خطبه 228-در توحيد - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 228-در توحيد

الشرح:

هذا الفصل يشتمل على مباحث متعدده: اولها قوله: (ما وحده من كيفه)، و هذا حق لانه اذا جعله مكيفا جعله ذا هيئه و شكل، او ذا لون و ضوء، الى غيرهما من اقسام الكيف، و متى كان كذلك كان جسما و لم يكن واحدا، لان كل جسم قابل للانقسام، و الواحد حقا لايقبل الانقسام، فقد ثبت انه ما وحده من كيفه.

و ثانيها قوله: (و لا حقيقته اصاب من مثله) و هذا حق، لانه تعالى لا مثل له، و قد دلت الادله الكلاميه و الحكميه على ذلك، فمن اثبت له مثلا، فانه لم يصب حقيقته تعالى، و السجعه الاخرى تعطى هذا المعنى ايضا من غير زياده عليه، و هى قوله (ع): (و لا اياه عنى من شبهه) و لهذا قال شيوخنا: ان المشبه لا يعرف الله، و لا تتوجه عباداته و صلواته الى الله تعالى، لانه يعبد شيئا يعتقده جسما، او يعتقده مشابها لبعض هذه الذوات المحدثه، و العباده تنصرف الى المعبود بالقصد، فاذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن قد عبدالله سبحانه و لا عرفه، و انما يتخيل و يتوهم انه قد عرفه و عبده، و ليس الامر كما تخيل و توهم.

و ثالثها قوله (ع): (و لا صمده من اشار اليه) اى اثبته فى جهه، كما تقول الكراميه.

الصمد فى اللغه العربيه: السيد.

و الصمد ايضا الذى لا ج
وف له، و صار التصميد فى الاصطلاح العرفى عباره عن التنزيه، و الذى قال (ع) حق، لان من اشار اليه- اى اثبته فى جهه كما تقوله الكراميه- فانه ما صمده، لانه ما نزهه عن الجهات، بل حكم عليه بما هو من خواص الاجسام، و كذلك من توهمه سبحانه، اى من تخيل له فى نفسه صوره او هيئه او شكلا، فانه لم ينزهه عما يجب تنزيهه عنه.

و رابعها قوله: (كل معروف بنفسه مصنوع)، هذا الكلام يجب ان يتاول، و يحمل على ان كل معروف بالمشاهده و الحس فهو مصنوع، و ذلك لان البارى سبحانه معروف من طريقين: احداهما من افعاله، و الاخرى بنفسه، و هى طريقه الحكماء الذين بحثوا فى الوجود من حيث هو وجود، فعلموا انه لا بد من موجود واجب الوجود، فلم يستدلوا عليه بافعاله، بل اخرج لهم البحث فى الوجود انه لا بد من ذات يستحيل عدمها من حيث هى هى.

فان قلت: كيف يحمل كلامه على ان كل معروف بالمشاهده و الحس فهو مصنوع و هذا يدخل فيه كثير من الاعراض كالالوان؟ و اذا دخل ذلك فسدت عليه الفقره الثانيه، و هى قوله (ع): (و كل قائم فيما سواه معلول) لانها للاعراض خاصه، فيدخل احد مدلول الفقرتين فى الاخرى، فيختل النظم! قلت: يريد (ع) بالفقره الاولى كل معروف بنفسه من طريق المشاهده مستقلا بذا
ته، غير مفتقر فى تقومه الى غيره فهو مصنوع، و هذا يختص بالاجسام خاصه، و لا يدخل الالوان و غيرها من الاعراض فيه، لانها متقومه بمحالها.

و خامسها قوله: (و كل قائم فى سواه معلول)، اى و كل شى ء يتقوم بغيره فهو معلول، و هذا حق لا محاله، كالاعراض، لانها لو كانت واجبه لاستغنت فى تقومها عن سواها، لكنها مفتقره الى المحل الذى يتقوم به ذواتها، فاذا هى معلوله، لان كل مفتقر الى الغير فهو ممكن فلا بد له من موثر.

و سادسها قوله: (فاعل لا باضطراب آله) هذا لبيان الفرق بينه و بيننا، فاننا نفعل بالالات و هو سبحانه قادر لذاته فاستغنى عن الاله.

و سابعها قوله: (مقدر لا بجول فكره)، هذا ايضا للفرق بيننا و بينه، لانا اذا قدرنا اجلنا افكارنا، و ترددت بنا الدواعى، و هو سبحانه يقدر الاشياء على خلاف ذلك.

و ثامنها قوله: (غنى لا باستفاده)، هذا ايضا للفرق بيننا و بينه، لان الغنى منا من يستفيد الغنى بسبب خارجى، و هو سبحانه غنى بذاته من غير استفاده امر يصير به غنيا، و المراد بكونه غنيا ان كل شى ء من الاشياء يحتاج اليه، و انه سبحانه لايحتاج الى شى ء من الاشياء اصلا.

و تاسعها قوله: (لا تصحبه الاوقات)، هذا بحث شريف جدا، و ذلك لانه سبحانه ليس بزمان
و لا قابل للحركه، فذاته فوق الزمان و الدهر، اما المتكلمون فانهم يقولون: انه تعالى كان و لا زمان و لا وقت، و اما الحكماء فيقولون: ان الزمان عرض قائم بعرض آخر، و ذلك العرض الاخر قائم بجسم معلول لبعض المعلولات الصادره عنه سبحانه، فالزمان عندهم- و ان كان لم يزل- الا ان العله الاولى ليست واقعه تحته، و ذلك هو المراد بقوله: (لا تصحبه الاوقات) ان فسرناه على قولهم، و تفسيره على قول المتكلمين اولى.

