حکمت 365
الشرح:
قد تقدم الكلام فى النهى عن المنكر، و كيفيه ترتيبه، و كلام اميرالمومنين فى هذا الفصل مطابق لما يقوله المتكلمون رحمهم الله.و قد ذكرنا فيما تقدم، و سنذكر فيما بعد من هذا المعنى ما يجب.و كان النهى عن المنكر معروفا فى العرب فى جاهليتها، كان فى قريش حلف الفضول، تحالفت قبائل منها على ان يردعوا الظالم، و ينصروا المظلوم، و يردوا عليه حقه ما بل بحر صوفه، و قد ذكرنا فيما تقدم.حکمت 366
الشرح:
قد سبق قولنا فى الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هو احد الاصول الخمسه عند اصحابنا.و لجه الماء: اعظمه، و بحر لجى: ذو ماء عظيم.و النفثه: الفعله الواحده من نفثت الماء من فمى، اى قدفته بقوه.قال (ع): لايعتقدن احد انه ان امر ظالما بالمعروف، او نهى ظالما عن منكر، ان ذلك يكون سببا لقتل ذلك الظالم المامور او المنهى اياه، او يكون سببا لقطع رزقه من جهته، فان الله تعالى قدر الاجل، و قضى الرزق، و لا سبيل لاحد ان يقطع على احد عمره او رزقه.و هذا الكلام ينبغى ان يحمل على انه حث و حض و تحريض على النهى عن المنكر و الامر بالمعروف، و لايحمل على ظاهره، لان الانسان لايجوز ان يلقى بنفسه الى التهلكه، معتمدا على ان الاجل مقدر، و ان الرزق مقسوم، و ان الانسان متى غلب على ظنه ان الظالم يقتله و يقيم على ذلك المنكر، و يضيف اليه منكرا آخر لم يجز له الانكار.فاما كلمه العدل عند الامام الجائر فنحو ما روى ان زيد بن ارقم راى عبيدالله بن زياد و يقال: بل يزيد بن معاويه يضرب بقضيب فى يده ثنايا الحسين (ع) حين حمل اليه راسه، فقال له: ايها! ارفع يدك، فطالما رايت رسول الله (ص) يقبلها! فصل فى الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و نحن نذكر خلاصه ما يقوله اصحابنا فى النهى عن المنكر، و نترك الاستقصاء فيه للكتب الكلاميه التى هى اولى ببسط القول فيها من هذا الكتاب.قال اصحابنا: الكلام فى ذلك يقع من وجوه: منها وجوبه، و منها طريق وجوبه، و منها كيفيه وجوبه، و منها شروط حسنه، و منها شروط وجوبه، و منها كيفيه ايقاعه، و منها الكلام فى الناهى عن المنكر، و منها الكلام فى النهى عن المنكر.اما وجوبه، فلاريب فيه، لان المنكر قبيح كله، و القبيح يجب تركه، فيجب النهى عنه.و اما طريق وجوبه فقد قال الشيخ ابوهاشم رحمه الله: انه لا طريق الى وجوبه الا السمع، و قد اجمع المسلمون على ذلك، و ورد به نص القرآن فى غير موضع.قال الشيخ ابوعلى- رحمه الله: العقل يدل على وجوبه، و الى هذا القول مال شيخنا ابوالحسين رحمه الله.و اما كيفيه وجوبه فانه واجب على الكفايه دون الاعيان، لان الغرض الا يقع المنكر، فاذا وقع لاجل انكار طائفه لم يبق وجه لوجوب الانكار على من سواها.و اما شروط حسنه فوجوه: منها ان يكون ما ينكره قبيحا، لان انكار الحسن و تحريمه قبيح، و القبيح على ضروب: فمنه ما يقبح من كل مكلف، و على كل حال، كالظلم.و منها ما يقبح من كل مكلف على وجه دون وجه، كالرمى
