حکمت 235
الشرح:
هذا نحو ان يورد الانسان اشكالا فى بعض المسائل النظريه بحضره جماعه من اهل النظر، فيتغالب القوم و يتسابقون الى الجواب عنه، كل منهم يورد ما خطر له.فلاريب ان الصواب يخفى حينئذ، و هذه الكلمه فى الحقيقه امر للناظر البحاث ان يتحرى الانصاف فى بحثه و نظره مع رفيقه، و الا يقصد المراء و المغالبه و القهر.حکمت 236
الشرح:
قد تقدم الكلام فى هذا المعنى.و جاء فى الخبر: من اوتى نعمه فادى حق الله منها برد اللهفه، و اجابه الدعوه و كشف المظلمه، كان جديرا بدوامها و من قصر قصر به.حکمت 237
الشرح:
هذا مثل قولهم: كل مقدور عليه مملول، و مثل قول الشاعر.و كل كثير عدو الطبيعه.و مثل قول الاخر: و اخ كثرت عليه حتى ملنى و الشى ء مملول اذا هو يرخص يا ليته اذ باع ودى باعه ممن يزيد عليه لا من ينقص و لهذا الحكم عله فى العلم العقلى، و ذلك ان النفس عندهم غنيه بذاتها، مكتفيه بنفسها، غير محتاجه الى شى ء خارج عنها، و انما عرضت لها الحاجه و الفقر الى ما هو خارج عنها لمقارنتها الهيولى، و ذلك ان امر الهيولى بالضد من امر النفس فى الفقر و الحاجه، و لما كان الانسان مركبا من النفس و الهيولى عرض له الشوق الى تحصيل العلوم و القنيات لانتفاعه بهما، و التذاذه بحصولهما، فاما العلوم فانه يحصلها فى شبيه بالخزانه له، يرجع اليها متى شاء، و يستخرج منها ما اراد، اعنى القوى النفسانيه التى هى محل الصور و المعانى على ما هو مذكور فى موضعه.و اما القنيات و المحسوسات فانه يروم منها مثل ما يروم من تلك، و ان يودعها خزانه محسوسه خارجه عن ذاته، لكنه يغلط فى ذلك من حيث يستكثر منها، الى ان يتنبه بالحكمه على ما ينبغى ان يقتنى منها، و انما حرص على ما منع لان الانسان انما يطلب ما ليس عنده، لان تحصيل الحاصل محال، و الطلبانما يتوجه الى المعدوم، لا الى الموجود، فاذا حصله سكن و علم انه قد ادخره، و متى رجع اليه وحده ان كان مما يبقى بالذات، خزنه و تشوق الى شى ء آخر منه، و لايزال كذلك الى ان يعلم ان الجزئيات لا نهايه لها و ما لا نهايه له، فلامطمع فى تحصيله، و لا فائده فى النزوع اليه، و لا وجه لطلبه سواء كان معلوما او محسوسا، فوجب ان يقصد من المعلومات الى الاهم و من المقتنيات الى ضرورات البدن و مقيماته، و يعدل عن الاستكثار منها، فان حصولها كلها مع انها لا نهايه لها غير ممكن، و كلما فضل عن الحاجه و قدر الكفايه فهو ماده الاحزان و الهموم، و ضروب المكاره.و الغلط فى هذا الباب كثير، و سبب ذلك طمع الانسان فى الغنى من معدن الفقر، لان الفقر هو الحاجه، و الغنى هو الاستقلال، الى ان يحتاج اليه، و لذلك قيل: ان الله تعالى غنى مطلقا، لانه غير محتاج البته، فاما من كثرت قنياته فانه يستكثر حاجاته بحسب كثره قنياته، و على قدرها رغبه الى الاستكثار بكثره وجوه فقره، و قد بين ذلك فى شرائع الانبياء، و اخلاق الحكماء، فاما الشى ء الرخيص الموجود كثيرا فانما يرغب عنه، لانه معلوم انه اذا التمس وجد و الغالى فانما يقدر عليه فى الاحيان و يصيبه الواحد، بعد الواحد
و كل انسان يتمنى ان يكون ذلك الواحد ليصيبه و ليحصل له ما لايحصل لغيره.