و عاشرها قوله: (و لا ترفده الادوات)، رفدت فلانا اذا اعنته، و المراد الفرق بيننا و بينه، لاننا مرفودون بالادوات، و لولاها لم يصح منا الفعل، و هو سبحانه بخلاف ذلك.

و حادى عشرها قوله: (سبق الاوقات كونه...) الى آخر الفصل، هذا تصريح بحدوث العالم.

فان قلت: ما معنى قوله: (و العدم وجوده)، و هل يسبق وجوده العدم مع كون عدم العالم فى الازل لا اول له؟ قلت: ليس يعنى بالعدم هاهنا عدم العالم بل عدم ذاته سبحانه، اى غلب وجود ذاته عدمها و سبقها، فوجب له وجود يستحيل تطرق العدم اليه ازلا و ابدا بخلاف الممكنات، فان عدمها سابق بالذات على وجودها، و هذا دقيق! الشرح المشاعر الحواس، قال بلعاء بن قيس: و الراس مرتفع فيه مشاعره يهدى السبيل له س
مع و عينان قال: بجعله تعالى المشاعر عرف ان لا مشعر له، و ذلك لان الجسم لايصح منه فعل الاجسام، و هذا هو الدليل الذى يعول عليه المتكلمون فى انه تعالى ليس بجسم.

ثم قال: (و بمضادته بين الامور عرف ان لا ضد له)، و ذلك لانه تعالى لما دلنا بالعقل على ان الامور المتضاده انما تتضاد على موضوع تقوم به و تحله كان قد دلنا على انه تعالى لا ضد له، لانه يستحيل ان يكون قائما بموضوع يحله كما تقوم المتضادات بموضوعاتها.

ثم قال: (و بمقارنته بين الاشياء عرف ان لا قرين له)، و ذلك لانه تعالى قرن بين العرض و الجوهر، بمعنى استحاله انفكاك احدهما عن الاخر، و قرن بين كثير من الاعراض، نحو ما يقوله اصحابنا فى حياتى القلب و الكبد، و نحو الاضافات التى يذكرها الحكماء كالبنوه و الابوه و الفوقيه و التحتيه، و نحو كثير من العلل و المعلولات، و الاسباب و المسببات، فيما ركبه فى العقول من وجوب هذه المقارنه و استحاله انفكاك احد الامرين عن الاخر، علمنا انه لا قرين له سبحانه، لانه لو قارن شيئا على حسب هذه المقارنه لاستحال انفكاكه عنه، فكان محتاجا فى تحقق ذاته تعالى اليه، و كل محتاج ممكن، فواجب الوجود ممكن! هذا محال.

ثم شرع فى تفصيل المتضادات، فقال: (ضا
د النور بالظلمه)، و هما عرضان عند كثير من الناس، و فيهم من يجعل الظلمه عدميه.

قال: (و الوضوح بالبهمه) يعنى البياض و السواد.

قال: (و الجمود بالبلل) يعنى اليبوسه و الرطوبه.

قال: (و الحرور بالصرد) يعنى الحراره و البروده، و الحرور هاهنا مفتوح الحاء، يقال: انى لاجد لهذا الطعام حرورا و حروره فى فمى، اى حراره، و يجوز ان يكون فى الكلام مضاف محذوف، اى و حراره الحرور بالصرد، و الحرور هاهنا يكون الريح الحاره، و هى بالليل كالسموم بالنهار، و الصرد: البرد.

ثم قال: و انه تعالى مولف بين هذه المتباعدات، المتعاديات: المتباينات، و ليس المراد من تاليفه بينها جمعه اياها فى مكان واحد، كيف و ذلك مستحيل فى نفسه، بل هو سبحانه مولف لها فى الاجسام المركبه حتى خلع منها صوره مفرده، هى المزاج، الا ترى انه جمع الحار و البارد و الرطب و اليابس، فمزجه مزجا مخصوصا حتى انتزع منه طبيعه مفرده، ليست حاره مطلقه، و لا بارده مطلقه، و لا رطبه مطلقه، و لا يابسه مطلقه، و هى المزاج، و هو محدود عند الحكماء بانه كيفيه حاصله من كيفيات متضاده، و هذا هو محصول كلامه (ع) بعينه.

و العجب من فصاحته فى ضمن حكمته، كيف اعطى كل لفظه من هذه اللفظات ما يناسبها و يليق به
ا، فاعطى المتباعدات لفظه (مقرب)، لان البعد بازاء القرب، و اعطى المتباينات لفظه (مقارن)، لان البينونه بازاء المقارنه، و اعطى المتعاديات لفظه (مولف) لان الائتلاف بازاء التعادى.

ثم عاد (ع) فعكس المعنى، فقال: (مفرق بين متدانياتها)، فجعل الفساد بازاء الكون، و هذا من دقيق حكمته (ع)، و ذلك لان كل كائن فاسد، فلما اوضح ما اوضح فى الكون و التركيب و الايجاد، اعقبه بذكر الفساد و العدم، فقال: (مفرق بين متدانياتها)، و ذلك لان كل جسم مركب من العناصر المختلفه الكيفيات المتضاده الطبائع، فانه سيوول الى الانحلال و التفرق.

