حکمت 265
الشرح:
قد تقدم القول فى الحرص و الجشع و ذمهما و ذم الكادح فى طلب الرزق، و مدح القناعه و الاقتصار، و نذكر هنا طرفا آخر من ذلك.قال بعض الحكماء: وجدت اطول الناس غما الحسود، و اهناهم عيشا القنوع، و اصبرهم على الاذى الحريص، و اخفضهم عيشا ارفضهم للدنيا، و اعظمهم ندامه العالم المفرط.و قال عمر: الطمع فقر، و الياس غنى، و من يئس مما عند الناس استغنى عنهم.و قيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قله تمنيك، و رضاك بما يكفيك، و لذلك قيل: العيش ساعات تمر، و خطوب تكر.و قال الشاعر: اقنع بعيشك ترضه و اترك هواك و انت حر فلرب حتف فوقه ذهب و ياقوت و در و قال آخر: الى متى انا فى حل و ترحال من طول سعى و ادبار و اقبال! و نازح الدار لا انفك مغتربا عن الاحبه لا يدرون ما حالى بمشرق الارض طورا ثم مغربها لايخطر الموت من حرص على بالى و لو قنعت اتانى الرزق فى دعه ان القنوع الغنى لا كثره المال و جاء فى الخبر المرفوع: (اجملوا فى الطلب، فانه ليس لعبد الا ما كتب له، و لن يخرج عبد من الدنيا حتى ياتيه ما كتب له فى الدنيا و هى راغمه).حکمت 266
الشرح:
هذا نهى للعلماء عن ترك العمل، يقول: لاتجعلوا علمكم كالجهل، فان الجاهل قد يقول: جهلت فلم اعمل، و انتم فلا عذر لكم، لانكم قد علمتم و انكشف لكم سر الامر، فوجب عليكم ان تعملوا، و لاتجعلوا علمكم جهلا، فان من علم المنفعه فى امر و لا حائل بينه و بينه ثم لم ياته كان سفيها.حکمت 267
الشرح:
قد تقدم القول فى هذه المعانى كلها.و قد ضرب الحكماء مثالا لفرط الطمع، فقالوا: ان رجلا صاد قبره فقالت: ما تريد ان تصنع بى؟ قال: اذبحك و آكلك، قالت: و الله ما اشفى من قرم، و لااشبع من جوع، و لكنى اعلمك ثلاث خصال هن خير لك من اكلى، اما واحده فاعلمك اياها و انا فى يدك، و اما الثانيه فاذا صرت على الشجره، اما الثالثه فاذا صرت على الجبل.فقال: هاتى الاولى، قالت: لا تلهفن على ما فات، فخلاها، فلما صارت على الشجره قال: هاتى الثانيه، قالت: لاتصدقن بما لايكون انه يكون، ثم طارت، فصارت على الجبل، فقالت: يا شقى لو ذبحتنى لاخرجت من حوصلتى درتين وزن كل واحده ثلاثون مثقالا، فعض على يديه و تلهف تلهفا شديدا، و قال: هاتى الثالثه، فقالت: انت قد انسيت الاثنتين، فما تصنع بالثالثه؟ الم اقل لك: لا تلهفن على ما فات! و قد تلهفت، و الم اقل لك لاتصدقن بما لايكون انه يكون.و انا و لحمى و دمى و ريشى لايكون عشرين مثقالا، فكيف صدقت ان فى حوصلتى درتين كل واحده منهما ثلاثون مثقالا! ثم طارت و ذهبت.و قوله: (و ربما شرق شارب الماء قبل ريه)، كلام فصيح، و هو مثل لمن يخترم بغته، او تطرقه الحوادث و الخطوب و هو فى تلهيه من عيشه.و مثل الكلمه الاخرى قولهم: على قدر العطيه تكون الرزيه.و القول فى الامانى قد اوسعنا القول فيه من قبل، و كذلك فى الحفوظ.حکمت 268
الشرح:
قد تقدم القول فى الرياء، و ان يظهر الانسان من العباده و الفعل الجميل ما يبطن غيره، و يقصد بذلك السمعه و الصيت لا وجه الله تعالى.و قد جاء فى الخبر المرفوع: (اخوف ما اخاف على امتى الرياء و الشهوه الخفيه).قال المفسرون: و الرياء من الشهوه الخفيه، لانه شهوه الصيت و الجاه بين الناس بانه متين الدين، مواظب على نوافل العبادات، و هذه هى الشهوه الخفيه، اى ليست كشهوه الطعام و النكاح و غيرهما من الملاذ الحسيه.و فى الخبر المرفوع ايضا: ان اليسير من الرياء شرك، و ان الله يحب الاتقياء الاخفياء الذين هم فى بيوتهم اذا غابوا لم يفتقدوا، و اذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمه.حکمت 269
الشرح:
قد روى: (تفتر عن يوم اغر).و الغبر: البقايا، و كذلك الاغبار، و كشر اى بسم، و اصله الكشف.و هذا الكلام اما ان يكون قاله على جهه التفاول، او ان يكون اخبارا بغيب، و الاول اوجه.حکمت 270
الشرح:
لاريب ان من اراد حفظ كتاب من الكتب العلميه فحفظ منه قليلا قليلا، و دام على ذلك، فان ذلك انفع له و ارجى لفلاحه من ان يحفظ كثيرا، و لا يدوم عليه لملاله اياه و ضجره منه، و التجربه تشهد بذلك.و القول فى غير الحفظ كالقول فى الحفظ، نحو الزياره القليله للصديق، و نحو العطاء اليسير الدائم الذى هو خير من الكثير المنقطع، و نحو ذلك.حکمت 271
الشرح:
قد تقدم القول فى النافله: هل تصح ممن عليه فريضه لم يودها، و ذكرنا مذاهب الفقهاء فى ذلك.و لاريب ان من استغرق الوقت بالنوافل حتى آن اوقات الفرائض لم يفعل الفرائض فيها، و شغلها بالعباده النفليه، فقد اخطا، و الواجب ان يرفض النافله حيث يتضيق وقت الفريضه، لا خلاف بين المسلمين فى ذلك، و يصلح ان يكون هذا مثلا ظاهره ما ذكرنا، و باطنه امر آخر.حکمت 272
الشرح:
هذا مثل قولهم فى المثل: (الليل طويل، و انت مقمر) و قال ايضا: عش و لاتغتر.و قال اصحاب المعانى: مثل الدنيا كركب فى فلاه وردوا ماء طيبا، فمنهم من شرب من ذلك الماء شربا يسيرا، ثم افكر فى بعد المسافه التى يقصدونها، و انه ليس بعد ذلك الماء ماء آخر، فتزود منه ماء اوصله الى مقصده، و منهم من شرب من ذلك الماء شرب عظيما، و لها عن التزود و الاستعداد، و ظن ان ما شرب كاف له و مغن عن ادخار شى ء آخر فقطع به و اخلفه ظنه فعطش فى تلك الفلاه و مات.و قد روى عن النبى (ص) انه قال لاصحابه: (انما مثلى و مثلكم و مثل الدنيا كقوم سلكوا مفازه غبراء حتى اذا لم يدروا ما سلكوا منها اكثر ام ما بقى! انفدوا الزاد و حسروا الظهر، و بقوا بين ظهرانى المفازه لا زاد و لا حموله، فايقنوا بالهلكه، فبينماهم كذلك خرج عليهم رجل فى حله يقطر راسه ماء، فقالوا: هذا قريب عهد بريف، و ما جائكم هذا الا من قريب، فلما انتهى اليهم و شاهد حالهم قال: ارايتم ان هديتكم الى ماء رواء، و رياض خضر ما تعملون؟ قالوا: لانعصيك شيئا، قال: عهودكم و مواثيقكم بالله، فاعطوه ذلك، فاوردهم ماء رواء و رياضا خضرا، و مكث بينهم ماشاءالله، ثم قال: انى مفارقكم، قالوا: الى اين؟ قال: الى ماء ليس كمائكم، و رياض ليست كرياضكم، فقال الاكثرون منهم: و الله ما وجدنا ما نحن فيه حتى ظننا انا لانجده، و ما نصنع بمنزل خير من هذا! و قال الاقلون منهم: الم تعطوا هذا الرجل مواثيقكم و عهودكم بالله لاتعصونه شيئا، و قد صدقكم فى اول حديثه، و الله ليصدقنكم فى آخره، فراح فيمن تبعه منهم، و تخلف الباقون فدهمهم عدو شديد الباس عظيم الجيش، فاصبحوا ما بين اسير و قتيل.