حکمت 027
الشرح:
انما كان كذلك لان الجهر بالعباده و الزهاده و الاعلان بذلك قل ان يسلم من مخالطه الرياء، و قد تقدم لنا فى الرياء اقوال مقنعه.راى المنصور رجلا واقفا ببابه، فقال: مثل هذا الدرهم بين عينيك و انت واقف ببابنا! فقال الربيع: نعم، لانه ضرب على غير السكه.شاعر: معشر اثبت الصلاه عليهم لجباه يشقها المحراب عمروا موضع التصنع منهم و مكان الاخلاص منهم خرابحکمت 028
الشرح:
هذا ظاهر، لانه اذا كان كلما جاء ففى ادبار، و الموت كلما جاء ففى اقبال، فيا سرعان ما يلتقيان! و ذلك لان ادباره هو توجهه الى الموت، و اقبال الموت هو توجه الموت الى نحوه، فقد حق اذن الالتقاء سريعا، و مثال ذلك سفينتان بدجله او غيرها، تصعد احداهما، و الاخرى تنحدر نحوها، فلا ريب ان الالتقاء يكون وشيكا.حکمت 029
الشرح:
قد تقدم هذا المعنى و هو الاستدراج الذى ذكرناه آنفا.حکمت 030
قال الرضى رحمه الله تعالى: و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الاطاله و الخروج عن الغرض المقصود فى هذا الكتاب.الشرح:
من هذا الفصل اخذت الصوفيه و اصحاب الطريقه و الحقيقه كثيرا من فنونهم فى علومهم، و من تامل كلام سهل بن عبدالله التسترى و كلام الجنيد و السرى و غيرهم راى هذه الكلمات فى فرش كلامهم تلوح كالكواكب الزاهره و كل المقامات و الاحوال المذكوره فى هذا الفصل قد تقدم قولنا فيها.(نبذ و حكايات مما وقع بين يدى الملوك) و نذكر هاهنا الصدق فى المواطن، و بين يدى الملوك، و من يغضب لله، و ينهى عن المنكر، و يقوم بالحق و لايبالى بالسلطان و لايراقبه.دخل عمر بن عبدالعزيز على سليمان بن عبدالملك و عنده ايوب ابنه- و هو يومئذ ولى عهده- قد عقد له من بعده، فجاء انسان يطلب ميراثا من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما اخال النساء يرثن فى العقار شيئا، فقال عمر بن عبدالعزيز: سبحان الله! و اين كتاب الله! فقال سليمان: يا غلام، اذهب فاتنى بسجل عبدالملك الذى كتب فى ذلك، فقال له عمر: لكانك ارسلت الى المصحف! فقال ايوب بن سليمان: و الله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند اميرالمومنين.فلا يشعر حتى يفارقه راسه، فقال عمر: اذا افضى الامر اليك و الى امثالك كان ما يدخل على الاسلام اشد مما يخشى عليكم من هذا القول، ثم قام فخرج.و روى ابراهيم بن هشام بن يحيى، قال: حدثنى ابى، عن جدى، قال: كان عمر بن عبدالعزيز ينهى سليمان بن عبدالملك عن قتل الحروريه، و يقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا توبه، فاتى سليمان بحرورى مستقتل، و عنده عمر بن عبدالعزيز، فقال سليمان للحرورى: ماذا تقول؟ قال: ما اقول يا فاسق يابن الفاسق! فقال سليمان لعمر: ما ترى يا اباحفص؟ فسكت، فقال: اقسمت عليك لتخبرنى ماذا ترى عليه! فقال: ارى ان تشتمه كما شتمك، و تشتم اباه كما شتم اباك، فقال سليمان: ليس الا! قال: ليس الا، فلم يرجع سليمان الى قوله، و امر بضرب عنق الحرورى.و روى ابن قتيبه فى كتاب "عيون الاخبار" قال: بينما المنصور يطوف ليلا بالبيت سمع قائلا يقول: اللهم اليك اشكو ظهور البغى و الفساد، و ما يحول بين الحق و اهله من الطمع فخرج المنصور فجلس ناحيه من المسجد، و ارسل الى الرجل يدعوه، فصلى ركعتين، و استلم الركن، و اقبل على المنصور فسلم عليه بالخلافه، فقال المنصور: ما الذى سمعتك تقوله من ظهور البغى و الفساد فى الارض، و ما يحول بين الحق و اهله من الطمع؟ فو الله لقد حشوت مسامعى ما ار
