حکمت 185
الشرح:
قد تقدم القول فى الغضب مرارا.و هذا الفصل فصيح لطيف المعنى، قال: لا سبيل لى الى شفاء غيظى عند غضبى، لانى اما ان اكون قادرا على الانتقام فيصدنى عن تعجيله قول القائل: لو غفرت لكان اولى! و اما الا اكون قادرا على الانتقام فيصدنى عنه كونى غير قادر عليه، فاذن لا سبيل لى الى الانتقام عند الغضب.و كان يقال: العقل كالمرآه المجلوه يصدئه الغضب، كما تصدا المرآه بالخل، فلا يثبت فيها صوره القبح و الحسن.و اجتمع سفيان الثورى و فضيل بن عياض فتذاكرا الزهد، فاجمعا على ان افضل الاعمال الحلم عند الغضب، و الصبر عند الطمع.حکمت 186
الشرح:
قد سبق القول فى مثل هذا، و ان الحسن البصرى مر على مزبله، فقال: انظروا الى بطهم و دجاجهم و حلوائهم و عسلهم و سمنهم، و الحسن انما اخذه من كلام اميرالمومنين (ع)، و قال ابن وكيع فى قول المتنبى: لو افكر العاشق فى منتهى حسن الذى يسبيه لم يسبه انه: اراد لو افكر فى حاله و هو فى القبر، و قد تغيرت محاسنه، و سالت عيناه، قال: و هذا مثل قولهم: لو افكر الانسان فيما يئول اليه الطعام لعافته نفسه.و قد ضرب العلماء مثلا للدنيا و مخالفه آخرها اولها، و مضاده مباديها عواقبها، فقالوا: ان شهوات الدنيا فى القلب لذيذه كشهوات الاطعمه فى المعده، و سيجد الانسان عند الموت لشهوات الدنيا فى قلبه من الكراهه و النتن و القبح ما يجده للاطعمه اللذيذه اذا طبختها المعده و بلغت غايه نضجها، و كما ان الطعام كلما كان الذ طعما و اظهر حلاوه، كان رجيعه اقذر و اشد نتنا، فكذلك كل شهوه فى القلب اشهى و الذ و اقوى، فان نتنها و كراهتها و التاذى بها عند الموت اشد، بل هذه الحال فى الدنيا مشاهده، فان من نهبت داره، و اخذ اهله و ولده و ماله، تكون مصيبته و المه و تفجعه فى الذى فقد بمقدار لذته به، و حبه له، و حرصه عليه، فكل ما كان فى الوجود اشهى و الذ، فهو عند الفقد ادهى و امر، و لا معنى للموت الا فقد ما فى الدنيا.و قد روى ان النبى (ص) قال للضحاك بن سفيان الكلابى: الست توتى بطعامك و قد قزح و ملح، ثم تشرب عليه اللبن و الماء! قال: بلى، قال: فالى ماذا يصير؟ قال: الى ما قد علمت يا رسول الله، قال: فان الله عز و جل ضرب مثل الدنيا بما يصير اليه طعام ابن آدم.و روى ابى بن كعب ان رسول الله (ص) قال: ان انت ضربت مثلا لابن آدم فانظر ما يخرج من ابن آدم، و ان كان قزحه و ملحه الى ما ذا صار.و قال الحسن رحمه الله: قد رايتهم يطيبونه بالطيب و الافاويه ثم يرمونه حيث رايتم، قال الله عز و جل: (فلينظر الانسان الى طعامه)، قال ابن عباس: الى رجيعه.و قال رجل لابن عمر: انى اريد ان اسالك و استحيى، فقال: لاتستحى و سل، قال: اذا قضى احدنا حاجته فقام، هل بنظر الى ذلك منه؟ فقال: نعم، ان الملك يقول له: انظر هذا ما بخلت به، انظر الى ماذا صار!
حکمت 187
الشرح:
مثل هذا قولهم: ان المصائب اثمان التجارب.و قيل لعالم فقير بعد ان كان غنيا: اين مالك؟ قال: تجرت فيه فابتعت به تجربه الناس و الوقت، فاستفدت اشرف العوضين.حکمت 188
الشرح:
هذا قد تكرر، و تكرر منا ذكر ما قيل فى اجمام النفس و التنفيس عنها من كرب الجد و الاحماض و فسرنا معنى قوله (ع): (فابتغوا لها طرائف الحكمه) و قلنا: المراد الا يجعل الانسان وقته كله مصروفا الى الانظار العقليه فى البراهين الكلاميه و الحكميه، بل ينقلها من ذلك احيانا الى النظر فى الحكمه الخلقيه فانها حكمه لاتحتاج الى اتعاب النفس و الخاطر.فاما القول فى الدعابه فقد ذكرناه ايضا فيما تقدم، و اوضحنا ان كثيرا من اعيان الحكماء و العلماء كانوا ذوى دعابه مقتصده لامسرفه، فان الاسراف فيها يخرج صاحبه الى الخلاعه، و لقد اخسن من قال: افد طبعك المكدود بالجد راحه تجم و علله بشى ء من المزح و لكن اذا اعطيته ذاك فليكن بمقدار ما يعطى الطعام من الملححکمت 189
الشرح:
معنى قوله سبحانه: (ان الحكم الا لله)، اى اذا اراد شيئا من افعال نفسه فلابد من وقوعه بخلاف غيره من القادرين بالقدره فانه لايجب حصول مرادهم اذا ارادوه، الا ترى ما قبل هذه الكلمه: (يابنى لاتدخلوا من باب واحد و ادخلوا من ابواب متفرقه و ما اغنى عنكم من الله من شى ء ان الحكم الا لله) خاف عليهم من الاصابه بالعين اذا دخلوا من باب واحد، فامرهم ان يدخلوا من ابواب متفرقه، ثم قال لهم: (و ما اغنى عنكم من الله من شى ء)، اى اذا اراد الله بكم سوئا لم يدفع عنكم ذلك السوء ما اشرت به عليكم من التفرق، ثم قا: (ان الحكم الا لله) اى ليس حى من الاحياء ينفذ حكمه لامحاله و مراده لما هو من افعاله الا الحى القديم وحده، فهذا هو معنى هذه الكلمه، و ضلت الخوارج عندها فانكروا على اميرالمومنين (ع) موافقته على التحكيم، و قالوا: كيف يحكم و قد قال الله سبحانه: (ان الحكم الا لله)، فغلطوا لموضع اللفظ المشترك، و ليس هذا الحكم هو ذلك الحكم، فاذن هى كلمه حق يراد بها باطل، لانها حق على المفهوم الاول، و يريد بها الخوارج نفى كل ما يسمى حكما اذا صدر عن غير الله تعالى، و ذلك باطل، لان الله تعالى قد امضى حكم المخلوقين فى كثير من الشرائع.