و كانت العصابه التى ثبتت مع رسول الله (ص) اربعه عشر رجلا، سبعه من المهاجرين، و سبعه من الانصار، اما المهاجرون فعلى (ع) و ابوبكر و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ابى وقاص و طلحه بن عبيدالله و ابوعبيده بن الجراح و الزبير بن العوام، (مجلد 15 صفحه 20( و اما الانصار فالحباب بن المنذر و ابودجانه و عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح و الحارث بن الصمه و سهل بن حنيف و سعد بن معاذ و اسيد بن حضير.

قال الواقدى: و قد روى ان سعد بن
عباده و محمد بن مسلمه ثبتا يومئذ و لم يفرا.

و من روى ذلك جعلهما مكان سعد بن معاذ و اسيد بن حضير.

قال الواقدى: و بايعه يومئذ على الموت ثمانيه: ثلاثه من المهاجرين، و خمسه من الانصار، فاما المهاجرون فعلى (ع)، و طلحه، و الزبير، و اما الانصار فابودجانه و الحارث بن الصمه و الحباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف، و لم يقتل منهم ذلك اليوم احد، و اما باقى المسلمين ففروا و رسول الله (ص) يدعوهم فى اخراهم حتى انتهى منهم الى قريب من المهراس.

قال الواقدى: وحدثنى عتبه بن جبير، عن يعقوب بن عمير بن قتاده قال: ثبت يومئذ بين يديه ثلاثون رجلا كلهم يقول: وجهى دون وجهك، و نفسى دون نفسك، و عليك السلام غير مودع.

قلت: قد اختلف فى عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ ام لا، مع اتفاق الرواه كافه على ان عثمان لم يثبت، فالواقدى ذكر انه لم يثبت، و اما محمد بن اسحاق و البلاذرى فجعلاه مع من ثبت و لم يفر، و اتفقوا كلهم على ان ضرار بن الخطاب الفهرى قرع راسه بالرمح و قال: انها نعمه مشكوره يا بن الخطاب، انى آليت الا اقتل رجلا من قريش.

و روى ذلك محمد بن اسحاق و غيره، و لم يختلفوا فى ذلك، و انما اختلفوا، هل قرعه بالرمح و هو فار هارب، ام مقدم ثابت! و
الذين رووا انه قرعه بالرمح و هو هارب لم يقل (مجلد 15 صفحه 21( احد منهم انه هرب حين هرب عثمان و لا الى الجهه التى فر اليها عثمان، و انما هرب معتصما بالجبل، و هذا ليس بعيب و لاذنب، لان الذين ثبتوا مع رسول الله (ص) اعتصموا بالجبل كلهم و اصعدوا فيه، و لكن يبقى الفرق بين من اصعد فى الجبل فى آخر الامر و من اصعد فيه و الحرب لم تضع اوزارها، فان كان عمر اصعد فيه آخر الامر، فكل المسلمين هكذا صنعوا حتى رسول الله (ص)، و ان كان ذلك و الحرب قائمه بعد تفرق.

و لم يختلف الرواه من اهل الحديث فى ان ابابكر لم يفر يومئذ، و انه ثبت فيمن ثبت، و ان لم يكن نقل عنه قتل او قتال، و الثبوت جهاد، و فيه وحده كفايه.

و اما رواه الشيعه فانهم يروون انه لم يثبت الا على و طلحه و الزبير و ابودجانه و سهل بن حنيف و عاصم بن ثابت، و منهم من روى انه ثبت معه اربعه عشر رجلا من المهاجرين و الانصار، و لايعدون ابابكر و عمر منهم.

روى كثير من اصحاب الحديث ان عثمان جاء بعد ثالثه الى رسول الله (ص) فساله الى اين انتهيت؟ فقال: الى الاعرض، فقال: لقد ذهبت فيها عريضه.

روى الواقدى قال: كان بين عثمان ايام خلافته و بين عبد الرحمن بن عوف كلام، فارسل عبد الرحمن الى ا
لوليد بن عقبه فدعاه، فقال: اذهب الى اخيك فابلغه عنى ما اقول لك، فانى لااعلم احدا يبلغه غيرك.

قال الوليد: افعل.

قال قل له: يقول لك عبد الرحمن: شهدت بدرا و لم تشهدها و ثبت يوم احد و وليت، و شهدت بيعه الرضوان و لم تشهدها، فلما اخبره قال عثمان: صدق اخى، تخلفت عن بدر على ابنه رسول الله (ص) و هى مريضه، فضرب لى رسول الله (ص) بسهمى و اجرى، فكنت بمنزله من (مجلد 15 صفحه 22( حضر بدرا، و وليت يوم احد، فعفا الله عنى فى محكم كتابه.

و اما بيعه الرضوان فانى خرجت الى اهل مكه، بعثنى رسول الله (ص) و قال: ان عثمان فى طاعه الله و طاعه رسوله، و بايع عنى باحدى يديه على الاخرى، فكان شمال النبى خيرا من يمينى فلما جاء الوليد الى عبد الرحمن بما قال قال: صدق اخى.

قال الواقدى: و نظر عمر الى عثمان بن عفان فقال: هذا ممن عفا الله عنه، و هم الذين تولوا يوم التقى الجمعان، و الله ما عفا الله عن شى ء فرده.

قال: و سال رجل عبدالله بن عمر عن عثمان فقال: اذنب يوم احد ذنبا عظيما، فعفا الله عنه، و اذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه، و احتج من روى ان عمر فر يوم احد بما روى انه جائته فى ايام خلافته امراه تطلب بردا من برود كانت بين يديه، و جائت معها بنت ل
عمر تطلب بردا ايضا، فاعطى المراه ورد ابنته، فقيل له فى ذلك، فقال ان ابا هذه ثبت يوم احد، و ابا هذه فر يوم احد و لم يثبت.

و روى الواقدى ان عمر كان يحدث فيقول: لما صاح الشيطان: قتل محمد، قلت: ارقى فى الجبل كانى ارويه، و جعل بعضهم هذا حجه فى اثبات فرار عمر، و عندى انه ليس بحجه، لان تمام الخبر: فانتهيت الى رسول الله (ص).

و هو يقول: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) الايه، و ابوسفيان فى سفح الجبل فى كتيبته يرومون ان يعلوا الجبل، فقال رسول الله (ص): اللهم انه ليس لهم ان يعلونا.

فانكشفوا، و هذا يدل على ان رقيه فى الجبل قد كان بعد اصعاد رسول الله (ص) فيه، و هذا بان يكون منقبه له اشبه.

و روى الواقدى قال: حدثنى ابن ابى سبره، عن ابى بكر بن عبدالله بن ابى جهم، اسم ابى جهم عبيد، قال: كان خالد بن الوليد يحدث و هو بالشام فيقول: الحمدلله (مجلد 15 صفحه 23( الذى هدانى للاسلام، لقد رايتنى و رايت عمر بن الخطاب حين جال المسلمون و انهزموا يوم احد و ما معه احد، و انى لفى كتيبه خشناء، فما عرفه منهم احد غيرى، و خشيت ان اغريت به من معى ان يصمدوا له، فنظرت اليه و هو متوجه الى الشعب.

قلت: يجوز ان يكون هذا حقا، و لا خلاف انه ت
وجه الى الشعب تاركا للحرب، لكن يجوز ان يكون ذلك فى آخر الامر لما يئس المسلمون من النصره، فكلهم توجه نحو الشعب حينئذ، و ايضا فان خالدا متهم فى حق عمر بن الخطاب لما كان بينه و بينه من الشحناء و الشنان، فليس بمنكر من خالد ان ينعى عليه حركاته، و يوكد صحه هذا الخبر، و كون خالد عف عن قتل عمر يومئذ، ما هو معلوم من حال النسب بينهما من قبل الام، فان ام عمر حنتمه بنت هاشم بن المغيره، و خالد هو ابن الوليد بن المغيره، فام عمر ابنه عم خالد لحا، و الرحم تعطف.

حضرت عند محمد بن معد العلوى الموسوى الفقيه على راى الشيعه الاماميه رحمه الله فى داره بدرب الدواب ببغداد فى سنه ثمان و ستمائه، و قارى ء يقرا عنده مغازى الواقدى، فقرا: حدثنا الواقدى قال: حدثنى ابن ابى سبره، عن خالد بن رياح، عن ابى سفيان مولى ابن ابى احمد قال: سمعت محمد بن مسلمه يقول: سمعت اذناى و ابصرت عيناى رسول الله (ص) يقول يوم احد و قد انكشف الناس الى الجبل، و هو يدعوهم و هم لايلوون عليه، سمعته يقول: الى يا فلان، الى يا فلان، انا رسول الله، فما عرج عليه واحد منهما و مضيا، فاشار ابن معد الى، ان اسمع، فقلت: و ما فى هذا؟ قال: هذه كنايه عنهما، فقلت: و يجوز الا يكون عنهم
ا، لعله عن غيرهما.

قال: ليس فى الصحابه من (مجلد 15 صفحه 24( يحتشم و يستحيا من ذكره بالفرار و ما شابهه من العيب، فيضطر القائل الى الكنايه الا هما قلت له: هذا وهم، فقال: دعنا من جدلك و منعك، ثم حلف انه ما عنى الواقدى غيرهما، و انه لو كان غيرهما لذكره صريحا، و بان فى وجهه التنكر من مخالفتى له.

روى الواقدى قال: لما صاح ابليس: ان محمدا قد قتل، تفرق الناس، فمنهم من ورد المدينه، فكان اول من وردها يخبر ان محمدا قد قتل، سعد بن عثمان ابو عباده، ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم حتى جعل النساء يقلن: اعن رسول الله تفرون! و يقول لهم ابن ام مكتوم: اعن رسول الله تفرون؟ يونب بهم، و قد كان رسول الله (ص) خلفه بالمدينه يصلى بالناس، ثم قال: دلونى على الطريق- يعنى طريق احد- فدلوه، فجعل يستخبر كل من لقى فى الطريق حتى لحق القوم، فعلم بسلامه النبى (ص)، ثم رجع.

و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبه بن حاطب و سواد بن غزيه و سعد بن عثمان و عقبه بن عثمان و خارجه بن عمر بلغ ملل، و اوس بن قيظى فى نفر من بنى حارثه بلغوا الشقره و لقيتهم ام ايمن تحثى فى وجوههم التراب و تقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به و هلم.

و احتج من قال
بفرار عمر بما رواه الواقدى فى كتاب المغازى فى قصه الحديبيه، قال: قال عمر يومئذ: يا رسول الله، الم تكن حدثتنا انك ستدخل المسجد الحرام و تاخذ مفتاح الكعبه و تعرف مع المعرفين، و هدينا لم يصل الى البيت و لانحر! فقال رسول الله (ص): اقلت لكم فى سفركم هذا؟ قال عمر: لا، قال: اما انكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبه و احلق راسى و رووسكم ببطن مكه و اعرف مع المعرفين، ثم اقبل على عمر و قال: انسيتم يوم (مجلد 15 صفحه 25( احد، (اذ تصعدون و لاتلوون على احد) و انا ادعوكم فى اخراكم! انسيتم يوم الاحزاب (اذ جاووكم من فوقكم و من اسفل منكم و اذ زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر)! انسيتم يوم كذا! و جعل يذكرهم امورا، انسيتم يوم كذا! فقال المسلمون: صدق الله و صدق رسوله، انت يا رسول الله اعلم بالله منا، فلما دخل عام القضيه و حلق راسه قال: هذا الذى كنت وعدتكم به، فلما كان يوم الفتح و اخذ مفتاح الكعبه قال: ادعوا الى عمر بن الخطاب، فجاء فقال: هذا الذى كنت قلت لكم.

قالوا: فلو لم يكن فر يوم احد لما قال له: انسيتم يوم احد اذ تصعدون و لاتلوون.

القول فيما جرى للمسلمين بعد اصعادهم فى الجبل قال الواقدى: حدثنى موسى بن محمد بن ابراهيم، عن ابي
ه قال: لما صاح الشيطان لعنه الله: ان محمدا قد قتل يحزنهم بذلك، تفرقوا فى كل وجه، و جعل الناس يمرون على النبى (ص) لايلوى عليه احد منهم، و رسول الله يدعوهم فى اخراهم، حتى انتهت هزيمه قوم منهم الى المهراس، فتوجه رسول الله (ص) يريد اصحابه فى الشعب فانتهى الى الشعب و اصحابه فى الجبل اوزاع، يذكرون مقتل من قتل منهم، و يذكرون ما جائهم عن رسول الله (ص)، قال كعب بن مالك: فكنت اول من عرفه و عليه المغفر، فجعلت اصيح و انا فى الشعب: هذا رسول الله (ص) حى، فجعل يومى ء الى بيده على فيه اى اسكت، ثم دعا بلامتى فلبسها و نزع لامته.

قال الواقدى: طلع رسول الله (ص) على اصحابه فى الشعب بين السعدين: (مجلد 15 صفحه 26( سعد بن عباده، و سعد بن معاذ يتكفا فى الدرع، و كان اذا مشى تكفا تكفوا، و يقال: انه كان يتوكا على طلحه بن عبيدالله.

قال الواقدى: و ما صلى يومئذ الظهر الا جالسا للجرح الذى كان اصابه.

قال الواقدى: و قد كان طلحه قال له: ان بى قوه، فقم لاحملك، فحمله حتى انتهى الى الصخره التى على فم شعب الجبل فلم يزل يحمله حتى رفعه عليها ثم مضى الى اصحابه و معه، النفر الذين ثبتوا معه فلما نظر المسلمون اليهم ظنوهم قريشا، فجعلوا يولون فى الشعب
هاربين منهم، ثم جعل ابودجانه يليح اليهم بعمامه حمراء على راسه، فعرفوه فرجعوا، او بعضهم.

قال الواقدى: ورى انه لما طلع عليهم فى النفر الذين ثبتوا معه و هم اربعه عشر، سبعه من المهاجرين، و سبعه من الانصار- جعلوا يولون فى الجبل خائفين منهم يظنونهم المشركين، جعل رسول الله (ص) يتبسم الى ابى بكر و هو على جنبه و يقول له: الح اليهم، فجعل ابوبكر يليح اليهم و هم لايعرجون حتى نزع ابودجانه عصابه حمراء على راسه فاوفى على الجبل، فجعل يصيح و يليح، فوقفوا حتى عرفوهم، و لقد وضع ابو برده بن نيار سهما على كبد قوسه، فاراد ان يرمى به رسول الله (ص) و اصحابه، فلما تكلموا و ناداهم رسول الله (ص) امسك، و فرح المسلمون برويته حتى كانهم لم تصبهم فى انفسهم مصيبه، و سروا لسلامته و سلامتهم من المشركين.

قال الواقدى: ثم ان قوما من قريش صعدوا الجبل فعلوا على المسلمين و هم فى الشعب.

قال: فكان رافع بن خديج يحدث فيقول: انى يومئذ الى جنب ابى مسعود الانصارى و هو يذكر من قتل من قومه، و يسال عنهم، فيخبر برجال: منهم سعد بن (مجلد 15 صفحه 27( الربيع، و خارجه بن زهير، و هو يسترجع و يترحم عليهم، و بعض المسلمين يسال بعضا عن حميمه و ذى رحمه فيهم، يخبر بعضه
م بعضا، فبينا هم على ذلك رد الله المشركين ليذهب ذلك الحزن عنهم، فاذا عدوهم فوقهم قد علوا، و اذا كتائب المشركين بالجبل، فنسوا ما كانوا يذكرون، و ندبنا رسول الله (ص) و حضنا على القتال، و الله لكانى انظر الى فلان و فلان فى عرض الجبل يعدوان هاربين.