مضنى فقال: يا اميرالمومنين، ان امنتنى على نفسى انباتك بالامور من اصولها، و الا احتجزت منك، و اقتصرت على نفسى فلى فيها شاغل، قال: انت آمن على نفسك، فقل، فقال: ان الذى دخله الطمع حتى حال بينه و بين اصلاح ما ظهر من البغى و الفساد لانت، قال: ويحك! و كيف يدخلنى الطمع و الصفراء و البيضاء فى قبضتى، و الحلو و الحامض عندى! قال: و هل دخل احد من الطمع ما دخلك! ان الله عز و جل استرعاك المسلمين و اموالهم، فاغفلت امورهم، و اهتممت بجمع اموالهم، و جعلت بينك و بينهم حجبا من الجص و الاجر، و ابوابا من الحديد، و حجته معهم السلاح، ثم سجنت نفسك فيها منهم، و بعثت عمالك فى جبايه الاموال و جمعها، فقويتهم بالسلاح و الرجال و الكراع، و امرت بالا يدخل عليك الا فلان و فلان، نفر سميتهم، و لم تامر بايصال المظلوم و الملهوف، و لا الجائع و الفقير، و لا الضعيف و العارى، و لا احد ممن له فى هذا المال حق، فما زال هولاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك، و آثرتهم على رعيتك، و امرت الا يحجبوا عنك، يجبون الاموال و يجمعونها و يحجبونه، ا و قالوا: هذا رجل قد خان الله، فما لنا لانخوته، و قد سخرنا! فائتمروا على الا يصل اليك من اخبار الناس شى ء الا ما ارادوا، و
لايخرج لك عامل فيخالف امرهم الا بغضوه عندك و بغوه الغوائل، حتى تسقط منزلته و يصغر قدره فلما انتشر ذلك عنك و عنهم اعظمهم الناس و هابوهم، و كان اول من صانعهم عمالك بالهدايا و الاموال ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدره و الثروه من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم، فامتلات بلاد الله بالطمع بغيا و فسادا، و صار هولاء القوم شركائك فى سلطنتك و انت غافل، فان جاء متظلم حيل بينه و بين دخول دارك، و ان اراد رفع قصته اليك عند ظهورك وجدك و قد نهيت عن ذلك، و وقفت للناس رجلا ينظر فى مظالمهم، فان جاء المتظلم اليه ارسلوا الى صاحب المظالم الا يرفع اليك قصته، و لايكشف لك حاله، فيجيبهم خوفا منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، و يلوذ به، و يستغيث اليه و هو يدفعه، و يعتل عليه، و اذا اجهد و احرج، و ظهرت انت لبعض شانك صرخ بين يديك، فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره، و انت تنظر و لاتنكر، فما بقاء الاسلام على هذا!.و لقد كنت ايام شبيبتى اسافر الى الصين فقدمتها مره و قد اصيب ملكها بسمعه، فبكى بكاء شديدا، فحداه جلساوه على الصبر، فقال: اما انى لست ابكى للبليه النازله، و لكن ابكى للمظلوم بالباب يصرخ فلا اسمع صوته! ثم قال: اما اذ ذ