حکمت 238
الشرح:
هذا امر بالشكر على النعمه و ترك المعاصى، فان المعاصى تزيل النعم كما قيل: اذا كنت فى نعمه فارعها فان المعاصى تزيل النعم و قال بعض السلف: كفران النعمه بوار، و قلما اقلعت نافره فرجعت فى نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، و استدم راهنها بكرم الجوار، و لاتحسب ان سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل عنك اذا انت لم ترج لله وقارا.و قال ابوعصمه: شهدت سفيان و فضيلا فما سمعتهما يتذاكران الا النعم، يقولان: انعم الله سبحانه علينا بكذا، و فعل بنا كذا.و قال الحسن: اذا استوى يوماك فانت ناقص، قيل له: كيف ذاك؟ قال: ان زادك الله اليوم نعما فعليك ان تزداد غدا له شكرا.و كان يقال: الشكر جنه من الزوال، و امنه من الانتقال.و كان يقال: اذا كانت النعمه وسيمه فاجعل الشكر لها تميمه.حکمت 239
الشرح:
مثل هذا المعنى قول ابى تمام لابن الجهم: الا يكن نسب يولف بيننا ادب اقمناه مقام الوالد او يختلف ماء الوصال فماونا عذب تحدر من غمام واحد و من قصيده لى فى بعض اغراضى: و وشائج الاداب عاطفه ال فضلاء فوق وشائج النسبحکمت 240
الشرح:
هذا قد تقدم فى وصيته (ع) لولده الحسن.و من كلام بعضهم: انى لاستحيى ان ياتينى الرجل يحمر وجهه تاره من الخجل، او يصفر اخرى من خوف الرد قد ظن بى الخير و بات عليه و غدا على ان ارده خائبا.حکمت 241
الشرح:
لاريب ان الثواب على قدر المشقه، لانه كالعوض عنها، كما ان العوض الحقيقى عوض عن الالم، و لهذا قال (ص): (افضل العباده احمزها).اى اشقها.حکمت 242
الشرح:
هذا احد الطرق الى معرفه البارى ء سبحانه، و هو ان يعزم الانسان على امر، و يصمم رايه عليه، ثم لايلبث ان يخطر الله تعالى بباله خاطرا صارفا له عن ذلك الفعل، و لم يكن فى حسابه، اى لو لا ان فى الوجود ذاتا مدبره لهذا العالم لما خطرت الخواطر التى لم تكن محتسبه، و هذا فصل يتضمن كلاما دقيقا يذكره المتكلمون فى الخاطر الذى يخطر من غير موجب لخطوره، فانه لايجوز ان يكون الانسان اخطره بباله، و الا لكان ترجيحا من غير مرجح لجانب الوجود على جانب العدم، فلا بد ان يكون المخطر له بالبال شيئا خارجا عن ذات الانسان، و ذاك هو الشى ء المسمى بصانع العالم.و ليس هذا الموضع مما يحتمل استقصاء القول فى هذا المبحث.و يقال: ان عضدالدوله وقعت فى يده قصه و هو يتصفح القصص، فامر بصلب صاحبها، ثم اتبع الخادم خادما آخر يقول له: قل للمطهر- و كان وزيره- لايصلبه، و لكن اخرجه من الحبس فاقطع يده اليمنى، ثم اتبعه خادما ثالثا، فقال: بل تقول له: يقطع اعصاب رجليه، ثم اتبعه خادما آخر فقال له: ينقله الى القلعه بسيراف فى قيوده فيجعله هناك فاختلفت دواعيه فى ساعه واحده اربع مرات.حکمت 243
الشرح:
لما كانت الدنيا ضد الاخره، وجب ان يكون احكام هذه ضد احكام هذه، كالسواد يجمع البصر، و البياض يفرق البصر و الحراره توجب الخفه، و البروده توجب الثقل، فاذا كان فى الدنيا اعمال هى مره المذاق على الانسان قد ورد الشرع بايجابها فتلك الافعال تقتضى و توجب لفاعلها ثوابا حلو المذاق فى الاخره.و كذاك بالعكس ما كان من المشتهيات الدنياويه التى قد نهى الشرع عنها توجب، و ان كانت حلوه المذاق مراره العقوبه فى الاخره.حکمت 244
الشرح:
هذا الفصل يتضمن بيان تعليل العبادات ايجابا و سلبا.قال (ع): فرض الله الايمان تطهيرا من الشرك، و ذلك لان الشرك نجاسه حكميه لا عينيه، و اى شى ء يكون انجس من الجهل او اقبح! فالايمان هو تطهير القلب من نجاسه ذلك الجهل.و فرضت الصلاه تنزيها من الكبر، لان الانسان يقوم فيها قائما، و القيام مناف للتكبر و طارد له، ثم يرفع يديه بالتكبير وقت الاحرام بالصلاه فيصير على هيئه من يمد عنقه ليوسطه السياف، ثم يستكتف كما يفعله العبيد الاذلاء بين يدى الساده العظماء، ثم يركع على هيئه من يمد عنقه ليضربها السياف، ثم يسجد فيضع اشرف اعضائه و هو جبهته على ادون المواضع، و هو التراب.ثم تتضمن الصلاه من الخضوع و الخشوع و الامتناع من الكلام و الحركه الموهمه لمن رآها ان صاحبها خارج عن الصلاه، و ما فى غضون الصلاه من الاذكار المتضمنه الذل و التواضع لعظمه الله تعالى.و فرضت الزكاه تسبيبا للرزق، كما قال الله تعالى: (و ما انفقتم من شى ء فهو يخلفه)، و قال: (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له).