بالسهام، و تصريف الحمام، و العلاج بالسلاح، لان تعاطى ذلك لمعرفه الحرب و التقوى على العدو، و لتعرف احوال البلاد بالحمام حسن لايجوز انكاره، و ان قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف و اللهو و معاشره ذوى الريب و المعاصى فهو قبيح يجب انكاره.و منه ما يقبح من مكلف و يحسن من آخر على بعض الوجوه، كشرب النبيذ، و التشاغل بالشطرنج، فاما من يرى حظرهما، او يختار تقليد من يفتى بحظرهما فحرام عليه تعاطيهما على كل حال، و متى فعلهما حسن الانكار عليه، و اما من يرى اباحتهما او من يختار تقليد من يفتى باباحتهما، فانه يجوز له تعاطيهما على وجه دون وجه، و ذلك انه يحسن شرب النبيذ من غير سكر و لا معاقره و الاشتغال بالشطرنج للفرجه و تخريج الراى و العقل، و يقبح ذلك اذا قصد به السخف، و قصد بالشرب المعاقره و السكر، فالثانى يحسن انكاره و يجب، و الاول لايحسن انكاره لانه حسن من فاعله.و منها ان يعلم المنكر ان ما ينكره قبيح، لانه اذا جوز حسنه كان بانكاره له و تحريمه اياه محرما لما لا يامن ان يكون حسنا، فلا يامن ان يكون ما فعله من النهى نهيا عن حسن، و كل فعل لا يامن فاعله ان يكون مختصا بوجه قبيح فهو قبيح، الا ترى انه يقبح من الانسان ان يخب
ر على القطع بان زيدا فى الدار اذا لم يامن الا يكون فيها، لانه لا يامن ان يكون خبره كذبا! و منها ان يكون ما ينهى عنه واقعا، لان غير الواقع لايحسن النهى عنه، و انما يحسن الذم عليه، و النهى عن امثاله.و منها الا يغلب على ظن المنكر انه ان انكر المنكر فعله المنكر، عليه، و ضم اليه منكرا آخر، و لو لم ينكر عليه لم يفعل المنكر الاخر، فمتى غلب على ظنه ذلك قبح انكاره، لانه يصير مفسده، نحو ان يغلب على ظننا انا ان انكرنا على شارب الخمر شربها شربها و قرن الى شربها القتل، و ان لم ننكر عليه شربها و لم يقتل احدا.و منها الا يغلب على ظن الناهى عن المنكر ان نهيه لايوثر، فان غلب على ظنه ذلك قبح نهيه عند من يقول من اصحابنا ان التكليف من المعلوم منه ان يكفر لايحسن، الا ان يكون فيه لطف لغير ذلك المكلف.و اما من يقول من اصحابنا ان التكليف من المعلوم منه انه يكفر حسن و ان لم يكن فيه لطف لغير المكلف، فانه لايصح منه القول بقبح هذا الانكار.فاما شرائط وجوب النهى عن المنكر فامور: منها ان يغلب على الظن وقوع المعصيه نحو ان يضيق وقت صلاه الظهر، و يرى الانسان لايتهيا للصلاه، او يراه تهيا لشرب الخمر باعداد آلته، و متى لم يكن كذلك حسن منا ان ن
دعوه الى الصلاه و ان لم يجب علينا دعاوه.و منها الا يغلب على ظن الناهى عن المنكر انه ان انكر المنكر لحقته فى نفسه و اعضائه مضره عظيمه، فان غلب ذلك على ظنه و انه لايمتنع من ينكر عليه من فعل ما ينكره عليه ايضا، فانه لايجب عليه الانكار، بل و لايحسن منه لانه مفسده.و ان غلب على ظنه انه لايفعل ما انكره عليه و لكنه يضر به، نظر فان كان اضراره به اعظم قبحا مما يتركه اذا انكر عليه، فانه لايحسن الانكار عليه، لان الانكار عليه قد صار و الحاله هذه مفسده، نحو ان ينكر الانسان على غيره شرب الخمر، فيترك شربها و يقتله.