ثم قال: (لا يشمل بحد)، و ذلك لان الحد الشامل ما كان مركبا من جنس و فصل، و البارى تعالى منزه عن ذلك، لانه لو شمله الحد على هذا الوجه يكون مركبا، فلم يكن واجب الوجود، و قد ثبت انه واجب الوجود، و يجوز ان يعنى به انه ليس بذى نهايه، فتحويه الاقطار و تحده.

ثم قال: (و لا يحسب بعد)، يحتمل ان يريد: لا تحسب ازليته بعد، اى لا يقال له: منذ وجد كذا و كذا، كما يقال للاشياء المتقاربه العهد، و يحتمل ان يريد به انه ليس مماثلا للاشياء فيدخل تحت العدد كما تعد الجواهر، و كما تعد الامور المحسوسه.

ثم قال: (و انما تحد الادوات انفسه
ا، و تشير الالات الى نظائرها)، هذا يوكد معنى التفسير الثانى، و ذلك لان الادوات كالجوارح، انما تحد و تقدر ما كان مثلها من ذوات المقادير، و كذلك انما تشير الالات- و هى الحواس- الى ما كان نظيرا لها فى الجسميه و لوازمها، و البارى تعالى ليس بذى مقدار و لا جسم، و لا حال فى جسم، فاستحال ان تحده الادوات و تشير اليه الالات.

الشرح:

قد اختلف الرواه فى هذا الموضع من وجهين: احدهما قول من نصب (القدمه) و (الازليه) و (التكمله) فيكون نصبها عنده على انها مفعول ثان، و المفعول الاول الضمائر المتصله بالافعال، و تكون (منذ) و (قد) و (لو لا) فى موضع رفع بانها فاعله، و تقدير الكلام: ان اطلاق لفظه (منذ) على الالات و الادوات يمنعها عن كونها قديمه، لان لفظه (منذ) وضعت لابتداء الزمان كلفظه (من) لابتداء المكان، و القديم لا ابتداء له، و كذلك اطلاق لفظه (قد) على الالات، و الادوات تحميها و تمنعها من كونها ازليه، لان (قد) لتقريب الماضى من الحال، تقول: قد قام زيد، فقد دل على ان قيامه قريب من الحال التى اخبرت فيها بقيامه، و الازلى لا يصح ذلك فيه، و كذلك اطلاق لفظه (لو لا) على الادوات و الالات يجنبها التكمله، و يمنعها من التمام المطلق، لان
لفظه (لو لا) وضعت لامتناع الشى ء لوجود غيره، كقولك: لو لا زيد لقام عمرو، فامتناع قيام عمرو انما هو لوجود زيد، و انت تقول فى الادوات و الالات و كل جسم: ما احسنه لو لا انه فان! و ما اتمه لو لا كذا! فيكون المقصد و المنحى بهذا الكلام على هذه الروايه بيان ان الادوات و الالات محدثه ناقصه، و المراد بالالات و الادوات اربابها.

الوجه الثانى: قول من رفع (القدمه) و (الازليه) و (التكمله) فيكون كل واحد منها عنده فاعلا، و تكون الضمائر المتصله بالافعال مفعولا اولا، و (منذ) و (قد) و (لو لا) مفعولا ثانيا، و يكون المعنى ان قدم البارى و ازليته و كماله منعت الادوات و الالات من اطلاق لفظه (منذ) و (قد) و (لو لا) عليه سبحانه، لانه تعالى قديم كامل، و لفظتا (منذ) و (قد) لا يطلقان الا على محدث، لان احداهما لابتداء الزمان و الاخرى لتقريب الماضى من الحال، و لفظه (لو لا) لا تطلق الا على ناقص، فيكون المقصد و المنحى بهذا الكلام على هذه الروايه بيان قدم البارى تعالى و كماله، و انه لا يصح ان يطلق عليه الفاظ تدل على الحدوث و النقص.

قوله (ع): (بها تجلى صانعها للعقول، و بها امتنع عن نظر العيون)، اى بهذه الالات و الادوات التى هى حواسنا و مشاعرنا،
و بخلقه اياها، و تصويره لها، تجلى للعقول و عرف، لانه لو لم يخلقها لم يعرف، و بها امتنع عن نظر العيون، اى بها استنبطنا استحاله كونه مرئيا بالعيون، لانا بالمشاعر و الحواس كملت عقولنا، و بعقولنا استخرجنا الدلاله على انه لا تصح رويته، فاذن بخلقه الالات و الادوات لنا عرفناه عقلا، و بذلك ايضا عرفنا انه يستحيل ان يعرف بغير العقل، و ان قول من قال: انا سنعرفه رويه و مشافهه بالحاسه باطل.

قوله (ع): (لاتجرى عليه الحركه و السكون)، هذا دليل اخذه المتكلمون عنه (ع) فنظموه فى كتبهم و قرروه، و هو ان الحركه و السكون معان محدثه، فلو حلت فيه لم يخل منها، و ما لم يخل من المحدث فهو محدث.

