خطبه 035-بعد از حكميت
الشرح:
الخطب الفادح: الثقيل و نخلت لكم اى اخلصته، من نخلت الدقيق بالمنخل.و قوله: (الحمدلله و ان اتى الدهر) اى احمده على كل حال من السراء و الضراء.و قوله: (لو كان يطاع لقصير امر) فهو قصير صاحب جذيمه، و حديثه مع جذيمه و مع الزباء مشهور فضرب المثل لكل ناصح يعصى بقصير.و قوله: (حتى ارتاب الناصح بنصحه، و ضن الزند بقدحه) يشير الى نفسه، يقول: خالفتمونى حتى ظننت ان النصح الذى نصحتكم به غير نصح، و لاطباقكم و اجماعكم على خلافى، و هذا حق، لان ذا الراى الصواب اذا كثر مخالفوه يشك فى نفسه.و اما ضن الزند بقدحه، فمعناه انه لم يقدح لى بعد ذلك راى صالح، لشده ما لقيت منكم من الاباء و الخلاف و العصيان، و هذا ايضا حق، لان المشير الناصح اذا اتهم و استغش عمى قلبه و فسد رايه.و اخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمه، و الابيات مذكوره فى الحماسه، و اولها: نصحت لعارض و اصحاب عارض و رهط بنى السوداء و القوم شهدى فقلت لهم ظنوا بالفى مدجج سراتهم فى الفارسى المسرد امرتهم امرى بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح الا ضحى الغد فلما عصونى كنت منهم و قد ارى غوايتهم و اننى غير مهتد و ما انا الا من غزيه ان غوت غويت و ان ترشد غزيه ارشد و هذه الالفاظ من خطبه خطب بها (ع) بعد خديعه ابن العاص لابى موسى و افتراقهما، و قبل وقعه النهروان.قصه التحكيم ثم ظهور امر الخوارج و يجب ان نذكر فى هذا الفصل امر التحكيم، كيف كان و ما الذى دعا اليه، فنقول: ان الذى دعا اليه طلب اهل الشام له، و اعتصامهم به من سيوف اهل العراق، فقد كانت امارات القهر و الغلبه لاحت، و دلائل النصر و الظفر وضحت فعدل اهل الشام عن القراع الى الخداع و كان ذلك براى عمرو بن العاص.و هذه الحال وقعت عقيب ليله الهرير، و هى الليله العظيمه التى يضرب بها المثل.و نحن نذكر ما اورده نصر بن مزاحم فى كتاب صفين فى هذا المعنى، فهو ثقه ثبت، صحيح النقل، غير منسوب الى هوى و لا ادغال، و هو من رجال اصحاب الحديث.قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر، قال: حدثنى ابوضرار، قال: حدثنى عمار بن ربيعه قال: غلس على (ع) بالناس صلاه الغداه يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الاول سنه سبع و ثلاثين- و قيل: عاشر شهر صفر- ثم زحف الى اهل الشام بعسكر العراق، و الناس على راياتهم و اعلامهم، و زحف اليهم اهل الشام و قد كانت الحرب اكلت الفريقين، و لكنها فى اهل الشام اشد نكايه، و اعظم وقعا، فقد ملوا الحرب، و كرهوا ال
قتال، و تضعضعت اركانهم.قال: فخرج رجل من اهل العراق، على فرس كميت ذنوب، عليه السلاح لا يرى منه الا عيناه، و بيده الرمح.فجعل يضرب رءوس اهل العراق بالقناه، و يقول: سووا صفوفكم رحمكم الله! حتى اذا عدل الصفوف و الرايات، استقبلهم بوجهه، و ولى اهل الشام ظهره، ثم حمد الله و اثنى عليه، و قال: الحمدلله الذى جعل فينا ابن عم نبيه، اقدمهم هجره، و اولهم اسلاما سيف من سيوف الله على اعدائه، فانظروا اذا حمى الوطيس و ثار القتال، و تكسر المران، و جالت الخيل بالابطال، فلا اسمع الا غمغمه او همهمه، فاتبعونى و كونوا فى اثرى.ثم حمل على اهل الشام فكسر فيهم رمحه، ثم رجع فاذا هو الاشتر.قال: و خرج رجل من اهل الشام، فنادى بين الصفين: يا اباالحسن، يا على ابرز الى.فخرج اليه على (ع) حتى اختلفت اعناق دابتيهما بين الصفين، فقال: ان لك يا على لقدما فى الاسلام و الهجره، فهل لك فى امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء، و تاخر هذه الحروب حتى ترى رايك؟ قال: و ما هو؟ قال: ترجع الى عراقك، فنخلى بينك و بين العراق، و نرجع نحن الى شامنا فتخلى بيننا و بين الشام.فقال على (ع): قد عرفت ما عرضت ان هذه لنصيحه و شفقه، و لقد اهمنى هذا الامر و اسهرنى، و