و ان كان ما يتركه اذا انكر عليه اعظم قبحا مما ينزل به من المضره، نحو ان يهم بالكفر، فاذا انكر عليه تركه و جرح المنكر عليه او قتله فانه لايجب عليه الانكار، و يحسن منه الانكار، اما قولنا: لايجب عليه الانكار، فلان الله تعالى قد اباحنا التكلم بكلمه الكفر عند الاكراه، فبان يبيحنا ترك غيرنا ان يتلفظ بذلك عند الخوف على النفس اولى، و اما قولنا: انه يحسن الانكار، فلان فى الانكار مع الظن لما ينزل بالنفس من المضره اعزازا للدين، كما ان فى الامتناع من اظهار كلمه الكفر مع الصبر على قتل النفس اعزازا للدين، لا فضل بينهما.فاما
كيفيه انكار المنكر فهو ان يبتدى ء بالسهل، فان نفع و الا ترقى الى الصعب، لان الغرض الا يقع المنكر، فاذا امكن الا يقع بالسهل فلا معنى لتكلف الصعب، و لانه تعالى امر بالاصلاح قبل القتال فى قوله: (فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى).فاما الناهى عن المنكر من هو؟ فهو كل مسلم تمكن منه و اختص بشرائطه، لان الله تعالى قال: (و لتكن منكم امه يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر)، و لاجماع المسلمين على ان كل من شاهد غيره تاركا للصلاه غير محافظ عليها فله ان يامره بها، بل يجب عليه، الا ان الامام و خلفائه اولى بالانكار بالقتال، لانه اعرف بسياسه الحرب و اشد استعدادا لالاتها.فاما المنهى من هو؟ فهو كل مكلف اختص بما ذكرناه من الشروط، و غير المكلف اذا هم بالاضرار لغيره يمنع منه، و يمنع الصبيان و ينهون عن شرب الخمر حتى لا يتعودوه، كما يواخذون بالصلاه حتى يمرنوا عليها، و هذا ما ذكره اصحابنا.فاما قوله (ع): (و منهم المنكر بلسانه و قلبه، و التارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير، و مضيع خصله)، فانه يعنى به من يعجز عن الانكار باليد لمانع، لانه لم يخرج هذا الكلام مخرج الذم، و لو كان لم يع
ن العاجز لوجب ان يخرج الكلام مخرج الذم، لانه ليس بمعذور فى ان ينكر بقلبه و لسانه اذا اخل بالانكار باليد مع القدره على ذلك، و ارتفاع الموانع.و اما قوله: (ضيع اشرف الخصلتين) فاللام زائده، و اصله (ضيع اشرف خصلتين من الثلاث)، لانه لا وجه لتعريف المعهود هاهنا فى الخصلتين، بل تعريف الثلاث باللام اولى، و يجوز حذفها من الثلاث، و لكن اثباتها احسن، كما تقول: قتلت اشرف رجلين من الرجال الثلاثه.و اما قوله: (فذلك ميت الاحياء)، فهو نهايه ما يكون من الذم.و اعلم ان النهى عن المنكر، و الامر بالمعروف عند اصحابنا اصل عظيم من اصول الدين: و اليه تذهب الخوارج الذين خرجوا على السلطان، متمسكين بالدين و شعار الاسلام، مجتهدين فى العباده، لانهم انما خرجوا لما غلب على ظنونهم، او علموا جور الولاه و ظلمهم، و ان احكام الشريعه قد غيرت، و حكم بما لم يحكم به الله، و على هذا الاصل تبنى الاسماعيليه من الشيعه قتل ولاه الجور غيله، و عليه بناء اصحاب الزهد فى الدنيا الانكار على الامراء و الخلفاء، و مواجهتهم بالكلام الغليظ لما عجزوا عن الانكار باليد، و بالجلمه فهو اصل شريف اشرف من جميع ابواب البر و العباده، كما قال اميرالمومنين (ع).
