خطبه 162-در توحيد الهى
الشرح:
المهاد هنا: هو الارض، و اصله الفراش: و ساطحه باسطه، و منه تستطيح القبور خلاف تسنيمها، و منه ايضا المسطح، للموضع الذى يبسط فيه التمر ليجفف.و الوهاد: جمع وهده، و هى المكان المطمئن.و مسيلها: مجرى السيل فيها.و النجاد: جمع نجد، و هو ما ارتفع من الارض.و مخصبها: مروضها و جاعلها ذوات خصب.مباحث كلاميه و اعلم انه (ع) اورد فى هذه الخطبه ضروبا من علم التوحيد، و كلها مبنيه على ثلاثه اصول: الاصل الاول: انه تعالى واجب الوجود لذاته، و يتفرع على هذا الاصل فروع: اولها انه ليس لاوليته ابتداء، لانه لو كان لاوليته ابتداء لكان محدثا، و لا شى ء من المحدث بواجب الوجود، لان معنى واجب الوجود، ان ذاته لاتقبل العدم، و يستحيل الجمع بين قولنا: هذه الذات محدثه، اى كانت معدومه من قبل، و هى فى حقيقتها لاتقبل العدم.و ثانيها: انه ليس لازليته انقضاء، لانه لو صح عليه العدم لكان لعدمه سبب، فكان وجوه موقوفا على انتفاء سبب عدمه و المتوقف على غيره، يكون ممكن الذات، فلا يكون واجب الوجود.و قوله (ع): (هو الاول لم يزل، و الباقى بلا اجل) تكرار لهذين المعنيين السابقين على سبيل التاكيد، و يدخل فيه ايضا قوله: (لايقال له متى، و لايضرب له امد بحتى)، لان (متى) للزمان و واجب الوجود يرتفع عن الزمان، و (حتى) للغايه و واجب الوجود لا غايه له.و يدخل ايضا فيه قوله: (قبل كل غايه و مده، و كل احصاء و عده).و ثالثها: انه لايشبه الاشياء البته، لان ما عداه اما جسم او عرض او مجرد، فو اشبه الجسم او العرض لكان اما جسما او عرضا، ضروره تساوى المتشابهين المتماثلين فى حقائقهما.و لو شابه غير من المجردات- مع ان كل مجرد غير ممكن- لكان ممكنا، و ليس واجب الوجود يمكن، فيدخل فى هذا المعنى قوله (ع): (حد الاشياء عند خلقه لها، ابانه له من شبهها)، اى جعل المخلوقات ذوات حدود ليتميز هو سبحانه عنها، اذ لاحد له فبطل ان يشبهه شى ء منها.و دخل فيه قوله (ع): (لاتقدره الاوهام بالحدود و الحركات، و لا بالجوارح).و الادوات: جمع اداه و هى ما يعتمد به، و دخل فيه قوله: (الظاهر فلا يقال: مم؟) اى لايقال: من اى شى ء ظهر، (و الباطن فلا يقال: فيم)، اى لايقال فيما ذا بطن؟ و يدخل فيه قوله: (لاشبح فيقتضى) و الشبح: الشخص و يتقصى يطلب اقصاه.و يدخل فيه قوله: (و لا محجوب فيحوى) و قوله: (لم يقرب من الاشياء بالتصاق، و لم يبعد عنها بافتراق)، لان هذه الامور كلها من خصائص الاجسام و واجب
الوجود لايشبه الاجسام و لا يماثلها.و يدخل فيه قوله (ع): (تعالى عما ينحله المحددون من صفات الاقدار) اى ما ينسبه اليه المشبهه و المجسمه من صفات المقادير، و ذوات المقادير.و نهايات الاقطار، اى الجوانب.و تاثل المساكن، مجد موثل، اى اصيل، و بيت موثل، اى معمور، و كان اصل الكلمه ان تبنى الدار بالاثل، و هو شجر معروف.و تمكن الاماكن: ثبوتها و استقرارها.و قوله: (فالحد لخلقه مضروب، و الى غيره منسوب)، و قوله: (و لابطاعه شى ء انتفاع)، لانه انما ينتفع الجسم الذى يصح عليه الشهوه و النفره، كل هذا داخل تحت هذا الوجه.