ضربت انفه و عينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل الله على محمد.ان الله تعالى ذكره لم يرض من اوليائا ان يعصى فى الارض و هم سكوت مذعنون، لايامرون بمعروف، و لاينهون عن منكر فوجدت القتال اهون على من معالجه فى الاغلال فى جهنم.قال: فرجع الرجل و هو يسترجع، و زحف الناس بعضهم الى بعض فارتموا بالنبل و الحجاره حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت.ثم مشى القوم بعضهم الى بعض بالسيوف و عمد الحديد، فلم يسمع السامعون الا وقع الحديد بعضه على بعض لهو اشد هولا فى صدور الرجال من الصواعق، و من جبال تهامه يدك بعضها بعضا و انكسفت الشمس بالنقع، و ثار القتام و القسطل و ضلت الالويه و الرايات و اخذ الاشتر يسير فيما بين الميمنه و الميسره فيامر كل قبيله او كتيبه من القراء بالاقدام على التى تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد.من صلاه الغداه من اليوم المذكور الى نصف الليل، لم يصلوا لله صلاه.فلم يزل الاشتر يفعل ذلك حتى اصبح و المعركه خلف ظهره و افترقوا عن سبعين الف قتيل فى ذلك اليوم و تلك الليله و هى ليله الهرير المشهوره.و كان الاشتر فى ميمنه الناس و ابن عباس فى الميسره، و على (ع) فى القلب، و الناس يقتتلون.ثم استمر الق
تال من نصف الليل الثانى الى ارتفاع الضحى، و الاشتر يقول لاصحابه: و هو يزحف بهم نحو اهل الشام ازحفوا قيد رمحى هذا، و يلقى رمحه، فاذا فعلوا ذلك قال: ازحفوا قاب هذا القوس فاذا فعلوا ذلك سالهم مثل ذلك، حتى مل اكثر الناس من الاقدام، فلما راى ذلك قال: اعيذكم بالله ان ترضعوا الغنم سائر اليوم.ثم دعا بفرسه، و ركز رايته- و كانت مع حيان بن هوذه النخعى- و سار بين الكتائب، و هو يقول: الا من يشترى نفسه لله و يقاتل مع الاشتر حتى يظهر او يلحق بالله! فلا يزال الرجل من الناس يخرج اليه فيقاتل معه.قال نصر: و حدثنى عمرو قال: حدثنى ابوضرار، قال: حدثنى عمار بن ربيعه، قال: مر بى الاشتر، فاقبلت معه حتى رجع الى المكان الذى كان به، فقام فى اصحابه، فقال: شدوا- فدا لكم عمى و خالى- شده ترضون بها الله، و تعرزون بها الدين.اذا انا حملت فاحملوا ثم نزل، و ضرب وجه دابته، و قال لصاحب رايته: اقدم فتقدم بها، ثم شد على القوم، و شد معه اصحابه، فضرب اهل الشام حتى انتهى بهم الى معسكرهم، فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا و قتل صاحب رايتهم و اخذ على (ع)- لما راى الظفر قد جاء من قبله- يمده بالرجال.و روى نصر عن رجاله، قال: لما بلغ القوم الى ما بلغوا ال
يه، قام على (ع) خطيبا، فحمد الله و اثنى عليه و قال: ايها الناس قد، بلغ بكم الامر و بعدوكم ما قد رايتم، و لم يبق منهم الا آخر نفس، و ان الامور اذا اقبلت اعتبر آخرها باولها، و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا، و انا غاد عليهم بالغداه احاكمهم الى الله.قال: فبلغ ذلك معاويه فدعا عمرو بن العاص، و قال: يا عمرو، انما هى الليله، حتى يغدو على علينا بالفيصل، فما ترى؟ قال: ان رجالك لايقومون لرجاله، و لست مثله، هو يقاتلك على امر و انت تقاتله على غيره، انت تريد البقاء، و هو يريد الفناء، و اهل العراق يخافون منك ان ظفرت بهم و اهل الشام لايخافون عليا ان ظفر بهم، و لكن الق الى القوم امرا ان قبلوه اختلفوا و ان ردوه اختلفوا ادعهم الى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم، فانك بالغ به حاجتك فى القوم، و انى لم ازل اوخر هذا الامر لوقت حاجتك اليه.فعرف معاويه ذلك و قال له: صدقت.قال نصر: و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الانصارى، قال: و الله لكانى اسمع عليا يوم الهرير، و ذلك بعد ما طحنت رحا مذحج، فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الاشعريين بامر عظيم تشيب منه النواصى، حتى استقلت الشمس، و قام قائم الظهر، و على (ع