قال الواقدى: فكان عمر يحدث يقول، لما صاح الشيطان: قتل محمد، اقبلت ارقى الى الجبل، فكانى ارويه، فانتهيت الى النبى (ص) و هو يقول: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) الايه، و ابوسفيان فى سفح الجبل، فقال رسول الله (ص) يدعو ربه: اللهم ليس لهم ان يعلوا.

فانكشفوا.

قال الواقدى: فكان ابو اسيد الساعدى يحدث فيقول: لقد رايتنا قبل ان يلقى النعاس علينا فى الشعب و انا لسلم لمن ارادنا، لما بنا من الحزن، فالقى علينا النعاس، فنمنا حتى تناطح الحجف، ثم فزعنا و كانا لم يصبنا قبل ذلك نكبه.

قال: و قال الزبير بن العوام: غشينا النعاس فما منا رجل الا و ذقنه فى صدره من النوم، فاسمع معتب بن قشير- و كان من المنافقين- يقول: و انى لكا لحالم: (لو كان لنا من الامر شى ء ما قتلنا هاهنا)، فانزل الله تعالى فيه ذلك.

قال: و قال ابو اليسر: لقد رايتنى ذلك اليوم فى رجال من قومى الى جنب رسول الله (ص) و ق
د انزل الله علينا النعاس امنه منه، ما منهم رجل الا يغط غطيطا حتى ان الحجف لتناطح، و لقد رايت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده (مجلد 15 صفحه 28( و مايشعر به حتى اخذه بعد ماتثلم، و ان المشركين لتحتنا، و سقط سيف ابى طلحه ايضا و لم يصب اهل الشك و النفاق نعاس يومئذ، و انما اصاب النعاس اهل الايمان و اليقين، فكان المنافقون يتكلم كل منهم بما فى نفسه، و المومنون ناعسون.

قلت: سالت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع فقلت له: من قصه احد تدل على ان المسلمين كانت الدوله لهم بادى ء الحال، ثم صارت عليهم، و صاح الشيطان: قتل محمد، فانهزم اكثرهم، ثم ثاب اكثر المنهزمين الى النبى (ص)، فحاربوا دونه حربا كثيره طالت مدتها حتى صار آخر النهار، ثم اصعدوا فى الجبل معتصمين به، و اصعد رسول الله (ص) معهم، فتحاجز الفريقان حينئذ، و هذا هو الذى يدل عليه تامل قصه احد، الا ان بعض الروايات التى ذكرها الواقدى يقتضى غير ذلك، نحو روايته فى هذا الباب ان رسول الله (ص)، لما صاح الشيطان: ان محمدا قد قتل، كان ينادى المسلمين فلا يعرجون عليه، و انما يصعدون فى الجبل، و انه وجه نحو الجبل، فانتهى اليهم و هم اوزاع يتذاكرون بقتل من قتل منهم، و هذه الروايه
تدل على انه اصعد (ص) فى الجبل من اول الحرب، حيث صاح الشيطان، و صياح الشيطان كان حال كون خالد بن الوليد بالجبل من وراء المسلمين لما غشيهم و هم مشتغلون بالنهب و اختلط الناس، فكيف هذا! فقال: ان الشيطان صاح.

قتل محمد دفعتين: دفعه فى اول الحرب، و دفعه فى آخر الحرب، لما تصرم النهار و غشيت الكتائب رسول الله (ص) و قد قتل ناصروه و اكلتهم الحرب، فلم يبق معه الا نفر يسير لايبلغون عشره، و هذه كانت اصعب و اشد من الاولى، و فيها اعتصم، و ما اعتصم فى صرخه الشيطان الاولى بالجبل، بل ثبت و حامى عنه اصحابه، و لقد لقى فى الاولى مشقه عظيمه من ابن قميئه و عتبه بن ابى وقاص و غيرهما، (مجلد 15 صفحه 29( و لكنه لم يفارق عرصه الحرب، و انما فارقها و علم انه لم يبق له وجه مقام فى صرخته الثانيه.

قلت له: فكان القوم مختلطين فى الصرخه الثانيه حتى يصرخ الشيطان: قتل محمد! قال: نعم، المشركون قد احاطوا بالنبى (ص) و بمن بقى معه من اصحابه، فاختلط المسلمون بهم، و صاروا مغمورين بينهم، لقلتهم بالنسبه اليهم، و ظن قوم من المشركين انهم قد قتلوا النبى (ص) لانهم فقدوا وجهه و صورته، فنادى الشيطان: قتل محمد، و لم يكن قتل (ص)، و لكن اشتبهت صورته عليهم و ظنو
ه غيره، و اكثر من حامى عنه فى تلك الحال على (ع) و ابودجانه و سهل ابن حنيف، و حامى هو عن نفسه، و جرح قوما بيده تاره بالسهام، و تاره بالسيف و لكن لم يعلموا باعيانهم لاختلاط القوم و ثوران النقع، و كانت قريش تظنه واحدا من المسلمين، و لو عرفوه بعينه فى تلك الثوره لكان الامر صعبا جدا، و لكن الله تعالى عصمه منهم بان ازاغ ابصارهم عنه، فلم يزل هولاء الثلاثه يجالدون دونه، و هو يقرب من الجبل حتى صار فى اعلى الجبل، اصعد من فم الشعب الى تدريج هناك فى الجبل، و رقى فى ذلك التدريج صاعدا حتى صار فى اعلى الجبل، و تبعه النفر الثلاثه فلحقوا به.

قلت له: فما بال القوم الذين صعدوا الجبل من المشركين، و كيف كان اصعادهم و عودهم؟ قال: اصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله (ص)، لانهم ظنوا انه قد قتل، و هذا هو كان السبب فى عودهم من الجبل، لانهم قالوا: قد بلغنا الغرض (مجلد 15 صفحه 30( الاصلى و قتلنا محمدا، فما لنا و التصميم على الاوس و الخزرج و غيرهم من اصحابه، مع ما فى ذلك من عظم الخطر بالانفس! قلت له: فاذا كان هذا قد خطر لهم، فلما ذا صعدوا فى الجبل.

قال: يخطر لك خاطر، و يدعوك داع الى بعض الحركات، فاذا شرعت فيها خطر لك خاطر آخر يصرفك
عنها فترجع و لاتتمها! قلت: نعم فما بالهم لم يقصدوا قصد المدينه و ينهبوها؟ قال: كان فيها عبدالله بن ابى فى ثلثمائه مقاتل و فيها خلق كثير من الاوس و الخزرج، لم يحضروا الحرب و هم مسلمون، و طوائف اخر من المنافقين لم يخرجوا، و طوائف اخرى من اليهود، اولو باس و قوه، و لهم بالمدينه عيال و اهل و نساء، و كل هولاء كانوا يحامون عن المدينه، و لم تكن قريش تامن مع ذلك ان ياتيها رسول الله (ص) من ورائها بمن يجامعه من اصحابه فيحصلوا بين الاعداء من خلفهم و من امامهم، فكان الراى الاصوب لهم العدول عن المدينه و ترك قصدها.

قال الواقدى: حدثنى الضحاك بن عثمان، عن حمزه بن سعيد، قال: لما تحاجزوا و اراد ابوسفيان الانصراف، اقبل يسير على فرس له حوراء، فوقف على اصحاب النبى (ص) و هم فى عرض الجبل، فنادى باعلى صوته: اعل هبل، ثم صاح: اين ابن ابى كبشه؟ يوم بيوم بدر، الا ان الايام دول.

و فى روايه انه نادى ابابكر و عمر ايضا، فقال: اين ابن ابى قحافه؟ اين ابن الخطاب؟ ثم قال: الحرب سجال، حنظله بحنظله، يعنى حنظله بن ابى عامر بحنظله بن (مجلد 15 صفحه 31( ابى سفيان، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، اجيبه؟ قال: نعم فاجبه، فلما قال: اعل هبل قال عمر: ا
لله اعلى و اجل.

و يروى ان رسول الله (ص) قال لعمر: قل له: الله اعلى و اجل، فقال ابوسفيان: ان لنا العزى و لا عزى لكم، فقال عمر: او قال رسول الله (ص): قل له: الله مولانا و لا مولى لكم، فقال ابوسفيان: انها قد انعمت، فقال: عنها يا بن الخطاب، فقال سعيد بن ابى سفيان: الا ان الايام دول و ان الحرب سجال، فقال عمر: و لا سواء، قتلانا فى الجنه و قتلاكم فى النار، فقال ابوسفيان: انكم لتقولون ذلك لقد جبنا اذا و خسرنا، ثم قال: يابن الخطاب، قم الى اكلمك: فقام اليه فقال: انشدك بدينك: هل قتلنا محمدا؟ قال: اللهم لا، و انه ليسمع كلامك الان، قال: انت عندى اصدق من ابن قميئه، ثم صاح ابوسفيان و رفع صوته: انكم واجدون فى قتلاكم عنتا و مثلا، الا ان ذلك لم يكن عن راى سراتنا، ثم ادركته حميه الجاهليه فقال: و اما اذ كان ذلك فلم نكرهه؟ ثم نادى: الا ان موعدكم بدر الصفراء، على راس الحول، فوقف عمر وقفه ينتظر ما يقول رسول الله (ص)، فقال له: قل: نعم، فانصرف ابوسفيان الى اصحابه و اخذوا فى الرحيل، فاشفق رسول الله (ص) و المسلمون من ان يغيروا على المدينه فيهلك الذرارى و النساء، فقال رسول الله (ص) لسعد بن ابى وقاص: اذهب فاتنا بخبر القوم، فانهم ان ركبوا
الابل و جنبوا الخيل فهو الظعن الى مكه، و ان ركبوا الخيل و جنبوا الابل فهو الغاره على المدينه، و الذى نفسى بيده، ان ساروا اليها لاسيرن اليهم ثم لاناجزنهم.

قال سعد: فتوجهت اسعى و ارصدت نفسى ان افرعنى شى ء رجعت الى النبى (ص) و انا اسعى، فبدات بالسعى حين ابتدات، فخرجت فى آثارهم (مجلد 15 صفحه 32( حتى اذا كانوا بالعقيق و انا بحيث اراهم و اتاملهم ركبوا الابل و جنبوا الخيل، فقلت: انه الظعن الى بلادهم، ثم وقفوا وقفه بالعقيق، و تشاوروا فى دخول المدينه، فقال لهم صفوان ابن اميه: قد اصبتم القوم، فانصرفوا و لاتدخلوا عليهم و انتم كالون، و لكم الظفر، فانكم لاتدرون ما يغشاكم، فقد وليتم يوم بدر، لا و الله ما تبعوكم و كان الظفر لهم.

فيقال: ان رسول الله (ص) قال: نهاهم صفوان.

فلما رآهم سعد على تلك الحال منطلقين و قد دخلوا فى المكمن رجع الى رسول الله (ص) و هو كالمنكسر فقال: وجه القوم يا رسول الله الى مكه، امتطوا الابل و جنبوا الخيل.

فقال: ما تقول؟ قلت: ما قلت يا رسول الله، فخلا بى فقال: احقا ما تقول؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فما بالى رايتك منكسرا؟ فقلت كرهت ان آتى المسلمين فرحا بقفولهم الى بلادهم، فقال (ص): ان سعدا لمجرب.

قا
ل الواقدى: و قد روى خلاف هذا، روى ان سعدا لما رجع رفع صوته بان جنبوا الخيل، و امتطوا الابل، فجعل رسول الله (ص) يشير الى سعد: خفض صوتك فان الحرب خدعه، فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم، فانما ردهم الله تعالى.

قال الواقدى: و حدثنى ابن ابى سبره، عن يحيى بن شبل، عن ابى جعفر، قال: قال رسول الله (ص) لسعد بن ابى وقاص: ان رايت القوم يريدون المدينه فاخبرنى فيما بينى و بينك، و لاتفت فى اعضاد المسلمين، فذهب فرآهم قد امتطوا الابل، فرجع، فما ملك ان جعل يصيح سرورا بانصرافهم.

قال الواقدى: و قيل لعمرو بن العاص: كيف كان افتراق المسلمين و المشركين يوم (مجلد 15 صفحه 33( احد؟ فقال: ما تريدون الى ذلك! قد جاء الله بالاسلام، و نفى الكفر و اهله، ثم قال: لما كررنا عليهم اصبنا من اصبنا منهم و تفرقوا فى كل وجه، و فائت لهم فئه بعد، فتشاورت قريش، فقالوا: لنا الغلبه، فلو انصرفنا، فانه بلغنا ان ابن ابى انصرف بثلث الناس، و قد تخلف الناس من الاوس و الخزرج، و لا نامن ان يكروا علينا، و فينا جراح، و خيلنا عامتها قد عقرت من النبل، فمضينا، فما بلغنا الروحاء حتى قام علينا عده منها، و انصرفنا الى مكه.

قال الواقدى: حدثنى اسحاق بن يحيى بن طلحه
، عن عائشه، قال: سمعت ابابكر يقول: لما كان يوم احد و رمى رسول الله (ص) فى وجهه حتى دخلت فى وجهه حلقتان من المغفر، اقبلت اسعى الى رسول الله (ص) و انسان قد اقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طلحه بن عبيد الله، حتى توافينا الى رسول الله (ص)، فاذا ابوعبيده بن الجراح، فبدرنى فقال: اسالك بالله يا ابابكر الا تركتنى فانتزعه من وجه رسول الله (ص)، قال ابوبكر: فتركته.

و قال رسول الله (ص): (عليكم صاحبكم)، يعنى طلحه، فاخذ ابوعبيده بثنيته حلقه المغفر، فنزعها و سقط على ظهره، و سقطت ثنيه ابى عبيده، ثم اخذ الحلقه بثنيته الاخرى، فكان ابوعبيده فى الناس اثرم.

و يقال: ان الذى نزع الحلقتين من وجه رسول الله (ص) عقبه بن وهب بن كلده، و يقال: ابواليسر.

قال الواقدى: و اثبت ذلك عندنا عقبه بن وهب بن كلده.

قال الواقدى: و كان ابوسعيد الخدرى يحدث ان رسول الله (ص) (مجلد 15 صفحه 34( اصيب وجهه يوم احد، فدخلت الحلقتان من المغفر فى وجنتيه، فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن، فجعل مالك بن سنان يمج الدم بفيه، ثم ازدرده، فقال رسول الله (ص): من احب ان ينظر الى من خالط دمه بدمى فلينظر الى مالك بن سنان.

فقيل لمالك: تشرب الدم! فقا
ل: نعم، اشرب دم رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): (من مس دمه دمى لم نصبه النار).

قال الواقدى: و قال ابوسعيد: كنا ممن رد من الشيخين لم نجى ء مع المقاتله، فلما كان من النهار بلغنا مصاب رسول الله (ص)، و تفرق الناس عنه، جئت مع غلمان بنى خدره نعرض لرسول الله (ص) ننظر الى سلامته، فنرجع بذلك الى اهلنا، فلقينا الناس متفرقين ببطن قناه، فلم يكن لنا همه الا النبى (ص)، ننظر اليه، فلما رآنى قال: سعد بن مالك! قلت: نعم، بابى انت و امى! و دنوت منه، فقبلت ركبته و هو على فرسه، فقال: آجرك الله فى ابيك! ثم نظرت الى وجهه، فاذا فى وجنتيه مثل موضع الدرهم فى كل وجنه، و اذا شجه فى جبهته عند اصول الشعر، و اذا شفته السفلى تدمى، و اذا فى رباعيته اليمنى شظيه، و اذا على جرحه شى ء اسود، فسالت: ما هذا على وجهه؟ فقالوا: حصير محرق.