هب سمعى فان بصرى لم يذهب، نادوا فى الناس الا يلبس ثوبا احر الا مظلوم، ثم كان يركب الفيل طرفى نهاره ينظر هل يرى مظلوما! فهذا مشرك بالله غلبت رافته بالمشركين على شح نفسه، و انت مومن بالله من اهل بيت نبيه لاتغلبك رافتك بالمسلمين على شح نفسك! فان كنت انما تجمع المال لولدك فقد اراك الله تعالى عبرا فى الطفل يسقط من بطن امه، ما له على الارض مال، و ما من مال يومئذ الا و دونه يد شحيحه تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبه الناس اليه، و لست بالذى تعطى، و لكن الله يعطى من يشاء ما يشاء.و ان قلت: انما اجمع المال لتشييد السلطان، فقد اراك الله عبرا فى بنى اميه، ما اغنى عنهم ما جمعوا من الذهب و الفضه، و اعدوا من الرجال و السلاح و الكراع حين اراد الله بهم ما اراد، و ان قلت: اجمع المال لطلب غايه هى اجسم من الغايه التى انا فيها، فو الله ما فوق ما انت فيه الا منزله لاتدرك الا بخلاف ما انت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك باشد من القتل؟ قال: لا، قال: فان الملك الذى خولك ما خولك لايعاقب من عصاه بالقتل، بالخلود فى العذاب الاليم! و قد راى ما قد عقدت عليه قلبك، و عملته جوارحك، و نظر اليه بصرك، و اجترحته يداك و مشت اليه رجلا
ك.و انظر هل يغنى عنك ما شححت عليه من امر الدنيا اذا انتزعه من يدك و دعاك الى الحساب على ما منحك!.فبكى المنصور و قال: ليتنى لم اخلق! ويحك! فكيف احتال لنفسى؟ قال: ان للناس اعلاما يفزعون اليهم فى دينهم، و يرضون بقولهم، فاجعلهم بطانتك يرشدوك، و شاورهم فى امرك يسددوك، قال: قد بعثت اليهم فهربوا منى، قال: نعم، خافوا ان تحملهم على طريقك، و لكن افتح بابك، و سهل حجابك، و انظر المظلوم، و اقمع الظالم، و خذ الفى ء و الصدقات مما حل و طاب، و اقسمه بالحق و العدل على اهله، و انا الضامن عنهم ان ياتوك و يسعدوك على صلاح الامه.و جاء الموذنون فسلموا عليه، و نادوا بالصلاه، فقام و صلى، و عاد الى مجلسه، فطلب الرجل فلم يوجد.و روى ابن قتيبه ايضا فى الكتاب المذكور ان عمرو بن عبيد قال للمنصور: ان الله اعطاك الدنيا باسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، و اذكر ليله تتمخض لك صبيحتها عن يوم القيامه- قال: يعنى ليله موته- فوجم المنصور، فقال الربيع: حسبك، فقد عممت اميرالمومنين، فقال عمرو بن عبيد: ان هذا صحبك عشرين سنه لم ير عليه ان ينصحك يوما واحدا، و لم يعمل وراء بابك بشى ء مما فى كتاب الله و لا فى سنه نبيه! قال ابوجعفر: فما اصنع؟ قد قلت لك، خاتم
ى فى يدك فهلم انت و اصحابك فاكفنى، فقال عمرو: دعنا بعدلك نسخ بانفسنا بعونك، و ببابك مظالم كثيره، فارددها نعلم انك صادق.و قال ابن قتيبه فى الكتاب المذكور: و قد قام اعرابى بين يدى سليمان بن عبدالملك بنحو هذا، قال له: انى مكلمك يا اميرالمومنين بكلام (فيه بعض الغلظه) فاحتمله ان كرهته، فان ورائه ما تحب، قال: قل، قال: انى ساطلق لسانى بما خرست عنه الالسن من عظتك تاديه لحق الله.انك قد تكنفك رجال اسائوا الاختيار لانفسهم، فابتاعوا دنياهم بدينهم، فهم حرب الاخره، سلم الدنيا، فلا تامنهم على ما ائتمنك الله عليه، فانهم لم يالوا الامانه تضييعا، و الامه خسفا، و انت مسئول عما اجترحوا، و ليسوا مسئولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك.فان اعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره.قال: فقال سليمان: اما انت يا اعرابى، فانك قد سللت علينا عاجلا لسانك، و هو اقطع سيفيك، فقال: اجل، لقد سللته، و لكن لك لا عليك.قال الرضى رحمه الله تعالى: و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الاطاله و الخروج عن الغرض المقصود فى هذا الكتاب.