فان قلت: انه (ع) لم يخرج كلامه هذا المخرج، و انما قال كيف يجرى عليه ما هو اجراه، و هذا نمط آخر غير ما يقرره المتكلمون! قلت: بل هو هو بعينه، لانه اذا ثبت انه هو الذى اجرى الحركه و السكون، اى احدثهما لم يجز ان يجريا عليه، لانهما لو جريا عليه لم يخل اما ان يجريا عليه على التعاقب، و ليسا و لا واحد منهما بقديم، او يجريا عليه على ان احدهما قديم ثم تلاه الاخر، و الاول باطل بما يبطل به حوادث لا اول لها، و الثانى باطل بكلامه (ع)، و ذلك لانه لو كان احدهما ق
ديما معه سبحانه لما كان اجراه، لكن قد قلنا: انه اجراه، اى احدثه، و هذا خلف محال.

و ايضا فاذا كان احدهما قديما معه لم يجز ان يتلوه الاخر، لان القديم لايزول بالمحدث.

ثم قال (ع): (اذا لتفاوتت ذاته، و لتجزا كنهه، و لامتنع من الازل معناه)، هذا تاكيد لبيان استحاله جريان الحركه و السكون عليه، تقول: لو صح عليه ذلك لكان محدثا، و هو معنى قوله: (لامتنع من الازل معناه)، و ايضا كان ينبغى ان تكون ذاته منقسمه، لان المتحرك الساكن لا بد ان يكون متحيزا، و كل متحيز جسم، و كل جسم منقسم ابدا، و فى هذا اشاره الى نفى الجوهر الفرد.

ثم قال (ع): (و لكان له وراء اذا وجد له امام) هذا يوكد ما قلناه انه اشاره الى نفى الجوهر الفرد، يقول: لو حلته الحركه لكان جرما و حجما، و لكان احد وجهيه غير الوجه الاخر لامحاله، فكان منقسما، و هذا الكلام لا يستقيم الا مع نفى الجوهر الفرد، لان من اثبته يقول: يصح ان تحله الحركه، و لايكون احد وجهيه غير الاخر، فلا يلزم ان يكون له وراء و امام.

ثم قال (ع): (و لا التمس التمام اذ لزمه النقصان)، هذا اشاره الى ما يقوله الحكماء، من ان الكون عدم و نقص، و الحركه وجود و كمال، فلو كان سبحانه يتحرك و يسكن لكان حال السكون
ناقصا قد عدم عنه كماله، فكان ملتمسا كماله بالحركه الطارئه على السكون، و واجب الوجود، يستحيل ان يكون له حاله نقصان، و ان يكون له حاله بالقوه و اخرى بالفعل.

قوله (ع): اذا لقامت آيه المصنوع فيه)، و ذلك لان آيه المصنوع كونه متغيرا منتقلا من حال الى حال، لانا بذلك استدللنا على حدوث الاجسام، فلو كان تعالى متغيرا متحركا منتقلا من حال الى حال لتحقق فيه دليل الحدوث، فكان مصنوعا، و قد ثبت انه الصانع المطلق سبحانه.

قوله (ع): (و لتحول دليلا بعد ان كان مدلولا عليه)، يقول: انا وجدنا دليلنا على البارى سبحانه، انما هو الاجسام المتحركه، فلو كان البارى متحركا لكان دليلا على غيره، و كان فوقه صانع آخر صنعه و احدثه، لكنه سبحانه لا صانع له و لا ذات فوق ذاته، فهو المدلول عليه و المنتهى اليه.

قوله (ع): (و خرج بسلطان الامتناع من ان يوثر فيه ما اثر فى غيره)، فى هذا الكلام يتوهم سامعه انه عطف على قوله: (لتفاوتت) و (لتجزا) و (لامتنع) و (لكان له) (و لالتمس) و (لقامت) و (لتحول) و ليس كذلك، لانه لو كان معطوفا عليها لاختل الكلام و فسد، لانها كلها مستحيلات عليه تعالى، و المراد لو تحرك لزم هذه المحالات كلها.

و قوله: (و خرج بسلطان الامتناع) ل
يس من المستحيلات عليه، بل هو واجب له، و من الامور الصادقه عليه، فاذا فسد ان يكون معطوفا عليها وجب ان يكون معطوفا على ما كان مدلولا عليه، و تقدير الكلام: كان يلزم ان يتحول البارى دليلا على غيره، بعد ان كان مدلولا عليه، و بعد ان خرج بسلطان الامتناع من ان يوثر فيه ما اثر فى غيره، و خروجه بسلطان الامتناع المراد به وجوب الوجود و التجريد و كونه ليس بمتحيز و لا حال فى المتحيز، فهذا هو سلطان الامتناع الذى به خرج عن ان يوثر فيه ما اثر فى غيره من الاجسام و الممكنات.