و سالت: من ادمى وجنتيه؟ فقيل: ابن قميئه، فقلت: فمن شجه فى وجهه؟ فقيل: ابن شهاب، فقلت: من اصاب شفتيه؟ قيل: عتبه بن ابى وقاص.

فجعلت اعدو بين يديه حتى نزل ببابه، ما نزل الا محمولا، و ارى ركبتيه مجحوشتين يتكى (على) السعدين: سعد بن معاذ و سعد ابن عباده، حتى دخل بيته، فلما غربت الشمس و اذن بلال بالصلاه، خرج على تلك الحا
ل (مجلد 15 صفحه 35( يتوكا على السعدين: سعد بن عباده و سعد بن معاذ، ثم انصرف الى بيته و الناس فى المسجد يوقدون النيران يتمكدون بها من الجراح، ثم اذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق، فلم يخرج رسول الله (ص)، فجلس بلال عند بابه (ص) حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه: الصلاه يا رسول الله! فخرج، و قد كان نائما، قال: فرمقته فاذا هو اخف فى مشيته منه حين دخل بيته، فصليت معه العشاء، ثم رجع الى بيته قد صفف له الرجال ما بين بيته الى مصلاه يمشى وحده حتى دخل، و رجعت الى اهلى فخبرتهم بسلامته، فحمدوا الله و ناموا، و كانت وجوه الاوس و الخزرج فى المسجد على النبى (ص) يحرسونه فرقا من قريش ان تكر.

قال الواقدى: و خرجت فاطمه (ع) فى نساء، و قد رات الذى بوجه ابيها (ص)، فاعتنقته، و جعلت تمسح الدم عن وجهه، و رسول الله (ص) يقول: اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله.

و ذهب على (ع) فاتى بماء من المهراس، و قال: لفاطمه امسكى هذا السيف غير ذميم، فنظر اليه رسول الله (ص) مختضبا بالدم، فقال: لئن كنت احسنت القتال اليوم، فلقد احسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمه و سهل بن حنيف، و سيف ابى دجانه غير مذموم، هكذا روى الواقدى.

و روى محمد بن اسحاق ان عليا (ع) قال
لفاطمه بيتى شعر، و هما: افاطم هاء السيف غير ذميم فلست برعد يد و لا بلئيم لعمرى لقد جاهدت فى نصر احمد و طاعه رب بالعباد رحيم فقال رسول الله (ص): لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشه، و سهل بن حنيف.

(مجلد 15 صفحه 36( قال الواقدى: فلما احضر على (ع)، الماء اراد رسول الله (ص) ان يشرب منه، فلم يستطع، و قد كان عطشا، و وجد ريحا من الماء كرهها، فقال: هذا ماء آجن، فتمضمض منه للدم الذى كان بفيه ثم مجه، و غسلت فاطمه به الدم عن ابيها (ص)، فخرج محمد بن مسلمه يطب مع النساء، و كن اربع عشره امراه، قد جئن من المدينه يتلقين الناس منهن فاطمه (ع) يحملن الطعام و الشراب على ظهورهن، و يسقين الجرحى و يداوينهم.

قال الواقدى: قال كعب بن مالك: رايت عائشه و ام سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم احد، و كانت حمنه بنت جحش تسقى العطشى و تداوى الجرحى، فلم يجد محمد بن مسلمه عندهن ماء، و رسول الله (ص) قد اشتد عطشه، فذهب محمد ابن مسلمه الى قناه و معه سقاوه حتى استقى من حسى- قناه عند قصور التميميين اليوم- فجاء بماء عذب، فشرب منه رسول الله (ص) و دعا له بخير، و جعل الدم لاينقطع من وجهه (ع) و هو يقول: لن ينالوا منا مثلها حتى
نستلم الركن! فلما رات فاطمه الدم لايرقا و هى تغسل جراحه، و على يصب الماء عليها بالمجن، اخذت قطعه حصير فاحرقته حتى صار رمادا، ثم الصقته بالجرح، فاستمسك الدم.

و يقال: انها داوته بصوفه محرقه، و كان رسول الله (ص) بعد يداوى الجراح الذى فى وجهه بعظم بال حتى ذهب اثره.

و لقد مكث يجد وهن ضربه ابن قميئه على عاتقه شهرا او اكثر من شهر، و يداوى الاثر الذى فى وجهه بعظم.

قال الواقدى: و قال رسول الله (ص) قبل ان ينصرف الى المدينه: من ياتينا بخبر سعد بن الربيع؟ فانى رايته- و اشار بيده الى ناحيه من الوادى- قد شرع فيه اثنا عشر سنانا، فخرج محمد بن مسلمه- و يقال ابى بن كعب- نحو تلك الناحيه.

قال: فانا وسط القتلى لتعرفهم، اذ مررت به صريعا فى الوادى، فناديته فلم يجب، ثم قلت: ان رسول الله (ص) ارسلنى اليك.

قال: فتنفس كما يتنفس الطير، ثم قال: (مجلد 15 صفحه 37( و ان رسول الله (ص) لحى! قلت: نعم، و قد اخبرنا انه شرع لك اثنا عشر سنانا، فقال: طعنت اثنتى عشره طعنه كلها اجافتنى، ابلغ قومك الانصار السلام و قل لهم: الله الله و ما عاهدتم عليه رسول الله (ص) ليله العقبه! و الله ما لكم عذر عند الله ان خلص الى نبيكم و منكم عين تطرف، فلم ارم من عند
ه حتى مات، فرجعت الى النبى (ص) فاخبرته، فرايته استقبل القبله رافعا يديه يقول: (اللهم الق سعد بن الربيع و انت عنه راض).

قال الواقدى: و خرجت السمداء بنت قيس، احدى نساء بنى دينار، و قد اصيب ابناها مع النبى (ص) باحد: النعمان بن عبد عمر، و سليم بن الحارث، فلما نعيا لها قالت: فما فعل رسول الله (ص)؟ قالوا: بخير، هو بحمد الله صالح على ما تحبين، فقالت: ارونيه انظر اليه، فاشاروا لها اليه، فقالت: كل مصيبه بعدك يا رسول الله جلل! و خرجت تسوق بابنيها بعيرا، (تردهما الى المدينه)، فلقيتها عائشه، فقالت: ما ورائك؟ فاخبرتها، قالت: فمن هولاء معك؟ قالت ابناى، حل حل تحملهما الى القبر.

قال الواقدى.

و كان حمزه بن عبدالمطلب اول من جى ء به الى النبى (ص) بعد انصراف قريش- او كان من اولهم- فصلى عليه رسول الله (ص)، ثم قال: رايت الملائكه تغسله- قالوا: لان حمزه كان جنبا ذلك اليوم- و لم يغسل رسول الله (ص) الشهداء يومئذ، و قال: لفوهم بدمائهم و جراحهم، فانه ليس احد يجرح فى سبيل الله الا جاء يوم القيامه لون جرحه لون الدم، و ريحه ريح المسك، ثم (مجلد 15 صفحه 38( قال: ضعوهم فانا الشهيد على هولاء يوم القيامه، و كان حمزه اول من كبر عليه اربعا، ثم
جمع اليه الشهداء فكان كلما اتى بشهيد وضع الى جنب حمزه فصلى عليه و على الشهيد، حتى صلى عليه سبعين مره، لان الشهداء سبعون.

قال الواقدى.

و يقال: كان يوتى بتسعه و حمزه عاشرهم، فيصلى عليهم، و ترفع التسعه، و يترك حمزه مكانه، و يوتى بتسعه آخرين فيوضعون الى جنب حمزه فيصلى عليه و عليهم، حتى فعل ذلك سبع مرات، و يقال: انه كبر عليه خمسا و سبعا و تسعا.

قال الواقدى: و قد اختلفت الروايه فى هذا، و كان طلحه بن عبيدالله و ابن عباس و جابر بن عبدالله يقولون: صلى رسول الله (ص) على قتلى احد، و قال: (انا شهيد على هولاء)، فقال ابوبكر: السنا اخوانهم اسلمنا كما اسلموا، و جاهدنا كما جاهدوا! قال: بلى، و لكن هولاء لم ياكلوا من اجورهم، شيئا، و لاادرى ما تحدثون بعدى! فبكى ابوبكر و قال: انا لكائنون بعدك! و قال انس بن مالك و سعيد بن المسيب: لم يصل رسول الله (ص) على قتلى احد.

قال الواقدى: و قال لاهل القتلى: احفروا و اوسعوا و احسنوا، و ادفنوا الاثنين و الثلاثه فى القبر، و قدموا اكثرهم قرآنا.

و امر بحمزه ان تمد بردته عليه و هو فى القبر، و كانت قصيره، فكانوا اذا خمروا بها راسه بدت رجلاه، و اذا خمروا بها رجليه انكشف وجهه، فبكى المسلمون يومئذ، فقا
لوا: يا رسول الله: عم رسول الله يقتل فلا يوجد له ثوب! فقال: بلى، انكم بارض جرديه ذات احجار، و ستفتح- يعنى الارياف و الامصار- فيخرج الناس اليها، ثم يبعثون الى اهليهم، و المدينه خير لهم لو كانوا يعلمون، (مجلد 15 صفحه 39( و الذى نفسى بيده لاتصبر نفس على لاوائها و شدتها الا كنت لها شفيعا- او قال: شهيدا يوم القيامه.

قال الواقدى: و اتى عبدالرحمن بن عوف فى خلافه عثمان بثياب و طعام فقال: و لكن حمزه لم يوجد له كفن، و مصعب بن عمير لم يوجد له كفن، و كانا خيرا منى! قال الواقدى: و مر رسول الله (ص) بمصعب بن عمير و هو مقتول مسجى ببرده خلق، فقال: لقد رايتك بمكه و ما بها احد ارق حله و لااحسن لمه منك، ثم انت اليوم اشعث الراس فى هذه البرده! ثم امر به فقبر، و نزل فى قبره اخوه ابو الروم و عامر بن ربيعه و سويبطه بن عمرو بن حرمله، و نزل فى قبر حمزه على (ع) و الزبير و ابوبكر و عمر و رسول الله (ص) جالس على حفرته.

قال الواقدى: ثم ان الناس او عامتهم حملوا قتلاهم الى المدينه، فدفن بالبقيع منهم عده، عند دار زيد بن ثابت، و دفن بعضهم ببنى سلمه، فنادى منادى رسول الله (ص): ردوا القتلى الى مضاجعهم- و كان الناس قد دفنوا قتلاهم- فلم يرد احد
احدا منهم الا رجلا واحدا ادركه المنادى و لم يدفن، و هو شماس بن عثمان المخزومى، كان قد حمل الى المدينه و به رمق، فادخل على عائشه فقالت ام سلمه: ابن عمى يدخل الى غيرى! فقال رسول الله (ص): احملوه الى ام سلمه، فحملوه اليها فمات عندها، فامر رسول الله (ص) ان يرد الى احد فيدفن هناك كما هو فى ثيابه التى مات فيها، و كان قد مكث يوما و ليله و لم يذق شيئا، فلم يصل عليه رسول الله (ص) و لاغسله.

قال الواقدى: فاما القبور المجتمعه هناك فكثير من الناس يظنها قبور قتلى احد، و كان طلحه بن عبيدالله و عباد بن تميم المازنى يقولان: هى قبور قوم من الاعراب كانوا (مجلد 15 صفحه 40( عام الرماده فى عهد عمر هناك، فماتوا فتلك قبورهم.

و كان ابن ابى ذئب و عبدالعزيز بن محمد يقولان: لانعرف تلك القبور المجتمعه، انما هى قبور ناس من اهل الباديه، قالوا: انا نعرف قبر حمزه و قبر عبدالله بن حزام و قبر سهل بن قيس، و لانعرف غير ذلك.

قال الواقدى: و كان رسول الله (ص) يزور قتلى احد فى كل حول، و اذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! و كان ابوبكر يفعل مثل ذلك، و كذلك عمر بن الخطاب، ثم عثمان، ثم معاويه، حين يمر حاجا و معتمرا
.

قال: و كانت فاطمه بنت رسول الله (ص) تاتيهم بين اليومين و الثلاثه فتبكى عندهم و تدعو، و كان سعد بن ابى وقاص يذهب الى ما له بالغابه، فياتى من خلف قبور الشهداء فيقول: السلام عليكم، ثلاثا، و يقول: لا يسلم عليهم احد الا ردوا عليه السلام الى يوم القيامه.

قال: و مر رسول الله (ص) على قبر مصعب بن عمير، فوقف عليه، و دعا و قرا: (من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا)، ثم قال: ان هولاء شهداء عند الله يوم القيامه، فاتوهم فزوروهم و سلموا عليهم، و الذى نفسى بيده لايسلم عليهم احد الى يوم القيامه الا ردوا عليه.

و كان ابوسعيد الخدرى يقف على قبر حمزه فيدعو و يقرا و يقول مثل ذلك.

و كانت ام سلمه رحمها الله، تذهب فتسلم عليهم فى كل شهر فتظل يومها، فجائت يوما و معها غلامها انبهان، فلم يسلم، فقالت: اى لكع! الا تسلم عليهم! و الله لايسلم عليهم احد الا ردوا عليه الى يوم القيامه.

قال: و كان ابوهريره و عبدالله بن عمر يذهبان فيسلمان عليهم، قالت فاطمه (مجلد 15 صفحه 41( الخزاعيه: سلمت على قبر حمزه يوما و معى اخت لى، فسمعنا من القبر قائلا يقول: و عليكما السلام و رحمه الله! قالت: و
لم يكن قربنا احد من الناس.

قال الواقدى: فلما فرغ رسول الله (ص) من دفنهم دعا بفرسه فركبه، و خرج المسلمون حوله عامتهم جرحى، و لا مثل بنى سلمه و بنى عبد الاشهل، فلما كانوا باصل الحره قال: اصطفوا، فاصطفت الرجال صفين، و خلفهم النساء و عدتهن اربع عشره امراه، فرفع يديه فدعا، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لاقابض لما بسطت، و لا مانع لما اعطيت، و لا معطى لما منعت، و لا هادى لمن اضللت، و لا مضل لمن هديت، و لا مقرب لما باعدت، و لا مباعد لما قربت.

اللهم انى اسالك من بركتك و رحمتك و فضلك و عافيتك، اللهم انى اسالك النعيم المقيم الذى لايحول و لايزول، اللهم انى اسالك الامن يوم الخوف، و الغناء يوم الفاقه، عائذا بك، اللهم من شر ما اعطيت، و من شر ما منعت، اللهم توفنا مسلمين، اللهم حبب الينا الايمان، و زينه فى قلوبنا، و كره الينا الكفر و الفسوق و العصيان، و اجعلنا من الراشدين، اللهم عذب كفره اهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، و يصدون عن سبيلك، اللهم انزل عليهم رجسك و عذابك اله الحق، آمين! قال الواقدى: و اقبل حتى نزل ببنى حارثه يمينا حتى طلع على بنى عبد الاشهل و هم يبكون على قتلاهم، فقال: لكن حمزه لابواكى له! فخرج النساء ينظرن الى سل
امه رسول الله (ص)، فخرجت اليه ام عامر الاشهليه، و تركت النوح، فنظرت اليه و عليه الدرع كما هى، فقالت: كل مصيبه بعدك جلل.

و خرجت كبشه بنت عتبه بن معاويه بن بلحارث بن الخزرج تعدو نحو رسول الله (ص) و هو واقف على فرسه، و سعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله، امى، فقال: مرحبا بها! فدنت حتى تاملته، و قالت: اذ رايتك سالما فقد شفت المصيبه.