الشرح:
من هذا الفصل اخذت الصوفيه و اصحاب الطريقه و الحقيقه كثيرا من فنونهم فى علومهم، و من تامل كلام سهل بن عبدالله التسترى و كلام الجنيد و السرى و غيرهم راى هذه الكلمات فى فرش كلامهم تلوح كالكواكب الزاهره و كل المقامات و الاحوال المذكوره فى هذا الفصل قد تقدم قولنا فيها.(نبذ و حكايات مما وقع بين يدى الملوك) و نذكر هاهنا الصدق فى المواطن، و بين يدى الملوك، و من يغضب لله، و ينهى عن المنكر، و يقوم بالحق و لايبالى بالسلطان و لايراقبه.دخل عمر بن عبدالعزيز على سليمان بن عبدالملك و عنده ايوب ابنه- و هو يومئذ ولى عهده- قد عقد له من بعده، فجاء انسان يطلب ميراثا من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما اخال النساء يرثن فى العقار شيئا، فقال عمر بن عبدالعزيز: سبحان الله! و اين كتاب الله! فقال سليمان: يا غلام، اذهب فاتنى بسجل عبدالملك الذى كتب فى ذلك، فقال له عمر: لكانك ارسلت الى المصحف! فقال ايوب بن سليمان: و الله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند اميرالمومنين.فلا يشعر حتى يفارقه راسه، فقال عمر: اذا افضى الامر اليك و الى امثالك كان ما يدخل على الاسلام اشد مما يخشى عليكم من هذا القول، ثم قام فخرج.و روى ابراهيم بن هشام بن يحيى، قال: حدثنى ابى، عن جدى، قال: كان عمر بن عبدالعزيز ينهى سليمان بن عبدالملك عن قتل الحروريه، و يقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا توبه، فاتى سليمان بحرورى مستقتل، و عنده عمر بن عبدالعزيز، فقال سليمان للحرورى: ماذا تقول؟ قال: ما اقول يا فاسق يابن الفاسق! فقال سليمان لعمر: ما ترى يا اباحفص؟ فسكت، فقال: اقسمت عليك لتخبرنى ماذا ترى عليه! فقال: ارى ان تشتمه كما شتمك، و تشتم اباه كما شتم اباك، فقال سليمان: ليس الا! قال: ليس الا، فلم يرجع سليمان الى قوله، و امر بضرب عنق الحرورى.و روى ابن قتيبه فى كتاب "عيون الاخبار" قال: بينما المنصور يطوف ليلا بالبيت سمع قائلا يقول: اللهم اليك اشكو ظهور البغى و الفساد، و ما يحول بين الحق و اهله من الطمع فخرج المنصور فجلس ناحيه من المسجد، و ارسل الى الرجل يدعوه، فصلى ركعتين، و استلم الركن، و اقبل على المنصور فسلم عليه بالخلافه، فقال المنصور: ما الذى سمعتك تقوله من ظهور البغى و الفساد فى الارض، و ما يحول بين الحق و اهله من الطمع؟ فو الله لقد حشوت مسامعى ما ار
مضنى فقال: يا اميرالمومنين، ان امنتنى على نفسى انباتك بالامور من اصولها، و الا احتجزت منك، و اقتصرت على نفسى فلى فيها شاغل، قال: انت آمن على نفسك، فقل، فقال: ان الذى دخله الطمع حتى حال بينه و بين اصلاح ما ظهر من البغى و الفساد لانت، قال: ويحك! و كيف يدخلنى الطمع و الصفراء و البيضاء فى قبضتى، و الحلو و الحامض عندى! قال: و هل دخل احد من الطمع ما دخلك! ان