الشرح:

هذا الفصل كله واضح مستغن عن الشرح، الا قوله (ع): (لم يلد فيكون (مولودا)، لان لقائل ان يقول: كيف يلزم من فرض كونه والدا ان يكون مولودا؟ فى جوابه: انه ليس معنى الكلام انه يلزم من فرض وقوع احدهما وقوع الاخر، و كيف و آدم والد و ليس بمولود! و انما المراد انه يلزم من فرض صحه كونه والدا صحه كونه مولودا، و التالى محال و المقدم محال، و انما قلنا: انه يلزم من فرض صحه كونه والدا صحه كونه مولودا لانه لو صح ان يكون والدا على التفسير المفهوم من الوالديه، و هو ان يتصور من بعض اجزائه حى آخر من نوعه على سبيل الاستحاله لذلك الجزء كما نعقله فى النطفه المنفصله من الانسان المستحيله الى صوره اخرى، حتى يكون منها بشر آخر من نوع الاول لصح عليه ان يكون هو مولودا من والد آخر قبله، و ذلك لان الاجسام متماثله فى الجسميه، و قد ثبت ذلك بدليل عقلى واضح فى مواضعه التى هى املك به، و كل مثلين فان احدهما يصح عليه ما يصح على الاخر، فلو صح كونه والدا يصح كونه مولودا.

و اما بيان انه لايصح كونه مولودا، فلان كل مولود متاخر عن والده بالزمان، و كل متاخر عن غيره بالزمان محدث، فالمولود محدث و البارى تعالى قد ثبت انه قديم، و ان الحد
وث عليه محال، فاستحال ان يكون مولودا، و تم الدليل.

الشرح:

فى هذا الفصل مباحث: اولها: ان البارى سبحانه لا يوصف بشى ء من الاجزاء، اى ليس بمركب، لانه لو كان مركبا لافتقر الى اجزائه، و اجزاوه ليست نفس هويته، و كل ذات تفتقر هويتها الى امر من الامور فهى ممكنه، لكنه واجب الوجود، فاستحال ان يوصف بشى ء من الاجزاء.

و ثانيها: انه لا يوصف بالجوارح و الاعضاء كما يقول مثبتو الصوره، و ذلك لانه لو كان كذلك لكان، جسما و كل جسم ممكن، و واجب الوجود غير ممكن.

و ثالثها: انه لا يوصف بعرض من الاعراض كما يقوله الكراميه، لانه لو حله العرض لكان ذلك العرض ليس بان يحل فيه اولى من ان يحل هو فى العرض، لان معنى الحلول حصول العرض فى حيز المحل تبعا لحصول المحل فيه، فما ليس بمتحيز لا يتحقق فيه معنى الحلول، و ليس بان يجعل محلا اولى من ان يجعل حالا! و رابعها: انه لا يوصف بالغيريه و الابعاض، اى ليس له بعض، و لا هو ذو اقسام بعضها غيرا للبعض الاخر، و هذا يرجع الى البحث الاول.

و خامسها: انه لا حد له و لا نهايه، اى ليس ذا مقدار، و لذلك المقدار طرف و نهايه، لانه لو كان ذا مقدار لكان جسما لان المقدار من لوازم الجسميه و قد ثبت انه تعالى ليس بجسم.

و سادسها: انه لا انقطاع لوجوده، و لا غايه، لانه لو جاز عليه العدم فى المستقبل لكان وجوده الان متوقفا على عدم سبب عدمه، و كل متوقف على الغير فهو ممكن فى ذاته، و البارى تعالى واجب الوجوب، فاستحال عليه العدم، و ان يكون لوجوده انقطاع، او ينتهى الى غايه يعدم عندها.

و سابعها: ان الاشياء لا تحويه فتقله، اى ترفعه، او تهويه، اى تجعله هاويا الى جهه تحت، لانه لو كان كذلك لكان ذا مقدار اصغر من مقدار الشى ء الحاوى له، لكن قد بينا انه يستحيل عليه المقادير، فاستحال كونه محويا.

و ثامنها: انه ليس يحمله شى ء فيميله الى جانب، او يعدله بالنسبه الى جميع الجوانب، لان كل محمول مقدر، و كل مقدر جسم، و قد ثبت انه ليس بجسم.

و تاسعها: انه ليس فى الاشياء بوالج، اى داخل.

و لا عنها بخارج، هذا مذهب الموحدين، و الخلاف فيه مع الكراميه و المجسمه، و ينبغى ان يفهم قوله (ع): (و لا عنها بخارج) انه لا يريد سلب الولوج، فيكون قد خلا من النقيضين، لان ذلك محال، بل المراد بكونه ليس خارجا عنها انه ليس كما يعتقده كثير من الناس، ان الفلك الاعلى المحيط لا يحتوى عليه، و لكنه ذات موجوده متميزه بنفسها، قائمه بذاتها، خارجه عن الفلك فى الجهه العليا، بينها و بين
الفلك بعد، اما غير متناه- على ما يحكى عن ابن الهيصم- او متناه على ما يذهب اليه اصحابه، و ذلك ان هذه القضيه، و هى قولنا: البارى خارج عن الموجودات كلها على هذا التفسير ليست مناقضه للقضيه الاولى، و هى قولنا: البارى داخل العالم، ليكون القول بخلوه عنهما قولا بخلوه عن النقيضين، الا ترى انه يجوز ان تكون القضيتان كاذبتين معا بالا يكون الفلك المحيط محتويا عليه و لا يكون حاصلا فى جهه خارج الفلك، و لو كانت القضيتان متناقضتين لما استقام ذلك، و هذا كما تقول: زيد فى الدار زيد فى المسجد، فان هاتين القضيتين ليستا متناقضتين، لجواز الا يكون زيد فى الدار، و لا فى المسجد، فان هاتين لو تناقضتا لاستحال الخروج عن النقيضين، لكن المتناقض: (زيد فى الدار، زيد ليس فى الدار)، و الذى يستشنعه العوام من قولنا: (البارى لا داخل العالم و لا خارج العالم) غلط مبنى على اعتقادهم و تصورهم ان القضيتين تتناقضان، و اذا فهم ما ذكرناه بان انه ليس هذا القول بشنيع، بل هو سهل و حق ايضا، فانه تعالى لا متحيز و لا حال فى المتحيز، و ما كان كذلك استحال ان يحصل فى جهه، لا داخل العالم و لا خارج العالم، و قد ثبت كونه غير متحيز و لا حال فى المتحيز، من حيث كان واجب
الوجود، فاذن القول بانه ليس فى الاشياء بوالج و لا عنها بخارج صواب و حق.