فعزاها بعمرو (مجلد 15 صفحه 42( ابن معاذ، ثم قال: يا ام سعد: ابشرى و بشرى اهليهم ان قتلاهم قد ترافقوا فى الجنه جميعا و هم اثنا عشر رجلا، و قد شفعوا فى اهليهم، فقالت: رضينا يا رسول الله، و من يبكى عليهم بعد هذا! ثم قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا، فقال: اللهم اذهب حزن قلوبهم، و آجر مصيبتهم، و احسن الخلف على من خلفوا.

ثم قال لسعد بن معاذ: حل اباعمرو الدابه، فحل الفرس، و تبعه الناس، فقال: يا اباعمرو، ان الجراح فى اهل دارك فاشيه، و ليس منهم مجروح الا ياتى يوم القيامه جرحه كاغزر ما كان، اللون لون دم، و الريح ريح مسك، فمن كان مجروحا فليقر فى داره و ليداو جرحه، و لاتبلغ معى بيتى، عزمه منى.

فنادى فيهم سعد: عزمه من رسول الله (ص) الا يتبعه جريح من بنى عبد الاشهل، فتخلف كل مج
روح، و باتوا يوقدون النيران و يداوون الجراح، و ان فيهم لثلاثين جريحا، و مضى سعد بن معاذ مع رسول الله (ص) الى بيته، ثم رجع الى نسائه فساقهن، فلم تبق امراه الا جاء بها الى بيت رسول الله (ص)، فبكين بين المغرب و العشاء، و قام رسول الله (ص) حين فرغ من النوم لثلث الليل، فسمع البكاء فقال: ما هذا؟ قيل نساء الانصار يبكين على حمزه، فقال: رضى الله تعالى عنكن و عن اولادكن، و امر النساء ان يرجعن الى منازلهن، قالت ام سعد بن معاذ: فرجعنا الى بيوتنا بعد ليل و معنا رجالنا، فما بكت منا امراه قط الا بدات بحمزه الى يومنا هذا.

و يقال: ان معاذ بن جبل جاء بنساء بنى سلمه، و جاء عبدالله بن رواحه بنساء بلحارث بن الخزرج، فقال رسول الله (ص): ما اردت هذا، و نهاهن الغد عن النوح اشد النهى.

قال الواقدى: و جعل ابن ابى و المنافقون معه يشمتون و يسرون بما اصاب المسلمين، و يظهرون اقبح القول، و رجع عبدالله بن ابى الى ابنه و هو جريح، فبات يكوى الجراحه بالنار، حتى ذهب عامه الليل و ابوه يقول: ما كان خروجك مع محمد الى هذا (مجلد 15 صفحه 43( الوجه برايى، عصانى محمد و اطاع الولدان! و الله لكانى كنت انظر الى هذا، فقال ابنه: الذى صنع الله لرسوله و للمس
لمين خير ان شاءالله.

قال: و اظهرت اليهود القول السيى ء، و قالوا: ما محمد الا طالب ملك، ما اصيب هكذا نبى قط فى بدنه و اصيب فى اصحابه، و جعل المنافقون يخذلون عن رسول الله (ص) و اصحابه و يامرونهم بالتفرق عنه، و قالوا لاصحاب النبى (ص): لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل، حتى سمع عمر بن الخطاب ذلك فى اماكن، فمشى الى رسول الله (ص) يستاذنه فى قتل من سمع ذلك منهم من اليهود و المنافقين، فقال له: يا عمر، ان الله مظهر دينه، و معز نبيه، و لليهود ذمه فلا اقتلهم.

قال: فهولاء المنافقون يا رسول الله يقولون، فقال: اليس يظهرون شهاده ان لا اله الا الله و انى رسول الله! قال: بلى، و انما يفعلون تعوذا من السيف، و قد بان لنا امرهم، و ابدى الله اضغانهم عند هذه النكبه، فقال: انى نهيت عن قتل من قال: لااله الا الله محمد رسول الله يا بن الخطاب، ان قريشا لن ينالوا ما نالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن.

و روى ابن عباس ان النبى (ص) قال: اخوانكم لما اصيبوا باحد جعلت ارواحهم فى اجواف طير خضر، ترد انهار الجنه فتاكل من ثمارها، و تاوى الى قناديل من ذهب فى ظل العرش، فلما وجدوا طيب مطعمهم و مشربهم و راوا حسن منقلبهم قالوا: ليت اخواننا يعلمون بم
ا اكرمنا الله و بما نحن فيه لئلا يزهدوا فى الجهاد، و يكلوا عند الحرب! فقال لهم الله تعالى: انا ابلغهم عنكم، فانزل: (و لاتحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون).

(مجلد 15 صفحه 44( القول فيما جرى للمشركين بعد انصرافهم الى مكه قال الواقدى: حدثنى موسى بن شيبه، عن قطن بن وهيب الليثى، قال: لما تحاجز الفريقان و وجه قريش الى مكه، و امتطوا الابل، و جنبوا الخيل، سار وحشى، عبد جبير بن مطعم على راحلته اربعا، فقدم مكه يبشر قريشا بمصاب المسلمين، فانتهى الى الثنيه التى تطلع على الحجون فنادى باعلى صوته: يا معشر قريش، مرارا، حتى ثاب الناس اليه و هم خائفون ان ياتيهم بما يكرهون، فلما رضى منهم قال: ابشروا فقد قتلنا من اصحاب محمد مقتله لم نقتل مثلها فى زحف قط، و جرحنا محمدا فاثبتناه بالجراح، و قتلنا راس الكتيبه حمزه بن عبد المطلب، فتفرق الناس عنه فى كل وجه بالشماته بقتل اصحاب النبى (ص) و اظهار السرور، و خلا جبير بن مطعم بوحشى، فقال: انظر ما تقول! قال وحشى: قد و الله صدقت.

قال: قتلت حمزه؟ قال: اى و الله و لقد زرقته بالمزراق فى بطنه، فخرج من بين فخذيه، ثم نودى فلم يجب، فاخذت كبده و حملتها اليك لتراها.

فقال: اذهبت حزن نسائنا، و بردت حر قلوبنا، فامر يومئذ نسائه بمراجعه الطيب و الدهن.

قال الواقدى: و قد كان عبدالله بن ابى اميه بن المغيره المخزومى لما انكشف المشركون باحد فى اول الامر، خرج هاربا على وجهه، و كره ان يقدم مكه، فقدم الطائف، فاخبر ثقيفا ان اصحاب محمد قد ظفروا و انهزمنا، و كنت اول من قدم عليكم، ثم جائهم الخبر بعد ان قريشا ظفرت و عادت الدوله لها.

قال الواقدى: فسارت قريش قافله الى مكه، فدخلتها ظافره، فكان ما دخل على قلوبهم من السرور يومئذ نظير ما دخل عليهم من الكابه و الحزن يوم بدر، و كان ما دخل (مجلد 15 صفحه 45( على قلوب المسلمين من الغيظ و الحزن يومئذ نظير ما دخل عليهم من السرور و الجذل يوم بدر، كما قال الله تعالى: (و تلك الايام نداولها بين الناس) و قال سبحانه: (او لما اصابتكم مصيبه قد اصبتم مثليها قلتم انى هذا قل هو من عند انفسكم)، قال: يعنى انكم يوم بدر قتلتم من قريش سبعين، و اسرتم سبعين، و اما يوم احد فقتل منكم سبعون، و لم يوسر منكم احد، فقد اصبتم قريشا بمثلى ما اصابوكم يوم احد، و قوله: (انى هذا) اى كيف هذا، و نحن موعودون بالنصر و نزول الملائكه، و فينا نبى ينزل عليه الوحى من السماء! فقال لهم فى
الجواب: (هو من عند انفسكم)، يعنى الرماه الذين خالفوا الامر و عصوا الرسول، و انما كان النصر و نزول الملائكه مشروطا بالطاعه و الا يعصى امر الرسول، الا ترى الى قوله: (بلى ان تصبروا و تتقوا و ياتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسه آلاف من الملائكه مسومين)، فعلقه على الشرط! القول فى مقتل ابى عزه الجمحى و معاويه بن المغيره بن ابى العاص ابن اميه بن عبد شمس قال الواقدى: اما ابو عزه- و اسمه عمرو بن عبدالله بن عمير بن وهب بن حذافه ابن جمح- فان رسول الله (ص) اخذه اسيرا يوم احد- و لم يوخذ يوم احد اسير غيره- فقال: يا محمد، من على، فقال رسول الله (ص): ان المومن لايلدغ من جحر مرتين، لاترجع الى مكه تمسح عارضيك، فتقول: سخرت بمحمد مرتين.

ثم امر عاصم بن ثابت فضرب عنقه.

(مجلد 15 صفحه 46( قال الواقدى: و قد سمعنا فى اسره غير هذا، حدثنى بكير بن مسمار، قال: لما انصرف المشركون عن احد نزلوا بحمراء الاسد فى اول الليل ساعه، ثم رحلوا و تركوا اباعزه مكانه حتى ارتفع النهار، فلحقه المسلمون و هو مستنبه يتلدد، و كان الذى اخذه عاصم بن ثابت، فامره النبى (ص) فضرب عنقه.

قلت: و هذه الروايه هى الصحيحه عندى، لان المسلمين لم تكن حالهم يوم احد
حال من يتهيا له اسر احد من المشركين فى المعركه لما اصابهم من الوهن.

فاما معاويه بن المغيره فروى البلاذرى انه هو الذى جدع انف حمزه و مثل به، و انه انهزم يوم احد فمضى على وجهه، فبات قريبا من المدينه، فلما اصبح دخل المدينه فاتى منزل عثمان بن عفان بن ابى العاص- و هو ابن عمه لحا- فضرب بابه، فقالت، ام كلثوم زوجته و هى ابنه رسول الله (ص): ليس هو هاهنا، فقال: ابعثى اليه، فان له عندى ثمن بعير ابتعته منه عام اول، و قد جئته به، فان لم يجى ء ذهبت فارسلت اليه، و هو عند رسول الله (ص)، فلما جاء قال لمعاويه: اهلكتنى و اهلكت نفسك! ما جاء بك؟ قال: يا بن عم، لم يكن احد اقرب الى و لاامس رحما بى منك، فجئتك لتجيرنى، فادخله عثمان داره و صيره فى ناحيه منها، ثم خرج الى النبى (ص) لياخذ له منه امانا، فسمع رسول الله (ص) يقول: ان معاويه فى المدينه، و قد اصبح بها، فاطلبوه.

فقال بعضهم: ما كان ليعدو منزل عثمان، فاطلبوه به، فدخلوا منزل عثمان، فاشارت ام كلثوم الى الموضع الذى صيره فيه، فاستخرجوه من تحت خماره لهم، فانطلقوا به الى النبى (ص)، فقال عثمان حين رآه: و الذى بعثك بالحق ما جئت الا لاطلب له الامان، فهبه لى فوهبه له، و اجله ثلاثا، (مجلد
15 صفحه 47( و اقسم: لئن وجده بعدها يمشى فى ارض المدينه و ما حولها ليقتلنه.

و خرج عثمان فجهزه و اشترى له بعيرا، ثم قال: ارتحل.

و سار رسول الله (ص) الى حمراء الاسد و اقام معاويه الى اليوم الثالث ليعرف اخبار النبى (ص)، و ياتى بها قريشا، فلما كان فى اليوم الرابع قال رسول الله (ص): ان معاويه اصبح قريبا لم ينفذ، فاطلبوه.

فاصابوه و قد اخطا الطريق، فادركوه، و كان اللذان اسرعا فى طلبه زيد بن حارثه و عمار بن ياسر، فوجداه بالجماء فضربه زيد بالسيف، و قال عمار: ان لى فيه حقا، فرمياه بسهم فقتلاه، ثم انصرفا الى المدينه بخبره، و يقال: انه ادرك على ثمانيه اميال من المدينه، فلم يزل زيد و عمار يرميانه بالنبل حتى مات.

قال: و معاويه هذا ابوعائشه بنت معاويه ام عبد الملك بن مروان.

قال: و ذكر الواقدى فى كتابه مثل هذه الروايه سواء.

قال البلاذرى: و قال ابن الكلبى: ان معاويه بن المغيره جدع انف حمزه يوم احد و هو قتيل، فاخذ بقرب احد، فقتل على احد بعد انصراف قريش بثلاث، و لا عقب له الا عائشه ام عبدالملك بن مروان.

قال: و يقال: ان عليا (ع) هو الذى قتل معاويه بن المغيره.

قلت: و روايه ابن الكلبى عندى اصح، لان هزيمه المشركين كانت فى الصدمه ال
اولى عقيب قتل بنى عبد الدار اصحاب الالويه، و كان قتل حمزه بعد ذلك لما كر خالد بن الوليد الخيل من وراء المسلمين، فاختلطوا، و انتقض صفهم، و قتل بعضهم بعضا، فكيف يصح ان يجتمع لمعاويه كونه قد جدع انف حمزه، و كونه قد انهزم مع المشركين فى الصدمه الاولى! هذا متناقض، لانه اذا كان قد انهزم فى اول الحرب استحال ان يكون (مجلد 15 صفحه 48( حاضرا عند حمزه حين قتل.

و الصحيح ما ذكره ابن الكلبى من انه شهد الحرب كلها، و جدع انف حمزه، ثم حصل فى ايدى المسلمين بعد انصراف قريش، لانه تاخر عنهم لعارض عرض له فادركه حينه، فقتل.

القول فى مقتل المجذر ابن زياد البلوى و الحارث بن يزيد بن الصامت قال الواقدى: كان المجذر بن زياد البلوى حليف بنى عوف بن الخزرج ممن شهد بدرا مع رسول الله (ص)، و كانت له قصه فى الجاهليه قبل قدوم النبى (ص) المدينه، و ذلك ان حضير الكتائب، والد اسيد بن حضير، جاء الى بنى عمرو بن عوف، فكلم سويد بن الصامت و خوات بن جبير و ابا لبابه بن عبد المنذر- و يقال سهل بن حنيف- فقال: هل لكم ان تزورونى فاسقيكم شرابا، و انحر لكم، و تقيمون عندى اياما! قالوا: نعم، نحن ناتيك يوم كذا، فلما كان ذلك اليوم جاووه فنحر لهم جزورا، و سق
اهم خمرا، و اقاموا عنده ثلاثه ايام حتى تغير اللحم- و كان سويد بن الصامت يومئذ شيخا كبيرا- فلما مضت الايام الثلاثه قالوا: ما نرانا الا راجعين الى اهلنا! فقال حضير: ما احببتم! ان احببتم فاقيموا، و ان احببتم فانصرفوا، فخرج الفتيان بسويد بن الصامت يحملانه على جمل من الثمل، فمروا لاصقين بالحره حتى كانوا قريبا من بنى عيينه، فجلس سويد يبول و هو ثمل سكرا، فبصر به انسان من الخزرج، فخرج حتى اتى المجذر بن زياد، فقال: هل لك فى الغنيمه البارده! قال: ما هى؟ قال: سويد بن الصامت، اعزل لا سلاح معه، ثمل، فخرج المجذر بن زياد بالسيف مصلتا، فلما رآه الفتيان و هما اعزلان لا سلاح معهما وليا، و العداوه بين الاوس (مجلد 15 صفحه 49( و الخزرج شديده.

فانصرفا مسرعين، و ثبت الشيخ و لا حراك به، فوقف المجذر بن زياد، فقال: قد امكن الله منك! قال: ما تريد بى؟ قال: قتلك.