الله عز و جل استرعاك المسلمين و اموالهم، فاغفلت امورهم، و اهتممت بجمع اموالهم، و جعلت بينك و بينهم حجبا من الجص و الاجر، و ابوابا من الحديد، و حجته معهم السلاح، ثم سجنت نفسك فيها منهم، و بعثت عمالك فى جبايه الاموال و جمعها، فقويتهم بالسلاح و الرجال و الكراع، و امرت بالا يدخل عليك الا فلان و فلان، نفر سميتهم، و لم تامر بايصال المظلوم و الملهوف، و لا الجائع و الفقير، و لا الضعيف و العارى، و لا احد ممن له فى هذا المال حق، فما زال هولاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك، و آثرتهم على رعيتك، و امرت الا يحجبوا عنك، يجبون الاموال و يجمعونها و يحجبونه، ا و قالوا: هذا رجل قد خان الله، فما لنا لانخوته، و قد سخرنا! فائتمروا على الا يصل اليك من اخبار الناس شى ء الا ما ارادوا، و
لايخرج لك عامل فيخالف امرهم الا بغضوه عندك و بغوه الغوائل، حتى تسقط منزلته و يصغر قدره فلما انتشر ذلك عنك و عنهم اعظمهم الناس و هابوهم، و كان اول من صانعهم عمالك بالهدايا و الاموال ليقووا بها على ظلم رعيتك، ثم فعل ذلك ذوو القدره و الثروه من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم، فامتلات بلاد الله بالطمع بغيا و فسادا، و صار هولاء القوم شركائك فى سلطنتك و انت غافل، فان جاء متظلم حيل بينه و بين دخول دارك، و ان اراد رفع قصته اليك عند ظهورك وجدك و قد نهيت عن ذلك، و وقفت للناس رجلا ينظر فى مظالمهم، فان جاء المتظلم اليه ارسلوا الى صاحب المظالم الا يرفع اليك قصته، و لايكشف لك حاله، فيجيبهم خوفا منك، فلا يزال المظلوم يختلف نحوه، و يلوذ به، و يستغيث اليه و هو يدفعه، و يعتل عليه، و اذا اجهد و احرج، و ظهرت انت لبعض شانك صرخ بين يديك، فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره، و انت تنظر و لاتنكر، فما بقاء الاسلام على هذا!.و لقد كنت ايام شبيبتى اسافر الى الصين فقدمتها مره و قد اصيب ملكها بسمعه، فبكى بكاء شديدا، فحداه جلساوه على الصبر، فقال: اما انى لست ابكى للبليه النازله، و لكن ابكى للمظلوم بالباب يصرخ فلا اسمع صوته! ثم قال: اما اذ ذ
هب سمعى فان بصرى لم يذهب، نادوا فى الناس الا يلبس ثوبا احر الا مظلوم، ثم كان يركب الفيل طرفى نهاره ينظر هل يرى مظلوما! فهذا مشرك بالله غلبت رافته بالمشركين على شح نفسه، و انت مومن بالله من اهل بيت نبيه لاتغلبك رافتك بالمسلمين على شح نفسك! فان كنت انما تجمع المال لولدك فقد اراك الله تعالى عبرا فى الطفل يسقط من بطن امه، ما له على الارض مال، و ما من مال يومئذ الا و دونه يد شحيحه تحويه، فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبه الناس اليه، و لست بالذى تعطى، و لكن الله يعطى من يشاء ما يشاء.