و عاشرها: انه تعالى يخبر بلا لسان و لهوات، و ذلك لان كونه تعالى مخبرا هو كونه فاعلا للخبر، كما ان كونه ضاربا هو كونه فاعلا للضرب، فكما لا يحتاج فى كونه ضاربا الى اداه و جارحه يضرب بها كذلك لا يحتاج فى كونه مخبرا الى لسان و لهوات يخبر بها.

و حادى عشرها: انه تعالى يسمع بلا حروف و ادوات، و ذلك لان البارى سبحانه حى لا آفه به، و كل حى لا آفه به، فواجب ان يسمع المسموعات، و يبصر المبصرات، و لا حاجه به سبحانه الى حروف و ادوات، كما نحتاج نحن الى ذلك، لانا احياء بحياه تحلنا، و البارى تعالى حى لذاته، فلما افترقنا فيما به كان سامعا و مبصرا، افترقنا فى الحاجه الى الادوات و الجوارح.

و ثانى عشرها: انه يقول و لا يتلفظ، هذا بحث لفظى، و ذلك لانه قد ورد السمع بتسميته قائلا، و قد تكرر فى الكتاب العزيز ذكر هذه اللفظه، نحو قوله: (و اذ قال الله يا عيسى) (و قال الله انى معكم)، و لم يرد فى السمع اطلاق كونه متلفظا عليه، و فى اطلاقه ايهام كونه ذا جارحه، فوجب الاقتصار على ما ورد، و ترك ما لم يرد.

و ثالث عشرها: انه تعالى يحفظ و لا يتحفظ، اما كونه يحفظ فيطلق على وجهي
ن: احدهما انه يحفظ بمعنى انه يحصى اعمال عباده و يعلمها، و الثانى كونه يحفظهم و يحرسهم من الافات و الدواهى.

و اما كونه لا يتحفظ فيحتمل معنيين.

احدهما انه لا يجوز ان يطلق عليه انه يتحفظ الكلام، اى يتكلف كونه حافظا له، و محيطا و عالما به، كالواحد منا يتحفظ الدرس ليحفظه، فهو سبحانه حافظ غير متحفظ.

و الثانى انه ليس بمتحرز و لا مشفق على نفسه خوفا ان تبدر اليه بادره من غيره.

و رابع عشرها: انه يريد و لا يضمر، اما كونه مريدا فقد ثبت بالسمع نحو قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر)، و بالعقل لاختصاص افعاله باوقات مخصوصه، و كيفيات مخصوصه، جاز ان تقع على خلافها، فلا بد من مخصص لها بما اختصت به، و ذلك كونه مريدا، و اما كونه لا يضمر فهو اطلاق لفظى لم ياذن فيه الشرع، و فيه ايهام كونه ذا قلب، لان الضمير فى العرف اللغوى ما استكن فى القلب، و البارى ليس بجسم.

و خامس عشرها: انه يحب و يرضى من غير رقه، و يبغض و يغضب من غير مشقه، و ذلك لان محبته للعبد ارادته ان يثيبه، و رضاه عنه ان يحمد فعله، و هذا يصح و يطلق على البارى، لا كاطلاقه علينا، لان هذه الاوصاف يقتضى اطلاقها علينا رقه القلب، و البارى ليس بجسم، و اما بغضه للعبد فاراده عقابه و
غضبه كراهيه فعله و وعيده بانزال العقاب به، و فى الاغلب انما يطلق ذلك علينا و يصح منا مع مشقه تنالنا من ازعاج القلب و غليان دمه، و البارى ليس بجسم.

و سادس عشرها: انه يقول لما اراد كونه: كن، فيكون من غير صوت يقرع، و نداء يسمع، هذا مذهب شيخنا ابى الهذيل، و اليه يذهب الكراميه و اتباعها من الحنابله و غيرهم، و الظاهر ان اميرالمومنين (ع) اطلقه حملا على ظاهر لفظ القرآن فى مخاطبه الناس بما قد سمعوه و انسوا به، و تكرر على اسماعهم و اذهانهم، فاما باطن الايه و تاويلها الحقيقى فغير مايسبق الى اذهان العوام، فليطلب من موضعه.

و سابع عشرها: ان كلامه سبحانه فعل منه انشاه، و مثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، و لو كان قديما لكان الها ثانيا، هذا هو دليل المعتزله على نفى المعانى القديمه التى منها القرآن، و ذلك لان القدم عندهم اخص صفات البارى تعالى، او موجب عن الاخص، فلو ان فى الوجود معنى قديما قائما بذات البارى، لكان ذلك المعنى مشاركا للبارى فى اخص صفاته، و كان يجب لذلك المعنى جميع ما وجب للبارى من الصفات، نحو العالميه و القادريه و غيرهما، فكان الها ثانيا.