قال فارفع عن الطعام، و اخفض عن الدماغ، فاذا رجعت الى امك، فقل: انى قتلت سويد بن الصامت.

فقتله، فكان قتله هو الذى هيج وقعه بعاث.

فلما قدم رسول الله (ص) المدينه اسلم الحارث بن سويد بن الصامت، و اسلم المجذر فشهدا بدرا، فجعل الحارث بن سويد يطلب المجذر فى المعركه ليقتله بابيه، فلا
يقدر عليه يومئذ، فلما كان يوم احد و جال المسلمون تلك الجوله، اتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فرجع رسول الله (ص) الى المدينه، ثم خرج الى حمراء الاسد، فلما رجع من حمراء الاسد اتاه جبرائيل (ع)، فاخبره ان الحارث بن سويد قتل المجذر غيله، و امره بقتله، فركب رسول الله (ص) الى قباء فى اليوم الذى اخبره جبرائيل فى يوم حار- و كان ذلك يوما لايركب فيه رسول الله (ص) الى قباء، انما كانت الايام التى ياتى فيها رسول الله (ص) قباء يوم السبت.

و يوم الاثنين- فلما دخل رسول الله (ص) مسجد قباء صلى فيه ماشاءالله ان يصلى، و سمعت الانصار فجاووا يسلمون عليه، و انكروا اتيانه تلك الساعه، فى ذلك اليوم.

فجلس (ع) يتحدث و يتصفح الناس حتى طلع الحارث بن سويد فى ملحفه مورسه، فلما رآه رسول الله (ص) دعا عويم بن ساعده فقال له: قدم الحارث بن سويد الى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زياد، فانه قتله يوم احد.

فاخذه عويم، فقال الحارث: دعنى اكلم رسول الله- و رسول الله (ص) يريد ان يركب، و دعا بحماره الى باب المسجد- فجعل الحارث يقول: قد و الله قتلته يا رسول الله، و ما كان قتلى اياه رجوعا عن الاسلام (مجلد 15 صفحه 50( و لاارتيابا فيه، و لكنه حميه الشيطان، و
امر وكلت فيه الى نفسى، و انى اتوب الى الله و الى رسوله مما عملت، و اخرج ديته و اصوم شهرين متتابعين، و اعتق رقبه و اطعم ستين مسكينا، انى اتوب الى الله يا رسول الله! و جعل يمسك بركاب رسول الله (ص) و بنو المجذر حضور، لايقول لهم رسول الله (ص) شيئا، حتى اذا استوعب كلامه قال: قدمه يا عويم فاضرب عنقه.

و ركب رسول الله(ص) فقدمه عويم بن ساعده على باب المسجد، فضرب عنقه.

قال الواقدى: و يقال: ان الذى اعلم رسول الله قتل الحارث المجذر يوم احد حبيب بن يساف، نظر اليه حين قتله، فجاء الى النبى (ص)، فاخبره، فركب رسول الله (ص) يتفحص عن هذا الامر، فبينا هو على حماره نزل جبرائيل (ع)، فخبره بذلك، فامر رسول الله (ص) عويما فضرب عنقه، ففى ذلك قال حسان: يا حار فى سنه من نوم اولكم ام كنت ويحك مغترا بجبريل فاما البلاذرى فانه ذكر هذا، و قال: و يقال ان الجلاس بن سويد بن الصامت هو الذى قتل المجذر يوم احد غيله، الا ان شعر حسان يدل على انه الحارث.

قال الواقدى و البلاذرى: و كان سويد بن الصامت حين ضربه المجذر بقى قليلا ثم مات، فقال قبل ان يموت يخاطب اولاده: ابلغ جلاسا و عبدالله مالكه و ان دعيت فلا تخذلهما حار (مجلد 15 صفحه 51( اقتل ج
ذاره اذ ما كنت لاقيهم و الحى عوفا على عرف و انكار قال البلاذرى: جذره و جذاره اخوان، و هما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج.

قلت: هذه الروايات كما ترى، و قد ذكر ابن ماكولا فى (الاكمال) ان الحارث بن سويد قتل المجذر غيله يوم احد، ثم التحق بمكه كافرا، ذكره فى حرف الميم من هذا الكتاب، و هذا هو الاشبه عندى.

القول فيمن مات من المسلمين باحد جمله قال الواقدى: ذكر سعيد بن المسيب و ابوسعيد الخدرى انه قتل من الانصار خاصه احد و سبعون، و بمثله قال مجاهد.

قال: فاربعه من قريش، و هم حمزه بن عبدالمطلب، قتله وحشى، و عبدالله بن جحش بن رئاب، قتله ابو الحكم بن الاخنس بن شريق، و شماس بن عثمان بن الشريد من بنى مخزوم، قتله ابى بن خلف، و مصعب بن عمير، قتله ابن قميئه.

قال: و قد زاد قوم خامسا، و هو سعد مولى حاطب من بنى اسد بن عبد العزى.

و قال قوم ايضا: ان ابا سلمه بن عبد الاسد المخزومى جرح يوم احد، و مات من تلك الجراحه بعد ايام.

قال الواقدى: و قال قوم: قتل ابنا الهبيب من بنى سعد بن ليث، و هما عبد الله (مجلد 15 صفحه 52( و عبد الرحمن و رجلان من بنى مزينه و هما وهب بن قابوس و ابن اخيه الحارث بن عتبه بن قابوس، فيكون جميع من قتل من الم
سلمين ذلك اليوم نحو احد و ثمانين رجلا فاما تفصيل اسماء الانصار فمذكور فى كتب المحدثين، و ليس هذا الموضع مكان ذكره.

القول فيمن قتل من المشركين باحد قال الواقدى: قتل من بنى عبد الدار طلحه بن ابى طلحه صاحب لواء قريش، قتله على بن ابى طالب (ع) مبارزه، و عثمان بن ابى طلحه، قتله حمزه بن عبدالمطلب و ابوسعيد بن ابى طلحه، قتله سعد بن ابى وقاص، و مسافع بن طلحه بن ابى طلحه، قتله عاصم بن ثابت بن ابى الاقلح، و كلاب بن طلحه بن ابى طلحه، قتله الزبير بن العوام و الحارث بن طلحه بن ابى طلحه، قتله عاصم بن ثابت، و الجلاس بن طلحه بن ابى طلحه، قتله طلحه بن عبيدالله، و ارطاه بن عبد شرحبيل، قتله على بن ابى طالب (ع) و قارظ بن شريح بن عثمان بن عبد الدار- و يروى قاسط بالسين و الطاء المهملتين-.

قال الواقدى: لايدرى من قتله، و قال البلاذرى: قتله على بن ابى طالب (ع)، و صواب مولاهم: قتله على بن ابى طالب (ع) و قيل: قتله قزمان- و ابوعزيز بن عمير اخو مصعب بن عمير، قتله قزمان، فهولاء احد عشر.

و من بنى اسد بن عبد العزى عبدالله بن حميد بن زهير بن الحارث بن اسد، قتله ابودجانه فى روايه الواقدى، و فى روايه محمد بن اسحاق، قتله على بن ابى طالب (ع).

و قال البلاذرى: قال ابن الكلبى: ان عبدالله بن حميد قتل يوم بدر (مجلد 15 صفحه 53( و من بنى زهره ابوالحكم بن الاخنس بن شريق، قتله على بن ابى طالب (ع)، و سباع بن عبد العزى الخزاعى- و اسم عبد العزى عمر بن نضله بن عباس بن سليم، و هو ابن ام انمار الحجامه بمكه- قتله حمزه بن عبد المطلب، فهذان رجلان.

و من بنى مخزوم اميه بن ابى حذيفه بن المغيره، قتله على (ع)، و هشام بن ابى اميه بن المغيره، قتله قزمان و الوليد بن العاص بن هشام قتله قزمان، و خالد بن اعلم العقيلى، قتله قزمان، و عثمان بن عبدالله بن المغيره، قتله الحارث بن الصمه، فهولاء خمسه.

و من بنى عامر بن لوى عبيد بن حاجز، قتله ابودجانه، و شيبه بن مالك بن المضرب قتله طلحه بن عبيدالله.

و هذان اثنان.

و من بنى جمح ابى بن خلف، قتله رسول الله (ص) بيده، و ابوعزه، قتله عاصم بن ثابت صبرا بامر رسول الله (ص)، فهذان اثنان.

و من بنى عبد مناه بن كنانه خالد بن سفيان بن عويف، و ابو الشعثاء بن سفيان بن عويف، و ابو الحمراء بن سفيان بن عويف، و غراب بن سفيان بن عويف، هولاء الاخوه الاربعه قتلهم على بن ابى طالب (ع) فى روايه محمد بن حبيب.

فاما الواقدى فلم يذكر فى باب من قتل من المشركين با
حد لهم قاتلا معينا، و لكنه ذكر فى كلام آخر قبل هذا الباب ان ابا سبره بن الحارث بن علقمه قتل احد بنى سفيان ابن عويف، و ان رشيدا الفارسى مولى بنى معاويه لقى آخر من بنى سفيان بن عويف مقنعا فى الحديد و هو يقول: انا ابن عويف، فيعرض له سعد مولى حاطب، فضربه ابن (مجلد 15 صفحه 54( عويف ضربه جزله باثنتين، فاقبل رشيد على ابن عويف فضربه على عاتقه- فقطع الدرع- حتى جزله اثنتين و قال: خذها و انا الغلام الفارسى، فقال رسول الله (ص) و هو يراه و يسمعه: الا قلت: انا الغلام الانصارى! قال: فيعرض لرشيد اخ للمقتول احد بنى سفيان بن عويف ايضا، و اقبل يعدو نحوه كانه كلب، يقول: انا ابن عويف، و يضربه رشيد ايضا على راسه و عليه المغفر، ففلق راسه، و قال: خذها و انا الغلام الانصارى! فتبسم رسول الله (ص) و قال: احسنت يا اباعبدالله! فكناه رسول الله (ص) يومئذ و لا ولد له.

قلت: فاما البلاذرى فلم يذكر لهم قاتلا، و لكنه عدهم فى جمله من قتل من المشركين باحد، و كذلك ابن اسحاق لم يذكر من قتلهم، فان صحت روايه الواقدى فعلى (ع) لم يكن قد قتل منهم الا واحدا، و ان كانت روايه ابن حبيب صحيحه فالاربعه من قتلاه (ع).

و قد رايت فى بعض كتب ابى الحسن المدائنى ا
يضا ان عليا (ع) هو الذى قتل بنى سفيان بن عويف يوم احد، و روى له شعرا فى ذلك.

و من بنى عبد شمس معاويه بن المغيره بن ابى العاص، قتله على (ع) فى احدى الروايات، و قيل: قتله زيد بن حارثه و عمار بن ياسر.

فجميع من قتل من المشركين يوم احد ثمانيه و عشرون، قتل على (ع) منهم ما اتفق عليه و ما اختلف فيه- اثنى عشر، و هو الى جمله القتلى كعده من قتل يوم بدر الى جمله القتلى يومئذ، و هو قريب من النصف.

(مجلد 15 صفحه 55( القول فى خروج النبى (ص) و بعد انصرافه من احد الى المشركين ليوقع بهم على ما هو به من الوهن قال الواقدى: بلغ رسول الله (ص) ان المشركين قد عزموا ان يردوا الى المدينه فينهبوها، فاحب ان يريهم قوه، فصلى الصبح يوم الاحد لثمان خلون من شوال و معه وجوه الاوس و الخزرج، و كانوا باتوا تلك الليله فى بابه يحرسونه من البيات، فيهم سعد بن عباده، و سعد بن معاذ، و الحباب بن المنذر، و اوس بن خولى، و قتاده بن النعمان فى عده منهم.

فلما انصرف من صلاه الصبح امر بلالا ان ينادى فى الناس، ان رسول الله (ص) يامركم بطلب عدوكم، و لايخرج معنا الا من شهد القتال بالامس، فخرج سعد بن معاذ راجعا الى قومه يامرهم بالمسير، و الجراح فى الناس فاش
يه، عامه بنى عبد الاشهل جريح، بل كلها، فجاء سعد بن معاذ فقال: ان رسول الله (ص) يامركم ان تطلبوا عدوكم.

قال: يقول اسيد بن حضير- و به سبع جراحات، و هو يريد ان يداويها: سمعا و طاعه لله و لرسوله! فاخذ سلاحه و لم يعرج على دواء جراحه، و لحق برسول الله (ص).

و جاء سعد بن عباده قومه بنى ساعده، فامرهم بالمسير، فلبسوا و لحقوا، و جاء ابو قتاده اهل خربا، و هم يداوون الجراح، فقال: هذا منادى رسول الله (ص) يامركم بطلب العدو، فوثبوا الى سلاحهم، و لم يعرجوا على جراحاتهم، فخرج من بنى سلمه اربعون جريحا، بالطفيل بن النعمان ثلاثه عشر جرحا، و بخراش بن الصمه عشر جراحات، و بكعب بن مالك بضعه عشر جرحا، و بقطبه بن عامر بن خديج بيده تسع جراحات، حتى وافوا النبى (ص) بقبر ابى عتبه، و عليهم السلاح، (مجلد 15 صفحه 56( و قد صفوا لرسول الله (ص).

فلما نظر اليهم و الجراح فيهم فاشيه، قال: اللهم ارحم بنى سلمه.

قال الواقدى: و حدثنى عتبه بن جبيره عن رجال (من) قومه، ان عبدالله بن سهل و رافع بن سهل من بنى عبد الاشهل رجعا من احد و بهما جراح كثيره و عبدالله اثقلهما جرحا، فلما اصبحا و جاء سعد بن معاذ قومه يخبرهم ان رسول الله (ص) يامرهم بطلب العدو، قال ا
حدهما لصاحبه: و الله ان تركنا غزاه مع رسول الله (ص) لغبن، و الله ما عندنا دابه نركبها، و لاندرى كيف نصنع! قال عبدالله انطلق بنا.

قال رافع: لا و الله ما بى مشى، قال اخوه: انطلق بنا نقصد و نجوز، و خرجا يزحفان، فضعف رافع، فكان عبدالله يحمله على ظهره عقبه، و يمشى الاخر عقبه، حتى اتوا رسول الله (ص) عند العشاء و هم يوقدون النيران، فاتى بهما رسول الله (ص) و على حرسه تلك الليله عباد بن بشر، فقال رسول الله (ص) لهما: ما حبسكما؟ فاخبراه بعلتهما، فدعا لهما بخير، و قال: ان طالت لكما مده كانت لكما مراكب من خيل و بغال و ابل، و ليس ذلك بخير لكما.

قال الواقدى: و قال جابر بن عبدالله: يا رسول الله، ان مناديا نادى الا يخرج معنا الا من حضر القتال بالامس، و قد كنت حريصا بالامس على الحضور، و لكن ابى خلفنى على اخوات لى، و قال: يا بنى لاينبغى لك ان تدعهن و لا رجل معهن، و اخاف عليهن، و هن نسيات ضعاف، و انا خارج مع رسول الله (ص) لعل الله يرزقنى الشهاده، فتخلفت عليهن فاستاثر على بالشهاده، و كنت رجوتها، فاذن لى يا رسول الله ان اسير معك.

فاذن له رسول الله (ص).

قال جابر: فلم يخرج معه احد لم يشهد القتال بالامس غيرى، و استاذنه رجال لم يحضروا
القتال.