) يقول لاصحابه، حتى متى نخلى بين هذين الحيين! قد فنيا و انتم وقوف تنظرون.اما تخافون مقت الله ثم انفتل الى القبله، و رفع يديه الى الله عز و جل و نادى: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا واحد، يا احد، يا صمد، يا الله، يا اله محمد، اللهم اليك نقلت الاقدام، و افضت القلوب، و رفعت الايدى، و مدت الاعناق، و شخصت الابصار، و طلبت الحوائج.اللهم انا نشكو اليك غيبه نبينا، و كثره عدونا، و تشتت اهوائنا، "ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين" سيروا على بركه الله.ثم نادى: لا اله الا الله و الله اكبر كلمه التقوى.قال: فلا و الذى بعث محمدا بالحق نبيا، ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السموات و الارض اصاب بيده فى يوم واحد ما اصاب، انه قتل- فيما ذكر العادون- زياده على خمسمائه من اعلام العرب، يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذره الى الله و اليكم من هذا.لقد هممت ان افلقه و لكن يحجزنى عنه انى سمعت رسول الله (ص) يقول: (لا سيف الا ذوالفقار و لا فتى الا على).و انا اقاتل به دونه (ص).قال: فكنا ناخذه فنقومه، ثم يتناوله من ايدينا فيقتحم به فى عرض الصف، فلا و الله ما ليث باشد نكايه منه فى عدوه (ع).قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر، عن
جابر، قال: سمعت تميم بن حذيم، يقول: لما اصبحنا من ليله الهرير، نظرنا فاذا اشباه الرايات، امام اهل الشام فى وسط الفيلق، حيال موقف على و معاويه، فلما اسفرنا اذا هى المصاحف قد ربطت فى اطراف الرماح، و هى عظام مصاحف العسكر، و قد شدوا ثلاثه ارماح جميعا، و ربطوا عليها مصحف المسجد الاعظم، يمسكه عشره رهط.قال نصر: و قال ابوجعفر و ابوالطفيل: استقبلوا عليا بمائه مصحف، و وضعوا فى كل مجنبه مائتى مصحف فكان جميعها خمسمائه مصحف.قال ابوجعفر: ثم قام الطفيل بن ادهم حيال على (ع) و قام ابوشريح الجذامى حيال الميمنه، و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسره، ثم نادوا: يا معشر العرب، الله الله فى النساء و البنات و الابناء من الروم و الاتراك و اهل فارس غدا اذا فنيتم! الله الله فى دينكم! هذا كتاب الله بيننا و بينكم.فقال على (ع): اللهم انك تعلم انهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم انك انت الحكم الحق المبين.فاختلف اصحاب على (ع) فى الراى فطائفه قالت القتال و طائفه قالت المحاكمه الى الكتاب، و لا يحل لنا الحرب، و قد دعينا الى حكم الكتاب، فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت او زارها.قال نصر: و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حدثنا ابوجعفر محمد ب
ن على بن الحسين قال: لما كان اليوم الاعظم، قال اصحاب معاويه: و الله لانبرح اليوم العرصه حتى نموت او يفتح لنا، و قال اصحاب على (ع): لانبرح اليوم العرصه حتى نموت او يفتح لنا، فبادروا القتال غدوه فى يوم من ايام الشعرى طويل، شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبال، و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح، ثم نزل القوم عن خيولهم، و مشى بعضهم الى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها و قام الفرسان فى الركب، ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد، فلم يسمع السامعون الا تغمغم القوم، و صليل الحديد فى الهام و تكادم الافواه و كسفت الشمس و ثار القتام، و ضلت الالويه و الرايات، و مرت مواقيت اربع صلوات ما يسجد فيهن لله الا تكبيرا، و نادت المشيخه فى تلك الغمرات: يا معشر العرب الله الله فى الحرمات من النساء و البنات! قال جابر: فبكى ابوجعفر و هو يحدثنا بهذا الحديث.قال نصر: و اقبل الاشتر على فرس كميت محذوف، و قد وضع مغفره على قربوس السرج، و هو ينادى: اصبروا يا معشر المومنين، فقد حمى الوطيس، و رجعت الشمس من الكسوف، و اشتد القتال، و اخذت السباع بعضها بعضا، فهم كما قال الشاعر: مضت و استاخر القرعاء عنها و خلى بينهم الا الوريع قال: يقول واحد لصاحبه فى تلك الحال