حکمت 367
الشرح:
انما قال ذلك لان الانكار بالقلب آخر المراتب، و هو الذى لا بد منه على كل حال، فاما الانكار باللسان و باليد فقد يكون منهما بد، و عنهما عذر، فمن ترك النهى عن المنكر بقلبه، و الامر بالمعروف بقلبه، فقد سخط الله عليه لعصيانه، فصار كالممسوخ الذى يجعل الله تعالى اعلاه اسفله، و اسفله اعلاه تشويها لخلقته، و من يقول بالانفس الجسمانيه، و انها بعد المفارقه يصعد بعضها الى العالم العلوى: و هى نفوس الابرار و بعضها ينزل الى المركز، و هى نفوس الاشرار يتاول هذا الكلام على مذهبه، فيقول: ان من لايعرف بقلبه معروفا، اى لايعرف من نفسه باعثا عليه و لا متقاضيا بفعله، و لاينكر بقلبه منكرا، اى لا يانف منه و لايستقبحه، و يمتعض من فعله يقلب نفسه التى قد كان سبيلها ان تصعد الى عالمها فتجعل هاويه فى حضيض الارض، و ذلك عندهم هو العذاب و العقاب.حکمت 368
الشرح:
تقول: مرو الطعام بالضم، يمرو مرائه فهو مرى ء على (فعيل) مثل خفيف و ثقيل، و قد جاء مرى ء الطعام بالكسر، كما قالوا فقه الرجل و فقه.و وبى ء البلد بالكسر يوبا وبائه فهو وبى ء على (فعيل) ايضا، و يجوز فهو وبى ء على (فعل) مثل حذر و اشر.يقول (ع): الحق و ان كان ثقيلا الا ان عاقبته محموده، و مغبته صالحه، و الباطن و ان كان خفيفا الا ان عاقبته مذمومه، و مغبته غير صالحه، فلايحملن احدكم حلاوه عاجل الباطل على فعله، فلا خير فى لذه قليله عاجله، يتعقبها مضار عظيمه آجله، و لايصرفن احدكم عن الحق ثقله فانه سيحمد عقبى ذلك، كما يحمد شارب الدواء المر شربه فيما بعد اذا وجد لذه العافيه.حکمت 369
الشرح:
هذا كلام ينبغى ان يحمل على انه اراد (ع) النهى عن القطع على مغيب احد من الناس، و انه لايجوز لاحد ان يقول: فلان قد نجا، و وجبت له الجنه، و لا فلان قد هلك و وجبت له النار، و هذا القول حق، لان الاعمال الصالحه لايحكم لصاحبها بالجنه الا بسلامه العاقبه و كذلك الاعمال السيئه لايحكم لصاحبها بالنار الا ان مات عليها، فاما الاحتجاج بالايه الاولى فلقائل ان يقول: انها لا تدل على ما افتى (ع) به، و ذلك لان معناها انه لايجوز للعاصى ان يامن مكر الله على نفسه، و هو مقيم على عصيانه، الا ترى ان اولها: (افامن اهل القرى ان ياتيهم باسنا بياتا و هم نائمون او امن اهل القرى ان ياتيهم باسنا ضحى و هم يلعبون افامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون)، و ليست داله على ما نحن فيه، لان الذى نحن فيه: هل يجوز لاحد ان يامن على الصالحين من هذه الامه عذاب الله.فاما الايه الثانيه فالاحتجاج بها جيد لا شبهه فيه، لانه يجوز ان يتوب العاصى و التوبه من روح الله.فان قلت: و كذاك يجوز ان يكفر المسلم المطيع.قلت: صدقت، و لكن كفره ليس من مكر الله، فدل على ان المراد بالايه انه لاينبغى للعاصى ان يامن من عقوبه الله ما دام عاصيا، و هذا غير مسالتنا.