فابى ذلك (مجلد 15 صفحه 57( عليهم، فدعا رسول الله (ص) بلوائه و هو معقود لم يحل من امس، فدفعه الى على (ع)، و يقال: دفعه الى ابى بكر، فخرج رسول الله (ص) و هو مجروح، فى وجهه اثر الحلقتين، و مشجوج فى جبهته فى اصول الشعر، و رباعيته قد شظيت، و شفته قد كلمت من باطنها، و منكبه الايمن موهن بضربه ابن قميئه، و ركبتاه مجحوشتان، فدخل المسجد فصلى ركعتين، و الناس قد حشدوا، و نزل اهل العوالى حيث جائهم الصريخ.

و دعا بفرسه على باب المسجد، و تلقاه طلحه بن عبيدالله، و قد سمع.

المنادى، فخرج ينظر متى يسير رسول الله (ص)! فاذا هو و عليه الدرع و المغفر لايرى منه الا عيناه، فقال: يا طلحه، سلاحك، قال: قريبا قال طلحه: فاخرج، و اعدو فالبس درعى و آخذ سيفى، و اطرح درقتى فى صدرى، و ان بى لتسع جراحات، و لانا اهتم بجراح رسول الله (ص) منى بجراحى، فاقبل رسول الله (ص) على طلحه، فقال: اين ترى القوم الان؟ قال: هم بالسياله فقال رسول الله (ص): ذلك الذى ظننت، اما انهم يا طلحه لن ينالوا منا مثل امس حتى يفتح الله مكه علينا، قال: و بعث رسول الله (ص) ثلاثه نفر من اسلم طليعه فى آثار القوم، فانقطع احدهم، و انقطع قبال نعل الاخر، و لحق الثالث بقريش
و هم بحمراء الاسد، و لهم زجل ياتمرون فى الرجوع الى المدينه، و صفوان بن اميه ينهاهم عن ذلك، و لحق الذى انقطع قبال نعله بصاحبه، فبصرت قريش بالرجلين، فعطفت عليهما، فاصابوهما، و انتهى المسلمون الى مصرعهما بحمراء الاسد، فقبرهما رسول الله (ص) فى قبر واحد، فهما القرينان.

(مجلد 15 صفحه 58( قال الواقدى: اسماهما سليط و نعمان.

قال الواقدى: قال جابر بن عبدالله: كانت عامه ازوادنا ذلك اليوم التمر، و حمل سعد بن عباده ثلاثين بعيرا تمرا حتى وافت حمراء الاسد، و ساق جزرا، فنحروا فى يوم ثنتين، و فى يوم ثلاثا، و امرهم رسول الله (ص) بجمع الحطب، فاذا امسوا امرهم ان يوقدوا النيران: فيوقد كل رجل نارا، فلقد كنا تلك الليله نوقد خمسمائه نار حتى نرى من المكان البعيد، و ذهب ذكر معسكرنا و نيراننا فى كل وجه، و كان ذلك مما كبت الله به عدونا.

قال الواقدى: و جاء معبد بن ابى معبد الخزاعى- و هو يومئذ مشرك- الى النبى (ص)، و كانت خزاعه سلما للنبى (ص)، فقال: يا محمد عز علينا ما اصابك فى نفسك، و ما اصابك فى اصحابك، و لوددنا ان الله تعالى اعلى كعبك، و ان المصيبه كانت بغيرك، ثم مضى معبد حتى يجد اباسفيان و قريشا بالروحاء و هم يقولون: لا محمدا اصبتم،
و لا الكواعب اردفتم، فبئسما صنعتم! و هم مجمعون على الرجوع الى المدينه، و يقول قائلهم فيما بينهم: ما صنعنا شيئا، اصبنا اشرافهم، ثم رجعنا قبل ان نستاصلهم، و قبل ان يكون لهم وفر، و كان المتكلم بهذا عكرمه بن ابى جهل، فلما جاء معبد الى ابى سفيان: قال: هذا معبد، و عنده الخبر، ما ورائك يا معبد؟ قال: تركت محمدا و اصحابه خلفى يتحرقون عليكم بمثل النيران، و قد اجتمع معه من تخلف عنه بالامس من الاوس و الخزرج، و تعاهدوا الا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثاروا منكم، و قد غضبوا لقومهم غضبا شديدا و لمن اصبتم من اشرافهم.

قالوا: ويحك، ما تقول؟ قال: و الله ما ارى (مجلد 15 صفحه 59( ان ترتحلوا حتى تروا نواصى الخيل، و لقد حملنى ما رايت منهم ان قلت ابياتا، قالوا: و ما هى؟ فانشدهم هذا الشعر: كادت تهد من الاصوات راحلتى اذ سالت الارض بالجرد الابابيل تعدو باسد ضراء لا تنابله عند اللقاء و لا ميل معازيل فقلت ويل ابن حرب من لقائهم اذا تغطمطت البطحاء بالجيل! و قد كان صفوان بن اميه رد القوم بكلامه قبل ان يطلع معبد، و قال لهم صفوان: يا قوم، لاتفعلوا، فان القوم قد حربوا، و اخشى ان يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا و الدوله لكم، فان
ى لا آمن ان رجعتم اليهم ان تكون الدوله عليكم.

قال: فلذلك قال رسول الله (ص): ارشدهم صفوان و ما كان برشيد، ثم قال: و الذى نفسى بيده لقد سومت لهم الحجاره، و لو رجعوا لكانوا كامس الذاهب، قال: فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم، و مر بابى سفيان قوم من عبد القيس يريدون المدينه، فقال لهم: هل انتم مبلغو محمد و اصحابه ما ارسلكم به، على ان اوقر لكم اباعركم زبيبا غدا بعكاظ، ان انتم جئتمونى! قالوا: نعم، قال: حيثما (مجلد 15 صفحه 60( لقيتم محمدا و اصحابه فاخبروهم انا قد اجمعنا الرجعه اليهم، و انا آثاركم.

و انطلق ابوسفيان الى مكه، و قدم الركب على النبى (ص) و اصحابه بالحمراء فاخبروهم بالذى امرهم ابوسفيان، فقالوا حسبنا الله و نعم الوكيل، فانزل ذلك فى القرآن، و ارسل معبد رجلا من خزاعه الى رسول الله (ص) يعلمه انه قد انصرف ابوسفيان و اصحابه خائفين وجلين، فانصرف رسول الله (ص) بعد ثلاث الى المدينه.

(مجلد 15 صفحه 61( الفصل الخامس فى شرح غزاه موته نذكرها من كتاب الواقدى- و نزيد على ذلك ما رواه محمد بن اسحاق فى كتابه على عادتنا فيما تقدم قال الواقدى: حدثنى ربيعه بن عثمان عن عمر بن الحكم، قال: بعث رسول الله (ص) الحارث
بن عمير الازدى فى سنه ثمان الى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل موته عرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى، فقال اين تريد؟ قال: الشام، قال: لعلك من رسل محمد.

قال: نعم، فامر به فاوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه، و لم يقتل لرسول الله (ص) رسول غيره، و بلغ ذلك رسول الله (ص)، فاشتد عليه، و ندب الناس و اخبرهم بمقتل الحارث، فاسرعوا و خرجوا، فعسكروا بالجرف، فلما صلى رسول الله (ص) الظهر جلس و جلس اصحابه حوله، و جاء النعمان بن مهض اليهودى فوقف مع الناس، فقال رسول الله (ص): زيد بن حارثه امير الناس، فان قتل زيد بن حارثه فجعفر بن ابى طالب، فان اصيب جعفر فعبد الله بن رواحه، فان اصيب ابن رواحه فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم.

فقال النعمان بن مهض: يا اباالقاسم، ان كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا او كثيرا، ان الانبياء فى بنى اسرائيل كانوا اذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا ان اصيب فلان فلو سمى مائه اصيبوا جميعا.

ثم جعل اليهودى يقول لزيد بن حارثه: اعهد فلا ترجع الى محمد ابدا ان كان نبيا.

قال زيد: اشهد انه نبى صادق فلما اجمعوا (مجلد 15 صفحه 62( المسير و عقد رسول الله (ص) لهم اللواء بيده دفعه الى زيد بن حارثه، و هو لواء ابيض،
و مشى الناس الى امراء رسول الله (ص) يودعونهم و يدعون لهم و كانوا ثلاثه آلاف، فلما ساروا فى معسكرهم ناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، و ردكم صالحين سالمين غانمين، فقال عبدالله بن رواحه: لكننى اسال الرحمن مغفره و ضربه ذات فرغ تقذف الزبدا او طعنه بيدى حران مجهزه بحربه تنفذ الاحشاء و الكبدا حتى يقولوا اذا مروا على جدثى يا ارشد الله من غاز فقد رشدا قلت: اتفق المحدثون على ان زيد بن حارثه كان هو الامير الاول، و انكرات الشيعه ذلك، و قالوا: كان جعفر بن ابى طالب هو الامير الاول، فان قتل فزيد بن حارثه، فان قتل فعبد الله بن رواحه، و رووا فى ذلك روايات، و قد وجدت فى الاشعار التى ذكرها محمد بن اسحاق فى كتاب المغازى ما يشهد لقولهم، فمن ذلك ما رواه عن حسان ابن ثابت و هو: تاوبنى ليل بيثرب اعسر و هم اذا ما نوم الناس مسهر لذكرى حبيب هيجت لى عبره سفوحا و اسباب البكاء التذكر بلى ان فقدان الحبيب بليه و كم من كريم يبتلى ثم يصبر فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بموته منهم ذو الجناحين جعفر و زيد و عبدالله حين تتابعوا جميعا و اسياف المنيه تخطر (مجلد 15 صفحه 63( رايت خيار المومنين تواردوا شعوب و خلق بعدهم
يتاخر غداه غدوا بالمومنين يقودهم الى الموت ميمون النقيبه ازهر اغر كضوء البدر من آل هاشم ابى اذا سيم الظلامه اصعر فطاعن حتى مال غير موسد بمعترك فيه القنا متكسر فصار مع المستشهدين ثوابه جنان و ملتف الحدائق اخضر و كنا نرى فى جعفر من محمد وقارا و امرا حازما حين يامر و ما زال فى الاسلام من آل هاشم دعائم صدق لا ترام و مفخر هم جبل الاسلام و الناس حولهم رضام الى طور يطول و يقهر بهاليل منهم جعفر و ابن امه على و منهم احمد المتخير و حمزه و العباس منهم ومنهم عقيل و ماء العود من حيث يعصر بهم تفرج الغماء من كل مازق عماس اذا ما ضاق بالناس مصدر هم اولياء الله انزل حكمه عليهم و فيهم و الكتاب المطهر و منها قول كعب بن مالك الانصارى من قصيده اولها: نام العيون و دمع عينك يهمل سحا كما وكف الرباب المسبل وجدا على النفر الذين تتابعوا قتلى بموته اسندوا لم ينقلوا ساروا امام المسلمين كانهم طود يقودهم الهزبر المشبل اذ يهتدون بجعفر و لوائه قدام اولهم و نعم الاول حتى تقوضت الصفوف و جعفر حيث التقى جمع الغواه مجدل (مجلد 15 صفحه 64( فتغير القمر المنير لفقده و الشمس قد كسفت
و كادت تافل قوم علا بنيانهم من هاشم فرع اشم و سودد متاثل قوم بهم عصم الاله عباده و عليهم نزل الكتاب المنزل فضلوا المعاشر عفه و تكرما و تعمدت اخلاقهم من يجهل قال الواقدى: فحدثنى ابن ابى سبره عن اسحاق بن عبدالله بن ابى طلحه، عن رافع بن اسحاق، عن زيد بن ارقم ان رسول الله (ص) خطبهم فاوصاهم فقال: اوصيكم بتقوى الله و بمن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا باسم الله و فى سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لاتغدروا و لاتغلوا و لاتقتلوا وليدا، و اذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى احدى ثلاث: فايتهن اجابوك اليها فاقبل منهم، و اكفف عنهم، ادعهم الى الدخول فى الاسلام، فان فعلوا فاقبل و اكفف.

ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى المهاجرين، فان فعلوا فاخبرهم ان لهم ما للمهاجرين، و عليهم ما على المهاجرين.

و ان دخلوا فى الاسلام و اختاروا دارهم فاخبرهم انهم يكونون كاعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم الله، و لايكون لهم فى الفى ء و لا فى الغنيمه شى ء، الا ان يجاهدوا مع المسلمين، فان ابوا فادعهم الى اعطاء الجزيه فان فعلوا فاقبل منهم و اكفف عنهم، فان ابوا فاستعن بالله و قاتلهم، و ان انت حاصرت اهل حصن او مدينه فارادوا ان تستنزلهم على
حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله، و لكن انزلهم على حكمك، فانك لاتدرى اتصيب حكم الله فيهم ام لا! و ان حاصرت اهل حصن او مدينه و ارادوا ان تجعل لهم ذمه الله و ذمه رسول الله فلا تجعل لهم ذمه الله و ذمه رسول الله، و لكن اجعل لهم ذمتك و ذمه ابيك و اصحابك، فانكم ان تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم خير لكم من ان تخفروا ذمه الله و ذمه رسوله.

(مجلد 15 صفحه 65( قال الواقدى: و حدثنى ابوصفوان، عن خالد بن يزيد، قال: خرج النبى (ص) مشيعا لاهل موته حتى بلغ ثنيه الوداع، فوقف و وقفوا حوله، فقال: اغزوا بسم الله، فقاتلوا عدو الله و عدوكم بالشام، و ستجدون فيها رجالا فى الصوامع معتزلين الناس، فلا تعرضوا لهم، و ستجدون آخرين للشيطان فى رووسهم مفاحص، فاقلعوها بالسيوف، و لاتقتلن امراه، و لا صغيرا، ضرعا و لا كبيرا فانيا، و لاتقطعن نخلا و لا شجرا، و لاتهدمن بناء.

قال الواقدى: فلما دعا ودع عبدالله بن رواحه رسول الله (ص) قال له: مرنى بشى ء احفظه عنك، قال: انك قادم غدا بلدا، السجود فيه قليل، فاكثروا السجود.

فقال عبدالله: زدنى يا رسول الله، قال: اذكر الله، فانه عون لك على ما تطلب.

فقام من عنده حتى اذا مضى ذاهبا رجع فقال: يا رسول الله: ان الله
وتر يحب الوتر، فقال: يا بن رواحه: ما عجزت فلا تعجز ان اسات عشرا ان تحسن واحده.

فقال ابن رواحه لااسالك عن شى ء بعدها.