و ان قلت: انما اجمع المال لتشييد السلطان، فقد اراك الله عبرا فى بنى اميه، ما اغنى عنهم ما جمعوا من الذهب و الفضه، و اعدوا من الرجال و السلاح و الكراع حين اراد الله بهم ما اراد، و ان قلت: اجمع المال لطلب غايه هى اجسم من الغايه التى انا فيها، فو الله ما فوق ما انت فيه الا منزله لاتدرك الا بخلاف ما انت عليه، انظر هل تعاقب من عصاك باشد من القتل؟ قال: لا، قال: فان الملك الذى خولك ما خولك لايعاقب من عصاه بالقتل، بالخلود فى العذاب الاليم! و قد راى ما قد عقدت عليه قلبك، و عملته جوارحك، و نظر اليه بصرك، و اجترحته يداك و مشت اليه رجلا
ك.و انظر هل يغنى عنك ما شححت عليه من امر الدنيا اذا انتزعه من يدك و دعاك الى الحساب على ما منحك!.فبكى المنصور و قال: ليتنى لم اخلق! ويحك! فكيف احتال لنفسى؟ قال: ان للناس اعلاما يفزعون اليهم فى دينهم، و يرضون بقولهم، فاجعلهم بطانتك يرشدوك، و شاورهم فى امرك يسددوك، قال: قد بعثت اليهم فهربوا منى، قال: نعم، خافوا ان تحملهم على طريقك، و لكن افتح بابك، و سهل حجابك، و انظر المظلوم، و اقمع الظالم، و خذ الفى ء و الصدقات مما حل و طاب، و اقسمه بالحق و العدل على اهله، و انا الضامن عنهم ان ياتوك و يسعدوك على صلاح الامه.و جاء الموذنون فسلموا عليه، و نادوا بالصلاه، فقام و صلى، و عاد الى مجلسه، فطلب الرجل فلم يوجد.و روى ابن قتيبه ايضا فى الكتاب المذكور ان عمرو بن عبيد قال للمنصور: ان الله اعطاك الدنيا باسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، و اذكر ليله تتمخض لك صبيحتها عن يوم القيامه- قال: يعنى ليله موته- فوجم المنصور، فقال الربيع: حسبك، فقد عممت اميرالمومنين، فقال عمرو بن عبيد: ان هذا صحبك عشرين سنه لم ير عليه ان ينصحك يوما واحدا، و لم يعمل وراء بابك بشى ء مما فى كتاب الله و لا فى سنه نبيه! قال ابوجعفر: فما اصنع؟ قد قلت لك، خاتم
ى فى يدك فهلم انت و اصحابك فاكفنى، فقال عمرو: دعنا بعدلك نسخ بانفسنا بعونك، و ببابك مظالم كثيره، فارددها نعلم انك صادق.و قال ابن قتيبه فى الكتاب المذكور: و قد قام اعرابى بين يدى سليمان بن عبدالملك بنحو هذا، قال له: انى مكلمك يا اميرالمومنين بكلام (فيه بعض الغلظه) فاحتمله ان كرهته، فان ورائه ما تحب، قال: قل، قال: انى ساطلق لسانى بما خرست عنه الالسن من عظتك تاديه لحق الله.انك قد تكنفك رجال اسائوا الاختيار لانفسهم، فابتاعوا دنياهم بدينهم، فهم حرب الاخره، سلم الدنيا، فلا تامنهم على ما ائتمنك الله عليه، فانهم لم يالوا الامانه تضييعا، و الامه خسفا، و انت مسئول عما اجترحوا، و ليسوا مسئولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك.فان اعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره.قال: فقال سليمان: اما انت يا اعرابى، فانك قد سللت علينا عاجلا لسانك، و هو اقطع سيفيك، فقال: اجل، لقد سللته، و لكن لك لا عليك.