حکمت 370
الشرح:
قد تقدم القول فى البخل و الشح.و نحن نذكر هاهنا زيادات اخرى.(اقوال ماثوره فى الجود و البخل) قال بعض الحكماء: السخاء هيئه للانسان، داعيه الى بذل المقتنيات، حصل معه البذل لها او لم يحصل، و ذلك خلق، و يقابله الشح، و اما الجود، فهو بذل المقتنى، و يقابله البخل، هذا هو الاصل، و ان كان كل واحد منها قد يستعمل فى موضع الاخر، و الذى يدل على صحه هذا الفرق انهم جعلوا اسم الفاعل من السخاء و الشح على بناء الافعال الغريزيه، فقالوا: شحيح و سخى، فبنوه على (فعيل) كما قالوا: حليم و سفيه و عفيف، و قالوا: جائد و باخل، فبنوهما على (فاعل) كضارب و قاتل، فاما قولهم: بخيل، فمصروف عن لفظ (فاعل) للمبالغه، كقولهم فى راحم رحيم، و يدل ايضا على ان السخاء غريزه و خلق انهم لم يصفوا البارى ء سبحانه، به فيقولوا سخى، فاما الشح فقد عظم امره و خوف منه، و لهذا قال (ع): (ثلاث مهلكات: شح مطاع، و هوى متبع، و اعجاب المرء بنفسه)، فخص المطاع تنبيها على ان وجود الشح فى النفس فقط ليس مما يستحق به ذم لانه ليس من فعله، و انما يذم بالانقياد له، قال سبحانه: (و من يوق شح نفسه)، و قال: (و احضرت الانفس الشح).و قال (ع): لايجتمع شح و ايمان فى قلب ابدا.فاما الجود فانه محمود على جميع السنه العالم، و لهذا قيل: كفى بالجود مدحا ان اسمه مطلقا لايقع الا فى حمد، و كفى بالبخل ذما ان اسمه مطلقا لايقع الا فى ذم.و قيل لحكيم: اى افعال البشر اشبه بافعال البارى سبحانه؟ فقال: الجود.و قال النبى (ص): (الجود شجره من اشجار الجنه، من اخذ بغصن من اغصانها اداه الى الجنه، و البخل شجره من اشجار النار من اخذ بغصن من اغصانها اداه الى النار).و من شرف الجود ان الله سبحانه قرن ذكره بالايمان، و وصف اهله بالفلاح، و الفلاح اسم جامع لسعاده الدارين، قال سبحانه: (الذين يومنون بالغيب و يقيمون الصلاه و مما رزقناهم ينفقون) الى قوله: (و اولئك هم المفلحون).و قال: (و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون).و حق للجود بان يقرن بالايمان، فلا شى ء اخص به و اشد مجانسه له منه، فان من صفه المومن انشراح الصدر، كما قال تعالى: (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد فى السماء)، و هذا من صفات الجواد و البخيل، لان الجواد واسع الصدر، منشرح مستبشر للانفاق و البذل، و البخيل قنوط ضيق الصدر، حرج القلب ممسك.و قال النبى (ص): (و اى داء ادوا من البخل
).و البخل على ثلاثه اضرب: بخل الانسان بماله على نفسه، و بخله بماله على غيره، و بخله بمال غيره على نفسه او على غيره و افحشها بخله بمال غيره على نفسه، و اهونها و ان كان لا هين فيها بخله بماله على غيره.و قال (ع): (اللهم اجعل لمنفق خلفا، و لممسك تلفا).و قال: (ان الله عز و جل ينزل المعونه على قدر الموونه).و قال ايضا: (من وسع وسع عليه).و قالت الفلاسفه: الجود على اقسام: فمنها الجود الاعظم، و هو الجود الالهى، و هو الفيض العام المطلق، و انما يختلف لاختلاف المواد و استعداداتها، و الا فالفيض فى نفسه عام غير خاص، و بعده جود الملوك، و هو الجود بجزء من المال على من تدعوهم الدواعى و الاغراض الى الجود عليه، و يتلوه جود السوقه، و هو بذل المال للعفاه او الندامى و الشرب و المعاشرين و الاحسان الى الاقارب.قالوا: و اسم الجود مجاز، الا الجود الالهى العام، فانه عار عن الغرض و الداعى.و اما من يعطى لغرض وداع نحو ان يحب الثناء و المحمده، فانه مستعيض و تاجر يعطى شيئا لياخذ شيئا، قالوا قول ابى نواس: فتى يشترى حسن الثناء بماله و يعلم ان الدائرت تدور ليس بغايه فى الوصف بالجود التام، بل هو وصف بتجاره محموده، و احسن منه قول ابن ا
لرومى: و تاجر البر لا يزال له ربحان فى كل متجر تجره اجر و حمد و انما طلب الاج ر و لكن كلاهما اعتوره و احسن منهما قول بشار: ليس يعطيك للرجاء و لا الخو ف و لكن يلذ طعم العطاء و نحن قد ذكرنا ما فى هذا الموضع من البحث العقلى فى كتبنا العقليه.