فان قلت: ما معنى قوله (ع) (و مثله)؟ قلت يقال مثلت له كذا تمثيلا اذا صورت له مثا
له بالكتابه او بغيرها، فالبارى مثل القرآن لجبريل (ع) بالكتابه فى اللوح المحفوظ فانزله على محمد (ص).

و ايضا يقال: مثل زيد بحضرتى اذا حضر قائما، و مثلته بين يدى زيد اى احضرته منتصبا، فلما كان الله تعالى فعل القرآن واضحا بينا كان قد مثله للمكلفين.

الشرح:

عاد (ع) الى تنزيه البارى ء تعالى عن الحدوث، فقال: لا يجوز ان يوصف به فتجرى عليه الصفات المحدثات كما تجرى على كل محدث، و روى: (فتجرى عليه صفات المحدثات) و هو اليق، ليعود الى المحدثات ذوات الصفات ما بعده، و هو قوله (ع): (و لا يكون بينه و بينها فصل)، لانه لا يحسن ان يعود الضمير فى قوله: (و بينها) الى (الصفات) بل الى (ذوات الصفات).

قال: لو كان محدثا لجرت عليه صفات الاجسام المحدثه، فلم يكن بينه و بين الاجسام المحدثه فرق، فكان يستوى الصانع و المصنوع، و هذا محال.

ثم ذكر انه خلق الخلق غير محتذ لمثال، و لامستفيد من غيره كيفيه الصنعه، بخلاف الواحد منا، فان الواحد منا لا بد ان يحتذى فى الصنعه، كالبناء و النجار و الصانع و غيرها.

قال (ع): (و لم يستعن على خلقها باحد من خلقه)، لانه تعالى قادر لذاته لا يعجزه شى ء.

ثم ذكر انشائه تعالى الارض، و انه امسكها من غير اشتغال منه بامساكها، و غير ذلك من افعاله و مخلوقاته، ليس كالواحد منا يمسك الثقيل فيشتغل بامساكه عن كثير من اموره.

قال: (و ارساها)، جعلها راسيه على غير قرار تتمكن عليه، بل واقفه بارادته التى اقتضت وقوفها، و لان الفلك يجذبها من جميع جهاتها- كما قيل
- او لانه يدفعها من جميع جهاتها، او لان احد نصفيها صاعد بالطبع، و الاخر هابط بالطبع، فاقتضى التعادل وقوفها، او لانها طالبه للمركز فوقفت.

و الاود: الاعوجاج، و كرر لاختلاف اللفظ.

و التهافت: التساقط.

و الاسداد: جمع سد، و هو الجبل، و يجوز ضم السين.

و استفاض عيونها، بمعنى افاض، اى جعلها فائضه.

و خد اوديتها، اى شقها.

فلم يهن ما بناه، اى لم يضعف.

الشرح:

الظاهر: الغالب القاهر، و الباطن: العالم الخبير.

و المراح بضم الميم: النعم ترد الى المراح، بالضم ايضا، و هو الموضع الذى تاوى اليه النعم، و ليس المراح ضد السائم على مايظنه بعضهم، و يقول: ان عطف احدهما على الاخر عطف على المختلف و المتضاد، بل احدهما هو الاخر و ضدهما المعلوفه، و انما عطف احدهما على الاخر على طريقه العرب فى الخطابه، و مثله فى القرآن كثير، نحو قوله سبحانه: (لا يمسنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب).

و اسناخها: جمع سنخ بالكسر، و هو الاصل.

و قوله: (لو اجتمع جميع الحيوان على احداث بعوضه)، هو معنى قوله سبحانه: (ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له).

فان قلت: ما معنى قوله: (لا تستطيع الهرب من سلطانه الى غيره فتمتنع من نفعه و ضره)؟ و هلا
قال: (من ضره)؟ و لم يذكر النفع، فانه لا معنى لذكره هاهنا! قلت: هذا كما يقول المعتصم بمعقل حصين عن غيره: ما يقدر اليوم فلان لى على نفع و لا ضر، و ليس غرضه الا ذكر الضرر، و انما ياتى بذكر النفع على سبيل سلب القدره عن فلان على كل ما يتعلق بذلك المعتصم، و ايضا فان العفو عن المجرم نفع له، فهو (ع) يقول: انه ليس شى ء من الاشياء يستطيع ان يخرج اذا اجرم من سلطان الله تعالى الى غيره فيمتنع من باس الله تعالى، و يستغنى عن ان يعفو عنه لعدم اقتداره عليه.

الشرح:

شرع اولا فى ذكر اعدام الله سبحانه الجواهر و ما يتبعها و يقوم بها من الاعراض قبل القيامه، و ذلك لان الكتاب العزيز قد ورد به، نحو قوله تعالى: (كما بدانا اول خلق نعيده)، و معلوم انه بداه عن عدم، فوجب ان تكون الاعاده عن عدم ايضا.

و قال تعالى: (هو الاول و الاخر)، و انما كان اولا لانه كان موجودا، و لا شى ء من الاشياء بموجود، فوجب ان يكون آخرا كذلك، هذا هو مذهب جمهور اصحابنا و جمهور المسلمين.