و روى محمد بن اسحاق ان عبدالله بن رواحه ودع رسول الله (ص) بشعر منه: فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى و نصرا كالذى نصروا انى تفرست فيك الخير نافله فراسه خالفتهم فى الذى نظروا انت الرسول فمن يحرم نوافله و البشر منه فقد اودى به القدر قال محمد بن اسحاق: فلما ودع المسلمين بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا عبدالله؟ قال: و الله ما بى حب الدنيا و لاصبابه اليها، و لكنى سمعت رسول الله (ص) (مجلد 15 صفحه 66( عليه و آله يقرا: (و ان منكم الا واردها)، فلست ادرى كيف لى بالصدر بعد الورود! قال الواقدى: و كان زيد بن ارقم يحدث، قال: كنت يتيما فى حجر عبدالله بن رواحه، فلم ار والى يتيم كان خيرا لى منه، خرجت معه فى وجهه الى موته وصب بى و صببت به، فكان يردفنى خلف رحله، فقال ذات ليله و هو على راحلته بين شعبتى رحله: اذا بلغتنى و حملت رحلى مسافه اربع بعد الحساء فشانك فانعمى و خلاك ذم و لاارجع الى اهلى ورائى و آب المسلمون و خلفونى بارض الشام مشتهر الثواء و زودنى الاقارب من دعاء الى الرحمن و انقط
ع الاخاء هنالك لا ابالى طلع نخل و لا نخل اسافلها رواء فلما سمعت منه هذا الشعر بكيت: فخفقنى بالدره و قال: و ما عليك يا لكع ان يرزقنى الله الشهاده فاستريح من الدنيا و نصبها، و همومها و احزانها و احداثها، و ترجع انت بين شعبتى الرحل! قال الواقدى: و مضى المسلمون فنزلوا وادى القرى فاقاموا به اياما، و ساروا حتى نزلوا بموته، و بلغهم ان هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء فى بكر و بهراء و لخم و جذام و غيرهم مائه الف مقاتل، و عليهم رجل من بلى، فاقام المسلمون ليلتين ينظرون (مجلد 15 صفحه 67( فى امرهم، و قالوا: نكتب الى رسول الله (ص) فنخبره الخبر، فاما ان يردنا او يزيدنا رجالا، فبينا الناس على ذلك من امرهم جائهم عبدالله بن رواحه فشجعهم، و قال: و الله ما كنا نقاتل الناس بكثره عده و لا كثره سلاح و لا كثره خيل، الا بهذا الدين الذى اكرمنا الله به، انطلقوا فقاتلوا، فقد و الله راينا يوم بدر، و ما معنا الا فرسان، انما هى احدى الحسنيين: اما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله و رسوله، و ليس لوعده خلف، و اما الشهاده فنلحق بالاخوان، نرافقهم فى الجنان.

فشجع الناس على قول ابن رواحه.

قال الواقدى: و روى ابوهريره قال: شهدت موت
ه فلما راينا المشركين راينا مالا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الديباج و الحرير و الذهب، فبرق بصرى، فقال لى ثابت بن ارقم: ما لك يا اباهريره، كانك ترى جموعا كثيره! قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر، انا لم ننصر بالكثره.

قال الواقدى: فالتقى القوم، فاخذ اللواء زيد بن حارثه، فقاتل حتى قتل، طعنوه بالرماح، ثم اخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل.

قال الواقدى: قيل: انه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوقع احد نصفيه فى كرم هناك، فوجد فيه ثلاثون او بضع و ثلاثون جرحا.

قال الواقدى: و قد روى نافع عن ابن عمر انه وجد فى بدن جعفر بن ابى طالب اثنتان و سبعون ضربه و طعنه بالسيوف و الرماح.

قال البلاذرى: قطعت يداه، و لذلك قال رسول الله (ص): لقد ابدله الله بهما جناحين يطير بهما فى الجنه، و لذلك سمى الطيار.

قال الواقدى: ثم اخذ الرايه عبدالله بن رواحه فنكل يسيرا، ثم حمل فقاتل (مجلد 15 صفحه 68( حتى قتل، فلما قتل انهزم المسلمون اسوا هزيمه كانت فى كل وجه، ثم تراجعوا، فاخذ اللواء ثابت بن ارقم، و جعل يصيح بالانصار، فثاب اليه منهم قليل، فقال لخالد بن الوليد: خذ اللواء يا اباسليمان، قال خالد: لا بل خذه انت فلك س
ن، و قد شهدت بدرا.

قال ثابت: خذه ايها الرجل، فو الله ما اخذته الا لك.

فاخذه خالد و حمل به ساعه، و جعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير، فانحاز بالمسلمين، و انكشفوا راجعين.

قال الواقدى: و قد روى ان خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا، و الصحيح ان خالدا انهزم بالناس.

قال الواقدى: حدثنى محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتاده، ان النبى (ص) لما النقى الناس بموته جلس على المنبر، و كشف له ما بينه و بين الشام، فهو ينظر الى معركتهم، فقال: اخذ الرايه زيد بن حارثه، فجائه الشيطان فحبب اليه الحياه، و كره اليه الموت، و حبب اليه الدنيا، فقال: الان حين استحكم الايمان فى قلوب المومنين تحبب الى الدنيا! فمضى قدما حتى استشهد، ثم صلى عليه، و قال: استغفروا له فقد دخل الجنه و هو يسعى، ثم اخذ الرايه جعفر بن ابى طالب، فجائه الشيطان فمناه الحياه و كره اليه الموت، و مناه الدنيا، فقال: الان حين استحكم الايمان فى قلوب المومنين تتمنى الدنيا! ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله (ص) و دعا له، ثم قال: استغفروا لاخيكم فانه شهيد قد دخل الجنه، فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء.

ثم قال: اخذ الرايه عبدالله بن رواحه، ثم دخل معترضا ف
شق ذلك على الانصار، فقال رسول الله (ص): اصابته الجراح.

قيل: يا رسول الله، فما اعتراضه؟ قال لما اصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد، فدخل الجنه، فسرى عن قومه.

(مجلد 15 صفحه 69( و روى محمد بن اسحاق قال: لما ذكر رسول الله (ص) زيدا و جعفرا سكت عن عبدالله بن رواحه حتى تغيرت وجوه الانصار، و ظنوا انه قد كان من عبدالله بعض ما يكرهون، ثم قال: اخذها عبدالله بن رواحه فقاتل حتى قتل شهيدا، ثم قال: لقد رفعوا لى فى الجنه فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرايت فى سرير ابن رواحه ازورارا عن سريرى صاحبيه، فقلت: لم هذا؟ فقيل: لانهما مضيا، و تردد هذا بعض التردد، ثم مضى.

قال: و روى محمد بن اسحاق انه لما اخذ جعفر بن ابى طالب الرايه قاتل قتالا شديدا حتى اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر رضى الله عنه اول رجل عقر فرسه فى الاسلام.

قال محمد بن اسحاق: و لما اخذ ابن رواحه الرايه جعل يتردد بعض التردد، و يستقدم نفسه يستنزلها، و قال: اقسمت يا نفس لتنزلنه طوعا و الا سوف تكرهنه ما لى اراك تكرهين الجنه اذ اجلب الناس و شدوا الرنه قد طالما قد كنت مطمئنه هل انت الا نطفه فى شنه ثم ارت
جز ايضا فقال: يا نفس الا تقتلى تموتى هذا حمام الموت قد صليت (مجلد 15 صفحه 70( و ما تمنيت فقد اعطيت ان تفعلى فعلهما هديت و ان تاخرت فقد شقيت ثم نزل عن فرسه فقاتل، فاتاه ابن عم له ببضعه من لحم، فقال: اشدد بهذا صلبك.

فاخذها من يده، فانتهش منها نهشه ثم سمع الحطمه فى ناحيه من الناس، فقال: و انت يا بن رواحه فى الدنيا! ثم القاها من يده و اخذ سيفه، فتقدم فقاتل حتى قتل.

قال الواقدى: حدثنى داود بن سنان، قال: سمعت ثعلبه بن ابى مالك يقول: انكشف خالد بن الوليد يومئذ بالناس حتى عيروا بالفرار، و تشائم الناس به.

قال: و روى ابوسعيد الخدرى، قال: اقبل خالد بالناس منهزمين، فلما سمع اهل المدينه بهم تلقوهم بالجرف، فجعلوا يحثون فى وجوههم التراب و يقولون: يا فرار، افررتم فى سبيل الله! فقال رسول الله (ص): ليسوا بالفرار، و لكنهم كرار، ان شاءالله.

قال الواقدى: و قال عبيدالله بن عبدالله بن عتبه: ما لقى جيش بعثوا مبعثا ما لقى اصحاب موته من اهل المدينه، لقوهم بالشر، حتى ان الرجل ينصرف الى بيته و اهله فيدق عليهم فيابون ان يفتحوا له يقولون: الا تقدمت مع اصحابك فقتلت، و جلس الكبراء منهم فى بيوتهم استحياء من الناس، حتى ارسل النبى
(ص) رجلا، يقول لهم: انتم الكرار فى سبيل الله.

فخرجوا.

قال الواقدى: فحدثنى مالك بن ابى الرجال عن عبدالله بن ابى بكر بن حزم، عن ام جعفر بنت محمد بن جعفر، عن جدتها اسماء بنت عميس، قالت: اصبحت فى اليوم الذى اصيب فيه جعفر و اصحابه، فاتانى رسول الله (ص) و قد منات اربعين منا من ادم و عجنت عجينى، و اخذت بنى، فغسلت وجوههم و دهنتهم، فدخلت على (مجلد 15 صفحه 71( رسول الله (ص)، فقال يا اسماء، اين بنو جعفر؟ فجئت بهم اليه، فضمهم و شمهم، ثم ذرفت عيناه، فبكى، فقلت: يا رسول الله، لعله بلغك عن جعفر شى ء! قال: نعم، انه قتل اليوم، فقمت اصيح، و اجتمع الى النساء، فجعل رسول الله (ص) يقول: يا اسماء، لاتقولى هجرا، و لاتضربى صدرا، ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمه رضى الله عنها، و هى تقول: واعماه! فقال: على مثل جعفر فلتبك الباكيه.

ثم قال: اصنعوا لال جعفر طعاما، فقد شغلوا عن انفسهم اليوم.

قال الواقدى: و حدثنى محمد بن مسلم، عن يحيى بن ابى يعلى، قال: سمعت عبدالله ابن جعفر يقول: انا احفظ حين دخل النبى (ص) على امى، فنعى اليها ابى، فانظر اليه و هو يمسح على راسى و راس اخى، و عيناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحيته، ثم قال: اللهم ان جعفرا قدم الى
احسن الثواب، فاخلفه فى ذريته، باحسن ما خلفت احدا من عبادك فى ذريته، ثم قال: يا اسماء، الا ابشرك؟ قالت: بلى بابى و امى.

قال: فان الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما فى الجنه، قالت: بابى و امى، فاعلم الناس ذلك! فقام رسول الله (ص) و اخذ بيدى يمسح بيده راسى حتى رقى على المنبر و اجلسنى امامه على الدرجه السفلى، و ان الحزن ليعرف عليه، فتكلم فقال: ان المرء كثير باخيه و ابن عمه، الا ان جعفرا قد استشهد، و قد جعل الله له جناحين يطير بهما فى الجنه.

ثم نزل، فدخل بيته و ادخلنى، و امر بطعام فصنع لنا، و ارسل الى اخى فتغدينا عنده غداء طيبا، عمدت سلمى خادمته الى شعير فطحنته، ثم نشفته، ثم انضجته و آدمته بزيت، و جعلت عليه فلفلا، فتغديت انا و اخى معه، و اقمنا عنده ثلاثه ايام ندور معه فى بيوت نسائه، ثم ارجعنا الى بيتنا، و اتانى رسول الله (ص) بعد ذلك و انا اساوم فى شاه، فقال: اللهم بارك له فى صفقته، فوالله ما بعت شيئا و لا اشتريت الا بورك فيه.

(مجلد 15 صفحه 72( (فصل فى ذكر بعض مناقب جعفر بن ابى طالب) روى ابوالفرج الاصفهانى فى كتاب "مقاتل الطالبيين" ان كنيه جعفر بن ابى طالب ابوالمساكين، و قال: و كان ثالث الاخوه من ولد ابى طالب، اك
برهم طالب، و بعده عقيل، و بعده جعفر، و بعده على، و كل واحد منهم اكبر من الاخر بعشر سنين، (و على اصغرهم سنا)، و امهم جميعا فاطمه بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف.

و هى اول هاشميه ولدت لهاشمى، و فضلها كثير، و قربها من رسول الله (ص) و تعظيمه لها معلوم عند اهل الحديث.

و روى ابوالفرج: لجعفر رضى الله عنه فضل كثير.

و قد ورد فيه حديث كثير، من ذلك ان رسول الله (ص) لما فتح خيبر قدم جعفر بن ابى طالب من الحبشه، فالتزمه رسول الله (ص) و جعل يقبل بين عينيه و يقول: ما ادرى بايهما انا اشد فرحا! بقدوم جعفر، ام بفتح خيبر! قال: و قد روى خالد الحذاء، عن عكرمه، عن ابى هريره انه قال: ما ركب المطايا، و لاركب الكور، و لاانتعل، و لااحتذى النعال احد بعد رسول الله (ص) افضل من جعفر بن ابى طالب.

قال: و قد روى عطيه عن ابى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله (ص)، خير الناس حمزه و جعفر و على.

و قد روى جعفر بن محمد عن ابيه (ع) قال: قال رسول الله (ص): خلق الناس من اشجار شتى، و خلقت انا و جعفر من شجره واحده- او قال- من طينه واحده.

(مجلد 15 صفحه 73( قال: و بالاسناد قال رسول الله (ص) لجعفر: انت اشبهت خلقى و خلقى.

و قال ابوعمر بن عبد البر فى "كتاب الاستي
عاب" كانت سن جعفر (ع) يوم قتل احدى و اربعين سنه.

قال ابوعمر: و قد روى ابن المسيب ان رسول الله (ص) قال: مثل لى جعفر و زيد و عبدالله فى خيمه من در، كل واحد منهم على سرير، فرايت زيدا و ابن رواحه فى اعناقهما صدودا، و رايت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود، فسالت فقيل لى: انهما حين غشيهما الموت اعرضا و صدا بوجهيهما، و اما جعفر فلم يفعل.

قال ابوعمر ايضا: و روى عن الشعبى، قال: سمعت عبدالله بن جعفر يقول: كنت اذا سالت عمى عليا (ع) شيئا و يمنعنى، اقول له: بحق جعفر، فيعطينى.

و روى ابوعمر ايضا فى حرف الزاى فى باب زيد بن حارثه، ان رسول الله (ص) لما اتاه قتل جعفر و زيد بموته بكى، و قال: اخواى و مونساى و محدثاى.

و اعلم ان هذه الكلمات التى ذكرها الرضى رحمه الله عليه ملتقطه من كتابه (ع) الذى كتبه جوابا عن كتاب معاويه النافذ اليه مع ابى مسلم الخولانى و قد ذكره اهل السيره فى كتبهم، روى نصر بن مزاحم فى كتاب "صفين" عن عمر بن سعد عن ابى ورقاء، قال: جاء ابومسلم الخولانى فى ناس من قراء اهل الشام الى معاويه قبل مسير اميرالمومنين (ع) الى صفين فقالوا له: يا معاويه، علام تقاتل عليا و ليس لك (مجلد 15 صفحه 74( مثل صحبته و لاهجرته و لاقرابته و
لاسابقته! فقال: انى لاادعى ان لى فى الاسلام مثل صحبته و لا مثل هجرته و لاقرابته، و لكن خبرونى عنكم، الستم تعلمون ان عثمان قتل مظلوما! قالوا: بلى، قال: فليدفع الينا قتلته لنقتلهم به، و لاقتال بيننا و بينه، قالا: فاكتب اليه كتابا ياته به بعضنا، فكتب مع ابى مسلم الخولانى: من معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب.

سلام عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فان الله اصطفى محمدا بعلمه، و جعله الامين على وحيه، و الرسول الى خلقه، و اجتبى له من المسلمين اعوانا ايده الله تعالى بهم، فكانوا فى منازلهم عنده على قدر فضائلهم فى الاسلام، فكان افضلهم فى الاسلام و انصحهم لله و رسوله الخليفه من بعده، ثم خليفه خليفته من بعد خليفته، ثم الثالث الخليفه المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، و على كلهم بغيت، عرفنا ذلك فى نظرك الشزر، و قولك الهجر، و تنفسك الصعداء، و ابطائك عن الخلفاء، تقاد الى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و انت كاره، ثم لم تكن لاحد منهم باعظم حسدا منك لابن عمك عثمان، و كان احقهم الا تفعل ذلك فى قرابته و صهره، فقطعت رحمه، و قبحت محاسنه، و البت الناس عليه، و بطنت و ظهرت حتى ضربت اليه آباط الابل، و قي
دت اليه الابل العراب، و حمل عليه السلاح فى حرم رسول الله (ص)، فقتل معك فى المحله و انت تسمع فى داره الهائعه، لاتردع الظن و التهمه عن نفسك بقول و لا عمل.