و فرض الصيام ابتلاء لاخلاص الخلق، قال النبى (ص) حاكيا عن الله تعالى: (الصوم لى و انا اجزى به)، و ذلك لان الصوم امر لايطلع عليهاحد، فلايقوم به على وجهه الا المخلصون.و فرض الحج تقويه للدين، و ذلك لما يحصل للحاج فى ضمنه من المتاجر و المكاسب، قال الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمه الانعام).و ايضا فان المشركين كانوا يقولون: لو لا ان اصحاب محمد كثير و اولو قوه لما حجوا، فان الجيش الضعيف يعجز عن الحج من المكان البعيد.و فرض الجهاد عزا للاسلام، و ذلك ظاهر، قال الله تعالى: (و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا)، و قال سبحانه: (و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم).و فرض الامر بالمعروف مصلحه للعوام، لان الامر بالعدل و الانصاف ورد الودائع، و اداء الامانات الى اهلها، و قضاء الديون، و الصدق فى القول، و ايجاز الوعد، و غير ذلك من محاسن الاخلاق، مصلحه للبشر عظيمه لا محاله.و فرض النهى عن المنكر ردعا للسفهاء، كالنهى عن الظلم و الكذب و السفه، و ما يجرى مجرى ذلك.و فرضت صله الرحم منماه للعدد، قال النبى (ص): (صله الرحم تزيد فى العمر و تنمى العدد).و فرض القصاص حقنا للدماء، قال سبحانه: (و لكم فى القصاص حياه يا اولى الالباب)
.و فرضت اقامه الحدود اعظاما للمحارم، و ذلك لانه اذا اقيمت الحدود امتنع كثير من الناس عن المعاصى التى تجب الحدود فيها، و ظهر عظم تلك المعاصى عند العامه فكانوا الى تركها اقرب.و حرم شرب الخمر تحصينا للعقل، قال قوم لحكيم: اشرب الليله معنا، فقال: انا لااشرب ما يشرب عقلى، و فى الحديث المرفوع: (ان ملكا ظالما خير انسانا بين ان يجامع امه او يقتل نفسا مومنه، او يشرب الخمر حتى يسكر، فراى ان الخمر اهونها، فشرب حتى سكر، فلما غلبه قام الى امه فوطئها، و قام الى تلك النفس المومنه فقتلها)، ثم قال (ع): (الخمر جماع الاثم، الخمر ام المعاصى).و حرمت السرقه ايجابا للعفه، و ذلك لان العفه خلق شريف، و الطمع خلق دنى ء، فحرمت السرقه ليتمرن الناس على ذلك الخلق الشريف، و يجانبوا ذلك الخلق الذميم، و ايضا حرمت لما فى تحريمها من تحصين اموال الناس.و حرم الزنا تحصينا للنسب، فانه يفضى الى اختلاط المياه و اشتباه الانساب، و الا ينسب احد بتقدير الا يشرع النكاح الى اب، بل يكون نسب الناس الى امهاتهم، و فى ذلك قلب الحقيقه، و عكس الواجب، لان الولد مخلوق من ماء الاب، و انما الام وعاء و ظرف.و حرم اللواط تكثيرا للنسل، و ذلك اللواط بتقدير استفاضته ب
ين الناس و الاستغناء به عن النساء يفضى الى انقطاع النسل و الذريه، و ذلك خلاف ما يريد الله تعالى من بقاء هذا النوع الشريف الذى ليس فى الانواع مثله فى الشرف، لمكان النفس الناطقه التى هى نسخه و مثال للحضره الالهيه، و لذلك سمت الحكماء الانسان العالم الصغير.و حرم الاستمناء باليد و اتيان البهائم للمعنى الذى لاجله حرم اللواط، و هو تقليل النسل، و من مستحسن الكلمات النبويه قوله (ع) فى الاستمناء باليد: (ذلك الواد الخفى)، لان الجاهليه كانت تئد البنات اى تقتلهن خنقا، و قد قدمنا ذكر سبب ذلك، فشبه (ع) اتلاف النطفه التى هى ولد بالقوه باتلاف الولد بالفعل.و اوجبت الشهادات على الحقوق استظهارا على المجاحدات، قال النبى (ص): (لو اعطى الناس بدعاويهم لاستحل قوم من قوم دمائهم و اموالهم)، و وجب ترك الكذب تشريفا للصدق، و ذلك لان مصلحه العامه انما تتم و تنتظم بالصدق، فان الناس يبنون اكثر امورهم فى معاملاتهم على الاخبار، فانها اعم من العيان و المشاهده فاذا لم تكن صادقه وقع الخطا فى التدبيرات، و فسدت احوال الخلق.و شرع رد السلام امانا من المخاوف، لان تفسير قول القائل: (سلام عليكم)، اى لاحرب بينى و بينكم، بل بينى و بينكم السلام، و هو ال
صلح.و فرضت الامامه نظاما للامه، و ذلك لان الخلق لايرتفع الهرج و العسف و الظلم و الغضب و السرقه عنهم الا بوازع قوى، و ليس يكفى فى امتناعهم قبح القبيح، و لا وعيد الاخره، بل لا بد لهم من سلطان قاهر ينظم مصالحهم، فيردع ظالمهم، و ياخذ على ايدى سفهائهم.و فرضت الطاعه تعظيما للامامه، و ذلك لان امر الامامه لا يتم الا بطاعه الرعيه، و الا فلو عصت الرعيه امامها لم ينتفعوا بامامته و رئاسته عليهم.