حکمت 031
الشرح:
قد نظمت انا هذا اللفظ و المعنى، فقلت فى جمله ابيات لى: خير البضائع للانسان مكرمه تنمى و تزكو اذا بارت بضائعه فالخير خير و خير منه فاعله و الشر شر و شر منه صانعه فان قلت: كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشر شرا من الشر، مع ان فاعل الخير انما كان ممدوحا لاجل الخير، و فاعل الشر انما كان مذموما لاجل الشر، فاذا كان الخير و الشر هما سببا المدح و الذم- و هما الاصل فى ذلك- فكيف يكون فاعلاهما خيرا و شرا منهما؟ قلت: لان الخير و الشر ليسا عباره عن ذات حيه قادره، و انما هما فعلان، او فعل و عدم فعل، او عدمان، فلو قطع النظر عن الذات الحيه القادره التى يصدران عنها، لما انتفع احد بهما و لااستضر، فالنفع و الضرر انما حصلا من الحى الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما، فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير، و فاعل الشر شرا من الشر.حکمت 032
الشرح:
كل كلام جاء فى هذا فهو ماخوذ من قوله سبحانه: (و لاتجعل يدك مغلوله الى عنقك و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).و نحو قوله: (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا).حکمت 033
الشرح:
قد سبق منا قول كثير فى المنى و نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك.سئل عبيدالله بن ابى بكر: اى شى ء ادوم متاعا؟ فقال: المنى.و قال بلال بن ابى برده: ما يسرنى بنصيبى من المنى حمر النعم.و كان يقال: الامانى للنفس كالرونق للبصر.و من كلام بعض الحكماء: الامانى تعمى اعين البصائر، و الحظ ياتى من لاياتيه، و ربما كان الطمع وعاء حشوه المتالف، و سائقا يدعو الى الندامه، و اشقى الناس بالسلطان صاحبه، كما ان اقرب الاشياء الى النار اسرعها احراقا، و لايدرك الغنى بالسلطان الا نفس خائفه، و جسم تعب، و دين منكتم، و ان كان البحر كدر الماء، فهو بعيد الهواء.حکمت 034
الشرح:
هذا المعنى كثير واسع، و لنقتصر هاهنا فيه على حكايه ذكرها المبرد فى "الكامل".(فى مجلس قتيبه بن مسلم الباهلى) قال: لما فتح قتيبه بن مسلم سمرقند افضى الى اثاث لم ير مثله، و الى آلات لم ير مثلها، فاراد ان يرى الناس عظيم ما انعم الله به عليه، و يعرفهم اقدار القوم الذين ظهر عليهم، فامر بدار ففرشت و فى صحنها قدور يرتقى اليها بالسلالم، فاذا الحضين ابن المنذر بن الحارث بن وعله الرقاشى قد اقبل و الناس جلوس على مراتبهم، و الحضين شيخ كبير، فلما رآه عبدالله بن مسلم قال لاخيه قتيبه: ائذن لى فى معاتبته، قال: لاترده لانه خبيث الجواب، فابى عبدالله الا ان ياذن له- و كان عبدالله يضعف، و قد كان تسور حائطا الى امراه قبل ذلك- فاقبل على الحضين، فقال: امن الباب دخلت يا اباساسان؟ قال: اجل، اسن عمك عن تسور الحيطان.قال: ارايت هذه القدور؟ قال: هى اعظم من الا ترى، قال: ما احسب بكر بن وائل راى مثلها، قال: اجل، و لاغيلان، و لو كان رآها سمى شبعان، و لم يسم غيلان، قال له عبدالله: يا اباساسان اتعرف الذى يقول: عزلنا و امرنا و بكر بن وائل تجر خصاها تبتغى من تحالفه قال: اجل اعرفه، و اعرف الذى يقول: بادنى العزمقاد بنى قشير و من كانت له اسرى كلاب و خيبه من يخيب على غنى و باهله بن يعصر و الركاب يريد: يا خيبه من يخيب.قال: افتعرف الذى يقول: كان فقاح الازد حول ابن مسمع اذا عرقت افواه بكر بن وائل قال: نعم اعرفه و اعرف الذى يقول: قوم قتيبه امهم و ابوهم لولا قتيبه اصبحوا فى مجهل قال: اما الشعر فاراك ترويه، فهل تقرا من القرآن شيئا؟ قال: اقرا منه الاكثر الاطيب: (هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) فاغضبه، فقال: و الله لقد بلغنى ان امراه الحضين حملت اليه و هى حبلى من غيره.قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الاولى، ثم قال على رسله، و ما يكون! تلد غلاما على فراشى، فيقال: فلان ابن الحضين، كما يقال: عبدالله بن مسلم.فاقبل قتيبه على عبدالله و قال: لايبعد الله غيرك!.قلت: هو الحضين بالضاد المعجمه، و ليس فى العرب من اسمه (الحضين) بالضاد المعجمه غيره.