الاصل الثانى: انه تعالى عالم لذاته، فيعلم كل معلوم، و يدخل تحت هذا الاصل قوله (ع): (لاتخفى عليه من عباده شخوص لحظه)، ان تسكن العين فلا تتحرك.و لا (كرور لفظه) اى رجوعها.(و لا ازدلاف ربوه)، صعود انسان او حيوان ربوه من الارض، و هى الموضع المرتفع (و لا انبساط خطوه.فى ليل داج) اى مظلم.(و لاغسق ساج)، اى ساكن.ثم قال: (يتفيا عليه القمر المنير) هذا من صفات الغسق، و من تتمه نعته، و معنى: (يتفيا عليه) يتقلب ذاهبا و جائيا فى حالتى اخذه فى الضوء الى التبدر، و اخذه فى النقص الى المحاق.و قوله: (و تعقبه) اى و تتعقبه، فح
ذف احدى التائين، كما قال سبحانه: (الذين تتوفاهم الملائكه)، اى (تتوفاهم)، و الهاء فى (و تعقبه) ترجع الى القمر، اى و تسير الشمس عقبه فى كروره.و افوله، اى غيبوبته، و فى تقليب الازمنه و الدهور، من اقبال لليل و ادبار نهار.فان قلت: اذا كان قوله: (يتفيا عليه القمر المنير) فى موضع جر، لانه صفه (غسق) فكيف تتعقب الشمس و القمر مع وجود الغسق؟ و هل يمكن اجتماع الشمس و الغسق؟ قلت: لايلزم من تعقب الشمس للقمر ثبوت الغسق.بل قد يصدق تعقبها له و يكون الغسق معدوما كانه (ع) قال: (لايخفى على الله حركه فى نهار و لا ليل يتفيا عليه القمر، و تعقبه الشمس)، اى تظهر عقيبه فيزول الغسق بظهورها.و هذا التفسير الذى فسرناه يقتضى ان يكون حرف الجر و هو (فى) التى فى قوله: (فى الكرور) متعلقا بمحذوف، و يكون موضعه نصبا على الحال، اى و تعقبه كارا و آفلا.و يدخل تحته ايضا قوله (ع): (علمه بالاموات الماضين، كعلمه بالاحياء الباقين، و علمه بما فى السموات العلا، كعلمه بما فى الارضين السفلى.الاصل الثالث: انه تعالى قادر لذاته، فكان قادرا على كل الممكنات، و يدخل تحته قوله: (لم يخلق الاشياء من اصول ازليه و لا من اوائل ابديه، بل خلق ما خلق فاقام حده و صور
ما صور فاحسن صورته)، و الرد فى هذا على اصحاب الهيولى و الطينه التى يزعمون قدمها.و يدخل تحته قوله: (ليس لشى ء امتناع) لانه متى اراد ايجاد شى ء اوجده، و يدخل تحته قوله: (خرت له نحباه)، اى سجدت.و (وحدته الشفاه) يعنى الافواه، فعبر بالجزء عن الكل مجازا، و ذلك لان القادر لذاته هو المستحق للعباده لخلقه اصول النعم.كالحياه و القدره و الشهوه.و اعلم ان هذا الفن هو الذى بان به اميرالمومنين (ع) عن العرب فى زمانه قاطبه و استحق به التقدم و الفضل عليهم اجمعين، و ذلك لان الخاصه التى يتميز بها الانسان عن البهائم هى العقل و العلم، الا ترى انه يشاركه غيره من الحيوانات فى اللحميه و الدمويه و القوه و القدره، و الحركه الكائنه على سبيل الاراده و الاختيار، فليس الامتياز الا بالقوه الناطقه اى العافله العالمه، فكلما كان الانسان اكثر حظا منها، كانت انسانيته اتم، و معلوم ان هذا الرجل انفرد بهذا الفن، و هو اشرف العلوم، لان معلومه اشرف المعلومات، و لم ينقل عن احد من العرب غيره فى هذا الفن حرف واحد، و لا كانت اذهانهم تصل الى هذا و لا يفهمونه بهذا الفن فهو منفرد فيه، و بغيره من الفنون- و هى العلوم الشرعيه- مشارك لهم، و راجح عليهم، فكان
اكمل منهم لانا قد بينا ان الاعلم ادخل فى صوره الانسانيه و هذا هو معنى الافضليه.