ثم ذكر انه يكون وحده سبحانه بلا وقت و لا مكان، و لا حين و لا زمان، و ذلك لان المكان اما الجسم الذى يتمكن عليه جسم آخر، او الجهه، و كلاهما لا وجود له بتقدير عدم الافلاك و ما فى حشوها من الاجسام، اما الاول فظاهر، و اما الثانى فلان الجهه لا تتحقق الا بتقدير وجود الفلك، لانها امر اضافى بالنسبه اليه، فبتقدير عدمه لا يبقى للجهه تحقق اصلا، و هذا هو القول فى عدم المكان حينئذ، و اما الزمان و الوقت و الحين فكل هذه الالفاظ تعطى معنى واحدا، و لا وجود لذلك المعنى بتقدير عدم الفلك، لان الزمان هو مقدار حركه الفلك، فاذا قدرنا عدم الفلك فلا حركه و لا زمان.

ثم اوضح (ع) ذلك و اكده، فقال: (عدمت عند ذلك الاجال و الاوقات، و ز
الت السنون و الساعات)، لان الاجل هو الوقت الذى يحل فيه الدين او تبطل فيه الحياه، و اذا ثبت انه لا وقت، ثبت انه لا اجل، و كذلك لا سنه و لا ساعه، لانها اوقات مخصوصه.

ثم عاد (ع) الى ذكر الدنيا، فقال: (بلا قدره منها كان ابتداء خلقها، و بغير امتناع منها كان فناوها)، يعنى انها مسخره تحت الامر الالهى.

قال: (و لو قدرت على الامتناع لدام بقاوها)، لانها كانت تكون ممانعه للقديم سبحانه فى مراده، و انما تمانعه فى مراده لو كانت قادره لذاتها، و لو كانت قادره لذاتها و ارادت البقاء لبقيت.

قوله (ع): (لم يتكائده) بالمد، اى لم يشق عليه، و يجوز (لم يتكاده) بالتشديد و الهمزه، و اصله من العقبه الكئود، و هى الشاقه.

قال: (و لم يوده) اى لم يثقله.

ثم ذكر انه تعالى لم يخلق الدنيا ليشد بها سلطانه، و لا لخوفه من زوال او نقص يلحقه، و لا ليستعين بها على ند مماثل له، او يحترز بها عن ضد محارب له، او ليزداد بها ملكه ملكا، او ليكاثر بها شريكا فى شركته له، او لانه كان قبل خلقها مستوحشا فاراد ان يستانس بمن خلق.

ثم ذكر انه تعالى: (سيفنيها بعد ايجادها) لا لضجر لحقه فى تدبيرها، و لا لراحه تصله فى اعدامها، و لا لثقل شى ء منها عليه حال وجودها، و لا لم
لل اصابه فبعثه على اعدامها.

ثم عاد (ع)، فقال: انه سبحانه سيعيدها الى الوجود بعد الفناء، لا لحاجه اليها و لا ليستعين ببعضها على بعض، و لا لانه استوحش حال عدمها فاحب ان يستانس باعادتها، و لا لانه فقد علما عند اعدامها فاراد باعادتها استجداد ذلك العلم، و لا لانه صار فقيرا عند اعدامها فاحب ان يتكثر و يثرى باعادتها، و لا لذل اصابه بافنائها فاراد العز باعادتها.

فان قلت: اذا كان يفنيها لا لكذا و لا لكذا، و كان من قبل اوجدها لا لكذا و لا لكذا، ثم قلتم: انه يعيدها لا لكذا و لا لكذا، فلاى حال اوجدها اولا، و لاى حال افناها ثانيا، و لاى حال اعادها ثالثا؟ خبرونا عن ذلك، فانكم قد حكيتم عنه عليه السلام الحكم و لم تحكوا عنه العله! قلت: انما اوجدها اولا للاحسان الى البشر ليعرفوه، فانه لو لم يوجدهم لبقى مجهولا لايعرف، ثم كلف البشر ليعرضهم للمنزله الجليله التى لا يمكن وصولهم اليها الا بالتكليف و هى الثواب، ثم يفنيهم لانه لا بد من انقطاع التكليف ليخلص الثواب من مشاق التكاليف، و اذا كان لا بد من انقطاعه فلا فرق بين انقطاعه بالعدم المطلق، او بتفريق الاجزاء، و انقطاعه بالعدم المطلق قد ورد به الشرع، و فيه لطف زائد للمكلفين، لانه ارد
ع و اهيب فى صدورهم من بقاء اجزائهم، و استمرار وجودها غير معدومه.

ثم انه سبحانه يبعثهم و يعيدهم ليوصل الى كل انسان ما يستحقه من ثواب او عقاب، و لا يمكن ايصال هذا المستحق الا بالاعاده، و انما لم يذكر اميرالمومنين (ع) هذه التعليلات، لانه قد اشار اليها فيما تقدم من كلامه، و هى موجوده فى فرش خطبه، و لان مقام الموعظه غير مقام التعليل، و اميرالمومنين (ع) فى هذه الخطبه يسلك مسلك الموعظه فى ضمن تمجيد البارى سبحانه و تعظيمه، و ليس ذلك بمظنه التعليل و الحجاج.

/ 614