و اقسم قسما صادقا لو قمت فيما كان من امره مقاما واحدا تنهنه الناس (مجلد 15 صفحه 75( عنه، ما عدل بك من قبلنا من الناس احدا، و لمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبه لعثمان و البغى عليه، و اخرى انت بها عند انصار عثمان ظنين، ايواوك قتله عثمان، فهم عضدك و انصارك، و يدك و بطانتك، و قد ذكر لى انك تتنصل من دمه، فان كنت صادقا فامكنا من قتلته نقتلهم به، و نحن اسرع الناس اليك، و الا فانه ليس لك و لاصحابك الا السيف، و الذى لا اله الا هو لنطلبن قتله عثمان فى الجبال و الرمال، و البر و البحر، حتى يقتلهم الله او لتلحقن ارواحنا بالله، و السلام.

قال نصر: فلما قدم ابومسلم على على (ع) بهذا الكتاب، قام فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: اما بعد، فانك قد قمت بامر وليته، و والله ما احب انه لغيرك.

ان اعطيت الحق من نفسك.

ان عثمان قتل مسلما محرما مظلوما، فادفع الينا قتلته، و انت اميرنا، فان خالفك من الناس احد كانت ايدينا لك ناصره، و السنتنا لك شاهده، و كنت ذا عذر و حجه.

فقال ل
ه على (ع): اغد على غدا، فخذ جواب كتابك فانصرف، ثم رجع من غد لياخذ جواب كتابه، فوجد الناس قد بلغهم الذى جاء فيه قبل، فلبست الشيعه اسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد، فنادوا: كلنا قتله عثمان، و اكثروا من النداء بذلك و اذن لابى مسلم، فدخل، فدفع على (ع) جواب كتاب معاويه، فقال ابومسلم: لقد رايت قوما ما لك معهم امر، قال: و ما ذاك؟ قال: بلغ القوم انك تريد ان تدفع الينا قتله عثمان فضجوا، و اجتمعوا، و لبسوا السلاح، و زعموا انهم قتله عثمان.

فقال على (ع)، و الله ما اردت ان ادفعهم اليكم طرفه عين قط، لقد ضربت هذا الامر انفه و عينه، فما رايته ينبغى لى ان ادفعهم اليك، و لا الى غيرك.

فخرج ابومسلم بالكتاب و هو يقول: الان طاب الضراب! (مجلد 15 صفحه 76( و كان جواب على (ع): من عبدالله على اميرالمومنين الى معاويه بن ابى سفيان.

اما بعد، فان اخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمدا (ص) و ما انعم الله به عليه من الهدى و الوحى، فالحمد لله الذى صدقه الوعد، و ايده بالنصر، و مكن له فى البلاد، و اظهره على اهل العداوه و الشنان من قومه الذين وثبوا عليه، و شنفوا له، و اظهروا تكذيبه و بارزوه بالعداوه، و ظاهروا على اخراجه و على اخراج اصحابه و
اهله، و البوا عليه (العرب، و جادلوهم على حربه)، و جهدوا فى امره كل الجهد، و قلبوا له الامور حتى جاء الحق و ظهر امر الله و هم كارهون، و كان اشد الناس عليه تاليبا و تحريضا اسرته، و الادنى فالادنى من قومه، الا من عصم الله.

و ذكرت ان الله تعالى اجتبى له من المسلمين اعوانا ايده الله بهم، فكانوا فى منازلهم عنده على قدر فضائلهم فى الاسلام، فكان افضلهم- زعمت- فى الاسلام، و انصحهم لله و لرسوله الخليفه و خليفه الخليفه، و لعمرى ان مكانهما فى الاسلام لعظيم، و ان المصاب بهما لجرح فى الاسلام شديد، فرحمهما الله و جزاهما احسن ما عملا! و ذكرت ان عثمان كان فى الفضل تاليا، فان يك عثمان محسنا فسيجزيه الله باحسانه، و ان يك مسيئا فسيلقى ربا غفورا لايتعاظمه ذنب ان يغفره، و لعمرى انى لارجو اذا اعطى الله الناس على قدر فضائلهم فى الاسلام و نصيحتهم لله و لرسوله، ان يكون نصيبنا فى ذلك الاوفر.

ان محمدا (ص) لما دعا الى الايمان بالله و التوحيد له كنا اهل البيت اول من آمن به و صدقه فيما جاء، فبتنا احوالا كامله مجرمه تامه، و ما يعبد الله فى ربع ساكن من (مجلد 15 صفحه 77( من العرب غيرنا، فاراد قومنا قتل نبينا، و اجتياح اصلنا، و هموا بنا اله
موم، و فعلوا بنا الافاعيل، و منعونا الميره، و امسكوا عنا العذب، و احلسونا الخوف.

و جعلوا علينا الارصاد و العيون، و اضطرونا الى جبل وعر، و اوقدوا لنا نار الحرب، و كتبوا بينهم كتابا، لايواكلوننا، و لايشاربوننا، و لايناكحوننا، و لايبايعوننا، و لانامن منهم حتى ندفع اليهم محمدا فيقتلوه و يمثلوا به، فلم نكن نامن فيهم الا من موسم، الى موسم فعزم الله لنا على منعه، و الذب عن حوزته، و الرمى من وراء حرمته، و القيام باسيافنا دونه فى ساعات الخوف بالليل و النهار، فمومننا يرجو بذلك الثواب، و كافرنا يحامى عن الاصل، و اما من اسلم من قريش فانهم مما نحن فيه خلاء، منهم الحليف الممنوع، و منهم ذوالعشيره التى تدافع عنه، فلا يبغيه احد مثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوه و امن، فكان ذلك ماشاءالله ان يكون.

ثم امر الله تعالى رسوله بالهجره، و اذن له بعد ذلك فى قتال المشركين، فكان اذا احمر الباس، و دعيت نزال اقام اهل بيته، فاستقدموا، فوقى اصحابه بهم حد الاسنه و السيوف، فقتل عبيده يوم بدر، و حمزه يوم احد، و جعفر و زيد يوم موته، و اراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذى ارادوا من الشهاده مع النبى (ص) غير مره، الا ان آجالهم عج
لت، و منيته اخرت، و الله ولى الاحسان اليهم، و المنه عليهم، بما اسلفوا من امر الصالحات، فما سمعت باحد و لارايته هو انصح فى طاعه رسوله و لا لنبيه، و لااصبر على اللاواء و السراء و الضراء و حين الباس، و مواطن المكروه مع النبى (ص) من هولاء النفر الذين سميت لك، و فى المهاجرين خير كثير يعرف، جزاهم الله خيرا باحسن (مجلد 15 صفحه 78( اعمالهم.

و ذكرت حسدى الخلفاء و ابطائى عنهم، و بغيى عليهم، فاما البغى فمعاذ الله ان يكون، و اما الابطاء عنهم و الكراهيه لامرهم فلست اعتذر الى الناس من ذلك، ان الله تعالى ذكره لما قبض نبيه (ص) قالت قريش: منا امير، و قالت الانصار: منا امير، فقالت قريش: منا محمد، نحن احق بالامر، فعرفت ذلك الانصار فسلمت لهم الولايه و السلطان، فاذا استحقوها بمحمد (ص) دون الانصار فان اولى الناس بمحمد احق به منهم، و الا فان الانصار اعظم العرب فيها نصيبا، فلا ادرى: اصحابى سلموا من ان يكونوا حقى اخذوا، او الانصار ظلموا، بل عرفت ان حقى هو الماخوذ، و قد تركته لهم تجاوز الله عنهم.

و اما ما ذكرت من امر عثمان، و قطيعتى رحمه، و تاليبى عليه فان عثمان عمل ما قد بلغك، فصنع الناس به ما رايت، و انك لتعلم انى قد كنت فى عزله
عنه الا ان تتجنى، فتجن ما بدالك، و اما ما ذكرت من امر قتله عثمان فانى نظرت فى هذا الامر و ضربت انفه و عينه فلم ار دفعهم اليك و لا الى غيرك، و لعمرى لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لايكلفونك ان تطلبهم فى بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل، و قد اتانى ابوك حين ولى الناس ابابكر، فقال: انت احق بمقام محمد، و اولى الناس بهذا الامر، و انا زعيم لك بذلك على من خالف، ابسط يدك ابايعك، فلم افعل، و انت تعلم ان اباك قد قال ذلك و اراده حتى كنت انا الذى ابيت، لقرب عهد الناس بالكفر مخافه الفرقه بين اهل الاسلام، فابوك كان اعرف بحقى منك، فان تعرف من حقى ما كان ابوك يعرف تصب رشدك، و ان لم تفعل فسيغنى الله عنك، والسلام.

نامه 010-به معاويه

الشرح:

الجلابيب: جمع جلباب، و هى الملحفه فى الاصل، و استعير لغيرها من الثياب، و تجلبب الرجل جلببه، و لم تدغم لانها ملحقه ب(دحرجه).

قوله: (و تبهجت بزينتها): صارت ذات بهجه، اى زينه و حسن، و قد بهج الرجل بالضم، و يوشك: يسرع.

و يقفك واقف، يعنى الموت، و يروى: (و لاينحيك مجن)، و هو الترس، و الروايه الاولى اصح.

قوله: (فاقعس عن هذا الامر)، اى تاخر عنه، و الماضى قعس بالفتح، و مثله تقاعس و اقعنسس.

و اهبه الحساب: عدته، و تاهب: استعد، و جمع الاهبه اهب.

و شمر لما قد نزل بك، اى جد و اجتهد و خف، و منه رجل شمرى بفتح الشين، و تكسر.

و الغواه: جمع غاو، و هو الضال.

قوله: (و الا تفعل) يقول: و ان كنت لاتفعل ما قد امرتك و وعظتك به فانى اعرفك من نفسك ما اغفلت معرفته.

انك مترف، و المترف الذى قد اترفته النعمه، اى اطغته.

قد اخذ الشيطان منك ماخذه، و يروى (ماخذه) بالجمع، اى تناول الشيطان منك لبك و عقلك.

و ماخذه مصدر، اى تناولك الشيطان تناوله المعروف، و حذف مفعول (اخذ) لدلاله الكلام عليه، و لان اللفظه تجرى مجرى المثل.

قوله: (و جرى منك مجرى الروح و الدم)، هذه كلمه رسول الله (ص): (ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم).

ثم خ
رج (ع) الى امر آخر، فقال لمعاويه: (و متى كنتم ساسه الرعيه، و ولاه امر الامه!) ينبغى ان يحمل هذا الكلام على نفى كونهم ساده و ولاه فى الاسلام، و الا ففى الجاهليه لاينكر رياسه بنى عبد شمس.

و لست اقول برياستهم على بنى هاشم، و لكنهم كانوا روساء على كثير من بطون قريش، الا ترى ان بنى نوفل بن عبد مناف ما زالوا اتباعا لهم، و ان بنى عبد شمس كانوا فى يوم بدر قاده الجيش، كان رئيس الجيش عتبه بن ربيعه، و كانوا فى يوم احد و يوم الخندق قاده الجيش! كان الرئيس فى هذين اليومين اباسفيان بن حرب، و ايضا فان فى لفظه اميرالمومنين (ع) ما يشعر بما قلناه، و هو قوله: (و ولاه امر الامه) فان الامه فى العرب هم المسلمون، امه محمد (ص).

قوله (ع): (بغير قدم سابق)، يقال: لفلان قدم صدق، اى سابقه و اثره حسنه.

قوله (ع): (و لا شرف باسق)، اى عال.

و تمادى: تفاعل، من المدى، و هو الغابه، اى لم يقف بل مضى قدما.

و الغره: الغفله: و الامنيه: طمع النفس.

و مختلف السريره و العلانيه: منافق.

قوله (ع): (فدع الناس جانبا)، منصوب على الظرف.

و المرين على قلبه: المغلوب عليه، من قوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

و قيل: الرين: الذنب على القريب.

و انما قال اميرالمومنين (ع) لمعاويه هذه الكلمه لان معاويه قالها فى رساله كتبها، و وقفت عليها من كتاب ابى العباس يعقوب بن ابى احمد الصيمرى الذى جمعه من كلام على (ع) و خطبه، و اولها: اما بعد، فانك المطبوع على قلبك، المغطى على بصرك، الشر من شيمتك، و العتو من خليقتك، فشمر للحرب، و اصبر للضرب، فو الله ليرجعن الامر الى ما علمت، و العاقبه للمتقين.

هيهات هيهات! اخطاك ما تمنى، و هوى قلبك فيما هوى، فاربع على ظلعك، و قس شبرك بفترك، تعلم اين حالك من حال من يزن الجبال حلمه، و يفصل بين اهل الشك علمه، و السلام.

فكتب اليه اميرالمومنين (ع): اما بعد، يابن صخر، يابن اللعين، يزن الجبال فيما زعمت حلمك، و يفصل بين اهل الشك علمك، و انت الجاهل القليل الفقه، المتفاوت العقل، الشارد عن الدين.

و قلت: (فشمر للحرب، و اصبر)، فان كنت صادقا فيما تزعم، و يعينك عليه ابن النابغه، فدع الناس جانبا، و اعف الفريقين من القتال، و ابرز الى لتعلم اينا المرين على قلبه، المغطى
على بصره، فانا ابوالحسن حقا، قاتل اخيك و خالك و جدك، شدخا يوم بدر، و ذلك السيف معى، و بذلك القلب القى عدوى! قوله (ع) شدخا، الشدخ: كسر الشى ء الاجوف، شدخت راسه فانشدخ، و هولاء الثلاثه: حنظله بن ابى سفيان، و الوليد بن عتبه، و ابوه عتبه بن ربيعه، فحنظله اخوه، و الوليد خاله، و عتبه جده، و قد تقدم ذكر قتله اياهم فى غزاه بدر.

قلت: سالت النقيب ابازيد عن معاويه: هل شهد بدرا مع المشركين؟ فقال: نعم شهدها ثلاثه من اولاد ابى سفيان: حنظله و عمرو و معاويه، قتل احدهم، و اسر الاخر، و افلت معاويه هاربا على رجليه، فقدم مكه، و قد انتفخ قدماه، و ورمت ساقاه، فعالج نفسه شهرين حتى برا.

قال النقيب ابوزيد: و لاخلاف عند احد ان عليا (ع) قتل حنظله و اسر عمرا اخاه.

و لقد شهد بدرا، و هرب على رجليه من هو اعظم منهما و من اخيهما عمرو بن عبدود فارس يوم الاحزاب، شهدها و نجا هاربا على قدميه، و هو شيخ كبير، و ارتث جريحا، فوصل الى مكه و هو وقيذ فلم يشهد احدا، فلما برا شهد الخندق، فقتله قاتل الابطال، و الذى فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق.

ثم قال لى النقيب رحمه الله: اما سمعت نادره الاعمش و مناظره؟ فقلت: ما اعلم ما تريد، فقال: سال رجل الاعمش- و
كان قد ناظر صاحبا له: هل معاويه من اهل بدر ام لا؟ فقال له: اصلحك الله، هل شهد معاويه بدرا؟ فقال: نعم من ذلك الجانب.

/ 614